السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود

المشاهدة رقم 11
استوقفتني عادات وأخلاق ربي عليها الإسبان ولعلهم أخذوها من الحضارة الأندلسية الإسلامية البائدة...كنت أركب المترو للتنقل بين أحياء مدريد لا أرى ازدحاما على أبواب...ولا اكتظاظا على تذاكر...الكل يعرف ما له وما عليه...انضباط...واستقامة والتزام...راعني أيضا عدم تضييع الوقت فيما ليس يهمُّ ...في الطريق في الحافلة من مدريد إلى القرية التي كانت مثواي خلال الشهر الفضيل...كنت أرى الراكبين خلال الرحلة التي قد تكون في ساعة أو أقل منهمكين في قراءة كتاب أو مجلة أو مطالعة لموقع على حاسوب محمول...لا ينشغل الواحد منهم بالنظر إلى معايب الآخرين ولا يتدخل فيما لا يعنيه....
 
المشاهدة 12
كنا ندخل المحلات التجارية للتفرج على آخر المنجزات المادية التقنية والإلكترونية أو غيرها ...فكان مرافقي يلقون بالتحية على من كان يكون فيها من المشرفين والساهرين..وكانت التحية تكون بالإسبانية...كان ذاك يحز في نفسي...ولا أجد له مبررا...فأرشدت غيري إلى أني أرى الجمع بين الأمرين ...بين لفظ التحية الإسلامية السلام على من اتبع الهدى...ولفظ ألا بضم الهمزة واللام المفتوحة ـ الإسبانية....بعد ذلك تبين لي أن الأمر منتشر انتشارا واسعا لايُستطاع التحفظ منه...إذ جرت للإخوة المقيمين في ديار الغربة به عادةٌ...وألفه منهم الإسبان فكيف يغير في يوم و ليلة؟؟؟ العجيب أن الإسبان يبتدئونك في أحايين كثيرة بالسلام..ويفعلون ذلك من غير تقدم معرفة بك...أوَ يكون ذلك من رواسب الثقافة الأندلسية الإسلامية؟؟؟
 
لا تزال موفقًا يادكتور محمد ، نشكركم على هذه المشاهد والأحداث الطريفة اللطيفة، بارك الله سعيكم ، ووفقكم أينما كنتم.
 
...أخذتُّ أجري هنا وهناك لإشتداد المطر...لا أدري لي وزرا ولا ملجأ...وكأني أعيد ما قد جرى هنا في ساحات هذا القصر وبين ردهاته...من فصول تلك المأساة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا...قتلٌ وتشريد وفتك ودماء واغتصاب وحرق لتراث أمة وسرقة لتاريخ حضارة....يا إلهي كم مات ههنا من مسلم معصوم الدم...وكم سفك دم امرأة مسلمة بعد أن انتهك منها العرض...وكم فُرِّق بين أب وأبنائه...

كفى يا شيخ كفى ...
 
المشاهدة 13
استوقفتني مظاهر العناية بالشهر الفضيل من قبل الجالية المقيمة في إسبانيا...تمور أينما يممت وجهك...وحريرة مغربية...وحلويات مغربية خاصة برمضان...راعني في هذا أيضا التزام الشباب باللباس الإسلامي الفضفاض...الجلباب المغربي...والقميص المشرقي...وإن كان بعضهم يتحرج من اللباس الوطني مغربيا كان أو غيره... أنْ يلبسه في الشارع أمام الملأ...ورأيتُ اعتزاز السود من السنعال وغيرهم بلباسهم الوطني وعدم تركهم له ...واقتنعتُ بعدُ أنْ لا حرج من أن يلبس المسلم في الغرب لكل حالة لبوسها من غير نفاق أو مداهنة أو تفريط في دين أو هوية....لأن الوضعَ في الغرب غيرُ الوضْع في بلاد الإسلام والعروبة...ومن رأى غير ذلك...فقد أبعد النجعة وكأني به لا يعرف ما يجري في ديار الغربة...
 
المشاهدة 14
استوقفني أثناء فطوري مع من يمثل مدير مركز الملك فهد بمدريد في مطعم المركز...شُرب بعض الإخوة من المشرق لماء بارد جدا...عقب تمرات استفتح بها فطوره...واستغربت ذلك...لأن العادة عندنا في المغرب قد جرت بأن ما يستفتح به عقب يوم طويل من الصيام...شرب شيء ساخن سخونة غير زائدة...وذاك الذي يكون في الحريرة المغربية المعروفة المشهورة التي شربها بعض من كان يحضرنا في ذاك المجلس من الدعاة الفضلاء من أهل السعودية ومدحوها وشكروها...وفطور المغربي لا يكاد يخلو من بارد بيد أنه يكون آخرا بعد امتلاء البطن...في عصير فاكهة...لكنه لايكون باردا برودةَ شرابِ من رأيتُه يُقبل على المشروب عقِب الفطور على تمرات...
 
المشاهدة 15
استوفتني أوضاع الجالية المسلمة في إسبانيا...وأهمني أمر كثير من أفرادها...بيد أن أغرب قصة وقفت عليها من ذلك...قصة رجل مهاجر من بعض البلاد العربية...غادر بلده مهاجرا في السر...ترك زوجه حاملا ...لبث مهاجرا في إسبانيا في السر أربعة أعوام...لم تسو وضعيته بعدُ...ما خرج من إسبانيا قط...لو خرج ماعاد إليها أبدا....والعجيب الغريب الذي كادت كبدي تنفلق له أنه لم ير مولوده الذي تركه جنينا في بطن أمه قط..لقد صار الجنين وليدا لا يعرف له أبا....
 
المشاهدة 16
استوقفتني أسئلة الشباب في المهجر الإسباني في الدين والسياسية والإجتماع...فألفيتها هي التي يكثر دورانها في البلاد العربية والإسلامية...فالهم واحدٌ والداء والدواء واحدٌ.. وأكثر ما استوقفني من ذلك أسئلة الدين...والأسئلة عن الشهر الفضيل...وعن السؤال الأزلي القديم الجديد المعروف..أنا في ديار المهجر مع من أصوم...مع البلاد العربية ومع أي بلد فيها...أم مع المشرق...أم أستقل بالرؤية...فأصوم وفق تقويم البلد الذي أنا فيه وإن كان بلدا لا صلة له بالإسلام والصيام...يقول السائل ماذا أفعل...أفتوني في أمري...فأنا حائر...العجيب الغريب ليس يكمن في طبيعة السؤال، بل العجيب الغريب الذي أطار مني صوابي أو كاد ما قد اتفق من نادرة مدهشة في تمام الصيام وذهاب رمضان في ديار كنا نقول بالأمس إنها من أرض الإسلام...وذاك الذي أقصه بعد حين....
 
رحلة رستمية أخرى

رحلة رستمية أخرى

رحلة رستمية أخرى ..


خطفت السمع والبصر ..
أوجعتهم ،، آلمتهم ،، وهي مجرد كتابه فكيف لو عايشوها !!
آه على قلب كسير ، وهو في حاله حسير ..
ابتل الكيبورد بدموع نزلت من عين تاقت لرؤية تاريخها حتى لو مسخوه وحرفوه ، وشوهوه وأبادوه ..
فسيبقى تاريخنا ..
وستبقى أندلساً لنا ..
فالأيام دول والدهر ذو عبر ، وإن كانت لهم اليوم ، فهي لنا بالأمس وغداً بإذن الله ,,,
وكيف لا !!
وهذا الملتقى يجمع كل ساعة بل كل دقيقة كوكبة عظيمة من أهل العلم الفضلاء ,,
أولستم تقرؤون كتبهم ؟! وعلى منهاجهم سرتم ؟!
أغبطكم على ما أنتم فيه ،،
تستحي عباراتي وهي تُكتَب ، فأنا لست من أهل هذا الملتقى
ولكن عل الله أن يخلف خيرا فالرب تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال70
عسى الله إن علم في قلبي خيرا أن يؤتيني خيرا ،،
ولا أزال أرقب هذا الملتقى المبارك عن كثب، أتفيأ بظلاله ،، وأرتع في بساتينه القرآنية ,, مؤمنة بأن سيكون هناك يوما ، أخدم كتاب ربي فيه ...
فجزاكم ربي - على جهدكم - ظليلة العرش نزلا
***
سيدي الكريم / أ . محمد بن زين العابدين رستم
لدي اقتراح ، فتقبله بانشراح
رحلاتك ماتعة ، فقد جمعت بين الأدب والتاريخ والعلم والثقافة ..
وأجزم بأن هناك من هو في عطش لها ، من الأقلام المؤمنة الشابة ..
فما رأيكم بأن تنشر بأي طريقة تفضلونها ..
حتى لا تمحوها حشود المواضيع في الملتقى المفتوح ..
فغالبية مرتادي هذا الملتقى هم أهل التفسير فقط ..
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه ..

ابنتكم / فتاة الاستفهـــــــ؟ م ،،
 
المشاهدة 17
استوقفتني مشاهد رأيتها في رحلة من مدريد إلى كوينكا هكذا خيل إلي أنها تنطق ولست أحقق الآن لفظها...بيد أنها بلدة بعيدة عن مدريد...قضينا في السفر إليها نصف يوم بسيارة قديمة...لتاجر أراد أن يشتري من ضواحيها عسلا حرا أصيلا...فوصلنا إلى قرية يبدو أنها قديمة ومرافقها متواضعة في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا....وكنا صُوَّم ٌفي يوم رمضاني...شديدٌ حرُّهُ...طويلٌ نهاره...صعبةٌ مسالك السفر فيه...كانت القرية صغيرة الحجم...مستلقية على سهول قاحلة...وصلنا إلى الهدف المنشود...دخلنا دارا كبيرة بها آنية كبيرة قد وضع فيها عسل مصفى...قد اعتنى به صاحبه الإسباني...غَرفَ منه التاجر ما شاء واشترى منه ما اشترى...تذكرت عسل العرب والمسلمين...الذين صفَّوا ماءه...وأعدوا لنحله ما يرعاه من ريحان وتين وزيتون....ذرفت دمعا أنساني حلاوة العسل...
 
أستدرك على نفسي قولي وكنا صوم إذ الصواب وكنا صّوّماً، وإني لا أكاد أراجع ما أكتب هذه الأيام فأنا بين جبال لا كهرباء ولا اتصال باستمرار بالنت فافهم فهمك الله...
 
المشاهدة 18

لما كنا في رحلة كوينكا مررنا على وادي الحجارة....وهو اليوم اسم لمدينة تقع على بعد مسافة لا بأس بها من مدريد....اشتهر هذا الوادي بنسبة عدد من أهل الفضل والعلم إبان الحكم الإسلامي للأندلس....والغريب العجيب أن الوادي ما زال إلى اليوم يحمل الإسم العربي القديم مع تحريف وتزوير لا يخفى على الفطن الأريب الأديب...وكأن الأرض والحجارة تقول أنا أندلسية عربية إسلامية رغم ما قد حدث على ظهري...فلستُ أتغير...
 
المشاهدة 19
المسلم في الغرب منهم حتى تثبت براءته....كنت مرة في أزقة كلاباكار أجول مع أحد الإخوة المقيمين في إسبانيا بعد أن اشتريت هدايا أحملها معي عند رجوعي إلى بلدي...فأوقفتني سيارة شرطة ...نزل الشرطيان...وتحدثا إلي وإلى رفيقي بالإسبانية / فهمت أنهما يسألان عن الجواز والتأشيرة ,,,,أعطيتهما الجواز ووثيقة تثبت أني في مهمة رسمية....رمقا ما بيدي مما كنت أحمله من هدايا....بحثا في الكيس...وتأكدا أن ذلك ليس مسروقا....مضيا لحال سبيلهما بعد أن سجلا الإسم وما يتعلق بي في مذكرة خاصة....سقط في يدي...في بلد الحريات...لا يستطيع الأجنبي أن يفعل ما يشاء في حدود قوانين الدولة....تساءلت هل نفعل نحن بهم ما يفعلونه هم بنا...أم أنه ترحيبٌ واستقبال ومعانقة للفكر والعادات و...و.....ذكرت ما تعرضت له إلى بعض المسؤولين من الإخوة المقيمين...قال لي أحدهم غاضبا...كيف يكون هذا وأنا بين ظهرانيكم ؟؟؟ قلت له أقصر أيها الفاضل..أتدري لم كان ذلك؟؟قال : ولمه؟؟؟قلت: لقد أصابناالذل...إننا لو كنا أعزة اليوم ما عوملنا معاملة من لا يسوى....أطرق الغاضب وقال لقد صدقت وبررتَ...
 
المشاهدة 20 راعني حرص كثير من أفراد الجالية العربية المسلمة في إسبانيا...على فعل الصالحات والقيام بالطاعات..ولقد ذكرت من قبل ..بعض شواهد ذلك، والآن أسوق شاهدا آخر...فلقد لقيت شابا في مقتبل العمر في مركز الملك فهد في مدريد...جمعني به القدرُ ومحاسن التوفيق...كان ذلك قبيل أذان الإفطار...وكنت يومئذ غير معروف إذ لم يحن بعدُ موعد محاضرتي في المركز، ولا أتيت في زيارة رسمية للمركز...بل جئتُ زائرا عاديا...لم ألق إمام المركز ولا مديره...وأتيتُ متعرفا أخبارَ المركز بنفسي لوحدي...فتهيأ لي الوقوف على أمور كثيرة ما كنت أقدِّر الوقوف عليها لو كانت الزيارة رسمية ....قال لي الشاب وهو مقيم في المرية في جنوب إسبانيا من إقليم الأندلس...إنه ما التزم إلا قريبا...قلت له: لا يضرك تأخر التزامك شيئا، قال: وإن تأخر ذلك كثيرا، قلت ملتفتا إلى صاحبي وصعدت فيه بصري: وكم مضى عليك من السنين؟، قال: زهاء أربعة وعشرين عاما...قلت ما بالك بمن بلغ الستين وما تاب ولا أناب، واستحق من الله العتاب، بعد وقوع الإمهال والإنذار؟؟ قال: إني عازم على فعل عمل يزيد من الرصيد...ويرضي الرب الرحيم...قلت: وما ذاك؟؟ قال: إني ذاهب إلى العمرة الآن من مدريد...قلت: وهل أنت وحدك، قال: بل أنا مع أهلي وابتني الوحيدة، كلنا في شوق إلى زيارة تلك المعاهد...والبكاء على تلك الزلات والذنوب والخطايا المسودة للدنيا والمعاد...راجيا حسن الختام...والعصمة من الآثام...والقبول عند تمام التمام...
 
المشاهدة 21 كنت كثيرا ما أخرج متجولا في أزقة كوالاباكار ...وهي قرية كأنها مدينة ...وكان الإخوة قد تقدموا إلي بنصيحة قالوا إذا أردت الراحة وعدم الإزعاج فعليك بظاهر القرية أو المدينة...فكنت أخرج إلى ظاهر القرية المدينة ...آتي إلى متسع من الأرض ...فيه سهول وهضاب من حوله...وجبال تتراءى من بعيد ...فأجلس متفرجا على الأرض والسماء...أتساءل هل هذه الأرض هي التي استقبلت المسلمين...وآوت الهداة المخرجين الناس من الظلمات إلى النور...أهذه هي السماء التي أظلت بقيًّا وابن وضاح وابن حزم...وابن رشد والزهرواي وابن بشكوال وابن عبد البر وابن زيدون، والقالي وابن سيدة وابن العربي المعافري والصدفي السرقسطي والعذري المري وابن رشيد السبتي الذي جاء غرناطة والقاضي عياضا الذي جاء طالبا العلم من بلده سبتة... يتبع
 
أهذه هي الأرض التي حملت على ظهرها المجاهدين من الملثمين من المرابطين الذين وفدوا من المغرب منجدين، ولأدواء ملوك الطوائف آسين، ولجراح الأندلسيين مداوين...فشادوا هناك حضارة اختلطت بالحضارة الأندلسية الضاربة جذورها في القدم...ثم جاء من بعدهم الموحدون من المغرب وافدين فشادوا منارة الخرندا التي تشبه في كثير من بنائها منارة مسجد حسان بالرباط وصومعة مسجد الكتبيين في مراكش...يا رباه...يا إلهي..أهذه هي السماء التي أظلت لسان الدين ابن الخطيب الوزير الأديب المترسل ...الذي وُصف بأنه وزير غرناطة...ومؤرخ غرناطة...وأديب غرناطة.... يتبع
 
أهذه هي الأرض التي شهدت انتصارات المنصور ابن أبي عامر...انفسحت لها الأرض الإسلامية...وتوسعت الرقعة العربية...وأصيب العدو في مقتل...وأرعب المخاصم...وخاف من المسلمين بما ألقي في نفسه من الرهبة...هنالك تجلت العزة لله ولرسوله...ودان الناس بالإسلام...وعم الأمن والأمان حتى بلغ أثره اليهود والمخالفين...فعاشوا في ظل الدولة الأندلسية الحاكمة في رغد من العيش...آمنين على أنفسهم و أموالهم وأرزاقهم . لايخافون إلا الله فوقهم..
 
أهذه هي الأرض التي شهدت أكرم وأعف حضارة عرفتها أوربا في تاريخها القديم...بل إن بداية التاريخ الأوروبي ما كانت إلا بارتباطها بتاريخ الإسلام في إسبانيا...أهذه هي السماء التي أظلت الحكم المستنصر بالله الأموي الذي عرف بعلمه وتضلعه منه ...وبعكوفه على الكتب ...ونظره فيها فما من كتاب إلا وله عليه نظرٌ...ورأي...وتعليق...أم أن هذه هي السماء التي أظلت المعتمد بن عباد في أدبه وشعره ورهافة حسه...ومحبته للعلم والعلماء...وإغداقه على من له به تعلق أو أدنى ملابسة...
يتبع
 
كنت أقضي وقتا غير قليل في تأملاتي تلك ...خارجا من عصري...داخلا في عصر قد خلا وانقضى...أتذكر فيه ما قرأته في الكتب الأندلسية...من اخبار عن أهل العلم وممالك الإسلام في أرض أندلس...وأرى الديار غير الديار...والناس غير الناس...والعهد غير العهد...وكأني لستُ في الأرض التي يقال لها الجزيرة الأندلسية..والتي جمع.أخبار شعرائها وما أبدعوا ابن بسام في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة....وكأني لستُ في الأرض التي عشقها العرب المسلمون فكتبوا في فضائل هوائها وأهلها ما قد كتبوا من رسائل وأجزاء كان من أهمها ما دبجته يراعة ابن حزم في رسالته في فضل الأندلس...وكأني لست في الأرض التي كانت فيها أول محاولات الإنسان من أجل الطيران والتحليق في الجو مع عباس بن فرناس....وكأني لستُ تحت السماء التي أظلت قرطبة في العصور الوسطى مضيئة بأنوارها التي انتشرت الإنارة بها في دروب وأزقة المدينة الساحرة العجيبة....كنت مهموما بهذه التأملات...في شُغُل شاغل من هذه الأفكار التي تبدو أنها من عصر قديم لم يكن أبدا كائنا في واقع الناس...فأين أنا في مدريد بصخبها من إشبيلية في هدوئها...وأين أنا في برشلونة بازدحامها من طليطلة في وداعتها...تغير الواقع وما تغير مانقرؤه في كتب التاريخ...فهل نعيش في التاريخ...ولا نلامس الواقع؟؟؟
 
المشاهدة 22 راعتني وأنا في إسبانيا نظافة شوارع أزقة مدنها...وبلغت النظافة إلى الحقول والأرض الخالية بين المدن...إذ لست ترى إلا أرضا على حقيقتها لم تُسوَّد بمثل ما قد تُسوَّد به بعضُ الجهات عندنا في بعض البلاد العربية والإسلامية...ولستُ أدري أهذا أمر اقتبسته إسبانيا من الحضارة الأندلسية العربية الإسلامية التي كانت فوق أرضها قديما...أم إنه من لوازم تقدم أوروبا في نهضتها الحضارية الحديثة؟؟ والحضارة الأندلسية جميلة في منظرها...حسنة في شكلها...أخرجت للناس أفضل المخترعات، وأفضل المبتكرات...وقذفت بأرقى الأفكار...والمبادئ والنظم..وأنجبت سادة رفعاء، وأعلاما قادة نجباء. من الذين غيروا التاريخ.....فلا جرم أن تكون أنظف شكلا، وأنقى منظرا..وأبهى بهاء...وأنضر نضارة من سواها...
 
المشاهدة 23 كنت نبهتُ من قبل إلى أنني قاصٌّ عجيبة من الأحداث وقعت في الإختلاف في أول أيام عيد الفطر في مدريد...كنتُ قبل أن آتي مدريدا في الرحلة الأندلسية في غرناطة في 28 رمضان سمعت من بعض الإخوة هناك أن المجلس الأوروبي للإفتاء أصدر بلاغا يفيد أن رمضان من ذاك العام سيوفي 30 يوما، وأن العيد سيكون بعد انقضاء العدة...فلما جئت مدريدا وجدت الإخوة الذين ضيفوني قد عزم بعضهم على متابعة المشارقة في التعييد عند تمام 29 رمضان...فأخبرتهم بما عندي فوافقني بعض...وخالفني بعض.... ثم لما هممنا أن نصلي العشاء قام رئيس الجمعية مخبرا الناس بأنَّ العيد غدا ...وأن عليهم التوجه إلى الصلاة باكرا في ملعب هيئ من أجل ذلك.... يتبع
 
ما إن انتهى القائل حتى أقيمت الصلاة وصلى الناس وذهب منهم من ذهب أثناء صلاة التراويح...ولما قضيت صلاة القيام...اجتمع بعض الحاضرين وبقيت معهم فدار الحديث عن الإفطار ومتى يكون، فقال بعض إن مركز فهد في مدريد أعلن فيه أن أول أيام عيد الفطر سيكون بعد غد أي أن رمضان ستكون عدته 30 يوما...فذكرت للإخوة أن ذلك هو اعتقادي لمكان فتوى المجلس الأوروبي...فوقع النزاع...وقيل ماذا نفعل وقد مضى أغلب الناس وانفضوا على أن العيد غدا فكان رأيي أن يخبر كل جار جاره...وأن يُستقصى في ذلك وأن يبلغ من كان ناويا الإفطار غدا بأن رمضان أكمل عدته "30 يوما....فلابد من الصيام...فرارا من الخلاف...
يتبع
 
اجتهد الإخوة في تبليغ من ظن أن العيد يكون في الغد..أنه كائنٌ بعد غد...طوال الليل..حتى إذا ظنوا أنهم قد أبلغوا أمسكوا عن الإبلاغ وذهب كل واحد منهم إلى حال سبيله...وآوينا إلى مضاجعنا وبيتنا الصيام من الليل...وبتنا في أهنئ نوم...وصلينا الفجر مع الصائمين....وما فطنا بعدُ إلا بالشمس ترسل أشعتها على الجزيرة التي كانت جزيرتنا بالأمس...
يتبع
 
يا دكتور محمد ( أتشوقنا هكذا) ، لقد صرت أنتظر إكمال الحديث، فلقد أعجبني سردك القصصي ، بارك الله في عمرك ، وأمدك بعونه وتأييده.
 
[FONT=&quot]أرسلت الشمس خيوطها الذهبية على الجزيرة الأندلسية مؤْذنة بيوم جديد... ...يُسبح فيه كلُّ شيء باسم الله جل وعلا... كنتُ مستلقيا بين النائم واليقظان في جانب المسجد... سمعت دقا خفيفا على الباب...سرعان ما تسارع .. ثم أعقبه فتح للباب، فدخولٌ وخروج... فَجَلبةٌ وأصوات غير مفهومة...تلا ذلك هدوء وسكون...كلُّ ذلك وأنا على حالتي تلك لم أبرح مكاني...ولا حللتُ رِجلا...ولا حركتُ يدا...فأنا نائم بينَ بينَ...قمت بعد حين أتخبر الخبرَ فقيل لي إن ناسا ممن بلغهم البارحة أن اليوم يوم عيد...ذهبوا إلى المصلى باكرا وهم في أبهى حلة...وأجمل منظر...قد أخذوا بالسنة فأفطروا قبل المجيء إلى المصلى....معتقدين أن الجماعة قد أفطروا لأنهم هكذا سمعوا القائل يقول قبيل صلاة العشاء كما قد ذكرنا آنفا...فماذا عليهم وقد قيل العيد اليوم...وسمعوا بعضهم يهنئ به...ويبارك ويكبر ويهلل...أصبحنا فريقين: فريق في يوم عيد..وفريق صائم في آخر يوم قبل العيد...وتسامعنا أن جمعية أخرى في موضع قريب منا أفطرت وصلَّت العيد في محفل عظيم...[/FONT]​
[FONT=&quot]يتبع[/FONT]
 
كان اليوم الأخير من رمضان حدثا عجيبا في إسبانيا....فريق صائم...وآخر قد أفطر في يوم عيد...لست ههنا أريد أن أختار رأيا فقهيا في مسألة خلافية قديمة جديدة...وألزم به غيري..بيد أنني أود أن ألفت النظر إلى أمر في غاية الأهمية ..ذلك أن الجالية الإسلامية والعربية في الغرب قد ينظر إليها على أنها كيان واحد...فإذا تمزقت أجزاء هذا الكيان الواحد إلى جُزيئات كيف يكون موقف الغرب من هذا الكيان؟؟؟ لا ريب أن الغرب سيهون عليه حينئذ ضرب كل قرار في صالح العرب والمسلمين بالحائط...يوصد دونه بابا...ويطوي عنه كشحا...غير هياب ولا وجل...فكلمةُ المسلمين في قرية واحدة نائية في بادية مدريد، متفرقةٌ وهم بالعشرات...وليس بالملايين!!!

الحلقة القادمة هي الأخيرة
 
كانت الطائرة تشق ليلا الفضاء الإسباني...متجهةً نحو المغرب...مرتفعة ًعن مدريد...منحرفة ًجهة الجنوب...كان مقعدي قريبا من النافذة....نظرت إلى السماء المظلمة مودعا أندلسا....هاهي ذي طليطلة بأضوائها...أمر عليها جوا...تذكرت يوما رمضانيا قضيته بين دروبهاوأزقتها...كم مشينا ...وكم تجولنا حتى أضنينا الراحلة...بيد أننا رأينا طليطلة الإسلام ووقفنا على ما تبقى من آثارها....وهاهي ذي الطائرة بعد دقائق محلقة تحاذي قرطبة....قبة الإسلام...وعاصمة الخلافة الأموية في الغرب الإسلامي...وأنبلُ مدينة أنجبتها الحضارة الأندلسية ...وأعلمُ أمصار الأندلس قاطبةً...وأشعرها وآدابها...وأفقهها وأكثرها رواية وحديثا ...أليس ذاك الضوء الذي يبدو خافتا في أجواز السماء لمنارة مسجدها الجامع...الجامعة والمدرسة...والمعهد والصرح العلمي المميز...آه لو درت الطائرة ومن فيها في أي سماء تحلق، وفوق أي أرض تشق جدار الصوت...إنه إقليم الأندلس ...أندلس العروبة والإسلام...ومثوى قوم كانوا فبادوا:كانوا سادة نجباء وقادة رفعاء....ورؤساء فضلاء...إذا ذُكر الشرف فهم فيه سادة...أو العلم فهم فيه قادة...أو الفهم فإليهم فيه المنتهى، أو الفضل فبهم يرتجى...
يتبع
 
[FONT=&quot]وهناك على مرمى البصر تنام غرناطة مستلقية بين الهضاب...جذلة بقصورها.....مزهوة بحضارتنا....فرحة بمن كان يمشي على ثراها...ويخطو بين دروبها....ويهفو إلى مساجدها طالبا العلم الذي فيها....فلقد سطرت في تاريخ البشرية أروع فصول التضحية والفداء...حيث كانت لمحاكم التفتيش في زمان الخوف صولات وجولات لن تنسى أبد الدهر...ولن تمحى من الذاكرة الإسلامية لأنها من عجائب الدنيا السبع في التعذيب والتنكيل...
أمسكت أنفاسي فالطائرة تكاد تخرج من المجال الجوي الإسباني....وجدت لذلك وجدا عظيما...إذ فراق الحبيب له حرقة....وبُعد الديار عن الديار فيه لوعة....نظرت عبر نافذة الطائرة في ظلمة الليل....استقبلني منظرُ البحر....وهناك عُدوة الأندلس....وعلى مرمى منها عُدوة المغرب....العدوتان متقاربتان جوا....كانت أخبار المغرب قديما تصل إلى الأندلس سريعا....وكان ما يجري في الأندلس ...يتردد صداه في المغرب....تقاربت القلوب والأفكار فقاربَ اللهُ بين العُدوتين مع بُعد الديار.....ألقيت بالبصر كرة أخرى إلى منظر البحر...ألفيتُ أندلسا تتباعد شيئا شيئا بأضوائها ...قدَّرتُ أن هناك تتراءى المرية ومرسية ومالقة من جهة اليمين...وطريفة والجزيرة الخضراء من جهة اليسار...كلها مدن إسلامية....وأمصارٌ أندلسية لها في التاريخ ذكرٌ وعِطرٌ وأثر...ولها في النفس نفحات ولفحات....يا إلهي عما قليل ستصبح أندلس وراء ظهري...كما هو واقع حالها اليوم بالنسبة إلى كثير من المسلمين....الذين فيهم من لا يعلم أن تاريخها جزء من تاريخه الإسلامي العريق...بل إن بعضهم من كثرة جهله يتلفظ بأسماء هذه المدن الأندلسية من غير ضرورة ولا سبب مُلجئ بالأعجمية....فيزيد حالها تعمية ...وأسماءها العربية جهالة...
يتبع
[/FONT]
 
عاودت إلقاء نظرة على البحر الذي تشقه الطائرة ونحن نودع أندلسا....ونحاذي المغربَ بشواطئه الرائعة بين سبتة وطنجة...رباه أهذا هو البحر الأبيض المتوسط....أبيضُ جاء اللهُ عز وجل من العدوة التي وراءه بالإسلام...وبالفاتحين وبالحضارة التي أبدعتها الأمة التي رباها محمد صلى الله عليه وسلم....جيلٌ جاءته النبوة والكتاب...فأبى إلا أن يبلغه الناس....فكان الجهاد...والفتح...والتوسع الإسلامي المتبصر الهادي إلى أقوم طريق...وأحسن سبيل...رباه أهذا هو البحر الذي حملت أمواجه طارق بن زياد...وموسى بن نصير...والقادة الأوائل من الجيش الإسلامي الذي دخل طريفةَ...وأدخل الجزيرةَ الأندلسية دينا لن تنساه أبد الدهر...وإن وقع مسخٌ وتغيير وخسف وتبديل...رباه ...أهذا هو البحر الذي عبرت منه الحضارة ُالعربية الإسلامية من عدوة المغرب إلى عُدوة الأندلس...مغيرةً وجه التاريخ...حاملة إلى الإنسانية أرقى وأنبل هدي وأجمل وأحسن تشريع...رباه...أهذا هو البحر الذي كان منه مجاز آلاف الراحلين من أهل الأندلس إلى المشرق قصد الحج وطلب العلم...فحُملت علوم ٌوأُدخلت الجزيرة َ وارتقت هناك...رباه أهذا هو البحر الذي بلع العشرات من الجوالين من السادة الحفاظ....والقادة العلماء الذين قضوا شهداء...رباه أهذا هو البحر الذي بلع عشرات الكتب التي رَكبت على متنه عابرةً إلى قرطبة أو آتية منها إلى المغرب...فمحاها ماؤُه...وأذهبتها أمواجُه...وضاعت في أعماقه....لقد قام هذا البحر على الحافظ أبي علي الصدفي السرقسطي الإمام الجوال...فما نجا منه إلا لأن في العمر بقية...وفي الأجل فُسحة...فأذهبت أهوالُه كثيرا مما كان حمله معه في رحلته المشرقية إلى الأندلس....وإن أبقى له الدهر فيما حمله في صدره ومتاعه من علوم وكتب ذكرا جميلا...وثناء عاطرا ...
يتبع
 
أهذا هو البحر الذي كان فيه عز الإسلام مفتتحا ما فيه من الجزر صقلية وكريت و يابسة وميورقة...وغيرها من جزر البليار...رباه كم استشهد في هذا البحر غريقا مِن لاجئ فار ٍّ من بطش النصارى الحاقدين...ومن هارب محكوم عليه ظلما وعدوانا...في محاكم التفتيش الجائرة...رباه كمْ شُرد عبر هذا البحر ...من شريف ووضيع...وكم ذهب من متاع وريش وآثار جلبت على سفن مهترئة...فأكلها البحر وألقى بأصحابها على الشاطئ جثثا هامدة...ومن نجا منهم كان صيدا سهلا لقطاع الطرق في العدوة زمن الخوف وعدم الأمن....يا إلهي هذه طنجة وبعدها العرائش فالقنيطرة فالرباط...فالدار البيضاء...كلها مدن مغربية مرت عليها الطائرة...تأثرت بالحضارة الأندلسية الوافدة مع الفارين...فالعزاء فيما بقي فيها من نفحات أندلسية لن تموت أبدا....كنت مستغرقا في هذه الأفكار فما راعني إلا صوت قائد الطائرة يقول: حطت الطائرة بحمد الله تعالى في مطار الدار البيضاء...شكرا لكم على اختياركم خطوطنا....نلقاكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
تمت الرحلة الأندلسية المباركة وموعدي قريبا مع كلمة لقرائها الأعزاء
 
أما بعد فلقد سعدت بجملة من تعليقات القراء الكرام الذين شرفوني بقراءة هذه الرحلة ، وكنت أهش عند قراءتها وأود التعليق عليها بيد أنني رأيت أن أؤخر ذلك إلى حين نهاية الرحلة وكتابتها...وموعد ذلك عندما أتلقى مزيدا منها، فهذه دعوة مفتوحة لكل من قرأ شيئا من هذه الرحلة للميادرة إلى إبداء رايه فيها صراحة...وعند تمام ذلك سيكون تعليقي، وأريد أن ابدي بين يدي ذلك جملة من التنبيهات:
أولا: كتبت هذه الرحلة بعد مضي ثلاثة أعوام من حصولها، فلا شك أن يتطرق الوهم والخطأ إلى بعض فصولها، بيد انني سددت وقاربت والصحةَ توخيتُ، وسبيلَ الرشاد يممتُ والتوفيق يهبه الواهب.
ثانيا: كتبت هذه الرحلة وأنا بعيد عن كتبي في سفرة قريبة من الأندلس وعلى مشارفها بين سبتة و بُليدة صعيرة جميلة يقال لها اسطيحات، مقابل مالقة من بر عدوة الأندلس، فلا جرم أن تضعف القوى لأن الحفظ خوانٌ، والكتاب أضبط.
ثالثا: دبجت الرحلة وأنا في موضع لا كهرباء فيه ولا اتصال متتابع للإنترنيت فيه، ولذلك قد يرى القارئ أنني كنت أقطع الكلام نقطيعا...مخافة انتهاء حمولة الحاسوب المحمول من الكهرباء، وكم مرة قد كتبت ما كتبت فضاع ما كتبت لذهاب الشحنة..
رابعا: قصدت من كتابة هذه الرحلة التنفيس عما كان أصابني من غم وأسى بضياع أندلس...فلقد أحبب أندلسا مذْ كنت صبيا متفرجا على مسلسلات تاريخية لطارق بن زياد والمعتمد بن عباد والمرابطين...ولم أكتبها للتاريخ أو لأخذ الفائدة العلمية، وما كان من ذلك واردا فيها فغيرُ مقصود ولا مراد البتة.
وبعد فإني منتظر لتعليقات قراء هذه الرحلة عساها تأسو جراح من فقد شبرا من أرضه...وخرج منها مهاجرا من غير عودة.
 
أشكر لخديجة عمر من المغرب رأيها في أن الرحلة كتبت بأسلوب وصفي يجعل القارئ كأنه يعيش لحظات الرحلة، وكأنه كما قالت الأخت حضرها وكان معي...ولا أفشي سرا إذا قلت إن سر هذا الوصف الوارد في ذاك الأسلوب هو حبي العظيم للأندلس.فأنا شديد العشق لكل ما هو أندلسي ..أرتاح عندما أكتب أو أقرأ عنها...وأهش لحديثها...وأطرب لكل ما يمت إليها بصلة..
 
أشكر الأستاذ علي البشر على تفضله ناظرا في هذه الرحلة...مثنيا شاكرا...وأثني على تكرمه بالقصيدة الجميلة التي هي من غرر القصائد في البكاء على الأندلس ومجدها وتاريخها التليد...وليصدِّقني الأستاذ الفاضل...فإنها المرة الأولى التي أقف فيها على هذه القصيدة الطنانة...والفردوس المفقود مصطلح استُعمل من قِبل الكثيرين في العصر الحديث وأما صياغة عنوان الرحلة على هذا النحو فلا أعلم من سبقني إليه وفوق كل ذي علم عليم...
 
أسعدتني كلمات د/ مساعد الطيار التي كان يكتب بها إليَّ سرا وجهرا....فأما في السر فكان ذلك عبر ما بيننا من مراسلات...وأما في الجهر فهنا في هذا الملتقى الذي جمعنا....لقد كانت عباراتك يادكتور خير مشجع لي على المضي فيما أنا فيه من الكتابة في هذا الملتقى...ومن الكتابة عن تلك الرحلة الأندلسية العجيبة....واسمح لي يا سيدي أن أستأذنك في أن تتكرم عليَّ بتدبيج درر من كلامك...التي أقدم بها لكتاب أجمع فيه رحلاتي أنشره قريبا إن شاء الله....شكر الله لك وبارك لنا في علمك ولا حرمنا من فوائدك ...
 
شكر الله لك يا فضيلة الشيخ محمد على ما أتحفتنا به من ذكرياتك في هذه الرحلة المباركة الممتعة، بأسلوبك الأدبي الأكثر من رائع، والذي أسر قلوبنا وحرك في نفوسنا الشوق لبلاد الأندلس.
أسأل الله أن يجعل ما كتبت في موازين حسناتك، وأن يبلغنا رؤية ما رأيت، وإن كان سيصيبنا الحزن، وتعترينا الحسرة والألم -مثلكم-على ما ضاع منا.
 
أشكر الدكتور محمد على حسن ظنه بي، وأنا معك فيما تحب، ولك أكثر من حقٍ علي ، منها هذا الإمتاع والفائدة التي سجَّلت لنا فيها رحلتكم للجزائر ولأسبانيا، وأسأل الله أن يبارك لكم في عمركم، وأن يزيدكم من فضله.
 
أشكر الأستاذ الشيخ محمد رستم على مقاله المشوق إلى بلاد الأندلس، فكأننا معه نرى ما يراه ونسمع ما يسمع، ونحس ما يحس ونتحسر كما تحسر، فقد استطاع بأسلوبه أن نتصور الأندلس وغرناطة وجيان وقرطبة والقصر الأحمر و...

فبارك فيه وصبرني وإياه على فقدان الأندلس، فـ
[poem=font=",6,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ =فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ =مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ
وَهَـذِهِ الـدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ= وَلا يَـدُومُ عَـلى حـالٍ لَها شانُ
يُـمَزِّقُ الـدَهرُ حَـتماً كُلَّ سابِغَةٍ= إِذا نَـبَت مَـشرَفِيّات وَخـرصانُ
وَيَـنتَضي كُـلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو= كـانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَيـنَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ =وَأَيـنَ مِـنهُم أَكـالِيلٌ وَتـيجَانُ
وَأَيـنَ مـا شـادَهُ شَـدّادُ في إِرَمٍ= وَأيـنَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَيـنَ مـا حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ =وَأَيـنَ عـادٌ وَشـدّادٌ وَقَـحطانُ
أَتـى عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ= حَـتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصـارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ =كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الـزَمانُ عَـلى دارا وَقـاتِلِهِ =وَأَمَّ كِـسرى فَـما آواهُ إِيـوانُ
كَـأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ= يَـوماً وَلا مَـلَكَ الـدُنيا سُلَيمانُ
فَـجائِعُ الـدُهرِ أَنـواعٌ مُـنَوَّعَةٌ= وَلِـلـزَمانِ مَـسرّاتٌ وَأَحـزانُ
وَلِـلـحَوادِثِ سـلوانٌ يُـهوّنُها =وَمـا لِـما حَـلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
أَتـى عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ= حَـتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
دهـى الـجَزيرَة أَمـرٌ لا عَزاءَ لَهُ =هَـوَى لَـهُ أُحُـدٌ وَاِنـهَدَّ ثَهلانُ
أَصـابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت= حَـتّى خَـلَت مِـنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فـاِسأل بَـلَنسِيةً مـا شَأنُ مرسِيَةٍ= وَأَيـنَ شـاطِبة أَم أَيـنَ جـيّانُ
وَأَيـن قُـرطُبة دارُ الـعُلُومِ فَكَم =مِـن عـالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَيـنَ حـمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ =وَنَـهرُها الـعَذبُ فَـيّاضٌ وَمَلآنُ
قَـوَاعد كُـنَّ أَركـانَ البِلادِ فَما= عَـسى الـبَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَـبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ =كَـما بَـكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَـلى دِيـارٍ مـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ =قَـد أَقـفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما= فـيـهِنَّ إِلّا نَـواقِيسٌ وصـلبانُ
حَـتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ =حَـتّى الـمَنابِرُ تَـبكي وَهيَ عيدَانُ
يـا غـافِلاً وَلَـهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ= إِن كُـنتَ فـي سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَمـاشِياً مَـرِحاً يُـلهِيهِ مَـوطِنُهُ= أَبَـعدَ حِـمص تَـغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِـلكَ الـمُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها= وَمـا لَـها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يـا أَيُّـها الـمَلكُ الـبَيضاءُ رايَتُهُ= أَدرِك بِـسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يـا راكِـبينَ عِـتاق الخَيلِ ضامِرَةً= كَـأَنَّها فـي مَـجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحـامِلينَ سُـيُوفَ الـهِندِ مُرهَفَةً= كَـأَنَّها فـي ظَـلامِ الـنَقعِ نيرَانُ
وَراتِـعينَ وَراءَ الـبَحرِ فـي دعةٍ= لَـهُم بِـأَوطانِهِم عِـزٌّ وَسـلطانُ
أَعِـندكُم نَـبَأ مِـن أَهلِ أَندَلُسٍ= فَـقَد سَـرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم= قَـتلى وَأَسـرى فَـما يَهتَزَّ إِنسانُ
مـاذا الـتَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ= وَأَنـتُم يـا عِـبَادَ الـلَهِ إِخـوَانُ
أَلا نُـفوسٌ أَبـيّاتٌ لَـها هِـمَمٌ =أَمـا عَـلى الـخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يـا مَـن لِـذلَّةِ قَـوم بَعدَ عِزّتهِم =أَحـالَ حـالَهُم كـفرٌ وَطُـغيانُ
بِـالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم =وَالـيَومَ هُـم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَـلَو تَـراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم =عَـلَيهِم مـن ثـيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَـو رَأَيـت بُـكاهُم عِندَ بَيعهمُ= لَـهالَكَ الأَمـرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يـا رُبَّ أمٍّ وَطِـفلٍ حـيلَ بينهُما= كَـمـا تُـفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبـدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت =كَـأَنَّما هـيَ يـاقُوتٌ وَمُـرجانُ
يَـقُودُها الـعِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً= وَالـعَينُ بـاكِيَةٌ وَالـقَلبُ حَيرانُ
لِـمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ= إِن كـانَ فـي القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
[/poem]
وإني كلما رأيت للمتأخرين كتابة على بلادنا الأندلس أتذكر هذه الأبيات لأبي البقاء الرندي رحمه الله ورفع قدره وأتحسر، وإنه لما جاءت المناسبة وددت أن أضع مقطعا صوتيا للأبيات بقراءة متأنية مفهمة مؤثرة:

[MEDIA]http://tafsir.net/mlffat/files/1742.mp3[/MEDIA]
 
أشكر لفتاة الإستفهام عنايتها بالرحلة وما تفضلت به فكرتُ فيه من أول يوم شرعتُ فيه في الكتابة...وقريبا جدا أضع الرحلة بين يدي ناشر يطبعها معززة بالصور التي التقطتها لأندلس الأمس...
 
للقارئ الذي أُنسيت اسمه ويصعب عليَّ مراجعة صفحات هذه الرحلة التي ورد فيها اسمه مذكورا لقلة الشحنة الكهربائية التي عندي في الحاسوب ـ والذي كتب معلقا على مشهدٍ أصفُ فيه جريي في قصر الحمراء أحكي فيه ما حدث من تقتيل للمسلمين عند وقوع الإكتساح النصراني...كتب القارئ الكريم ...قائلا: كفى ياشيخ ...فما أدري أتأثر القارئ الكريم أم كنت مبالغا....وأقسم بالله لقد كنت كما ذكرت وأكثر....بل أوشكت أحيانا أن أبكي...لما قد فطرت عليه من عاطفة زائدة...نعمة عظيمة من رب رحيم...
 
أشكر للفجر الباسم نظره في الرحلة...وأما الأسلوب الأدبي الذي كتبت به الرحلة فمن وحي جمال الأندلس...وحسنها...ورقة أهلها ...أهل قرطبة وإشبيلية وغرناطة....جمالٌ لا يمكن إلا أن يعبر عنه بالجمال.الفني الذي يحمله الكلم العربي...ولقد كان يخيل إلي وانا أكتب عن الأندلس أنني لن أجد الكلمات التي أعبر بها عن المراد...بيد أنني لما مضيت فيما أنا بسبيله...وجدت الكلمات تتبادر...وتنساب...رقراقة ...بها الماء والرُّواء...والجمال والجلال...وكل ذلك من نفح طيب أندلس، ووحي غصنها الرطيب...
 
أسأل الله أن يبارك لكم د محمد زين العابدين، وأن ييسر لكم طباعة هذا المؤلف، ولعلكم تزيدونه بفوائدكم العلمية في هذه الرحلة، ولو بملخصات لا تزيد عن صفحة لمحاضراتكم التي قمتم بها.
 
أشكر للأستاذ حكيم بن منصور قراءته للرحلة وحسرته وتأسفه على ضياع الأندلس....والله إن الحسرة لتزداد عندما تقرب الديار من الديار...ويجيء المرء زائرا تلك المعاهد والبقاع...وقصيدة الرندي من غرر القصائد كنا نحفظها صغارا...ووقفنا على معناها كبارا...
 
أشكر لأخي الحبيب أ.د/ مساعد الطيار رأيه وتسديده واقتراحه ...ونعم الرأي ما رأيتَ ...ونعم الإقتراح ما اقترحت....لافض فوك...ولا زلتَ منصورا مؤيدا...
 
السّلام على فضيلة الدّكتور محمّد والأحبّة جميعاً
قد أدميت قلوبنا برحتلكم بقدر ما أسعدتنا من تذكيرنا بماضي أمّتنا التّليد، وبعزّها المجيد من خلال أسلوبكم الأدبيّ الأخّاذ الفريد.
ووالله ما قرأنا شيئاً من تاريخ الأندلس إلا بكيناه؛ لعلّه يزيد أو ينقص عن بكائنا فلسطين الحبيبة؛ ردّ الله غربتهما وفرّج كربتهما.
ولقد لوّعنا سابقاً الأستاذ أحمد رائف بأسلوبه المبكي المشجي عن رحلته الأندلسيّة الرّقراقة، وكتابته عن سقوط آخر معاقل المسلمين في غرناطة، في كتابه الموسوم بـ: (وتذكّروا من الأندلس الإبادة).
وليس عجيباً يا شيخنا أن يكون مؤتمر السّلام الدّوليّ بين العرب وما تسمّى "إسرائيل" بعد خمسمائة سنة تماماً من سقوط الأندلس بأيدي الصّليبيّين.
للقوم تواريخهم ودلالاتهم ولنا حسرتنا وألمنا ودموعنا.
ولكن (( وتلك الأيّام نداولها بين النّاس)) ولو كنّا اليوم نستحقّ الأندلس وفلسطين لكانت بأيدينا وأعلامنا تخفق فوق ناطحاتها الّتي تطاول السّحاب، وتكاد تلمس الغمام بهاماتها؛ ولكنّنا ما زلنا نحبو على الطّريق حتّى يتهيّأ الجيل القادم المبارك (( عباداً لنا أولي بأس شديد)) نسأله تعالى أن يكون قريباً؛ لتقرّ أعيننا بأندلسٍ، وفلسطين، وكلّ بلادنا السّليبة الحبيبة.
شكراً شيخنا فلقد جمعت النّقيضين في دواخلنا؛ إذ أتحفتنا وأبكيتنا، لا أبكى الله لكم عيناً، ولا فتّ لكم كبداً ، ولا أدمى لكم قلباً.
 
نعم شكرا لكك أستادنا الكريم على تدكيرنا بالأندلس التي نسيناها وقل ماندكرها في هدا الزمان الدي تتوجع فيه فلسطين والعراق وأفغانستان من ضلم اليهود والصلبين وتصرخ فيه دول أخرى من جراء ضلم الحكام المستبدين نعم في ضل هدا الواقع المؤلم لايجب أن ننسى أندلسا فإن لم يكن فيها شعب مسلم يصرخ فيوجد فيها عمران مازالت شامخة تشتاق إلى مسلم يسكنها تشتاق لسماع صوت القرأن الدي غاب عنها مد خرج أهله منها يجب أن نضع الأندلس أيضا في نصب أعيننا مثل سائر الديار المحتلة والمضلوم أهلها يجب أن ندخلها في دعواتنا خصوصا يوم الجمعة ندعوا بفتح العراق وفلسطين وننسا أندلسا وما يحس بحرقة الأندلس إلا من زارها أونضر إليها أضوائها من المغرب بحيث لاتفصلنا عنها إلا خمسة عشرا كيلوا مترا أو أقل فكيف تكون دولة كافرة تقرب دولة مسلمة بمثل هده الكيلومترات المعدودات واقع الأندلس مؤلم مثل واقع دولنا العربيه الأخرى التي تحترق قلوبنا عندما نراها تتضهد في وسائل الإعلام يوميا وندعوا لها بالفرج فلا تنسوا أندلسا لأنكم لن ترو أخبارها يوميا في وسائل الإعلام لن ترو المدابح التي أقيمت فيها بالصوت والصورة كما ترون غزة ولبنان والعراق وليبيا وسوريا ....مؤخرا لن ترو ولن تسمعوا صرخات أطفالها و نسائها كما تشاهدونه يوميا في شاشات التلفاز لدالك أنا أشكر استادي الفاضل سدي محمد زين العابدين رستم على طرحه لأخبار الأندلس في هدا الوقت الراهن الدي من النادر أن ندكرها فيه في ضل مأسات أمتنا وأقول له بأن يعجل بطباعت كتابه حول هده الرحلة إلى تلك البلاد الرائعة لكي يدكر الناس أندلسا لأن الكتاب باق ويدكرنا ما نسينا مما إستشعرنا من أخبار أندلس نسأل الله أن يجعله الله في ميزان حسناكم وأن يستخدمكم الله في مافيه صلاح للبلاد والعباد إنشاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا
images


ياعين لا تدرفي الدمعة مادام لك في الأمل شمعة
 
أشكر لنعيمان قراءته للرحلة ومحبته للأندلس....وحسرته على ضياعها وضياع ما قد خرج عن حكم المسلمين: فلسطين وأضرابها...فأندلس بالأمس...وفلسطين اليوم...والأمل في جيل من الناس يأتي به الله يرأب الصدع...ويعيد الأرض...ويحمي العرض...ويرفع الرأس...
 
عودة
أعلى