الفاصلة !!!

إنضم
05/01/2008
المشاركات
108
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم


من مبحث الآيات والسور في علوم القرآن هذه الفائدة :

الفاصلة:
جملة بين الكلام تختم بها الآية وهي قرينة القافية في الشعر واللازمة في السجع إلا أن الفارق الأعظم أن الفاصلة في القرآن يأتي بها لمعنى.
وقد قال أهل الصناعة أن الفاصلة سر من أسرار القرآن ..

ويمكن تقسيم الفاصلة إلى أربعة أقسام:
الأول: التمكين.
ويقصد بها تلك الفاصلة التي يكون ما قابلها ممهد لها.
مثل قوله تعالى: { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}
جملة { وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } هي الفاصلة
فما قبلها كان ممهداً لها فحتى لا يفهم أن رد الذين كفروا كان قدراً جاءت الفاصلة لتبين التمكين فظهر من لفظها قدرة الله جل وعلا ليطمئن المؤمن ويغاظ الكافر.

الثاني :التصدير.
وهو أن يكون صدر الآية دالاً على آخرها فتصبح هذه الفاصلة مأخوذة لفظاً من صدر الآية { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } فاصلتها { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }

الثالث :التوشيح.
وهو نظير التصدير لكن التصدير مأخوذ لفظاً أما التوشيح مأخوذ معنى ..
قال الله تعالى:{ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ } ختمت بـ { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
فالمعنى غير اللفظ المعنى هنا مستسقى من صدر الآية.

الرابعة :الإيغال.
أوغل فلان في الأمر
معنى أوغل :دخل أو زاد أو تعمق وكلها تدور في فلك الزيادة ..
إذا الإيغال في الفاصلة أن تتضمن الفاصلة معنى زائداً على صدر الآية
قال ربنا وهو اصدق القائلين :{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ }
انتهى المعنى ثم قال الله بعدها في فاصلة ختمت بها الآية :{ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }هذه الفاصلة زادت معنى وهو إنهم لا يأتون بمثله مجتمعين أي حتى ولو اجتمعوا لا يمكن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ،فهذه الفاصلة زادت معنى على الآية يسمى إيغال .


_________________
فائدة من دروس الشيخ :صالح المغامسي . حفظه الله .
 
[align=center]لأخي الشيخ العلامة الأستاذ :
محمد الحسناوي ـ رحمه الله ، وبرد مضجعه ـ
كتابا مطبوعا في :
(الفاصلة في القرآن الكريم ؛آخـر الآيـة)
نال به درجة الماجستير ،
منذ أكثر من أربعين عاما ..

وانظري هذا الرابط :

http://www.odabasham.net/show.php?sid=4985

وجزاك الله خيرا
[/align]
 
جليسة العلم
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة القيمة

د. مروان الظفيري
جزاك الله خيرا على ما أضفت وأفدت
 
جزاك الله خيراً أختي جليسة العلم
وفقك الله لمزيد من الإفادة في كتابه الكريم
 
حياك الله أختي " رحمة "

آمين ،وإياك
وجزاك الله خيرا
 
اذا اردت المزيد
فقد كتبت بحثا في ذلك قدم الى مؤتمر كلية الاداب جامعة الموصل العام الماضي تحت عنوان : اثر الفاصلة القرانية في توجيه المعنى وقد طبع في مجلة الكلية .
 
استأذن الدكتور مروان الظفيري حفظه الله بنقل مقال الدكتور محمد الحسناوي هنا للفائدة :

[align=center]الفاصلة في القرآن الكريم
آخـر الآيـة
محمد الحسناوي
[email protected][/align]


ينقل صاحب ( الكشكول ) عن الأصمعي أنه " قال : كنت أقرأ ( والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديَهما جزاءً بما كسبا ، نَكالاً من الِله ، واللهُ غفورٌ رحيمٌ ) ، وبجنبي أعرابي ، فقال: كلامُ منْ هذا ؟ فقلتُ : كلامُ الله . قال : أعِدْ ، فأعدتُ . فقال: ليس هذا كلامَ الله , فانتبهتُ ، فقرأتُ : ( واللهُ عزيزٌ حكيمٌ ) (سورة المائدة:41) فقال : أصبتَ هذا كلامُ الله ، فقلتُ : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا . فقلتُ : من أين علمتَ ؟ فقال: يا هذا ، عزَّ فحكمَ فَقَطَعَ ، ولو غفرَ فرَحِمَ لَمَا قَطَع ". فالأعرابي بسليقته الفصيحة وحسه البياني السليم اهتدى إلى إحكام النظم في أسلوب القرآن ، ولا سيما علاقة ( الفاصلة ) (حكيم ) بآيتها تلك العلاقة التي تميز كلام ربّ العالمين من كلام سواه .

وينسب السيوطي إلى الجاحظ قوله : ( سمّى الله تعالى كتابه اسماً مخالفاً لما سمّى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل : سمّى جملته قرآناً كما سمَّوا ديواناً ، وبعضه سورة كقصيدة ، وبعضه آية كالبيت ، وآخرها فاصلة كقافية ) (1)

كلام الجاحظ هذا يحمل عدداً من الدلالات ، أولها : استقرار الدلالة على تسمية أواخر الآيات بالفاصلة في طبقة الجاحظ ، على حين كانت عبارة ( مقاطع القرآن ) هي المعروفة في طبقة الخليل ابن أحمد الفراهيدي ، ثم أصبحت خاصة أي ( الفاصلة ) بأواخر الآيات في طبقة أبي حسن الأشعري ، وإلى يومنا هذا ، كما اختصت ( القافية ) بالشعر ، والسجعة بالنثر .

الدلالة الثانية : الاستعانة بمنهج المقارنة بين أسلوب القرآن الكريم وأسلوب الشعر في إظهار جماليات الأسلوب القرآني وإعجازه ، كما فعل الإمام الباقلاني في كتابه ( إعجاز القرآن ) والجرجاني في كتابيه ( أسرار البلاغة ) و( دلائل الإعجاز ) ومن جاء بعدهما .

الدلالة الثالثة : التفطُّن إلى تسلسل وحدات القرآن وتماسكها : ( فاصلة – آية – سورة – قرآن ) ، ثم الالتفات إلى التماسك ( أو ما يسمى حديثاً الوحدة الفنية ) أو ما سماه البقاعي التناسب ( في الآيات والسور) و ما سماه سيد قطب وعبد الحميد الفراهي وعبد الله دراز بـ ( نظام القرآن ) .

كان على رأس المهتمين ببحوث الفاصلة بحسب التسلسل الزماني :

1 – علماء الكلام ، بما فيهم المعتزلة والأشاعرة .

2 – اللغويون : من رجال النحو على وجه الخصوص .

3 – المفسرون وجماعة علوم القرآن .

4 – البلاغيون (2)

وفي حدود ما وصلنا من الدراسات القديمة حول (الفاصلة ) ننوه بنوّعين :

1 – النوع الأول : وهو الكتب التي أُفردت للفاصلة ، مثل : كتاب ( بغية الواصل لمعرفة الفواصل )(كتاب مفقود) لنجم الدين الطوفي الصرصري (670- 710هـ ) ، و( إحكام الراي في أحكام الآي ) لشمس الدين ابن الصائغ ( 710 – 776هـ) ( مفقود لكن نقل منه السيوطي وغيره نقولاً ) ، و( منظومة في فواصل ميم الجمع )( مخطوطة ) لمحمد الخروبي ( نظمها 1026هـ) ، و(القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز )(مخطوط ) لرضوان المخللاتي ، و( نفائس البيان : شرح الفرائد الحسان ، في عدّ آي القرآن ) (مطبوع ) لعبد الفتاح القاضي ، ( وهو شرح وجيز لمنظومة في علم الفواصل) .

2 – النوع الثاني : وهو الفقرات التي عُقدت للفاصلة في أثناء دراسات أعمّ :

أ – فمن مؤلفات علماء الكلام : لدينا رسالة ( النُّـكَت في إعـجاز القرآن ) للرمّـاني المعتزلي , و(إعجاز القرآن ) للباقلاني الأشعري .

ب – ومن مؤلفات النحويين : لدينا ( معاني القرآن ) للفرَاء ، و ( مجاز القرآن ) لأبي عبيدة.

ج – ومن أسفار المفسرين وعلماء القرآن : لدينا ( البرهان في علوم القرآن ) للزركشي ، و( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي .

د – ومن تصانيف البلاغيين : لدينا (سرّ الفصاحة ) لابن سنان الخفاجي ، وكتاب ( الفوائد- المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ) لابن قيم الجوزية .

تناولت جهود القدماء الفاصلة في أبعادها المختلفة ، ولكن الجهد الأكبر قد انصبّ على بُعد الفاصلة العلمي ، لا سيما جهود المتأخرين منهم .

أما في الزمن الحديث ، فلا تكاد تجد باحثاً في أسلوب القرآن الكريم إلا تناول ( الفاصلة ) في معرض حديثه ، ويمكن أن نرى في المحدثين ثلاث فئات ، نجملها فيما يلي :

أ – فئة وقفت عند حدود الجمع والتنسيق لجهود القدماء ، مثل : الدكتور أحمد أحمد بدوي ولبيب السعيد وكامل السيد شاهين .

ب – فئة تجاوزت الجمع والتنسيق إلى المناقشة والترجيح وبعض الإضافة ، مع تفاوت بين أفرادها ، مثل : مصطفى صادق الرافعي ومحمد عبد الوهاب حمودة وعلي الجندي ومحمد المبارك وعائشة عبد الرحمن وعبد الكريم الخطيب .

ج – سيد قطب : انصرف إلى فتح أبواب جديدة في مناحي الفاصلة الجمالية ، كالتصوير والإيقاع ... وإن كان القدماء أنفسهم لم يهملوا الإيقاع الموسيقي للفواصل .

علم الفاصلة
اختلف العلماء ، هل في القرآن سجع ، أو ليس فيه سجع ، ولم يقل أحد كما زعم محرر المادة في دائرة المعارف الإسلامية هل كان القرآن سجعاً ؟) (3) ونحن مع الذين ينفون السجع في القرآن لأسباب : منها الفرق الفني بين أسلوب القرآن المعجز وأسلوب البشر في النثر المسجوع أولاً ، ولضرورة التمييز علمياً بين مصطلحات كل من الشعر والنثر والقرآن الكريم عن بعض ، توخياً للدقة والوضوح .. ثانياً .

لمعرفة ( الفواصل) طريقان . الأول : توقيفيّ ، كما روى أبو داود عن أمّ سلمة لما سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم . قالت : كان يُقطّع قراءته آية آية . وقرأتْ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إلى (الذين ) تقف على كلّ آية ) ، فمعنى (يقطّع قراءته آية آية ) أي يقف على كلّ آية ، وإنما كانت قراءته صلى الله عليه وسلّم كذلك ليعلِمَ رؤوس الآي . والطريق الثاني : قياسيّ ، وهو ما أُلحق من المحتمل غير المنصوص عليه بالمنصوص ِلِمُناسب (4).

ومبنى الفواصل على الوقف – كما قال الزركشي في البرهان (5) – ولذا شاع مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس ، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون ، ومنه قوله تعالى : ( إنّا خلقناكم من طينٍ لازِبٍ )(الصافات :11 ) مع تقدم قوله : ( عذابٌ واصِبٌ ) و( شهابٌ ثاقِبٌ ) ( الصافات :10 ) .

هذا بالنسبة إلى الوقف على السكون – وهو معظم الفواصل – لكن الفواصل المطلقة ، يكون الوقف فيها – طبعاً – بإطلاق الحركة ومدّها ، نحو قوله تعالى : ( ويُطافُ عليهم بِآنيةٍ من فضّةٍ وأكوابٍ كانتْ قواريرا ) ( الدهر : 15 ) .

وللفاصلة عدد من الأبنية من حيث حرف الرويّ ، أو الوزن ، أو طول القرينة ، أو طول الفقرة ، أو من حيث موقع الفاصلة ، أو مقدارها من الآية ، أو مدى التكرار .

لم تلتزم فواصل القرآن العزيز حرف الرويّ دائماً التزام الشعر والسجع ، ولم تُهمله إهمال النثر المرسل ، بل كانت لها صبغتها المتميزة في الالتزام والتحرر من الالتزام ، فهناك الفواصل المتماثلة والمتقاربة والمنفردة .

أما المتماثلة – وتسمى كذلك المتجانسة أو ذات المناسبة التامة (6) – فهي التي تماثلت حروف رويها ، كقوله تعالى : ( والطورِ/ وكتابٍ مسطور / في رَقٍّ منشور / والبيتِ المَعمورِ)(الطور:1 –4 ) ، أما الفاصلة المتقاربة – وتسمّى ذات المناسبة غير التامّة (7) – فهي التي تقاربت حروف رويّها ، كتقارب الميم من النون : ( الرحمن الرحيم / مالك يومِ الدين ) ( الفاتحة : 2-3) .

هذان النوعان ( المتماثلة والمتقاربة ) غالبان على الفواصل ، لا يكاد أحدهما يزيد عدداً على الآخر ، لكن الملاحظ أن الفواصل المتماثلة تشيع في الآيات والسور المكية : كسورة (النازعات) و (عبس) و( الانفطار) و( الأعلى ) ، على حين تغلب المتقاربة على الآيات والسور المدنية : كسورة ( البقرة ) و(آل عمران ) و( المائدة ) .

وقد استقلت الفواصل المتماثلة بإحدى عشرة من سور المُفَصَّل ( السور القصار) – ومعظمها مكيّ – هي :

1 – سور ( القمر – القدر – العصر – الكوثر - ) التي تماثلت فواصلها في حرف الراء .

2 – سورتا (الأعلى – الليل ) اللتان تماثلت فواصلهما في حرف الألف المقصورة .

3 – سورة ( الشمس ) التي على فواصل الألف الممدودة بعدها الضمير( ها ) .

4 – سورة ( الإخلاص ) التي على الدّال .

5 – سورة ( الناس ) التي على السين .

6 – سورة ( المنافقون ) التي على النون .

7 – سورة ( الفيل ) التي على اللام .

أما الفاصلة ( المنفردة ) (8) – وهي نادرة – فهي التي لم تتماثل حروف رويّها ، ولم تتقارب ، كالفاصلة التي خُتمت بها سورة ( الضحى ) (المكية) : ( ...فأمّا اليتيمَ فلا تَقهرْ / وأمّا السائلَ فلا تَنهرْ / وأمّا بِنِعمة ِربِّكَ فحَدِّثْ) .

الفاصلة أقسام من حيث توافر الوزن و انتفاؤه ، ومن حيث اجتماع الوزن مع عنصر آخر ، أو انفراده ، فهناك (المطرّف )أو ( المعطوف )(9) ، وهو ما اتفق في حروف الروي لا في الوزن ، نحو قوله تعالى : ( ما لكم لا تَرجونَ للهِ وَقاراَ / وقد خلقكم أطواراً )( نوح :31-14). وهناك (المتوازي ) (10): وهو رعاية الكلمتين الأخيرتين في الوزن والرويّ ، مثل قوله تعالى : ( فيها سُرُرٌ مَرفوعةٌ / وأَكوابٌ موضوعةٌ) (الغاشية :13- 14) . وهناك ( المتوازن)( 11) : وهو ما راعى في مقاطع الكلام الوزن وحسب ، كقوله تعالى : ( ونمارِقُ مَصفوفةٌ/ وزَرابيُّ مبثوثة ٌ)( الغاشية :15-16) . وهناك المُرصّع(12) : وهو أن يكون المتقدّم من الفقرتين مؤلفاً من كلمات مختلفة ، والثاني من مثلها في ثلاثة أشياء: وهي الوزن والتقفية وتقابل القرائن ، كقوله تعالى : ( إنَ إلينا إيابَهم /ثمّ إنّ علينا حِسابَهم ) ( الغاشية :25-26) . وهناك أخيراً ( المتماثل ) (13) وهو : أن تتساوى الفقرتان في الوزن دون التقفية ، وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية ، فهو بالنسبة إلى المُرَصَّع كالمتوازن إلى المتوازي . قال تعالى : ( وآتيناهما الكِتابَ المُستَبِينَ / وهديناهما الصِّراطَ المُستقِيمَ ) ( الصافات: 117- 118 ). فالكتاب والصراط يتوازنان ، وكذا المستبين والمستقيم ، واختلفا في الحرف الأخير .

لكل فاصلة قرينة ، جمعها قرائن ، سميت بذلك لمقارنة أختها ن وتُسمّى فِقْرة ، غير أن الفِقرة أعمّ من القرينة ، لأنها مماثلة لقرينتها بحرف الرويّ ( مسجوعة ) ، وغير مماثلة ، والقرينة لا تكون إلا مماثلة ، والقرينتان في النثر بمنزلة البيت من الشعر (14) . وقد ترتب على طول الفقرة وقصرها أقسام ، قال قوم : هي ثلاثة أقسام : قصير موجز ، ومتوسط مُعجز ، وطويل مُفصح للمعنى مُبرز (15) . ومن القصير ما يكون من لفظ واحد ، أو عدد من الحروف : ( آلم- ح~م –ط~سم )أو ( الرحمن – الحاقة – القارعة ) . وأطول الفقرات القصار ما يكون من عشر لفظات . وما بين هذين متوسط ، كقوله تعالى : ( والنجمِ إذا هوى/ما ضلّ صاحبُكم وما غوى/ وما يَنطِقُ عن الهوى /إنْ هوَ إلا وَحيٌ يُوحى) ( النجم :1-4 ) .

من الفواصل ما هو آية كاملة ، وما هو بعض آية ، وهذا النوع الثاني هو النوع الغالب المضطرد . والفاصلة التي تستغرق آية ترد في فواتح السور ، وهي على شكلين :

الشكل الأول : المؤلف من مجوعة حروف مثل : ( أل~م – ح~م –ط~سم) .

الشكل الثاني : المؤلف من كلمة مثل : ( الرحمن ) أو ( الحاقَّة ) أو (القارعة ) .

أما الفواصل التي هي بعض آية ، فعلى وجهين : أحدهما ما كان جزءًا من الآية ، لا تقوم الآيات إلا به ، ولا تستقل هي بمفهوم في غير آياتها ، وذلك كثير في القرآن الكريم ، كقوله تعالى : ( والنجمِ إذا هوى ...) وأكثر قصار السور جاءت فواصلها على هذا النحو من الاتصال . ثانيهما : ما جاء وكأنه تعقيب على الآية ، أو تلخيص لمضمونها ، أو توكيد لمعناها .. وقد تصرف القرآن في هذا تصرفاً عجيباً ، فجاء بالفواصل بعد الآيات كأنها رجع الصدى ، أو إجابة الداعي إذا دعا(16) ، كقوله تعالى : ( وردّ اللهُ الذين كفروا بِغيظِهم لم يَنالوا خيراً ، وكفى اللهُ المؤمنين القتالَ وكانَ اللهُ قويّاً عزيزاً ) (الأحزاب : 10 ) .

هناك نوع من الفواصل يرد ضمن الآية ، كقوله تعالى: ( ... لتعلموا أنَّ اللهَ على كلّ شيءٍ قدير وأنَّ الله قد أحاطَ بكلّ شيءٍ عِلماً ) ( الطلاق :12) ، فلفظ (قدير) فاصلة داخلية بالإضافة إلى (علماً) الفاصلة في رأس الآية . وهذه الفواصل الفرعية أو الداخلية أنواع ، تنقسم انقسام الفواصل الأصلية : إلى فواصل متماثلة ومتقاربة ، وغير متماثلة وغير متقاربة ، وبمعنى آخر متباعدة ، والفاصلة الداخلية ظاهرة من ظواهر القرائن والفقرات الطويلة ، لأنها تقوم مقام المرتكزات والمحطّات النفسية معنى وموسيقى .

هناك من الفواصل ما يتكرر ورودها بشكل ملتزم في السورة الواحدة . والالتزام أنواع ، فقد يلتزم كلمة الفاصلة وحدها ، كما ورد في سورة ( البقرة ) من التزام (يعلمون ) أو( تعلمون) إحدى وعشرين مرة ، أو التزام قسم مستقل من القرينة ، وهو كثير مما تقفيته بالواو والنون فالياء والنون أو الياء والميم ، كقوله تعالى : ( ... أصحاب النار هم فيها خالدون) يرد خمس مرات في سورة البقرة ، أو التزام آية أو قرينة بأسرها ، أهمُّه ما تردّد في سور ( الرحمن ) و(المرسلات ) و(الصافات) و(الشعراء ) . وقد يلتزم السياق بتكرار مقطع كامل ( آيات عدة ) ، كما جاء في سور ( الشعراء ) (الصافات ) و( القمر ) . والمقطع الملتزم في سورة ( الشعراء ) لم يقتصر على آية أو ثلاث آيات ، بل يصل إلى ست آيات مع تغيير طفيف يلائم السياق . وهو : ( كذّبتْ قومُ نوحٍ المُرسلين /إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون / إني لكم رسولٌ أمين / فاتقوا اللهَ وأطيعونِ/ وما أسألكم عليهِ من أجرٍ إنْ أجريَ إلا على ربّ العالمين ) ، واقتصر التغيير – برغم التكرار خمس مرات – على (قوم ثمود) ,( أخوهم صالح ) و( قوم لوط) و( أخوهم لوط) و( أصحاب الأيكة ) و( أخوهم شُعيب) , وتقديم آية قبل الأخيرة في موضع واحد ، ليتلاءم المقطع مع السياق ، وليشيع في التجانس حيوية .

جمال الفاصلة
التقفية في التعبير الفني نظام عربي الأصل ، قال بذلك البحاثون العرب والأجانب ، ويرجع عباس محمود العقاد في كتابه ( اللغة الشاعرة ) ذلك ( إلى أسباب خاصة لم تتكرر في غير البيئة العربية الأولى ، أهمها سببان: هما الغناء المفرد ، وبناء اللغة نفسها على الأوزان )(17) ، ولا خلاف على جمال التقفية في التعبير الفني ، وفي القرآن الكريم بالذات ، حيث تبلغ الجمالية حدّ الإعجاز .

بوسعنا أن نتلمس الأبعاد الجمالية للفاصلة من خلال علم الجمال الذي تقوم عناصره على قانونين عامين اثنين : قانون الإيقاع وقانون العلاقات . وقانون الإيقاع بدوره يضمّ سبعة قوانين ، يكمل بعضها بعضاً ، هي : النظام والتغير والتساوي والتوازي والتلازم والتوازن والتكرار . ومقولة العلاقات في العمل الفني تعني وجود أجزاء متعددة ، كما تعني أن الجزء يكتسب جماله من علاقته بما قبله وما بعده . وهذا ما عَكَسَه القانون القديم وحدة الشتات . فالصورة الجميلة بنية حية ، تشتبك وحداتها في علاقات فيما بينها، وهي في مجموعها تؤلف تلك الوحدة التي هي نتاج تلك العلاقات(18).

الإيقاع
يتجلى قانون (النظام) في مظاهر شتى ، مثل : اطّراد الفاصلة في القرآن كله ، اطراداً لا يحوج إلى برهان ، ثانيها التزامها الوقف ، لا سيما الوقف على السكون ، وهو معظم فواصل القرآن ، ومألوف الوقف في فواصل القرآن العزيز أن يكون أكثر ما يكون على حرف النون مردوفاً بحروف المدّ واللين ، ولا سيما الواو فالياء فالألف : ( عدد الفواصل على سكون الروي 4557 وأقلّها فتح الروي 608 من مجموعها في عدّ الكوفيين 6236 آية ، وذلك فضلاً عن المردوف في الوقف على الضمائر وهاء السكت ) . والمظهر الثالث للنظام افتتاح السور جميعاً – ما عدا سورة (التوبة) – بعبارة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، أو استهلال عدد من السور بمجموعات من الأحرف : ( ق) ( ن) ( ح~م ) ... لا شك بدورها التنبيهي أو الموسيقي المتسق مع ما بعدها أو قبلها ، والإيحاء الموسيقي الذي يُحسّ اكثر مما يعبر عنه .

و( النظام ) في العمل الفني ، هو الذي يُثير التوقعات أولاً ثم يُشبعها ثانياً . فحين تلتزم فاصلة أو أكثر ( الواو والنون ) يتوقع المُرتِّل تكرر هذه الفاصلة من جديد ، وحين يتحقق توقعُه يحدث لديه الإشباع ، فيتطلع مرة ثانية وهكذا دواليك .

على أن التوقع وإشباع التوقع ، أو النظام ، أو( السيمترية ) ليست وحدها تكفي العمل الفني ، لأن استمرارها أو انفرادها ينشئان الرتابة فالملل ( ومن الواضح لا توجد مفاجأة أو خيبة ظن لو لم يوجد التوقع ، وربما كانت معظم ضروب الإيقاع تتألف من عدد من المفاجآت ، ومشاعر التسويف وخيبة الظن لا يقل عن عدد الإشباعات البسيطة المباشرة ، وهذا يفسر لنا لماذا سرعان ما يصبح الإيقاع المسرف في البساطة شيئاً مملاً تمجّه النفس ، خالياً من الإيقاع والتأثير ، ما لم تتدخل فيها حالات من التخدير ، كما نجد في الكثير من الرقص والموسيقى البدائيين ، وكما هي الحال في الوزن ) (19 ) وهذا ما يفضي بنا إلى قوانين علم الجمال الأخرى ، كقانون ( التغير ) .

إن قانون ( التغيّر ) يقوم على إحداث الصدمة للتوقع عن طريق المفاجأة السارّة ، ( فإن كان ما يُحدث هذه الصدمة شيء جديد يثير الاهتمام على نحو مؤكد ، فإن الأثر الذي يتولد في نفوسنا هو أثر الشيء الطريف ، أما إذا لم يوجد ما يعوّض هذه الصدمة ، فحينئذ نُحسّ بما في الموضوع من قبح ونقص )(20)، وبعبارة مألوفة نقول : إن التأثير يعتمد على ما إذا كانت هناك علاقة تربط بين الأجزاء التي تؤلّف الكل .

الجدير بالذكر :

1 - أن تغيّر الرويّ في الفاصلة لم يبلغ حدّ الإهمال ، مما يؤكد أهمية التقفية في البيان العربي وبيان القرآن الكريم .

2 - وأن أغلب سور القرآن – لاسيما الطوال منها – أخذت بنموذج (التغير) في الفواصل ، وأن السور التي وحدت الفاصلة فإحدى عشرة سورة ، ذكرناها من قبل .

3 – نموذج ( التغير ) في رويّ الفواصل قسمان : قسم يغير مقطعاً مقطعاً ، وفي الآيات ( 6-9 ) من سورة الانفطار يتوفر القسمان معاً : ( يا أيها الإنسان ما غرّك بِربِك الكريم) ( الذي خلقَكَ فسَواكَ فَعَدلَك . في أيِّ صورةٍ ما شاءَ ركّبَك) (كلا بل تُكذّبون بِيومِ الدّين. وإن عليكم لَحافِظين . كِراماً كاتبين . يَعلمون ما تفعلون . إنّ الأبرار لفي نعيم . وإنّ الفُجّارَ لَفي جحيم . يَصلَونها يومَ الدّين . وما هم عنها بِغائبين . وما أدراكَ ما يومُ الدّين . ثُمَّ ما أدراكَ ما يومُ الدين.) ( يومَ لا تَملِكُ نفسٌ لِنفسٍ شيئاً ، والأمرُ يَومئذٍ للهِ ) .

4 – اتسع مجال تغير حرف الرويّ في الفواصل ، حتى تناول حروف الأبجدية العربية أو معظمها ، على تفاوت بينها في النسبة ، فحرف النون فاصلة القرآن الأثيرة ، فقد بلغ ما جاء عليها ساكنة بعد واو أو ياء (3050) خمسين وثلاثة آلاف فاصلة ، منها ( 1758) ثمان وخمسون وسبع مئة وألف على الواو والنون ، و( 1291) إحدى وتسعون ومئتان وألف على الياء والنون ، بينما لم ترد حروف كالغين إلا مرة واحدة : ( أولئك يعلمُ اللهُ ما في قلوبهم ، فأَعْرِضْ عنهم ، وقلْ لهم في أنفسِهم قولاً بليغاً ) ( النساء : 63 ) .

5 – لم ترد الفواصل المنفردة في أواخر السور وحسب ! بل وردت في ثنايا السياق أو في البداية . قال تعالى في أول سورة ( النصر) : ( إذا جاء نصرُ اللهِ والفتح) ، وقال تعالى في سياق سورة ( الرحمن) : ( ربُّ المشرقَينِ وربُّ المغربَينِ ) . والملاحظ أن معظم هذه الفواصل المنفردة قد سوّغت انفرادها البنية الداخلية للقرينة التي جاءت فيها . فمثلاً في قوله عزّ وجلّ ربُّ المشرقينِ وربُّ المغربينِ ) ارتكزت الفاصلة ( المغربين ) على فاصلتها الداخلية ( المشرقين ) ، كما كان للتقسيم والتقابل دور آخر ، فضلاً عن أن السياق على حرف النون كذلك ، وإن كانت نوناً مسبوقة بالألف الممدودة ( فبأيّ آلاء ربِّكما تُكذّبانِ ) ، وقل مثل ذلك في الفواصل الأخر .

وإذا تأملنا القسم الذي يتغير مقطعاً مقطعاً وجدناه ألواناً وأنماطاً ، بما يناسب السياق أو يقتضيه :

أ – قد يكون التغيّر محدوداً في مقطعين أو ثلاثة أو أربعة ، كما يكون في مقاطع كثيرة تصل إلى عشرة مقاطع أو أكثر ( والمراد بالمقطع فقرة موسيقية مؤلفة من آيات عدة ) .

ب – قد يكون التغيّر بسيطاً يتوالى مقطعاً مقطعاً ( كمقاطع سورة العاديات ) ، وهو الغالب ، كما يكون مركباً ، أي يعرّج على رويّ سابق ، وهو الأقل .

ج – قد يكون التغيّر بمقاطع متقاربة الطول ، وغير متقاربة .

د – قد يكون التغير بمقاطع مختومة بلازمة ( كمقاطع سورة المرسلات ولازمتها الآية : ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين ) ، وغير مختومة بلازمة .

هـ – يغلب على المقاطع الأخيرة في هذا القسم التزام رويّ النون مردوفاً بالواو أو الياء ، انسجاماً مع شيوع هذه الفاصلة في القرآن .

و – معظم سور هذا القسم –إن لم نقل كلها – سور مكية .

وهذا غير التغير في طول القرينة من فاصلة إلى فاصلة ، أو من مقطع إلى مقطع . ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن قانونين من الإيقاع ( النظام والتغير ) للتمثيل .

العلاقـات
لعلاقة (الفاصلة ) بسياقها أنواع : علاقتها بقرينتها( أو الآية ) التي وردت فيها ، أو المقطع أو السورة ، أو حتى الجزء الواحد من القرآن ، وبمجموع القرآن الكريم .

أما علاقة الفاصلة بقرينتها ، فقد أطلق عليه القدماء : ائتلاف الفواصل مع ما يدلّ عليه الكلام . قال الزركشي : ( اعلم أنّ من المواضع التي يتأكد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام وأواخره ، وإيقاع الشيء بما يشاكله . فلا بدّ أن تكون المناسبة للمعنى المذكور أولاً ، وإلا خرج بعض الكلام عن بعض . وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك . لكن منه ما يظهر ، ومنه ما يُستخرج بالتأمّل للبيب) ( 21) . وقد حصروا هذا (الائتلاف)في أربعة أشياء ، هي : التمكين ، والتوشيح ، والإيغال ، والتصدير . الفرق بينها أنه إن كان تقدم لفظها بعينه في أول الآية سمّي تصديراً ، وإن كان في أثناء الصدر سمّي توشيحاً ، وإن أفادت معنى زائداً بعد تمام معنى الكلام سمّي إيغالاً ، وربما اختلط التوشيح بالتصدير لكون كلّ منهما ، صدرُهُ يدلّ على عجزه . والفرق بينهما أن دلالة التصدير لفظية ، ودلالة التوشيح معنوية .

فالتمكين : هو أن يمهد قبل الفاصلة تمهيداً تأتي به الفاصلة ممكّنة في مكانها ، مستقرة في قرارها ، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة ، متعلقاً معناها بمعنى الكلام كله تعلقاً تاماً ، بحيث لو طُرحت اختلََّ المعنى ، واضطرب الفهم . مثل الخبر الذي أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال: أملى عليّ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طينٍ . ثمّ جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مكينٍ . ثم خلقنا النُّطفةَ عَلَقَةً ، فخلقنا العَلَقَةَ مُضْغَةً ، فخلقنا المُضْغَةً عِظاماً ، فكسَونا العَظامَ لحماً ، ثمّ أنشأناهُ خَلْقاً آخرَ ...)(المؤمنون : 12-14 ) ، وهنا قال مُعاذ بن جبل : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقِين) فضحك رسولُ الله صلى اللهُ عليهٍ وسلّم ، فقال له معاذ : مَمَّ ضحكتَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : بها ختمتْ . (22)

والتصدير : هو أن تكون لفظة الفاصلة بعينها تقدمت في أول الآية ، ويسمّى ( ردّ العجز على الصدر ) ، وقيل هو ثلاثة أقسام . الأول : توافق آخر آية وآخر كلمة في الصدر ، نحو قوله تعالى : ( .. أنزلَه بِعِلمِهِ والملائكةُ يَشهدونَ، وكفى باللهِ شهيداً ) (المائدة : 165 ) ، والثاني : : أن يوافق أول كلمة منه نحو : ( وهَبْ لنا من لَدُنك َرحمةً . إنَكَ أنتَ الوهَّاب) (آل عمران : 8) ، والثالث : أن يوافق بعض كلماته ، نحو : ( ولقدِ استُهزيءَ بِرُسُلٍ من قبلِكَ ، فحاقَ بالذينَ سخِروا مِنهم ما كانوا بِهِ يَستهزِئون )( الأنعام : 10) .

والتوشيح : سمّي بهذا الاسم لأن الكلام نفسه يدلّ على آخره ، نُزّل المعنى منزلة الوشاح ، ونُزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح ، اللذين يجول عليهما الوشاح ، ولهذا قيل فيه : إن الفاصلة تُعلم قبل ذكرها . وسمّاه بعض العلماء ( المُطمِع) ، لأن صدره مطمع في عجزه . قال تعالى : ( إن الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآل إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ على العالمين ) (آل عمران : 33 ) ، فإن اصطفاء المذكورين يُعلم منه الفاصلة ، إذ المذكورون نوع من جنس العالمين . وقوله : ( وآيةٌ لهُمُ الليلُ نَسلخُ منه النهارَ فإذا هم مُظلِمون ) ( يس : 37 ) ، فإنه من كان حافظاً لهذه السورة ، مُتيقظاً إلى أن مقاطع فواصلها النون المردوفة ، وسمع في صدر هذه الآية : ( وآيةٌ لهم الليل نسلخُ منه النهارَ ) علم أن الفاصلة ( مُظلمون ) ، فإنَ من انسلخَ النهارُ عن ليله أظلم ما دامت تلك الحال (23) .

الإيغال : سمّي بذلك ، لأن المتكلم قد تجاوز المعنى الذي هو آخذ فيه ، وبلغ إلى زيادة على الحدّ ، كقوله تعالى : ( أفحُكمَ الجاهليةِ يَبغون؟ ومنْ أحسنُ من اللهِ حُكماً لقومٍ يوقِنون؟) ( المائدة : 50) ، فإن الكلام قد تمّ بقوله : ( ومن أحسنُ حكماً ) ثم احتاج إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى ، فلما أتى بها أفاد معنى زائداً . (24)

وهناك علاقة الفاصلة بالمقطع( مجموعة آيات) الذي وردت فيه ، وهي على أنواع . النوع الأول : علاقة التقسيم أو القفل أو الختام على شكل من الأشكال ، ونجد له أمثلة في تكرار (اللازمات) : ( ويلٌ يومئذٍ للمكذبين ) (المرسلات ) ، ( فكيف كان عذابي ونُذُرِ ) ( القمر ) ...ونمثل له الآن بالمقطع الأول من سورة (النبأ ) ، قال تعالى : ( عمّ يَتساءلون .عن النبأِ العظيم . الذي هم فيهِ مُختلفون . كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) . فالآيات الأولى تعرض لتساؤل المتسائلين عن ( يوم القيامة) واختلافهم فيه بين مكذّب ومستغربٍ ومتردّد وغير ذلك ، فجاءت خاتمة هذا اللغو : ( سيعلمون ) . والتعليم مقرون بالتأديب للمُنكِر فحسُنَ التوبيخ بـ (كلا ) : ( كلا سيعلمون ) ، وبتوكيد هذا التوبيخ . والنوع الثاني : علاقة إيقاع موسيقي ، يقتضيه السياق : نمثل له من سورة ( مريم ) التي لاءم القصُّ فيها التزام رويّ ( يا): (زكريّا، حفيَا، شقيّا ..)في المقطع الأول ، ولاءمت الواو والنون سياق الجدل في المقطع الثاني : ( .. يَمترون ، فيكون ...) ، ثم لمّا عاد القصُّ في المقطع التالي عاد الرويّ (يا) : ( .. نبيّا ، شيئا) . وكذلك الحال في سور (آل عمران ) , ( النبأ) , ( النازعات ).

ثم هناك علاقة الفاصلة بالسورة - وهي ما أطلق عليه القدماء (خواتم السور) – وهي على أنواع. النوع الأول : تعلّق فاصلة آخر السورة بمضمون السورة أو بغرضها العام ، كخواتم سورة(المرسلات) و( الضحى ) و ( العاديات ) و( الكافرون ) والانفطار ). فسورة (المرسلات ) اتجهت إلى إقناع المكذبين مقطعاً بعد مقطع ، وحجةً بعد حجة ، معقبة على كل مقطع أو حجة بآية : ( ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين ) ، ولما استكملت غرضها العام كانت الخاتمة : ( فبأيّ حديثٍ بعدهُ يؤمنون ) . أما سورة ( الكافرون ) التي اهتمت بإبراز المُفارقة بين المؤمنين والكافرين ، رداً على العرض الذي تقدّموا به إلى الرسول ، للاتفاق على عبادة الله تعالى الذي يدعو إليه الرسول ، يوماً أو شهراً أو سنة ، ثم عبادة أصنامهم – والعياذ بالله – مثل ذلك ، فكانت الخاتمة الحاسمة : ( لكم دينكم وليَ دينِ ) . النوع الثاني : تعلق الفاصلة الأخيرة بفواتحها ، أي ردّ عجز السورة على صدرها ، كما في سورة (المؤمنون ) و(ص) و(القلم) . ففي صدر سورة (ص~) قوله تعالى : (ص~ والقرآنِ ذي الذكرِ ) وفي خاتمتها : ( إنْ هُوَ إلا ذِكرٌ للعالمين . ولَتَعْلَمُنَّ نبأَهُ بعد حين ) ، وقريب منه في السورتين الأخريين . النوع الثالث : تعلق الفاصلة موسيقياً بجوّ السورة ، وهذا ما يبدو جلياً في السور الإحدى عشرة ، ذوات الرويّ الموحّد ( المتماثل ) ، وقريب منها السور ذوات الرويّ المتقارب ، لاسيما (الفاتحة ) و(يونس ) و( المؤمنون ) و ( الدخان ) و ( القلم ) و( المُطفّفين) و( التين ) و( الماعون ) .

وأخيراً تعلّق الفواصل موسيقياً بمجموع القرآن ، من وجهين : الأول غلبة فواصل النون الساكنة المردوفة بواو أو ياء . الثاني : غلبة الوقف على السكون على سائر الفواصل الأخرى ، حتى إن القاريء الشادي يستطيع أن يميز التعبير القرآني بواحدة من هاتين الظاهرتين أو بهما معاً ، بالإضافة إلى مزايا التعبير القرآني الأخرى . ولا تقلّ عن هاتين الظاهرتين ظاهرة ثالثة ، وهي اطّراد الفاصلة في سور القرآن وآياته جميعاً . إن باب العلاقات واسع سعة باب الدلالات ، نكتفي منه بهذا القدر ، ونحيل من يحب الاستزادة إلى مطالعة هذا السفر الخالد الذي لا تنقضي عجائبه ، والذي لا حدَّ لجمالِه ودقّة إحكامه، وسيرتّل معنا بإمعان : ( أفلا يَتدبّرون القرآنَ ، ولو كان من عند غير اللهِ لوجدوا فيهِ اختِلافاً كثيراً ) (النساء : 81 ) .

المصدر : http://www.odabasham.net/print.php?sid=4985&cat=
ــــــــــــــــــــ
الهوامش

(1) – الإتقان في علوم القرآن – السيوطي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة – 1961م - 1/143 .(2) – بحث(في تاريخ فكرة إعجاز القرآن) مجلة (المجمع العلمي العربي) بدمشق-مج27-ص573 .(3) – (دائرة المعارف الإسلامية ) عن النص الإنكليزي . ط2 – ج2 – مادة فاصلة – محرر هذه المادة هـ . فلايش (4) – البرهان في علوم القرآن – الزركشي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار إحياء الكتب العربية بمصر – 1384هـ = 1944 م ط1 –1/89-101.(5) – البرهان في علوم القرآن – 1/69-70 .(6) – ثلاث رسائل في إعجاز القرآن : النكت للرماني – تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام – دار المعارف بمصر – 1961م . ( 7) – النكت للرماني : 90 ، وسر الفصاحة – ابن سنان الخفاجي – تحقيق عبد المتعال الصعيدي – مكتبة صبيح بمصر 1372هت = 1962م –ص 203 البرهان 1/75. (8) - من بلاغة القرآن – الدكتور أحمد أحمد بدوي – مكتبة نهضة مصر – 1370هـ = 1950م – ط3 – ص88 . ( 9) – كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان – ابن قيم الجوزية – مطبعة السعادة بمصر 1327هـ - ط1 – ص226-227 ، والبرهان للزركشي 1/67 ، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة – طاش كبري زادة – تحقيق كامل كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور – دار الكتب الحديثة 2/517. ( 10 ) و(11) – المرجع السابق . (21) و(13) – البرهان1/77 . (14) – صور البديع – فن الاسجاع – لعلي الجندي – دار الفكر العربي بالقاهرة 1370هـ= 1951م –1/195 وصبح الأعشى في صناعة الإنشا – للقلقشندي – نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية بمصر 1388هـ = 1963م 2/280 . (16) – كتاب الفوائد : 227 . (15) – إعجاز القرآن – عبد الكريم الخطيب : 2/221. (17) – اللغة الشاعرة – عباس محمود العقاد – ط1 – ص 137- 138 . ( 18) – فلسفة الجمال – ا . ف. جاريت – ترجمة عبد الحميد يونس ورمزي يسّي وعثمان نويه – دار الفكر العربي بالقاهرة – ص 136 – 137 . (19) – مباديءالنقد الأدبي – إ . ا . رتشاردز – ترجمة الدكتور مصطفى بدوي – المؤسسة المصرية العامة 1963م -ص 192 .(20) – الإحساس بالجمال – جورج سانتيانا – ترجمة مصطفى بدوي – مكتبة الأنجلو المصرية - ص :116 .(21) – البرهان1/78 ، والإتقان 2/101 – نسخة غير محققة- البابي الحلبي- 1370هـ = 1951م . ( 22) – الإتقان 2/101 – نسخة غير محققة . (23) – البرهان 1/95 ، والإتقان 2/104 – نسخة غير محققة .(24) – اابرهان 1/96- 97 ، والإتقان – غير محققة : 2/74 .



`
 
قد كانت رسالتي في الدكتوراة بعنوان الدلالات المعنوية لفواصل الايات القرانية
ولا تزال حبيسة الادراج تنتظر فك القيود
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى