بنت اسكندراني
New member
بادئ ذي بدء.. أدرك أن القارئ من العنوان قد فترتْ همته عن مطالعة الموضوع, ذلك أن الكثيرين يرون أن هذا الموضوع قد قُتل بحثا, وآخرون يتحرّزون من مجرد الحديث فيه لأنه ضبابيّ الملامح!
وبالنسبة لي: أدرك جيدا أن الحديث في مثل هذا الموضوع يشبه تماما دخول حقل من الألغام, وكلما فكرتُ في الإقدام حدثتني نفسي بالفرار؛ حتى حسمتُ الأمر ... وها أنا أفرغ ما بجعبتي من أفكار, وأرجو أن تلقى تفهما واعيا وتفاعلا. وللعلم فإني ما تجرأتُ على الكتابة في هذا الموضوع إلا بعد أن تعمقتُ قليلا في علم المقامات, فاستمعتُ إلى بعض دروسها, وقرأتُ في أصولها وفروعها, وتتبعتُ آراء كبار العلماء ومشاهير القراء فيها, ثم اطلعتُ على جلّ ما كتب عنها في ملتقانا, وقد قضيتُ في بحثي هذا ما يزيد على الشهرين تقريبا .. ولم أكن أفعل ذلك لهدف معين بقدر ما كان رغبة مني في استيعاب هذا المجهول والتعمق فيه للخروج بتصور واضح لنفسي عن ماهيته. وبعد هذا المشوار تبلورت لدي فكرة ما أحب أن أطرحها عليكم ـ أهل القران ـ . ولكن قبل ذلك لا بد من إيضاح نقطة مهمة وهي:
أن الأحاديث المحرمة لقراءة القرآن بلحون أهل الغناء هي أحاديث معتبرة ولن تُمسّ أثناء طرحي لوجهة نظري. وعلى هذا فإن جواب السؤال المتكرر: هل يجوز قراءة القرآن بما يسمى المقامات؟ الجواب: لا يجوز قراءة القرآن بلحون أهل الغناء....... ولا داعي لسرد الأدلة في هذه النقطة بالذات لأنها محل اتفاق لا اختلاف.
نظرة متفحصة في الواقع:
· أولا: تفشي ظاهرة تعلم المقامات في قراءة القرآن بشكل لم نعهده من قبل, وانتشار برامج تعليم المقامات, كما كَثُرَ نشر مقاطع في اليتويوب تعرض نماذج لتلاوات القرآن الكريم بمقامات مختلفة وكذلك دروس لتعليم المقامات.
· ثانيا: لدينا الكثير من الإمكانيات الصوتية المبهرة بين الشباب الناشئ من حفظة كتاب الله, هذه الحناجر الذهبية إما أن تندثر, وإما أن تنصرف عن القرآن إلى الإنشاد!, ومن أصر منهم على توظيف حنجرته في تلاوة كتاب الله تتلقفه أيدي أساتذة المقامات. البعض يصمد أمامهم احتراما للنهي الصريح ولفتوى التحريم, والبعض الآخر ينجرف معهم في هاوية التحريم. فهل هناك من حل لهذه الظاهرة؟.
· ثالثا: واقع تعلم المقامات في قراءة القرآن واقع يندى له الجبين, فالمتعلم ينصرف تماما عن الآيات التي يقرأها وعن التطبيق وسائر التجويد ليبقى مع اللحن طلوعا ونزولا, وترى جل اهتمامه ينصب على سلاسة التحول من مقام إلى مقام, أو الإتيان بالقرار والجواب, وما إلى ذلك.
ويعلم الله كم أرغب في وضع روابط لمقاطع فيها أطفال مبدعون في قراءتهم للقرآن لكن للأسف يتعلمون بين يدي من يقول لهم: إإتني بالدرجة الرابعة من مقام السيكا!
هات الآية التالية بمقام السوزنار!
أو ابدأ الآية بيات ثم اقفل عجم!
وفي بعض المقاطع فتاة مبدعة قد احتشد لها جمهور كبير في تركيا ليستمعوا إلى قراءتها ثم هي بين يدي مايسترو حقيقي يتلو القرآن كما يتلو نوتته الموسيقية!
كم أرغب حقا في وضع هذه النماذج المؤسفة إلا أنني عدلتُ عن ذلك لمصلحة رجحتها.
إن كان لا يعني البعض ولا يؤلمهم أن يتحول طفل أو شاب متدبر وخاشع في تلاوته لكتاب الله إلى مؤدي ألحان همه الطرب والأوزان, وعد وإحصاء تفريعات المقامات فإن هذا يؤلمنا ويحزننا ويدفعنا لأن نطالب العلماء بالبحث عن حل.
· رابعا: لقد لفت نظري ازدواجية عجيبة! فهناك الكثير من المشايخ المعتبرين والذين يفتون بحرمة تعلم المقامات = يمتدحون في الوقت ذاته قراءة بعض القراء الكبار كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ المنشاوي والطبلاوي وغيرهم وينعتونهم بالكبار!!!!. فهل ولدوا كبارا دون أن يتعلموا؟!! ألم يشتهر عن بعض المشايخ القدامى أنهم تعلموا قراءة القرآن بالمقامات الموسيقية؟, أم أن هذه المعلومة يحسن بنا التغافل عنها؟ ثم ألا تعني هذه الازدواجية الغريبة أن المقصود بالتحريم هي فترة التعليم ثم إذا ما أتقن القارئ وتناهى إلى أسماعنا إبداعه في التلاوة مدحناه واستعذبنا صوته وكان في حكم الحلال؟؟!!!.
· تفنيد المقامات ـ والتي هي 72 مقاما موسيقيا تقريبا مشتقة من التسعة المشهورة الأساسية ـ واستبعاد كل ما لا يناسب كتاب الله حتى لو ذهبت كلها ولم يبق إلا عشرة منها فقط أو أقل فهو خير وبركة. على أن يُراعى بساطتها وعدم تصنعها وعدم إخلالها بقواعد التجويد.
· أن تعمد هذه اللجنة الموقرة إلى المقامات التي اختارتها فتغير أسمائها فلا تجعلها تشترك مع أهل الغناء في المسمى, ثم تسميها بأسماء أشهر من قرأ بها من القراء المشهورين الذين توفوا. أو تسميها بأسماء أكثر الأقطار الإسلامية التي اشتهرت بها كمقام الحجاز والنهاوند مثلا.
· إصدار فتوى تحذر الناس من قراءة القرآن على ألحان الغناء وتبين أن من أراد أن يحرك القلوب بالقرآن فليلزم ما جمعته اللجنة من طرق مسترسلة وعذبة تناسب كتاب الله, وهذا الإجماع من كبار أهل الاختصاص هو ملزم لكل مسلم يخشى الله ويتقيه.
· مساعدة أصحاب الأصوات الشجية والراغبين في تعلم تلاوات جميلة في كتاب الله ودفعهم إلى وجهة آمنة وسليمة من الناحية الشرعية, فيتدربون على تقليد النماذج المختارة والمرشحة من هذه اللجنة ليتعلموا منها, فيستمع القارئ لشيخ من مشايخنا الكرام ويقلده, لا أن يُترك هائما على وجهه فيتلقفه معلم يعلمه المقامات ودرجاتها والسلم الموسيقي وأصول النغم وما إلى ذلك من الأمور التي لا تليق بكتاب الله.
إن ادعاءنا عدم الحاجة لتدريب القراء على القراءة السلسة المريحة ليس بالأمر الصحيح, فكم مرة صليتَ خلف إمام ذا صوت عذب لكنك لم تشعر بالراحة خلفه فقررتَ ألا تصلي خلفه مرة أخرى, ولا تدري لماذا؟؟ ولو أنك سألتَ من يعرف في المقامات لأفادك بأن ذاك القارئ يتنقل في المقام الواحد طلوعا ونزولا أو بين المقامات دون مهارة فيصيبك صوته (النشاز) بعدم الراحة!!!. ولرب إمام قراءته على وتيرة واحدة خير لك من ذاك الذي ينوع مقاماته دون إجادة.
وكم من مرة صليتَ خلف إمام لا يحسن نغمة تكبيراته, فيوحي لك طلوعه بالصوت بأنه قائم بينما هو جالس أو ساجد! وكم من إمام نبهتك تكبيرته ونبهت الأعجمي الذي بجوارك أنه ينوي السجود لا الركوع ليأتي بسجدة تلاوة! (وأذكر أنني منذ سنوات وفي أكثر من مرة حين كنتُ أصلي خلف إمام الحرم النبوي الشريف الشيخ حسين آل الشيخ في شهر رمضان المبارك ركعتي الشفع, وفي آخر سجود يكبر الإمام للرفع منه للتشهد؛ تلتقط أذناي من المقام الذي كبر به الإمام وكبر به من يكبر عادة خلفه أنه ينوي القيام للركعة الثالثة لا للتشهد, وفي الحال أقوم وحدي من بين الصفوف قبل أن يشرع الإمام في تلاوة الفاتحة, وعادة لا يقوم الشيخ حسن آل الشيخ بهذه الحركة إلا مرتين أو ثلاث مرات فقط طوال شهر رمضان, ثم بعد الانتهاء من الصلاة أكاد أقرأ الاستغراب في وجوه البعض وكأني بهم يظنون أن الشيخ قد أخبرني بما ينوي فعله!! بينما السر كله في التكبيرة.)
· تدريب الشباب وتعليمهم علوما بسيطة ونافعة قد تلقيناها من مشايخنا ـ ورغم بساطتها فإنها ـ تزين التلاوة وتبرز معانيها على أي مقام كانت, ولعل منها على سبيل المثال:
*الإتيان بالاستفهام في القراءة وهو بديلا لما يسمى في علم المقامات بالجواب. فلا يمر القارئ بسؤال ولا استفهام إلا وأشعرك به.. فيحرك فؤادك لقوة وقعه وتأثيره.. ويدفعك دفعا إلى التدبر في الآيات.
*إعطاء فعل الأمر صوت الآمر الجازم, فتراه يحدّث المستمع كما لو أنه هو المقصود.(فكلوا واشربوا ولا تسرفوا)
*الاعتناء بعلم الوقف والابتداء.
*تحقيق معنى الاستثناء عند قراءة الآيات التي فيها إستثناء.( إلا من آمن)
*بث روح المعنى كما لو كان مصورا في بعض الكلمات مثل (على) (في).
إلى آخر هذه الأمثلة التي يعتني بتعليمها كبار المقرئين كالشيخ إبراهيم الأخضر (حفظه الله وبارك في علمه) ورغم أنها أغلبها يعتمد على تحقيق الحركات لا أكثر ولا أقل... إلا أنها تعطي الحياة للكلمات وتدفع القارئ قبل المستمع إلى التفكر والتدبر. وهذا ما نرجوه ونسعى إليه جميعا.
وفقنا الله وإياكم لطاعته.
وبالنسبة لي: أدرك جيدا أن الحديث في مثل هذا الموضوع يشبه تماما دخول حقل من الألغام, وكلما فكرتُ في الإقدام حدثتني نفسي بالفرار؛ حتى حسمتُ الأمر ... وها أنا أفرغ ما بجعبتي من أفكار, وأرجو أن تلقى تفهما واعيا وتفاعلا. وللعلم فإني ما تجرأتُ على الكتابة في هذا الموضوع إلا بعد أن تعمقتُ قليلا في علم المقامات, فاستمعتُ إلى بعض دروسها, وقرأتُ في أصولها وفروعها, وتتبعتُ آراء كبار العلماء ومشاهير القراء فيها, ثم اطلعتُ على جلّ ما كتب عنها في ملتقانا, وقد قضيتُ في بحثي هذا ما يزيد على الشهرين تقريبا .. ولم أكن أفعل ذلك لهدف معين بقدر ما كان رغبة مني في استيعاب هذا المجهول والتعمق فيه للخروج بتصور واضح لنفسي عن ماهيته. وبعد هذا المشوار تبلورت لدي فكرة ما أحب أن أطرحها عليكم ـ أهل القران ـ . ولكن قبل ذلك لا بد من إيضاح نقطة مهمة وهي:
أن الأحاديث المحرمة لقراءة القرآن بلحون أهل الغناء هي أحاديث معتبرة ولن تُمسّ أثناء طرحي لوجهة نظري. وعلى هذا فإن جواب السؤال المتكرر: هل يجوز قراءة القرآن بما يسمى المقامات؟ الجواب: لا يجوز قراءة القرآن بلحون أهل الغناء....... ولا داعي لسرد الأدلة في هذه النقطة بالذات لأنها محل اتفاق لا اختلاف.
نظرة متفحصة في الواقع:
· أولا: تفشي ظاهرة تعلم المقامات في قراءة القرآن بشكل لم نعهده من قبل, وانتشار برامج تعليم المقامات, كما كَثُرَ نشر مقاطع في اليتويوب تعرض نماذج لتلاوات القرآن الكريم بمقامات مختلفة وكذلك دروس لتعليم المقامات.
· ثانيا: لدينا الكثير من الإمكانيات الصوتية المبهرة بين الشباب الناشئ من حفظة كتاب الله, هذه الحناجر الذهبية إما أن تندثر, وإما أن تنصرف عن القرآن إلى الإنشاد!, ومن أصر منهم على توظيف حنجرته في تلاوة كتاب الله تتلقفه أيدي أساتذة المقامات. البعض يصمد أمامهم احتراما للنهي الصريح ولفتوى التحريم, والبعض الآخر ينجرف معهم في هاوية التحريم. فهل هناك من حل لهذه الظاهرة؟.
· ثالثا: واقع تعلم المقامات في قراءة القرآن واقع يندى له الجبين, فالمتعلم ينصرف تماما عن الآيات التي يقرأها وعن التطبيق وسائر التجويد ليبقى مع اللحن طلوعا ونزولا, وترى جل اهتمامه ينصب على سلاسة التحول من مقام إلى مقام, أو الإتيان بالقرار والجواب, وما إلى ذلك.
ويعلم الله كم أرغب في وضع روابط لمقاطع فيها أطفال مبدعون في قراءتهم للقرآن لكن للأسف يتعلمون بين يدي من يقول لهم: إإتني بالدرجة الرابعة من مقام السيكا!
هات الآية التالية بمقام السوزنار!
أو ابدأ الآية بيات ثم اقفل عجم!
وفي بعض المقاطع فتاة مبدعة قد احتشد لها جمهور كبير في تركيا ليستمعوا إلى قراءتها ثم هي بين يدي مايسترو حقيقي يتلو القرآن كما يتلو نوتته الموسيقية!
كم أرغب حقا في وضع هذه النماذج المؤسفة إلا أنني عدلتُ عن ذلك لمصلحة رجحتها.
هذا الواقع المزري يا أخوتي الكرام ألا يدفعنا للبحث عن حلول؟
إن إغلاق الباب أمام الطاقات الصوتية الناشئة لم يكن حلا فاعلا, فهناك نوافذ مشرعة, وخلفها فضاء رحب يرحب بهم ويتلقفهم ليحتضن إبداعاتهم!إن كان لا يعني البعض ولا يؤلمهم أن يتحول طفل أو شاب متدبر وخاشع في تلاوته لكتاب الله إلى مؤدي ألحان همه الطرب والأوزان, وعد وإحصاء تفريعات المقامات فإن هذا يؤلمنا ويحزننا ويدفعنا لأن نطالب العلماء بالبحث عن حل.
· رابعا: لقد لفت نظري ازدواجية عجيبة! فهناك الكثير من المشايخ المعتبرين والذين يفتون بحرمة تعلم المقامات = يمتدحون في الوقت ذاته قراءة بعض القراء الكبار كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ المنشاوي والطبلاوي وغيرهم وينعتونهم بالكبار!!!!. فهل ولدوا كبارا دون أن يتعلموا؟!! ألم يشتهر عن بعض المشايخ القدامى أنهم تعلموا قراءة القرآن بالمقامات الموسيقية؟, أم أن هذه المعلومة يحسن بنا التغافل عنها؟ ثم ألا تعني هذه الازدواجية الغريبة أن المقصود بالتحريم هي فترة التعليم ثم إذا ما أتقن القارئ وتناهى إلى أسماعنا إبداعه في التلاوة مدحناه واستعذبنا صوته وكان في حكم الحلال؟؟!!!.
المقتــــــــــــرح:
لماذا لا تجتمع لجنة من قراء كتاب الله الغيورين عليه لمناقشة الموضوع والخروج بحلول, قد يكون منها:· تفنيد المقامات ـ والتي هي 72 مقاما موسيقيا تقريبا مشتقة من التسعة المشهورة الأساسية ـ واستبعاد كل ما لا يناسب كتاب الله حتى لو ذهبت كلها ولم يبق إلا عشرة منها فقط أو أقل فهو خير وبركة. على أن يُراعى بساطتها وعدم تصنعها وعدم إخلالها بقواعد التجويد.
· أن تعمد هذه اللجنة الموقرة إلى المقامات التي اختارتها فتغير أسمائها فلا تجعلها تشترك مع أهل الغناء في المسمى, ثم تسميها بأسماء أشهر من قرأ بها من القراء المشهورين الذين توفوا. أو تسميها بأسماء أكثر الأقطار الإسلامية التي اشتهرت بها كمقام الحجاز والنهاوند مثلا.
· إصدار فتوى تحذر الناس من قراءة القرآن على ألحان الغناء وتبين أن من أراد أن يحرك القلوب بالقرآن فليلزم ما جمعته اللجنة من طرق مسترسلة وعذبة تناسب كتاب الله, وهذا الإجماع من كبار أهل الاختصاص هو ملزم لكل مسلم يخشى الله ويتقيه.
· مساعدة أصحاب الأصوات الشجية والراغبين في تعلم تلاوات جميلة في كتاب الله ودفعهم إلى وجهة آمنة وسليمة من الناحية الشرعية, فيتدربون على تقليد النماذج المختارة والمرشحة من هذه اللجنة ليتعلموا منها, فيستمع القارئ لشيخ من مشايخنا الكرام ويقلده, لا أن يُترك هائما على وجهه فيتلقفه معلم يعلمه المقامات ودرجاتها والسلم الموسيقي وأصول النغم وما إلى ذلك من الأمور التي لا تليق بكتاب الله.
إن ادعاءنا عدم الحاجة لتدريب القراء على القراءة السلسة المريحة ليس بالأمر الصحيح, فكم مرة صليتَ خلف إمام ذا صوت عذب لكنك لم تشعر بالراحة خلفه فقررتَ ألا تصلي خلفه مرة أخرى, ولا تدري لماذا؟؟ ولو أنك سألتَ من يعرف في المقامات لأفادك بأن ذاك القارئ يتنقل في المقام الواحد طلوعا ونزولا أو بين المقامات دون مهارة فيصيبك صوته (النشاز) بعدم الراحة!!!. ولرب إمام قراءته على وتيرة واحدة خير لك من ذاك الذي ينوع مقاماته دون إجادة.
وكم من مرة صليتَ خلف إمام لا يحسن نغمة تكبيراته, فيوحي لك طلوعه بالصوت بأنه قائم بينما هو جالس أو ساجد! وكم من إمام نبهتك تكبيرته ونبهت الأعجمي الذي بجوارك أنه ينوي السجود لا الركوع ليأتي بسجدة تلاوة! (وأذكر أنني منذ سنوات وفي أكثر من مرة حين كنتُ أصلي خلف إمام الحرم النبوي الشريف الشيخ حسين آل الشيخ في شهر رمضان المبارك ركعتي الشفع, وفي آخر سجود يكبر الإمام للرفع منه للتشهد؛ تلتقط أذناي من المقام الذي كبر به الإمام وكبر به من يكبر عادة خلفه أنه ينوي القيام للركعة الثالثة لا للتشهد, وفي الحال أقوم وحدي من بين الصفوف قبل أن يشرع الإمام في تلاوة الفاتحة, وعادة لا يقوم الشيخ حسن آل الشيخ بهذه الحركة إلا مرتين أو ثلاث مرات فقط طوال شهر رمضان, ثم بعد الانتهاء من الصلاة أكاد أقرأ الاستغراب في وجوه البعض وكأني بهم يظنون أن الشيخ قد أخبرني بما ينوي فعله!! بينما السر كله في التكبيرة.)
· تدريب الشباب وتعليمهم علوما بسيطة ونافعة قد تلقيناها من مشايخنا ـ ورغم بساطتها فإنها ـ تزين التلاوة وتبرز معانيها على أي مقام كانت, ولعل منها على سبيل المثال:
*الإتيان بالاستفهام في القراءة وهو بديلا لما يسمى في علم المقامات بالجواب. فلا يمر القارئ بسؤال ولا استفهام إلا وأشعرك به.. فيحرك فؤادك لقوة وقعه وتأثيره.. ويدفعك دفعا إلى التدبر في الآيات.
*إعطاء فعل الأمر صوت الآمر الجازم, فتراه يحدّث المستمع كما لو أنه هو المقصود.(فكلوا واشربوا ولا تسرفوا)
*الاعتناء بعلم الوقف والابتداء.
*تحقيق معنى الاستثناء عند قراءة الآيات التي فيها إستثناء.( إلا من آمن)
*بث روح المعنى كما لو كان مصورا في بعض الكلمات مثل (على) (في).
إلى آخر هذه الأمثلة التي يعتني بتعليمها كبار المقرئين كالشيخ إبراهيم الأخضر (حفظه الله وبارك في علمه) ورغم أنها أغلبها يعتمد على تحقيق الحركات لا أكثر ولا أقل... إلا أنها تعطي الحياة للكلمات وتدفع القارئ قبل المستمع إلى التفكر والتدبر. وهذا ما نرجوه ونسعى إليه جميعا.
وفقنا الله وإياكم لطاعته.
حرر الموضوع في شهر رمضان عام 1432هـ ولم ينشر فيه لعدم مناسبته للشهر الفضيل.