القرءان الكريم وليس التناخ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الفرع الثالث

عام الوفود

عام الوفود، هو العام التاسع الهجري الموافق سنة632م، عُرف بذلك لكثرة الوفود التي قدمت المدينة المنورة مسلمة للنبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتي يزيد عددها على سبعين وفدًا،وكان ذلك بعد غزوة تبوك في رجب سنة 9 هجرية.
في هذا العام جاء إلى المدينة وفوداً كثيرة من أنحاء الجزيرة تعلن إسلامها أمام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان نصراً كبيراً للمسلمين وبدأ الإسلام ينتشر وينتشر في كل الجزيرة العربية وذلك بفضل الله تعالى حتى نزلت السورة الكريمة، قال تعالى ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) سورة النصر: 1 ـ 3، وفي هذا العام جاء وفد عظيم يمثلون مائة الف رجل وهو (وفد اليمامة) يعلن إسلامة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإلا رجل واحد إسمة (مسيلمة)، وعندما دخل القوم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعلنوا إسلامهم اعطاهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدايا، فقال له الوفد : يا رسول الله : إن فينا رجل من سادتنا خارج الدار وما رضى أن يدخل معنا فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما دام يحرس متاعكم إذن فهو ليس بأسوءكم واعطاهم الهدايا لة، فخرجوا لمسيلمة وقالوا له ما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنة، فقال لهم مسيلمة : إنظروا مدحنى محمد، ثم بعد ذلك ذهب مسيلمة لبيت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لة القوم : متى تُسلم يا مسيلمة ؟ فقال لهم مسيلمة : أُسلم على أن يعطينى محمد الأمر من بعده، فسمعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمسك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرجوناً صغيراً من الأرض وقال : والله يا مسيلمة لإن سألتنى هذا العرجون ما أعطيتة لك ووالله ما آرراك إلا الكذاب، وفي يوم آخر أرسل مسيلمة صحيفة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنص على : (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: آلا إنى أوتيت الامر معك فلك نصف الأرض ولى نصفها ولكن قريش قوماً يظلمون) فأرسل له النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من أتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين) وأستمر أمر مسيلمة الكذاب حتى أدعى النبوة وتآمر مع أحد الناس واتفقوا على أن ينشروا خبر كاذب وهو أن محمد قال : (إن مسيلمة رسول مثلة) !!، فارتد كثير من الناس بعد ذلك، وأستمر الأمر حتى قُتل مسيلمة الكذاب بعد موت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أسماء بعض الوفود
430673330.jpg

في السنة التاسعة للهجرة:
  • وفود ثقيف.
  • وفد بني تميم.
  • وفد بني سعد.
  • وفد بني أسد.
  • وفد عبد قيس.
  • وفد نجران.
  • وفود بارق.
وفي السنة العاشرة للهجرة:
  • وفد بني حنيفة.
  • وفد اليمن.
  • وفد معان.
  • وفد بني عامر
  • وفد بني فزارة
الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص436-452.

السيرة النبوية، ابن هشام، ج5، ص248، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل،بيؤوت، ط1990.
ولكثرة هذه الوفود في العام التالي لفتح مكّة ومطلع الذي يليه، سمّاه المؤرّخون(عام الوفود). وكان في طليعة هذه الوفود وفد ثقيف الذي قَدِم المدينة في أعقاب عودةالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك.
وفي غمرة أفراح النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنجاح الإسلام وانتشاره، مرض ولده إبراهيم وتوفّي في نفسالعام.

البراءة من المشركين‏
لم يبقَ في الجزيرةالعربيّّة قوّة تتمسّك بالشرك والوثنيّة، إلّا أفرادا لا يُعتدّ بهم. وانتشرتالعقيدة الإسلاميّّة السمحاء، وكان لا بدّ من إعلان صريح حازم،يُلغي كلّ مظاهر الشركوالوثنيّة، في مناسك أكبر تجمُّع عباديّ سياسيّ، وحان الوقت المناسب لتُعلِن الدولةالإسلاميّّة شعاراتها في كلّ مكان، وتُنهي مرحلة المداراة وتأليف القلوب التيتطلّبتها المرحلة السابقة.

واختار النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يومالنحر في منى" مكاناً للإعلان، وعيَّن أبا بكر رضي الله تعالى عنه ليقرأ مطلع سورة التوبة: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)التوبة: 1ـ 5، التي تتضمّن إعلان البراءة بصراحة، وفيهذه الآيات النقاط التالية:
1 ـ لا يدخل الجنّة كافر.
2 ـ لا يطوف في البيت الحرام عُريان (إذ كانت تقاليد الجاهليّّة تسمح بذلك)، ولا يحجّ بعد هذاالعام مُشرِك.
3 ـ من كان بينه وبين النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً فأجلُه إلى مُدّته، ومن لم يكن له عهد ومُدّة من المشركين فإلى أربعة أشهر، وبعد ذلك سوف يُقتل من وُجِدَ مُشرِكاً.
ونزل الوحي الإلهيّّ على النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: (إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت، أو رجل منك).
فاستدعى النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمام عليّاً رضي الله تعالى عنه وأمره أن يركب ناقته العضباء ويلحق بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ويأخذ منه البلاغ ويؤدّيه للناس (ذكر هذه الواقعة: الكامل في التاريخ: ج2/ص291، تفسير مجمع البيان:ج 5/ص13.).
ووقف الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه بين جموع الحجيج في العاشر من ذي الحجّة، وهو يتلو البيان الإلهيّّ بقوّة وجرأة تتناسق مع حزم القرار ووضوحه، والناس ينصتون إليه بحذر ودقّة.. وكان أثر الإعلان على المشركين أن قَدِمُوا مسلمين على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مباهلة نصارى نجران

في سياق ما كتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قادة ورؤساء وملوك بلدان العالم، بعث كتاباً إلى أسقف نجران، يدعوه فيه مع المسيحيّين إلى عبادة الله تعالى، فاجتمع زعماء نصارى نجران لبحث الموضوع، وقرّروا أن يبعثوا وفداً إلى المدينة، وعلى رأسه الأُسقف نفسه ليأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسألوه عن دلائل نبوّته.

استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوفد، وأبدى احترامه لهم وفسح لهم المجال ليُمارسُوا طقوسهم، ثمّ عرض عليهم الإسلام فامتنعوا، وطال النقاش حول كون عيسى عليه السلام من البشر، فخلصوا إلى أن يباهلهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر منالله عزّ وجلّ(وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ سورة آل عمران:59 ـ 61..واتفقوا على اليوم اللّاحقموعداً.
وهنا وقف أسقفهم وقال لقومه: انظروا إن جاء محمّد غداً بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته، وإنجاء بأصحابه وأتباعه فباهلوه.
وفي اليوم التالي خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المباهلة ومعه الإمام عليّ، والسيّدة فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين .
فقال عندها أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنيُزيل جبلاً من مكانه لأزاله... فلا تُباهِلُوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ،فامتنعوا عن المباهلة، وصالحهم النبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على دفع الجزية ضمن معاهدة وردت تفاصيلها في كتب التفاسيروالتاريخ (راجع: تاريخ اليعقوبي: ج2، ص72، الميزان في تفسير القرآن:ج3، ص232.).



 
الفرع الرابع

لماذا اعتنقوا الإسلام ؟


Why do they accept the Islam ?

قال تعالى
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )[آل عمران : 110]
قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ )
ويقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام : ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ).
يوجد هنا كنز حقيقي ....
لن يشاهده أحد إلا وسيصيبه التعجب والفرح والانبهار ......
ستجدون هنا عدد كبير من المرئيات المباشرة من موقع يوتيوب لا تحتاج إلى تحميل ....
هذه المقاطع المرئية عبارة عن مسلمين جدد من كل جنس ولون يذكرون أسباب إسلامهم .....
هذه المقاطع تسببت بدخول كثيرين في الإسلام,وقد وضعت عنوان كل مقطع باللغة العربية قبل العنوان باللغة الانجليزية .....

شبكة NBC الأمريكية: عشرون ألف شخص يعتنقون الإسلام سنويا في أمريكا :
NBC NEWS:20000 Americans Convert To ISLAM Each Year! :
http://www.youtube. com/watch/ v/2PS2creVhaM
قسيس أمريكي سابق يكشف اعتناق قساوسة كثيرين للإسلام :
Yusuf Estes - Priests and Preachers accepting Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/E6K0627FiCk
الفنزويليون يدخلون في دين الله أفواجا :
Many Latinos Convert Daily To ISLAM .. Live From Venezuela! :
http://www.youtube. com/watch/ v/1XyrxzQIN9w
الكثير من الألمان يعتنقون الإسلام يوميا :
Every day many Germans convert to ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/34kjurzK500
التلفزيون الهولندي : الإسلام أسرع الديانات انتشارا بين الشباب الألماني :
Holland TV:ISLAM fastest spreading Faith among Youth Germans :
www.youtube. com/watch/ v/WAXXN6XOnzQ
آلاف الدنمركيين يدخلون الإسلام :
Thousands of Danish convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/kru6XQ8CT48
تقرير تلفزيوني : آلاف اللاتينيين يعتنقون الإسلام :
TV Report Thousands Hispanics Converting To ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/yDwGsmTx3D4
عالم ألماني وزوجته يعتنقون الإسلام :
German Scientist & his wife,clinic assistant convert 2 islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/uP-2IqH_ l4c
عالم أوربي يعتنق الإسلام :
European Scientist converts to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/0IspK651RpY
الدكتور البريطاني ويبر يعتنق الإسلام :
Dr. Ian Weber from England converts to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/gUZR6XwU8Pw
طالب علوم يعتنق الإسلام في أمريكا :
science students turn to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/y3_JYk4Bo4Y
تقرير تلفزيوني : النصارى في فرنسا يعتنقون الإسلام :
TV_Report: Christians Convert To ISLAM in France :
http://www.youtube. com/watch/ v/Dhu0eEuIsGg
المسلمون في تكساس : قصص للمسلمين الجدد في تكساس :
Turning Muslim in Texas - People reverting to Islam in Texas :
http://video. google.com/ videoplay? do...46116459496 814
امريكية تحولت للإسلام بعد أسابيع من 11 سبتمبر :
Angela Collins - Muslim Convert weeks after 9/11 Incident :
http://www.youtube. com/watch/ v/j6PJgJdEzNM
أسترالية تعتنق الإسلام :
NEW MUSLIM Woman from Australia CONVERT :
http://www.youtube. com/watch/ v/-baqULx5IBU
قصة مسلم أمريكي جديد :
The Choice - A Story of New American Muslim Convert :
http://www.youtube. com/watch/ v/CML3CRPMefA
ايرلندي يعتنق الإسلام :
Irish and "loving Islam" Convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/dIc5oFAva- 4
يهودي يعتنق الإسلام :
Jewish To Islam convert :
http://www.youtube. com/watch/ v/KcBiJnLjwVw
مسلم يروي التغيرات التي حصلت له بعد شهرين من إسلامه :
www.youtube. com/watch/ v/IlOuITPE6kE
http://www.youtube. com/watch/ v/1qpQvpmEqkc
لماذا اعتنقوا الإسلام :
Why do they accept the Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/aJ3TGAnFc- U
135 أمريكي يعتنقون الإسلام في وقت واحد :
135 Convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/36Glj_FAGcw
مسلمة جديدة تعتنق الإسلام في كندا :
Convert to Islam from Canada :
http://www.youtube. com/watch/ v/uKPer2fma9U
براين يروي قصته من المسيحية إلى الإسلام :
Revert to Islam - Brian From Christianity (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube. com/watch/ v/bI_YVnD9UvI
العديد من العوائل النصرانية واليهودية يعتنقون الإسلام :
Many Jew and Christian Families Convert To ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/84ZtVLI5kXM
قسيس كاثوليكي بريطاني يعتنق الإسلام :
British Catholic Priest Converted To ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/pn0iPlWQNlI
يوناني يعتنق الإسلام :
Greece Men Convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/IlAjkuECrHc
هندوسي يعتنق الإسلام :
Convert to Islam from Hinduism :
http://www.youtube. com/watch/ v/zePqNxz895U
نصرانية تعتنق الإسلام :
Christian Convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/HDkW2Y35mKQ
22 استرالي واسترالية يعتنقون الإسلام بعد محاضرة :
Twenty two/22 Brothers and sisters convert to (Islam) .... :
http://www.youtube. com/watch/ v/XQBn6loQTdY
امرأتين من بريطانيا يعتنقون الإسلام :
Two British Women of different colours convert to Islam :
www.youtube. com/watch/ v/uEfMcPQfv7w
ألماني يعتنق الإسلام :
German convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/9U1zNXXQA6Q
ثلاثة فرنسيات يعتنقون الإسلام :
Three French Sisters Convert To ISLAM :
www.youtube. com/watch/ v/JiksSo0lwL4
الصحفية ريدلي تعتنق الإسلام :
Sister Yvonne Ridley Becomes Muslim Islam Video :
http://www.youtube. com/watch/ v/aOe5s5hP4Gw
لماذا اعتنقت هذه الألمانية الإسلام :
WHY Christians German Lady convert to ISLAM, SEE VIDEO :
http://www.youtube. com/watch/ v/afFv22Wsd5A
ألمانية تعتنق الإسلام
Germany Convert To ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/os4vUxfJizU
لماذا اعتنق جيرومي الإسلام ؟
Jerome - How I wrestled my way to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/b2YZGGDGUWE
قصة ألماني اعتنق الإسلام :
The story of a German convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/gjRjzTAk- RQ
عبد السلام يعتنق الإسلام :
Revert to Islam - Abduls Salam (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube. com/watch/ v/VqlilLIQJRE
الأمريكية مريم تعتنق الإسلام :
Revert to Islam - Maryam Noor (Convert From Christianity) .... :
http://www.youtube. com/watch/ v/ig0N9aRT0Hc
المان يعتنقون الإسلام في التلفزيون الألماني :
Germans convert to Islam on german TV :
http://www.youtube. com/watch/ v/nFqj3xPKc88
تقرير تلفزيوني عن مسلمين جدد :
TV Report Rechtsanwalt konvertiert zum ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/_4LrIv6kK9o
قسيس يعتنق الإسلام :
Jolene: A Southern Baptist Converts to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/RHQOx12- WJU
محمد مصعب يروي قصته في اعتناق الإسلام :
Revert to Islam - Muahmmad Musab (Convert From Christianity) .... :
http://www.youtube. com/watch/ v/Co0xom_ KcXM
يوسف علي يروي قصة اعتناقه الإسلام :
Revert to Islam - Yusuf Ali (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube. com/watch/ v/NcjXK7qzE_ k
كيف اعتنقت ميلينا الأسلام :
How Melina came to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/jLht7Kk0bGg
عبدالله لبان يروي قصة اعتناقه للإسلام :
Revert to Islam - Abdullah Laban (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube. com/watch/ v/gGeHzUkkJH4
اللاتينيين يتركون الكنيسة ويعتنقون الإسلام :
TV Report Latinos Leaving The Church And Turning To ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/j2w14xxi0bM
وليام شبيل و25 من عائلته يعتنقون الإسلام :
William Chappelle and 25 members of his family embrace Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/mkBW4l4TmPE
الإسلام في هولندا :
Islam In Netherlands :
http://video. google.com/ videoplay? do...97847671713 770
6 ألمان يعتنقون الإسلام :
6 German convert to Islam - 2007 - LIVE :
http://www.youtube. com/watch/ v/0SpqpGKp7ts
كارولين تتحول إلى الإسلام :
Caroline convert from Christianity to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/2Cpmvne2wj0
امرأة يابانية تتحول إلى الإسلام :
Japanese Women Turning To ISLAM. :
http://www.youtube. com/watch/ v/L7PIOhK- SgA
مسلمة أمريكية جديدة تتكلم عن الحجاب :
American converted Muslim Woman speaking about the Veil :
http://www.youtube. com/watch/ v/L85Mcq3EDX8
الدكتورة ريتشارد سون يتحول إلى الإسلام في أمريكا :
Dia Richardson converted to Islam in USA :
http://www.youtube. com/watch/ v/Tp097NNj3Pk
ألمانية نصرانية تتحول إلى الإسلام :
German Christ convert to ISLAM :
http://www.youtube. com/watch/ v/UTyu18RgrAo
مسلمة جديدة تتكلم عن الإسلام من لندن :
New Muslim Lady .. Live from London :
http://www.youtube. com/watch/ v/NTlta20vsow
امرأة هولندية تتحول إلى الإسلام :
Dutch Women Turning To ISLAM in Holland :
www.youtube. com/watch/ v/UyyxPO0HFLk
امرأة من جنوب ألمانيا تتحول إلى الإسلام :
New Sister From South Germany :
http://www.youtube. com/watch/ v/EkBRKrUDnEU
كيف تتحول إلى الإسلام :
How to Convert to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/i9K7lmYaucU
أربع مسلمون جدد من أربع مناطق مختلفة من العالم :
4 New Muslims from 4 Corners of the World :
http://video. google.com/ videoplay? do...59428535210 219
جيني : كيف تحولت إلى الإسلام ؟
Jenny - How I came to Islam :
http://video. google.com/ videoplay? do...40716668905 509
كات ستيفينس يتحول إلى يوسف إسلام :
Cat Stevens becomes Yusuf Islam :
http://video. google.com/ videoplay? do...65900354777 626
اصغر مسلم جديد في بريطانيا :
Islam Youngest Muslim Reverts in The World- in England :
http://video. google.com/ videoplay? do...31311255429 137
عبد الرحيم غرين يتحول إلى الإسلام :
Why Abdul Raheem Green Came to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/wF8joJaOVJw
روبرت يتحول إلى الإسلام :
Robert converts to Islam :
http://www.youtube. com/watch/ v/vU5HGHiNUu0
قصة تحول مؤثرة إلى الإسلام :
Islam : Best and inspirational Revert Story :
http://video. google.com/ videoplay? do...40414685693 208
قصة تحول كريستال إلى الإسلام :
Revert to Islam - Sister Crystal (Convert From Christianity) ... :
http://www.youtube. com/watch/ v/IZF9stLSYjY
مسلمة جديدة أسبانية تتكلم عن حقوق المرأة في الإسلام
Spanish Woman talks about Woman rights in Islam :

http://www.youtube. com/watch/ v/exdCJ_wT9E4
 
الباب الثالث

القرءان الكريم


شبهات وردود



مقدمة
إن القرآن الكريم.. كتاب الله ووحيه المبارك..
القرآن الكريم.. كلام الله المنزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود..
أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً..
أنزله الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين.. أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، ووزن الناس بميزانه.. من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله.
[ ‏قَالَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ قَالَ ‏إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ] رواه مسلم حديث رقم 1353.
وهو دليل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدق نبوته ، وعلى أنه رسول الله جل علاه، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرف معنى إعجاز القرآن وكيف يُتَحَدى به ، وأن التحدي الذي تضمنته آيات التحدي المذكورة في سورتي البقرة وهود وغيرها ، إنما هو تحد بلفظ القرآن ونظمه وبيانه فقط ، وليس بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحد بالإخبار بالغيب المكنون ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنزيله ، ولا بعلم مالا يدركه علم المخاطبين به من العرب ،ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان وإن كان كل ذلك من بعض مكوناته، ولكن الله جل علاه طالب العرب بأن يعرفوا دليل نبوة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمجرد سماع القرآن الكريم، نعم مجرد السماع، وقد بين الله سبحانه وتعالى في غير آية من كتابه الكريم أن سماع القرآن فقط يقتضيهم إدراك معاينته لكلامهم وأنه ليس من كلام البشر, بل هو من كلام رب العالمين.
إن القرآن الكريم.. كتاب الله ووحيه المبارك ..
قال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)فصلت: ٣
فالقرآن.. كلام الله المنزل، غير مخلوق، منه بدأ إليه يعود،يقول سبحانه وتعالي في سورة
الشعراء 192ـ 195 وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥
أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً..
وقال تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)فصلت: ٤٢
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء 166 لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)النساء: ١٦٦
أنزله الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين.. أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، ووزن الناس بميزانه.. من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله، [ ‏قَالَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ قَالَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ [رواه مسلم حديث رقم 1353 .
وكتاب الله الكريم كما يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم.. ‏[ عَنْ ‏ ‏الْحَارِثِ ‏ ‏قَالَ ‏ مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا ‏ ‏تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ وَقَدْ فَعَلُوهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ‏ ‏فِتْنَةٌ ‏ ‏فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا [ إ‏ِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ] ‏مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].هكذا في سنن الدرامي ج 2 ص 435 ، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج 11 ص 30 أبواب فضائل القرآن حديث رقم 2831
وهو دليل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدق نبوته ، وعلى أنه رسول الله جل علاه، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف معنى إعجاز القرآن وكيف يُتَحَدى به ، وأن التحدي الذي تضمنته آيات التحدي المذكورة في سورتي البقرة وهود وغيرها ، إنما هو تحد بلفظ القرآن ونظمه وبيانه فقط ، وليس بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحد بالإخبار بالغيب المكنون ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنزيله ، ولا بعلم مالا يدركه علم المخاطبين به من العرب ،ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان وإن كان كل ذلك من بعض مكوناته، ولكن الله جل علاه طالب العرب بأن يعرفوا دليل نبوة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمجرد سماع القرآن الكريم، نعم مجرد السماع، وقد بين الله سبحانه وتعالى في غير آية من كتابه الكريم أن سماع القرآن فقط يقتضيهم إدراك معاينته لكلامهم وأنه ليس من كلام البشر, بل هو من كلام رب العالمين.
والحديث عن القرآن الكريم يتطلب الخوض في عنصرين أثنين..يتمثلان في البعد المكاني والبعد الزماني لنزول القرآن الكريم..
فأما عن البعد المكاني فيتمثل في شخص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...ومن ثم كانت آيات التحدي
والمتمثلة في شخص من أنزل عليه القرآن الكريم وهو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضحة وجلية..
فمن المعروف أن الطريقة التي سلكها إلى ذلك فهي أن التحدي كان مقصوراً على طلب المعارضة بمثل القرآن، ففي يونس: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)يونس: ٣٨
ثم بعشر سور مثله مفتريات ـ مختلفات ـ لا يلتزمون فيها الحكمة ولا الحقيقة، وليس إلا النظم والأسلوب، وهم أهل اللغة ولن تضيق أساطيرهم وعلومهم أن تسعها عشر سور ففي هود13:
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود: ١٣
ثم قرن التحدي بالتأنيب والتقريع ثم استفزهم بعد ذلك جملة واحدة فقال لهم في البقرة: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)البقرة: ٢٣ – ٢٤
والمدقق في التحدي الموجود في البقرة يجده يخص شخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا )..أي إن كنتم تشككون في محمد [وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا]الرعد: 43.
[ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ]الرعد: 43. وبناء عليه فلتحضروا رجلاً (مِنْ مِثْلِهِ)..
لقد تحدى الله سبحانه وتعالى أهل الفصاحة ، وسلك في ذلك طريقاً كأنها قضية من قضايا التاريخ، فحكمة هذا التحدي وذكره في القرآن الكريم ـ ولم يأت على لسان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة حديث, بل في صورة آيات تتلى ـ إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الفصحاء اللُسنْ والخطباء اللُدْ, وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خيرٌ منه ولا خير منهم في الطبع والقوة, فكانوا مظنة المعارضة والقدرة عليها, فالإعجاز كائن في رصف القرآن الكريم ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين, بالإضافة إلى أنه لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها.
أولها: أن اللغة التي نزل بها القرآن الكريم تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين, كلام هو كلامهم وكلام هو كلام الله عز وجل.
ثانيها: أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحاجز الفاصل بين الكلامين، وهذا إدراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه قدرا وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن وان يطالبهم بالشهادة عند سماعه وأن تاليه عليهم نبي مرسل من عند الله فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاش إلى سن الأربعين وما عُرف عنه أنه كان يقرض الشعر ولم تكن له مثلاً بلاغة ( قس بن ساعدة ) أو ( أكثم بن صيفي )، ولم يثبت عليه على مدي سني عمره أنه قال شعراً، بل من المعروف أن كل شاعر من الشعراء قد تخصص في لون معين من الشعر لا يجيده غيره حتى أنهم قالوا: إن شعر امرئ ألقيس يحسن عند الطرب وذكر النساء ووصف الخيل، وشعر نابغة الذبياني يحسن عند الخوف, وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء, وهكذا, فكل شاعر يحسن كلامه في فن معين فإن كلامه يضعف في غير هذا الفن, والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن طوال الأربعين سنة له علاقة بهذه الدوائر أو ذلك المجال, وهكذا كانت مفاجأة السماء, لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يختار رجلاً لم يُعرف عنه التفوق في لغته وإن اشتهر بكل صفات الخلق الطيب, اختار الله جل علاه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتنزل عليه الرسالة التي يتحدى بها أكبر أهل عصره بلاغة رغم أنه لم يشهد له أحد أو عنه قبل الرسالة بأي شيء من البلاغة, لقد أُعطِىَ البلاغة وجوامع الكلم بعد ذلك, والقرآن الكريم يحسم هذه المسألة في أكثر من موضع فيقول جل علاه في سورة العنكبوت :
(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)العنكبوت: ٤٨
إن الوحي الرباني يخاطب المعاندين على الرسالة فيقول لهم قل يا محمد إنني قد عشت بينكم أربعين عاماً لم أقل شعراً ولم ألق خطباً ولم أشارك في مجالس البلاغة, ألا تعقلون أن ما أقوله ليس من عندي ولكنه من وحي الخالق الذي لو شاء ما عرفتم بهذا الوحي.
يقول جل شأنه وعز مقداره في سورة يونس: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)يونس: ١٦
والذي يقرأ أي كلام بليغ منثور لأي كاتب ثم جاء هذا الكاتب فاستشهد ببيت من الشعر في كلامه ثم عاد إلى النثر من جديد، فإن الأذن والذوق لا يخطئان هذا الانتقال، وهذه العودة خصوصاً طبقة الشعراء الذين جبل كلامهم على الأوزان والتفاعيل أو ما يعرف بالميزان الشعري ، فمثلاً في رسالة ( ابن زيدون ) الشهيرة والتي يستعطف فيها الوزير( ابن جَهْور) والتي يقول فيها: " ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك ، والجهل الذي لم يأت من وراءه حلمك، والتطاول الذي لم تستغرقه تطولك، والتحمل الذي لم يف به احتمالك ولا أخلو من أن أكون بريئاً فأين العدل؟ أو مسيئاً فأين الفضل؟ .
إلا يكن ذنب فعدلك أوسع أو كان لي فضل ففضلك أوسع
حنانيك..... فقد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي وكفى ..." .
هنا وفي هذا النص نلتفت إلى أننا قد انتقلنا من النثر إلى الشعر في كلام هو في غاية البلاغة والفصاحة والانسجام وندرك هذا الانتقال ببساطة شديدة، ولكننا حينما نقرأ القرآن الكريم والذي فيه آيات على أوزان الشعر لا نحس أبداً بالانتقال من النثر إلى الشعر والعودة إلى النثر مرة أخرى لأن القرآن الكريم ليس شعراً على رصف الشعر وليس نثراً على رصف النثر, ولكنه نسيج وحده ، ولنأخذ على سبيل المثال الآيات 45ـ 52 من سورة الحجر فهذه الآيات الكريمة بها آيات على وزن الشعر وبها آيات على وزن النثر الخالص ولكن القارئ أو المستمع لا يحس بالانتقال من نثر إلى شعر ثم العودة إلى النثر مرة أخرى، كما لاحظنا في النص السابق من رسالة ابن زيدون، ولا يستطيع إدراك ذلك إلا من عنده ملكة الشعر بالفطرة، أو الدارس للميزان الشعري .
ولنتناول الآيات البينات من سورة الحجر45ـ 52: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ)الحجر: ٤٥ - ٥٢
في هذا النص الكريم نجد انتقال من النثر إلى الشعر وعودة من الشعر إلى النثر مرة أخرى, ولكن القارئ أو المستمع إلى القرآن الكريم لا يحس بهذا الانتقال من فن مرسل من الكلام إلى فن مقيد بالوزن الشعري والعودة مرة أخرى إلى الفن المرسل، ولننظر في قوله تعالى في هذه الآيات :( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
إننا هنا أمام شعر من الممكن معرفة وزنه العروضي وهو بحر المجتث ( مستفعلن فاعلات ... مستفعلن فاعلات ) ومع ذلك لا تحس الأذن بهذا الانتقال من النثر إلى الشعر ثم العودة مرة أخرى، وهذا كثير جداً في القرآن جمعه العلامة عباس محمود العقاد في كتابه اللغة الشاعرة.ولا يعرف هذا كله إلا من كان له إمام بهذا الفن, والسؤال الآن هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك؟ إن التاريخ ينفي ذلك تماماً.
ثالثاً: أن البيان كان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة أو يجوروا عن الإنصاف في الحكم عليه، فلقد قرعهم وعيّرهم وسفه أحلامهم وأديانهم حتى استخرج أقصى الضراوة في عداوتهم له , وظل مع ذلك يتحداهم، فنهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته.
فقطع لهم أنهم لن يفعلوا, وهي كلمة يستحيل أن تصدر من عربي إطلاقاً، لا يقولها عربي في العرب أبداً, وقد سمعوها واستقرت فيهم ودارت على ألسنتهم، وعرفوا أنها تنفي عنهم الدهر نفياً, وأنها تعجزهم آخر الأبد، فما فعلوا ولا طمعوا قط أن يفعلوا، بل إنه قد بالغ في اهتياجهم واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة كقدرة الميت على أعمال الحياة، لن تكون ولن تقع، فقال لهم (وَلَنْ تَفْعَلُوا).
فقطع لهم أنهم لن يفعلوا, وهي كلمة يستحيل أن تصدر من عربي إطلاقاً، لا يقولها عربي في العرب أبداً, وقد سمعوها واستقرت فيهم ودارت على ألسنتهم، وعرفوا أنها تنفي عنهم الدهر نفياً, وأنها تعجزهم آخر الأبد، فما فعلوا ولا طمعوا قط أن يفعلوا، بل إنه قد بالغ في اهتياجهم واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة كقدرة الميت على أعمال الحياة، لن تكون ولن تقع، فقال لهم (وَلَنْ تَفْعَلُوا).
وهذا التحدي يمكننا أن نستخرج منه تسعة حقائق ألا وهي:
الحقيقة الأولى: أن قليل القرآن الكريم وكثيره في شأن الإعجاز سواء.
الحقيقة الثانية: أن الإعجاز كان في بيان القرآن الكريم ونظمه ومبانيه.
الحقيقة الثالثة: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أُتوا القدرة على الفصل بين الذي هو كلام الله عز وجل و كلام البشر.
الحقيقة الرابعة: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طُلِبوا به من الإتيان بمثله أو بعشر سور مثله مختلفات, هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج عن بيان البشر.
الحقيقة الخامسة: أن هذا التحدي لم يقصد به الإتيان بمثله مطابقاً لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه من كل معنى أو غرض مما يعتلج في نفوس البشر.
الحقيقة السادسة: أن هذا التحدي للثقلين جميعهم، انسهم وجنهم متظاهرين وهو تحد مستمر قائم إلى يوم الدين.
الحقيقة السابعة:أن ما في القرآن الكريم من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه, كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز, وإن كان ما فيه من ذلك كله ليعد دليلاً على أنه من عند الله جل وعلا.
الحقيقة الثامنة :نفهم من طبيعة هذا التحدي أن محمد بن عبد الله رسول الله إلى الناس كافة:
يقول سبحانه وتعالى في سورة سبأ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سبأ: ٢٨
ويقولالله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: ١٠٧
وإشعيا يطالب بتسبيح الرب تسبيحاًجديدا:
[10غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا المنحدر ون فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا.]..وهذا مالا ينطبق إلا على أمة الإسلام فنحن أكثر أهل الأرض تسبيحاً لله ولمتسبقنا أمة في أن يكون التسبيح لله فرضاً عليها كل يوم أكثر من مائة مرة في الصلوات الخمس وهذا في الفرائض فقط من الصلوات ويليها تسبيحالله عز وجلأكثر من ثلاثة وثلاثين مرة بعد كل صلاةهذا فقط في الفرائض ولم أقل في السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وهذا تسبيح جديد لم تسبقنا به أمة من الأمم.
ويأمرنا الله عز وجل ويأمرنبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن بالتسبيح فيقول سبحانه في الطور(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور: ٤٨ - ٤٩
ويقول سبحانه وتعالى في سورة طه:
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)طه: ١٣٠
ويقول عز وجلفي سورة الحجر:
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)الحجر: ٩٨ - ٩٩
ويقول سبحانه وتعالى في سورة الفرقان:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) الفرقان: ٥٨
وهناكالعشرات من الآيات في القرآن تأمرنا بالتسبيح فظهر يقيناً أنه لا أمة أمرت بالتسبيحكما أمرنا نحن ولم يفرض على أمة تسبيحاً جديداً غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الحقيقة التاسعة: موجودة في آية التحدي الكبرى:
قال تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)البقرة: ٢٣ – ٢٤
ما هو المقصود بقوله تعالى (عَبْدِنَا) الواردة في النص السابق؟.
من المهم جداً أن نذكر النبوءة الواردة في إشعياء 42/1-21:
الإصْحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ
1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».
التعليق على النص السابق:
فمن هو المقصود بهذه النبوءة؟.والموجود في النص:[1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ.].
הןעבדיאתמך־בובחירירצתהנפשׁינתתירוחיעליומשׁפטלגויםיוציא
إن المدقق في لفظ عَبْدِيעבדי هكذا مجرداً لابد وأن ينصرف الذهن إلى شخص واحد محدد هو النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه من المألوف عند وصف أي نبي من الأنبياء بصفة العبودية لابد وأن يذكر اسمه بعدها إلا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يقول سبحانه وتعالى:[ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ] ص/17.
ويقول سبحانه وتعالى: [ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ] ص/ 41.
ويقول سبحانه وتعالى: [ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ] مريم /2.
كما أنه قد ورد نفس الشيء في الكتاب المقدس:
لقد ورد في 1أخبار 6/49 [وَأَمَّا هَارُونُ وَبَنُوهُ فَكَانُوا يُوقِدُونَ عَلَىمَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ مَعَ كُلِّ عَمَلِ قُدْسِالأَقْدَاسِ, وَلِلتَّكْفِيرِ عَنْ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُاللَّهِ]
والنص العبري هكذا:הןעבדיאתמך־בובחירירצתהנפשׁינתתירוחיעליומשׁפטלגויםיוציא
وفي دانيال 6/20 [ فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى الْجُبِّ نَادَى دَانِيآلَ بِصَوْتٍ أَسِيفٍ: يَادَانِيآلُ عَبْدَاللَّهِ الْحَيِّ هَلْ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِماً قَدِرَعَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَالأُسُودِ؟].
وهكذا في سائر القرآن الكريم إلا الحديث عن النبي الخاتم:
[ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ]. (البقرة : 23 )
[ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ]. (الأنفال : 41 )
[ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ]. (القمر : 9 )
[ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ]. (الكهف : 1 )
[ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ]. (الفرقان : 1 )
[ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ]. (الزمر : 36 )
[ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ]. (النجم : 10 )
[ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ]. (الحديد : 9 )
فلماذا يذكر النبي محمد بدون ذكر اسمه؟ .
الإجابة ببساطة شديدة جاءت في قوله تعالى في سورة البقرة:
[الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147}] البقرة:146ـ 147.
فمَن غير الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمن الأنبياء لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وله شريعة جديدة أكرمها فوضع الحق في الأرض ونشر الشريعة في كل البلاد ما في الفقرة 42/1 ؟,, مَن غيره ؟؟ إنالله عز وجل أمرنا أن نجاهد لنشر دين الحق ونشرالشريعة فإما النصر أو الشهادة , وإن يسوع قال ما أرسلت إلا إلى خراف بيت إسرائيلالضالة .متى15/24:
والنص هنا يقول:[ 6أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. ] والرسول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرسل إلى الناس كافة وهذا مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى:
[ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] سبأ /28 .
ويقول الله سبحانه وتعالى:[ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ] الأنبياء/ 107 .
وقوله: [ وَنُوراً لِلأُمَمِ ]..
فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ] الأحزاب/ 47 .
أما قوله في إشعياء أنه يفتح عيون العُمي ويخرج من الحبس المأسورين ويصفهم بأنهم جالسين في الظلمة والله عز وجل يقول في القرآن مخاطبا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يخرج الناس من الظلمات إلى النور فيقول سبحانه وتعالى:
[ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ] إبراهيم/ 1.
ويقول عز وجل: [ رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً] الطلاق/11.
وقال عز واصفاً الذين ضلوا من الناس وتاهوا عن شريعة رب العالمين بأنهم في الظلمات:
[ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] الأنعام/ 39.
فهذا بلا جدال وصف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يوجد عاقل ينكر أن هذه كانت من صفاته.
كما أن يسوع لم يأت لعبدة الأصنام ولكنه جاء لليهود والرسول عليه الصلاة والسلامأول ما خاطب خاطب الكفار عبدة الأصنام وإشعيا يقول:
[ 8أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لِآخَرَ وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ.] أي الأصنام المنحوتة من الحجر كما يقول تفسير الكتاب المقدس.
ويقول واصفاً إياه:
[9هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا.] .
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من أخبر عن أنباء الأمم الأولى وأخبر عن نفاذ سنة الله عز وجل في الكون فحكى عن عاد وثمود وعن قوم نوح ولوط وهود وصالح ويونس وعن قوم إبراهيم وعن قوم فرعون وهو من نبأ عما سيأتي من الأمور فتحققت نبوءاته وما زالت تتحقق.
فهذا تصريح بأن هذه النبوءة لا تنطبق على أي أمة غير الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته بلا منازع فكيف يقولون أنها عن يسوع ؟؟.
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء 166 لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)النساء: ١٦٦
وهذا التحدي يمكننا أن نستخرج منه سبعة حقائق ألا وهي:
الأولى: أن قليل القرآن الكريم وكثيره في شأن الإعجاز سواء.
الثانية: أن الإعجاز كان في بيان القرآن الكريم ونظمه ومبانيه.
الثالثة: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أُتوا القدرة على الفصل بين الذي هو كلام الله عز وجل و كلام البشر.
الرابعة: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طُلِبوا به من الإتيان بمثله أو بعشر سور مثله مختلفات, هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج عن بيان البشر.
الخامسة: أن هذا التحدي لم يقصد به الإتيان بمثله مطابقاً لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه من كل معنى أو غرض مما يعتلج في نفوس البشر.
السادسة: أن هذا التحدي للثقلين جميعهم، انسهم وجنهم متظاهرين وهو تحد مستمر قائم إلى يوم الدين.
السابعة: أن ما في القرآن الكريم من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه, كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز, وإن كان ما فيه من ذلك كله ليعد دليلاً على أنه من عند الله جل وعلا.
أما عن أسلوب التحدي لغير الناطقين بالضاد فكان عن طريق خطاب مباشر لهم كما وضحته سورة المائدة حيث يقول سبحانه وتعالى:(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)المائدة: ١٥ - ١٦
ولقد بلغ التحدي مداه حينما تحدث مخاطباً علماء بني إسرائيل أنهم يعرفونه عليه الصلاة والسلام وأنه كشف عن تلاعبهم في نصوص التوراة بأن أخفوا اسمه الشريف ووضعوا بديلاً عنه كلمات لا يعرفها إلا العلماء منهم.
تنويه
في الفصل القادم سوف اتحدث عن(أحاديث جمع القرآن بين الرد والتأويل)..وذلك في الفرع الأول..ثم اتناول الحديث في الفرع الثاني عن( الجمع العثماني ومزاياه)..وفي الفرع الثالث أتحدث عن(دفع الاعتراض على عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في جمع القرآن ورد الشبهات المثارة حول هذا الجمع)..
وإنصافاً للحق لقد تناول هذه الأموربالتحقيق الدقيق كلا من السيّد علي الحسيني الميلاني.. و محمد شرعي أبو زيد..الأول في كتابه: (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف)..المؤلف: السيّد علي الحسيني الميلاني..الناشر: دار القرآن الكريم..الفصل الثالث:الأقوال والآراء في أهل السنة حول التحريف وأحاديثه..
والثاني في كتابه:(جمع القران..في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث)
وهو عبارة عن بحث تكميلي للحصول على درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن..تأليف:محمد شرعي أبو زيد..وكانت مناقشته في كلية الشريعة بجامعة الكويت في شهر شوال من سنة 1419 ﻫ.
وكل الذي فعلته أنني قد وضعت المراجع بجوار النصوص المستشهد بها في بحثيهما كما أفعله عند تناولي لأي موضوع..فهذا هو نهجي ومنهجي في كافة دراساتي وأبحاثي..وهو مجهود لا يقل جهدا عن بحثيهما..
لذا لزم التنوية..
 

الفصل الثاني

الفرع الأول


أحاديث جمع القرآن بين الرد والتأويل

وأما الأحاديث التي رووها حول جمع القرآن ، المتضاربة فيما بينها ، والتي اعترف بعضهم كالإمام محمد أبو زهرة بوجود روايات مدسوسة مكذوبة فيها[المعجزة الكبرى : 33] فقد حاولوا الجمع بينها ، ثم رفع التنافي بينها وبين أدلة عدم التحريف والبناء على أن القرآن مجموع في عصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبأمر منه...
وإليك بيان ذلك بالتفصيل :
الرد على طعن الْملاحدة في تواتر القرآن
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. [رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح 5004 (8/663).
وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668)].
وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.[ رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.].
فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.
وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
ويجاب عن حديث أنس رضي الله تعالى عنه بوجوه:
أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.
ولذلك ثلاثة أدلة:
الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،[ رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).]. وروي أنه قتل في وقعة اليمامة مثلهم [اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11ﻫ].
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا في غاية البعد في العادة.
وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَم ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،[ والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(8/662) ح 5002.]. مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟. مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟. فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.[ نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).].
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس رضي الله تعالى عنه في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،[ رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.].
وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،[ رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004]. وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا رضي الله تعالى عنه تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.[ مناهل العرفان (1/243-245).].
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.[أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).]. وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.[ ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).].والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.
ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي:
وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَبغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
الخامس: أن الْمراد بالجمع في هذا الحديث الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.
السادس: أن الْمراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هم، بخلاف غيرهم، فلم يفصح أحد منهم بأنه أكمل حفظه إلا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة مِمَّن جمع جميع القرآن.[ نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).].
وعليه فقد لقد تضاربت روايات أهل السنة حول جمع القرآن كما تقدم ، وعلى ضوئها اختلفت كلمات علمائهم.
والمتحصل من جميعها : أن الجمع للقرآن كان على مراحل ثلاث:
الأولى: على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث كتب في الرقاع والعسب.
والثانية : على عهد أبي بكر وكان بانتساخه من العسب والرقاع وغيرها وجعله في مكان واحد...
والثالثة: على عهد عثمان والذي فعله ترتيبه وحمل الناس على قراءة واحدة... هذا ما كادت تجمع عليه كلماتهم، والجمع في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّ مَكان « حفظا » و«كتابة» معا، أما حفظا: فإن الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون..[مباحث في علوم القرآن : 65] .
وأما كتابة : فإن القرآن الكريم لم يكن كاملا في الكتابة على عهده عند الذين حفظوه كاملا لكن كانت كتابته كاملة عند الجميع ، فهو مكتوب كله عند جميعهم ، وما ينقص من عند واحد يكمله ما عند الآخرين ، إلا إنه كان متواترا كله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عصره حفظا[المعجزة الكبرى : 28.] ، فعمد أبو بكر إلى جمعه ، إذ أمر ـ بعد يوم اليمامة ـ بجمع تلك الكتابات وجمع القرآن منها بتأليفه وتدوينه[الإتقان 1 | 62 ،مناهل العرفان 1 | 242 ، إعجاز القرآن : 236.] ، ثم لم كثرت فيه القراءات ووقعت في لفظه الاختلافات جمع عثمان المصاحف من أصحابها وحمل الناس على قراءة واحدة من بينها وأعدم سائر المصاحف المخالفة لها.
لكن استخلاص هذه النتائج من تلك الأحاديث، ودفع الشبهات التي تلحق بالقرآن، يتوقف على النظر في ما ورد في هذا الباب سندا ومتنا والجمع بينها بحمل بعضها على البعض بقدر الإمكان ، وهذا أمر لا بد منه... فنقول :
أولاً : لقد وردت عن بعض الصحابة أحاديث فيها حصر من جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عدد معين، اتفق عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك على أنهم « أربعة » على اختلاف بينهما في بعض أشخاصهم...
فعن عبد الله بن عمرو أنهم : عبد الله بن مسعود ، سالم ، معاذ بن جبل ، أبي ابن كعب..[صحيح البخاري 6 | 102 ، صحيح مسلم 7 | 14. ].
وعن أنس بن مالك ـ في حديث عن قتادة عنه ـ هم : أبي بن كعب ، معاذ بن جبل ، زيد بن ثابت ، أبو زيد ، قال : من أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي.[صحيح البخاري 6 | 102. واختلف في اسم أبي زيد هذا. انظر الإتقان 1 | 74.].
وفي آخر ـ عن ثابت عنه ـ ، قال : « مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غير أربعة :
أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد» .
فأي توجيه صحيح لحصر جماع القرآن في أربعة ؟ وكيف الجمع بين ما روي عن الصحابيين ، ثم بين الحديثين عن أنس ؟.
قال السيوطي : « قد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة ، وقال المازري : لا يلزم من قول أنس (لم يجمعه غيرهم) أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك... قال : وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا مستمسك لهم فيه ، فإنا لا نسلم حمله عليه ظاهره » ثم ذكر السيوطي كلاما للقرطبي ونقل عن الباقلاني وجوها من الجواب عن حديث أنس ثم قال: « قال ابن حجر : وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف »[ الإتقان 1 | 244 ـ 247 .].
ثانياً : قد اختلفت أحاديثهم في « أول من جمع القرآن » ففي بعضها أنه « أبو بكر» وفي آخر «عمر» وفي ثالث «سالم مولى أبي حذيفة» وفي رابع «عثمان» .
وطريق الجمع بينها أن يقال:
إن أبا بكر أول من جمع القرآن أي دونه تدوينا، وأن المراد من :«فكان [عمر] أول من جمعه في المصحف» أي : أشار على أبي بكر أن يجمعه وأن المراد فيما ورد في « سالم » : أنه من الجامعين للقرآن بأمر أبي بكر، وأما « عثمان » فجمع الناس على قراءة واحدة .
ثالثاً : في بيان الأحاديث الواردة في كيفية الجمع وخصوصياته في كل مرحلة.
أما في المرحلة الأولى : فقد رووا عن زيد قوله :« كنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤلف القرآن من الرقاع...»[ المستدرك 2 | 662 .] ورووا عنه أيضا :« قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَولم يكن القرآن جمع في شيء »[ الإتقان 1 | 202 .] وأنه قال لأبى بكر لما أمره بجمع القرآن : «كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ !»[ صحيح البخاري 6 | 225 .].
إلا انه يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل النافية على عدم تأليف القرآن وجمعة بصورة كاملة في مكان واحد، بل كانت كتابته كاملة عند الجميع... وهكذا تندفع الشبهة الأولى .
وأما في المرحلة الثانية : فإنه وإن كان أمر أبي بكر بجمع القرآن وتدوينه بعد حرب اليمامة لكن الواقع كثرة من بقي بعدها من حفاظ القرآن وقرائه ، مضافا إلى وجود القرآن مكتوبا على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فلا تطرق الشبهة من هذه الناحية في تواتره، وأما الحديث: « إن عمر سأل من آية من كتاب الله كانت مع فلان قتل يوم اليمامة...» فإسناده منقطع[الإتقان 1 | 59 .] فالشبهة الثانية مندفعة كذلك .
وأما جمع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال ـ كما عن زيد ـ فإنه لم يكن لان القرآن كان معدوما ، وإنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يكتبوا من حفظهم ، وأما قوله : وصدور الرجال : فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما[المرشد الوجيز : 57 .] .
وأما قول أبي بكر لعمر وزيد : « اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه » فقد قال الشيخ أبو الحسن السخاوي في « جمال القراء » : معنى هذا الحديث ـ والله أعلم ـ من جاء كم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى. أي : من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا ولم يعلم بوجه آخر[المرشد الوجيز : 75 .] ، وأما معنى قوله في الآية التي وجدها عند خزيمة فقال ابن شامة: « ومعنى قوله : فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان ، أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي ، فلم يجد كتابة تلك الآية إلا مع ذلك الشخص ، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره .
وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره[كالزركشي في البرهان 1 | 234 .] :
إنهم كانوا يحفظون الآية لكنهم نسوها فوجودها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها ، لسماعهم إياها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [المرشد الوجيز : 75 .] . وأما أن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده، فهي رواية مخالفة للمعقول والمنقول[الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف: 121 .] وإن أمكن تأويلها ببعض الوجوه، وهكذا تندفع الشبهة الثالثة.
وأما في المرحلة الثالثة: فإن عثمان ـ عندما اختلف المسلمون في القراءة ـ أرسل إلى حفصة يطلب منها ما جمع بأمر أبي بكر قائلا : « أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف...)[ صحيح البخاري 6 | 225 ـ 226 .] .
المصاحف ثم نردها عليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد ابن ثابت و... فنسخوها
هذا هو الواقع في هذه المرحلة ، وما خالفه يطرح أو يؤول كالحديث الذي روي : أنه كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. أوله ابن حجر على أن المراد من « الشاهدين » هو «الحفظ والكتابة» ،وناقش البيهقي في سنده وتبعه ابن شامة وصبحي الصالح [ مباحث في علوم القرآن : 76 .]، قال ابن شامة بعد أن رواه :
[ وأخرج هذا الحديث الحافظ البيهقي في كتاب المدخل بمخالفة لهذا في بعض الألفاظ وبزيادة ونقصان فقال : جلس عثمان على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنما عهد كم بنبيكم صلى الله عليه وسلم منذ ثلاث عشرة سنة ، وأنتم تختلفون في القراءة ، يقول الرجل لصاحبه : والله ما تقيم قراءتك، قال : فعزم على كل من كان عنده شيء من القرآن إلا جاء به ، فجاء الناس بما عندهم، فجعل يسألهم عليه البينة أنهم سمعوه من رسول الله ، ثم قال : من أعرب الناس ؟ قالوا : سعيد بن العاص ، قال : فمن أكتب الناس ؟ قالوا : زيد بن ثابت كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فليمل سعيد وليكتب زيد قال : فكتب مصاحف ففرقها في الأجناد فلقد سمعت رجالا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون : لقد أحسن .
قال البيهقي : فيه انقطاع بين مصعب وعثمان ، وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُوالنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان ، وكان ما يجمعون أو ينسخون معلوما لهم ، فلم يكن به حاجة إلى مسألة البينة . قلت : لم تكن البينة على أصل القرآن ، فقد كان معلوما كما ذكروا إنما كانت على ما أحضروه من الرقاع المكتوبة ، فطلب البينة عليها أنها كانت كتبت بين يدي رسول الله وبإذنه على ما سمع من لفظه على ما سبق بيانه ، ولهذا قال : فليمل سعيد ، يعني من الرقاع التي أحضرت ، ولو كانوا كتبوا من حفظهم لم يحتج زيد فيما كتبه إلى من يمليه عليه .
فإن قلت : كان قد جمع من الرقاع في أيام أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، فأي حاجة إلى استحضارها في أيام عثمان ؟.
قلت : يأتي جواب هذا في آخر الباب ]..[ المرشد الوجيز : 58 ـ 59 .].
قال أبو شامة : [ وأما ما روي من أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت ، ولم يكن له إلى ذلك حاجة وقد كفيه بغيره... ويمكن أن يقال : إن عثمان
طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده وجمع منها وعارض بما جمعه أبو بكر أو نسخ مما جمعه أبو بكر ، وعارض بتلك الرقاع أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ ، ففعل كل ذلك أو
بعضه استظهارا ودفعا لوهم من يتوهم خلاف الصواب ، وسدا لباب القالة : إن الصحف غيرت أو زيد فيها أو نقص ].[ المرشد الوجيز : 75 .] .
وأما ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت فكله موضوع[مباحث في علوم القرآن : 82 .] ، وإن عمل زيد لم يكن كتابة مبتدأه ولكنه إعادة لمكتوب، فقد كتب في عصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن عمله لم يكن عملا أحاديا بل كان عملا جماعيا[المعجزة الكبرى : 33 .].
وأما المصاحف التي أمر بتحريقها ـ قال بعضهم ـ:
[ فإنها ـ والله أعلم ـ كانت على هذا النظم أيضا ، إلا أنها كانت مختلفة الحروف على حسب ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوغ لهم في القراءة بالوجوه إذا اتفقت في المعنى - وإن اختلفت في اللفظ ].[ مقدمتان في علوم القرآن : 45 .].
قال:ويشهد ذلك ما روي عن محمد بن كعب القرظي ، قال: رأيت مصاحف ثلاثة:
مصحفا فيه قراءة ابن مسعود، ومصحفا فيه قراءة أبي، ومصحفا فيه قراءة زيد فلم أجد في كل منها ما يخالف بعضها بعضا ].[ مقدمتان في علوم القرآن : 47 .].

 
الفرع الثاني

الجمع العثماني ومزاياه

وهو على ثلاثة مباحث
المبحث الأول: عمل عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في جمع القرآن
المبحث الثاني: مزايا جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ
المبحث الثالث: الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث

المبحث الأول: منهج عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في جمع القرآن


كان المقصود من جمع القرآن زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ قطع دابر الفتنة التي طرأت على المسلمين من الاختلاف في كتاب الله، بجمع وتحديد الأوجه المتواترة المجمع عليها في تلاوة القرآن، وإبعاد كل ما لم تثبت قرآنيته، سواء بنسخ، أو بأن لم يكن قرآنًا أصلاً.
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُما في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنزيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد. [البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد اله الزركشي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - بدون تاريخ (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/171).].
فأراد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن ينسخ من الصحف التي جمعها أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ مصاحف مجمعًا عليها تكون أئمة للناس في تلاوة القرآن.
قال ابن حزم: خشي عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل- رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم. [الفصل في الملل والأهواء والنحل - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456 ﻫ - تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ود. محمد إبراهيم نصر - شركة مكتبات عكاظ جدة - الطبعة الأولى 1402 ﻫ 1982م. (2/212-213).].
فلم يكن قصد عثمان جمع ما ليس مجموعًا، فقد كان القرآن زمن الصديق قد جُمِع، وإنما قصَدَ نسخَ ما كان مجموعًا منه زمن الصديق في مصاحف يقتدي بِها المسلمون.
قال النووي: خاف عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم .ـ [التبيان في آداب حملة القرآن - أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي الشافعي ت 665 ﻫ - مؤسسة علوم القرآن بدمشق، ومكتبة دار التراث بالمدينة المنورة - الطبعة الأولى - 1403 ﻫ 1983م ص 96.].
قال البيهقي: ثم نسخ (زيدٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ) ما جمعه في الصحف (في عهد أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ) في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ على ما رسم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.ـ [دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 ﻫ - تحقيق د. عبد المعطي قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م. (7/148).].
2 - خطة العمل
شرع الصحابة الموكلون بجمع القرآن في كتابة المصحف الإمام، الذي نسخوا منه بعد ذلك المصاحف المرسلة إلى الأمصار، وكان الخليفة عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ يتعاهدهم ويشرف عليهم، وكان الموجودون من الصحابة جميعًا يشاركون في هذا العمل.
ويُمكن أن يلخص منهج الجمع العثماني فيما يأتي:
1 - الاعتماد على جمع أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ويظهر هذا جليًّا في طلب عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ الصحف التي جمع فيها أبو بكرٍ القرآن من حفصة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وقد كانت هذه الصحف -كما مرَّ- مستندةً إلى الأصل المكتوب بين يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.وبذلك ينسد باب القالة، فلا يزعم زاعم أن في الصحف المكتوبة في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ما لم يُكتب في المصحف العثماني، أو أنه قد كتب في مصاحف عثمان ما لم يكن في صحف أبي بكر. [الكواكب الدرية - محمد بن علي بن خلف الحسيني (الحداد) - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر - 1344 ﻫ.ص 21.].
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: … فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ. [رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.].
2 - أن يتعاهد لجنة الجمع ويشرف عليها خليفة المسلمين بنفسه:
فعن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبْـعَةِ [الرَّبْعَة: جُونة العطَّار، وصندوق أجزاء المصحف. القاموس المحيط (ربع) ص 929.]..التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم. [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه . كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.
ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مطبعة المنار بمصر - 1347 ﻫ. ص 45.].
3 - أن يأتي كلُّ مَن عنده شيءٌ من القرآن سمعه من الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ بِما عنده، وأن يشترك الجميع في علم ما جُمِع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحدٌ عنده شيء منه، ولا يرتاب أحدٌ فيما يودَع المصحف، ولا يُشَكُّ في أنه جمِع عن ملأٍ منهم. [ انظر البرهان في علوم القرآن (1/238-239).]
ويدل على ذلك ما صحَّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنه قال: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كُفْرًا. قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا: فنعم ما رأيت. [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. وقال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ. (8/634).].
وورد كذلك أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ دعا الناس إلى أن يأتوا بِما عندهم من القرآن المكتوب بين يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ، وأنه كان يستوثق لذلك أشد الاستيثاق.
فعن مصعب بن سعد قال: قام عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ فخطب الناس فقال: أيها الناس! عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة سنةً، وأنتم تَمترون في القرآن… فأَعْزِم على كل رجل منكم ما كان معه من القرآن شيءٌ لَمَا جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم: لَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف. كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م. ص 31.].
4 - الاقتصار عند الاختلاف على لغة قريش.
كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا. [ رواه البخاري في صحيحه: الجامع الصحيح (مع شرحه فتح الباري) - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة 1407 ﻫ.كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.].
والمقصود من الجمع على لغة واحدة: الجمع على القراءة المتواترة المعلوم عند الجميع ثبوتُها عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإن اختلفت وجوهها، حتى لا تكون فرقةٌ ولا اختلاف، فإن ما يعلم الجميع أنه قراءة ثابتة عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يختلفون فيها، ولا ينكر أحدٌ منهم القراءة بِها.
قال أبو شامة: يحتمل أن يكون قوله: نزل بلسان قريش، أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم. [فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ. (8/625).].
فلعلَّ عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ عندما جمع القرآن رأى الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف، فحمل الناس عليه عند الاختلاف. [فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ. (8/625).].
وقد اختلف الصحابة في كلمة (التابوت) هل هي بالتاء أم بالهاء.
كما قال الزهري: واختلفوا يومئذٍ في (التابوت) و(التابوه)، فقال النفر القرشيون: (التابوت)، وقال زيدٌ: (التابوه)، فرُفِع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه (التابوت)، فإنه بلسان قريشٍ. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف ص 26، وانظر فتح الباري (8/635).].
على أنه قد ورد أن الذي رأى أنَّها بالتاء هو زيدٌ، كما روى الطحاوي عن زيد ابن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: } إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ{، [ سورة البقرة من الآية 248.] قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: (التَّابُوتُ)، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ (التَّابُوتُ). [ رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).].
5 - أن يُمنع كتابة ما نُسخت تلاوته، وما لم يكن في العرضة الأخيرة، وما كانت روايته آحادًا، وما لم تُعلم قرآنيته، أو ما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحًا لمعنىً، أو بيانًا لناسخ أو منسوخٍ، أو نحو ذلك. [ انظر البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).].
ومِمَّا يدل لذلك ما ورد عن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم (فيمن يكتب): هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.].
6 - أن يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل بِها القرآن، والتي ثبت عرضها في العرضة الأخيرة [انظر نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.
ص 387-388.] مع مراعاة ما يأتي:
أ- عند كتابة اللفظ الذي تواتر النطق به على أوجهٍ مختلفةٍ عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، يبقيه الكَتَبَةُ خاليًا عن أية علامة تقصِر النطق به على وجه واحد؛ لتكون دلالة المكتوب على كلا اللفظين المنقولين المسموعين متساوية، [النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (1/33).]
فتكتب هذه الكلمات برسم واحدٍ في جميع المصاحف، محتمل لما فيها من الأوجه المتواترة، ومن أمثلة ذلك:
1 - قوله تعالى: ) كَيْفَ نُنْشِزُهَا(، [سورة البقرة من الآية 259.] بالزاي المنقوطة، فقد قرأها أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب } نُنْشِرُهَا {، بالراء المهملة. [النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (2/231).].

2 – وقوله عز وجلّ: ( هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ )[سورة يونس من الآية 30.] ، بالباء الموحدة من البلوى، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف: ( هُنَالِكَ تَتْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ )، بالتاء المثناة من التلاوة، مكان الباء الموحدة. [النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (2/283).].

3 - وقوله تعالى: ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ )، [سورة الهمزة، آية 9.] بفتح العين والميم، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف وشعبة: ( فِي عُمُدٍ مُمَدَّدَةٍ )، بضم العين والميم. [النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (2/403)].

ب- ما لا يحتمله الرسم الواحد، كالكلمات التي تضمنت قراءتين أو أكثر، ولم تنسخ في العرضة الأخيرة، ورسمُها على صورة واحدة لا يكون محتملاً لما فيها من أوجه القراء، فمثل هذه الكلمات ترسم في بعض المصاحف على صورة تدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى. [ سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين، للشيخ على محمد الضباع. ص 101-106،وانظر أيضًا شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن لإبراهيم المارغني التونسي ص 436 وما بعدها].
ولم يكتب الصحابة تلك الكلمات برسمين أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية؛ لئلا يُتَوَهَّم أن الثاني تصحيحٌ للأول، وأن الأول خطأ، وكذلك لأن جعل إحدى القراءات في الأصل والقراءات الأخرى في الحاشية تحكُّمٌ، وترجيحٌ بلا مرجِّح؛ إذ إنَّهم تلقَّوْا جميع تلك الأوجه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليست إحداها بأولى من غيرها.[ مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م. (1/259)، والكواكب الدرية - محمد بن علي بن خلف الحسيني (الحداد) - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر - 1344 ﻫ. ص 22-23].
ومن الأمثلة على ذلك:
1 - قوله تعالى: ( وقالوا اتخذ الله ولدًا )[ سورة البقرة، من الآية 116.] ، فقد قرأها عبد الله بن عامرٍ الشامي: ( قالوا اتخذ الله ولدًا ) بغير واو. وهي كذلك في مصاحف أهل الشام. [كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.ص 54، والنشر في القراءات العشر (1/11)، تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن - إبراهيم بن أحمد المارغي التونسي - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1981م. ص 442.].
2 – قوله عز وجلّ: ( وَوَصَّى بِها إِبْرَاهِيمُ )، [سورة البقرة، من الآية 132.] فقد قرأها أبو جعفرٍ، ونافعٌ، وابن عامرٍ: ( وَأَوْصَى بِها إِبْرَاهِيمُ ) من الإيصاء. وقد رسمت في مصاحف أهل المدينة والشام بإثبات ألف بين الواوين. قال أبو عبيد: وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ، ورسمت في بقية المصاحف بواوين قبل الصاد، من غير ألفٍ بينهما. [كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.ص 49، 51، 54، و تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن - إبراهيم بن أحمد المارغي التونسي - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1981م. الظمآن ص 442.].
3 - وقوله تعالى: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ )، [سورة التوبة من الآية 100.] فقد قرأها عبد الله بن كثير المكي: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )، بزيادة (مِنْ) قبل (تَحْتِهَا). وهي كذلك في المصحف المكي، وفي بقية المصاحف بحذفها. [ النشر في القراءات العشر (1/11)، و(2/280)، و تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن - إبراهيم بن أحمد المارغي التونسي - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1981م.ص 448، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 57.].

4 - وقوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ‎)، [من الآية 71 من سورة الزخرف.] في قراءة أبي جعفر، ونافع، ورواية حفص عن عاصم بِهاء بعد الياء في (تَشْتَهِيهِ)، وقد قرأها بقية القراء: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ‎)، دون الهاء الأخيرة. [ النشر في القراءات العشر (2/370)، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 49، 53، 56.].
قال أبو عمرو الداني: في مصاحف أهل المدينة والشام (تَشْتَهِيهِ) بِهاءين، ورأيت بعض شيوخنا يقول: إن ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة، وغلط.
وقال أبو عبيد: وبِهاءين رأيته في الإمام. وفي سائر المصاحف (تَشْتَهِي) بِهاء واحدة اﻫ.
[ شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 455-456.].
7 - بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام يراجعه زيد بن ثابت ، ثم يراجعه عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بنفسه.عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِها، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [سورة الأحزاب، من الآية 23.] ،فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. [ رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4988.].
كانت هذه هي المراجعة الأولى لزيدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ويظهر من الروايات أنه عرضه مرتين أخريين، فأظهرت الثانية الاختلاف في لفظ (التابوت)، ولم تكشف الثالثة عن شيء.فعن زيد بن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: ( إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ) قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: التَّابُوتُ، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ التَّابُوتَ، ثُمَّ عَرَضَهُ -يَعْنِي الْمُصْحَفَ- عَرْضَةً أُخْرَى، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى حَفْصَةَ أَنْ تُعْطِيَهُ الصَّحِيفَةَ، وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّ الصَّحِيفَةَ إلَيْهَا، فَأَعْطَتْهُ فَعَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ، فَرَدَّهَا إلَيْهَا وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ يَكْتُبُونَ مَصَاحِفَ. [ رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193)].
وفي هذا الأثر ما يدل على أن المعارضة بِما جمعه الصديق كانت بعد الانتهاء من كتابة المصحف الإمام، لِمزيد الاطمئنان، وفي هذا ما يدل على بقاء الأوجه الثابتة من القراءة بغير اختلافٍ بين الحفَّاظ والعلماء.
وقد نفَّذ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ هذه الضوابط أدقَّ تنفيذٍ، فكانوا ربَّما انتظروا الغائب الذي عنده الشيء من القرآن زمانًا، حتى يستثبتوا مِمَّا عنده، على الرغم من أن القائمين بالكتابة والإملاء كانوا من الحفاظ القراء.
عن مالك بن أبي عامر، قال: كنتُ فيمن أملى عليهم، فربَّما اختلفوا في الآية، فيذكرون الرجل قد تلقَّاها من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعله أن يكون غائبًا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها حتى يجيء، أو يُرسَل إليه. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ القرآن في المصاحف. ص 29.].
ثم أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بعد ذلك بنسخ المصاحف عن المصحف الإمام، وإرسالها إلى الأمصار، وهي التي عرفت فيما بعدُ بالمصاحف العثمانية.
 

المبحث الثاني: مزايا جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ


كان نسخ القرآن في المصاحف في زمن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ تحقيقًا لوعد الله عز وجلّ بحفظ كتابه العزيز، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )سورة الحجر : 9. فقد وحَّد هذا الجمع صف المسلمين وكلمتهم، وردَّ عنهم ما كان محدقًا بِهم من الفتنة العظيمة، واجتث بذور الشقاق من بينهم.
ومِمَّا سبق ذكره من خطة عمل الصحابة في جمع القرآن زمن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ يتبين لنا مزايا ذلك الجمع المبارك، [انظر مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م. (1/260-261).] ويمكن تلخيص بعضها فيما يأتي:
1.مشاركة جميع من شهد الجمع من الصحابة فيه، وإشراف الخليفة عليه بنفسه.
2.بلوغ من شهد هذا الجمع وأقرّه عدد التواتر.
3.الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحادًا.
إهمال ما نسخت تلاوته، وما لم يستقرَّ في العرضة الأخيرة. [ انظر نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م. ص 383.]
4.ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ، فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
5.كتابة عدد من المصاحف يجمع وجوه القراءات المختلفة التي نزل بِها القرآن الكريم.
6.تجريد هذه المصاحف من كل ما ليس من القرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة من تفسير للفظ، أو بيان لناسخ أو منسوخ، أو نحو ذلك.
7.ولقد حظي الجمع العثماني برضى من شهده من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ والتابعين، وقطع الله به دابر الفتنة التي كادت تشتعل في بلاد المسلمين، إذ جمعهم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم على ما ثبتت قرآنيته، فانتهى بذلك ما كان حاصلاً من الاختلاف بين المسلمين.
عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ. [ رواه الداني في المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار - أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ت 444 ﻫ - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - بدون تاريخ. ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.].
وقد عُدَّ جمعُ القرآن في المصاحف في زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ من أعظم مناقبه.
فعن عبد الرحمن بن مهديٍّ [هو الإمام الكبير، والحافظ العلم: أبو سعيد العنبري، قال على بن المديني: ما رأيت أعلم منه. توفي سنة 198 ﻫ. انظر تقريب التهذيب - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة العلمية - المدينة المنورة - بدون تاريخ. (1/499)، و تذكرة الحفاظ - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 ﻫ - دار إحياء التراث العربي - بدون تاريخ. (1/329).].
قال: خصلتان لعثمان بن عفَّانَ ليستا لأبي بكر، ولا لِعُمَرَ: صبرُهُ نفسَه حتَّى قُتِل مظلومًا، وجمعُهُ الناسَ على المصحف. [ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19.].
وقد دافع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ عن عثمان في جمع القرآن وإحراق المصاحف؛ لئلا يتهمه من لا فقه له بتضييع القرآن، أو الجرأة عليه، وأخبر أنه فعل ذلك عن رضى من شهده من الصحابة، وأنه لو كان واليًا إذ ذاك لفعل مثل الذي فعل عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ.
عن سويد بن غفلة قال: سمعت عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقول: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا … قال: قال عليُّ: والله لو وليت لفعَلْتُ مثلَ الذي فَعَلَ.
[ رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30، قال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634).].






المبحث الثالث: الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث


نستطيع بعد هذا العرض أن نتبين الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث، فقد كان لكل مرة من مرات جمع القرآن أسباب خاصة، وكان لكل مرة أيضًا كيفية خاصة، فالفرق بين المراحل الثلاث كان من حيث الأسباب والكيفيات:
الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الأسباب:
1.أسباب جمع القرآن في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: زيادة التوثق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه، وحفظ كلماته، وإن كان التعويل في ذلك الوقت إنما كان على الحفظ والاستظهار، وتبليغ الوحي على الوجه الأكمل.
2.سبب جمع القرآن في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: الخوف على ضياع شيء من القرآن بِهلاك حفَّاظه، وضياع ما عندهم مِمَّا كُتِب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.
3.سبب جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: خوف الفتنة التي وقع فيها المسلمون بسبب اختلافهم في القراءة بحسب ما تعلموه من الأحرف التي نزل بِها القرآن، والمحافظة على كتاب الله من التبديل والتغيير.
الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الكيفية:
1 ـ كيفية جمع القرآن في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ترتيب الآيات في سورها، وكتابة الآيات فيما تيسر من مواد الكتابة، مع بعثرة ذلك المكتوب، وعدم جمعه في مكان واحد.
2 ـ كيفية جمع القرآن في زمن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: جمع المكتوب في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ونقله في صحفٍ، وهي أوراق مجردة، مرتب الآيات أيضًا، وبحيث تجتمع كل سورة متتابعة في تلك الصحف، لكن من غير أن تجمع تلك الصحف في مجلد أو مصحفٍ واحد.
3 ـ كيفية جمع القرآن في عهد عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: نقل ما في صحف أبي بكر في مصحف إمامٍ، ونسخ مصاحف منه، وإرسالها إلى الآفاق، لتكون مرجعًا للناس عند الاختلاف. [ انظر: الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/171/172)، و مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م. (1/262-263)، و الكواكب الدرية - محمد بن علي بن خلف الحسيني (الحداد) - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر - 1344 ﻫ.ص 26-27.].
قال البيهقي (بعد حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاع)ِ [ رواه الترمذي في جامعه كتاب المناقب باب في فضل الشام واليمن (5/734) ح 3954 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، والبيهقي في دلائل النبوة (7/147).]: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الكتاب: الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، ثم كانت مثبتة في الصدور، مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحفٍ بإشارة أبي بكرٍ وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف [يعني في عهد أبي بكر.] في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ على ما رسم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏. [دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 ﻫ - تحقيق د. عبد المعطي قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م. (7/147-148).].
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنْزِيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد. [البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد اله الزركشي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - بدون تاريخ (1/235-236)، و الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/171).].
وقال ابن حزم: خشي عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم. [الفصل في الملل والأهواء والنحل - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456 ﻫ - تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ود. محمد إبراهيم نصر - شركة مكتبات عكاظ جـدة - الطبعة الأولى 1402 ﻫ 1982م. (2/212-213).].

صور لمخطوات القرءان الكريم من البلدان المختلفة



728534297.jpg



912174640.jpg



161912344.jpg












 



الفرع الثالث

رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني

الشبهة الأولى: الطعن باستنكار ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ تولي زيد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ الجمع.
وقد طعن بعض الطاعنين على كتاب الله في جمع القرآن في زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ بِما ورد عن ابن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ من استنكار تولي زيدٍ هذا الجمع، وعدم توليه إياه، مع كونه أعلم أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الله، واستدلوا على ذلك بالأحاديث السابقة في اعتراض ابن مسعود على عثمان، ومنها:
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: ( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (سورة آل عمران، من الآية 161. ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ.) رواه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16/16) ح 2462، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 23. ).
وقالوا: إن استنكار ابن مسعودٍ طعنٌ في جمع القرآن، وهو دليلٌ على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس موثوقًا، وهو أيضًا طعنٌ في تواتر القرآن، إذ لو كان ما كتبه عثمان متواترًا لَما وسع ابن مسعود استنكاره.) مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م. (1/283(.
والجواب عن هذه الشبهة:
أولاً: أن الاستنكار المروي عن ابن مسعودٍ لم يكن طعنًا في جمع القرآن، ولا استنكارًا لفعل الصحابة، وإنَّما كان استنكارًا لاختيار من يقوم بِهذا الجمع، إذ كان يرى في نفسه أنه الأولى أن يسند إليه هذا الجمع، مع كمال ثقته في زيدٍ وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه.
ومسألة اختيار من يقوم بجمع القرآن تقديرية، ولا شكَّ أن تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل -أصدق من تقدير ابن مسعودٍ له، كما مرَّ بنا قريبًا في تصويب اختيار عثمان زيدًا على غيره لجمع القرآن.( انظر مناهل العرفان (1/283(.
وأما حداثة سِنِّ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، فليست مطعنًا، فكم من صغيرٍ فاق من هو أكبر منه، وقد كان في ثقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزيد -كما مرَّ قريبًا- ما يدل على أهليته وكفايته، وقد قدَّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض صغار السِنِّ على من هم أكبر منهم لَمَّا رأى من كفايتهم وأهليتهم فيما قدَّمهم فيه، كما قدَّم أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار، وهو ابن ست عشرة سنة، رغم طعن بعض الناس في إمارته، وأنفذ هذا الجيش أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ولم يأبه لاستنكار بعض ذوي السن من الصحابة، محتجًّا في ذلك بتقديم الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ.( رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة إلى الحرقات (7/590) ح 4271..
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.( رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد بن حارثة (7/108-109) ح 3730 (.
ولما طلب الناس تأمير من هو أسنُّ من أسامة بعد وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال أبو بكر ? لعمر لما كلمه في ذلك: ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب! استعمله رَسُول اللهِ ?، وتأمرني أن أنزعه.( تاريخ الطبري (2/246)، وانظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ.

(7/759)...
ثانيًا: أن استنكار ابن مسعود أن يترك حرفه، هو شهادة لحرفه بالصحة، لأنه أخذه عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس في ذلك طعنٌ على حرف زيد من حيث هو، وإنَّما غاية ما هنالك أنه لا يرى ترك حرفه لحرف أحدٍ غيره.
قال الباقلاني: ليست شهادة عبد الله لحرفه وأنه أخذه من فم رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعنًا على حرف غيره، ولكنه عنده حجةٌ في أنه لا يَجِب عليه تركه، وتحريق مصحف هو فيه.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 364. (

ثالثًا: أنه على فرض كون استنكار ابن مسعودٍ طعنًا في صحة جمع القرآن وتواتره، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنه قد رجع عن ذلك -كما مرَّ قريبًا.( انظر المبحث السابق، ومناهل العرفان (1/284.. (

رابعًا: أننا لو سلَّمنا أن ابن مسعود استمرَّ على استنكاره، وأن استنكاره كان طعنًا في تواتر القرآن وصحة جمعه في زمن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، فإننا نجيب بأن طعن ابن مسعود في التواتر لا يقدح فيه، فإن التواتر حجة قاطعة بصحة ما روي متواترًا، وإذا كان الجماعة الذين اتفقوا على صحة جمع القرآن في زمن عثمان قد بلغوا حدَّ التواتر وأكثر، فإن إنكار الواحد أو الاثنين لا يقدح في ذلك التواتر، فإن من شهد حجةٌ على من لم يشهد.
خامسًا: أن قول ابن مسعود: وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. ليس قطعًا على أنه ليس فيهم من هو أعلم منه بكتاب الله، وإنما هو اعتقاد ابن مسعود، وهو غير معصوم في هذا الاعتقاد.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م. ص 364

الشبهة الثانية: الفاتحة والمعوذتان عندابن مسعودرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ.
طعن بعض الطاعنين على جمع القرآن بأن عبد الله بن مسعود ? أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، وزعموا أن في ذلك قدحًا في تواتر القرآن.( مناهل العرفان (1/275(.)وقد ثبت أن عبد الله بن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وروي عنه أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب كذلك.
فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا،( قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع هذا اللفظ مبهمًا، وكأن بعض الرواة أبْهمه استعظامًا له، وأظن ذلك سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبْهام. فتح الباري (8/615() فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة (قل أعوذ برب الناس) (8/614) ح 4977. (
وَعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لاَ يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الَسَلَّامَ قَالَ لَهُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ـ(رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154( ح 20682. (
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى.( رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20683. قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، ورجال عبد الله رجال الصحيح، ورجال الطبراني ثقات. مجمع الزوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807 ﻫ - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الثالثة 1402 ﻫ - 1982م. (7/152(.)
وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة.( رواه عبد بن حميد في مسنده، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9)، وفتح القدير للشوكاني (1/62)، ورواه أبو بكر الأنباري، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81( (.


وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن.( رواه عبد بن حميد في مسنده، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، انظر فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير - محمد ين علي الشوكاني ت 1250 ﻫ - تحقيق د. عبد الرحمن عميرة - دار الوفاء للطباعة والنشر - المنصورة - الطبعة الأولى 1415 ﻫ 1994م (1/62().

الجواب عنهذه الشبهة:
أمَّا فاتحة الكتاب، فإن عدم كتابتها في مصحف ابن مسعود مشكوكٌ فيه، غير مسلم بصحته.
والخبر الذي تعلَّق به أصحاب هذه الشبهة ليس فيه إنكار قرآنية الفاتحة، وإنَّما قصارى ما فيه أن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ لم يكن يكتبها، وليس في ذلك جحدٌ بأنَّها من القرآن.
ولو صحَّ عن ابن مسعود هذا الخبر، فإنه لا يجوز لمسلمٍ أن يَظُن خفاء قرآنية الفاتحة على ابن مسعود، فضلاً عن أن يَظُنَّ به إنكار قرآنيتها، وكيف يُظَن به ذلك، وهو من أشد الصحابة عناية بالقرآن، وقد أوصى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقراءة القرآن على قراءته.( انظر مناهل العرفان (1/276( (
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.( رواه ابن ماجه في سننه كتاب المقدمة، باب فضل عبد الله بن مسعود (1/49) ح 138، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة المصاحف حفظًا ص 152-153. (
كما أن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ من السابقين إلى الإسلام، ولم يزل يسمع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالفاتحة في الصلاة، ويقول: لا صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.( رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (1/216) ح 820. (
فلو صحَّ عنه هذا النقل، وجب أن يُحمل على أكمل أحواله?، وذلك بأن يُقال: إنه كان يرى أن القرآن كتب في المصاحف مخافة الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في فاتحة الكتاب؛ لأنَّها تثنى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها ـ ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة ـ وهي خوف النسيان ـ في شأنِها.
فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان.( انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 47-49، ومناهل العرفان (1/276( (
قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على قول ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة" قال: يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.( انظر: الجامع لأحكام القرآن - أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي - ت 671 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1408 ﻫ 1988م. (1/81)، و تفسير القرآن العظيم - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة دار التراث القاهرة - بدون تاريخ (1/9( (
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ قراءة عاصم وغيره، وفيها الفاتحة، وهذا نقلٌ متواتر يوجب العلم.
وأما المعوذتان، فقد ثبت بِما لامجال للشك معه أنَّهما قرآنٌ منَزَّلٌ.
فقد ورد التصريح بقرآنيتهما عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كما جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ.( رواه أحمد في مسنده، مسند الشاميين (5/137) ح 16848. (
وعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ.( رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة المعوذتين (6/96) ح 814. (
كما ورد أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلى بِهما صلاة الصبح، وفي قراءتِهما في الصلاة دليلٌ صريح على كونِهما من القرآن العظيم.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْكَبْ مَرْكَبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَنَزَلَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، وَنَزَلْتُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ فَأَقْرَأَنِي: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )، وَ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ.( رواه النسائي في سننه، كتاب الاستعاذة، (8/253) ح 5437، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في المعوذتين (2/73) ح 1462. (
وقد أنكر كثيرٌ من أهل العلم صحة النقل عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ في إنكاره قرآنية المعوذتين، وفي عدم إثباتِهما في مصحفه.
قال الباقلاني: وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 90. (
وقال ابن حزم: وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذبٌ موضوع، لا يصح، وإنَّما صحَّت عنه قراءة عاصمٍ عن زِرِّ ابن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان.( الْمُحَلَّى - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456 ﻫ - دار الآفاق الجديدة - دار الجيل - بيروت - بدون تاريخ. (1/13().
وقال النووي: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئًا منه كفر، وما نُقِل عن ابن مسعودٍ في الفاتحة والمعوذتين باطلٌ، ليس بصحيح عنه.( المجموع شرح المهذب (3/363().
وقد فنَّد هؤلاء العلماء ما ورد عن ابن مسعود من الإنكار أو الْمَحْوِمن المصاحف، وتطلبوا لذلك وجوهًا كثيرةً في الردِّ، منها:
1 ـ أن سبيلَ نقل المعوذتين سبيلُ نقل القرآن، وهو ظاهرٌ مشهورٌ، وأن فيهما من الإعجاز الذي لا خفاء لذي فهمٍ عنه، فكيف يحمل على ابن مسعودٍ إنكار كونِهما قرآنًا، مع ما ذكر من النقل والإعجاز؟.
2 ـ أن ابن مسعودٍ لو أنكر أن المعوذتين من القرآن لأنكر عليه الصحابة، ولنقل إلينا نقلاً مستفيضًا، كما أنكروا عليه ما هو أقل من ذلك، وهو اعتراضه على اختيار زيد لجمع القرآن.
3 ـ أن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل إلينا، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده.( الْمُحَلَّى - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456 ﻫ - دار الآفاق الجديدة - دار الجيل - بيروت - بدون تاريخ. (1/13)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 90-91، والفصل في الملل والأهواء و النحل (2/212().
4 ـ أنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فإن ذلك لا يدل على إنكاره كونَهما من القرآن، بل لعله أن يكون أسقطهما لعدم خوف النسيان عليهما، وظن من رأى ذلك مِمن لم يعرف ما دعاه إليه أنه أسقطهما لأنَّهما ليستا عنده بقرآن.( نكت الانتصار لنقل القرآن ص 91. (
5 ـ ويحتمل أن يكون سمع جواب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبيٍّ لما سأله عنها، وأنه قال: قيل لي، فقلت، فلما سمع هذا أو أخبر به اعتقد أنَّهما من كلام الله ?، غير أنه لا يجب أن تسميا قرآنًا؛ لأنه ? لم يسمهما بذلك، أو أنه سمع جواب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبة لما سأله: أقرآنٌ هما؟ فلم يجبه، وأصبح فصلَّى الصبح بِهما، فاعتقد أنَّهما كلام الله تعالى، ولم يسمهما قرآنًا لما لم يسمهما النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك.
6 ـ ويحتمل أن يكون لم ير النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بِهما في الصلاة قطُّ، فظن به لأجل ذلك أنه يعتقد أنَّهما ليستا من القرآن.( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 92، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43).
7 ـ وأنه يُمكن أن يكون سئل عن عوذة من العوذ رواها عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وظن السائل عنها أنَّها من القرآن، فقال عبد الله: إن تلك العوذة ليست من القرآن، وظن سامع ذلك أو راويه أنه أراد المعوذتين، ويُمكن أن يحمل على ذلك أيضًا جوابه لِمن قال له في المعوذتين: أهي من القرآن؟ فقال بأنها ليست من القرآن، فإنه يحتمل أن يكون سأله عن معوذتين أخريين غير سورة الفلق وسورة الناس.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.- القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 92-93)
8 ـ وأما ما روي من حكِّه إياهما من المصحف فذلك بعيدٌ، لأنه لا يَخلو أن يكون حكَّهما من مصحفه، أو من مصاحف أصحابه الذين أخذوا عنه، أو من مصحف عثمان، وما كُتِب منه.
فمحالٌ أن يكون حكَّهما من مصحفه؛ لأنَّهما لم يكونا فيه، لأنه لم يكتبهما.
وكذلك مصاحف من أخذ عنه من أصحابه، فهي بالضرورة موافقة لمصحفه، فلا يُتَصَوَّرُ أن يكون فيها المعوذتان.
وإن كان من مصحف عثمان ?، فذلك بعيدٌ، لأنه شقُّ العصا، وخلافٌ شديدٌ يطول فيه الخطب بينهما، ولو حصل ذلك لنقل إلينا، وفي عدم العلم بذلك دليلٌ على بطلانه.
9 ـ وأما قول الراوي: إنه كان يَحكهما، ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني المعوذتين، فهذا تفسير من الراوي، ويحتمل أنه كان يَحكُّ الفواتح والفواصل.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.لنقل القرآن ص 93.).
ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.( رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة الفواتح والعدد في المصاحف ص 154.).
10 ـ ولو ثبت عنه بنصٍّ لا يحتمل الرد أنه حكَّهما، فإن ذلك يَحتمل وجوهًا من التأويل، منها:
أ ـ أن يكون رآها مكتوبةً في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، وأراد بقوله: لا تخلطوا به ما ليس منه: التأليف الفاسد.
ب ـ أو أنه رآها كتبت مغيَّرةً بضرْبٍ من التغيير، فحكَّها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني فساد النظم.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.

ص 93-94.)
وهذه التأويلات التي ذكروها حسنةٌ، ولكن الرواية بإنكار ابن مسعودٍ قرآنية المعوذتين ومحوهما من المصاحف صحيحة، فلا ينبغي أن تُرَدَّ بغير مستندٍ، ولا محظور حينئذٍ، فتأويل فعل ابن مسعود مُمكن مع صحة هذه الروايات عنه.
قال الحافظ: وأما قول النووي: أجمع المسلمون… ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم… ثم قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستندٍ لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل مُحتملٌ، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش، وإن أراد استقراره، فهو مقبول.( فتح الباري (8/615( (.
وقال ابن كثير: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ? أثبتوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنَّة.( تفسير القرآن العظيم - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة دار التراث القاهرة - بدون تاريخ. (4/571( (.
وعلى صحة هذا النقل يكون الجواب عن هذه الشبهة بوجوه، منها -إضافةً إلى ما سبق:
1 ـ أن ترك كتابة ابن مسعودٍ المعوذتين في مصحفه ليس بالضرورة إنكارًا لقرآنيتهما، إذ ليس يجب على الإنسان أن يكتب جميع القرآن، فلو أنه كتب بعضًا وترك بعضًا، فليس عليه عيب ولا إثم.( انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 49.).
2 ـ أنه يحتمل أن يكون ابن مسعودٍ ? لم يسمع المعوذتين من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم تتواترا عنده، فتوقف في أمرهما.
فإن قيل: ولِمَ لَمْ ينكر عليه الصحابة، يجاب بأنَّهم لم ينكروا عليه لأنه كان بصدد البحث والتثبت في هذا الأمر.( انظر مناهل العرفان (1/276)، و تفسير القرآن العظيم - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة دار التراث القاهرة - بدون تاريخ. (4/571
3 ـ أنه يَحتمل أنه كان يسمعهما من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان يراه ? يعوِّذ الحسن والحسين بِهما، فظن أنَّهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعًا، ثم لَمَّا تيقن قرآنيتهما رجع إلى قول الجماعة.( تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43. (
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: … وَلَيْسَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ،( يعني المعوذتين.) كَانَ يَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا عُوذَتَانِ، وَأَصَرَّ عَلَى ظَنِّهِ، وَتَحَقَّقَ الْبَاقُونَ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ فَأَوْدَعُوهُمَا إِيَّاهُ.( رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20684. (
ومِمَّا يؤيد أنه رجع إلى قول الجماعة، ما ذكرناه آنفًا من صحة قراءة عاصم وغيره عنه، وأن فيها المعوذتين.
4 ـ أنه على فرض استمرار عبد الله بن مسعودٍ على إنكار قرآنية المعوذتين، ومَحوهما من المصاحف، يُجاب بأنه ? انفرد بِهذا الإنكار، ولم يتابعه عليه أحدٌ من الصحابة ولا غيرهم، وانفراده على فرض استمراره عليه لا يطعن في تواتر القرآن، فإنه ليس من شرط التواتر ألاَّ يُخالف فيه مخالفٌ، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم قام عليه بمجرد أن يُخالف فيه مخالفٌ.
فلو أنه ثبت أن ابن مسعود ? أنكر المعوذتين، بل أنكر القرآن كله، واستمر على ذلك، فإن إنكاره لا يقدح في تواتر القرآن.
قال البزار: لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة.( مجمع الزوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807 ﻫ - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الثالثة 1402 ﻫ - 1982م. (7/152)، وفتح الباري (8/615( (
ولا شكَّ أن إجماع الصحابة على قرآنيتهما كافٍ في الردِّ على هذا الطعن، ولا يضرُّ ذلك الإجماع مخالفة ابن مسعود، فإنه لا يُعقل تصويب رأي ابن مسعودٍ وتخطئة الصحابة كلهم، بل الأمة كلها.( منا مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/276-277).).
وقد استشكل الفخر الرازي على فرض صحة النقل عن ابن مسعودٍ في إنكاره قرآنية المعوذتين أنه إن قيل إن قرآنية المعوذتين كانت متواترةً في عصر ابن مسعودٍ، لزم تكفير من أنكرهما، وإن قيل إن قرآنيتهما لم تكن متواترةً في عصره، لزم أن بعض القرآن لم يتواتر في بعض الزمان، قال: وهذه عقدة صعبة.( فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ. (8/616( (.
ويجاب عن هذا الاستشكال بأن تواتر قرآنية المعوذتين في عصر ابن مسعودٍ لا شكَّ فيه، ولا يلزم من ذلك تكفيره ?، إذ إن التواتر ـ وإن كان يفيد العلم الضروري ـ فإنه نفسه ليس علمًا ضروريًّا -أي أنه قد يخفى على بعض الناس، فليس من الضروري أن يعلم كلُّ واحدٍ من أهل العصر بتواتر الشيء، فإن خفي عليه هذا التواتر كان معذورًا، فلا يُكَفَّر.
قال ابن حجر: وأجيب باحتمال أنه كان متواترًا في عصر ابن مسعودٍ، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلَّت العقدة بعون الله تعالى.( فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ. (8/616( (.


الشبهة الثالثة: سورتا الخلع والحفد عند أُبَيِّ بنِ كعبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ
وردت بعض الآثار التي توحي بأن أُبَيَّ بنَ كعبٍ كان يقرأ دعاء القنوت المعروف بسورتي أُبَيِّ بن كعبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ على أنه من القرآن:
فعن الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك.( قال ابن الأثير: أي: يعصيكَ ويُخالِفكَ. النهاية في غريب الحديث والأثر - مجد الدين بن الأثير الجزري ت 606 ﻫ - المكتبة العلمية بيروت -بدون تاريخ. (3/414).) اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق.( رواه ابن أبي شيبة في المصنف، باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7030. (
كما ورد أنه كان يكتبهما في مصحفه:
فعن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين.( رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/184).).
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ أنه كان يقنت بالسورتين، فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه.( أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، انظر الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/185). (
وعن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك. إن عذابك بالكفار ملحِق.( رواه ابن الضريس، انظر الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/185).).
كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتينالسورتين:
فعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق.( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، باب دعاء القنوت (2/211)، وابن أبي شيبة في المصنف باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7031، وفيه أيضًا عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن عليًّا ? قنت في الفجر بِهاتين السورتين، فذكرهما، ح 7029.).
قال ابن جريج: حكمة البسملة أنَّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة.( انظر الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/185(.).
فزعم بعض الطاعنين أن ما روي من إثبات أُبَيٍّ القنوت في مصحفه يطعن على جمع الصحابة للقرآن، ويدل على أنَّهم نقصوا منه، وزعموا أن اشتباه القنوت بالقرآن عند أُبَيٍّ دليلٌ على عدم اشتهار أمر القرآن وعدم انتشاره، وإمكانية التباسه بغيره من الكلام، إذ قد التبس على أُبَيِّ بن كعبٍ، مع كونه من أعلم الناس به، وأحفظهم له.( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 79، و مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/264(.).
ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه:
الأول: أن الروايات التي وردت عن أُبَيٍّ في أمر القنوت غير مسلَّم بصحتها، وهي معارَضة بِما عُرِف من فضل أُبَيٍّ، وعقله، وحسن هديه، وكثرة علمه، ومعرفته بنظم القرآن.( انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 80.).
الثاني: أن القنوت ليس من القرآن، لأنه لو كان منه لأثبته الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأظهره. ولأن نظمه قاصر عن نظم القرآن، يعلم ذلك أهل البلاغة والفصاحة، فلعل أبيًّا إن كان قال ذلك أو كتبه في مصحفه، إنَّما قاله أو كتبه سهوًا، ثم استدرك وأثبت أنه ليس من القرآن.
وقد يعترض على هذا بأن يقال كيف يُشْكِل على أُبَيٍّ أمر هذا الدعاء، وبأنه يلزم من ذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن على معرفةٍ بوزن القرآن من غيره من الكلام.
ويجاب عن ذلك بأنه قد يكون قد ظنَّ أن القنوت -وإن قصر عن رتبة باقي السور في الجزالة والفصاحة، إلا أنه يجوز أن يكون قرآنًا، وأنه يبعد أن يُؤتى بمثله، وإن كان غيره من القرآن أبلغ منه، كما قيل: قد يكون بعض القرآن أفصح من بعضٍ.( تأويل مشكل القرآن ص 47، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 79-81، و مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/271).)
الثالث: أنه مِمَّا يدل على ضعف هذا الخبر عن أُبَيٍّ ما عُلِم من أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ? تشدد في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وتحريقها، والعادة توجب أن مصحف أُبَيٍّ كان من أول ما يُقبض، وأن تكون سرعة عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ إلى مطالبته به أشدَّ من سرعته إلى مطالبة غيره بِمصحفه؛لأنه كان مِمَّن شارك في ذلك الجمع.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 80. (
وقد صحت الرواية بِما يدل على أن عثمان قد قبض مصحف أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ.
فعن محمد بن أُبَيٍّ أن ناسًا من أهل العراق قدموا إليه، فقالوا: إنَّما تحمَّلْنا إليك من العراق، فأخْرِجْ لنا مصحفَ أُبَيٍّ. قال محمدٌ: قد قبضَه عثمان. قالوا: سبحان الله! أخْرِجْه لنا. قال: قد قبضَه عثمان.( رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 32-33. (
الرابع: أن ما روي عن أُبَيٍّ ليس فيه أن دعاء القنوت قرآنٌ منَزَّل، وإنَّما غاية ما فيه أنه أثبته في مصحفه.
فإن صحَّ أنه أثبته في مصحفه، فلعله أثبته لأنه دعاءٌ لا استغناء عنه، وهو سنة مؤكدة يجب المواظبة عليه، وأثبته في آخر مصحفه أو تضاعيفه لأجل ذلك، لا على أنه قرآن منَزل قامت به الحجة، وقد كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 80، مناهل العرفان (1/271)، وتأويل مشكل القرآن ص 47، و البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد اله الزركشي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - بدون تاريخ (1/251(. (
الخامس: أنه يحتمل أن يكون بعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ هذا الدعاء أولاً فنُقِل عنه.( مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/271)، ومعجم القراءات القرآنية (1/25). (.
السادس: أنه على فرض التسليم بأن أُبَيًّا كان يرى أن القنوت من القرآن، وأنه استمر على ذلك الرأي، فليس ذلك بِمطعنٍ في صحة نقل القرآن، فإنه على هذا الفرض كان منفردًا بذلك الرأي، ويدل على ذلك عدم إثباته في صحف أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، ولا في مصاحف عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ ، إذ كانت كتابة القرآن في عهد أبي بكر في غاية الدقة والالتزام، بحيث لم تقبل قراءة إلا بشاهدين، فلما كانت قراءته ? فردية لم تقبلْ، كما رُدَّت قراءة عمر في آية الرجم.( انظر الإتقان في علوم القرآن (1/167-168)، ومعجم القراءات القرآنية (1/25)..
فلو سلَّمنا أن أُبَيًّا ظنَّ دعاء القنوت قرآنًا، فأثبته في مصحفه، فإن ذلك لا يطعن في تواتر القرآن، لأنه انفرد به، وقد حصل الإجماع على ما بين الدفتين وتواتره، فلا يضر بعد ذلك مخالفة من خالف.
السابع: أننا لو سلَّمنا أن أُبَيًّا كان يعتقد أن القنوت من القرآن، فقد ثبت أنه رجع إلى حرف الجماعة، واتفق معهم، والدليل على ذلك قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع -كما هو معلوم، كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة.
قال أبو الحسن الأشعري: قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَيٍّ.( نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403 ﻫ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.ص 81. (
الشبهة الرابعة: دعوى تصرف مروان فيقراءة الفاتحة (هذه الشبهة، وإن لم تكن متعلقة مباشرة بجمع القرآن، إلا أنَّها تتعلق بنقل القرآن، وهو مقصود الجمع، فرأيت أنه من الحسن إثباتها هنا؛ لأن في الرد عليها ردًّا على من زعم أن القرآن لم ينقل إلينا على الوجه الذي جمع الصحابة، وقرأ به النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبلهم.

جاء في بعض الآثار أن مروان بن الحكم(هو مروان بن الحكم بن أبي العاص، مرت ترجمته في (حرق المصاحف المخالفة(..

كان أول من قرأ قوله تعالى: ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بدون ألف.( اختلف القراء في هذا اللفظ، فقرأه نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة(ملك) بدون ألف، وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب وخلف في اختياره (مالك) بالألف. انظر النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (1/271( (.
فعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَقْرَؤُونَ: } مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ { وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَهَا: } مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ { مَرْوَانُ.( رواه أبو داود في سننه، كتاب الحروف والقراءات (4/37) ح 4000، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما روي عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن فهو كمصحفه ص 103، وانظر الدر المنثور في التفسير المأثور (1/35-36). (.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أيضًا أنه بلغه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ومعاوية وابنه يزيد كانوا يَقْرَؤُونَ: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال الزُّهْرِيُّ: وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ: ( مَلِكِ ) مَرْوَانُ.( رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما روي عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن فهو كمصحفه ص 104، وانظر الدر المنثور في التفسير المأثور لعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي وجلال الدين السيوطي (1/36). (.
فزعم بعض الطاعنين على نقل القرآن أن مروان قد فعل ذلك من تلقاء نفسه، وأنه حذف الألف دون أن يَرِدَ ذلك عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فضلاً عن أن يتواتر عنه.


ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه:
الأول : أن هذا كذب فاضح، لا حجة عليه، فإن الآثار الواردة في هذا ليس فيها أن مروان قد فعل من تلقاء نفسه دون ورود القراءة به عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنما غاية ما فيها أنه كان يقرأ دون ألفٍ.
الثاني: أن قول الزهري إن مروان كان أول من قرأ ( مَلِكِ )، لا يعدو أن يكون خبرًا شخصيًّا لم يسنده إلى من قبله من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم ، وعدم علم الزهري بِهذه القراءة -على فرض التسليم به- لا يجعلها غير متواترة.
قال ابن كثير: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم.( تفسير القرآن العظيم - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة دار التراث القاهرة - بدون تاريخ. (1/24.. (


الثالث: أنه قد انعقد الإجماع على صحة نقل القرآن، وتم له التواتر، ومنه هذه القراءة، حيث قد قرأ بِها أبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وهؤلاء قرؤوا ونقلت عنهم تلك القراءة(وقد قرأ بِها جمهور القراء، كما مر، انظر النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ. (1/271(.
) قبل أن يقرأ مروان، وإخبار الزهري أن مروان أول من قرأ بِها لا يُردُّ به الثابت القطعي من القرآن الكريم.( مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م(1/396).).


الرابع: أن المراد أن مروان كان أول من قرأ بِهذه القراءة من الأمراء في الصلاة بجماعة، وليس في ذلك أن الزهري لم يعلم قراءة: } ملك يوم الدين { قبل مروان مطلقًا، فمن البعيد عن الزهري مع جلالته أن تخفى عنه تلك القراءة المتواترة.( بذل المجهود في حل أبي داود - خليل أحمد السهارنفوري ت 1346 ﻫ - دار الكتب العلمية بيروت - بدون تاريخ. (16/328().

الخامس: أنه قد وردت الروايات أيضًا عند من أخرج خبر الزهري بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ: ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بدون ألف: فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ قِرَاءةَ رَسُولِ اللهِ: ( بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ! الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ! الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ! مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ، يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ آيَةً آيَةً.( رواه أبو داود في سننه، سنن أبي داود - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 ﻫ - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - المكتبة العصرية - بيروت - بدون تاريخ كتاب الحروف والقراءات (4/37) ح 4001، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م باب ما روي عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن فهو كمصحفه ص 105.).

وعَنْها أيضًا أنَّها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ، يَقُولُ: } الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {، ثُمَّ يَقِفُ، } الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {، ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ).
( جامع الترمذي - أبو عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي - ت 297 ﻫ - دار إحياء التراث العربي - بيروت - بدون تاريخ ، كتاب القراءات باب في فاتحة الكتاب (5/185) ح 2927.).
السادس: أن المصاحف العثمانية اتفقت جميعها على رسم (ملك) هكذا دون ألف، وهذا الرسم محتمل للقراءتين بالمد والقصر جميعًا.( انظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود باب ما اجتمع عليه كُتَّاب المصاحف، ص 117-118، و مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م (1/396).).

دعوى أن الصحابة تصرفوا واختاروا ما شاءوافي كتابة القرآن.
وقريب من الشبهة السابقة ما تُوُهِّم من تصرف بعض الصحابة في اختيار وجه القراءة.
وتعلقوا في ذلك بما روي عن خارجة بن زيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أنه قال: قالوا لزيدٍ: يا أبا سعيد أوْهَمْتَ! إنَّما هي (ثمانية أزواجٍ من الضأن اثنين اثنين ومن المعز اثنين اثنين ومن الإبل اثنين اثنين ومن البقر اثنين اثنين)، فقال: لا، إن الله تعالى يقول: ( فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى)، فهما زوجان، كل واحدٍ منهما زوج: الذكر زوجٌ، والأنثى زوجٌ.( رواه ابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م (2/277(.).
قيل: فهذه الرواية تدل على تصرُّف النُّسَّاخ في المصاحف، واختيارهم ما شاءوا في تلاوة القرآن وكتابته.
والجواب أن كلام زيدٍ في هذا الأثر لا يدل على تصرُّفٍ في اختيار القراءة، وإنَّما بيانٌ لوجه القراءة التي قرأ بِها بعد سماعها من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكتابتها بين يديه.( مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408 ﻫ 1988م. (1/395)).
الشبهة الخامسة: دعوى أن في المصاحف العثمانيةلحنًا
وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين فيها أن القرآن العظيم قد وقع فيه لحنٌ عند جمعه في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه.
فعن عكرمة الطائي قال: لَمَّا كتبت المصاحف عُرِضَتْ على عثمانَ، فوجدَ فيها حروفًا من اللَّحْن، فقال: لا تُغَيِّرُوها؛ فإن العرب ستُغَيِّرُها- أو قال ستعربُها- بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيفٍ، والمملي من هذيلٍ لم توجد فيه هذه الحروف.( رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن الأنباري في كتاب الردِّ على من خالف عثمان وابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/269-270)، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف، عن يحيى ابن يعمر وقتادة وعكرمة. ص 41-42.)وعن سعيد بن جبيرٍ، قال: في القرآن أربعة أحـرفٍ لحـنٌ: ( وَالصَّابِئُونَ )،( من الآية 69 من سورة المائدة) ( وَالْمُقِيمِينَ )،( من الآية 162 من سورة النساء.) ( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )،( من الآية 10 من سورة المنافقون.) و( إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ).( من الآية 63 من سورة طه. أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 42، ورواه ابن الأنباري أيضًا، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/270).)
قال السيوطي: وهذه الآثار مشكلة جدًّا.( الإتقان في علوم القرآن (2/270)).
وقد تعلَّق بِها بعض الطاعنين على القرآن ونقله، وزعموا أنَّها تدل على أن جمع الصحابة للقرآن لا يوثق به.

والجواب عن هذهالشبهة من وجوه:
الأول: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع.( فقد رواه قتادة عن عثمان مرسلاً، ورواه نصر بن عاصم عنه مسندًا، ولكن فيه عبد الله بن فطيمة، وهو مجهول، لا يُقبل خبره. انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، والإتقان في علوم القرآن (2/270). (.
الثاني: مِمَّا يدل على ضعف هذه الآثار أن وقوع اللحن في القرآن وسكوت الصحابة عنه مِمَّا يستحيل عقلاً وشرعًا وعادةً، لوجوه:
1 ـ أنه لا يُظَنُّ بالصحابة أنَّهم يلحنون في الكلام، فضلاً عن القرآن، فقد كانوا أهل الفصاحة والبيان.
2 ـ أنه لا يُظَنُّ بِهم اللحن في القرآن الذي تلقوه من النَّبِيّ ? كما أنزل، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه.
3 ـ أن افتراض صحة هذا النقل يعني أن الصحابة اجتمعوا على الخطأ وكتابته، وهذا مما لا يُظَنُّ بِهم.
4 ـ أنه لا يُظَنُّ بِهم عدم تنبههم للخطأ ورجوعهم عنه، مع كثرتهم، وحرصهم، وتوافر الدواعي إلى حفظ الكتاب الكريم.
5 ـ أنه لا يُظَنُّ بعثمان أنه ينهى عن تغيير الخطأ، ولو فعل ذلك لَما سكت عنه الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُم.
6 ـ أنه لا يُظَنُّ أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهي مروية بالتواتر خلفًا عن سلفٍ.( الإتقان في علوم القرآن (2/270).).
فقد جَعَلَ عثمانُ للناسِ إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه تقيمه العرب بألسنتها؟ فإذا كان الذين تولَّوا جمعه لم يقيموا ذلك -وهم الخيار- فكيف يقيمه غيرهم؟ فهذه الأوجه مِما يدل على أن هذه الآثار غير صحيحة.
قال ابن الأنباري(في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان) في الأحاديث المروية في ذلك عن عثمان ?: لا تقوم بِها حجةٌ؛ لأنَّها منقطعةٌ غير متصلة، وما يشهد عقلٌ بأن عثمان -وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتُهم- يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبينُ فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلاَّ والله، ما يَتَوَهَّم عليه هذا ذو إنصافٍ وتمييزٍ، ولا يعتقد أنه أخَّر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه.
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: "أرى فيه لحنًا": أرى في خطه لحنًا، إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسدٍ ولا محرِّفٍ، من جهة تحريف الألفاظ وفساد الإعراب -فقد أبطل ولم يُصِبْ؛ لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه، فهو لاحنٌ في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتبٍ ولا نطقٍ، ومعلومٌ أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقنًا لألفاظه، موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي.( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271)).
ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد عن هانئ البربري مولى عثمان، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاةٍ إلى أُبَيِّ بن كعبٍ، فيها: (لَمْ يَتَسَنَّ)، وفيها: (لاَتَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ)، وفيها: (فَأَمْهٍلِ الْكَافِرِينَ)، قال: فدعا بالدواة، فمحا أحد اللامين، فكتب: ( لِخَلْقِ اللهِ )،( من الآية 30 من سورة الروم) ومحا (فَأَمْهٍلِ) وكتب: ( فَمَهِّلِ )،( من الآية 17 من سورة الطارق) وكتب: ( لَمْ يَتَسَنَّهْ )،( من الآية 209 من سورة البقرة.) ألحق فيها الهاء.( رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).).

قال ابن الأنباري: فكيف يُدَّعى عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه، وهو يوقَف على ما كُتِب، ويُرْفع الخلافُ إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويُلزمهم إثبات الصواب وتخليده.( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).).
قال السيوطي: ويؤيد ذلك أيضًا ما رواه ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عبد الله بن الزبير أنه قال: فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالصحف، فعرضناها عليها، حتى قوَّمناها، ثم أمر بسائرها فشققت.
فهذا يدل على أنَّهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).)
الثالث: أن عثمان لَم يكتب مصحفًا واحدًا، بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها، فبعيد اتفاقها على ذلك، أو في بعضها، فهو اعترافٌ بصحة البعض، ولم يذكر أحدٌ من الناس أن اللحن كان في مصحفٍ دون مصحفٍ، ولم تأت المصاحف قطُّ مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحنٍ.( الإتقان في علوم القرآن (2/270)، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (6/26-27).).
الرابع: على تقدير صحة الرواية أن ذلك محمولٌ على الرَّمْز والإشارة، ومواضع الحذف، نحو (الصـبرين)، و(الكتـب) وما أشبه ذلك.
الخامس: أن المراد به أن فيه لحنًا عند من تَوَهَّم ذلك، وخفي عليه وجه إعرابه، وأنه أراد بقوله: "وستقيمه العرب بألسنتها"، أي: محتجين عليه، مظهرين لوجهه.( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 128.).
السادس: أن المراد باللحن ليس الخطأ، بل هو مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا: ( لاأذبحنه )،( سورة النمل من الآية 21) بألفٍ بعد (لا)، و( جزاؤا الظالمين )،( سورة المائدة من الآية 29) بواو وألف، و( بأييدٍ )،( سورة الذاريات من الآية 47.) بيائين، فلو قرئ بظاهر الخط كان لحنًا، وبِهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.( نكت الانتصار لنق القرآن ص 128-129، والإتقان في علوم القرآن (2/270)، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 51.).
السابع: أن المراد باللحن القراءة واللغة، وليس المراد به الخطأ، فيكون المراد بكلمة (لحن) في الروايات المذكورة: قراءة، ولغة، كقوله تعالى: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ).( من الآية 30 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.).
والمعنى أن في القرآن ورسم مصحفه وجهًا في القراءة لا تلين به ألسنة جميع العرب، ولكنها لا تلبث أن تلين بالمران وكثرة تلاوة القرآن بِهذا الوجه.
ويكون قول سعيد ابن جبير: "لحن"، بمعنى أنَّها لغة الذي كتبها وقراءته، وأن فيها قراءةً أخرى.( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، ومناهل العرفان (1/387-388)، والإتقان في علوم القرآن (2/273). (.
ويدل على ذلك الوجه قول عمر ? في الحديث عن قراءة أُبَيٍّ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ ?: عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ كَثِيرًا مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ … الحديث.( رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/131) ح 20581.)وقد روى أثر عثمان هذا ابن أشتة في كتاب المصاحف بلفظ خالٍ من هذا الإشكال.
فعن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لَمَّا فُرِغ من المصحف، أُتِي به عثمانُ، فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا.
قال السيوطي: فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئًا كُتِب على غير لسان قريشٍ، كما وقع لهم في (التابوة) و(التابوت)، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريشٍ، ثم وفَّى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئًا، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرَّفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك، ولله الحمد.( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272)).

الشبهة السادسة: دعوى الخطأ على الكُتَّاب في المصاحف العثمانية
ادَّعى بعض الطاعنين على نقل القرآن الكريم أن هذا النقل قد حصل فيه خطأ من الكُتَّاب والقراء عند كتب المصاحف العثمانية، وتعلَّقوا في ذلك بآثارٍ رويت عن بعض الصحابة في ذلك، منها:
1 ـ عن عروة بن الزبير أنه سأل(وفي بعض الروايات سألت عائشة عن لحن القرآن، عن قول الله … الحديث.) عائشة عن قوله تعالى: ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ )،( من الآية 162 من سورة النساء) وعن قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ )،( من الآية 69 من سورة المائدة.) وعن قوله: (إنَّ هـَذَانِ لَسَاحِرَانِ )،( من الآية 63 من سورة طه.) فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكُتَّاب، أخطؤوا في الكتاب.( رواه الطبري في تفسيره (6/25)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 43، وذكره السيوطي في الإتقان (2/269)، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين.).
2 ـ عن أَبي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أنَّه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: جِئْتُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ ? كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَقْرَؤُهَا. فَقَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالَ: ( الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا )،( من الآية 60 من سورة المؤمنون) أَوِ (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا)؟ فَقَالَتْ: أَيَّتُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لإِحْدَاهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، أَوِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَتْ: أَيَّتُهُمَا؟ قُلْتُ: (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا). قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا، وَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. أَوْ قَالَتْ: أَشْهَدُ لَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَقْرَؤُهَا، وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ.( رواه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار (7/138) ح 24120، (7/208) 24591، وفيه أبو خلف مولى بني جُمَحٍ، وهو مجهول. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/366))

3 ـ عن ابن عباس أنه كان يقرأ: ( لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا )،( سورة النور، من الآية 27.)قال: وإنَّما (تستأنسوا) وهم من الكُتَّاب.( رواه الطبري في تفسيره (18/109-110)).
4 ـ عن ابن عباس أنه قرأ: )أَفَلَمْ يتبيَّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا)، فقيل له: إنَّها في المصحف: ) أَفَلَمْ يَيْأَس (،(سورة الرعد من الآية 31.) فقال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس.( أخرجه ابن الأنباري، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، ورواه الطبري أيضًا في التفسير (13/154) بنحوه (.
5 ـ عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ (سورة الإسراء من الآية 23.) إنَّما هي (ووصى ربُّك)، التزقت الواو بالصاد.( رواه سعيد بن منصور، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، وروى نحوه الطبري في التفسير عن الضحاك بن مزاحم (15/63)).
6 ـ عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياءً)، والآية في المصحف: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً )من الآية 48 من سورة الأنبياء. ويقول: خذوا هذا الواو واجعلوها هنا: (والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم).( رواه سعيد بن منصور وغيره، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276)، والآية في المصحف:
( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) من الآية 173 من سورة آل عمران .(
7 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى: ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ )،( من الآية 35 من سورة النور) قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنَّما هي: (مثل نور المؤمن كمشكاة).( أخرجه ابن أشتة وابن أبي حاتم، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276). (
فزعموا أن هذه الآثار دلت على أن كتاب المصاحف قد أخطؤوا وجه الصواب في كتابة المصاحف، وانبنى على تلك الأخطاء قراءة القراء بعد ذلك.

ويُجاب عن هذه الشبهة بطريقين:
أولاً: الأجوبة العامة:
فقد أجاب العلماء عن هذه الأحاديث في الجملة بوجوه عامة، منها:
1 - جنح ابن الأنباري وغيره إلى تضعيف هذه الروايات، ومعارضتها بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة.( الإتقان في علوم القرآن (2/276). (
ويدل على ضعف هذه الروايات كما سبق في الشبهة السابقة إحالة العادة خفاءَ الخطأ في مثل القرآن، الذي توافرت الْهمم على نقله وحفظه، وعدمَ انتباه الصحابة إليه، وتركَه إذا انتبهوا إليه دون تصحيح لِما زُعم فيه من الخطأ.
قال الزمخشري: وهذا ونحوه مِمَّا لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه -والله- فريةٌ ما فيها مريةٌ.( تفسير البحر المحيط (5/383-384) (
2 - ما سبق في ردود الشبهة السابقة من أن الصحابة لم يكتبوا مصحفًا واحدًا، بل كتبوا عدة مصاحف، وأن أحدًا لم يذكر أي المصاحف الذي كان فيه الخطأ، ويبعد اتفاق جميع المصاحف على ذلك الخطأ المزعوم.( راجع الرد الثالث على الشبهة السابقة، وانظر الإتقان في علوم القرآن(.

قال الطبري: فلو كان ذلك خطأً من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف -غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه- بخلاف ما هو في مصحفنا، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أُبَيٍّ في ذلك ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صوابٌ غير خطأٍ، مع أن ذلك لو كان خطأً من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رَسُول اللهِ ? يُعَلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنُوه للأمة على وجه الصواب، وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب.( جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (6/26-27). (
3 - إذا سلمنا صحة تلك الروايات، فإننا نردُّها برغم دعوى صحتها، لأنَّها معارضةٌ للقاطع المتواتر من القرآن الكريم، ومعارض القاطع ساقط، لا يلتفت إليه، والقراءة التي تخالف رسم المصحف شاذَّةٌ لا يلتفت إليها، ولا يُعوَّل عليها.( انظر مناهل العرفان (1/389). (
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن زعم أن الكاتب غلط، فهو الغالط غلطًا منكرًا؛ فإن المصحف منقولٌ بالتواتر، وقد كتبت عدة مصاحف، فكيف يُتَصَوَّرُ في هذا غلطٌ.( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/255) (
4 - وتُدفع الروايات الواردة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بوجهٍ عامٍّ بأنه ? قد أخذ القرآن عن زيد بن ثابت وأُبَيِّ بن كعبٍ، وهما كان في جمع المصاحف في زمن عثمان ?، وكان زيدٌ هو الذي جمع القرآن بأمر أبي بكر ? أيضًا، وكان كاتبَ الوحي، وكان يكتب بأمر النَّبِيّ ? وإقراره، وابن عباس كان يعرف له ذلك، فمن غير المعقول أن يأخذ عنهما القرآن، ويطعن في ما كتباه في المصاحف.( مناهل العرفان (1/392) (
ويدل على ذلك أن عبد الله بن عباس كان من صغار الصحابة، وقد قرأ القرآن على أبي بن كعب ?، وزيد ابن ثابت ?،ـ(انظر النشر في القراءات العشر (1/112،178)، ومعرفة القراء الكبار (1/45،57).) وقد روى القراءة عن عبد الله بن عباس أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وغيرهم من القراء، وليس في قراءتِهم شيءٌ مِمَّا تعلق به هؤلاء، بل قراءته موافقة لقراءة الجماعة.
ثانيًا: الجواب عنكل أثرٍ على حدة:
الأثر الأول:
أن الرواية الواردة عن عائشة في ذلك ضعيفة لا تثبت.( مرَّ بنا أن السيوطي -رحمه الله- قال في الإتقان (2/269): صحيحٌ على شرط الشيخين. ولا يخفى أن صحة السند لا تكفي ليصح الحديث، إذ يشترط إلى ذلك سلامة الحديث متنًا وسندًا من العلة القادحة، انظر نزهة النظر في شرح نخبة الفكر ص 29، ولا يخفى أن متن هذه الرواية فيه عدد من العلل، منها هذه، وهي الطعن في فصاحة الصحابة ومعرفتهم بوجوه كلام العرب، والعلة الثانية التي تأتي في الجواب التالي، وهي أنه في قوله تعالى: ( إن هذان ) لم يكتب الكاتب ألفًا ولا ياءً حتى ينسب إليه خطأٌ في ذلك، وهذا كافٍ -إن شاء الله- في إثبات ضعف هذه الرواية.) قال أبو حيان في قوله تعالى: ) وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ): وذُكِر عن عائشة وأبان ابن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح عنهما ذلك؛ لأنَّهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهورٌ في لسان العرب.( تفسير البحر المحيط (3/411).).
وقال الزمخشري: ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربَّما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب،( قال أبو حيان: يريد كتاب سيبويه -رحمه الله. البحر المحيط (3/412)). ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين، الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همةً في الغيرة على الإسلام، وذبِّ الْمطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمةً يسدها من بعدهم، وخرقًا يَرْفُوهُ من يلحق بِهم.( الكشاف (1/590)، وانظر تفسير البحر المحيط (3/411-412)).
أنه مِمَّا يدل على ضعف الرواية عن عائشة -رضي الله عنها- في تخطئة الكاتب في رسم ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ )،( من الآية 63 من سورة طه) أن المصاحف العثمانية اتفقت على رسم (هذان) بغير ألف، ولا ياء،( انظر المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص 15، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 304.) ليحتمل أوجه القراءة المختلفة فيها، وإذن فلا يُعقل أن يُقال أخطأ الكاتب، فإن الكاتب لم يكتب ألفًا ولا ياءً. ولو كان هناك خطأٌ تعتقده عائشة ما كانت لتنسبه إلى الكاتب، بل كانت تنسبه إلى من قرأ بالتشديد في (إنَّ) مع القراءة بالألف في (هذان).( مناهل العرفان (1/393) (.

أنه لم ينقل عن عائشة تخطئة من قرأ: (وَالصَّابِئُونَ (،(من الآية 69 من سورة المائدة) بالواو، ولم ينقل عنها أنَّها كانت تقرؤها بالياء، فلا يعقل أن تكون خطَّأت من كتبها بالواو.( مناهل العرفان (1/394) أننا إذا سلَّمنا بصحة هذا الخبر، فإنه يحتمل أن سؤال عروة لعائشة لم يكن عن اللحن(كما جاء في بعض الروايات: سألت عائشة عن لحن القرآن، عن قوله … الأثر، كما مرَّ.) في الكتاب الذي هو الخطأ والزلل والوهم، وإنما سألها عن الحروف المختلفة الألفاظ، المحتملة للوجوه على اختلاف اللغات، وإنما سمَّى عروة ذلك لحنًا، وأطلقت عليه عائشة الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة، إذ كان ذلك مخالفًا لمذهبهما، وخارجًا عن اختيارهما، وكان خلافه هو الأولى عندهما.( انظر المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 121-122) أنه يحتمل أيضًا أن قول عائشة: " أخطؤوا في الكتاب" أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه. أي أن الوجه الظاهر المعروف في هذه الحروف غير ما جاء به المصحف، وأن استعماله على ذلك الوجه غامضٌ أو غلطٌ عند كثير من الناس، ولحن عند من لا يعرف الوجه فيه، لا أن الذي كتبوه من ذلك خطأٌ خارج عن القرآن، والدليل على ذلك أن غير الجائز من كلِّ شيءٍ مردودٌ بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه.( الإتقان في علوم القرآن (1/273)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 129-130. (
الأثر الثاني:
أن كلام عائشة في قوله تعالى: } يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا {،(من الآية 60 من سورة المؤمنون) ليس فيه إنكار هذه القراءة المتواترة، وإنما غاية ما فيه أن ما قرأت هي به كان مسموعًا عن رَسُول اللهِ ? منَزَّلاً من عند الله. أن قولَها: "وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ" يحتمل أن يكون المراد به أنه ألقي إلى الكاتب هجاءٌ غيرُ ما كان الأولى أن يُلْقَى إليه من الأحرف السبعة. أنه يحتمل أيضًا أن يكون مأخوذًا من الحرف، الذي هو بمعنى القراءة واللغة، وأنَّها أرادت أن هذه القراءة المتواترة التي رُسم بِها المصحف لغةٌ ووجهٌ من وجوه أداء القرآن الكريم.( مناهل العرفان (1/395).)
الأثر الثالث:
أن هذه الرواية غير ثابتة عن ابن عباس. قال أبو حيان: ومن روى عن ابن عباس أن قوله: (تستأنسوا) خطأ، أو وهم من الكاتب، وأنه قرأ: (حتى تستأذنوا)، فهو طاعنٌ في الإسلام، ملحدٌ في الدين، وابن عباسٍ بريءٌ من هذا القول، وتستأنسوا متمكنةٌ في المعنى، بيِّنَةٌ الوجه في كلام العرب.( تفسير البحر المحيط (6/410)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/276). (
أن ابن عباس قرأها } تستأنسوا { وفسرها بالاستئذان. فعن ابن عباس في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا )،( سورة النور، من الآية 27.) قال: الاستئناسُ: الاستئذانُ.( رواه الطبري في تفسيره (18/110)
الأثر الرابع:
أن الرواية بذلك عن ابن عباس غير ثابتة. قال أبو حيان: وأما قول من قال: إنَّما كتبه الكاتب وهو ناعسٌ، فسوَّى أسنان السين، فقول زنديقٍ ملحدٍ.( تفسير البحر المحيط (5/383-384)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).) أنه يحتمل أن قول ابن عباس: "كتبها وهو ناعس"، بِمعنى أنه لم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر، وهذا الرد محتمل في كثير من تلك الروايات. الأثر الخامس:
أنه قد استفاض عن ابن عباس أنه قرأ ( وقضى )،( سورة الإسراء من الآية 23.) وذلك دليل على أن ما نسب إليه في تلك الروايات من الدسائس التي لفَّقها أعداء الإسلام.( مناهل العرفان (1/391).) قال أبو حيان: والمتواتر هو: ( وقضى )، وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة.( تفسير البحر المحيط (6/23).
الأثر السادس:
في قوله تعالى: ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً )،( من الآية 48 من سورة الأنبياء.) فالرواية الواردة عن ابن عباس في تغيير موضع الواو ضعيفة، لا تصح.( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276)) .
الأثر السابع:
أنه لم ينقل أحدٌ من رواة القراءة أن ابن عباس كان يقرأ: (مثل نور المؤمن)، وهذا يدل على عدم صحة هذا النقل عنه، إذ كيف يقرأ ما يعتقد أنه خطأ ويترك ما يعتقد أنه الصواب. على أنه قد روي أن أُبَيًّا ? كان يقرأ: (مثل نور المؤمن)، وهي قراءة شاذة مخالفة لرسم المصاحف، وينبغي أن تحمل على أنه ? أراد تفسير الضمير في القراءة المتواترة، أو على أنَّها قراءة منسوخة.( انظر البحر المحيط (6/418)، ومناهل العرفان (1/392)).


الشبهة السابعة: دعوى تغيير الحجاج بن يوسف مصحف عثمان
ادعى بعض الطاعنين في القرآن الكريم أن الحجاج بن يوسف الثقفي غيَّر حروفًا من مصحف عثمان، وأسقط حروفًا كانت فيه، وأنه كتب ستة مصاحف وجه بِها إلى الأمصار، وجمع المصاحف المتقدمة، وأغلى لَها الخل حتى تقطعت، وأنه قصد بذلك التزلف إلى بني أمية بإثبات خلافتهم، وإبطال خلافة ولد عليٍّ والعباس.( وقد قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء في الوصل، ولا خلاف في إثباتها وقفًا لثبوتها في الخط. انظر النشر في القراءات العشر (2/142)، وإتحاف فضلاء البشر ص 163.(
وتعلقوا في ذلك بنحو ما روي عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيَّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفًا، قال:
كانت في البقرة: (لم يتسنَّ وانظر)، بغير هاء، فغيَّرها: ( لَمْ يَتَسَنَّهْ )،( سورة البقرة من الآية 259.(بالهاء.( وقد قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء في الوصل، ولا خلاف في إثباتها وقفًا لثبوتها في الخط. انظر النشر في القراءات العشر (2/142)، وإتحاف فضلاء البشر ص 163.
وكانت في المائدة: (شريعة ومنهاجًا)، فغيَّرها: ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ).( سورة المائدة من الآية 48، ولم يقرأ أحدٌ من القراء (شريعة) بالياء، ولو شاذًّا!
وكانت في يونس: ( يَنْشُرُكُمْ ) ، فغيَّرها: ) يُسَيِّرُكُمْ (.(سورة يونس من الآية 22، وقد قرأها أبو جعفر وابن عامر ) يَنْشُرُكُمْ ( ، من النشر، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام وغيرها، وقرأ بقية القراء: ) يُسَيِّرُكُمْ ( ، من التسيير، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحفهم، وكذلك روى أبو عمرو الداني في المقنع، في باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام. والذي يظهر -والله إأعلم- أنه لا فرق في الخط بين القراءتين، ففيها أربع أسنان، فتكون عند أبي جعفر وابن عامر واحدة للنون وثلاث للشين، وعند الباقين ثلاث للسين وواحدة للياء. انظر النشر في القراءات العشر (2/282) ، وإتحاف فضلاء البشر ص 248، والمقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 108، وانظر تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 448.)

وكانت في يوسف: (أَنَا آتِيكُم بِتَأْوِيلِهِ)، فغيَّرها: ( أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ).( سورة يوسف من الآية 45، وفي مصحف أبي بن كعب ( أنا آتيكم بتأويله) ، وهي قراءة شاذة، وقد قرأ بها الحسن. انظر تفسير البحر المحيط (5/314)
وكانت في المؤمنين: (سيقولون لله، لله، لله)، ثلاثتهن، فجعل الأخريين: (الله ، الله).( سورة المؤمنين من الآية 85، ومن الآية 87، ومن الآية 89. وقد اتفق القراء على قراءة الموضع الأول (لله) بغير ألف؛ لأن قبله } لمن الأرض ومن فيها { ، فجاء الجواب على لفظ السؤال، وقرأ أبو عمرو ويعقوب البصريان في الموضعين الأخيرين (الله) بالألف، وهكذا رسما في المصاحف البصرية، نص على ذلك الحافظ أبو عمرو، وقرأ باقي القراء (لله) بغير ألف، وكذا رسما في مصاحف الشام والعراق. انظر النشر في القراءات العشر (2/329). فأي تغيير ذلك الذي فعله للحجاج في هذه الآيات، وقد رسمتا على الوجهين كليهما؟).
وكانت في الشعراء، في قصة نوح):مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، وفي قصة لوط: (مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، فغيَّر قصة نوح: ( مِنَ الْمَرْجُومِينَ)،( سورة الشعراء من الآية 116) وقصة لوط: ( مِنَ الْمُخْرَجِينَ ).( سورة الشعراء من الآية 167.)
وكانت في الزخرف: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعَايِشَهُم)، فغيَّرها: ( مَعِيشَتَهُمْ (.(سورة الزخرف من الآية 32، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والأعمش )معايشهم)، وهي قراءة شاذة. انظر تفسير البحر المحيط (8/14(
وكانت في الذين كفروا: (مِن مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ)، فغيَّرها: ) مِن مَاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ(.(سورة محمد من الآية 15، وذكر فيها أبو حيان قراءة شاذة (ياسن) بالياء، ولم ينسبها لأحد. انظر تفسير البحر المحيط (8/79( (
وكانت في الحديد: (فالذين منكم واتقوا لهم أجرٌ كبير)، فغيـَّرها: ( وَأَنْفَقُوا ).( سورة الحديد من الآية 7.)
وكانت في إذا الشمس كُوِّرَتْ: ( وَمَـا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِـينٍ )،( سورة التكوير من الآية 24، وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير بالظاء المشالة، وقرأ الباقون بالضاد، ولا فرق بينهما في الرسم، إذ لا مخالفة بين الضاد والظاء إلا تطويل رأس الظاء على الضاد، وهي في جميع المصاحف العثمانية بالضاد، وفي مصحف ابن مسعود بالظاء. انظر النشر في القراءات العشر (2/398-399)، وإتحاف فضلاء البشر ص 434.) فغيـَّرها: ( بِضَنِينٍ )(رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف ص 59، وباب ما غيَّر الحجاج في مصحف عثمان ص 129(
وهذه شبهة باردة لا تستحق الردَّ؛ فإنَّها تحمل في طيَّاتِها أماراتبطلانِها وردها، ولكن نذكر ما أجاب به أهل العلم عن هذه الكذبة، وهي أجوبة كثيرة،منها:
1 ـ أن الروايات التي تعلقوا بِها في هذه الشبهة في غاية الضعف، ولا تقوم بمثلها حجة، فهذا الأثر المروي عن عوف بن أبي جميلة ضعيف جدًّا، ففيه عبّاد بن صهيب، وهو متروكٌ، ضعيف الحديث، وكان قدريًّا داعيةً،( انظر لسان الميزان (3/279-280) وكذلك عوف بن أبي جميلة، وإن كان ثقةً، إلا أنه متهم بالقدر والتشيع، وهذا الأثر -إن ثبت عنه- مما يؤيد دعوى الشيعة وقوع التحريف في القرآن، فهو متهم فيه.( وقد أخرج له البخاري في الصحيح. انظر تقريب التهذيب (2/89)، وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 455)
2 ـ أنه لو حصل مثل ذلك لنقل إلينا نقلاً متواترًا، لأنه مِمَّا تتوافر الدواعي على نقله وتواتره. فلما لم ينقل إلينا بالنقل الصحيح، علم أنه كذب لا أصل له.
3 ـ أنه من الْمحال عقلا وعادةً سكوت جميع الأمة عن تغيير شخص لكتابِها الذين تدين الله به، وأئمة الدين والحكم إذ ذاك متوافرون، فكيف لا ينكرون، ولا يدافعون عن كتاب ربِهم؟
4 ـ أن الحجاج لم يكن إلا عاملاً على بعض أقطار الإسلام، ومن المحال أن يقدر على جمع المصاحف التي انتشرت في بلاد المسلمين شرقها وغربِها، فذلك مِمَّا لا يقدر عليه أحدٌ لو أراده.
5 ـ أن الحجاج لو فرض أنه استطاع جمع كل المصاحف وإحراقها، فإنه من المحال أيضًا أن يتحكم في قلوب الآلاف المؤلفة من الحفاظ، فيمحو منها ما حفظته من كتاب الله.( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 399)
ويدل على ذلك أن أكثر المواضع التي ادُّعي أن الحجاج غيَّرها هي في جميع المصاحف على تلك الصورة التي زعموا أن الحجاج غيرها إليها، وقرأها القراء بِهذا الوجه، وبعضها رسم على الصورتين في المصاحف وقرئ بقراءتين، كما نقله إلينا القراء وعلماء الرسم العثماني، كما أن جل هذه المواضع لم ينقل إلينا نقلاً متواترًا قراءة أحد من القراء بِما يوافق الوجه الذي يزعمون أنه كان ثم غُيِّر، مثل: (شريعة ومنهاجًا)، و(أَنَا آتِيكُم بِتَأْوِيلِهِ)، و(مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، في قصة نوح ?، و(مِنَ الْمَرْجُومِينَ) في قصة لوط ?، و(نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعَايِشَهُم)، فلو صحَّ هذا النقل لنُقِل إلينا من القراءات في هذه المواضع ما يوافق ما كانت مكتوبةً به أوَّلاً.
6 ـ أنه بفرض أن الحجاج كان له من الشوكة والمنعة ما أسكت به جميع الأمة على ذلك التعدي المزعوم على الكتاب الكريم، فما الذي أسكت المسلمين بعد انقضاء عهده.( مناهل العرفان (1/273-274).)
7 ـ أنه يحتمل أن الحجاج إنَّما غيَّر حروفًا من بعض المصاحف التي تخالف مصحف عثمان، فقد روي أنه لَمَّا قدم العراق وجد الناس يكتبون في مصاحفهم أشياء، كانوا يكتبون : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما)، و(ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج) وأشياء غير هذا، فبعث إلى حفاظ البصرة وخطاطها، فأمر نصر بن عاصم وأبا العالية وعليَّ بن أصمعَ ومالك بن دينار والحسن البصري وأمرهم أن يكتبوا مصاحف ويعرضوها على مصحف عثمان.( نكت الانتصار لنقل القرآن ص 396(
وقد كان -فيما روي- من أشد الأمراء نظرًا في المصاحف، وكان شديد الحرص على أن يتَّبع الناس مصحف عثمان، فوكَّلَ عاصمًا الجحدري وناجية ابن رُمْحٍ وعليَّ بن أصمعَ بتتَبُّع المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحفٍ وجدوه مخالفًا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهمًا.( انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 51-52، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 397.(
8 ـ أن الحروف التي زعموا أن الحجاج غيَّرها ليس فيها حرفٌ واحد في إثبات خلافة بني أمية وإبطال خلافة بني العباس.( نكت الانتصار لنقل القرآن ص 399)

 


الفرع الرابع


نشأة القراءات المتواترة ومعناها ونزولها وحكمتها وغاياتها


القرءان في الأصل اللغوي : جمع قراءة وهي مصدر قرأ، يقال : قرأ فلان، يقرأ قراءةً وقرآناً، بمعنى تلا، فهو قارئ(انظر : المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة، الدكتور محمد سالم محيسن، ج1، ص : 45، ط3، دار الجيل، 1413 ﻫ – 1993م. بيروت.).
وقرأ الشيء قراءةً وقرآناً:تتبع كلماته ونطق بألفاظه عن نظر أو عن حفظ،فهو قارئ(انظر : معجم الألفاظ والأعلام القرآنية، لمحمد إسماعيل إبراهيم، ص : 419، ط دار الفكر العربي، 1418 ﻫ – 1998م، مدينة النصر – القاهرة.).
وجرى إطلاق السلف لفظة "قراءة" للتعبير عن صنيع القراء في أداء نصِّ القرءان المجيد"( القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، للدكتور محمد الحبش، ص : 32، ط1. دار الفكر، 1419 ﻫ – 1999م. بيروت – دمشق.) بحيث إذا أضيفت كلمة "قراءة" إلى واحدٍ من أعلام القراءة، تدل على منهج معِّينٍ لهذا القارئ في التلقي والأداء أو في فرش(الفرش بمعنى البسط ، والفرش في القراءات يراد به الكلمات القرآنية وكيفية تلاوتها في اختيار كل قارئ) بعض الحروف وأصولها(الأصول في القراءات، هي قواعد القراءة لكل قارئ، كمقدار المد والإمالة والتحقيق والتسهيل وغيرها.).
وقد اشتهر من الصحابة قراء كثيرون، فكان يقال على سبيل المثال: قراءة ابن مسعود، وقراءة أبي بن كعب، وقراءة زيد بن ثابت، وقراءة أم سلمة…إلخ.
ولم تكن تلك القراءات تؤدي المعنى نفسه الذي أصبحت تؤديه فيما بعد، إذا لم يكن لكل صحابيٍّ أصول فرش ينفرد به عن غيره(القراءات المتواترة وأثرها ، محمد الحبش، ص:33.).
القراءاتُ في الأصلِ الشَّرعِي : إذا أردنا تعريف القراءات من الأصل الشرعيِّ، فإن أقدم النصوص التي أشارت إلى تسمية الاختيار في التلاوة قراءةً هي ذلك الحديث المشهور المرويُّ في الكتب الصحاح، ونصهُ:
عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال : ( سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ(أي : أخذته بردائه وجمعته عند صدره، ونحره، مأخوذ من اللبة وهي المنحر.) فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ كَذَبْتَ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا فَقَالَ أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.) صحيح البخاري بشرح فتح الباري العسقلاني ـ كتاب فضائل القرآن ، رقم الحديث، 1992، وقد أخرجه مسلم في صحيحه ( رقم الحديث : 818) واللفظ هنا للبخاري، والحديث مشهور وله روايات كثيرة، وقد أخرجه مسلم في صحيحه : (انظر : مختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي، كتاب فضائل القرآن، ص : 445، والخصومات، ص : 254.).
وعليه فإن هذا النص النبوي دال على الأصل الشرعي لكلمة "قرأة" بلا ريب، فالقراءات المتواترة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناها الاصطلاحي هي اختلاف ألفاظ الوحي القرآنيَّ في الحروف وكيفيتها وفق الأوجه السبعة ( ولم أقل : " الأحرف السبعة") التي أنزل عليها القرآن الكريم، والتي لابد فيها من التلقي والمشافهة، لأن القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة(انظر : المغني محمد سالم محيسن ج1، ص : 46، نقلا عن. كتاب : لمحات في علوم القرآن، لمحمد علي الضباع، ص 157، ط بيروت، 1974م.).
مدى الارتباط بين القرءان والقراءات المتواترة
من خلال العرض السابق لتعريف القرءان والقراءات من الأصل اللغوي والشرعي، يتضح مدى الارتباط العضوي بين القرءان والقراءات المتواترة، والمناسبة بينهما واضحة جليًّة.
ومن هذه النافذة سوف أسرد لكم بعض الآراء حول حقيقة القرءان والقراءات؛ هل هما حقيقتان متغايرتان أو بمعنى واحد؟.
يحاول الشيخ الزركشي رحمه الله أن يجعل القرآن والقراءات حقيقتين متغايرتين، حيث يقول : " واعلم أن القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها؛ من تخفيف وتثقيل وغيرها"( البرهان في علوم القرآن، الزركشي، جـ1، ص : 318.)
غير أن الدكتور محمد سالم محيسن يرد على الشيخ الزركشي ويقول : " وأرى أن كلا من القرآن والقراءات، حقيقتان بمعنى واحد، يتضح ذلك بجلاءٍ من خلال تعريف كلٌّ منهما، ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول القراءات …"( المغني ، محمد محيسن سالم، جـ 1، ص : 47.) ثم يورد حديث "أضاءة بني غَفَّار"( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاءَةَ بَنِي غِفَارٍ قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَأُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا).( في صحيح مسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب : 2/ 103.مشكول ، ط: مكتبة ومطبعة محمد صبيح وأولاده، بميدان الأزهر، التاريخ[بدون].
انظر القراءات القرآنية المتواترة وأعلامها، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ نقلا عن : إتحاف فضلاء البشر، لأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي : 1/9 هامش، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ط1، عالم الكتب، 1987م.).
أما الدكتور شعبان محمد إسماعيل فقد حاول التوفيق بين الرأيين، حيث ذهب مذهباً وسطاً، فقال إن القرآن والقراءات ليس بينهما تغاير تام، ولا اتحاد تام، بل بينهما ارتباطٌ وثيق، ارتباط الجزء بالكل، فالقراءات هي اختلاف القراء في بعض القرآن، بينما القرآن يشمل مواطن الاختلاف وغيرها، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ (انظر القراءات القرآنية المتواترة وأعلامها، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ نقلا عن : إتحاف فضلاء البشر، لأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي : 1/9 هامش، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ط1، عالم الكتب، 1987م.).
في هذه الأمواج، إن سلمنا بأن القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان على حد قول الإمام الزركشي، فإننا نفتح بذلك باب الطعن في القراءات المتواترة التي يجب اعتقاد قرآنيتها.
وإن أطلقنا أن القرءان والقراءات – بدون قيد – حقيقتان بمعنى واحد على رأي الدكتور محمد سالم محيسن، نوشك أن نعتقد بقرآنية ما ليس بقرآن، وهي القراءات الشاذة.
وإن قلنا برأي الدكتور شعبان محمد إسماعيل ( بين بين ) بقينا في مشكلة العموم والخصوص : وذلك لا يزيل هذا الخلاف الوهمي بين مختلف الآراء : إذاً فلابد من التقييد الفارق بين العبارتين :
أ – " القرءان والقراءات المتواترة حقيقتان بمعنى واحد.
ب – " القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان".
لنخرج بنتيجة هي : أن القرءان والقراءات المتواترة بمعنى واحد من حيث إن كل قراءة منهما يصدق عليها قرءان، فكما تسمى قراءةَ ، كذلك تسمى قرآناَ، وعليه فلا بد من تقييد (القراءات) بالتواتر التي أجمعت الأمة على التلقِّي لها بالقبول باعتبارها قرآناً، وأما ما شذ منها فليس بقرآنٍ إجماعاً ( القراءات القرآنية المتواترة ، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ وانظر : إعجاز القراءات القرآنية، للأستاذ صبري الأشوح، ص : 18، ط1، مكتبة وهبة، القاهرة، 1419هـ – 1998م، وقد قال عبارة " كل القراءات المتواترة قرآن، وبعض القرآن قراءاتٌ متواترةٌ" والظاهر أن في قوله هذا نظراً، لأنه يرجعنا إلى مشكلة العموم والخصوص مرة أخرى ؟).
وليس أدلُّ على ذلك من أن هذه القراءات المتواترة – وهي عشرةٌ بالتحقيق – "تشمل على معنى الإعجاز، والتعبد بالتلاوة، وصحة الصلاة بها وقطعية ثبوتها، ونزولها.
لذا، أستخلص بأن إطلاق لفظ (القراءات) على عمومه مغاير للقرآن لاشتمالها على المتواتر والشاذ، وأن القرآن والقراءات المتواترة بمعنى واحد، وقد اتضح ذلك فيما سبق مدى الارتباط الوثيق الذي يوصل لفظ"قراءة" إلى لفظ "قرآن"، ولاسيما عند الإضافة.
حكمة تعدد القراءات :
إن المتأمل في تاريخ الأمة العربية والإسلامية بوسعه أن يتصور أي مستقبل كان ينتظر اللغة العربية في ضوء هذه المعطيات الربانية. فلولا الثورة اللغوية التي أعقبت نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وانتشار قرائه وحفاظه في مشارق الأرض ومغاربها، يجمعون الناس على لغة القرآن المصفاة، لبقيت الأمة العربية في رداءة كشكشة ربيعة ومضر، وكسكستهما، وفحفحة هذيل، وشنشنة تغلب، وغمغمة قضاعة، أو طمطمانية حمير، أورتة العراق(الكشكشة : جعل شين بعد كاف الخطاب في المؤنث نحو : رأيتكش. الكسكسة : جعل سين بعد الكاف في المذكر، الفحفحة : جعل الحاء عينا. الشنشنة : جعل الكاف شينا مطلقاً نحو : لبيش بمعنى لبيك. والغمغمة : أن تسمع الصوت ولا يتبين لك تقطيع الحروف. الطمطمانية : إبدال اللام ميماً نحو : أمهواء بمعنى الهواء. الرتة : تمنع أول الكلام، فإذا جاء منه شيئاً اتصل به.) ، وهي كما ترى لهجات منسوبة إلى قبائل بعينها، وكذلك لتعصبت كل قبيلة بلهجتها، وفضلتها ولم تقبل غيرها(انظر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي، جـ 1، ص : 175، ط1، دار الكتب العلمية، عام 1418هـ – 1998م/ وانظر : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، محمد الحبش ، ص : 27 – 28.).
هكذا جاء القرآن والقراءات لتتأصل اللغة الصحيحة المبينة محل لغات شائعة فاشية، كالفأفأة، والغنة، والعقلة، والحبسة، والترخيم، والتمتمة، واللفف(الفأفأة : التردد في الفاء. الغنة : أن يشرب الحرف صوت الخيشوم. العقلة : التواء اللسان عند إرادة الكلام. الحبسة : تعذر الكلام عند إرادته. الترخيم : حذف الكلام. التمتمة : التردد في التاء. اللفف : إدخال حرف في حرف. انظر : العقد الفريد، لابن عبد ربه، ج2، ص475.).
إن هذه اللغات المنحرفة قد تكون بعضها لا تنتمي إلى أصول الكلام العربي. وتكفلت القراءات القرآنية المتواترة بحفظ اللهجات العربية المحترمة، " ولدى الاستقراء فإنك تجد أنها – أي القراءات المتواترة – تحتوي على كثير من اللهجات العربية، ولكنها محكومة بضابط من القواعد يمكن ردها إليها والاحتكام على أساسها"( انظر : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، محمد الحبش ، ص : 28 – 30.).
" وهكذا أصبحت الجزيرة العربية تعتمد لساناً عربياً واحداً، مهما اختلفت فيه من شيء ردته إلى الكتاب الإمام(المصدر السابق، ص : 30.) الذي نزل بلسان عربي مبين.
غايات القراءات المتواترة :
إن الحديث عن حكمة القراءات المتواترة يسفر عن غاياتها التي أرادها الله عز وجل لهذه الأمة الإسلامية، فمن هذه الغايات المسندة بالحكمة الإلهية :
1 – توحيد الأمة العربية بعد شتاتهم في قَبَلِيَّتَهم وقوميتهم المفرطة.
2 – تصفية اللغات العربية من الانحراف للبيان والتيسير على العرب وغيرهم، لأن اللهجات العربية على سابقتها كانت أكثرها غير مفهومة عند جميع العرب أنفسهم.
3 – تعجيز كل منكر وجاحد في الأرض بأن يأتي بمثل هذه القراءات في قرآن واحد تضاد ولا تناقض بينها. ( أَفَلا يَتَدَبًّرُونَ الْقٌرْآنَ وَلًوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلـفاً كَبِيراً)( سورة النساء، الآية : 82.).
4 – التيسير على الأمة، وإن لم يكن على إطلاقه كما يرى الدكتور السائح على حسين.( انظر تفصيل ذلك في : مدخل الدراسات القرآنية، للدكتور السائح علي حسين، ص : 145-148 ، ط1، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، عام 1430 و. ر. – 2000 إ.).
5 – توسيع آفاق تفسير القرآن الكريم لدى المفسرين، بتضمينه وجوهاَ نحوية وصرفية ولغوية وبلاغية في خلال هذه القراءات المتنوعة.
وَهُنَاكَ فرقٌ بين "نشأة القراءات المتواترة" و"نشأة" علم القراءات، فالأخير معناه ظهور القراءات كفنٍ مدوِّن يتداوله العلماء، ويقعدون له قواعد ويؤسسون له أصولا وضوابط معينة يسير عليها كل من يريد التخصص فيه، ولكن لا يعني ذلك أن القراءات المتواترة أُحدثت أو أن منشأها أرضيٌّ، وليس أدل على ذلك من قول أبي ابن كعب في الحديث السابق : "… فأتاه جبريل عليه السلام، فقال : " إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف…إلخ"، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه قرأوا بهذه القراءات قبل تدوينها...
ومن الإطلاقات التي يطلقها بعض الكتاب مضافةً للقراءات المتواترة لفظة "تطور" غير أن " … القول بتطور القراءات بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وجه له، ولا دليل عليه ويتجلى امتناع ذلك التطوُّر من تعريف القراءة في قولهم :" علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة "، كما قيل في تعريفها : " مذهب يذهب إليه إمامٌ من الأئمة، مخالفاً به غيرَه في النطق بالقرآن الكريم مع اختلاف الروايات عنه"( في موضوع : أثر القراءات في تنوع المعنى القرآني، للأستاذ سعيد سالم الفاندي – مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد 10، ص : 36، 1402 ﻫ– 1993م.). " .
فالقراءات عِلْمٌ منقول عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس علماً مستنبطاً حتى يقال بأنه خاضعٌ للتجديد والتحسين، اللهم إلا تجديد وسائل التلقين وتحسين الاختيار(المصدر السابق والصفحة نفسها.).
أمَّا القول بتطور علم القراءات فإنما يقصدون مراحل تدوينها وكثرة التأليف فيها وأساليب اهتمام الناس بها ، ولا يعني ذلك بأي حال أن العلماء هم الذين استنبطوا ضوابطها أو أنشئوا لها قواعد، أو أنهم اجتهدوا في وضعها بشيءٍ بناء على ملكاتهم اللغوية، وكيف ذلك التقوُّلُ على القرآن الكريم وقد نهي النبي المرسل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به عن أي تقوُّل على الله؛( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين ) .( سورة الحاقة، الآيات : 44، 45، 46.).
ثُّمَّ ألزم الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتِّباع كيفيات أداء كلمات القرآن عند نزول الوحي، فقال له ( لاَتُحَرِّك بِهِ لِسَانِكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ * فإذا قرأناه فاتبع قرءانه * ثم إن علينا بيانه) ( سورة القيامة، الآيات : 16، 17، 18، 19.).

وعليه فإن هذا الموضوع في نظري جدير بالبحث


وذلك لأسباب جمعتها في النقاط الآتية:


1 – وقوع كثير من الباحثين في خطإ الطعن في القراءات المتواترة ، وترجيح بعضها على بعض، اقتداء ببعض الأئمة الأجلاء، فيكررون هفواتهم التي كانت منهم عن حسن نية بالاجتهاد في البحث عن العلم والحق.


2 – وجود إشكاليات لدى بعض الباحثين حول اختلاف القراءات، وقد تسربت إلى أذهان كثير من طلاب دراسات علوم القرآن واللغة العربية.


وقد نتج ذلك عن:


3 – عدم وضوح طبيعة الاختلاف بين القراءات في الكتب المدونة قديمًا وحديثًا لدى كثير من طلاب الدراسات الإسلامية واللغة العربية، لأن أسلوب تناول الموضوع معقد وغير مفهوم لديهم.


4 – قلة الدراسات الحديثة في بيان طبيعة اختلاف القراءات بصورة شاملة وميسرة.


5 – عدم تركيز الباحثين على كون اختلاف القراءات ثروةً غزيرةً في تخصص أصول التفسير وغيره، وقلة المصادر المختلفة في ذلك.


6 – ندرة البحث فيما انفرد بقراءته كل من القراء العشرة، مع مقارنة الانفرادات بما قرأ به الجماعة من حيث الإعراب والمعنى، بغية الوصول إلى مناسبة أو تلازم بينهما، ثم استنتاج ثمرة الخلاف.


وعليه فاترجع أهمية هذا الموضوع أنه يكشف الغطاء عن حقيقة طبيعة اختلاف القراء العشرة، ويبرز كذلك أن لهذا الاختلاف إعجازًا بالغًا يدل على عمق كنه القرآن، مع تنوع خصائصه غيرالمحدودة،الأمر الذي يدل دلالة واضحة على نفي التضاد والتناقض والتنافر بين القراءات، مهما حاول المغرضون أن يثبتوا ذلك.


كما تكشف أهمية هذا الموضوع حيث يرى أنه يميط الغطاء عن إشكالية الموضوع وأسئلته التي تتلخص فيما يلي :
أولا: يعتقد بعض الناس أن الاختلاف بين القراءات المتواترة يلحق بالقرآن عيبًا، والبعض الآخر لا يؤمنون بنزولها من عند الله، فيقترحون الاكتفاء بواحدة أو برواية منها، لأن هذه القراءات – في رأيهم – تسبب خلافات بين الأمة الإسلامية في قراءة القرآن وتطبيق أحكامه.
فهؤلاء الناس لا يرون تكاملاً بين قوله تعالى: ( هُنَالكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ) سورة يونس، الآية : 30. ( وبين قوله : ( هُنَالِكَ تَتْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ)، وكذلك بين قوله تعالى ( حَتَّى يَطْهُرْنَ) وبين قوله تعالى : ( حَتَّى يَطَّهَرْنَ )سورة البقرة الآية : 222. ، كما لا يرون معنًى معتبرًا في الاختلاف بين قوله تعالى : ( وَخَاتَمَ النَّبِيينَ)،وبين قوله : ( وَخَاتِمَ النَّبِيينَ) سورة الأحزاب، الآية : 40. ، بل يجدونها منبعًا للخلافات بين الأمة الإسلامية، لذا يُحَبِّذُون اختيار قراءةٍ أو روايةٍ واحدةٍ يستقر عليها المسلمون، وتبقى البقية الباقية مجرد لغاتٍ أو لهجاتٍ، أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين أن يقرؤوا بها للتيسير، ليس إلا! ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) سورة الكهف، الآية : 5..
من هذه الزاوية ترد الأسئلة التالية:
هل تَقَوَّلَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الله بعض الأقاويل حينما قال لعمر بن الخطاب وهشام بن حكيم : " كذلك أنزلت " صحيح البخاري بشرح فتح الباري، العسقلاني، كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث2 199). وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، رقم الحديث : (818)، واللفظ هنا للبخاري ، والحديث مشهور، وله روايات كثيرة ؟.
ثم إذا كانت القراءات مجرد لهجات؟ فما حكم مثل هذا القول في حق كلام الله تعالى؟ وما خصائص القراءات القرآنية بالنسبة للدراسات القرآنية والعربية فضلاً عن كونها للتيسير في القراءة؟ أليست لهذه القراءات المتنوعة ثمراتٌ خلافية تزيد القرآن إعجازًا، وتمدد الدراسات الإسلامية والعربية والإنسانية وغيرَها بغزارةٍ علميةٍ اللامحدودة؟ وما مدى تأثير هذه الخلافات التنوعية بين القراءات المتواترة وغيرها في مجال أصول التفسير والأحكام الشرعية؟..

ثانيا: يتوهم بعض الناس وجود إشكالية في المراد بالأحرف السبعة التي وردت في الأحاديث النبوية الصحيحة مع نسيان المناسبات التي قيلت فيها، والأسباب التي تولدت منها ، مثل ما جرى بين الخليفة عمر بن الخطاب والصحابي الجليل هشام بن حكيم رضي الله عنهما ، وكذلك ما جرى بين أبي بن كعب ورجل في المسجد، وكل ذلك في العصر النبوي ، وكذلك ما جرى بين المعلمين حول بعض الأوجه في قراءة القرآن ورسمه وتنازعهم في ذلك ، مما أدى إلى جمع الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه للقرآن في مصحف واحد.


فَوَائِدُ اخْتِلاَفِ الْقِرَاءَاتِ وَتَنَوُّعِهَا
إِنَّ فوائد اختلاف القراءات لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ولا تظهر كلها لعلماء عصر واحدٍ، لذا أقتصر على الفوائد الآتية :
أَوَّلاً: التيسيرُ والتخفيفُ على الأمة الإسلامية، وجمعُها على لسان واحدٍ يُوَحِّد بينها، والذي انتظم كثيرًا من مختارات ألسنة القبائل العربية المختلفة، لأن وِحدةَ اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة (انظر : مناهل العرفان في علوم القرآن، الزرقاني، ج1، ص : 109/ وانظر التيسير في القراءات السبع المشهورة وتوجيهها، أبو سليمان، ص : 11/ والمدخل والتمهيد في علم القراءات والتجويد، عبد الفتاح إسماعيل شلبي، ص : 14 – 15).
يقول الإمام ابن الجزري في ذلك : " إن القرآن نزل على سبعة أحرف، وإن الكتب المنزلة كانت تنزل على حرف واحدٍ، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يُبعَثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعث إلى جميع الخلق : أحمرهم وأسودهم، عربيهم وعجميهم، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم – كانت لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتى، ويشق على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك لاسيما الشيخ والمرأة ومن لم يقرأ كتابًا كما أشار إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلو كُلفوا العدولَ عن لغتهم والانتقالَ عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع" (انظر النشر ، ابن الجزري ، ج:1، ص: 22 / وفي هذا القول إشارة صريحة إلى ما رواه الإمام البخاري في صحيحه( كتاب فضائل القرآن) انظر : فتح الباري للعسقلاني( باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) رقم الحديث : 4991).
ثَانِيًا: نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز( انظر : التيسير في القراءات السبع المشهورة وتوجيهها، أبو سليمان، ص : 11/ وانظر : المرشد في علم التجويد، للشيخ زيدان محمود سلامة العقرباوي، ص 25، ط : 4، دار الفرقان – عمان – عام 1422ﻫ – 2001م)..
ثَالِثًا:عظيم البرهان، وواضح الدلالة على أن القراءات المتواترة من عند الله إذ القرآن مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضُه بعضًا) انظر : التيسير في القراءات السبع المشهورة، أبو سليمان، ص: 11). ، بخلاف الكتب الأخرى التي اعتراها الناس بالتحريف : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )سورة النساء، الآية : 82..
رَابِعًا:التحدي بالقرآن لجميع الخلق (انظر : المدخل والتمهيد في علم القراءات والتجويد، عبد الفتاح إسماعيل شلبي، ص : 16). بأن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي يقرأ في رسم واحدٍ بوجوه مختلفة متنوعة، لا تُحدث أي تناقض في معانيه الجلية، بل تزيده جمالاً وبلاغةً وإعجازًا : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجنُّ عَلَى~أَن يَّأتُوا بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )(سورة الإسراء، الآية : 88./ انظر : مناهل العرفان في علوم القرآن، الزرقاني، ج1، ص : 111.).
خَامِسًا: " سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة، إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة، فإنه من يحفظ كلمةً ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملا من الكلام تُؤَدِّي معاني تلك القراءات" (انظر : التيسير في القراءات السبع المشهورة،أبو سليمان ، ص: 11/وانظر:المرشد في علم التجويد، العقرباوي،ص:26.) ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّذَّكِرٍ )سورة القمر، الآية : 17.
سَادِسًا: إعظام أجور هذه الأمة، من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معانيه واستنباط أحكامه، واستخراج كَمِين أسراره وخَفِيِّ إشارته من دلالات ألفاظه الكريمة( انظر : التيسير في القراءات السبع المشهورة، أبو سليمان، ص : 11/ وانظر : المرشد في علم التجويد، العقرباوي، ص : 26.).
سابعًا:تسوية الثواب الجزيل للناس جميعًا بقراءة أيٍّ من هذه القراءات المتواترة، بدون فرق بينها، فقراءةٌ واحدةٌ بعشر أمثالها مادام الرسم القرآني يحتملها جميعا، لأن الحسنة بعشر أمثالها والقراءات المتواترة كلها من عند الله تعالى : ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (سورة المزمل، الآية : 20 جزء منها. وقد وردت هذه العبارة نفسها في حديث اختلاف عمر وهشام./ صحيح البخاري بشرح فتح الباري ، كتاب فضائل القرآن، ( باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) رقم الحديث : 4992).
 


الْخُلاَصَةُ


أكرر مرة أخرى


إِنَّ القرآن الكريم وقراءاته المتواترةَ، لاَفَصْلَ بينهما، إِذْ مصدرهما الوحيُ السماويُّ، وقد تضمنت ذلك المعنَى الأحاديثُ النبوية الصحيحة في عباراتها الواضحة " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"، وهذه الأحرف السبعة هي أماكن الخلاف الذي يظهر لنا في القراءات العشر المتواترة، ولا يتَعدَّى الأوجَه السبعة التي لَمْ يَخْفَ علينا سهولةُ تطبيقها، ولا يوجد خلافٌ آخر بعدها في القرآن الكريم كلِّه، وكفى بذلك حجَّةً.


وَالْقَولُ بنزول القرآن على الأوجه السبعة لا يتناقض مع القول بنزوله على سبع لغات أو أكثر على فرض صحة هذا القول، فإن الأوجه السبعة جامعة بين لُغاتِ ولهجاتِ جميع القبائل العربية، كما لا يطعن ذلك في نزول القرآن بلسان عربيٍّ مبين.


وَقَدْ أُحِيطَ القرآنُ مع القراءات المتواترة بالوثائق القويمة التي وفَّرتْ له الأمنَ من الضَّياع والتحريف، وتمثَّلت تلك الوثائق في تلَقِّي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروح الأمين، جبريل عليه السلام، وفي إِقْرَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه الأجلاء بحرصٍ حريصٍ، فقرأوه حقَّ قراءة، وكتبوه على العُسُب والأكتاف وغيرهما، وحفظوه وحافظوا على حروفه وحدوده، ثُمَّ أَقْرَأُوا مَنْ بَعْدَهم كما تَلَقُّوْه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشافهةً وسماعًا، وتوارثت الأجيالُ قراءاتِ القرآن المتواترة بأمانةٍ واهتمامٍ، حيث اعتنت طائفةٌ بتدوينها وإقرائها وضبطها وتحقيق أسانيدها، وطائفةٌ اعتنت بتحسين رسم المصحف وتجويده، فحسَّنته بصيانة من كلِّ لَبْسٍ وغموضٍ للعرب والعجم، وكلما مرَّت الأيام ازدادت عناية الأمة بكتاب ربِّها وقراءاته المتواترة.


وَهَذَا يدل على أن هذا القرآن الكريم في رعاية الله تعالى وعنايته الموعودة في قوله تعالى:


( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة الحجر، الآية : 9.


وَإِنَّ موثوقية النص القرآني مع قراءاته المتواترة لا يشوبها شائب، ولا يشكُّ فيها إلاَّ كلُّ قلبٍ مَرِيضٍ، وَعَقْلٍ جَحِيدٍ يجحد بآيات ربه!.


إِنَّ تعدُّد قراءات القرآن الكريم لا يجعله في شيء مِثلَ الأناجِيلَ ذاتِ العهد القديم والجديد، أو مِثلَ روايات التوراة المتناقضةِ والمتضاربة، حيثُ تُوحي كُلُّ جملةٍ منها بشكٍّ أو شبهةٍ، بل إن تعدُّد القراءات المتواترة كتعدد الآيات، وطبيعتها متميِّزةٌ، ومليئةٌ بأسرارٍ من الإعجاز مالا يُدْرِكُه إلا الراسخون في علوم القرآن والقراءات، بالإضافة إلى أنَّ القراءات هذه على اختلافها وتعدُّدها لا تَتَضَادُّ ولا تتضارب، بل بينها مناسباتٌ بديعة تكشف عن إلهِّيتها وسماويتها، وأنها من لدن حكيم عليم.


إِنَّ لِتنزيل القرآن على الأحرف السبعة تاريخًا موثَّقًا، وواقعًا تطبيقيًّا يُمَيِّزانِه عن غيره من الكتب السماوية التي اعْتَرَاها المبطلون بالتحريف والتبديل، وليس الأمر كما يتوهَّمه خصوم الإسلام والقرآن، أو بعضُ من لَمْ يَحْظَ بِقَطْمِيرٍ من علم القراءات، من أنَّ مسألة تعدُّد القراءات القرآنية ثغرةٌ في عصمة النص القرآني وموثوقيَّته، وأن الإقرار بالقراءات، يستلزم القولَ بوجود جهودٍ اجتهاديَّةٍ أو ابتكاريَّةٍ من قِبَل علماء القراءات في وَضْعِ شيءٍ من القرآن الكريم، كَلاَّ ( بَلْ هُوَ قُرءَانٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ سورة البروج، الآيتان : 21، 22.


فَهْوَ إِذَنْ : كِتَابٌ : (لاَ يَأْتِيهِ الْبَـطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) سورة فصلت، الآية : 42.

 
الفرع الخامس

تنوير الأفهام في مصادر الإسلام

في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتاب "تنوير الأفهام في مصادر الإسلام" ، لأحد الحاقدين على الإسلام وأهله الدكتور" سنكلير تِسدَل " والذي أورد في الفصل الثاني تحت عنوان " تأثيرات عرب الجاهلية " ما يلي:
(...إن بعض آيات القرآن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة بين قريش قبل بعثة محمد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب باسمه تأييداً لقولهم. ولا شك أنه ورد في هذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القرآن، بل هي عينها، أو تختلف عنها في كلمة أو كلمتين، ولكنها لا تختلف معها في المعنى مطلقاً.
ثم أورد الأبيات هكذا:
دنت السـاعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر
أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر
مرَّ يوم العيـد في زيـنتـــه فرماني فتعاطى فعقر
بسهـامٍ من لـِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر
وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ
كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر
عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر
بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر
قلـتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساـعةُ وانشقَّ القـمر
وله أيضاً:
أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون
وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون
ويقول: (.... أن الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر 54:1 و27 و29؛ وفي سورة الضحى 93:1 و2؛ وفي سورة الأنبياء 21:96؛ وفي سورة الصافات 37:61، مع اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى. مثلاً ورد في القرآن «اقتربت» بينما وردت في القصيدة «دنت». فمن الواضح وجود مشابهة بين هذه الأبيات وبين آيات القرآن. فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن، لأنه يتعذر على الإنسان أن يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.
ولستُ أرى مخرجاً لعلماء الإسلام من هذا الإشكال إلا أن يقيموا الدليل على أن امرئ القيس هو الذي اقتبس هذه الآيات من القرآن، أو أنها ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة الإسلام حتى يقتبس آياتٍ من القرآن ويستعملها بالكيفية المستعملة في هذه القصائد!..)أﻫ..
الرد على هذا الباطل
1ـ لقد تصدى العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله لهذه الفرية ، وردها بالأدلة والبراهين الدامغة، ونحن ننقل هنا شيئا من كلامه لأهميته.
قال رحمه الله :" لولا أن في القراء بعض العوام ، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي ، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين عشاق الغِلمان ، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها ، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم ، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم ، وأبلغ بلغائهم .
وهب أن امرأ القيس زير النساء كان يتغزل بالغلمان ـ وافرضه جدلا ـ ولكن هل يسهل عليك أن تقول : إن أشعر شعراء العرب صاحب ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) يقول : أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور ، وتضيق عليه اللغة فيكرر المعنى الواحد في البيت مرتين ؛ فيقول : أحور بعينيه حور .
أتصدق أن عربيا يقول : انشق القمر عن غزال ، وهو لغو من القول ؟ وما معنى : دنت الساعة في البيت ؟ وأي عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين ؟.. وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول : فرماني فتعاطى فعقر، وأي شيء تعاطى بعد الرمي ، والتعاطي : التناول ... وهل يقول امرؤ القيس : لحاظ فاتك ؟ فيصف الجمع بالمفرد .
وهل يشبّه العربي طلوع الشعر في الخد بالسُرى في الليل؟ مع أنه سير في ضياء كالنهار؟
وكيف تفهم وتعرب قوله :
بالضحى والليل من طرته فرقه *** ذا النور كم شيء زهر
وهل يقول عربي، أو مستعرب فصيح في حبيبه: إن العذار شق خده شقًّا ؟!.... بعد هذه الإشارات الكافية في بيان أن الشعر ليس للعرب الجاهليين، ولا للمخضرمين، وإنما هو من خنوثة وضعف المتأخرين، أسمح لك بأن تفرض أنه لامرئ القيس إكراما واحتراما للمؤلف – أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" - ، ولكن هل يمكن لأحد أن يكرمه ويحترمه فيقول : إن الكلمات التي وضع لها العلامات هي عين آيات القرآن ؟ .... وليس في القرآن ( فرماني فتعاطى فعقر ) وقد ذكرنا لك الآية آنفا ، وقوله ( تركني كهشيم المحتظر ) مثله ، وإنما الآية (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) القمر: ٣١ ..فالمعنى مختلف والنظم مختلف ، وليس في البيت إلا ذكر المشبه به ، وهو فيه في غير محله ؛ لأن تشبيه الشخص الواحد بالهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه لا معنى له ، وإنما يحسن هذا التشبيه لأمة فُنيت وبادت كما في الآية ...
وليس في القرآن أيضًا : كانت الساعة أدهى وأمر ، وإنما (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)القمر: ٤٥ - ٤٦، فههنا وعيدان شرهما الساعة المنتظرة فصح أن يقال : إنها أدهى وأمر ، وليس في البيت شيء يأتي فيه التفضيل على بابه .
واعلم أن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين هو أدنى ما نظموا في الاقتباس ، ولم ينسبه إلى امرئ القيس إلا أجهل الناس .
ثم إن المعنى مختلف، والنظم مختلف، فكيف يصح قول المؤلف ـ أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" ـ : إن هذه الكلمات من آيات القرآن، وإنها لا تختلف عنها في المعنى، ولو فرضنا أن هذه الكلمات العربية استعملت في معنى سخيف في الشعر ليس فيه شائبة البلاغة، ثم جاءت في القرآن العربي بمعان أخرى وأسلوب آخر، وكانت آيات في البلاغة كما أنها في الشعر عبرة في السخافة، فهل يصح لعاقل أن يقول : إن صاحب هذا الكلام البليغ في موضوع الزجر والوعظ مأخوذ من ذلك الشعر الخنث في عشق الغلمان، وأن المعنى واحد لا يختلف؟. فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه ، وإنه ليرجح بتعصب العالمين.". ا.ﻫ [ مجلة المنار 7 / الجزء 5 / ص 161 ].
2ـ وقال الأستاذ محمد أبو الفضل في مقدمة دراسته عن امرئ القيس وشعره :
" استفاضت أخباره على ألسنة الرواة ، وزخرت بها كتب الأدب والتراجم والتاريخ ، ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، واختلط فيها الصحيح بالزائف، وامتزج الحق بالباطل، وتناول المؤرخون والأدباء بالبحث والنقد والتحليل وخاصة في العصر الحديث ... وفي جميع أطوار حياته منذ حداثته وطراءة سنه، إلى آخر أيامه، قال الشعر وصاغ القريض ... وأصبح عند الناس قدر وافر من قصيده ، فنحلوه كل شعر جهل قائله، أو خمل صاحبه، من جيد يعسر تمييزه عن شعره ، ورديء سفساف مهلهل النسج ، سقيم المعنى، وللعلماء من القدماء حول هذا الشعر وتحقيق نسبته إليه أقوال معروفة مشهورة " ا ﻫ.[ امرؤ القيس ص 6 ].

3ـ فلو نسبت الأبيات التي هي موضع الشبهة إلى امرئ القيس دون سند أو برهان ، فلا شك حينئذ في أنها منحولة ومكذوبة عليه ، ومع ذلك فإنه حتى في المنحول الذي يذكره من جمع شعر امرئ القيس و ما نحل عليه لا تذكر هذه الأبيات .
4ـ وقد استدل بعضهم بما أورده الإمام عبد الرءوف المناوي في كتابه " فيض القدير شرح الجامع الصغير [ مسألة رقم 1625 الجزء 3 ص 187] "..
حيث قال ما نصه :"
1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد، قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر المَرَاقِسَة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرّمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص 187] إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعراً فقال أبوه هذا ليس باني إذ لو كان كذلك لقال شعراً فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوا بين الدخول فحومل
فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقاً وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال:
أجارتنا إن المزار قريب * وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا * وكل غريب للغريب نسيب
قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا، وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل ، فقال :
يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره
وقال:
اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها * ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل * فإما عليها وإما لها
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) عبس: ١٧.
وقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)القمر: ١.
وقوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)الزلزلة: ١ .
وقوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) القمر: ٣١ .
وقوله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)القمر: ٢٩.
وقوله تعالى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) القمر: ٤٦
ونقول.. أن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى غير امرئ القيس ، قال الذهبي المتوفى سنة 748 ﻫ ، في تاريخ الإسلام في ترجمة " محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز ـ المعروف بمؤيد الدين القمي ـ" :
" وكان كاتبا سديدا بليغا وحيدا ، فاضلا، أديبا، عاقلا، لبيبا، كامل المعرفة بالإنشاء، مقتدرا على الارتجال ... وله يد باسطة في النّحو واللّغة، ومداخلةٌ في جميع العلوم ....إلى أن قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القويّ المنذري، أخبرنا عليّ بن ظافر الأزديّ، أنشدني الوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية، أنشدني جمال الدّين النّحويّ لنفسه في قينة:
سمّيتها شجراً صدقت لأنّـهـا **** كم أثمرت طرباً لقلب الواجد
يا حسن زهرتها وطيب ثمارها **** لو أنّها تسقى بـمـاءٍ واحـد
وبه – يعني بالإسناد السابق - قال:
وأنشدنا لنفسه:
يشتهي الإنسان في الصّيف الشّتا **** فإذا مـا جـاءه أنــكـــره
فهو لا يرضى بـعـيشٍ واحـدٍ **** قتل الإنـسـان مـا أكـفـره "
فهذا الذهبي ـ وهو من المتقدمين ـ يروي البيتين السابقين بالسند منسوبين إلى غير امرئ القيس.
على أن "التيفاشي" ـ وهو من كبار أدباء العرب توفي سنة 651 ﻫ ـ صاحب كتاب " سرور النفوس بمدارك الحواس الخمسة" ينسب البيتين [ ص 89 ] إلى يحيى بن صاعد، قال :" يحيى بن صاعد :
يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا *** فإذا جاء الـشـتـا أنـكـرَهُ
فهو لا يرضـى بـحـالٍ أبـداً *** قُتِلَ الإنـسـانُ مـا أكـفـره " ا.ﻫ
وأيا كان الأمر ، فإن "التيفاشي" والذهبي متقدمان على المناوي ، وقد نسبا كما رأيت البيتين إلى غير امرئ القيس.
5ـ أن البيتين المنسوبين إليه ، والذين ذكرهما المناوي، وهما :
يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره
في هذين البيتين خلل من ناحية الوزن الشعري، وبيانه أن كل أشطار البيتين من بحر الرمل، إلا الشطر الثاني من البيت الأول ، فهو من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرئ القيس، اللهم إلا إذا أخذنا بالرواية التي ذكرها الذهبي في تاريخه والتي نسب فيها البيتين إلى غير امرئ القيس، أو الرواية التي ذكرها "التيفاشي"، فحينئذ يستقيم البيت على بحر الرمل.
وعموما فلقد قال المناوي في المسألة رقم (244 ) في الجزء الأول تحت عنوان زلة العالم:
(احذروا زلة العالم) أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها .... (فإن زلته تكبكبه)... بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في النار)... أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق.
غفر الله له ولنا ونعوذ بالله من الزلل.
6 ـ أن بعض المفسرين أنكر هذين البيتين صراحة ، قال محمود الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ):
" قال الإمام – أي الرازي - إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفا ، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا ، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن ، وما نسب إلى امرئ القيس من قوله :
يتمنى المرء في الصيف الشتا *** فإذا جاء الشتا أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره
لا أصل له ، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " ا ﻫ [ روح المعاني 30 / 44 ] ، فانظر إلى كلام من ذاق أشعار العرب ، وألف أساليبهم ، حيث لم يخف عليه ركاكة الألفاظ وضعف السبك .
7ـ أن أي نقد يوجه إلى شيء من الأبيات المنسوبة إلى امرئ القيس ، يوضح ضعف سبكها ، وتهلهل نسجها ، وسقم معناها ، وسخف بعض التراكيب فيها ، فالبيت الذي فيه :
اقتربت الساعة وانشق القمر*** من غزال صاد قلبي ونفر
ما المراد بالساعة واقترابها، إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، فضلا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما يزعم البعض، فما المراد حينئذ بقوله ( وانشق القمر)، فإن كان المراد انشقاق القمر فعلا، فهذا كذب ، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدا، بل انشق على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاءت بذلك الروايات، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر، وأي جمال في انشقاق القمر إذا انشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله ، لا بانشقاق القمر، ثم انظر إلى ركاكة الأسلوب في البيت السابق وقارنه بقول امرئ القيس في معلقته :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها *** لما نسجتها من جنوب وشمأل
وقوله :
مكر مفر مقبل مدر معا *** كجلمود صخر حطه السيل من عل
وقوله :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في العصر الخالي

بل قارن الأبيات التي هي موضع الشبهة ، والتي ذكرت أول البحث، بما ثبت نحله على امرئ القيس، وجزم بأنه ليس من قوله، مثل :
ترى القنة الحقباء منها كأنها *** كميت يبارى رعلة الخيل فارد
ومثل :
وآليت لا أعطي مليكا مقادتي *** ولا سوقة حتى يئوب ابن مندله
ومثل :
فجعت به في ملتقى الحي خيله *** تركت عناق الطير تحجل حوله
وإذا قرأت الأبيات السابقة، والتي ثبت أنها منحولة على امرئ القيس، علمت أن الأبيات التي هي موضع الشبهة مكذوبة لا شك في ذلك، وأنها من أردأ المنحول.
8ـ أن البيت الذي فيه :
مر يوم العيد بي في زينة *** فرماني فتعاطى فعقر
يظهر منه ركاكة الأسلوب ، فإن قوله ( فتعاطى) جاء بعد قوله ( فرماني)، فإذا كان قد رماه ، فأي شيء تعاطاه ، والتعاطي هو تناول الشيء، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه، وكان المفترض أن يتعاطى شيئا ثم يرميه به ، لا أن يرميه ثم يتعاطى ، وقد جاء بعد هذا البيت : بسهام من لحاظ .. أي أنه قد رماه بسهام من سهام العيون ، وإذا كان الأمر كذلك فما فائدة قوله : ( فتعاطى فعقر) إلا الزيادة في قبح الأسلوب ورداءة المعنى، على أن العقر إن أريد به الذبح فإنه لا يأتي في اللغة إلا في الناقة والخيل، يقال : عقرت الناقة ، وعقرت الخيل، ولا يقال عقر بمعنى ذبح إلا في الناقة والخيل.
وإن أريد به الجرح، فإن البيت موضوع أصلا للدلالة على الرمي المعنوي بسهام العيون، لا على الرمي الحقيقي بآلة أو نحو ذلك، وأيا ما كان الأمر فإن ضعف الأسلوب وركاكة التعبير تخجل من نسبة هذا الشعر إلى شاعر مولد فضلا عن شاعر عربي جاهلي.

9ـ أن البيت الذي فيه :
بسهام من لحاظ فاتك*** فر عني كهشيم المحتظر
فيه ركاكة وخلل تركيب واضحين، فقوله ( كهشيم المحتظر) لا معنى له في البيت، فإن
( هشيم المحتظر) هو حشيش الحظائر البالي الذي تدوسه الأغنام بأقدامها، أو هو العظام المحترقة، أو التراب المتناثر من الحائط كما جاء في تفسيرها [ انظر تفسير الطبري 11 / 561 ] ، فأي علاقة بين ذلك وبين فراره عنه، وما وجه الشبه، وهل يفر وهو كهشيم المحتظر؟ أم كان الأولى به أن يهلك ويموت إذا صار كهشيم المحتظر، وقارن بين ضعف التشبيه هنا، وقوته في قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) القمر: ٣١ ..
10ـ أن المناوي رحمه الله صاحب فيض القدير ، لم تكن له عناية في كتابه ذلك إلا بشرح أحاديث الجامع الصغير، فلم يعتن بجمع الشعر أو نسبته ، أو تمحيص رواياته، وكتابه "فيض القدير" ليس كتابا معتمدا في نقل الشعر أو نسبته، وإنما هو كتاب في شرح الحديث، هذا فضلا عن كونه من المتأخرين، حيث توفي سنة 1029 ﻫ ، فكيف يصبح كلامه مقدما على كلام من سبقه من أساطين اللغة وعلماء الأدب والبلاغة ولا شك في أن نسبته لتلك الأبيات إلى امرئ القيس خطأ محض ، كما سبق بيانه ، ولهذا لا يذكر لها سندا أو عزوا أو مصدرا .
11ـ أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب ، وأحفظهم له، وأعرفهم بمداخله ومخارجه، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم : إن ما جئت به يشبه شعر امرئ القيس أو أحد غيره، فضلا عن أن يقول له إن ما جئت به مقتبس من شعر من سبق، وإذا كانوا قد ادعوا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاعر، ورد الله تعالى عليهم بقوله
(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)الحاقة: ٤١، فلم يستطيعوا تكذيب كلام الله تعالى ، ولم يقدروا على أن يأتوا بدليل على كلامهم إلا التهويش والتكذيب ، ولو كان ذلك الشعر من كلام امرئ القيس ، لكان كفار قريش وصناديد الكفر أول من يستعين به في رد كلام الله تعالى .
12ـ أن الوليد بن المغيرة شهد على نفسه وقومه من قبل بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب ، فضلا عن أن يكون مقتبسا منه ، قال الوليد :" والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا " ، وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة .
وقال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح مسلم :" لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر " .
وفي قصة عتبة بن ربيعة حين جاء يفاوض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يترك دعوته ويعرض عليه المال والملك والسلطان ، فقرأ عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من القرآن ، فلما رجع إلى قومه وجلسوا إليه قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولاً ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم .
ولما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ، فاسمع من قوله ثم ائتني ، فانطلق أخوه حتى قدم مكة وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذر فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر ، فقال : ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ليسمع منه ، ثم أسلم رضي الله عنه.
13ـ وختاما ، فإن أي محاولة للتشكيك في إعجاز القرآن وبلاغته ، إنما هي محاولة فاشلة يائسة ، فقد اجتمع في كفار قريش أقوى عاملين للتشكيك في القرآن الكريم.
العامل الأول: كونهم أهل اللغة العربية ، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء.
والعامل الثاني: رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى والصد عن سبيله.
ومع ذلك كله، لم يستطيعوا أن يخفوا أو ينكروا إعجاز القرآن وبلاغته وقوته، بل نسبوا إعجازه إلى ما لا يحسنه كل أحد كالسحر والكهانة، فأي تشكيك بعدهم في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه، إنما هو ضرب من الكذب والهذيان، إذ إن أولى الناس بهذا التشكيك ـ وهم كفار قريش ـ وقفوا حائرين أمام عبارات القرآن وآياته، فكيف بالمولدين بعدهم ممن لا يحسن أحدهم إعراب جملة، أو بناء قصيدة، فضلا عن أن يعارض معلقة من المعلقات المشهورة.
قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)الصف: ٨.



 



الفصل الثالث

الفرع الأول

ماذا يريد الملاحدة الجدد من القرآن الكريم

نأخذ على سبيل المثال الدكتور مهندس محمد شحرور
في كتابه الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة

دراسة وتقويم

ألّف الدكتور مهندس محمد شحرور كتاباً تحت عنوان (الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة)
زعم فيه أنه أراد حل مشكلة الجمود الذي سيطر على الفكر الإسلامي لعدة قرون، والذي دعاني إلى كتابة هذه الدراسة عدة أمور :
الأول : تزكية روبرت بللترو - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق - لكتاباته ووجهات
نظره، وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم : محمد سعيد العشماوي
من مصر ، ومحمد أركون من الجزائر ، ومحمد شحرور من سورية .
الثاني : تزويد القارئ المسلم بنموذج من صور الانحراف والضلال في بعض الكتابات التي
تزعم التجديد في الإسلام دون استخدام الأصول والمنطلقات الصحيحة التي رسمها الإسلام .
1ـ إن موكب ( القراءة المعاصرة ) يعتبر حلقة من سلسلة صراع طويلة ، وله جذوره التي بدأت من أكثر من سبعين عاماً فليس محمد شحرور هو أول من قام بها أو ابتدع هذا المركب البراق بل هو حلقة من سلِسلة تعود بدايتها إلى كتابات علي عبد الرزاق وطه حسين .

لقد ألف الأول ـ على عبد الرازق ـ كتابه " الإسلام وأصول الحكم " نفى الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام ، بينما ألف الثاني ـ طه حسين ـ " في الشعر الجاهلي " الذي روج فيه لآراء المستشرق الإنجليزي مارجليوث إذ طعن في كتابه أصول ومصداقية الشعر الجاهلي مستخدماً المنهج الديكارتي بحجة مواكبة الحضارة الغربية والسير في ركاب حركة التنوير التي تمسحت بالعقل والعقلانية .
ثم جاء محمد أحمد خلف الله وألف كتاب " الفن القصصي في القرآن " وطعن في واقعية الأحداث الواردة في القصص القرآنية .
ثم آزره أمين لطفي الخولي الذي انتهج سبيلاًً أدبياً في الحديث عن الدراسات القرآنية ليُخرج النص القرآني عن كونه كتاباًً منزلاً من عند الله .
ثم تطورت اللعبة فنُحت لها هذا المصطلح الخُلَّبي " قراءة معاصرة " ولعب أدوار حلقاتها كلاً
من الدكاترة : حسن حنفي ، ونصر حامد أبو زيد والذي مات موتة حيرة الأطباء، وسيد محمود القمني ومحمد شحرور وطيب تيزيني .
فمنهم من اتخذ في كتاباته طابعاً فلسفياً ومنهم من اتخذ طابعاً أدبياً في قالب فلسفي ، كل ذلك مع أسلوب ماكر في اصطناع المصطلحات الغامضة كالغنوصية ، والأيستمولوجية، والأمبريقية ، والأنسنة ، والإسلاموية ، والسلفوية ، والماضوية ، والمستقبلوية ، والأنطولوجية، والبلشفية ، والمنشفية ، والديالكتيكية ، والسيوكولاستيكية ، والزمكانية ، والميكانزماتية، والسيميولوجية ، والهرمونوطيقية ، والديماجوجية ....الخ وألفاظ كثيرة غيرها انبهر منها كثير من السذج من المثقفين وظنوها علماً فلاكتها ألسنتهم في المجالس ورسمتها أقلامهم في الكتب لكي يقال عنهم : متنورون .. متحضرون ... عصريون .
فكلها تنتهي بالإيّة..فألف إيّة.. وتبقى إيّة واحدة هي إسلامية..
وقد تبنى جميعهم فيها المنهج المادي الديالكتيكي التاريخي الماركسي.ولم تكن كتاباتهم هذه وليدة الدراسات الاستشراقية فقط بل كانت متممة وداعمة لها فسميت بعد ذلك بـ " الدراسات الشرق أوسطية " ؛ وكانت الغاية منها هدم مفاهيم القرآن ومبادئ الإسلام وإحلال المبادئ الماركسية محلها ، ولكنهم سلكوا لذلك سبيلاً ظنوا أنهم يبدعون فيه ، فادعوا بأنهم يواكبون الحداثة وروح العصر ويسيرون في طريق التقدم والتطور ومعانقة المستقبل فرفعوا شعار العلمية والموضوعية وجعلوه حكراً عليهم مقابل نعتهم لغيرهم بالجهالة والجمود والسذاجة والعمالة والتخلف والظلامية والتحجر ووو..كما فعل ـ على سبيل المثال ـ نصر حامد أبو زيد في قراءاته المعاصرة لمقاصد الشريعة وأصول الفقه والقواعد الشرعية وكانت مجلة العربي الكويتية تنشر مقالاته .
ولعل من المفيد ذكره بيان أن هذا الموكب المريب نشط في وقت يسعى فيه أعداء الإسلام لتغيير صورة الإسلام على النمط الغربي أو على النمط الأمريكي تحت شعار العولمة في محاولة لرسم صورة جديدة للإسلام تتوافق مع المخططات السياسية للقرن الواحد والعشرين.
أما الدكتور محمد شحرور فهو أستاذ جامعي في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق وقد قضى في تأليف كتابه ـ كما زعم هو ـ أكثر من عشرين عاماً فكان في أكثر من ثماني مئة صفحة وقد أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى المراحل التي مر بها في تأليف الكتاب ، فكان أولها عام 1970 في ايرلندا ، وكان آخرها عام 1990 عند عودته من روسيا .
ورغم ضخامة الكتاب إلا أنه طبع أربع مرات في خمسة عشر شهراً ، فكانت الأولى في ديسمبر عام 1990 ، والرابعة في يناير عام 1992 .
أولاً: وحتى لا أضيع وقت القارئ الكريم فإني سأعرض تلخيصاً للمنهج المطبق في " الكتاب والقرآن " استنتاجاً كما عرضها السيد ماهر المنجد في كتابه " الإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن " صـ 178 وما بعدها، بعدما قام بدراسته وبدراسة أهم الدود عليه.
فيقول :
( وقد صار بإمكاننا الآن من خلال مجمل ما قدمنا وما وقفنا عليه من الدراسة أن نستنتج المنهج الحقيقي المطبق فعلاً في الكتاب فنلخصه في البنود التالية :
1 ـ تحطيم خصائص اللغة العربية وأنظمتها .
2 ـ عدم المقدرة لقراءة المعجم وفهمه وتفسير الكلمات بغير معناها .
3 ـ مخالفة معجم المقاييس لابن فارس وإهمال المعاجم الأخرى .
4 ـ تزييف حقائق اللغة والإدعاء بما ليس فيها .
5 ـ مخالفة نظرية الجرجاني في النظم من خلال اجتثاث المفردة من سياقها وتجريدها من معناها الحقيقي .
6 ـ إغفال علوم الصرف والاشتقاق التي كان من أئمتها أبو علي الفارسي وابن جني .
7 ـ مخالفة ما ورد في الشعر الجاهلي .
8 ـ الاستخفاف بعقل القارئ وغياب المنهج العلمي الحقيقي .
9 ـ إضفاء صفة العلمية والحقيقة على افتراضات وتصورات محضة فقدت أدلتها وبراهينها.
10 ـ الانطلاق من أفكار الماركسية ومبادئها وإكراه آيات القرآن وقسرها على التعبير عنها.
11 ـ اتخاذ آيات القرآن غطاءً لأفكاره وأطروحاته وانهيار العلاقة بين التشكيل اللغوي للآية
والمعنى الذي يوضع لها من خارجها .
12 ـ إقحام علم الرياضيات واستخدام ألفاظ العلم والتكنولوجيا بغرض الإرهاب العلمي.
13 ـ بناء نظرية فقهية على أسس فاسدة ومقدمات باطلة علمياً ومنطقياً ولغوياً .
14 ـ وضع النتائج قبل المقدمات والإتيان بمقدمات واهية غير مسلم بها ولا ملزمة ولا منطقية.
15 ـ عدم التوثيق وانعدام المرجعية مطلقاً وعدم مراعاة أبسط قواعد البحث العلمي .).أ.ﻫ.
ثانياً: ولا ريب أن ما تضمنه الكتاب من ملاقاته هوى في نفوس كثير من المتحللين والإباحيين الذين لا يعنيهم إلا إرضاء شهوتهم والاستمتاع الغريزي الحيواني،وما تضمنه من إرهاب علمي ومصطلحات براقة جوفاء تبهر من يقرأها وما زعمه مؤلفه من الاعتماد على أرضية معارف القرن العشرين ومناقشاته لمواضيع وقضايا فكرية أو اجتماعية أو ... بأسلوب غير منضبط جذاب في محاولة للإقناع لتغيير الواقع ورافق ذلك دعاية إعلامية قوية روج لها منتفعون وداعمون للمشروع أدى إلى انتشار الكتاب بسرعة .
ثالثاً: ومن المناسب ذكره في هذا المقام ما قاله السيد ماهر المنجد في آخر كتابه عندما دعي من قبل الأستاذ الدكتور نعيم اليافي إلى حضور ندوة علمية خاصة مع المؤلف الدكتور محمد شحرور في دمشق نظمها اتحاد الكتاب العرب منذ أكثر من سنة وفي أثناء ذلك لا حظ المنجد أن المؤلف كان على العكس تماماً مما وجده في كتابه من تنظيم وتقسيم واصطلاحات فقد كان مشتتاً يتحدث دون ترابط سببي في كلامه ، فعندما طلب الدكتور اليافي أن يقدم الكتاب من خلال ثلاث نقاط :
1ـ تجربته مع الكتاب.
2ـ مقولته في الكتاب.
3ـ النتائج التي وصل إليها .
تحدث عن كل شيء إلا عن هذه النقاط الثلاث وكان حديثه مبعثراً ولغته سقيمة ركيكة لا تكاد تستقيم فيها جملة فصيحة ... حتى الآيات القرآنية التي كان يستشهد بها كان يغلط في قولها فيرده الحضور مرة والدكتور اليافي مرة أخرى ثم كانت الطامة الكبرى أن سمى نظرية " النَّظم " لعبد القاهر الجرجاني بنظرية " النُّظم " بضم النون وكررها أكثر من مرة ؟؟ !! .
فما النتيجة التي تخرج بها بعد ذلك يا رعاك الله ؟!.
رابعاً: وفي خريف عام 2005م جمعني ـ كاتب الدراسة زهدي جمال الدين ـ لقاء مع فضيلة الدكتور العالم محمد سعيد رمضان البوطي وذلك في مدينة صلالة بسلطنة عمان بارك الله في عمره ونفعنا بعلمه، فسألته رأيه عن كتاب الدكتور شحرور وهل تفضل بالرد عليه أم لا وكنت قد عرضت عليه بعض من ردودي على الكتاب وأريد رأيه فيها بعد أن سلمته نسخة منها..فإذا به يفجر قنبلة خطيرة لكل الحضور في هذا اللقاء، مؤداها أن فضيلة الدكتور العالم حينما تناقش مع شحرور فيما هو مكتوب واستعرض بعض النماذج الموجودة بالكتاب، فوجئ باستغراب الدكتور شحرور من أن هذه النماذج التي استشهد بها العالم الجليل الدكتور البوطي موجودة بكتابه!!!.. الأمر الذي أدرك معه الدكتور البوطي أن الكاتب ليس هو شحرور وأن هناك من كتب له هذا الكتاب حتى أن شحرور لم يعرف محتويات كتابه.. فأحجم عن الرد وأنهى الحديث...
خامساً: وأضيف هنا أيضاً ما قاله الدكتور محمد رفعت زنجير في كتابه " اتجاهات تجديدية متطرفة " صـ 41 وهو يعرض في نقد الكتاب أيضاً :
( يبقى أن نشير إلى ما سماه الكاتب [ يريد شحرور ] بالقانون الثاني للجدل ، فهو هنا يحاول إسقاط التفسير المادي للتاريخ على التاريخ الإسلامي ، والجدلية نظرية فلسفية نادى بها إنجلز مثلما نادى ماركس بالشيوعية ، وكلاهما يهوديان ، وقد هوت الشيوعية وهوى معها التفسير المادي للتاريخ وكان من المفترض طبقاً للتفسير المادي أن تكون الشيوعية هي المحطة الأخيرة في سلسلة النظم الاجتماعية التي عرفتها البشرية ، لذا فإن إسقاط المصطلحات المستوردة الميتة على كتاب الله مع ثبوت بطلانها وفشلها وإخفائها فيه تجن كبير على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .).
سادساً: وأود أن أنبه منذ البداية أنني لا أستطيع أن أرد على كل الأخطاء التي وردت في الكتاب وذلك لضخامة حجمه الذي يبلغ (819) صفحة من جهة ، ولكثرة الموضوعات التي تحدث عنها الكاتب من جهة ثانية ، ولكني سأرد على بعض النقاط التي أراها أكثر خطورة من غيرها ، والتي يتّسع المقام للرد عليها .
1ـ قال شحرور: بما أن القرآن علم بالحقيقة الموضوعية "الموجودة خارج الوعي الإِنساني" وفيه قوانين الوجود وقوانين التاريخ، نستنتج بالضرورة أن له وجوداً مسبقاً عن التنزيل.
لذا قال تعالى عن القرآن الكريم:
(بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) ) البروج: ٢١ - ٢٢
وهو القوانين العامة الناظمة للوجود منذ الانفجار الكوني الأول وحتى البعث والجنة والنار والحساب، وأنه في إمامٍ مبينٍ وذلك بالنسبة لأحداث الطبيعة الجزئية "ظواهر الطبيعة" المتغيرة وأحداث التاريخ بعد وقوعها. ولم يقل ذلك أبداً عن أم الكتاب ولا عن الذكر ولا عن الفرقان.
وهذا يجرنا إلى الموضوع التالي: ما هو "اللوح المحفوظ" و"الكتاب المكنون" و"الإِمام المبين"؟
ـ اللوح المحفوظ: هو لوحة التحكم في الكون الذي نشأ فعلاً، وقد برمج القرآن المجيد في داخلها. ويمثل اللوح المحفوظ: (information inaction).
ـ الكتاب المكنون: هو البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة
كمعلومات(information)
ـ الإِمام المبين: فيه قوانين الطبيعة الجزئية (ظواهر الطبيعة المتغيرة) آيات الله. وفيه أرشفة الأحداث التاريخية بعد وقوعها:
قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)) يس: ١٢
من هذا الإِمام المبين جاءت قصص القرآن، لذا سماها "الكتاب المبين" ففي أول سورة يوسف
قال تعالى: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1))يوسف: ١
وفي أول سورة القصص
قال تعالى: (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))القصص: ١ - ٢
وفي أول الشعراء
(طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))الشعراء: ١ – ٢ .
فإذا أخذنا محتويات هذه السور الثلاث نراها كلها قصص أحداث تاريخية.
أما إذا أخذنا سورة النمل فنراها تبدأ بقوله تعالى:
(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1))النمل: ١
فإذا نظرنا إلى محتويات السورة نرى أنّ فيها آيات كونية وقصصاً معا وجاء فيها ذكر "كتاب مبين" الآية رقم 75: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75))النمل: ٧٥.
لذا نجد هنا عطف "كتاب مبين" على "القرآن" من قبيل عطف الخاص على العام.
ولهذا فإن القرآن ليس له أسباب نزول لأن أسباب النزول هي للأحكام وتفصيل الكتاب وقد قال عنه إنه أنزل دفعة واحدة عربياً وفي رمضان ..
قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185))البقرة: ١٨٥
وقال تعالى: (ِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1))القدر: (الكتاب والقرن/ د. محمد شحرور). [ص ـ92]"







 
ملاحظات حول الموضوع

ـ إن القرآن والكتاب والفرقان والذكر جميعها من أسماء الوحي التنزيلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة حتى آخر الناس.
ـ وأن القرآن وصف بأنه في (كتاب مكنون):
قال تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80))الواقعة: ٧٧ - ٨٠
كما وُصف بأنه في (لوح محفوظ):
قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) )البروج: ٢١ - ٢٢
ووصف بأنه (مبين):
قال تعالى : (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1))الحجر: ١.
ـ وأن معنى المكنون، هو أقصى حالات الحفظ والصون.

ـ ما دام أن هذه "الكتب" صدرت عن الله وأُبلغت إلى النبي بوحي "من أمره".
وما دام أن ليس للإنسان يدٌ في تحديد وظائفها وتوزيعها، لأن ذلك منوط بمشيئة من أصدرها وأوحاها وأمر بإبلاغها.
وما دام أن "البرمجة" تعني الترتيب والتبويب التي تستعين به الذاكرة لحفظ المعلومات وتنسيقها فهي إحدى حاجات الذاكرة الإنسانية التي فُطرت "محدودةً عن الكمال" ومتَّصفةً "بدواعي النقص والسهو" وهي عوارض وحاجات، لا يمكن تصورها في الله عزَّ وجلَّ الذي هو الكمال المطلق المنزه عن السهو والنقص والحاجة إلى وسائل التذكير. فالخطأ الجسيم الذي وقع فيه المؤلف، هو في أنه تعامل مع الذات الإلهية مثلما يتعامل مع الذات الإنسانية، فأخضعها للمؤثرات والعوامل التي يخضع لها الإنسان، وجعل ذاكرة الله عاجزة عن الإحاطة بقضايا الكون وإدارته وتنظيمه ما لم تستعن بالبرمجة والتقسيم والتبويب وإلا وقعت فيما تقع به ذاكرة الإنسان عندما تزدحم عليها المهمات وتتعقَّد الإجراءات.
وحاشَا لله...
ـ ثم كيف استطاع الجزم بأن القرآن نزل دون سبب (هذا عنوانه)؟ وهل يعقل أن يكون نزول هذا المعجز الإلهي عبثاً بلا سبب؟.
إن فقدان السبب، يعني فقدان الغاية والهدف، وهذا يعني، أن القرآن نزل عبثاً؟ ألم يقل المؤلف؟..إن القرآن جمع الحقائق الموضوعية المطلقة وأوجب على العلماء أن يبحثوا عنها في آياته، فأعطاهم القدرة على تأويلها، واستخراج القوانين منها ومطابقتها مع الحياة؟..
لقد كرَّر هذا القول أكثر من عشرين مرة في كتابه.
ـ ثم، ألم يقل: إن آيات القرآن هي الآيات البينات التي أوكل إليها تصديق الرسالة وقيامها بين يدي آيات الرسالة، بمهمة الحراسة والحماية من الوضع والرفع والتحوير؟..
ألا يصلح هذا أن يكون سبباً لنزول آيات القرآن؟...
لا حظ أنه لا ينسى أن يضع أمام اللوح المحفوظ تعبيراً إنجليزياً " Information in action" وكذلك أمام الكتاب المكنون "Information" أما الإمام المبين فقد ظل حرّاً يتمتع بعروبته.
2ـ استعرض الدكتور محمد شحرور في بداية كتابه منهجه الذي أقام بناء كتابه عليه وهو اعتماد المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ ، واعتماد عدم وجود الترادف في اللغة مستنداً على نظرية أبي علي الفارسي ، وقد أحسست من دراستي للكتاب بأنه يظن أنه أول المكتشفين لهذا المنهج ، ولكن الحقيقة أن المعتزلة سبقوه إلى هذا المنهج معتمدين على قوله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4))إبراهيم: ٤
فأوقعهم هذا المنهج في ضلالات متعددة أبرزها حصرهم معنى الكلمة بالمعنى اللغوي وحده ، وقد ردَّ أبن تيمية عليهم معتمداً على منهج أهل السنة في النظر إلى هذه الألفاظ ، فبيّن أنّ بعض الألفاظ مثل : الإيمان، الصلاة ، الكفر الخ . . . نقلها الشرع من معناها اللغوي وأعطاها معنى آخر، فأصبحت مصطلحاً محدّداً وضّحه القرآن والسنة توضيحاً كاملاً ، فمثلاً لفظ الإيمان يعني لغة التصديق لقوله تعالى : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17))يوسف: ١٧
فقول سبحانه وتعالى(وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) بمعنى وما أنت بمصدّق لنا ، لكنه يعني في الشرع الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر ، ويعني الإيمان بالله بصفاته التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وكذلك قل بالنسبة لبقية الأركان التي دخلت في مسمّى الإيمان ، وقد أجمل بعض علمائنا تعريف الإيمان فقالوا : الإيمان قول باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان.
وقد نتجت فروق رئيسية بين الإيمان عند المعتزلة وعند أهل السنّة نتيجة الخلاف في منهج التعامل مع كلمة الإيمان أبرزها: إدخال أهل السنّة العمل في مسمّى الإيمان وبالمقابل عدم إدخال المعتزلة له، فشتان ما بين الإيمان لغة واصطلاحاً.
وكذلك الصلاة في اللغة تعني الصلة والدعاء، لكن الصلاة في الشرع أصبحت مصطلحاً يدل على أعمال منها: القيام، والركوع، والسجود ، وقراءة الفاتحة ، والتسبيح الخ ... ويجب أن يسبق تلك الأعمال شروط منها : طهارة البدن ، وطهارة الثياب ، وطهارة المكان ، ودخول الوقت الخ ... ، ويجب أن يرافق ذلك أعمال قلبية منها : الخشوع ، والاطمئنان ، والتعظيم ، والتذلّل الخ... فشتان ما بين الصلاة لغة واصطلاحاً .
والآن بعد هذا التوضيح لمنهج أهل السنّة في التعامل مع المصطلحات الشرعية واختلافه مع منهج المعتزلة ، نعود إلى مناقشة الدكتور شحرور ونشير إلى الأمور التالية :
1- كرّر الدكتور محمد شحرور خطأ المعتزلة في عدم التمييز بين المصطلحات والألفاظ ، فالألفاظ التي تعرض لها الدكتور مثل : الكتاب ، والقرآن ، والنبي ، والرسول ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني الخ . . . لم تعد ألفاظ تحتاج إلى أن نستقرئ معناها اللغوي في المعاجم ، بل علينا أن نستقرئ معناها في مصادر الشرع ، لذلك فإنّ كل الفروقات والتمييزات والمعاني التي حاول أن يستنبطها الدكتور شحرور من معاني الألفاظ المعجميّة وحدها إنما هو أمر لا طائل تحته ، وكل النتائج التي بناها على التفريق بين الكتاب والقرآن ، وأنّ القرآن هو الآيات المتشابهات والسبع المثاني الخ . . . نتائج غير صحيحة لأن الشرع هو الذي حدّد مضمون هذه الألفاظ ، وعلى كل من يريد أن يفهم الدين عليه أن يلِجَه من باب مصطلحاته الخاصة التي رسمها وحدّد معناها ، وفي تقديري إنّ مثل هذه الخطوة طبيعية وهي من حق كل مذهب وعلم ودين أن يحدّد مصطلحاته الخاصة التي تكون مدخلاً له.
2- حمّل الدكتور شحرور بعض الألفاظ معاني لا تسمح بها اللغة ولا سياق النص ، ومن أمثلة ذلك تفسيره عبارة أم الكتاب التي وردت في ثلاثة آيات كريمة برسالة محمد صلى الله عليه وسلموأضاف إلى ذلك تحديد مضمون تلك الرسالة وهي الحدود والأخلاق والعبادات وتعليمات خاصة وعامة ، ولو فسّرنا كلمة "أم الكتاب" معجميّاً لوجدناها تعني "أصل الكتاب" ، ولو استقرأنا الآيات التي وردت فيها تلك العبارة لوجدنا أنها تحتمل معنيين :
الأول : الآيات المحكمات .
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)) آل عمران: ٧
وقد فصّلت كتب علوم القرآن تعريف المحكم وتعريف نقيضه المتشابه .
الثاني : اللّوح المحفوظ
قال تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39))الرعد: ٣٩
وقال تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4))الزخرف: ٤
وفي كلا الحالين يتّضح تحميل الدكتور شحرور للفظ "أم الكتاب" معاني لا يحتملها التحليل اللغوي ولا سياق النّص ، وممّا يزيد في اعتسافه أنه حدّد الآيات المحكمات بالحدود والأخلاق والعبادات ، لكنّه يمكن أن تكون الآيات المحكمات في صفات الله تعالى ، أو بعض آيات الجنّة والنّار الخ . . . كقوله تعالى :
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ *)الإخلاص
وكقوله تعالى : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ * ) الإخلاص
وكقوله تعالى عن الجنّة :
(الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)فاطر: ٣٥
3ـ اعتسف الدكتور شحرور في التفسير اللغوي لبعض الألفاظ ، فهو قد اعتبر قول القائل "سبحان الله" إقراره بقانون هلاك الأشياء ـ ما عدا الله ـ نتيجة التناقض الذي تحويه داخليّاً ، وهو قد استهزأ بكل التفسيرات التي تعتبر قول المسلم "سبحان الله" بمعنى تنزيه الله عن كل نقص وعيب ، ووصفه ـ تعالى ـ بكل صفة كمال ، وكانت حجّته في ذلك أنّ النقائص والعيوب تحمل مفهوماً نسبيّاً ، ولا أدري ما الذي يضير المعنى عندما ينزّه المسلم الله عن كل عيب مطلق أو نسبي ؟! ولكن هناك قضية أخرى بالإضافة إلى اعتساف الدكتور في مجال المعنى هي أنّ عبارة "سبحان الله" تتألّف من مضاف ومضاف إليه ، والتي تعني إضافة شيء إلى ذات الله ، والواضح أنّ صيغتها النّحويّة لا تسمح بتفسيرها إلا بالمعنى الذي قال به علماء التفسير وهو إضافة التنزيه لذات الله ، ولا تسمح صيغتها النّحويّة بالمعنى الذي ذهب إليه الدكتور شحرور .
ومما زاد في خطأ استنتاجه وأحكامه في أحيان كثيرة رفضه للسنة كمبيّن ومقيّد ومفصّل لآيات القرآن الكريم، ليس هذا فحسب بل اعتباره تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام هو اجتهاده غير الملزم لنا في شيء، وهو فهمه الخاص المرتبط بالمستوى المعرفي للجزيرة العربية ، وهو فهم نسبي، وهو في هذا يلتقي مع كثير من الفئات المنحرفة التي عادت السنة المشرفة قديماً كالمعتزلة والخوارج ، ويلتقي مع كثير من الشخصيات التي هوّنت من شأن السنة حديثاً ودعت إلى طرحها جانباً : كحسين أحمد أمين ، ومحمد أبو القاسم حاج حمد الخ . . .
وليس من شك بأن هذه الأقوال في التهوين من شأن السنة المشرّفة والدعوة إلى طرحها جنباً ، تتناقض تناقضاً كاملاً مع أمر الله تعالى في عشرات الآيات الكريمة من القرآن الكريم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جانب طاعته سبحانه وتعالى، وقد أشار إلى جانب من ذلك الشافعي ـ رحمه الله ـ في بداية كتاب "الرسالة" ، والتي تساءل فيها : من أين لنا أن نستدل على لزوم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب بأن القرآن هو الذي وجّهنا إلى ذلك ، وأوجب علينا ذلك ، واستشهد بالآيات التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)النساء: ٥٩
ومنها مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)النساء: ٨٠
ومنها: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)الحشر: ٧
ومنها : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)النور: ٥١
إنّ النظر إلى القرآن وحده دون الأخذ بالسنة معه هو الذي جعل الكاتب يخرج علينا بتفاسير غريبة لبعض الآيات الكريمة أو بعض المعاني القرآنية : كالقيامة والبعث والصور والساعة والسّبع المثاني الخ . . .
وسأمثّل لذلك بمثال واحد هو تفسيره للسّبع المثاني.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)الحجر: ٨٧
فلقد أورد ما جاء عن أصلها في مقاييس اللغة حيث قال :
( المثناةُ : طرف الزمام في الخشاش ) وإنما يثنى الشيء من أطرافه ، فالمثاني إذاً أطراف السور وهي إذن فواتحها ، فتوصّل إلى أنّ السبع المثاني هي سبع فواتح للسور ، فإذن السبع المثاني هي الفواتح التالية :
1ـ ألم 2ـ ألمص 3ـ كهيعص 4ـ يس 5ـ طه 6ـ طسم 7ـ حم
ثم نظر إلى الأحرف التي تتضمنها الآيات السبع السابقة فوجدها تتألف من 11 حرفاً ، وأخذ الأحرف التي وردت في بداية سور أخرى ولم ترد في الفواتح السابقة فوجد أنها ثلاث هي :
1ـ القاف 2ـ الراء 3ـ النون . نجمعها مع الأحرف السابقة فصارت أربع عشر أحرفاً ، وأشار إلى أنها أصبحت (7 × 2) وهي أيضاً سبع مثان .
وربط بين ما توصّل إليه وهو أنّ أحرف السور الفواتح بلغت أحد عشر حرفاً وبين قول علماء اللغويات واللسانيات من أنّ الحد الأدنى لأية لغة إنسانية معروفة في العالم هو أحد عشر صوتاً، واعتبر أنّ هذا هو الحد الأدنى اللازم من الأصوات لأي تفاهم بيننا وبين أية مخلوقات يمكن أن توجد في الكواكب الأخرى في المستقبل .
هذا ما أورده الدكتور شحرور في تفسيره للسبع المثاني.
ولنر ما ورد في السنّة عن تفسير السّبع المثاني لنر مدى ابتعاده عن الصواب لغة وشرعاً وعقلاً .
قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله تعالى ـ في مسنده عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله تعالى عنه قال : "كنت أصلّي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صلّيت ، قال : فأتيته فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ قال ، قلت : يا رسول الله إني كنت أصلّي قال :
ألم يقل الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)الأنفال: ٢٤
ثم قال : لأُعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد .
قال : فأخذ بيدي فلمّا أراد أن يخرج قلت : يا رسول الله إنك قلت لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن .
قال : نعم " الحمد لله رب العالمين " هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" .
وقد وردت بعض الروايات تفسّر الفاتحة بالسّبع المثاني فقط.
والآن : هل بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للسّبع المثاني من تفسير؟.
لا أظن أنه يجوز لمسلم بعد أن يسمع تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتطلع إلى تفسير آخر ، وأحب أن أُنوّه بالإضافة إلى ما سبق إلى أنّ تفسير السنّة للسّبع المثاني أصوب من ناحية لغويّة مما ورد عند الدكتور شحرور لأنه اختار كلمة مثناة وترك الأصل ثني ، وقد جاء في مقاييس اللغة عن الأصل ثني ما يلي :
( الثاء والنون والياء أصل واحد وهو تكرير الشيء مرتين ، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين ) والحقيقة إنّ هذا التعريف اللغوي أكثر انطباقاً على الفاتحة وهو أصل المعنى لأن الفاتحة سبع آيات تتكرّر وتثنى في كلّ صلاة ، لذلك لم يأخذ به الدكتور شحرور واختار كلمة أخرى هي "المثناة" ليجعلها أصلاً في دراسته ، وليصوغ النتيجة التي يريد أن يتوصّل إليها وهي مطابقة الأحرف في فواتح السور مع أصل الأصوات في اللغات الإنسانية .
وقد انتبه خيار الصحابة إلى أنّ فهم القرآن الكريم دون ربطه بالسنّة قابل لكل التفسيرات ، لذلك وجّه علي بن أبي طالب أبن عبّاس رضي الله عنهما أن يحاجج الخوارج بالقرآن الكريم والسنّة المشرفة معاً عندما أرسله لمناقشة الخوارج فقال له : لا تحاججهم بالقرآن وحده فإنّ القرآن حمّال أوجه ، حاججهم بالسنّة .
حرص الدكتور محمد شحرور على فتح ثغرة في فهم المسلمين للنص القطعي الثبوت القطعي الدلالة ، وهو في هذا يلتقي مع عدد من الكتّاب يركّزون على فتح هذه الثغرة في هذا الوقت من أمثال : عادل ضاهر ، وحسين أحمد أمين ، ونصر أبو زيد ، ومحمد سعيد العشماوي الخ . . . وكل كاتب تناول بعضاً من هذه الآيات ، فنصر أبو زيد تناول آيات صفات الله تعالى ، وأحمد أمين تناول آيات الحدود ، ومحمد سعيد العشماوي تناول آيات الحجاب والمرأة ، وعادل ضاهر تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة بشكل عام وضرورة فهمه فهماً جديداً مبايناً لكل الأفهام السابقة ، وكل واحد منهم دعا إلى أن نطور فهمنا لهذه الآيات القطعية الثبوت القطعية الدلالة ، ودعوا إلى عدم التوقف عند فهم الرسول والصحابة وعند فهم علماء المسلمين هذا الفهم الذي استمر على مدار ألف وأربعمائة عام بل يجب أن نفهمها على ضوء معطيات العصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وحشد كل منهم حججه الخاصة ، ولكن قبل أن أستعرض حجج الدكتور محمد شحرور أود أن أنبه إلى خطورة الانسياق في هذه الدعوة التي تنتهي إلى مسخ الدين ، وجعله أُلعوبة بيد أصحاب الأهواء ، وينتهي حينئذ ديننا إلى ما انتهت إليه الأديان السابقة بأن يكون مبرراً لكل انحرافات البشر وتابعاً لانحدارهم .
تناول الدكتور محمد شحرور كل النصوص القطعية الثبوت القطعية الدّلالة تقريباً فهو تناول آيات الحدود وآيات الربا وآيات الميراث وآيات الطلاق والزواج الخ . . . المهم أنه انتهى من تناوله لكل الآيات السابقة إلى فهمها فهماً جديداً مخالفاً لكل الأفهام التي طرحت سابقاً ، فهو بالنسبة للربا حرّم ربا أضعاف المضاعفة ، وبالنسبة لآيات الميراث أباح التلاعب بالأنصبة التي حدّدها الشرع لكل فرد من أفراد الأسرة ، وبالنسبة لتعدد الزوجات أباحه من الأرامل ذوات الأولاد ، وبالنسبة لمعالجة الزوجة الناشز فقد ألغى بعض مراحل معالجة نشوزها الخ . . . .
وقد استند كل مَنْ تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة على شبهة تطور المحيط البشري، فهناك الجديد المتطور باستمرار في العلم والأدوات والأشياء والوسائل الخ . . . وبالتالي يجب أن يكون هناك تطور بالأحكام مرافق للتطور المحيط بنا ، ولكن نسي أولئك القائلون بذلك القول أنّ هناك أشياء ثابتة في كيان الإنسان إلى جانب الأشياء المتطورة والمتغيرة التي أشاروا إليها ، وإنّ الإسلام عندما وضع آيات الحدود والميراث والزواج والطلاق والمرأة الخ . . . ربطها بالجانب الثابت من الكيان الإنساني ، فهناك التجاذب بين الذكر والأنثى ، وهناك الأسرة ، وهناك شهوة المال ، وشهوة النساء، وشهوة الانتقام الخ . . . وهي أمور ثابتة إلى قيام الساعة فلابد من حدود ثابتة مرتبطة بها ، فكانت تشريعات الزواج والطلاق والميراث وأحكام الأسرة وحدود السرقة والزنى والقتل .
وإنّ أكبر دليل على أنّ الإسلام دين الله العليم الخبير هو أنه راعى الثابت والمتحوّل في الكيان الإنساني والحياة البشرية ، فأنزل الشرائع الثابتة للجوانب الثابتة في كيان الإنسان ، وأعطى أُطراً عامة للأمور المتحولة في حياة الإنسان ، فالإسلام مثلاً أعطانا أحكاماً عامة محدودة في مجال الحياة الاقتصادية فحرّم الربا وأحلّ البيع وأوجب الزكاة وفرض الميراث ولم يلزمنا بزراعة معيّنة ولا بطرق زراعيّة معيّنة ولا بموادّ معيّنة ولا بتجارة معيّنة ولا بصناعة معيّنة الخ . . . إنما ترك ذلك لظروف الزمان والمكان .
ولقد حدّثنا القرآن عن أمور غيبيّة متعددة ، فحدثنا الله تعالى عن ذاته وعن الجنّة والنار والملائكة وخلق الإنسان وخلق الكون الخ . . . ومن الواضح أنّ قوانين عالم الغيب لا تنطبق بحال على عالم الشهادة ، وإن معظم الضلال الذي وقع فيه الفلاسفة والمعتزلة جاء من قياس عالم الغيب على عالم الشهادة وسحب قوانين الشهادة على عالم الغيب ، وقد وقع الدكتور شحرور في هذا الخطأ ، ومن أمثلة هذا قياسه كلام الله على كلام البشر ، لذلك تخيّل أنّ القرآن الموجود في اللوح المحفوظ لابد له من الانتقال إلى صيغة لسانية عربية قبل إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ليلة القدر وهي ليلة إشهار القرآن الكريم في نظره .
ولكن هذا القرآن الكريم الذي تكلّم الله به والذي كان موجوداً في اللوح المحفوظ ، لا نعرف الكيفية التي تكلم الله بها لأننا نجهل ذات الله وبالتالي لا نستطيع أن نخوض في هذه التفصيلات لأنها ستكون بلا سند شرعي أو عقلي .
دندن الدكتور شحرور كثيراً على الجبريّة في فهم القضاء والقدر ، مع أنّ المسلمين الأوائل لم يفهموا القضاء والقدر بحال من الأحوال على أنّه السلبية والتواكل وسلب الإرادة ، بل فهموا القضاء والقدر على أنه الإيجابية نحو الأحداث ، والأخذ بالأسباب وثمّ التوكل على الله ، كذلك كان فهم القضاء والقدر بتلك الصورة عاملاً إيجابياً في بناء الشخصية المسلمة على مدار التاريخ ، وفي دفعها إلى الفعل والبناء وإعمار الكون، وجلّ الدَخَن الذي دخل فهم المسلمين للقضاء والقدر من ثقافات خارجية وأبرزها التصوف الذي رسّخ السلبية ، ودعا إلى إسقاط التدبير والانشغال بالذات وترك الخلق للخالق .
وقد تجاوز المسلمون هذا الفهم الخاطئ للقضاء والقدر في العصر الحديث ، وجاء ذلك نتيجة عاملين :
الأول : إبراز معظم الصالحين أوجه القصور في فهم القضاء والقدر الذي ورثناه في العصور المتأخرة ، وإبراز الصورة الصحيحة لما يجب أن يكون عليه الإيمان بالقضاء والقدر .
الثاني : انحسار موجة التصوف التي كانت سبباً في رواج الفهم الخاطئ للقضاء والقدر .
لذلك فإني أرى أنّ دندنة الدكتور شحرور حول القضاء والقدر ليست في محلّها بعد أن تجاوز المسلمون هذه الظاهرة في وقتنا الحاضر .
اعتمد الدكتور محمد شحرور على عقله وحده في تفسير كثير من الآيات الكريمة فجاء بعجائب من التفسير ، وهو أمر طبيعي لكل من اعتمد على العقل وحده دون المزاوجة بين العقل والنقل في فهم الآيات وتفسيرها ، ودون الاعتماد على المأثور من الأقوال، ونستطيع أن نمثّل على مقولتنا بآيتين :
الأولى:
قوله تعالى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر: ٢٤
فسّر النذير بالملاك ، وقرّر أنّ الله كان يرسل ملائكة إلى البشر قبل نوح عليه السلام الذي اعتبره أوّل رسول إلى البشر ، وزعم أنّ قوله تعالى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء: ١٠٥ وقوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) القمر: ٢٣ يعني أنّ تلك الأقوام كذّبت بنبيّهم وبالملائكة الذين أرسلوا إلى البشر يكلّمونهم ويدعونهم ، ورفض التفسير الذي ذكرته معظم التفاسير وهو أنّ الله سبحانه بيّن أنّ تكذيب رسول واحد يعني تكذيب جميع رسله ، لذلك جاءت كلمة الرسل بالجمع وليس بالمفرد لتشير إلى هذا المعنى .
الثانية : قوله تعالى : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)القصص: ٨٨
فسّرها بأنّ هذا الكون يحمل تناقضاته ، وأنّ المادة تحمل تناقضها معها ، لذلك فإنّ هذا الكون سيتدمّر وسيتبدّل وسيهلك ، ولكن هلاكه سيحوّله إلى مادة أخرى ، وهذا هو تفسيره ليوم القيامة ، وهو يعتبر أنّ الجنّة والنار غير موجودتين وستوجدان عند تحوّل هذا الكون إلى مادة أخرى ، وهو في هذا يرفض الأحاديث الشريفة التي قرّرت وجود الجنّة والنار ، ولا أريد أن أسرد عشرات الآيات والأحاديث التي تدحض تفسيره للآية السابقة ، ولكنّي أريد أن أسأله بمنطقه اللغوي الذي اعتمده : كيف يمكن أن يوفّق بين المدلول اللغوي للآية الكريمة السابقة وهو الذي يعني بكل بساطة فناء المخلوقات الأخرى وهلاكها وبين تحوّلها إلى مادة أخرى ؟ فأين هو إذن الهلاك للمادة ؟.
التأويل أحد مباحث علوم القرآن ، ويحتوي على عدة أقسام مقبولة منها : التأويل بمعنى تحقيق الشيء ، ومنها : التأويل بمعنى التفسير، ولكن علماءنا حذّروا من أحد أقسامه التي تقوم على صرف ألفاظ الآية المؤوّلة عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح لا تسمح به اللغة ، وقد جاء تحذيرهم ذلك نتيجة استخدام الفِرَق المنحرفة له في خدمة أهوائها وضلالاتها ، ولأنه أدّى إلى ضياع حقائق الدين ومعالمه التي رسمها محمّد صلى الله عليه وسلم ، فهل أخذ الدكتور شحرور بهذا التأويل ؟ نعم لقد أخذ به ، ليس هذا فحسب بل دعا وقَنَّن له ، ولن أعرض لكل تلك التأويلات لكن سأعرض لواحد منها . قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ *)الفجر: ١ - ٣
فسّر الدكتور شحرور الآيات السابقة بما يلي :
( فالخلق الأول بدأ بانفجار كوني هائل حيث قال : "والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر" حيث إنّ الفجر هو الانفجار الكوني الأول "وليال عشر" معناه أنّ المادة مرّت بعشر مراحل للتطوّر حتى أصبحت شفّافة للضوء ، لذا أتبعها بقوله "والشفع والوتر" حيث أنّ أول عنصر تكوّن في هذا الوجود وهو الهيدروجين وفيه الشفع في النواة والوتر في المدار ، وقد أكّد هذا في قوله تعالى :
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)هود: ٧
والهيدروجين هو مولّد الماء ، أي بعد هذه المراحل العشر أصبح الوجود قابلاً للإبصار لذا قال سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام: ١
ـ الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة. ص235ـ.
ليس من شك بأنّ الدكتور شحرور قد ابتعد في متاهات التأويل عندما فسّر الفجر بالانفجار الكوني الأول ، وفسّر الليالي العشر بمراحل تطوّر المادة العشر ، وفسّر الشفع والوتر بغاز الهيدروجين لأن معطيات السورة لا تسمح بمثل هذا التأويل ، ولو أقررناه على تأويله لأعطينا الفرصة لكل صاحب بدعة أن يُطوّع آيات القرآن حسب بدعه وهواه .
والآن : بعد هذا العرض السريع لبعض تجاوزات الدكتور شحرور وضلالاته وانحرافاته لا نستطيع إلا أن نقول إنّ الكتاب ليس حلاًّ لمشكلة الجمود في الفكر الإسلامي ، بل هدماً لكثير من أركان وأُسس ومنطلقات الفكر الإسلامي والدين الإسلامي .
وقد أراد الشحرور بتحريفاته أن يصنع دينًاجديدًا ، فصار يبدل بأحكام الشريعة حسب هواه ، متخذًا لذلك حيلة التأويل والتعطيللآيات الأحكام ، التي جاءت في كتاب الله تعالى .. وإن متابعته في تحريفاته في هذاالشأن يتطلب عدة مجلدات ، لذلك فسوف نقدم نماذج من تحريفاته فقط ، وقد جعل من نفسهإمامًا للمجتهدين المعاصرين، فألغى أحكام الدين، وهو يناقض دين الله لعبادهزاعمًا أنه يستخرجه من كتاب الله بالتأويل الملائم لحاجات العصر(التحريف المعاصر في الدين ، ص219 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة .).
ولنأخذ ثلاثة نماذج من تحريفاته الفقهية:
النموذج الأول: تلاعبه في مفهوم الآيات المشتملة على ذكر حدود الله :
في الآيات(13 ـ 14)من سورة النساء ، في قوله تعالى : (ينظر : الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها).
فقسم حدود الله إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : له حد أدنىوهذا يجوز الزيادة عليه ، وقد ضرب مثلاً على هذا القسم ، ما له حد أدنى من المحرماتمن النساء اللاتي جاء في القرآن تحريم نكاحهن ، فقال : هذه المحرمات هي الحد الأدنىولا يجوز النقصان عنه على أساس أنه اجتهاد ، ولكن يمكن الاجتهاد بزيادة العدد ،كتحريم بنات العم والعمة ، وبنات الخال والخالة.!!.
القسم الثاني : له حد أعلى، وهذا يجوز النقص منه ، وضرب مثلا له عقوبات السرقة والقتل ، فيجوز النقصان من قطعيد السارق مثلاً ، على أساس أنه اجتهاد ، ولكن لا يجوز الزيادة عليه !!
القسمالثالث : له حد أعلى وحد أدنى ، وهذا يجوز النقص من حده الأعلى والزيادة على حدهالأدنى .وضرب مثلاً لذلك ، أحكام الميراث ، فالحد الأعلى ، هو ميراث الذكر الذي هوضعف ميراث شقيقته الأنثى ، فيجوز الزيادة عليه ، ولكن لا يجوز النقص منه ، ويجوزإصدار قانون بإعطاء الأنثى أكثر من نصف ميراث شقيقها ، ولكن لا يجوز إعطاؤه أقل مننصف ميراثه !!

هذا كفر صريح ، وتبديل لدين الله ، إذ جعل شحرور من نفسه شريكالله عز وجل في بعض خصائص ربوبيته، وهى أحكام شريعته لعباده(التحريف المعاصر في الدين، عبد الرحمن حسن حبنكة ، ص196 – 197)..
فشحرور يرىهنا أن مفهوم السنة ، يعنى أن محمدًا صلى اله عليه وسلم اجتهد في الحدود بمايتلاءم مع ظروف شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ، وهذا لا يعنى أبدًا أنه إذاطبق في موقف من المواقف الحد الأدنى ، أو الحد الأعلى ، علينا أن نلتزم بهذا الموقفأو ذاك وأن نستمر عليه إلى ( أن تقوم الساعة ) تحت شعار تطبيق السنة ، لأن هذاالموقف ليس له علاقة بالسنة(تهافت القراءةالمعاصرة : د. منير محمد الشواف ،ص23) .

النموذج الثاني من تحريفاته الفقهية : ما أسماهبالفقه الجديد في موضوع المرأة :
وقد خبط ولفق في هذا الموضوع خبط عشواء. فأعطىنموذجًا عن آرائه هذه في عدة نقاط منها :تعدد الزوجات والإرث والمهر، وحق العملالسياسي، والعلاقات بين الرجل والمرأة(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص592 – 629 ، محمد شحرور) .
1ـ ففي تحريفه حول تعدد الزوجات ،جعل الإذن هنا مقتصرًا عليه في حاله أن تكون الثانية فالثالثة فالرابعة من الأراملأو المطلقات، لا من الأبكار، ومن شاء أن يتزوج أرملة أو مطلقة ولها أولاد، فعليهأن يتحمل إعالة أولادها ، فيما يزعم ويفتري على دين الله (التحريف المعاصر في الدين ، ص233 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني . ) .
2 ـ ومن تحريفاتهوضلالاته أنه زعمه أن نشوز الرجل هو الشذوذ الجنسي، كما أن الرجل في نظره لا يملكحق طلاق زوجته.
3 ـ ومن ذلك وقاحته فيما يتعلق بلباس المرأة وحدود عورتها .
فهو يرى أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة عريانين، ثم قيدهما بحدودونصحهما بتعليمات، فكان للمرأة عورة في الحياة العامة والمجتمع، وعورة أمامالمحارم .
فأمام الأجانب ( غير المحارم ) للمرأة أن تظهر كل جسدها باستثناءالجيوب ، وجيوب المرأة (حسب فهمه الماركسي الإباحة ) هو كل ما له طبقتان أو طبقتانمع خرق، وهى ما بين الثديين وتحتهما، وتحت الإبطين، والفرج والإليتين، وما عداذلك فليس بعورة علمًا بأن الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[ الأحزاب : 59]هي للتعليم وليست للتشريع (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها) !!
* أما أمام المحارم، فالمرأة ليس لها عورةعلى الإطلاق، فهي تجلس معهم كما خلقها الله عارية من كل شيء، وأن الأب أو الأخمثلاً، إذا جلست ابنته أو أخته عارية أمامه في البيت، لا يجوز له أن يقول لها: اذهبي والبسي ثيابك، لأن هذا حرام، بل يقول لها: هذا عيب. وكذلك الأمر مع سائرالمحارم في نظره(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها) !!!
وبذلك يكون الشحرور ، قد فاق أساتذته ( ماركس ولينينوفرويد ... ) في نشر الإباحية والتخلي عن الحياء والفطرة ، مع إلباس ذلك كله لبوسالإسلام .
النموذج الثالث من تحريفاته : ما يتعلق بإباحة الربا(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور، ص467).
فقدزعم الكاتب أن الربا الذي يترتب على إقراض البنوك لذوي الفعاليات الاقتصادية ،الصناعية والتجارية ونحوها جائز، بشرط ألا يزيد على ضعف رأس المال في السنةالواحدة، وزعم أن هذا هو المقصود بقوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ]آل عمران : 130 .
أنالآية نزلت في أوائل العهد المدني لكف المؤمنين كفًا ابتدائيًا عن الربا ، بتحريمالأضعاف المضاعفة ، ثم نزل التحريم البات للربا قليلة وكثيرة في آيات سورة البقرة ،في أواخر العهد المدني في قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ] البقرة : 278 – 279وأي ربافي البنوك العالمية يصل إلى ضعف رأس المال في السنة الواحدة ؟!..وهو بذلك يزعم أنمعاملات البنوك الربوية في العالم كلها تطبق أحكامَا يجيزها الإسلام ، وهذا عدوانصفيق على كتاب الله تعالى(الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور، ص467،التحريف المعاصر في الدين ، ص199 - 201 ، عبد الرحمن حبنكة).
 
الفرع الثاني

قال لي صاحبي وهو يحاورني


642908687.jpg

هذه صورة ضوئية لما بعث به أحد المجادلين في كتاب الله تعالى
فبعد حديث طويل دار بيننا حول الخط العثماني أصوله وخصائصه، وعن علم القراءات ، ذلك الفن الذي تميز به كتاب الله تعالى ..أجد من المناسب أن أركز في حديثي هنا عن افتراءه على كتاب الله تعالى وذلك بقوله: ( ..التي أرى أن اليهود تدخلوا فيها قديما حين سئلوا عن التقاء الساكنين فأشاروا بحذف الساكنين)

622279257.gif


كتبت إليه الآتي:
يا أستاذ صبحي
لقد أمعنت النظر كثيراً عند كلمتك عن اليهود أنهم (سُئِلوا) عن التقاء الساكنين..فقلت لنفسي لعله قصد (سألوا)..
ولكن إجابتك جاءت شافية وموضحة اللبس الذي عندي حينما قلت عنهم (فأشاروا ) ـ أي اليهود ـ ( بحذف الساكنين)..رداً على السؤال الموجه إليهم..
ما هذا التهريج يا أستاذ صبحي..
منذ متى كان اليهود هم علماء هذه الأمة في اللغة العربية وفي علوم القرآن الكريم نتلقى عنهم علوم القرآن الكريم ومعارفه؟.
فهل كان قالون وابن وردان والكسائي وابن جمَّاز وخلف وابن كثير وهشام وابن عمرو ويعقوب وابن زكوان، وأبي حاتم السجستاني، وابن فتيبة وأبي الفضل الرازي،وابن الجزري، علماء الأمة في القراءات ، كل هؤلاء كانوا تلاميذ اليهود؟..
سبحانك هذا افتراء عظيم..لم يقل به أي كافر من الملة السابقة، ولم يدعه اليهود انفسهم..
يا أستاذ صبحي
أتستطيع إعراب هذا البيت؟..
أخاك أخاك إن من لا أخاً له = كساع إلى الهيجا بغير سلاح
دعني أوفر عليك مشقة الأمر، ولسوف أعربه أنا.
أخاك: مفعول به لفعلٍ محذوف وجوباً تقديره ألزم ولعامة نصبه الألف لأنه من الأسماءالستة
وهو مضاف والكاف مضاف إليه .
أخاك الثانية توكيد لفظي.
إن : حرف مشبهبالفعل .
من اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم إن.
لا: نافية للجنس.
أخاً : اسم لا مبني على الألف وهو مضاف والهاء مضاف إليه واللام مقحمة بينالمضاف
والمضاف إليه . والجملة الاسمية لا محل لها صلة الموصول الاسمي.
كساعٍ:الكاف حرف ساعٍ اسم مجرور بالكاف وعلامة جرة الكسرة المقدرة على الياء المحذوفةلالتقاء الساكنين.
وبيان ذلك أن الصرفيين قالوا: أن أصل الكلمة: ساعي (اسم منقوص).
ثم نُوّنتْ فصارت هكذا: (ساعي ٍ = ساعينْ)، فالتقى ساكنان هما: ياء المنقوص ونون التنوين، فحذف حرف العلة، (وحروف العلة دائمًا ما تكون كبش الفداء!(فصارت الكلمة هكذا: ساع ٍ.
إن أصل ( ساعٍ)ساعيٌ في حال الرفع ، وساعيٍ في حال الجر فاستثقلت الضمة والكسرة على الياء فحذفتا، فالتقى ساكنان : الياء ، والتنوين فحذفت الياء تخلصًا من التقاء الساكنين.
فالمعروف أنَّ سببَ حذفِ الياءِ هنالأن كلمة َ(ساع ٍ) اسمٌ منقوصٌ حُذِفَتْ ياؤُه، مع العلم أن الياء ليست ساكنة أصلاً، وإنما عليها كسرة مقدرة، منع من ظهورها الثقل، فهي ساكنة لهذا، والكلمة مجرورة وليست في محل جر، كما يتوهم البعض.
والاسم المنقوص تُحذف ياؤُه إذا كان مرفوعًا أو مجرورًا غير معرَّف....
ونحنهنا أمام نحو وصرف، فالنحو في الجر وتقدير الكسرة،والصرف في حذف ياء المنقوص لالتقاء الساكنين... وهذا يسمى الحذف لفظاً وخطاً.
أي أنه قد التقى ساكنان: ياء المنقوص ونون التنوين..
وثمة حذف آخر لفظي فقط، والشيء بالشيء يذكر، وهو ما يقع في المقصور المنون مثل:
(هدىً .. عصاً ) فالألف القائمة أو المقصورة هما شيء واحد من حيث لفظهما ، ولكنالألف هنا قد سقطتلفظا ً لا كتابة لالتقاء الساكنين أصلاً..
إلى الهيجاء : جارومجرور متعلق بساعٍ .
بغير سلاحِ متعلقة بساعٍ أيضاً.
هذه هي اللغة العربية في أبسط معانيها ثم تأتي أنت لتقول لي أن التقاء الساكنين من صناعة اليهود









 

الفرع الثالث


الطعن في


حفص بن سليمان بن المغيرة الأسَديّ


الكوفي القارئ


والرد عليه



قال النصارى نقلاً عن الشيعة اتهامهم لحفص بن سليمان بن المغيرة القارئ ما يلي:
افتحوا المصاحف ستجدون مكتوب على كل مصحف؛ " كتب هذا المصحف الشريف وضبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي" .
والآن لنري ما قاله علماء الجرح والتعديل في "حفص" هذا الذي تتعبّدون بالقرآن، الذي لا يأتيه الباطل، بروايته:
قال أبو قدامة السرخسي، و عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين : ليس بثقة.
وقال على ابن المديني : ضعيف الحديث، وتركته على عمد .
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : قد فرغ منه من دهر .
وقال البخاري : تركوه .
وقال مسلم : متروك .
وقال النسائي : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه .
وقال في موضع آخر : متروك .
وقال صالح بن محمد البغدادي : لا يكتب حديثه ، وأحاديثه كلها مناكير .
وقال عاصم أحاديث بواطيل .
وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث .
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت أبى عنه ، فقال : لا يكتب حديثه ، هو ضعيف الحديث ، لا يصدق ، متروك الحديث .قلت : ما حاله في الحروف ؟ قال : أبو بكر بن عياش أثبت منه .
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذاب متروك يضع الحديث.
وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث .
وقال يحيى بن سعيد، عن شعبة : أخذ منى حفص بن سليمان كتابا فلم يرده، و كان يأخذ كتب الناس فينسخها .
وقال أبو أحمد بن عدى، عن الساجي ، عن أحمد بن محمد البغدادي، عن يحيى بن معين : كان
حفص بن سليمان، وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم ، و كان حفص أقرأ من أبى بكر، وكان كذابا، و كان أبو بكر صدوقا .
هذا حال "حفص بن سليمان" الذي يتعبّد المسلم بروايته للقرآن:
ليس بثقة، متروك عن عمد، قد فرغ منه الدهر، لا يكتب حديثه، أحاديثه كلها مناكير، أحاديثه بواطل، لا يصدّق، كذّاب، يضع الحديث، يأخذ كتب الناس فينسخها. النتيجة هي أن القرآن كتاب مكذوب مفقود الثقة فيه كلياً، باطل،مردود بيقين!!!!!..





الرد


إلى هؤلاء النصارى الجهلة ومعهم غلاة الشيعة المغرضة، ومن ولاهم نقول:

أين تكمن المشكلة؟..


إنها تكمن في طبيعة الخلط بين:
(حفص بن سليمان المِنْقَرِيِّ البصري ) و (حفص بن سليمان بن المغيرة المقرئ الكوفي).
وذلك على النحو الوارد تفصيلاً كالآتي:
1ـ نقل محمد بن سعد البصري نزيل بغداد ، كاتب الواقدي ، ( ت 230 ھ ) وأحمد بن حنبل البغدادي ( ت 241ھ) عن يحيى بن سعيد القطان البصري ( ت 168ھ ) رواية عن شعبة بن الحجاج تتعلق بحفص بن سليمان المِنْقَرِيِّ البصري ، لكنها نُسبت بعد ذلك إلى حفص بن سليمان الأسدي القارئ الكوفي الأصل ، راوية عاصم .
ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات مَن نزل البصرة مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ومَن كان بها بعدهم من التابعين وأهل العلم والفقه ، وذكر في الطبقة الرابعة منهم:
(( حفص بن سليمان مولى لبني مِنْقَر ، ويكنى أبا الحسن، وكان أعلمهم بقول الحسن ، قال يحيى بن سعيد ، قال شعبة : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يَرُدَّهُ عليَّ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ) .ا ھ. [(الطبقات الكبرى) / لكاتب الواقدي محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت23 ھ) / تـ . جماعة من المستشرقين الألمان / ط ـ 1 (1903 ھ) / (مصورة) دار صادر ـ بيروت.].
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : (حدثني أبي، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : عطاء بن أبي ميمون مات بعد الطاعون ، وكان يرى القَدَرَ ، وحفص بن سليمان قبل الطاعون بقليل ، فأخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يَرُدَّهُ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها).[(العلل ومعرفة الرجال) / للإمام أحمد بن حنبل (241 ھ) [ رواية عبد اللَّه بن أحمد ] / تـ . د . وصي اللَّه عباس / المكتب الإسلامي ـ بيروت / دار الخاني ـ الرياض / ط ـ 1 (1408 ھ ـ 1988م).].
ولا يخفى على القارئ أن حفص بن سليمان المذكور في قول شعبة هو المنقري ، وليس حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءةعاصم ، لكن بعض العلماء نقل هذا القول في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي بعد ذلك، وصار دليلاً على ضعفه في الحديث .
واستقرت هذه الرواية في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي القارئ بعد ذلك ، ولم يتنبه المؤلفون إلى أنها رواية بصرية تخص أحد رواة الحديث من البصريين .
مع العلم أن البخاري وهو من أئمة الحديث كان يعي تمامًا التفريق بين المنقري البصري، والأسدي الكوفي.
فقد فرق بينهما في (الأوسط) [التاريخ الأوسط (2/24).] فقال: قال يحيى مات عطاء بن أبي ميمونة بعد الطاعون، وكان يرى القدر، وحفص بن سليمان قبل الطاعون بقليل.

وقال: في موضع آخر[التاريخ الأوسط (2/184).]:
حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي، وهو حفص بن أبى داود، هو القارئ عن عاصم وعلقمة بن مرثد سكتوا عنه... قال وأما حفص بن سليمان المنقري البصري، ثقة، قديم الموت. )...[(التاريخ الأوسط) / للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمد بن إبراهيم اللحيدان/ دار الصميعي ـ الرياض/ ط ـ 1 (1418 ھ ـ 1998م).].
وفي التاريخ الكبير (2/363) ترجم لهما فقال:
2764 ـ حفص بن سليمان البصري المنقري عن الحسن روى عنه حماد بن زيد والتميمي يقال مولى بني منقر قال يحيى مات قبل الطاعون بقليل ومات عطاء بن أبي ميمونة بعد الطاعون. ...
2767 ـ حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ عن علقمة بن مرثد وعاصم تركوه، وهو حفص بن أبي داود الكوفي. ا ھ.
(التاريخ الكبير) / للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمود إبراهيم زائد/ دار الوعي ـ حلب / ط ـ 1 (1404 ھ ـ 1984م).
2ـ ولقد ذكرت كتب التراجم عدة أشخاص من رواة الحديث باسم حفص بن سليمان ، عاشوا في القرن الثاني ، ذكر البخاري منهم في كتابه التاريخ الكبير أربعة، هم :
أ . حفص بن سليمان البصري المنقري ، عن الحسن .
ب . حفص بن سليمان الأزدي ، روى عنه خليد بن حسان .
ج . حفص بن سليمان ، سمع معاوية بن قرة عن حذيفة ، مرسل ...
د . حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ ...
ومن المعروف أن الفصل بين الرواة المتشابهين من دقائق علم الرجال، وكم زلت أقدام الكبار في الخلط بين المتفقين والمفترقين من كبار النقاد خاصة المصنفين منهم: كابن عدي، والدار قطني، وابن الجوزي، وغيرهم.. ولذا كان التمييز بين الرواة من الجوانب التي أوليت عناية تامة عند المصنفين في علم الرجال. وكذلك أولاها المتأخرون عنايتهم فمن أشهر من اهتم بهذا اللون من التراجم المزِّي (رحمه اللَّه) في كتابه (تهذيب الكمال) حيث تتبع رواة التمييز وأفردهم بتراجم عقب التراجم الأصلية، ثم تبعه على هذا النهج الذهبي، ومُغلطاي، وابن حجر، وغيرهم.
نشرع في فحص أحوال هؤلاء الرواة ونرى من منهم يشتبه بحفص بن سليمان القارئ.



فأولهم


حفص بن سليمان المنقري التميمي البصري. أبو الحسن.


يقال: مولى بني منقر
قال ابن سعد في الطبقات (7/256): (مولى لبني منقر ويكنى أبا الحسن).].
روى عن: الحسن البصري، وعطاء بن أبي ميمونة[الأوسط للطبراني (5: 290/ برقم 5343).] ، وأبي بردة بن أبي موسى[الأوسط للطبراني (5: 299/ برقم 5370).] ، وأبي العالية[تقدمة المعرفة (ص260).] ، وحفصة بنت سيرين[سنن الدارقطني (1: 169/ برقم 32).].
روى عنه: بسطام بن حريث، وحماد بن زيد[سنن الدارقطني (1: 166/ برقم 15).] ، وسعيد بن عامر[شعب الإيمان (7/378).] ، والربيع بن عبد الله بن خطاف[العلل رواية عبد الله (3: 377/ برقم 5658).] ، وروح بن عطاء بن أبي ميمونة[الأوسط للطبراني (5: 290/ برقم 5343).] ، وعبيد الله بن الوليد الوصافي[الدعاء للطبراني برقم (474).] ، ومعمر بن راشد[الجامع (11: 83/ برقم 19985).] ، وهارون الأعور[تفسير بن أبي حاتم (4/1310).] ، وهشام بن حسان البصري[المصنف لابن أبي شيبة (4: 427/ برقم 21772).].
قال ابن سعد: كان أعلمهم بقول الحسن[الطبقات (7/256).].
وقال ابن معين: ثقة[تاريخ أسماء الثقات رقم (291).
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لا بأس به هو من قدماء أصحاب الحسن[الجرح (3/173).].
وقال البخاري: ثقة قديم الموت[التاريخ الأوسط (2/184)].
وقال ابن حبان في (الثقات)[ الثقات (6/195).]: ثبت.
وقال في (مشاهير علماء الأمصار)[ المشاهير برقم (1213).]: من المتقنين.
ووثقه النسائي[الميزان (1/559) ، التهذيب (2/346).]. واختاره ابن حجر[التقريب برقم (1406).].
قال يحيى مات حفص بن سليمان المنقري قبل الطاعون بقليل[التاريخ الأوسط للبخاري (1/462).] يعني سنة (130) كما نص عليه ابن حبان[انظر لترجمته التاريخ الكبير (2/363)، المجروحين (3: 173/ برقم 743)، الثقات (6/195)، المشاهير برقم (1213)، تهذيب الكمال (7/16)، تهذيب التهذيب (2/346).].
هذا الراوي يشتبه بحفص بن سليمان القارئ من حيث الاتفاق في الاسم واسم الأب، ويشتبه معه في النسبة فـ(المقرئ) و(المنقري) مما يتشابه في الرسم وعلى هذا النوع بنى الحافظ الخطيب كتابه الشهير (تلخيص متشابه الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم)[ حققته المرأة الفاضلة سكينة الشهابي وطبعته المتداولة في مجلدين كبيرين، نشرته طلاس للدراسات والترجمة بدمشق سنة (1985م).].
وقد سبقهما ابن حبان بالتنبيه على الفرق بينهما في (الثقات)[ الثقات (6/195).].
ولو بقي الأمر عند حدود الاتفاق لكان الأمر يسيرًا لأن حفص المنقري قديم يعد في طبقة شيوخ المقرئ، ولكن التشابه في النسبة هو الذي سبب هذا الإشكال.

المراجع المستشهد بها في هذا القسم هي:


1ـ (الطبقات الكبرى) / لكاتب الواقدي محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت23 ھ) / تـ . جماعة من المستشرقين الألمان / ط ـ 1 (1903 ھ) / (مصورة) دار صادر ـ بيروت.

2ـ (الضعفاء الصغير) / للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمود إبراهيم زائد/ دار الوعي ـ حلب / ط ـ 1 (1404 ھ ـ 1984م).
3ـ (شعب الإيمان) / لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 ھ) / تـ . أبي هاجر محمد السعيد زغلول / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط ـ 1 (1410 ھ ـ 1990م).
4ـ (سنن الدارقطني) / للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / [ ومعه التعليق المغني على الدارقطني) / للعلاَّمة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ] / تـ . السيد عبد اللَّه هاشم يماني / دار المعرفة ـ بيروت.
5ـ (الثقات) / للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ھ) / تـ . محمد عبد الرشيد كامل (وغيره)/ دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1403 ھ ـ 1983م).
6ـ (الجامع) / للإمام أبي عروة معمر بن راشد البصري (153 ھ) / رواية عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 ھ) / تـ . حبيب الرحمن الأعظمي / المكتب الإسلامي ـ بيروت / ط ـ 3 (1403هـ ـ 1983م).
7ـ (الدعاء) / للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 ھ)/ تـ. مصطفى عبد القادر عطا/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط ـ 1 (1413 ھ).
8ـ (التاريخ الأوسط) / للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمد بن إبراهيم اللحيدان/ دار الصميعي ـ الرياض/ ط ـ 1 (1418 ھ ـ 1998م).

9ـ (تهذيب التهذيب) / للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)/ دار الفكر ـ بيروت/ ط ـ 1 (1404 ھ ـ 1984م).
10ـ (تهذيب الكمال في أسماء الرجال)/ للحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجَّاج يوسف المزي (742 ھ) /تـ . د . بشار عواد / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / ط ـ 4 (1406 ھ ـ 1985م).
11ـ (تاريخ أسماء الثقات) / للحافظ أبي حفص عمر بن شاهين (385هـ) / تـ . صبحي السَّامرَّائي / الدار السلفية ـ الكويت / ط ـ 1 (1404 ھ ـ 1984م).
12ـ (العلل ومعرفة الرجال) / للإمام أحمد بن حنبل (241 ھ) [ رواية عبد اللَّه بن أحمد ] / تـ . د . وصي اللَّه عباس / المكتب الإسلامي ـ بيروت / دار الخاني ـ الرياض / ط ـ 1 (1408 ھ ـ 1988م).
13ـ (تقدمة المعرفة للجرح والتعديل) / للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327 ھ) / تـ . العلاَّمة عبد الرحمن بن يحيى اليماني (1383 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1373 ھ).
14ـ (مشاهير علماء الأمصار) / للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ھ) / تـ . م . فلايشهمر / (مصورة) م . ابن الجوزي ـ الهفوف.
15ـ (المعجم الأوسط) / للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 ھ) / تـ . د . محمود الطحان / م . المعارف ـ الرياض / ط ـ (1405 ھ ـ 1985م) , 1415 ھ ـ 1995م).
16ـ (تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول اللَّه والصحابة والتابعين) / للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (327 ھ) / تـ . أسعد محمد طيب / م . نزار مصطفى الباز ـ مكة المكرمة / ط ـ 1 (1407 ھ ـ 1997م).

وثانيهم


حفص بن سليمان الأزدي.


حديثه مرسل.
روى عنه: خليد بن حسان.
ذكره ابن حبان في [الثقات(6/197)].
المراجع:
1ـ (الثقات) / للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ھ) / تـ . محمد عبد الرشيد كامل (وغيره)/ دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1403 ھ ـ 1983م).
2ـ [ انظر لترجمته التاريخ (التاريخ الأوسط) / للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمد بن إبراهيم اللحيدان/ دار الصميعي ـ الرياض/ ط ـ 1 (1418 ھ ـ 1998م). (2/363).].

وثالثهم


حفص بن سليمان. ويقال: سليمان بن حفص .



يعد في البصريين[الجرح (3: 174/ برقم 745).].
روى عن: معاوية بن قرة[المصنف لابن أبي شيبة (2: 21/ برقم 5990)..
روى عنه: عيسى بن يونس[المصنف لابن أبي شيبة (2: 21/ برقم 5990).].
المرجع:
1ـ (الجرح والتعديل) / للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327 ھ) / تـ . العلاَّمة عبد الرحمن بن يحيى اليماني (1383 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1373 ھ).
2ـ (المصنف) / للإمام الحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة (235 ھ) / تـ . كمال يوسف الحوت / دار التاج ـ بيروت / ط ـ 1 (1409 ھ ـ 1989م).

ورابعهم


هو حفص بن سليمان الأسدي[نسبه تلميذه الحسن بن أعين الحراني].



انظر سنن الدارقطني (3: 301/ برقم 206)، والسنن الكبير (2: 243/ برقم 3130).] أبو عمر البزاز الكوفي القارئ [كناه تلميذه محمد بن الحسن الأسدي. انظر الأوسط للطبراني (2: 163/ برقم 1583).والبزاز: نسبة لبيعه البز. ذكر هذا ياقوت في معجم الأدباء (3: 225/ برقم 367). [جمع له بين الاسم والكنية وهذه النسبة تلميذه يسرة بن صفوان. انظر فوائد تمام (1: 40/ برقم 78).] .
ويقال له الغاضري[ نسبه تلميذه محمد بن بكار بن الريان. انظر الصغير للطبراني (1: 170/ برقم 267). والموضح للخطيب (2/18).].

ويعرف بحفيص، وهو حفص بن أبي داود[ سماه بهذا أبو الربيع الزهراني. انظر السنن الكبير (7: 136/ برقم 13560).
وقال البخاري في التاريخ الكبير (2/363)، والأوسط (2/184) وللفظ منه: ((حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي كوفي، وهو حفص بن أبي داود، أراه هو القارئ)).
صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة، وابن امرأته وكان معه في دار واحدة[ نص عليه الخطيب في تاريخه (8/186).].

وقيل في نسبه: حفص بن سليمان بن المغيرة[ ذكره الخطيب في تاريخه (8/186) ، وفي موضح أوهام الجمع والتفريق (2/18)، وتبعه من بعده.. وكان مصدره في ذلك الدارقطني في الضعفاء والمتروكين برقم (170) حيث قال فيه: حفص بن سليمان بن المغيرة، هو القارئ، وهو حفص بن أبي داود، سليمان كنيته أبو داود، وقال في (الغرائب والأفراد) كما في أطرافه (3: 421/ برقم 3127) إذ قال: ((حفص بن أبي داود، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر المقرئ، صاحب عاصم في القراء)).
روى عن: أبان بن أبي عياش[المحلى (8:372) ويرى ابن حزم أنه أبان بن يزيد الرقاشي.] ، إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وأيوب السختياني[الكامل (2/382).] ، وثابت البناني[الكامل (2/382).] ، ثور بن عبد الله الهمداني[تاريخ دمشق (44/ 365).] ، وحماد بن أبي سليمان، وحميد الخصاف، وخالد بن سلمة[تاريخ دمشق (46/12). انظر معجم الصحابة لابن قانع (2/213).] ، وزيد بن أسلم[الغرائب والأفراد للدارقطني (أطرافه) (3: 207/ برقم 2436).] ، وسالم الأفطس، وسماك بن حرب[الأوسط للطبراني (5: 220/ برقم 5138).] ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله[المستدرك (1: 680/ برقم 1848).] ، وعاصم بن أبي النجود[الأوسط للطبراني (1: 10/ برقم 19).] ، وعاصم الأحول، وعامر بن كليب[جامع البيان للطبري (6/127).] ، وعبد الله بن يزيد النخعي[ الثقات (7/11).] ، وعبد العزيز بن رفيع[الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3618).] ، عبد الملك عمير[الكبير للطبراني (10: 176/ برقم 10371).] ، وأبي حَصين عثمان بن عاصم[ فوائد تمام (1: 40/ برقم 78).] ، وعلقمة بن مرثد[ مسند الشهاب (1: 306/ برقم 511).] ، وعمر بن ذر[الإصابة (8/302).] ، وعمرو بن مرة الكوفي الأعمى[ المعجم الكبير للطبراني (10: 144/ برقم 10260).] ، وغيلان (هو ابن جامع)[ طرق من كذب علي متعمدًا للطبراني برقم (63).] ، وقيس بن مسلم[الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3617).] ، وكثير بن زاذان (ت[الجامع للترمذي (5: 171/ برقم 2905).] ق)، وكثير بن شنظير [ السنن لابن ماجه (1: 81/ برقم 224).] ، والكميت بن زيد الأسدي[سنن الدارقطني (3: 301/ برقم 206).] ، وليث بن أبي سليم[الأوسط للطبراني (3: 351/ برقم 3376).] ، ومحارب بن دثار[الأوسط للطبراني (1: 195/ برقم 621).] ، ومحمد بن جحادة[المطالب العالية (4: 255/ برقم 543).] ، ومحمد بن سوقة[جامع البيان للطبري (2: 633).] ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى[المعجم الكبير للطبراني (11: 148/ برقم 11320).] ، ومنصور بن حيان[الأوسط للطبراني (3: 222/ برقم 2979).] ، وموسى بن أبي كثير يعرف بموسى الكبير[الكامل (2/382).] ، وموسى الصغير[تهذيب الكمال (29/152).] ، والهيثم بن حبيب الصراف[الكامل (2/281).] ، وهلال بن عقاب[الثقات (7/576). وهو التالي اختلفوا في اسمه.] ، والهيثم بن عقاب[الأوسط للطبراني (5: 28/ برقم 4582).] ، ويزيد بن أبي زياد، ويزيد بن عبد الرحمن[الكبير للطبراني (8: 261/ برقم 8014).] ، وأبي إسحاق السبيعي[تاريخ بغداد (13/153).] ، وأبي إسحاق الشيباني[معجم الصيداوي (ص228).] ، وأبي رجاء الشامي[تاريخ دمشق (22/416)، (57/81).] ، شيخ من أهل المدينة[المطالب العالية (9: 394/ برقم 2006).].
وروى عنه:أحمد بن عبدة الضبي، وأحمد بن الفرج الجشمي المقرئ[ الإكمال لابن ماكولا (3/10).] ، وآدم بن أبي إياس[تاريخ دمشق (6/39).] ، وأبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني[الأوسط للطبراني (5: 220/ برقم 5138).] ، إسماعيل بن عمرو البجلي[الواهيات لابن الجوزي (1: 68/ برقم 64).] ، وبكر بن بكار[الكامل (2/382).] ، وجعفر بن حميد الكوفي[تهذيب الكمال (5/20).] ، وحامد بن آدم المروزي[الأوسط للطبراني (8: 37/ برقم 7888).] ، والحسن بن سعيد بن عثمان الخراز الكوفي[تاريخ دمشق (44/365).] ، والحسن بن محمد بن أعين[سنن الدارقطني (3: 201/ برقم 206).] ، وأبو عمر حفص بن عبد الله الحلواني الضرير[الكامل (2/382).] ، وحفص بن غياث، وداود بن مهران[تاريخ دمشق (22/416).] ، وسعد بن محمد بن الحسن بن عطية[تاريخ دمشق (23/282).] (والد محمد بن سعد العوفي)، وسليمان بن داود أبو الربيع الزهراني[لمحلى (9/201).] ، وسليمان بن داود الشاذكوني[علل الدارقطني (3/202).] ، وسليمان بن النعمان الشيباني[الأوسط للطبراني (1: 195/ برقم 621).] ، وسهل بن حماد[الكبير للطبراني (10: 15/ برقم 9792).] ، وصالح بن مالك الأزدي الخوارزمي[الدعاء للطبراني برقم (1122).] ، وصالح بن محمد الترمذي[الغرائب والأفراد للدارقطني (4: 339/ برقم 4421).] ، وأبو شعيب صالح بن محمد القواس، (وهو ممن روى عنه القراءة)، والصباح بن سهل المدائني[تاريخ دمشق (46/12). انظر معجم الصحابة لابن قانع (2/213)] ، وعبد الله بن السري الأنطاكي[تهذيب الكمال (15/14).] ، وعبد الرحمن بن حماد الطلحي[المستدرك (1: 680/ برقم 1848).] ، وعبد الرزاق (هو ابن همام الصنعاني)[ السنن الكبير للبيهقي (5: 246/ برقم 10054).] ، وأبو الوليد عبد السلام بن سهل البصري الدمشقي[تاريخ جرجان (1/316).] ، وعبد الصمد (هو ابن النعمان البزاز)[ تاريخ دمشق (30/177).] ، وعبد الغفار بن الحكم[معجم الشيوخ الصيداوي (ص228).] ، وعبد الملك بن مسلمة[ فتوح مصر (ص122).] ، وعبيد الله بن موسى[أمالي المحاملي برقم (225). ، وعبيد بن الصباح بن أبي سريج النهشلي الخزاز، وعثمان بن حصن القرشي[تاريخ دمشق (38/324).] ، وعثمان بن سعيد الزيات[سنن الدارقطني (1/107).] ، وعثمان بن عبد الرحمن[تاريخ دمشق (11/92).] ، وعثمان بن اليمان الحُّدَّاني[تهذيب الكمال (19/510).] ، وأبو منصور عصام بن الوضاح البصري، وعلي بن حجر المروزي (ت)[ الجامع للترمذي (5: 171/ برقم 2905).] ، وعلي بن عياش الحمصي[الأوسط للطبراني (1: 7/ برقم 9).] ، وأبي الحسن علي بن يزيد الصدائي الأكفاني[الأوسط للطبراني (5: 28/ برقم 4582).] ، وعمرو بن حماد بن طلحة القناد[الكبير للطبراني (10: 176/ برقم 10371).] ، وعمرو بن الصباح بن صبيح الكوفي المقرئ[ تاريخ بغداد (7/430).] ، وعمرو بن عثمان الرقي[تهذيب الكمال (22/147).] ، وعمرو بن عون الواسطي[ الأوسط للطبراني (4: 64/ برقم 3617).] ، وعمرو بن محمد الناقد، وعيسى بن شعيب[الكبير للطبراني (8: 261/ برقم 8015).] ، والفضل بن يحيى الأنباري
[ تاريخ بغداد (12/ 362).] ، ومحمد بن بكار بن الريان[ الأوسط للطبراني (3: 222/ برقم 2979).] ، ومحمد بن حرب الخولاني [ السنن لابن ماجه (1: 78/ برقم 216).] ، ومحمد بن حماد[الغرائب والأفراد للدارقطني (أطرافه) (4: 86/ برقم 3675).] ، ومحمد بن الحسن بن التل الأسدي[الأوسط للطبراني (2: 163/ برقم 1583).] ، ومحمد بن سليمان لوين
[ إصلاح المال لابن أبي الدنيا (ص86/ برقم 281).] ، ومحمد بن عبد الرحيم بن شروس[المحلى (8: 372).] ، ومسدد (هو ابن مسرهد)[ المطالب العالية (4: 255/ برقم 543).] ، ومروان بن موسى البغدادي[ تاريخ بغداد (13/153).]، ونصر بن منصور الثقفي[تاريخ بغداد (13/286).] ، والنضر بن طاهر[تاريخ دمشق (7/431).] ، والنضر بن عبد الله الأزدي[ تهذيب الكمال (29/389).] ، وهانئ بن يحيى[الضعفاء للعقيلي (2/8).] ، وأبو عمر هبيرة بن محمد التمار المقرئ، وهشام بن عمار الدمشقي (ق)[ السنن لابن ماجه (1: 81/ برقم 224).] ، ويحيى بن سعيد العطار الحمصي[جامع البيان للطبري (2/633).] ، ويحيى بن يحيى النيسابوري[ شرح معاني الآثار (1/ 145).] ، ويزيد بن هارون[ الغرائب والأفراد للدارقطني (3: 359/ برقم (2905).] ، ويسرة بن صفوان اللخمي الدمشقي[تهذيب الكمال (32/300).] ، أبو بكر بن أبي شيبة[ المصنف (4: 329/ برقم 20707).] ، والعمري[مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا برقم (66).].
هذا مجمل ما وقفت عليه من شيوخ وتلاميذ حفص بن سليمان القارئ.. وبهذا تبين أنه أوسع المتفقين معه شيوخًا وأكثرهم تلاميذ.
وبعد الانتهاء من تراجم هؤلاء الرواة يتبين أن بينهما من الاتفاق ما لا يؤدي إلى الخلط إلا في النادر ،وإنما السبب الرئيس في الاختلاط بين حفص المقرئ الكوفي، وحفص المنقري البصري هو التشابه في النسبة ليس إلا؛ لأن حفص المنقري في عداد طبقة شيوخ حفص القارئ فلا يمكن أن يختلط به في الرواية عند أهل المعرفة، وإنما الاختلاط نشأ من التصحيف.. وليس من الاتفاق في الشيوخ أو في التلاميذ.
وأما حفص بن سليمان الأزدي، وحفص بن سليمان الراوي عن معاوية بن قرة فهما في عداد المجاهيل عند أهل الفن .. ومعنى الجهالة أنهما غير معروفين لا عينًا ولا حالاً، وبالتالي لأثر لهما في الحديث الشريف لأنه قد لا يكون لكل واحدٍ منهم من الحديث ما يذكر من أجله ويعرف.
ومن أبرز آثار الاشتباه أنه قد يشابه في بعض إطلاقاته رواة آخرين إما ضعفاء أو ثقات، فيضعف حديث الراوي أو يصحح بناءً على درجة ذاك الشبيه.

المراجع المستشهد بها في هذا القسم:


1ـ (سنن الدارقطني) / للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / [ ومعه التعليق المغني على الدارقطني) / للعلاَّمة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ] / تـ . السيد عبد اللَّه هاشم يماني / دار المعرفة ـ بيروت.

2ـ (السنن الكبير) (السنن الكبرى) / للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 ھ) / تـ . جماعة بإشراف : دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / (مصورة) ـ دار المعرفة ـ بيروت.
3ـ (معجم الأدباء) / للإمام شهاب الدين أبي عبد اللَّه ياقوت الحموي (626 ھ)/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط ـ 1 (1411 ھ).
4ـ (الفوائد) / للحافظ أبي القاسم تمام بن محمد الرازي (414 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / م . الرشد ـ الرياض / ط ـ 1 (1412 ھ ـ 1992م).
5ـ (موضح أوهام الجمع والتفريق) / لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي (463 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1378 ھ ـ 1959) / مصورة ـ دار الفكر ـ بيروت.
6ـ (التاريخ الأوسط) / للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 ھ) / تـ . محمد بن إبراهيم اللحيدان/ دار الصميعي ـ الرياض/ ط ـ 1 (1418 ھ ـ 1998م).
7ـ (موضح أوهام الجمع والتفريق) / لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي (463 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1378 ھ ـ 1959) / مصورة ـ دار الفكر ـ بيروت.
8 ـ (الضعفاء والمتروكين) / للإمام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (597 ھ) / تـ . أبي الفداء عبد اللَّه القاضي / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط ـ 1 (1406 ھ 1986م).
9ـ (المحلى بالآثار في شرح المجلى) لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي (456 ھ)/ لجنة إحياء التراث العربي/ دار الآفاق الجديدة/ بيروت.
10ـ (الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث) / للحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجانيِّ (365 ھ) / تـ . سهيل زكَّار ـ يحيى مختار غزَّاوي / دار الفكر ـ بروت / ط ـ 2 (1405 ھ ـ 1985م).

11ـ (الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث) / للحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجانيِّ (365 ھ) / تـ . سهيل زكَّار ـ يحيى مختار غزَّاوي / دار الفكر ـ بروت / ط ـ 2 (1405 ھ ـ 1985م).
12ـ (تاريخ دمشق) لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (571 ھ)/ تـ.محب الدين أبي سعيد عر بن غرامة العمروي/ دار الفكر ـ بيروت (1995م).
13ـ (معجم الصحابة) / لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع (351 ھ) / تـ . أبي عبد الرحمن صلاح بن سالم المصراتي / م . الغرباء الأثرية ـ المدينة النبوية / 1418 ھ ـ 1997م).
14ـ (أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للدارقطني) للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن القيسراني المقدسي (507 ھ)/ تـ. محمود حسن نصار/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط ـ 1.
15ـ (المعجم الصغير) (الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني) / أبي القاسم سليمان بن أحمد (360 ھ) / تـخريج . محمد شكور محمود الحاج أمرير / المكتب الإسلامي ـ بيروت / دار عمار ـ عمان / ط ـ 1 (1405 ھ ـ 1985م).

16ـ (الثقات) / للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ھ) / تـ . محمد عبد الرشيد كامل (وغيره)/ دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / ط ـ 1 (1403 ھ ـ 1983م).
17ـ (المعجم الكبير) / للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / ط ـ 2 / الناشر بدون.
18ـ (مسند الشهاب) / للقاضي أبي عبد اللَّه محمد بن سلامة القضاعي (454 ھ) / تـ . حمدي عبد المجيد السلفي / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / ط ـ 2 (1407 ھ ـ 1986م).
19ـ (سنن الترمذي) وهي (الجامع المُختصر من السنن عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل) / للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279 ھ) / تـ . أحمد محمد شاكر ـ وغيره / م . التجارية ـ مكة المكرمة.
20ـ (الإصابة في تمييز أسماء الصحابة) / للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 ھ)/ تـ. علي محمد البجاوي/ دار الجيل ـ بيروت/ ط ـ 1 (1412 ھ 1992م).
21ـ (سنن ابن ماجه) / للحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني (275 ھ) / تـ . محمد فؤاد عبد الباقي / دار الحديث ـ القاهرة / م . التجارية ـ مكة المكرمة.
22ـ (سنن الدارقطني) / للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / [ ومعه التعليق المغني على الدارقطني) / للعلاَّمة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ] / تـ . السيد عبد اللَّه هاشم يماني / دار المعرفة ـ بيروت.
23ـ (تهذيب الكمال في أسماء الرجال)/ للحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجَّاج يوسف المزي (742 ھ) /تـ . د . بشار عواد / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / ط ـ 4 (1406 ھ ـ 1985م).
24ـ (تاريخ بغداد أو مدينة السلام) / للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 ھ) / دار الكتاب العربي ـ بيروت.
25ـ (معجم الشيوخ) / لأبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي (402 ھ) / تـ . د . عمر عبد السلام تدمري / مؤسسة الرسالة ـ بيروت / دار الإيمان ـ طرابلس ـ لبنان / ط ـ 2 / 1407 ھ ـ 1987م).
26ـ (العلل الواردة في الأحاديث النبوية) / للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 ھ) / تـ . د . محفوظ الرحمن زين اللَّه السلفي / دار طيبة ـ الرياض / ط ـ 1 (1405هـ ـ 1985م ـ إلى ـ 1416 ھ ـ 1996م).

27ـ (السنن الكبير) (السنن الكبرى) / للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 ھ) / تـ . جماعة بإشراف : دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / (مصورة) ـ دار المعرفة ـ بيروت.
28ـ (تاريخ جرجان) / لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي (427 ھ) / تـ . الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني (1383 ھ) / دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد / عالم الكتب ـ بيروت / ط ـ 3 (1401 ھ ـ 1981م).
29ـ (إصلاح المال) / للحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن محمد القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (281 ھ) / تـ . محمد عبد القادر عطا / مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت / ط ـ 1 (1414 ھ 1993م).
30ـ (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) / للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310 ھ) / دار الفكر ت بيروت / (1408 ھ ـ 1988م).
31ـ (شرح معاني الآثار) / لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي (321 ھ) / تـ . محمد زهري النجَّار / دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط ـ 2 (1407 ھ ـ 1987م).

الخلاصة


وفاة حفص بن سليمان المقرئ الكوفي وتحديد مولده ومبلغ عمره.
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لا سيما بين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي الكوفي ،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري ، وحمله على حفص الكوفي . ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان القارئ ، وقال :" مات حفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة ". وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومائة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349ھ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين و مئة ، فذاك حفص المنقري بصري ، من أقران أيوب السختياني ، قديم الوفاة ، فكأنه تصحف عليهم ، والله أعلم.
بقي أن نبين أنه ولد في حياة الصحابة، فقد أرخ خلف بن هشام مولده في سنة تسعين، وذلك في آخر عصر الصحابة[معرفة القراء الكبار (1/287).]. فيكون له من العمر تسعين عامًا (رحمه الله تعالى)[ تهذيب الكمال (7/15)، معرفة القراء الكبار (1/289).].. ولكن لم يبلغنا أنه لقي أحدًا من الصحابة، لأنه يصغر عن ذلك.
والخلاصة التي يمكن ننتهي إليها من العرض السابق ونختم بها هي القول : إن حفص بن سليمان الأسدي كان إماماً في القراءة ، ضابطاً لها ، أفنى عمره في تعليمها ، بدءاً ببلدته الكوفة التي نشأ فيها ، ومروراً ببغداد التي صارت عاصمة الخلافة ، وانتهاء بمكة المكرمة مجاوراً بيت الله الحرام فيها ، وهو في أثناء ذلك أبدى اهتماماً برواية الحديث النبوي الشريف ، لكنه لم يتفرغ له تفرغه للقراءة ، ومن غير أن يتخصص فيه ، لكن ذلك لا يقلل من شأنه أو يكون سبباً للطعن في عدالته، بعد أن اتضح أن تضعيفه في الحديث كان نتيجة البناء على وَهْمٍ وقع فيه بعض العلماء المتقدمين ، ويكفيه فخراً أن القرآن الكريم يُتْلَى اليوم بالقراءة التي رواها عن شيخه عاصم بن أبي النجود في معظم بلدان المسلمين ، ونرجو أن ينال من الثواب ما هو أهل له ، وما هو جدير به ، شهدنا بما علمنا ، ولا نزكي على الله أحداً.

دراسة الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد


أحد رواد الدراسات القرآنية واللغوية في هذاالعصر


الأستاذ بكلية التربية بجامعة تكريت


والمنشور بملتقى أهل التفسير


حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم بين الجرح والتعديل


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
شهرة عاصم بن أبي النجود وتلميذه حفص بن سليمان الأسدي تملأ الآفاق اليوم ، فعاصم صاحب القراءة التي يقرأ بها المسلمون القرآن في معظم البلدان اليوم ، وحفص هو صاحب الرواية عنه، لكن المرء يعجب مما ورد في كتب رجالالحديث من وصف حفص بن سليمان بأنه ضعيف، متروك الحديث ، وصار ذلك الوصف من المسلمات لدى معظم من كتب عن حفص، وحاول بعض العلماء التخفيف من أثر ذلك الوصفبالقول: " إن العالم قد يكون إماماً في فن مقصراً في فنون " ، ولا عجب بناء علىذلك أن يتقن حفص القرآن ويُجَوِّدَهُ ، ولا يتقن الحديث. (1) ولو أن الأمر توقفعند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولاً ، لكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء.

وكيف يكون المرء مؤتمناً على القرآن، متهماً فيالحديث ؟ إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين !
وكنت أتتبع الروايات المتعلقة بهذه القضية وأقاويل العلماء فيها ، في محاولة لتفسيرها على نحو يخفف من أثرها (2)، حتى لا تكون وسيلة للطعن في قراءة القرآن الكريم، وقد انكشفت لي جوانب جديدة حولهذه القضية جعلتني أعود إلى دراستها وعرض نتيجة ما توصلت إليه حولها على المهتمينبالموضوع ، وهي نتيجة أحسب أنها تَسُرُّ حملة القرآن ، والمهتمين بدراسة القراءات،إن شاء الله تعالى، وأرجو أن تبعث السرور في نفوس المتخصصين بدراسة الحديث أيضاً ،والحق أحق أن يتبع ، والحكمة ضالة المؤمن . وتتلخص تلك النتيجة في أن تضعيف حفص بنسليمان القارئ في الحديث انبنى على وَهْمٍ وقع فيه بعض كبار علماء الحديث الأوائل،وانتشر عند مَن جاء بعدهم ، وأُضيف إليه ، حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش .
وسوف أعرض عناصر الموضوع الأساسية على نحو مختصر من خلال بحث الفقرات الآتية :
(1) ترجمة حفص بن سليمان القارئ .
(2) أشهر أقاويل المُجَرِّحِين .
(3) أقوال المُوَثِّقِين .
(4) مناقشة واستنتاج .
 
أولاً : ترجمة حفص بن سليمان القارئ


لعل من المفيد للقارئ الاطلاع على ترجمة ملخصة لحفص بن سليمان ، قبل عرض فقرات الموضوع المتعلقة بتوثيقه وتجريحه ، وسوف أقتصر على إيراد نصين لترجمته يمثلان وجهتي نظر متقابلتين لكل من علماء القراءة وعلماء الحديث ، الأول من كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري الذي حاول إبراز النقاط المضيئة في شخصية حفص ، والثاني من كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ، الذي جمع فيه من أقوال التجريح التي يمكن أن تُخْرِجَ حفصاً - لو صحت - من الدين! ..
قال ابن الجزري : " حفص بن سليمان بن المغيرة ،أبو عمر الأسدي الغاضري البزَّاز، ويعرف بحُفَيْص ، أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم ، وكان ربيبه ابن زوجته ، وُلِدَ سنة تسعين، قال الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة ، ونزل بغداد فأقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ أيضاً بها، وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان ،وقال أبو هشام الرفاعي : كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وقال الذهبي: أما القراءة فثقة ثَبْتٌ ضابط لها ، بخلاف حاله في الحديث ، قلت : يشير إلى أنه تُكُلِّمَ فيه من جهة الحديث، قال ابن المنادي: قرأ على عاصم مراراً، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم ... توفي سنة ثمانين ومئة على الصحيح،وقيل بين الثمانين والتسعين ... "(3).

وقال ابن الجوزي : " حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي القارئ البزَّاز ، وهو صاحب عاصم ،ويقال له الغاضري، وهو حفص بن أبي داود ، كوفي ، حدَّث عن سماك بن حرب ، وليث ،وعاصم بن بهدلة ، وعلقمة بن مرثد ، قال : يحيى : ضعيف ، وقال مرَّة : ليس بثقة ،وقال مرة : كذَّاب . وقال أحمد ومسلم والنسائي : متروك الحديث . وقال البخاري : تركوه ، وقال السعدي: قد فُرِغَ منه منذ دهر ، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذَّاب متروك يَضَعُ الحديث ، وقال ابن حبان : كان يَقْلِبُ الأسانيد ويرفعُ المراسيل ، وقال أبو زرعة والدارقطني : ضعيف "(4).

ثانياً : أشهر أقاويل المُجَرِّحين :
قال ابن كثير : " إنَّ أول مَن تصدَّى للكلام على الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطَّان، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وعمرو بن الفلاس، وغيرهم "(5).
ويكاد معظم الأقاويل في تجريح حفص القارئ يستند إلى ما قاله هؤلاء العلماء الأعلام الذين ذكرهم ابن كثير،وسوف أعرض ما نُقِلَ عن شعبة ويحيى بن معين خاصة ،لأن اللاحقين اعتمدوا على أقوالهما، أما الإمام أحمد فإنه وَثَّقَ حفصاً في ثلاث روايات وضَعَّفَهُ في أخرى ، وسوف أعرض أقواله عند الكلام على المُوَثِّقين
(1)شعبة بن الحجاج الواسطي، نزيل البصرة ( ت 160 ھ ) :
نقل محمد بن سعدالبصري نزيل بغداد، كاتب الواقدي، ( ت 230ھ) وأحمد بن حنبل البغدادي ( ت 241ھ ) عن يحيى بن سعيد القطان البصري ( ت 168 ھ ) رواية عن شعبة بن الحجاج تتعلق بحفص بن سليمان المِنْقَرِيِّ البصري ، لكنها نُسبت بعد ذلك إلى حفص بن سليمان الأسدي القارئ الكوفي الأصل ، راوية عاصم .
ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات مَننزل البصرة مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ومَن كان بها بعدهم من التابعين وأهل العلم والفقه ، وذكر في الطبقة الرابعة منهم:" حفص بن سليمان مولى لبني مِنْقَر ، ويكنى أبا الحسن، وكان أعلمهم بقول الحسن ، قال يحيى بن سعيد ، قال شعبة : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يَرُدَّهُ عليَّ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها "(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :" حدثني أبي، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : عطاء بن أبي ميمون مات بعد الطاعون ، وكان يرى القَدَرَ ، وحفص بن سليمان قبل الطاعون بقليل ، فأخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يَرُدَّهُ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(7).
ولا يخفى على القارئ أن حفص بن سليمان المذكور في قول شعبة هو المنقري، وليس حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم ، لكن بعض العلماء نقل هذا القول في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي بعد ذلك، وصاردليلاً على ضعفه في الحديث ، ولعل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو أقدم من وقع في هذا الوَهْمِ، في ما اطلعت عليه من المصادر، وذلك في كتاب الضعفاء الصغير ، حيث قال :"حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر ، عن علقمة بن مرثد ، تركوه ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، قال يحيى : أخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص كتاباً فلم يرده، قال وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(8).
واستقرت هذه الرواية في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي القارئ بعد ذلك ، ولم يتنبه المؤلفون إلى أنها رواية بصرية تخص أحد رواة الحديث من البصريين، كيف لا وقد اعتمدها شيخ المحدثين البخاري ، معتمداًعلى روايته عن الإمام أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة بن الحجاج،ولا يكاد يجد المتتبع للموضوع سبباً لتضعيف حفص القارئ غير هذه الرواية(9)، وصاركثير من المؤلفين في الجرح والتعديل يذكرون تضعيف حفص القارئ من غير ذكر العلة ،على نحو ما مر في النص المنقول عن ابن الجوزي ، باعتبار أن تضعيفه أمر ثابت قرَّره كبار علماء الجرح والتعديل ، ولم يدركوا أن ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح.
(2).يحيى بن معين ، أبو زكريا البغدادي ( ت233ھ) :
يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان الأسدي الكوفي معرفة شخصية، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن، واعتمد يحيى في الحكم على حفص القارئ على قول أيوب بن المتوكل البصري القارئ (ت200ھ) فيه ، فقد نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :" قال أبو زكريا ، يعني يحيى بن معين : زعم أيوب بن المتوكل قال : أبوعمر البزاز أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق من أبي عمر . قال أبو زكريا : وكان أيوب بن المتوكل بصرياً من القراء ، سمعته يقول ذلك"(10).
ونقل بعض المؤلفين في الجرح والتعديل قول أيوب بن المتوكل السابق الذي رواه عنه يحيى بن معين منسوباً إلى ابن معين نفسه مع تغيير فيه أدى إلى وصف حفص بأنه ليس ثقة ، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل عن الليث بن عبيد أنه قال :" سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة ، هو أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ، وأبوبكر أوثق منه"(11).
وجاء في كتاب تاريخ ابن معين من رواية عثمان بن سعيد الدارمي (ت280ھ) :" وسألته عن حفص بن سليمان الأسدي الكوفي : كيف حديثه ؟ فقال : ليس بثقة "(12) .
وجاء في بعض الروايات عن يحيى بن معين أنه قال : ليس بشيء(13) ،وصارت العبارة في رواية أخرى :"كان حفص كذَّاباً"، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل، عن الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال سمعت يحيى بن معين يقول : كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم ، وكان حفص أقرأ من أبي بكر ،وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذَّاباً"(14). وانتهى الأمر عند ابن الجوزي إلى القول :" قال يحيى : ضعيف ، وقال مرة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذاب "(15).
ويترجح لدي أن ذلك كله قراءة غير دقيقة لقول أيوب بن المتوكل في حفص القارئ ، سواء كانت تلك القراءة من يحيى بن معين نفسه أو من الرواة عنه ، وعَزَّزَ تلك القراءة غير الدقيقة لقول أيوب ما كان قد انتشر من القول بتضعيفه نتيجة لنسبةكلمة شعبة بن الحجاج في حفص المنقري إليه ، لكن ابن الجزري نقل قول ابن معين على نحو آخر ، قال :" وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان"(16).
والخلاصة هي :
أن علماء الجرح والتعديل نسبوا حفص بن سليمان القارئ إلى الضعف في الحديث ،مستندين إلى قول شعبة : إنه كان يستعير كتب الناس فينسخها ، ولا يردها . وإلى قول أيوب : أبو بكر أوثق من أبي عمر . وكلا الأمرين لا يصلح أن يكون علة لتضعيفه ، أماالأول فقد بان أنه وَهْمٌ ، وأما الثاني فإن قول أيوب يمكن أن يعني أن حفصاً ثقة لكن شعبة أوثق منه.
وسوف أعود لمناقشة ذلك بعد عرض أقوال الموثقين لحفص .

ثالثاً : أقوال المُوَثِّقين :
لا تخلو كتب التراجم وكتب الجرح والتعديل من أقوال في توثيق حفص بن سليمان القارئ ، لكنها قليلة، غطَّت عليها أقاويل المجرحين ، ولعل ما ذهب إليه العلماء من " أن تقديم الجرح على التعديل مُتَعَيِّنٌ"(17) قد حجب ما ورد من أقوال في توثيقه.
وما ورد من أقوال في توثيقه على قلتها تدل على أن حفصاً كان موضع ثقة من علماء عرفوه أو أخذوا عنه . ومن العلماء الذين وثقوه :
(1) وكيع بن الجراح ، الكوفي (ت 196ھ) :

نقلت مجموعة من كتب الجرح والتعديل عن أبي عمرو الداني الأندلسي (ت 444هـ) قوله في حفص القارئ:" مات قريباً من سنة تسعين ومئة ، قال : وقال وكيع : كان ثقـة "(18).
وللداني كتاب في طبقات القراء ، لعله ذكر قول وكيع فيه .
وقول وكيع هذا مهم جداً في توثيق حفص لسببين : الأول : كونه من الكوفة ، وأهل الكوفة أعرف بعلمائهم ،والثاني : كونه معاصراً لحفص ، وما رَاءٍ كمَنْ سَمِعَ !
(2) سعد بن محمد بن الحسن العوفي ، تلميذ حفص :
انتقل حفص بن سليمان الأسدي القارئ من الكوفة إلى بغداد ، ولعل ذلك حصل في منتصف القرن الثاني الهجري أو بعده بقليل ، وكان له من العمر قريباً من ستين سنة ، ونزل في الجانب الشرقي منها ، ونقل الخطيب البغدادي عن ابن مجاهد (ت 324هـ) قوله:"حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا حفص بن سليمان ، وكان ينزل سُوَيْقَةَ نصر، لو رأيته لَقَرَّتْ عَيْنُكَ به علماً وفهماً "(19).
وسعد بن محمد العوفي هذا أحد تلامذة حفص بن سليمان القارئ في بغداد ،وأخذ عنه قراءة
عاصم ، قال ابن مجاهد في كتابه السبعة :" حدثني محمد بن سعد العوفي، عن أبيه ، عن حفص، عن عاصم : أنه كان لا ينقص نحو ( هزواً ) و(كفواً)، ويقول : أكره أن تذهب مني عشر حسنات بحرف أدَعُهُ إذا هَمَزْتُهُ "(20) .
(3) الإمامأحمد بن حنبل (ت241ھ):
ذكر الخطيب البغدادي أربع روايات منقولة عن الإمامأحمد ، في ترجمة حفص بن سليمان الأسدي المقرئ ، ثلاث منها فيها توثيق ، ورواية فيها تضعيف ، والروايات المُوَثَّقَةُ له هي قوله:
أ- هو صالح (21).
ب- ماكان بحفص بن سليمان المقرئ بأس (22).
ج- عن حنبل، قال سألته ، يعني أباه، عن حفص بن سليمان المقرئ ، فقال هو صالح (23)،
وقوله : ( أباه ) يعني عمه أحمد بن حنبل .
أما الرواية التي ورد فيها تضعيف لحفص فقال فيها عنه وأبو عمر البزازمتروك الحديث (24).
ونقل ابن أبي حاتم رواية التضعيف على هذا النحو :" أنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، في ما كتب إليَّ ، قال سمعت أبي يقول : حفص بن سليمان ، يعني أبا عمر القارئ ، متروك الحديث"(25).
ويبدو لي أن عبارة ( يعني أبا عمر القارئ ) مما أضافه ابن أبي حاتم إلى الرواية ، حتى لا ينصرف الذهن إلى حفص آخر ، ولكن من المحتمل أن يكون ابن أبي حاتم قد وَهِمَ في إضافة هذه العبارة ، كماوَهِمَ في نسبة قول شعبة في استعارة حفص للكتب إلى حفص بن سليمان القارئ في الموضع نفسه(26)، فقد يكون المقصود بذلك حفص بن سليمان المنقري .
(4)عُبيد بن الصبَّاح الكوفي ثم البغدادي ، تلميذ حفص :
نقل الذهبي عن أحمد بن سهل الأشناني(ت307ھ )أنه قال :" قرأت على عبيد بن الصباح ، وكان من الورعين المتقين ، قال قرأت القرآن كله على حفص بن سليمان ، ليس بيني وبينه أحد"(27).
ويدل قول عبيد هذا على افتخاره بأخذه القراءة عن حفص مباشرة ، ولو كان حفص بالصورة التي تصورها كتب الجرح والتعديل من كونه متروك الحديث ، كذاباً ، لما كان لقوله معنى، لاسيما أن تلميذه أحمد بن سهل وصفه بأنه كان من الورعين المتقين .
(5) الفضل بن يحيى الأنباري ، تلميذ حفص :
ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنه أخذ رواية أبي عمر حفص بن سليمان، عن أبيه، وقال أبوه :" أقرأني عمي أحمد بن بشار بن الحسن الأنباري ، عن الفضل بن يحيى الأنباري ، عن أبي عمر، عن عاصم. قال أبي : قال ليعمي: كان الفضل قد أقام بمكة مجاوراً حتى أخذ القراءة عن أبي عمر"(28).
ونقل ابن الجزري عن الفضل أنه قال :" قرأت على حفص وكتب لي القراءة من أول القرآن إلى آخره بخطه"(29)، وفي قول الفضل هذا من الفخر والاعتزاز ما يدل على ثقته بشيخه أبي عمر حفص بن سليمان القارئ .
رابعاً : مناقشة واستنتاج :
إن ما تقدم من بيان لأقاويل المُجَرِّحِينَ لحفص بن سليمان الأسدي ،وأقوال المُعَدِّلِينَ له، يقتضي إعادة النظر في الموضوع كله ، في ضوء الحقائق التي تكشفت من خلال البحث ، وعلى النحو الآتي :
(1) إن تضعيف حفص بن سليمان القارئ في الحديث يحتاج إلى مراجعة ، بل قد يحتاج إلى تعديل وتصحيح ، وذلك بتغليب أقوال المعدِّلين له، لأن التعديل يُقبل من غير ذكر سببه ، على الصحيح المشهور ،ولا يُقبل الجرح إلا مُبَيَّن السبب(30).
وقد اتضح أن سبب تضعيف حفص بن سليمان القارئ الرئيس هو قول شعبة بن الحجاج ، وقد بان أن شعبة كان يعني حفص بن سليمان المنقري البصري ، ويؤكد ذلك أن ابن سعد نقل عن شعبة أن حفصاً المنقري كانت لديه كتب استفاد منها أخو زوجته أشعث بن عبد الملك في معرفة مسائل الحسن ، لأن حفصاً هذا كان أعلمهم بقول الحسن (31).
ولا يخفى أن تضعيف يحيى بن معين لحفص القارئ كان مبنياًعلى فهم غير دقيق لقول أيوب بن المتوكل ، على نحو ما بيَّنت من قبل . وبناء على ذلك ينبغي أن يعتمد قول الإمام أحمد بن حنبل في توثيق حفص القارئ ، ويحمل ما ورد من تضعيف على حفص آخر ، لأن وجود عدد من الأشخاص يحملون اسم حفص بن سليمان قد أوقع بعض العلماء في الخلط بينهم ، على نحو ما سنوضح بعد قليل .
أما أقوال علماءالجرح والتعديل الذين جاءوا بعد الجيل الأول من طبقة شعبة ويحيى بن معين والإمام أحمد والبخاري ، فإنهم كانوا ينقلون ما قاله هؤلاء الأعلام ، على ما فيه من أوهام وخلط ، وقد يتصرفون في العبارة بما يزيد من شدة النقد والتجريح لحفص بن سليمان القارئ ، وغَطَّتْ أقاويل التجريح أقوال التوثيق حتى نُسِيَتْ تقريباً ، على نحو مالاحظنا في النص الذي نقلناه عن ابن الجوزي من قبل .
(2) ذكرت كتب التراجم عدة أشخاص من رواة الحديث باسم حفص بن سليمان ، عاشوا في القرن الثاني ، ذكرالبخاري منهم في كتابه التاريخ الكبير أربعة ، هم :(32)
أ. حفص بن سليمان البصري المنقري ، عن الحسن .
ب. حفص بن سليمان الأزدي ، روى عنه خليد بن حسان .
ج. حفص بن سليمان ، سمع معاوية بن قرة عن حذيفة ، مرسل ...
د. حفص بنسليمان الأسدي أبو عمر القارئ ...
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لاسيما بين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي الكوفي،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري، وحمله على حفص الكوفي. ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان القارئ، وقال:" ماتحفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة "(33). وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومئة على الصحيح، وقيل بين الثمانين والتسعين، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349ھ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة، فذاك حفص المنقري بصري، من أقران أيوب السختياني، قديم الوفاة ، فكأنه تصحف عليهم ، والله أعلم "(34).
وقد يعثر المتتبع على أمثلة أخرى من الخلط بين هؤلاء ، فقد نقل الهيثمي حديثاً قال عنه :" رواه الطبراني في الكبير ، وفيه حفص بن سليمان المنقري ، وهو متروك ، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه ، والصحيح أنه ضعفه ، والله أعلم ، وذكره ابن حبان في الثقات "(35).
ويثير هذا النص أكثرمن إشكال ، منها أن الطبراني ذكر في الإسناد " حدثنا حفص بن سليمان،
عن قيس بن مسلم "(36)، والذي يروي عن قيس بن مسلم هو حفص بن سليمان القارئ، وقد تكون كلمة ( المقرئ ) تصحفت إلى (المنقري)، لكن الإشارة إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات يؤكد أن المقصود هو ( المنقري)(37)، ويكاد الهيثمي ينفرد بالنص على تضعيف حفص المنقري .
ولعل في ما قاله ابن حبان عن حفص بن سليمان المقرئ ما يشير إلى ذلك الخلط أيضاً ، ونصه " كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها سماع (كذا) "(38)، فلا شك في أن الذي يأخذ كتب الناس هو المنقري، أماالذي يرفع المراسيل فقد يكون حفص بن سليمان الأزدي، فقد وصفه ابن حبان بأنه:" يروي المراسيل "(39)، ولعل كلمة (يروي) تصحفت عن كلمة( يرفع) .
وكان أبو زرعة (عبيد الله بن عبد الكريم ت 264ھ ) قد تخوَّف من الخلط بينهما، فقال البرذعي :" وقال لي أبو زرعة : ليس هذا من حديث حفص، أخاف أن يكون أراد حفص بن سليمان المنقري"(40).
وإذا كان الأمر بهذه الصورة فإن تضعيف حفص بن سليمان القارئ به حاجة إلى المراجعة ، لأن كثيراً مما رُمِيَ به يرجع إلى البصريين المُسَمَّيْنَ باسمه ، لكن تتابع الأقوال في تجريحه قد حجب الأقوال التي توثقه ، لا بل إن الأمروصل إلى حد تغيير مفهوم قول أيوب بن المتوكل الذي أثبت فيه أن حفصاً أصح قراءة من أبي بكر شعبة ، فقال ابن أبي حاتم :" قلت ما حاله في الحروف ؟ قال : أبو بكر بن عياش أثبت منه "(41). ومما يؤكد عدم دقة هذا التعبير قول أبي هشام الرفاعي (ت248 ھ ):كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم"(42)، وقل ابن المنادي
(ت 336ھ ) :" وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم "(43) ، ولعل ابن المنادي يشير إلى قول أيوب بن المتوكل الذي نقلناه من قبل : " أبوعمر أصح قراءة من أبي بكر بن عياش " . .
(3) ذكر المزي في ( تهذيب الكمال ) سبعة وعشرين شيخاً روى عنهم الحديث حفص بن سليمان القارئ (44)، وقد تتبعتهم في(تقريب التهذيب) لابن حجر فوجدته يصف خمسة عشر منهم بـ
( ثقة )، وعشرة منهم بـ(صدوق ) ، وواحد بـ ( لا بأس به )، وواحد وصفه بمجهول ، وهو كثير بن زاذان، الذي سأل عثمان بن سعيد الدارمي يحيى بن معين عنه، فقال :" قلت يروي ( أي حفص القارئ ) عن كثير بن زاذان من هو ؟ قال : لا أعرفه"(45)، لكن ابن حجر ذكره في التهذيب وقال : كثير بن زاذان النخعي الكوفي ، وذكر جماعةً من الرواة الذين رووا عنه سوى حفص ،وذكر نقلاً عن الخطيب البغدادي أنه كان مؤذن النخع (46).
وذكر المزي خمسة وثلاثين راوياً أخذوا عن حفص بن سليمان القارئ، وقد تتبعت ما قاله فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، فوجدت أن معظمهم موصوف بأنه(ثقة ) أو (صدوق).
وإذا نظرنا إلى حال شيوخ حفص القارئ وحال معظم تلامذته من حيث وصفهم بالثقة والصدق فإن من المناسب أن يكون حفصٌ كما وصفه وكيع بأنه : ثقة ،أو كما وصفه الإمام أحمد بأنه : صالح ، وأن نَعُدَّ كل ما وُصِفَ به من ألفاظ التجريح من باب الوهم والخلط الذي كان سببه نسبة القول بأخذ كتب الناس ونسخها إليه، وعدم الدقة في فهم قول أيوب بن المتوكل : إن أبا بكر شعبة أوثق منه .
(4) لعل مما يُعَزِّزُ هذه النتيجة أن تُعْقَدَ دراسة لمرويات حفص بن سليمان القارئ من الأحاديث، ومروياتِ مَن يشاركه في الاسم ، ويُدْرَسَ حال رجالها ، وتُوَازَنَ بمرويات غيرهم من المحدثين، للتحقق مما ورد عند ابن حبان من أن حفصاً كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، أو نحو ذلك مما نسبه إليه بعض العلماء بعد أن صنفوه في الضعفاء والمتروكين، وأرجو أن أتمكن من القيام بمثل هذه الدراسة في المستقبل، أويقوم بها غيري ممن هو أكثر معرفة مني بعلم الحديث.
-------
 
المراجع:
(1) ينظر: الذهبي : سير أعلام النبلاء 5/560 ، وميزان الاعتدال 2/ 319.

(2) ينظر : كتابي : محاضرات في علوم القرآن ص 155 هامش 5 .
(3) غايةالنهاية 1/254 – 255 .
(4) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(5) الباعث الحثيث ص 137 .
(6) الطبقات الكبرى 7/256 .
(7) العلل ومعرفة الرجال 2/503 .
(8) كتاب الضعفاء الصغير ص 32 .
(9) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ،وابن أبي حاتم : الجرح والتعديل 1/140 و3/320 ، و المزي : تهذيب الكمال 7/15 ،والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 320 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(10) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345.
(11) الكامل في الضعفاء 2/380 .
(12) تاريخ ابن معين ص 97 ، وينظر : ابن حبان : كتاب المجروحين 1/255 ، وابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/380، والخطيبالبغدادي : تاريخ بغداد 8/ 186 ،والمزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيبالتهذيب 2/ 345 .
(13) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، والذهبي : ميزانالاعتدال 2/320 .
(14) الكامل 2/380 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/15، وابنحجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(15) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(16) غايةالنهاية 1/254 .
(17) ينظر : ابن الجوزي : كتاب الضعفاء والمتروكين 1/7 ،والسيوطي : تدريب الراوي 1/ 204 .
(18) ينظر : علم الدين السخاوي : جمال القراء 2/466 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 321 ، والهيثمي : مجمع الزوائد 10/163 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(19) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر :المزي : تهذيب الكمال 7/12، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(20) كتاب السبعة ص 159 ، وينظر : ابن الجزري : غاية النهاية 2/142 .
(21) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(22) تنظر : المصادر المذكورة في الهامش السابق .
(23) تاريخ بغداد 8/186 .
(24) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 .
(25) الجرح والتعديل 3/173 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(26) ينظر : الجرح والتعديل 3/173 .
(27) معرفة القراء الكبار 1/249 .
(28) إيضاح الوقف والابتداء 1/113 .
(29) غاية النهاية 2/11 .
(30) ينظر : السيوطي : تدريب الراوي 1/202 .
(31) ينظر : الطبقات الكبرى 7/276 .
(32) التاريخ الكبير 2/363 ، وينظر : ابن أبي حاتم : الجرح والتعديل 3/ 173-174 .
(33) الفهرست ص 31 .
(34) غاية النهاية 1/255 .
(35) مجمع الزوائد 1/328 .
(36) المعجم الكبير 12/209 .
(37) ابن حبان : الثقات 6/195 .
(38) كتاب المجروحين 1/255 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(39) الثقات 6/197 .
(40) سؤالات البرذعي ص 8 .
(41) الجرح والتعديل 3/174 .
(42) الذهبي : معرفة القراء 1/141 ، وابن الجزري : غاية النهاية 1/254 .
(43) المصدران السابقان .
(44) تهذيب الكمال 7/11- 12 .
(45) ينظر : ابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/ 380 ، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/168 .
(46) تهذيب التهذيب 8/369 .
(47) نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/186) أن عبد الرحمن بن يوسف بنخراش (ت 283ھ) قال : " حفص بن سليمان كذَّاب ، متروك ، يضع الحديث " . ولا يخفى على القارئ أن ابن خراش قد أتى بألفاظ في تجريح حفص لم يأت بها أحد من قبله ، وهي تطعن في عدالته وتنسبه إلى الكذب ووضع الحديث . وهذا أمر لا يوجد ما يشير إليه في أقوال المعاصرين لحفص أو يدل عليه . ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن ابن خراش هذاكان رافضياً يطعن على الشيخين ، فما بالك بمن هو دونهما ( ينظر : السيوطي : طبقات الحفاظ ص 297) .
وفي هذا المجال لا يفوتكم البحث القيم حول هذا الموضوع للأستاذ الدكتور يحيى بن عبد الله بن يحيى البكري الشهري.كلية المعلمين في أبها وهو من المتخصصين في الحديث الشريف ودراسة رجاله.. والمنشور في منتدى أهل التفسير..للإطلاع عليه كاملاً:اضغط هنا:حفص بن سليمان الأسدي راوي قراءة عاصم بين الجرح والتعديل.
 

دراسة العلامة


أبو عبد العزيز سعود الزمانان


نسف الشبهات عن عاصم وحفص إمامي القراءات


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
إن الرد على أهل البدع والضلال وكشف عوارهم وفضح خبث معتقدهم منهج شرعي وأصل من أصول هذا الدين بل ومن أسمى أنواع الجهاد في سبيل الله وإنه من الواجب والفرض اللازم على كل مسلم صادق آتاه الله يد باسطة في العلم وبيان الحق وردع الباطل أن يطلق صيحات النذير والتحذير منهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ومن الفرق التي عرفت بضلالها وتعديها على كتاب الله عز وجل والقول بوقوع التحريف فيه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية وذلك واضح بين يعرفه كل من له أدنى خبرة وإطلاع على مذهب القوم ولقد حاول علماؤهم على مر العصور إخفاء معتقدهم الخبيث وكتمانه وعدم الجهر به أمام عموم المسلمين خشية التصدي من علماء أهل السنة والجماعة الذين حباهم الله عز وجل بشرف الإسناد وخصهم بإعلاء كتابة الكريم وسنة نبيه الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا حملة بحق هم حملة هذا الدين وحماته الذين نقلوه إلينا بالإسناد المتواتر الوضاء جيلا بعد جيل حتى وصلوا به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبريل عليه السلام إلى رب العزة سبحانه وتعالى، فالشيعة الامامية الاثنا عشرية الذين يدعون كذبا وزورا إتباعهم لآل البيت لا يملكون سندا ولو ضعيفا لكتاب الله عز وجل بل هم في ذلك عيال على أهل السنة والجماعة .ونسمع في هذه الأيام بعض أذنابهم يتعالون بصيحات كاذبة متناقضة تارة بالطعن في قراء كتاب الله واللمز فيهم والغمز في عدالتهم ، خاصة في حفص بن سليمان الأزدي أحد رواة كتاب الله ، وتارة أخرى نسمع من بعضهم تعديله ونسبته إلى التشيع والرفض ، في محاولة يائسة لسرقة إسناد أهل السنة والجماعة يبتغون وراء ذلك نسبة السند الثابت إلى كتاب الله إلى الرافضة .
ومن هنا رأيت انه من أوجب الواجب علينا أن نتصدى لمثل هذه النعرات الكاذبة وتفنيد شبههم وإظهار خبث طويتهم .
ولنبدأ ببيان الشبهة الأولى :

الشبهة الأولى :


كيف يكون عاصم وحفص إمامين في القراءات وهما ضعيفان ؟
الرد :
أولا : لا يجوز حمل كلام المتكلم على عرف غيره ، فحينما ينقل المخالفون أمراً معيناً ضد مخالفيهم لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يحمل كلام مخالفيهم على عرفهم وأفهامهم ، ولا شك ولا ريب أن هذا العمل من الظلم والهوى والطغيان ، فحينما ينقل أهل السنة والجماعة تضعيف حفص أو عاصم فإن هذا الضعف في الحديث لا في الحروف والقراءات .
ثانياً : يجب فهم مصطلحات أئمة الحديث المتقدمين حسب استعمالهم لها عَن طريق الجمع والاستقراء والدراسة والموازنة ، فعاصم وحفص الضعف الذي قيل فيهما إنما هو في الحديث وليس في الحروف والقراءات .
قال ابن الجوزي عن عاصم :" وكان ثبتا في القراءة واهيا في الحديث لأنه كان لا يتقن الحديث ويتقن القرآن ويجوده وإلا فهو في نفسه صادق ".
وقال الذهبي:" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث ".
وقال الذهبي :" كان عاصم ثبتاً في القراءة ، صدوقاً في الحديث ، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة ، وقال أبو حاتم : محله الصدق، وقال الدارقطني : في حفظه شيء ، يعني : للحديث لا للحروف ".
أما عن حفص بن سليمان الأسدي فقد قال الحافظ ابن حجر :" متروك الحديث مع إمامته في القراءة ".
وقال الهيثمي :" وفيه حفص بن سليمان القارئ وثقه أحمد وضعفه الأئمة في الحديث " .
وقال المناوي وغيره :" حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث " .
ثالثا : بإجماع أهل العلم بأن حفصاً وعاصماً إمامان في القراءات ولا يوجد طعن واحد فيهما في الحروف والقراءات ، والجميع يقرون بإمامتهما في الإقراء وما تعرضوا لعدالتهما ، أو الطعن بقراءتهما .
رابعاً : هناك فرق بين التوثيق للحديث و التوثيق للقراءة
- قد يكون الإمام متقناً لفن من الفنون، ومُبَرِّزاً في علم من العلوم، لكونه أنفق فيه جل حياته، واعتنى بطلبه وتدريسه عناية فائقة ، بينما يكون مقصرا في فن آخر لعدم إعطائه تلك العناية، فيكون عمدة في فنه الذي ضبط معرفته وأتقنه ، وتنزل مرتبته فيما قصّر فيه ، بل قد يكون فيه غير معتمد
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن، وكم ترى من هو متقن للقراءات حافظا لآلاف الأبيات المتداولة كمتون الشاطبية والدرة والطيبة وغيرها لا يخرم منها حرفا، ويخبرك بأسانيد القرآن ومعرفة الأئمة منهم في القراءة ومعرفة كل حرف من العشرة بطرقه ثم إن ناقشته في الحديث فلعله لا يستطيع أن يروي لك حديثا صحيحا بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه.
- أما الضعف في رواية الحديث واختلاط الألفاظ والأسانيد، فكم ممن رأيناهم لا يغادرون حرفاً أو حركة من كتاب الله ويحفظ الطرق والتحريرات الدقيقة ويسرد المئات من الشواهد الشعرية ويحفظ آلاف الأبيات لمتون القراءات كم من هؤلاء لا يفرق بين حديث رسول الله الصحيح وبين الضعيف ولا يحفظ الأسانيد، بالرغم من كونهم أعمدة في أسانيد القرآن.
- فشروط رواية الحديث أن يكون راويه عدلاً ضابطاً .وحفص بن سليمان بالإجماع عدل لكنه ليس ضابطاً لذلك ترك حديثه ، و هناك الكثير من العلماء الأجلاء يكونون ضعافاً في الحديث بسبب قلة ضبطهم و لا يقدح ذلك في عدالتهم .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات سنة 130ھ ، ص 140) :" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث " .وكذلك أبو بكر بن عياش الأسدي إمام في القراءات أما الحديث فيأتي بغرائب ومناكير .( سير أعلام النبلاء 8/505) .وكذلك عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ 1/341) :" ولا ريب في ضعفه ، وكان إماماً حافظاً في حروف القراءات " .
وقال الذهبي في النقاش :" والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات " ( سير أعلام النبلاء 17/506) .وكذلك الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي :" كان رأساً في القراءات معمرا بعيد الصيت صاحب حديث ورحلة وإكثار وليس بالمتقن له ولا المجود بل هو حاطب ليل " ( سير أعلام النبلاء 18/13) .
قد يكون إماماً في التفسير ولكنه غير قوي في الحديث :
مثال الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/598) :" صاحب التفسير .... وليس بالمجود لحديثه " .
قد يكون ثبتاً في الحديث ضعيفاً في القراءات :
وكذلك الأعمش كان ثبتاً في الحديث ليناً في الحروف والقراءات . قال الذهبي 5/260: " - وكان الأعمش بخلافه- أي حفص - كان ثبتاً في الحديث ، ليناً في الحروف ، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع ، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر والله أعلم " .
قد يكون إماماً في المغازي غير مجود في الحديث :
مثال ابن إسحاق : قال الذهبي :" فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير ، وأما في الأحاديث فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فإنه يعد منكرا " وقال أيضا :" قد كان في المغازي علامة " ( سير أعلام النبلاء 7/37).وكذلك سلمة بن الفضل الرازي قال عنه الذهبي :" كان قوياً في المغازي ... وقد سمع منه ابن المديني وتركه " ( سير أعلام النبلاء 9/50) وقال البخاري :" عنده مناكير " وقال النسائي :" ضعيف " .
وكذلك الواقدي قال عنه الذهبي :" لا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم ".وقال النسائي :" ليس بثقة " وقال مسلم وغيره :" متروك الحديث ".
قد يكون إماماً في الفقه ضعيفاً في الحديث :
ألإمام أبو حنيفة : إليه المنتهى في الفقه والناس عليه عيال في الفقه ، قال الذهبي :" الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام ، وهذا أمر لا شك فيه " ( السير 6/403) وضعفه من جهة حفظه في الحديث النسائي وابن عدي والخطيب .
قال النسائي :" ليس بالقوي في الحديث " ( الضعفاء والمتروكون 237 ) .
إمام الحرمين الشافعي الجويني : يقول الذهبي :" كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع والأصول وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به ، لا متناً ولا إسناداً " ( سير أعلام النبلاء 18/471) .
محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي (ت586ھ) : قال الذهبي :" وكان كبير الشأن ، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا، وقُدم للشورى من سنة إحدى وعشرين ، وعظم جاهه ، ونال دنيا عريضة ، ولم يكن يدري فن الحديث ... وكان فقيه عصره " ( سير أعلام النبلاء 21/178).
وكذلك الخصيب بن جحدر البصري : قال الذهبي :" وكان من الفقهاء لكنه متروك الحديث "
( تاريخ الإسلام وفيات سنة 150ھ ص 125 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في الفقه :
سعيد بن عثمان التجيبي : قال الذهبي :" وكان ورعاً زاهداً حافظاً ، بصيراً بعلل الحديث ورجاله ، لا علم له بالفقه " ( تاريخ الإسلام وفيات سنة 301 -310 ھ ص 159 ) .
قد يكون إماماً في اللغة ضعيفا في الحديث :
عمر بن حسن ابن دحية ( ت 633ھ ) : قال الذهبي :" كان الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة ، وفي الحديث على ضعف فيه " ( سير أعلام النبلاء 22/391 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في اللغة :
إبراهيم بن يزيد النخعي : قال الذهبي :" لا يحكم العربية ، وربما لحن .. " ( ميزان الاعتدال 1/75) .

الشبهه الثانية


عاصم وحفص شيعيان وهما من أسانيد الشيعة الإمامية .
الرد :
أولاً : القول بأن سند قراءة عاصم كلهم كوفيون شيعة هذا من الهذيان و ليس كلاما موثقاً .
ثانياً : إذا كان سند قراءة عاصم وحفص من الشيعة و على عقيدة الرفض كما يزعمون ، فهم مطالبون بأمرين أولهما : النقل من كتب الجرح والتعديل وتراجم الرجال الخاصة بأهل السنة والجماعة بأن عاصماً أو حفصاً كانا من الرافضة . ثانيهما : فإن لم يستطيعوا إثبات ذلك من كتبنا فهم مطالبون أن يثبتوا ذلك من كتبهم وأن يبينوا لنا توثيقهم من كتب الرجال الامامية ، كرجال الكشي أو رجال الطوسي أو غيرها من كتب الرجال عندهم لنرى إن كانوا يعدونهم من رجالهم أم لا .
ثالثاً : حفص بن سليمان لم يترجم له الكشي ولا النجاشي ولا ابن داود الحلي ولا الخاقاني ولا البرقي في " رجالهم " ( هذه من أوثق الكتب المعتمدة في الرجال للرافضة ).
- غاية ما في الأمر أن ذكر الطوسي حفص بن سليمان في رجاله (181) في أصحاب الصادق ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره القهبائي في " مجمع الرجال " (2/211) والحائري في " منتهى المقال " (3/92) وجميعهم ينقلون عن الطوسي ولم يذكروا فيه جرحاً أو تعديلاً ولم يذكروا أنه كان من الإمامية .
- وقد ترجم لحفص أحد علمائهم في الجرح والتعديل وهو آية الله التستري في كتابه " قاموس الرجال " ( 3/582) :" ولم يشر فيه إلى تشيع – أي حفص – " ، ... ثم قال : " وقد قلنا إن عنوان رجال الشيخ أعم - أي رجال الطوسي - "
قلت : أي نفى التستري أن يكون حفص رافضياً من الشيعة الإمامية، وليس كل من ذكره الطوسي في رجاله يكون رافضيا ، بل هو أعم فقد ذكر حتى النواصب في رجاله .
رابعاً : هل قول الرافضة أن فلاناً من أصحاب الصادق توثيق للرجل أم دليل على إماميته ؟
- قال آية الله التستري أن هذا لا يعتبر توثيقاً للرجل ، ولا حتى كونه من الشيعة الإمامية .
( قاموس الرجال 1/29-34 وكذلك 1/180) .
- فقد عدّ شيخ الطائفة " أحمد بن الخصيب " في أصحاب الهادي مع أنه ناصبي
( قاموس الرجال للتستري 1/180) .
- فقد ذكروا جملة من الرواة من أصحاب الأئمة ومع ذلك جهلوهم أو ضعفوهم .
- شيخ الطائفة وضع عبيد الله بن زياد في أصحاب علي بن أبي طالب
( قاموس الرجال 1/29 ) .
- هناك فرق بين الرافضي والشيعي ، والشيعي عند المتقدمين هو من فضل علياً على عثمان بن عفان رضي الله عنهما، والتشيع في ذاته ليس قادحا إنما يكون كذلك إذا صاحبه سب للشيخين أو ارتبط بالغلو في آل البيت وصرف العبادات لغير الله .
- ثم ليس كل من صاحب عليا فهو رافضي ، فعلي كان معه كثير من الصحابة و التابعين و العلماء الأفاضل و القول بأن كل من تعلم من علي أو آل البيت أو اتصل بهم هو شيعي هو قول بالباطل .
خامساً : فإن لم يستطيعوا أن يثبتوا هذا ولا ذاك فهو ادعاء و الإدعاء سهل لكل إنسان وكما قيل والدعاوى إن لم يقيموا عليها البينات فأبناؤها أدعياء.
سادساً : محاولة " اختطاف " و " سطو " أسانيد السنة للقرآن ونسبتها لهم محاولة فاشلة من الرافضة تدعو إلى رثاء حالهم و تدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الرافضة ليسوا أهل قرآن، وليسوا أهل إسناد ، فلا يملكون سنداً واحداً للثقل الأكبر و أنهم عالة على أهل السنة والجماعة في ذلك وعالة على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سابعاً : أين أسانيد الرافضة للثقل الأكبر ( القرآن الكريم ) إلى آل البيت المتصلة في الأئمة الاثني عشر ؟هل مراجعكم عندهم أسانيد متصلة إلى آل البيت .انتم تقولون أن التلقي لا يكون إلا من آل البيت أين أسانيدكم إلى الحسن أين أسانيدكم إلى الحسين و بقية الأئمة متسلسلة في قراء من الامامية الاثني عشرية ؟ .
- هل يوجد سند عند الشيعة متصل بالقرآن إلى اليوم ينقلونه عن العترة إلى علمائهم ، هل يملكون سنداً متصلاً بقراء ثقات أو حتى غير ثقاتأ و حتى غير ثقاتأ يتصل سنده برسول الله من طريق آل البيت .

الشبهة الثالثة : اتهام حفص بالكذب


الرد :
* اتهمه ابن خراش بالكذب والرد عليه كما يلي :
- أولا ً : ابن خراش اتهم حفصاً بالكذب فقال " كذاب متروك يضع الحديث ".
- ابن خراش هذا هو عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ، وهو رافضي ، قال أبو زرعة : " محمد بن يوسف الحافظ كان خرج مثالب الشيخين وكان رافضياً " وقال الذهبي :" هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه .... وبعد هذا فما انتفع بعلمه " .
- اتهامه بالكذب من قبل ابن خراش الرافضي لا يعتد به ولا بجرحه ، كما قال الذهبي رحمه الله :" إن ضعف الراوي ولم يكن الطاعن من أهل النقد ، وقليل الخبرة بحديث من تكلم فيه ، فلا يعتد به ولا يعتبر ولا يعتد بجرحه مثال ذلك : أبان بن يزيد العطار أبي يزيد البصري الحافظ ، فقد روى الكديمي تضعيفه ، والكديمي واهِ ليس بمعتمد ". ( ميزان الاعتدال 1/16) "
* ونقل ابن عدي تكذيب ابن معين له فقال : أنا الساجي ثنا أحمد بن محمد البغدادي قال سمعت يحيى بن معين يقول :" كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم وكان حفص أقرأ من أبي بكر وكان أبو بكر صدوقا وكان حفص كذابا ".
أولاً : يجب دراسة حال الراوي عن ابن معين وهو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي ، فهل هذا الراوي ثقة أم غير ثقة ، ثم هل تلاميذ ابن معين وافقوه في هذا النقل أم خالفوه ، وهل تلاميذ ابن معين متساوية مراتبهم في الوثاقة أم أن بعضهم أقوى من بعض .
ثانياً : الرواية منكرة ، فالراوي عن ابن معين هو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي وهو مجهول ، فلم يذكر في كتب الجرح والتعديل ولم يذكروا فيه لا جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال والسند ضعيف لا يثبت.
ثالثاً : بالرغم من أن السند لا يثبت فقد خالف الثقات الأثبات من تلاميذ ابن معين ، فقد روى عثمان بن سعيد الدارمي وأبو قدامة السرخسي كلاهما عن ابن معين أنه قال في شأن حفص بن سليمان :" ليس بثقة ".
- الدارمي هو : عثمان بن سعيد قال عنه الذهبي :" الإمام العلامة الحافظ الناقد .... وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد وفاق أهل زمانه وكان لهجاً بالسنة بصيراً بالمناظرة " وأبو قدامة هو عبيد الله بن سعيد السرخسي قال أبو حاتم :" كان من الثقات " وقال أبو داود :" ثقة " وقال النسائي :" ثقة مأمون قل من كتبنا عنه مثله "وقال الحافظ في التقريب :" ثقة مأمون سني " بينما ابن محرز لم يذكر له أي توثيق أو حتى جرح في كتب الجرح والتعديل فهو مجهول الحال .
رابعاً : لم يوافق أحد ممن روى عن ابن معين أو في سؤالاتهم له بما تفرد به ابن محرز بتكذيب حفص ، كالدوري الحافظ الإمام الثقة الذي أكثر من ملازمة ابن معين وطول صحبته له حتى قال ابن معين عن الدوري :" صديقنا وصاحبنا " وقال عنه الحافظ في التقريب :" ثقة حافظ " . بل لم يوافقه الآخرون ممن رووا عن ابن معين وكابن الجنيد والدقاق وغيرهم .
خامساً : من المعلوم في حال وجود اختلاف على الراوي ؛ فإنه يتعين التحقق من الرواية الراجحة، و الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح ، ومن القرائن والقواعد العلمية للموازنة بين الروايات هي الترجيح بالحفظ والإتقان والضبط فنجد أن من رووا عن ابن معين تضعيف حفص دون ذكر التكذيب هم الأحفظ والأتقن والأضبط والأكثر ملازمة لشيخهم من ابن محرز فترجح روايتهم .
سادسا : من القرائن المرجحة والقواعد العلمية للترجيح بين الروايات هي الترجيح بالعدد والأكثر، ونجد أن من نقل تكذيب ابن معين لحفص هو ابن محرز ( المجهول ) بينما الذين لم يذكروا التكذيب أكثر .
سابعاً : كل من ترجم لحفص من أئمة الجرح والتعديل تطرقوا إلى ضعفه في الحديث وإمامته في القرآن ولم يشر أحد منهم إلى اتهامه بالكذب ومثل هذا لو ثبت لطارت به الركبان .
ثامناً : باستقراء جميع أقوال أهل العلم وسبرها وتتبعها فإنهم وصفوا حفصاً بأنه متروك أو ضعيف الحديث ولم يثبت اتهامه بالكذب ممن يعتد قوله في هذا الباب .
تاسعاً : أهل الحديث يتشددون في موضوع الكذب فكيف يقبلون قراءة الكذاب لكتاب الله ، فمن غير المقبول شرعاً ولا عقلاً عدم قبول رواية الكذاب ومن اتهم بالكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينما تقبل روايته في كتاب الله ، فأهل العلم قد ردوا رواية من جرى على لسانه الكذب في حديث الناس حتى لو لم يتعمد الكذب في حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاحتمال أن يكذب في حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماية وصيانة لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فلا يتصور أن تقبل قراءته وروايته لكتاب الله .
عاشراً : من اتهمه بالكذب فقد أخطأ خطأ بينا وقوله مردود عليه ولا كرامة له كائنا من كان، بل ولو شاهد واقع الأمة اليوم لاستحى من نفسه أن يتسرع في تلك الأوصاف التي رمى بها حفصا رضي الله عنه.
أحد عشر : من باب التنزل مع الخصم فلو افترضنا صحة النقل عن ابن معين لتكذيبه لحفص فالكذب في اللغة قد يطلق على الخطأ قال ابن حبان – رحمه الله - :" وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً " وقال ابن حجر في ترجمة برد مولى سعيد بن المسيب :" قال ابن حبان في الثقات :" كان من الثقات كان يخطئ ، وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً ، قلت : - أي ابن حجر - : يعني قول مولاه : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس – رضي الله عنهما " .
نتائج البحث والخلاصة :
- بإجماع أهل العلم أن عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان إمامان ثبتان في القراءة .
- الضعف الذي نسب لحفص وعاصم في الحديث لا في القراءات .
- هناك فرق بين التوثيق للحديث والتوثيق للقراءات ، وقد يكون أحد العلماء متقنا لفن من الفنون مقصراً في فن آخر .
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن فكم من هو متقن للقراءات حافظاً لأسانيد القرآن ومعرفة كل حرف من القراءات العشر وقد لا يكون حافظاً لحديث صحيح بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه .
- عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان من أئمة أهل السنة والجماعة ولا يستطيع الرافضة أن يثبتوا أنهما من الرافضة لا من كتب أهل السنة والجماعة ولا من كتب الرافضة .
- محاولة الرافضة نسبة الإمامين عاصم وحفص لهما إنما هي محاولة فاشلة لسرقة أسانيد أهل السنة والجماعة ونسبتها إليهم .
- لا يمتلك الرافضة إسناداً واحداً حتى لو كان ضعيفاً يتصل برسول الله في جميع كتبهم .
- اتهام حفص بالكذب لا يصح فقد رماه بالكذب ابن خراش الرافضي ولا يعتد به ولا بجرحه.
- الرواية عن ابن معين في اتهام عاصم بالكذب رواية ضعيفة منكرة لأن الراوي عن ابن معين مجهول .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
الكويت في 5 ذي القعدة 1425 ھ 17/12/2004 .
http://www.almanhaj.com/viewarticle.php?ID252&hl= ftn8
هذا نموذج من نماذج ملاحدة العصر الحديث..
 
الفصل الرابع

قضية الإعجاز البياني


تمهيد

قضية الإعجاز البياني بدأت تفرض وجودها على العرب من أول المبعث ، فمنذ تلا المصطفى عليه الصلاة و السلام في قومه ما تلقى من كلمات ربه ، أدركت قريش ما لهذا البيان القرآني من إعجاز لا يملك أي عربي يجد حسَّ لغته و ذوقها الأصيل ، سليقة و طبعاً ، إلا أن يسلم بأنه ليس من قول البشر.
من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش، على أن يحولوا بين العرب و بين سماع هذا القرآن. فكان إذا أهل الموسم و آن وفود العرب للحج ، ترصدوا لها عند مداخل مكة ، و أخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء و أبيه و أخيه ، و بين المرء و زوجه وولده و عشيرته .
و ربما وصلت آيات منه إلى سمع أشدهم عداوة للإسلام، فألقى سلاحه مصدقاً و مبايعاً، عن يقين بأن هذه الكلمات ليست من قول البشر.
حدثوا أن " عمر بن الخطاب " خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و رهطاً من أصحابه ، في بيت عند" الصفا " سمع أنهم مجتمعون فيه ، فلقيه في الطريق من سأله :
ـ أين تريد يا عمر ؟
أجاب: أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش و سفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها، فأقتله.
قال له صاحبه :
ـ غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت محمداً ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟.
سأله عمر ، وقد رابه ما سمع :
ـ أي أهل بيتي تعني؟.
فأخبره أن صهره و ابن عمه " سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " قد أسلم .
و كذلك أسلمت زوجته ، أخت عمر " فاطمة بنت الخطاب".
فأخذ " عمر " طريقه إلي بيت صهره مستثار الغضب، يريد أن يقتله و يقتل زوجته فاطمة. فما كاد يدنو من الباب حتى سمع تلاوة خافتة لآيات من سورة طه ، فدخل يلح طلب الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله ....
و انطلق من فوره إلي البيت الذي اجتمع فيه المصطفى بأصحابه، فبايعه، وأعز الله الإسلام بعمر، وقد كان من أشد قريش عداوة للإسلام و حرباً للرسول. [سيرة بن هشام ] .
و في حديث بيعة العقبة ، أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب صاحبه " مصعب بن عمير " ليذهب مع أصحاب العقبة إلى يثرب ، ليقرئهم القرآن و يعلمهم الإسلام . فنزل هناك على " أسعد بن زراة " الأنصاري الخزرجي .
فحدث أن خرجا يوماً إلى حي بني عبد الأشهل رجاء في أن يسلم بعض القوم، فما سمع كبير الحي " سعد بن معاذ ، و أسيد بن حضير" بقدم مصعب و أسعد ،حتى ضاقا بهما و أنكرا موضعهما من الحي ، قال سعد بن معاذ لصاحبه أسيد بن حضير : " لا أبا لك ! انطلق إلى هذين الرجلين فأزجرهما و انههما عن أن يأتيا دارينا . فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منى حيث علمت ، كفيتك ذلك : هو ابن خالتي و لا أجد عليه مقدماً" .
و التقط أسيد بن حضير حربته ومضى إلى صاحبي رسول الله فزجرهما متواعداً :
ـ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بنفسيكما حاجة.
قال له مصعب بن عمير :
ـ أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، و إن كرهته كُفَّ عنك ما تكره ؟.
فركَّز أسيد حربته و اتكأ عليها يصغي إلى ما يتلو مصعب من القرآن . ثم أعلن إسلامه من فوره ، وعاد إلى قومه فعرفوا أنه جاء بغير الوجه الذي ذهب به . و ما زال أسيد بسعد بن معاذ حتى صحبه إلى ابن خالته أسعد بن زرارة ، فبادره سعد سائلاً في غضب و إنكار :
" يا أبا أمامه، لولا ما بيني و بينك من القرابة ما رمت هذا مني.
أتغشانا في دارنا بما نكره؟ ". .
ولم يجب أبو أمامه، بل أشار إلى صاحبه " مصعب " الذي استهل سعد بن معاذ حتى يسمع منه، ثم تلا آيات من معجزة المصطفى، نفذت إلى قلب ابن معاذ فمزقت عنه حجب الغفلة وغشاوة الضلال. و أعلن إسلامه و عاد إلى قومه فسألهم : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ .
فأجابوا جميعاً : سيدنا ، وأفضلنا رأياً ، و أيمننا نقيبة .
فعرض عليم الإسلام " فو الله ما أمسى في حي بني عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا مسلماً ومسلمة "[سيرة بن هشام ].
هل فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا بمعجزة المصطفى بمجرد سماعهم آيات منها ، دون غيرهم ممن لجوا في العناد والتكذيب ؟
إن القرآن الكريم لم يفرض إعجازه البياني من أول المبعث ، على هؤلاء الذين سبقوا إلى الإيمان به فحسب، بل فرضه كذلك على من ظلوا على سفههم و شركهم، عناداً وتمسكاً بدين الآباء و نضالاً عن أوضاع دينية و اقتصادية و اجتماعية لم يكونوا يريدون لها أن تتغير .
وفي الخبر أن من طواغيت قريش وصناديد الوثنية العتاة من كانوا يتسللون في أوائل عصر المبعث خفية عن قومهم، ليسعوا آيات هذا القرآن دون أن يملكوا إرادتهم.
روى " ابن إسحاق " في السيرة أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل ابن هشام المخزومي ، والأخنس بن شريق الزهري ، خرجوا ذات ليلة متفرقين على غير موعد ، إلى حيث يستمعون من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى ويتلو القرآن في بيته . فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، ولا أحد منهم يعلم بمكان صاحبيه . فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض:
" لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً " ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبيه.
فباتوا يستمعون للمصطفى حتى طلع الفجر فتفرقوا و جمعهم الطريق فتلاوموا، وانصرفوا على ألا يعودوا.
لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة الثالثة وباتوا يستمعون إلى القرآن[سيرة بن هشام ].




الفصل الخامس

إعجاز النظم في القرآن الكريم


لإعجاز النظم عدة مظاهر تتجلى فيها


المطلب الأول
المظهر الأول: الخصائص المتعلقة بالأسلوب
و إليك هذه الخصائص وهي على فروع :

الفرع الأول


الخاصة الأولى

إن هذا الأسلوب يجري عن نسق بديع خارج عن المعروف من نظام جميع كلام العرب،
و يقوم في طرقته التعبيرية على أساس مباين للمألوف من طرائقهم . بيان ذلك أن جميع الفنون التعبيرية عند العرب لا تعدو أن تكون نظما أو نثرا ، وللنظم أعاريض ، وأوزان محددة معروفة ، و للنثر طرائق من السجع ، و الإرسال و غيريهما مبينة و معروفة . و القرآن ليس على أعاريض الشعر في رجزه و لا في قصيده ، وليس على سنن النثر المعروف في إرساله و لا في تسجيعه ، إذ هو لا يلتزم الموازين المعهودة في هذا و لا ذاك ، و لكنك مع ذلك تقرأ بضع آيات منه فتشعر بتوقيع موزون ينبعث من تتابع آياته ، بل يسري في صياغته ، و تألف كلماته ، و تجد في تركيب حروفه تنسيقا عجيباً يؤلف اجتماعها إلى بعضها لحنا مطرباً يفرض نفسه على صوت القارئ العربي كيفما قرأ ، طالما كانت قراءته صحيحة . و مهما طفت بنظرك في جوانب كتاب الله تعالى و مختلف سوره وجدته مطبوعاً على هذا النسق العجيب فمن أجل ذلك تحير العرب في أمره ، إذ عرضوه على موازين الشعر فوجدوه غير خاضع لأحكامه ، و قارنوه بفنون النثر فوجدوا غير لاحق بالمعهود من طرائفه فكان أن انتهى الكافرون منهم إلى أنه السحر ، واستيقن المنصفون منهم بأنه تنزيل من رب العالمين . وإليك أيها القارئ الكريم بعض الأمثلة التي توضح هذه الحقيقة ، وتجلبها ، قال تعالى :
(حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)سورة فصلت : 1ـ 6.
و هذه الآيات بتأليفها العجيب ، و نظمها البديع حينما سمعها عتبة بن أبي ربيعة و كان من أساطين البيان استولت على أحاسيسه ، و مشاعره ، وطارت بلبه ، ووقف في ذهول ، و حيرة ، ثم عبر عن حيرته و ذهوله بقوله : " و الله لقد سمعت من محمد قولاً ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر و لا بالسحر و لا بالكهانة ...و الله ليكونن لقوله الذي سمعته نبأ عظيم".
و إليك سورة من سوره القصار تتجلى فيها هذه الحقيقة أمام العيان من ينكرها فكأنما ينكر الشمس في وضح النهار.
بسم الله الرحمن الرحيم : (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15))سورة الشمس.
تأمل هذه الآيات ، و كلماتها ، و كيف صيغت هذه الصياغة العجيبة ؟ و كيف تألفت كلماتها و تعانقت جملها ؟ و تأمل هذا النغم الموسيقي العذب الذي ينبع من هذا التالف البديع ، إنه إذا لامس أوتاد القلوب : اهتزت له العواطف و تحركت له المشاعر ، و أسال الدموع من العيون و خرت لعظمته جباه أساطين البيان ، أشهد أنه النظم الإلهي الذي لا يقدر على مثله مخلوق .
و هذه الحقيقة توجد في سائر كتاب الله لا تتخلف في سورة من سوره و لا في آياته، و من أجل ذلك عجز أساطين البيان عن الإتيان بأقصر من مثله.
و في هذا يقول الرافعي رحمه الله : " و ذلك أمر متحقق بعد في القرآن الكريم : يقرأ الإنسان طائفة من آياته ، فلا يلبث أن يعرف لها صفة من الحس ترافد ما بعدها و تمده ، و فلا تزال هذه الصفة في لسانه ، و لو استوعب القرآن كله ،حتى لا يرى آية قد أدخلت الضيم على أختها ، أو نكرت منها ، أو أبرزتها عن ظل هي فيه ، أو دفعنها عن ماء هي إليه : و لا يرى ذلك إلا سواء و غاية في الروح و النظم و الصفة الحسية ، و لا يغتمض في هذا إلا كاذب على دخله و نية ، و لا يهجن منه إلا أحمق على جهل و غرارة ، و لا يمتري فيه إلا عامي أو أعجمي و كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون "( إعجاز القرآن للرافعي : ص 275).

الفرع الثاني


الخاصة الثانية

هي أن التعبير القرآني يظل جارياً على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ ، و عمق المعنى و دقة الصياغة و روعة التعبير ، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع و القصص و المواعظ و الحجاج والوعود والوعيد و تلك حقيقة شاقة ، بل لقد ظلت مستحيلة على الزمن لدى فحول علماء العربية و البيان . وبيان ذلك أن المعنى الذي يراد عرضه، كلما أكثر عموما و أغنى أمثلة و خصائص كان التعبير عنه أيسر ، و كانت الألفاظ أليه أسرع، وكلما ضاق المعنى و تحدد، و دق و تعمق كان التعبير عنه أشق، و كانت الألفاظ من حوله أقل.
ولذا كان أكثر الميادين الفكرية التي يتسابق فيها أرباب الفصاحة و البيان هي ميادين الفخر و الحماسة و الموعظة و المدح و الهجاء ، و كانت أقل هذه الميادين اهتماماً منهم ، و حركة بهم ميادين الفلسفة و التشريع و مختلف العلوم ، وذلك هو السر في أنه قلما تجد الشعر يقتحم شيئاً من هذه الميادين الخالية الأخرى .
ومهما رأيت بليغاً كامل البلاغة و البيان ، فإنه لا يمكن أن يتصرف بين مختلف الموضوعات والمعاني على مستوى واحد من البيان الرفيع الذي يملكه ، بل يختلف كلامه حسب اختلاف الموضوعات التي يطرقها ، فربما جاء بالغاية ووقف دونها ، غير أنك لا تجد هذا التفاوت في كتاب الله تعالى ، فأنت تقرأ آيات منه في الوصف ، ثم تنتقل إلى آيات أخرى في القصة ، و تقرأ بعد ذلك مقطعاً في التشريع و أحكام الحلال و الحرام ، فلا تجد الصياغة خلال ذلك إلا في أوج رفيع عجيب من الإشراق و البيان .
و تنظر فتجد المعاني كلها لاحقة بها شامخة إليها.
ودونك فأقرأ ما شئت من هذا الكتاب المبين متنقلا بين مختلف معانيه ،و موضوعاته لتتأكد من صدق ما أقول ، ولتلمس برهانه عن تجربة و نظر(عن من كتاب روائع القرآن :للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .).
و يقول في معرض حديثة عن " روح التركيب " في أسلوب القرآن : لا ترى غير صورة واحدة من الكمال ، و إن اختلفت أجزاؤها في جهات التركيب و موضع التأليف و ألوان التصوير و أغراض الكلام " (إعجاز القرآن ص274 و كتاب تاريخ الأدب العربي للرافعي 241] .).
و يقول في معرض حديثه عن " روح التركيب " في أسلوب القرآن :
"وهذه الروح لم تعرف قط في كلا عربي غير القرآن ، و بها انفرد نظمه ، و خرج مما يطيقه الناس ، و لولاها لم يكن بحيث هو ، كأنما وضع جملة واحدة ليس بين أجزائها تفاوت أو تباين ، إذ نراه ينظر في التركيب إلى نظم الكلمة ، و تأليفها ، ثم إلى تأليف هذا النظم ، فمن هنا تعلق بعضه على بعض ، و خرج في معنى تلك الروح صفة واحدة هي صفة إعجازه في جملة التركيب ، و أن العبارات على جملة ما حصل به من جهات الخطاب : كالقصص و المواعظ و الحكم و التعليم ، ضرب الأمثال إلى نحوها مما يقدر عليه .
ولولا تلك الروح لخرج أجزاء متفاوتة على مقدار ما بين هذه المعاني ، و موقعها في النفوس ، و على مقدار ما بين الألفاظ و الأساليب التي تؤديها حقيقة و مجازا ، كما تعرف من كلام البلغاء ، عند تباين الوجوه التي يتصرف فيها ، على أنهم قد رفهوا عن أنفسهم و كفوها أكبر المؤنة فلا يألون أن يتوخوا بكلامهم إلى أغراض و معان يعذب فيها الكلام و يتسق القول و تحسن الصنعة مما يكون أكبر حسنة في مادته اللغوية ، و ذلك شائع مستفيض في مأثور الكلام إلي غيره ، و أفضوا بالكلام إلى المعنى ما يشبه في اثنين متقابلين من الناس .
وعلى أننا لم نعرف بليغاً من البلغاء تعاطى الكلام في باب الشرع و تقرير النظر ، و تبيين الأحكام و نصب الأدلة و أقام الأصول و الاحتجاج لها و الرد على خلافها إلا جاء بكلام نازل عن طبقة كلامه في غير هذه الأبواب ، و أنت قد تصيب له في غيرها اللفظ الحر و الأسلوب الرائع و الصنعة المحكمة و البيان العجيب ، والمعرض الحسن فإذا صرت إلى ضروب من تلك المعاني ، وقعت ثمة على شيء كثير من اللفظ المستكره ، والمعنى المستغلق ، و السياق المضطرب و الأسلوب المتهافت و العبارة المبتذلة ، و على النشاط متخاذلا ، و العرى محلولة ، والوثيقة واهنة " (كتاب إعجاز القرآن للرافعي.).


الفرع الثالث


الخاصة الثالثة

أن معانيه مصاغة بحيث يصلح أن يخاطب بها الناس كلهم على اختلاف مداركهم و ثقافتهم و على تباعد أزمنتهم و بلدانهم، و مع تطور علومهم و اكتشافاتهم.
خذ آية من كتاب الله مما يتعلق بمعنى تتفاوت في مدى فهمه العقول ، ثم اقرأها على مسامع خليط من الناس يتفاوتون في المدارك ، والثقافة ، فستجد أن الآية تعطي كلا منهم معناها بقدر ما يفهم ، و أن كلا منهم يستفيد منها معنى وراء الذي انتهي عنده علمه .
وفي القرآن الكثير من هذا و ذاك فلنعرض أمثلة منه :
من القبيل الأول قوله تعالى : " تبارك الذي جعل في السماء بروجاً و جعل فيها سراجاً و قمراً منيراً " فهذه تصف كلا من الشمس و القمر بمعنيين لهما سطح قريب يفهمه الناس كلهم ، و لها عمق يصل إليه المتأملون و العلماء ، و لها جذور بعيدة يفهمها الباحثون و المتخصصون ، والآية تحمل بصياغتها هذه الدرجات الثلاثة للمعنى ، فتعطي طاقته و فهمه .
فالعامي من العرب يفهم منها أن كلا من الشمس و القمر يبعثان بالضياء إلى الأرض ، وإنما غاير في التعبير عنه بالنسبة لكل منهما تنويعاً للفظ ، و هو معنى صحيح تدل عليه الآية ، و المتأمل من علماء العربية يدرك من وراء ذلك أن الآية تدل على أن الشمس تجمع إلى النور الحرارة فلذلك سماها سراجاً ، والقمر يبعث بضياء لا حرارة فيه .


الفرع الرابع


الخاصة الرابعة

و هي ظاهرة التكرار.
وفي القرآن من هذه الظاهرة نوعان :
أحدهم: تكرار بعض الألفاظ أو الجمل.
و ثانيهما: تكرار بعض المعاني كالأقاصيص، والأخبار.
فالنوع الأول: يأتي على وجه التوكيد، ثم ينطوي بعد ذلك على نكت بلاغية، كالتهويل، والإنذار, التجسيم و التصوير و للتكرار أثر بالغ في تحقيق هذه الأغراض البلاغية في الكلام
و من أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة القارعة: (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5))القارعة: 1ـ 5
وقوله تعالى في الحاقة : (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5))الحاقة: 1ـ 5
و قوله تعالى في المدثر: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)) المدثر:26 ـ 30
و النوع الثاني: و هو تكرار بعض القصص و الأخبار يأتي لتحقيق غرضين هامين:
الأول : إنهاء حقائق و معاني الوعد و الوعيد إلى النفوس بالريقة التي تألفها ، وهي تكرار هذه الحقائق في صور وأشكال مختلفة من التعبير والأسلوب ، ولقد أشار القرآن إلى هذا الغرض بقوله تعالى في سورة طه: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)طه: 113.
الثاني : إخراج المعنى الواحد في قوالب مختلفة من الألفاظ و العبارة ، و بأساليب مختلفة تفصيلاً و إجمالاً ، الكلام في ذلك حتى يتجلى إعجازه ، و يستبين قصور الطاقة البشرية عن تقليده أو اللحاق بشأوه ، إذ من المعلوم أن هذا الكتاب إنما تنزل للإقناع العقلاء ، من الناس بأنه ليس كلام بشر ، و لإلزامهم بالشريعة التي فيه ، فلابد فيه من الوسائل التي تفئ بتحقيق الوسيلة إلى كلا الأمرين .
ومن هنا كان من المحال أن تعثر في القرآن كله على معنى يتكرر في أسلوب واحد من اللفظ ويدور ضمن قالب واحد من التعبير ، بل لابد أن تجده في كل مرة يلبس ثوباً جديداً من الأسلوب ، و طريقة التصوير و العرض ، بل لابد أن تجد التركيز في كل مرة منها على جانب معين من جوانب المعنى أو القصة و لنضرب لك مثالاً على هذا الذي نقول : بقصة موسى عليه السلام إذ أنها أشد القصص في القرآن تكراراً ، فهي من هذه الوجهة تعطى فكرة كاملة على هذا التكرار.
وردت هذه القصة في حوالي ثلاثين موضعاً ، ولكنها في كل موضع تلبس أسلوباً جديداً و تخرج أخراجاً جديدا يناسب السياق الذي وردت فيه ، و تهدف إلى هدف خاص لم يذكر في مكان آخر ، حتى لكأننا أمام قصة جديدة لم نسمع بها من قبل .


الفرع الخامس


الخاصة الخامسة

و هي تداخل أبحاثه ، و مواضيعه في معظم الأحيان فإن من يقرأ هذا الكتاب المبين لا يجد فيه ما يجده في عامة المؤلفات والكتب الأخرى من التنسيق والتبويب حسب المواضيع ، وتصنيف البحوث مستقلة عن بعضها ، وإنما يجد عامة مواضيعه وأبحاثه لاحقة ببعضها دونما فاصل بينهما ، وقد يجدها متداخل في بعضها في كثير من السور والآيات .
والحقيقة أن هذه الخاصة في القرآن الكريم، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده، واستقلاله عن كل ما هو مألوف ومعروف من طرائق البحث و التأليف.

المطلب الثاني


المظهر الثاني: المفردة القرآنية


إذا تأملت في الكلمات التي تتألف منها الجمل القرآنية رأيتها تمتاز بميزات ثلاثة رئيسية هي:
1 ـ جمل وقعها في السمع.
2ـ اتساقها الكامل مع المعنى .
3ـ اتساع دلالتها لما لا تتسع له عادة دلالات الكلمات الأخرى من المعاني و المدلولات.
و قد نجد في تعابير بعض الأدباء و البلغاء كالجاحظ و المتنبي كلمات تتصف ببعض هذه الميزات الثلاثة أما أن تجتمع كلها معا ، و بصورة مطردة لا تتخلف أو تشذ فذلك مما لم يتوافر إلا في القرآن الكريم .
و إليك بعض الأمثلة القرآنية التي توضح هذه الظاهرة و تجليها :
أنظر إلى قوله تعالى في وصف كل من الليل و الصبح في سورة التكوير:(وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18))التكوير: 17 ـ 18
ألا تشم راحة المعنى واضحاً من كل هاتين الكلمتين: عسعس، و تنفس؟
ألا تشعر أن الكلمة تبعث في خيالك صورة المعنى محسوسا مجسماً دون حاجة للرجوع إلى قواميس اللغة ؟
وهل في مقدورك أن تصور إقبال الليل، وتمدده في الآفاق المترامية بكلمة أدق و أدل من " عسعس ".
وهل تستطيع أن تصور انفلات الضحى من مخبأ الليل و سجنه بكلمة أروع من " تنفس ". ؟
أقرأ قوله تعالى في سورة التوبة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)التوبة:38
وادرس الأداء الفني الذي قامت به لفظة " اثَّاقَلْتُمْ " بكل ما تكونت به من حروف ، و من صورة ترتيب هذه الحروف ، و من حركة التشديد على الحرف اللثوية " الثاء " و المد بعده ، ثم مجيء القاف الذي هو أحد حروف القلقلة ، ثم التاء المهموسة ، والميم التي تنطبق عليها الشقتان ، ويخرج صوتها من الأنف ، ألا تجد نظام الحروف ، وصورة أداء الكلمة ذاتها أوحت إليك بالمعنى ، قبل أن يرد عليك المعنى من جهة المعاجم .؟ ألا تلحظ في خيالك ذلك الجسم المثاقل ، يرفعه الرافعون في جهد فيسقط في أيديهم في ثقل ؟ ألا تحس أن البطء في تلفظ الكلمة ذاتها يوحي بالحركة البطيئة التي تكون من المثاقل ؟.
جرب أن تبدل المفردة القرآنية، و تحل محلها لفظة " تثاقلتم" ألا تحس أن شيئاً من الخفة و السرعة، بل و النشاط أوحت به " تثاقلتم " بسبب رصف حروفها، و زوال الشدة، وسبق التاء قبل الثاء ؟ إذن فالبلاغة تتم في استعمال " أثاقلتم " للمعنى المراد ، ولا تكون في " تثاقلتم " .
 
المطلب الثالث

الجملة القرآنية و صياغتها



إن دراسة الجملة القرآنية تتصل اتصالا مباشراً بدراسة المفردة القرآنية لأن هذه أساس الجملة ، و منها تركيبها ، و إذا كان علماء البلاغة يجعلون البلاغة درجات ، فإنهم مقرون دون جدل أن صياغة العبارة القرآنية في الطرف الأعلى من البلاغة الذي هو الإعجاز ذاته . و للإعجاز فيها وجوه كثيرة .
فمنها : ما تجده من التلاؤم و الاتساق الكاملين بين كلماتها ، و بين ملاحق حركاتها ، و سكناتها ، فالجملة في القرآن تجدها دائماً مؤلفة من كلمات و حروف ، و أصوات يستريح لتألفها السمع و الصوت و المنطق ، و يتكون من تضامها نسق جميل ينطوي على إيقاع رائع ، ما كان ليتم لو نقصت من الجملة كلمة أو حرف أو اختلف ترتيب ما بينها بشكل من الأشكال .
أقرأ قوله تعالى : " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ، وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر " و تأمل تناسق الكلمات في كل جملة منها ، ثم دقق نظرك ، و تأمل تألف الحروف الرخوة مع الشديدة و المهموسة و المجهورة و غيرها ، ثم حاول التمعن في تأليف و تعاطف الحركات و السكنات و المدود اللاحقة ببعضها ، فإنك إذا تأملت في ذلك ، علمت أن هذا الجملة القرآنية . إنما صبت من الكلمات و الحروف و الحركات في مقدار ، و أن ذلك إنما قدر تقديراً بعلم اللطيف الخبير و هيهات للمقاييس البشرية أن تضبط الكلام بهذه القوالب الدقيقة .
ومنها : إنك تجد الجملة القرآنية تدل بأقصر عبارة على أوسع معنى تام متكامل لا يكاد الإنسان يستطيع التعبير عنه إلا بأسطر و جمل كثيرة ن دون أن تجد فيه اختصاراً مخلا ، أو ضعفاً في الأدلة . أقرأ قوله تعالى في سورة الأعراف: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)الأعراف:199
ثم تأمل كيف جمع الله بهذا الكلام كل خلق عظيم، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين.
واقرأ قوله تعالى مخاطباً آدم عليه السلام في سورة طه 118 : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى)طه:118ـ 119
ثم تأمل كيف جمع الله بهذا الكلام أصول معايش الإنسان كلها من طعام وشراب وملبس ، ومأوى .
وأقرأ قوله تعالى في القصص: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)القصص:7
و تأمل كيف جمعت هذه الآية الكريمة بين أمرين و نهيين و خبرين و بشارتين أما الأمرين فهما : " أرضعيه ، و ألقيه في اليم ، و أما النهيان فهما " لا تخافي " ، و " لا تحزني " .
وأما الخبران فهما " أوحينا " و " خفت " و أما البشارتان فهما " أنا رادوه إليك " و " جاعلوه من المرسلين " .
و تأمل سورة " الكوثر " وهي أقصر سورة في القرآن إذ هي ثلاثة آيات قصار كيف تضمنت ، على قلة آياتها الأخبار عن مغيبين : أحدهما : الأخبار عن الكوثر " نهر في الجنة " و عظمته و سعته و كثرة أوانيه , الثاني : الإخبار و عن " الوليد بن المغيرة " و كان عند نزولها ذا مال وولد ، ثم أهلك الله سبحانه ماله وولده ، وانقطع نسله
ومنها : أخراج المعنى المجرد في مظهر الأمر المحس الملموس ، ثم بث الروح و الحركة في هذا المظهر نفسه .
و مكمن الإعجاز في ذلك ، أن الألفاظ ليست إلا حروفاً جامدة ذات دلالة لغوية على ما أنيط بها من المعاني ، فمن العسير جداً أن تصبح هذه الألفاظ وسيلة لصب المعاني الفكرية المجردة في قوالب من الشخوص و الأجرام و المحسوسات ، تتحرك في داخل الخيال كأنها قصة تمر أحداثها على مسرح يفيض بالحياة و الحركة المشاهدة الملموسة . أستمع إلى القرآن الكريم و هو يصور لك قيام الكون على أساس من النظام الرتيب و التنسيق البديع الذي لا يتخلف ، و لا يلحقه الفساد ، فيقول في " الأعراف 54 : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)الأعراف : 54
إنه يصور لك هذا المعنى في مظهر من الحركة المحسوسة الدائرة بين عينيك، و كأنها أمام آلات تتحرك بسرعة دائبة في نظام مستمر يعيها و تصورها الشعور و الخيال.





المطلب الرابع


الباحثون في القرآن يجمعون على إعجازه


الجاحظ و رأيه في بلاغة القرآن :
الجاحظ هو مؤسس البيان العربي بلا منازع، هو أبو عثمان بن بحر بن محبوب الكتاني، المعروف بالجاحظ البصري ولد سنة 150 ﻫ و توفي سنة 255 ﻫ.
ففي رسالة له بعنوان حجج نبوية يقول: " إن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر في العين .. ذلك قوله لقريش خاصة و للعرب عامة مع من فيها من الشعراء و الخطباء و البلغاء ، والحكماء و أصحاب الرأي و المكيدة ، والتجارب و النظر في العامة " إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي ، و صدقتكم في تكذيبي " ثم يقول " و لا يجوز أن يكون مثل العرب في كثير عددهم و اختلاف عللهم و كلامهم ، وهو سيد علمهم ، وقد فاض بيانهم ، وجاشت به صدورهم ، وغلتهم قوتهم عليه عند أنفسهم ، حتى قالوا في الحيات ، والعقارب و الذئاب والكلاب ، والخنافس ، والحمير والحمام وكل ما دب على الأرض ولاح لعين ، وخطر على قلب ولهم أصناف النظم ، وضروب التأليف .. كالقصيد، والرجز ، والمزدوج والمتجانس والاستماع والمنثور وبعد فقد هاجوه من كل جانب ، وهاجا أصحابه شعرائهم ، ونازعوه خطباءهم وحاجوه في الموقف وخاصموه في الموسم ، وباروه العداوة ، وناصبوه الحرب ، فقتل منهم وقتلوا منه .. وهم أثبت الناس حقداً، وأبعدهم مطلباً، وأذكرهم لخبر أو الشر، و أبقاهم له، وأهجاهم ثم لا يعارضه معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب و شاعر.
ثم يقول : ومحال في التعارف ومستنكر في التصادف أن يكون الكلام أقصر عندهم , وأيسر مئونة عليهم ، وهو أبلغ في تكذيبه ، وأنقض لقوله , أجدر أن يعرف ذلك أصحابه ، فيجتمعوا على ترك استعماله و الاستغناء عنه ، وهم يبذلون مهجهم و أموالهم و يخرجون من ديارهم في إطفاء أمرهم وتوهين ولا يقولون ، بل ولا يقول واحد من جماعتهم ، لم تقتلوا أنفسكم وتستهلكوا أموالكم , تخرجون من دياركم و الحيلة في أمره ميسرة والمأخذ في أمره قريب ؟
ليؤلف واحد من شعرائكم و خطبائكم كلاماً في نظم كلامه ، كأصغر سورة يحتكم بها ، وكأصغر آية دعاكم إلى معارضتها ، بل لو نسوا ما تركهم حتى يذكرهم ، ولو تغافلوا ما ترك أن ينبههم ، فدل ذلك العاقل على أن أمرهم في ذلك لا يخلو ا من أحد أمرين :
إما أن يكونوا عرفوا عجزهم ، وأن مثل ذلك لا يتهيأ لهم ، فرأوا أن الإعراض عن ذكره ، والتغافل عنه في هذا الباب أمثل لهم في التدبير ، وأجدر ألا ينكشف أمرهم للجاهل والضعيف ، وأجدر أن يجدوا إلى الدعوة سبيلاً ، وإلى اختراع الأنباء سبباً.
وإلا أن يكون غير ذلك ، ولا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة وهم يقدرون عليها ، لأنه لا يجوز على العدد الكثير من العقلاء و الدهاة و الحكماء مع اختلاف عللهم ، وبعد همهم ، و شدة عداوتهم ، بذلك الكثير ، وصون اليسير فكيف على العقلاء لأن تحبير الكلام أهون من القتال و من إجراء المال أ. ﻫ .
 
قائمة المراجع


1.الإبانة عن معاني القراءات - مكي بن أبي طالب القيسي - ت 437 ﻫ - دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت - الطبعة الأولى 1399 ﻫ 1979م.
2.الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز - أحمد بن مبارك السلجماسي - مصطفى البابي الحلبي بمصر - الطبعة الأولى 1380 ﻫ 1961م.
3.الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي - المكتبة العصرية بيروت - 1408 ﻫ 1988م
4.الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها - الدكتور حسن ضياء الدين عتر - دار البشائر الإسلامية بيروت - الطبعة الأولى 1409 ﻫ 1988م.
5.إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري - شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ت 923هـ - دار الكتاب العربي - بيروت - 1403 ﻫ 1983م.
6.إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود) - أبو السعود العمادي - ت 951 ﻫ دار إحياء التراث العربي بيروت - بدون تاريخ
7.الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911 ﻫ - تحقيق أحمد حسن جابر - ملحق مجلة الأزهر عدد شهر صفر 1409 ﻫ.
8.أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين بن الأثير الجزري ت 630 ﻫ - دار الشعب - القاهرة - 1970م.
9.الإضاءة في بيان أصول القراءة - علي محمد الضباع - مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي - القاهرة - بدون تاريخ.
10.الأعلام (قاموس تراجم) - خير الدين الزركلي- دار العلم للملايين - بيروت- الطبعة الثامنة 1989م.
11.البحر المحيط (تفسير أبي حيان) - أبو حيان محمد ين يوسف الأندلسي ت 745 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1413 ﻫ 1993م
12.البداية والنهاية - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة المعارف - بيروت - بدون تاريخ.
13.بذل المجهود في حل أبي داود - خليل أحمد السهارنفوري ت 1346 ﻫ - دار الكتب العلمية بيروت - بدون تاريخ.
14.البرهان في توجيه متشابه القرآن - برهان الدين الكرماني ت 505 ﻫ - ملحق مجلة الأزهر - 1414 ﻫ
15.البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد اله الزركشي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - بدون تاريخ
16.بصائر ذوي التمييز - مجد الدين الفيروزأبادي ت 817 ﻫ ـ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة - الطبعة الثالثة 1416 ﻫ 1996م
17.تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 ﻫ - تحقيق عمرو عبد السلام تدمري - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الأولى 1411 ﻫ 1990م.
18.تاريخ الأمم والملوك - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310 ﻫ - دار الكتب العلمية بيروت - الطبعة الثانية 1408هـ 1988م
19.التاريخ الكبير - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - بدون تاريخ.
20.التبيان في آداب حملة القرآن - أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي الشافعي ت 665 ﻫ - مؤسسة علوم القرآن بدمشق، ومكتبة دار التراث بالمدينة المنورة - الطبعة الأولى - 1403 ﻫ 1983م
21.تذكرة الحفاظ - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 ﻫ - دار إحياء التراث العربي - بدون تاريخ.
22.تعليقات اليماني على نزهة النظر - بحاشية نزهة النظر - دار الكتب العلمية بيروت - 1401 ﻫ 1981م.
23.تفسير القرآن العظيم - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مكتبة دار التراث القاهرة - بدون تاريخ.
24.تقريب التهذيب - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة العلمية - المدينة المنورة - بدون تاريخ.
25.التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية - الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - 1405 ﻫ.
26.تلخيص المستدرك على الصحيحين - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 هـ - دار الكتاب العربي بيروت - بدون تاريخ.
27.التمهيد في علم التجويد - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833 ﻫ - تحقيق د. علي حسين البواب - مكتب المعارف - الرياض - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.
28.تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن - إبراهيم بن أحمد المارغي التونسي - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1981م.
29.تَهذيب الكمال - أبو الحجاج يوسف المزي ت 742 ﻫ - تحقيق د. بشار عواد معروف - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثانية 1403 ﻫ 1983م.
30.تَهذيب اللغة - أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري ت 370 ﻫ - تحقيق الشيخ عبد السلام هارون - الدار المصرية للتأليف والترجمة - 1384 ﻫ 1964م.
31.الثقات - محمد بن حبان بن أحمد البستي ت 354 ﻫ - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدرأباد الدكن - 1993م.
32.جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) - أبو جعفر بن جرير الطبري ت 310 ﻫ - مصطفى البابي الحلبي القاهرة - 1388 ﻫ 1968م.
33.جامع الترمذي - أبو عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي - ت 297 ﻫ - دار إحياء التراث العربي - بيروت - بدون تاريخ.
34.الجامع الصحيح (مع شرحه فتح الباري) - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة 1407 ﻫ.
35.الجامع لأحكام القرآن - أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي - ت 671 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1408 ﻫ 1988م.
36.الجامع لشعب الإيمان - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 ﻫ - الدار السلفية - بومباي - الهند - الطبعة الأولى 1411 ﻫ 1991م.
37.الجرح والتعديل - عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي - ت 327 هـ - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدرأباد الدكن - الهند - 1373 ﻫ - 1953م.
38.جمال القراء وكمال الإقراء - علم الدين علي بن محمد السخاوي ت 643 ﻫ - تحقيق د. علي حسين البواب - مكتبة التراث - مكة المكرمة - 1987م.
39.جمهرة اللغة - أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري ت 321 ﻫ - مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة - بدون تاريخ.
40.حاشية الجمل على شرح المنهج - سليمان الجمل - دار الفكر - بيروت - بدون تاريخ
41.الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية - السيد محب الدين الخطيب - المكتبة السلفية بالقاهرة - بدون تاريخ.
42.دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 ﻫ - نحقيق د. عبد المعطي قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.
43.دليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم وضبط القرآن - إبراهيم بن أحمد المارغي التونسي - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1981م.
44.دليل كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية - بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية للعام الدراسي 1404 ﻫ - 1405 ﻫ .
45.ديوان النابغة الذبياني - زياد بن معاوية النابعة الذبياني - برواية الأصمعي وابن السكيت- تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار المعارف بالقاهرة- الطبعة الثانية 1985م.
46.الرسالة - الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ت 204 ﻫ - تحقيق الشيخ أحمد شاكر- دار التراث بالقاهرة- الطبعة الثانية 1399 ﻫ 1979م.
47.روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني - شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي ت 1270 ﻫ - دار إحياء التراث العربي - بيروت - الطبعة الرابعة 1405 ﻫ 1985م.
48.سنن أبي داود - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 ﻫ - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - المكتبة العصرية - بيروت - بدون تاريخ.
49.سنن ابن ماجه - أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني ت 275 ﻫ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - دار الحديث بالقاهرة- بدون تاريخ.
50.سنن الدارمي - عبد الله بن الفضل الدارمي ت 255 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - بدون تاريخ.
51.السنن الكبرى - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 ﻫ - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - الطبعة الأولى 1340 ﻫ
52.سنن النسائي (مع شرح السيوطي وحاشية السندي) - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ت 303 ﻫ - دار الريان للتراث- القاهرة - بدون تاريخ.
53.سير أعلام النبلاء - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 ﻫ - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة العاشرة 1414 ﻫ 1994م.
54.السيرة النبوية - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - تحقيق مصطفى عبد الواحد - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1966م.
55.السيرة النبوية - أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري ت 213 ﻫ - تحقيق طه عبد الرءوف سعد - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1974م.
56.شذرات الذهب - عبد الحي بن العماد الحنبلي ت 1089 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - بدون تاريخ.
57.شرح الدرة المضية في القراءات الثلاث المروية - محمد بن أبي القاسم النويري ت 897 ﻫ - تحقيق الشيخ عبد الرافع رضوان علي - مطبوعات كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية - الطبعة الأولى 1411 ﻫ .
58.شرح السنة - أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ت 516 ﻫ - تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثانية - 1403 ﻫ 1983م.
59.شرح صحيح مسلم - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676هـ - المطبعة المصرية ومكتبتها- القاهرة - بدون تاريخ.
60.شرح قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) - جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري ت 761 ﻫ - مؤسسة علوم القرآن - دمشق-بيروت - الطبعة الثانية - 1402 ﻫ 1982م.
61.الشفا بتعريف حقوق المصطفى - القاضي عياض بن موسى اليحصبي ت 544 ﻫ - دار الكتب العلمية بيروت - بدون تاريخ.
62.الصاحبي في فقه اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس ابن زكريا ت 395 ﻫ - مكتبة المعارف - بيروت - الطبعة الأولى 1414 ﻫ 1993م.
63.الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) - إسماعيل بن حمَّاد الجوهري - تحقيق أحمد عبد الغفور عطار -دار العلم للملايين بيروت - الطبعة الثانية - 1399 ﻫ 1979م.
64.صحيح مسلم (مع شرح الإمام النووي) - الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ت 261 ﻫ - المطبعة المصرية ومكتبتها- القاهرة - بدون تاريخ.
65.صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص -علي محمد الضباع - شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - 1346 ﻫ .
66.الضعفاء الصغير - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 ﻫ - تحقيق بوران الضناوي - عالم الكتب - بيروت - الطبعة الأولى 1984م.
67.علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح) - أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح - تحقيق د. نور الدين عتر - دارالفكر - دمشق - 1406 ﻫ 1986م.
68.فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ﻫ - المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الثالثة - 1407 ﻫ.
69.فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير - محمد ين علي الشوكاني ت 1250 ﻫ - تحقيق د. عبد الرحمن عميرة - دار الوفاء للطباعة والنشر - المنصورة - الطبعة الأولى 1415 ﻫ 1994م.
70.فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب - الحافظ شيرويه بن شهردار الديلمي - دار الريان للتراث القاهرة - الطبعة الأولى 1408 ﻫ 1987م.
71.الفصل في الملل والأهواء والنحل - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456 ﻫ - تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ود. محمد إبراهيم نصر - شركة مكتبات عكاظ جـدة - الطبعة الأولى 1402 ﻫ 1982م.
72.فضائل القرآن - أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت 774 ﻫ - مطبعة المنار بمصر - 1347 ﻫ.
73.فضائل القرآن - محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس ت 295 ﻫ - تحقيق د. مسفر ابن سعيد الغامدي - دار حافظ للنشر والتوزيع - الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
74.فيض القدير شرح الجامع الصغير - محمد عبد الرءوف المناوي - دار المعرفة - بيروت - الطبعة الثانية 1391 ﻫ 1972م.
75.القاموس المحيط - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي ت 817 ﻫ - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثانية 1407 ﻫ 1987م.
76.الكامل في التاريخ - عز الدين علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير ت 630 ﻫ - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الثانية - 1995م.
77.كتاب المصاحف - أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى 1405 ﻫ 1985م.
78.كشاف اصطلاحات الفنون - محمد بن علي الفاروقي التهانوي ت 1158 ﻫ - دار صادر - بيروت - 1278 ﻫ 1861م.
79.الكواكب الدرية - محمد بن علي بن خلف الحسيني (الحداد) - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر - 1344 ﻫ.
80.لسان العرب - ابن منظور الإفريقي - دار المعارف بالقاهرة- بدون تاريخ.
81.لسان الميزان - الحافظ ابن حجر العسقلاني - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى - 1416 ﻫ - 1996م.
82.مباحث في علوم القرآن – مناع خليل القطان – مكتبة المعارف – الرياض – الطبعة الثانية 1417 ﻫ 1996م.
83.مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية- العدد الأول 1402 ﻫ 1403 ﻫ .
84.مجمع البيان في تفسير القرآن - الفضل بن الحسن الطبرسي - دار الكتب العلمية بيروت - الطبعة الأولى 1418 ﻫ 1997م.
85.مجمع الزوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807 ﻫ - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الثالثة 1402 ﻫ - 1982م.
86.مجمل اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس ابن زكريا ت 395 ﻫ - تحقيق زهير عبد المجسن سلطان - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثانية - 1406 ﻫ 1986م.
87.مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني ت 728 ﻫ - جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي- دار المدني - القاهرة - بدون تاريخ.
88.محاسن التأويل ( تفسير القاسمي ) - محمد جمال الدين القاسمي -دار إحياء الكتب العربية (فيصل عيسى الحلبي) - القاهرة - بدون تاريخ.
89.الْمُحَلَّى - أبو محمد علي بن حزم الظاهري ت 456هـ - دار الآفاق الجديدة - دار الجيل - بيروت - بدون تاريخ.
90.المدخل إلى السنن الكبرى - أحمد بن الحسين البيهقي - ت 458 هـ - تحقيق محمد ضياء الرحمن الأعظمي - دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت - بدون تاريخ.
91.المستدرك على الصحيحين - أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري المعروف بابن البيع ت 405هـ - دار الكتاب العربي - بيروت - بدون تاريخ.
92.المسند (مسند الإمام أحمد) - الإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ - تحقيق الشيخ أحمد شاكر - دار المعارف - مصر - 1373هـ 1954م.
93.المسند (مسند الإمام أحمد) - الإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ - دار إحياء التراث العربي- بيروت الطبعة الأولى -1412هـ 1991م.
94.مسند أبي داود الطيالسي - أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي ت 204هـ - دار المعرفة - بيروت - بدون تاريخ.
95.معاني القرآن - أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ت 207هـ - عالم الكتب - بيروت - بدون تاريخ.
96.المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية - دار الدعوة - إستانبول - الطبعة الثانية - بدون تاريخ.
97.معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 هـ - مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1404هـ 1984م.
98.المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني - تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني - دار المعرفة - بيروت - بدون تاريخ.
99.مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين - الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت 330هـ - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة - الطبعة الثانية 1389هـ 1969م.
100.مقاييس اللغة - أبو الحسين أحمد بن فارس ابن زكريا ت 395هـ - تحقيق الشيخ عبد السلام هارون - مكتبة الخانجي - القاهرة - الطبعة الثالثة 1402هـ 1981م.
101.مقدمة ابن خلدون - عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي - دار الرائد العربي بيروت - الطبعة الخامسة 1402هـ 1982م.
102.المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار - أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ت 444 هـ - مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - بدون تاريخ.
103.مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - دار الفكر - بيروت - 1408هـ 1988م.
104.المنتخب (مسند عبد بن حميد) - عبد بن حميد - تحقيق مصطفى العدوي شلباية - دار الأرقم - الكويت - الطبعة الأولى 1405هـ 1985م.
105.الموطأ - الإمام مالك بن أنس الأصبحي ت 179هـ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - دار الشعب - القاهرة - بدون تاريخ.
106.نزهة النظر في شرح نخبة الفكر - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 هـ - دار الكتب العلمية بيروت - 1401هـ 1981م.
107.النشر في القراءات العشر - أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ت 833هـ - راجعه الشيخ علي محمد الضباع- دار الكتاب العربي - بدون تاريخ.
108.نظم المتناثر من الحديث المتواتر- أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني - دار الكتب السلفية - القاهرة - بدون تاريخ.
109.نكت الانتصار لنقل القرآن - القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت 403هـ - تحقيق د. محمد زغلول سلام - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1971م.
110.نِهاية القول المفيد في علم التجويد - محمد مكي نصر - شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - 1349هـ .
111.النهاية في غريب الحديث والأثر - مجد الدين بن الأثير الجزري ت 606هـ - المكتبة العلمية بيروت -بدون تاريخ.
112.روضة الناظر وجُنة المناظر - موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي - مع شرحه نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي






الخاتمة
إلى كل قارئ لهذه الحقائق القاطعة : من القرآن الكريم ، والسنة النبوية والسيرة ، وبشارات الكتب السماوية ،
وإقرار الملوك والسادة والزعماء ، وشهادة العلماء ، وإخبار الأحبار والرهبان وغيرهم، ودخول الناس في دين الله أفواجا ،
من العرب ، والعبرانيين ، والسامريين ، والروم ، والفرس ، والهند ، والصين ، وسائر الأمم ،
وانتشار الإسلام المستمر رغم جهود المنصرين والصهاينة لإطفاء نور الله تعالى في الأرض ،
نقول قال الله تعالى في سورة النساء:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)النساء: ١٧٠
تم بحمد الله تعالى
الإسكندرية
30 أغسطس 2013م
 
عودة
أعلى