أخي فضيلة د.محمد الجبالي ; سلمكم الله وبارك في علمكم وعملكم.
أختي بهجة الرفاعي :
إن تكلمنا بمقتضى الاسرائيليات وما روي عنهم في هذا الباب فنعم يزعمون أنها كتبت بإصبع الله تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، لهذا ومثله من الجرأة على الله تعالى أتوقف في الاستشهاد بالاسرائيليات وقد أغنانا الله تعالى عنها بالقرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة.
ولو استشهدنا بالنص القرآني لوجدنا أنه لا يوجد دليل على أن الألواح أنزلت من السماء أو كتبت بمعجزة ربانية، ذلك ان المعجزات غالباً ما يحدثها الله تعالى لحث الناس على الإيمان ، وهذا ما حصل لموسى حين كلمه عند الشجرة وأراه عصاه تهتز كأنها جان ، فلم يعد هناك داعٍ لوقوع تلك المعجزة لموسى وهو في خلوته وميقات ربه تعالى، ولم يرد في القرآن الكريم ما يدل على ذلك.
ولو تتبعنا النص القرآني الذي يتحدث عن الألواح لوجدنا قوله جل شأنه :
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [الأعراف:145]
فالكتابة تحتمل هنا الفرض وتحمل التدوين ، ولكن الأكيد بأن مافي الألواح "
كتاب" بمعنى شريعة وفريضة كلف الله موسى أن يفرضها على قومه ويُنْفِذُها، فلم تنزل مفرقة بل نزلت الشريعة جملة واحدة، ثم ضيق الله عليهم كلما بارزوه بالمعاصي والقبيح من الفعل.
فما دام القرآن الكريم سكت عن هذا الامر ولم يبينه فليس في معرفته مزيد فائدة لنا ولكن يكفينا إدراك قدسية تلك الألواح وعناية النص القرآني في الإشارة إليها وخاصة عندما ألقاها موسى من يده غضباً من أخيه هارون حين عاد ووجد قومه يعبدون العجل من دون الله، فكانت تلك الإشارة تدل على أن غضب موسى أدى به لارتكاب أمر عظيم وهو إلقاء الألواح ومنه نستنتج بأن الغضب من مسببات الزلل، يقول تعالى:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:150]
ولما كان ربنا جل شأنه يعلم بأن ما دفعه لذلك الفعل إلا غيرته على دينه وغضبه الشديد على فعل قومه فقد اكتفى بالإشارة لهذا الفعل كفعل عظيم لافت للانتباه لا يمكن أن يمرّ عليه القارئ بدون أن يتوقف أمام هذا الفعل وهذا الحادث الجلل.
واعتذر ربنا لكليمه عليه السلام بان ذلك كان من أسباب الغضب الذي تملك نفسه وطغى على شعوره حتى أدى به لأن يفعل ما فعل ، ولكنه حين سكت عنه هذا الغضب فإنه عاد واحتضن هذه الألواح وحملها إليه ، يقول تعالى:
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف:154]
ولكن هل كانت حادثة إلقاء الألواح بما تحمله من دلالات كانت لكون هذه الألواح نزلت مكتوبة من عند الله أم لكونها تحمل كلام الله وشريعته ؟؟ ، أعتقد بأن الأمر كذلك هو مع القرآن الكريم فبرغم أنه وكتب وطبع بأيدي المسلمين ولكن رميه أو إلقاءه فيه امتهان لكلام الله ويعد من عظائم الأخطاء التي يجب الاستغفار منها إن هي وقعت من مسلم.
وبالتالي فالأرجح أن هذه الألواح تستمد قدسيتها من محتواها والشريعة العظيمة وكلام الله الذي كتب عليها وأما من كتب هذا المحتوى فهو مالا نعلمه ولا نقطع به.
والله تعالى اعلم