وتعريف الشجر: كل ما قام على ساق، وسما بنفسه؛ ( أي بعد عن الأرض)، دق، أم جل، قاوم الشتاء، أم لم يقاوم؛(بقي له ورق أو سقط ورقه)، واستمر نموه سنوات عديدة، وتبقى لما دق منه أرومة في الأرض ينبت منها في السنين التالية.
فتسمية الشجر راجع إلى ابتعاده عن الأرض؛ بقيامه على ساق، واستمرار نموه سنوات، واتجاه النمو إلى الأعلى بعيدًا عن الأرض.... هذه الصفات التي تحدد الشجر عن غيره من النبات.
على الرغم من كثرة أشجار الجنة، وعظمها وتنوعها؛ منها الظل، ومنها الفاكهة، فلم يسم الشجر في الجنة بالشجر في القرآن؛ وهذا من عظم بلاغة القرآن الكريم الذي بني إعجازه على اللغة ومراعاته الدائمة لسبب تسمية المسميات بأسمائها، ولأن لفظ الشجرة مبني على البعد عن الأرض، وسماع لفظها دال على البعد، ويذكر به، والجنة دار النعيم الدائم والخالد، لا خروج منها، ولا تحول عنها، ولا إبعاد، فإسقاط ذكرها هو الأنسب لحال الجنة.
وثانيًا: أن معظم الشجر، وخاصة المنتج للفاكهة منها؛ وهو شجر الجنات، تسقط أوراقه في فصل الشتاء، وتبعده، وجنة الآخرة دائم ظلها وأكلها، لذلك لم يسم نبات الجنة بالشجر مطلقًا00
وثالثًًا: أن الله تعالى وصف ثمار الجنة (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) الحاقة، بشدة القرب والإحاطة وهذا الوصف لا يتناسب مع اسم الشجر الدال على البعد.
ولم يذكر اسم الشجر مع ذكر الجنة إلا الشجرة التي أبعدت آدم وزوجه عن الجنة، الجنة التي كانت فيها أول سكنى لآدم عليه السلام وزوجه؟، وأبعدت عنهما لباسهما، وأبعدتهما عن الله حتى تاب عليهما، وقد حذرهما سبحانه وتعالى من الأكل منها، وسماها باسمها ليظل حذره منها، ولكن الشيطان استطاع أن يغويه، وقد بينا في المبحث الأول أنه هذه الشجرة لم تكن داخل الجنة، بل خارج الجنة بعيدة عن أشجار الجنة غير متصلة بها.
وقد مثل تعالى لبيان الفارق والبعد الكبير بين الكلمة الطيبة، والكلمة الخبيثة، بتمثيلهما بشجرتين لأن اسم الشجرة يدل في نفسه على البعد؛ قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) إبراهيم. وقد ذكرت هذا التمثيل من دون بقية ما ذكر عن الشجر في القرآن، لبيان ما قد يخفى على المتدبر من الربط بين التمثيل بالشجرة، ومراعاة سبب تسميتها في هذه الآية.
ولما كان ذكر الشجر في القرآن الكريم على خلاف نظرة الناس إلى الشجر، فهم ينظرون إليه على أنه منظر، وخضرة، وزينة، وجمال، وثمار، أما في كتاب الله فالأمر مختلف جدًا فقد عوملت الشجرة على أساس تسميتها وهي بعدها عن الأرض .... وقد عرفنا الآن سبب تسمية الشجرة، وارتباطها تسميتها بالبعد، وغربتنا في هذه الأرض بعد أكل والدينا آدم وحواء من تلك الشجرة ..