الفرق بين الظن المراد به اليقين وبين اليقين

أبو صفوت

فريق إشراف الملتقى العلمي
إنضم
24/04/2003
المشاركات
655
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
no
كثيرا ما يستعمل لفظ الظن في كتاب الله ويكون المراد به اليقين ،
ولكن بين الظن بمعنى اليقين وبين اليقين فرق دقيق
وقد جلاه ابن عطية رحمه الله فقال في بيانه لقوله تعالى ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )
وأطلق الناس أن الظن هنا بمعنى اليقين ، ولو قال بدل { ظنوا } وأيقنوا لكان الكلام متسقاً ، على مبالغة فيه ،
ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبداً في موضع يقين تام قد ناله الحس ، بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق ، لكنه لم يقع ذلك المظنون ،
وإلا ، فما يقع ويحس ، لا يكاد توجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن
وتأمل هذه الآية ، وتأمل قول دريد :فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج . اهـ . تفسير ابن عطية الآية : 53 من سورة الكهف
 
كثيرا ما يستعمل لفظ الظن في كتاب الله ويكون المراد به اليقين ،
ولكن بين الظن بمعنى اليقين وبين اليقين فرق دقيق
وقد جلاه ابن عطية رحمه الله فقال في بيانه لقوله تعالى ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )
وأطلق الناس أن الظن هنا بمعنى اليقين ، ولو قال بدل { ظنوا } وأيقنوا لكان الكلام متسقاً ، على مبالغة فيه ،
ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبداً في موضع يقين تام قد ناله الحس ، بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق ، لكنه لم يقع ذلك المظنون ،
وإلا ، فما يقع ويحس ، لا يكاد توجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن
وتأمل هذه الآية ، وتأمل قول دريد :فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج . اهـ . تفسير ابن عطية الآية : 53 من سورة الكهف

كلام وجيه يشهد لوجاهته بعض مواضع ظن في القرآن:
" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ"
"جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ"
"حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا"
 
الحمد لله وحده والصلا على من لا نبي بعده

وبعد،،،

الظن واليقين ضدان لا يجتمعان، اليقين له درجات ثلاث علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين، أما الظن لا يغني من الحق شيئا،

أما قول المفسرين أن الظن في بعض الآيات بمعنى اليقين فله توجيهه الذي لا بد منه، اليقين يكون في تحقق وقوع الوعيد المذكور، أما الظن في عدم معرفة وقت وقوعه بالضبط، والآية التي معنا تدل على ذلك،

(ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا)

قد رأى هؤلاء المجرمون النار عين اليقين وبمرورهم عليها يتوقعون الوقوع فيها كل خطوة يمشونها، لكن لا يعلمون هل في الخطوة القادمة أما في التي تليها يكون وقوعهم، وهذا له دلالات عدة،

1- يعكش الحالة النفسية التي يكون عليها المجرمون، من قلق وعدم ارتياح.

2- تعذيبا لهم وتنكيلا بهم كما كانوا يسومون أهل الحق ألوان النكال قبل إيقاع العذاب بهم في الدنيا.

3- ظنهم الوقوع في النار فيه ولو جزؤ من واحد بالمئة طمع في النجاة منها،حتى إذا وقعوا بغتة تبددت كل آمالهم في النجاةز

والله الهادي إلى سبيل الرشاد
 
مواضع مجيء الظن بمعنى اليقين في القرآن

مواضع مجيء الظن بمعنى اليقين في القرآن

قال تعالى:

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)) سورة البقرة
يقول بن عاشور:
"وقد وصف تعالى الخاشعين بأنهم الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وهي صلة لها مزيد اتصال بمعنى الخشوع ففيها معنى التفسير للخاشعين ومعنى بيان منشأ خشوعهم ، فدل على أن المراد من الظن هنا الاعتقاد الجازم وإطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير جداً ، قال أوس بن حجر يصف صياداً رمى حمار وحش بسهم :
فأرسله مستيقن الظن أنه ... مخالطُ ما بين الشرا سيف جائف.
وقال دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج ... سراتهم بالفارسي المسرج
فهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح .
وقال دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج ... سراتهم بالفارسي المسرج
فهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح ."

وقال تعالى:

(قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة(249)

قال الزمخشري في الكشاف :
"{ قَالَ الذين يَظُنُّونَ } يعني الخُلّص منهم الذين نصبوا بين أعينهم لقاه الله وأيقنوه . أو الذين تيقنوا أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله ، والمؤمنون مختلفون في قوة اليقين ونصوع البصيرة ."

فيظنون في الآيتين السابقتين بمعنى يعتقدون ويستيقنون ملاقاة الله وإن لم تحدث بعد.
ويسند القول أن الظن هنا هو بمعنى الاعتقاد الجازم أو اليقين قول الله تعالى:
( وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ ) ( البقرة : 4 )

ومن مواضع مجيء الظن بمعنى الاعتقاد الجازم قول الله تعالى:
( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) سورة القيامة (28)
فهنا هو متيقن الفراق لأن أسبابه أو أماراته أصبحت يقيناً مع أنه لم يحصل بعد.

ومن مجيء الظن بمعنى اليقين :
قول الله تعالى:
(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة التوبة (118)

ومثله قول الله تعالى:
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)) سورة فصلت
ولا يمكن حمل الظن في الآيتين على غير اليقين.

ومن مجيء الظن بمعنى اليقين:
قول الله تعالى:
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سور الأعراف(171)
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) سورة يونس(22)
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) سورة الكهف (53)
والظن في الآيات هو أن أسباب الهلاك متيقنة وإن لم يقع الهلاك نفسه.

والله أعلى وأعلم
 
الأخوة الكرام،

1. لا يأتي الظن بمعنى اليقين، وإنما ذهبت الجماهير إلى هذا القول بعد أن فهموا الآيات الكريمة على غير وجهها.
2. "الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ": وهذا يعني أن النجاة يوم القيامة لا تكون لأهل اليقين فقط، بل تشمل الذين سلكوا بغلبة الظن.
3. "قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ ": لم يكونوا قد استيقنوا الشهادة.
4. " وظن أنه الفراق": يبقى للإنسان أمل في الحياة حتى آخر رمق.
5. "وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ": يبقى الإنسان متعلقاً بعفو الله ورحمته ويرجو النجاة حتى يواقع النار، وحتى عند مواقعتها يبقى طالباً للخروج متعلقاً برحمة الله.
6. "وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ ": لاستشعارهم عظيم ما وقعوا فيه لم يستيقنوا أن تشملهم رحمة الله. والملجأ يقي من الخطر.
7. "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ": نعم لم يستيقنوا الهلاك ومن هنا كان الدعاء.
وطالما أنه يمكن فهم الآيات فهماً صحيحاً فلماذا نصرف الألفاظ عن ظاهرها؟!!
 
الأخوة الكرام،

1. لا يأتي الظن بمعنى اليقين، وإنما ذهبت الجماهير إلى هذا القول بعد أن فهموا الآيات الكريمة على غير وجهها.!!
أخي الكريم أبا عمرو
أليس في قولك هذا مبالغة !!؟
هل جماهير المفسرين فهموا الآيات على غير وجهها؟

2. "الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ": وهذا يعني أن النجاة يوم القيامة لا تكون لأهل اليقين فقط، بل تشمل الذين سلكوا بغلبة الظن.
لقد ربط الله النجاة والفلاح باليقين أخي الكريم قال تعالى:
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) سور البقرة

أما المتشككون فلاحظ لهم في النجاة كما قال الله تعالى عنهم:
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)) سورة

واليقين بأمور بالغيب ومنه لقاء الله لا بد منه للنجاة وتأمل قول الله تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) سورة الرعد (2)
فمسألة غلبة الظن غير وارده.

3. "قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ ": لم يكونوا قد استيقنوا الشهادة..!!

استيقان الشهادة لا علاقة له بموضوع الايمان بلقاء الله ، الاعتقاد بلقاء الله يجب أن يكون مستقرا في نفس المؤمن مات شهيدا في ساحة القتال أو مات على فراشه.

4. " وظن أنه الفراق": يبقى للإنسان أمل في الحياة حتى آخر رمق..!!
الأمل في النجاة لا ينافي اليقين من تحقق أسباب الهلاك ، كيف وقد بلغت التراقي!

5. "وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ": يبقى الإنسان متعلقاً بعفو الله ورحمته ويرجو النجاة حتى يواقع النار، وحتى عند مواقعتها يبقى طالباً للخروج متعلقاً برحمة الله.
وهذه أيضا لا تنافي أن اليقين هنا أنه ليس هناك محيص ولا مفر.

6. "وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ ": لاستشعارهم عظيم ما وقعوا فيه لم يستيقنوا أن تشملهم رحمة الله. والملجأ يقي من الخطر..

أخي الكريم
الآية تدل على عكس ما ذكرت ، بل إن هم تحققوا أن لا مخرج لهم من هذا المازق الذي وقعوا فيه إلا أن يشملهم الله برحمته ويتوب عليهم فتنفرج أزمتهم لا سيما أنهم استسلموا لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باعتزال الناس لهم ولم يدفعهم هذا إلى الخروج عن جماعة المسلمين وموقف كعب رضي الله عنه واضح في ذلك.

7. "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ": نعم لم يستيقنوا الهلاك ومن هنا كان الدعاء.!!

أخي الكريم المتيقن هنا وجود أسباب الهلاك ومقدماته وانعدام أسباب النجاة ولهذا كان الدعاء.

وعليه فلا أظن أن جمهور المفسرين لم يفهموا المعنى الصحيح ولم يخرجوا بالألفاظ عن ظاهرها.

والله أعلى وأعلم.
 

أشكر كل من أفاد وشارك .
لعل المخرج في معنى الظن هو أن الظن درجات . فأدناه يقارب الشك وليس هو به وأعلاه يقارب اليقين وليس هو به . ويبقى باب التأمل في سبب التعبير بالظن في كل المواضع مفتوحاً ، وقد اطلعتُ على كلام جيد في هذا الموضوع في مواضع كثيرة ليست بين يدي الآن ، ولعلي أجدها وأنقلها فهذا من المواضع التي تعاورتها أقلام المفسرين واللغويين على مدى قرون .
 
السلام عليكم اخوانى الكرام
تأملت فى الآيات التى ورد فيها ( الظن ) والتى ذكرها أخى حجازى الهوى معلقا عليها ، ثم أخى البيراوى معقبا عليه وما تبع ذلك من تعليقات
وبشىء من التفكير وجدت ما أحسبه حلا لهذا الاشكال :
ألم تلحظوا اخوانى الكرام أن الظن فى الآيات المذكورة قد جاء مصاحبا لمواقف عصيبة ومقترنا بانفعالات نفسية وحالات شعورية يمكن وصفها بأنها نتاج مواقف الأزمات ، فقد جاء الظن فى تلك الآيات فى معرض الوصف للمواقف التالية :
1 - موقف القتال ومواجهة الأعداء ، وغنى عن القول أنه موقف عصيب للغاية حتى أن القرآن قد صرح بأن القتال هو أمر تكرهه النفس البشرية المحبة للحياة بطبيعتها وفطرتها
2 - موقف الاحتضار ومفارقة الحياة ، وهو كسابقه تماما
3 - موقف مواقعة عذاب جهنم فى الآخرة ، أعاذنا الله منها واياكم
4 - موقف التهديد بالهلاك ممثلا فى نتق الجبل فوق رؤوس بنى اسرائيل
5 - موقف مواجهة الهلاك المحقق فى البحر ممثلا فيمن أحيط بهم وقد جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان
6 - موقف الاحباط الشديد والشعور بالعجز التام ممثلا فى الثلاثة الذين خلفوا حتى أن الأرض على سعتها البالغة قد ضاقت عليهم
والسؤال الآن :
أفلا يدلنا كل هذا على أن استعمال القرآن للظن يغلب عليه مصاحبته للانفعالات الحادة والمشاعر الطاغية ؟
أو بعبارة أخرى يمكن القول : ان الظن فى القرآن الكريم يقترن - فى الغالب - بالمواقف العملية ، ويكون فيه عنصر المفاجأة بدرجة ملحوظة ، فى حين أن ( اليقين ) يتسم بالرصانة والهدؤ والتفكير العقلانى المتأنى ويعبر عن المعرفة العقلية المحضة ( التى بدون انفعالات )
وكأن الظن بهذا المعنى يلتقى مع مفهوم ( الحدس الوجدانى ) الذى يقابل ( الحدس العقلى ) فى الفلسفات المعاصرة وأبرزها فلسفة الفيلسوف الألمانى ادموند هوسيرل المسماة بالظاهريات ، وفلسفة الفرنسى هنرى برجسون التى تبحث فى الحدس الانسانى ، ويمكن أن نضيف اليهما كذلك الألمانى كارل ياسبرز بحديثه عما أسماه ( المواقف الحدية )
ومعذرة على استشهادى بالفلسفة فى موضوع يخص القرآن ، ولكن الحكمة هى ضالة المؤمن أينما كانت ، كما أن مفاهيم من قبيل : الظن واليقين انما تنتمى الى مبحث فلسفى كبير يسمى بالابستمولوجى أو مبحث المعرفة البشرية وحدودها وكيفياتها
هذا والله تعالى هو أعلى وأعلم
 
جزى الله المشاركين خيرا وبارك فيهم
وكلام شيخنا عبد الرحمن الشهري كلام محرَّر إذ قال ( الظن درجات ، فأدناه يقارب الشك وليس هو به وأعلاه يقارب اليقين وليس هو به )
ولو تأمل الفضلاء المشاركون كلام الإمام القاضي الفقيه المفسر ابن عطية الأندلسي لظهرت لهم وجاهته ظهورا لا يحتاج إلى تفصيلات وتشريحات.
ولا أدري لماذا صارت جل مواضيع الملتقى يدخلها كثير من الجدل الذي ربما في كثير من الأحيان يشتت القارئ ويصرفه عن الموضوع الأصلي فيخرج خالي الوفاض فلا هو انتفع بأصل الموضوع ولا بالمشاركات حوله
وما أسهل أن يكتب الإنسان مقالا أو يدبج ردا أو ينتقد قولا لكن ما أصعب أن يقدح زناد فكره في فهم أقوال العلماء ، ويغوص بكليات عقله في عمق آراءهم ، واستخراج ما أكنته صدورهم ولم تبرزه كلماتهم ، وهذه خصلة قد شاعت في زماننا فتجد بعضهم يسارع إلى تخطئة القول بمجرد قراءته ، ويبطله بعد ثوان من مطالعته ويعتد برأيه المحدث ، ويبطل به فهم قرون سبقت، وأمم خلت. وإنا لله وإنا إليه راجعون
 
الأخوة الكرام،

1. كلام الشيخ الشهري في محله، بارك الله فيه.
2. إذا فسرنا القرآن بالقرآن، أو بالسنة، أو باللغة، أدركنا أن ظنّ لا تأتي بمعنى استيقن. وهناك ملابسات وتصورات عقدية حملت العلماء على الذهاب إلى القول إن الظن قد يأتي بمعنى اليقين، وقد رددنا هذا بما جاء به علماء أجلاء، ولأن العربي لا يطيق أن يجمع بين الظن واليقين، ولا يُحمد التقليد في كل شيء.
3. الله أرحم بعباده فلا، يطالبهم بما لا يطيقون، بل يقبل منهم أن يستسلموا له وإن لم يبلغوا درجة اليقين، بل إن اليقين هو ثمرة العمل الصالح. وقد نزلت الرسالات لتصنع المؤمن الذي يبلغ درجة اليقين:" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين....يوقنون"، فالقين يأتي أخيراً وليس أولاً.
 
وقال ابن عطية في تفسير قوله تعالى
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى احد معتقديه ، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة ، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس ، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنساناً وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد ، كهذه الآية ، وكقوله تعالى : { فظنوا أنهم مواقعوها } [ الكهف : 53 ] وكقول دريد بن الصمة : [ الطويل ]
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهُم بالفارسي المسرد
 
للعلامة حميد الدين الفراهي كلام طيب في معنى الظن : يقول في مفردات القرآن (ص: 64)
الظن] الظن ما يرى المرء من غير مشاهدة، ولكون غير المشهود ربما لا يوقن به تضمن الظن معنى الشك، وبهذا المعنى كثر في كلام العرب والقرآن، كما قال طرفة:
واعلم علما ليس بالظن أنه إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وفي القرآن: {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}(1). ولكن الرائ في غير المشهود ربما يكون يقينا ويطلق الظن عليه بالمعنى الأعم من غير تضمنه الشك، كما قال أوس بن حجر:
الالمعى الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا
وقال دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بالفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد​
وقال تعالى حكاية عن قول المؤمنين في الحاقة: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ}(2).
 
شكر الله لك شيخنا الكريم ذكرك لكلام العلامة الفراهي رحمه الله، وهو يقارب كلام ابن عطية السالف ذكره ، ومن كلمات ابن عطية في ذلك أيضا: ما ذكره عند قوله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم ) " قال المفسرون معناه أيقنوا
قال القاضي أبو محمد وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس "
 
في قوله تعالى: " وقال للذي ظن أنه ناج منهما ..."
فسر ابن جرير هنا الظن باليقين.. واعترض على قول قتادة الذي فسر الظن هنا في هذا الموضع .. بأنه خلاف اليقين ..
وَكَانَ قَتَادَةُ يُوَجِّهُ مَعْنَى الظَّنِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ،إِلَى الظَّنِّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْيَقِينِ... وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ؛ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا ظَنٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ... إلى أن قال :"فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ ،أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَقْطَعِ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَخْبَرَ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَاهُ أَنَّهُ كَائِنٌ...إِلَّا وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ ".
قال ابن عطية (ت : 542هـ) : "الظن" -هاهنا- بمعنى اليقين، لأن ما تقدم من قوله:"قُضِيَ الْأَمْرُ" يلزم ذلك، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود،وقال قتادة: "الظن" - هنا- على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن.
قال: وقول يوسف :" قُضِيَ الْأَمْرُ" دال على وحي ،ولا يترتب قول قتادة إلا بأن يكون معنى قوله:" قُضِيَ الْأَمْرُ" أي قضي كلامي وقلت ما عندي وتم، والله أعلم بما يكون بعد"[SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]). واستبعد أبو حيان(ت : 745هـ) قول قتادة(ت : 117 هـ) [SUP] ([SUP][2][/SUP][/SUP]).
ووافق القرطبي(ت : 671هـ) - الإمام الطبري فيما ذهب إليه- بأن "ظن" هنا بمعنى أيقن - ونسب هذا القول لأكثر المفسرين-وأنه الأصح والأشبه بحال الأنبياء،وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي، وإنما يكون ظناً في حكم الناس، وأما في حق الأنبياء ، فإن حكمهم حق كيفما وقع[SUP] ([SUP][3][/SUP][/SUP]).

وفي قوله تعالى: " حتى إذا استيأس الرسل " .. اعترض على توجيه الحسن وقتادة الظن في الآية على معنى استيقن ..- وهذا على قراءة التشديد في قوله: ( وظنوا انهم قد كُذّبوا) ..
قال ابن جرير في اعتراضه:" وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي ذَلِكَ- إِذَا قُرِئَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ- خِلَافٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ جَمِيعِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَجِّهِ الظَّنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَى مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، مَعَ أَنَّ الظَّنَّ إِنَّمَا اسْتَعْمَلَهُ الْعَرَبُ فِي مَوْضِعِ الْعِلْمِ، فِيمَا كَانَ مِنْ عِلْمٍ أُدْرِكَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عِلْمٍ أُدْرِكَ مِنْ وَجْهِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَعْمِلُ فِيهِ الظَّنَّ، لَا تَكَادُ تَقُولُ: أَظُنُّنِي حَيًّا وَأَظُنُّنِي إِنْسَانًا، بِمَعْنَى: أَعْلَمُنِي إِنْسَانًا ،وَأَعْلَمُنِي حَيًّا. وَالرُّسُلُ الَّذِينَ كَذَّبَتْهُمْ أُمَمُهُمْ ،لَا شَكَّ أَنَّهَا كَانَتْ لِأُمَمِهَا شَاهِدَةٌ، وَلِتَكْذِيبِهَا إِيَّاهَا مِنْهَا سَامِعَةٌ، فَيُقَالُ فِيهَا: ظَنَّتْ بِأُمَمِهَا أَنَّهَا كَذَّبَتْهَا » [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]).
وعقب النحاس على قول قتادة بقوله:"«يذهب قتادة إلى أن الظن ها هنا يقين، وذلك معروف في اللغة ،والمعنى أن الرسل كانوا يترجون أن يؤمن قومهم ثم استيأسوا من ذلك فجاءهم النصر» [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]).
وجاء في الرواية التي في صحيح البخاري جواب عائشة(ت : 57هـ) – رضي الله عنها - لابن أختها:" قَالَ: قُلْتُ: أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُذِّبُوا» قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهَا: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: «هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمُ البَلاَءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْر ،حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ، جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ» "..
وذكر شيخ الإسلام كلاما كثيرا حول هذه الآية - فيمن أنكر توجيه ابن عباس لقراءة التخفيف- وأما ما يتعلق بالظن فقال:". الظَّنُّ لَا يُرَادُ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الِاعْتِقَادُ الرَّاجِحُ، كَمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ ،وَيُسَمُّونَ الِاعْتِقَادَ الْمَرْجُوحَ وَهْمًا... فَالِاعْتِقَادُ الْمَرْجُوحُ هُوَ ظَنٌّ وَهُوَ وَهْمٌ.
وكأن الأمر هنا راجع للسياق .. فما تعليقكم حول من يقول الظن لا يأتي بمعنى اليقين؟

([1]) معاني القرآن (3/462).




([1]) جامع البيان (13/397-398).




([1]) المحرر الوجيز(3/246- 247).

([2]) البحر المحيط (6/ 297).

([3]) انظر: الجامع ( 9/165 ).
 
لعل المخرج في معنى الظن هو أن الظن درجات . فأدناه يقارب الشك وليس هو به وأعلاه يقارب اليقين وليس هو به . ويبقى باب التأمل في سبب التعبير بالظن في كل المواضع مفتوحاً ، وقد اطلعتُ على كلام جيد في هذا الموضوع في مواضع كثيرة ليست بين يدي الآن ، ولعلي أجدها وأنقلها فهذا من المواضع التي تعاورتها أقلام المفسرين واللغويين على مدى قرون . ..
ليت ينقلها الشيخ حفظه الله ..
 
قوله تعالى "لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأوليه قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي" يدل على أن قوله "ظن انه ناج" هو العِلم.
 
عودة
أعلى