الرد على من زعم أن لفظة ((هلك)) في آية: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

إنضم
2 نوفمبر 2015
المشاركات
43
مستوى التفاعل
3
النقاط
8
الإقامة
مصر
الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك))
في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعـــد:
فإن القرآن الكريم قد يسره الله للذكر، وبين معانيه للفهم، غير أن الناس يتفاوتون في العلم والفهم، لذلك فقد يقع البعض في الفهم الخاطيء لبعض كلمات أو آيات الذكر الحكيم، مما يخالف ما اتفق عليه أهل العلم بالتفسير واللغة من فهم الكلمة أو الآية في سياقها القرآني.
وقد كثر في عصرنا الحالي مثل هذه التفسيرات الخاطئة لبعض آيات أو كلمات القرآن، والتي قد تنتشر بين العامة وبعض المثقفين، خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي.
وقد تسبب في ذلك كثرة الكلام في دين الله دون تثبت أو رجوع إلى أهل العلم والمتخصصين، كذلك التجريء على القول في دين الله بغير علم.
من هذه التفسيرات الخاطئة القول بأن مفردة «هلك» في القرآن الكريم تعني الفناء التام بحيث لا يوجد خلائف أو ورثة لمن «هلك» .
وبناءًا على هذا التفسير للكلمة فقد ذهب القائل بذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا([1]).
أن لفظة «هلك» في الآية تدل على أن يوسف عليه السلام مات وليس له ولد، وأنه لم يصح أن يوسف كان له ذرية أو أثر.
وقد استدل القائل فيما ذهب إليه بقول الله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ «هلك» لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ([2]).
وقال بأنه لا يصح حمل لفظة «هلك» على الموت، إذ أن في الهلاك معنى زائد على الموت، وأن المعنى الزائد في الآية هو الانقطاع من الذرية أو الولد، وآية الكلالة خير شاهد على ذلك.
واستدل من قال بهذا القول المحدث على ما زعم أيضاً بحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا «هلك» نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، ... ([3]).
وقال بأن الخلافة شيء والوراثة شيء، وأن لفظة «هلك» في الحديث تدل على أنه كلما مات نبي ولم يترك ذرية ترث النبوة.
وهذا والله عبث من القول، وتجرأ على كتاب الله تعالى بغير علم أو هدى، وقد قال النبي ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([4]). وقال ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ»([5]).
وإن من المهم في كل فن أن يتعلم المرء من أصوله ما يكون عونًا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، ليكون علمه مبنياً على أسس قوية ودعائم راسخة ً، وقد قيل: من حٌرِم الأصول حرم الوصول.
وإن من أجل فنون العلم، بل هو أجلها وأشرفها، علم التفسير الذي هو تبيين معاني كلام الله عز وجل وقد وضع أهل العلم له أصول وقواعد تحكم خطة المفسر، وتحول بينه وبين الخطأ في الفهم والاستنباط، وتعينه على أداء مهمة التفسير على الوجه الأفضل.
ولو راجع هذا المجترىء على كتاب الله هذه الأصول والضوابط لتبين له قبح مسلكه في تفسير هذه الآية الكريمة.
فإن الكلام في كتاب الله والتجاسر عليه, دون اقتفاء لأثر إمام ولا نقل لقول أحد الأعلام من أئمة العربية أو التفسير لهو بدع من القول، وقديمًا قال إمام من سادات الأئمة ومن علية القوم الذين يهتدى بهم -أحمد بن حنبل - إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، فنحن أمة الإتباع ونبذ الابتداع.
ونحن بفضله الله وكرمه في هذا البحث نبين خطأ هذه التفسير من عدة وجوه:
أولاً: بيان قول أئمة اللغة أن لفظة «هلك» تأتي بمعنى مات .
ثانياً: الاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث التي ذكرت الهلاك بمعنى الموت.
ثالثاً: نقل إجماع أهل التفسير في الآيتين على أن لفظة «هلك» فيهما بمعنى مات.
رابعاً: إثبات أن يوسف عليه السلام غير منقطع الذرية.
خامساً: كيف وجه أئمة التفسير لفظة «هلك» في سياق الآية الكريمة.
أولاً: بيان قول أئمة اللغة أن لفظة «هلك» تأتي بمعنى مات .
قال ابن فارس: «الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ: يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَسُقُوطٍ. مِنْهُ الْهَلَاكُ: السُّقُوطُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمَيِّتِ هَلَكَ»([6]).
وقال الهروي: «ويقال: هلك فلان إذا مات»([7]).
وقال ابن سيده: «هَلَكَ يَهلِكُ هُلْكاً وهُلُكا وهَلاكا: مَاتَ»([8]).
وجاء في موسوعة اللغة العربية المعاصرة([9]): هلَك فلانٌ: مات «ما هلَك امرؤٌ عرَف قدرَه».اهـ
فهؤلاء أئمة اللغة وأساطين العربية يثبتون أن لفظة هلك تقع بمعنى الموت المجرد.
ثانياً: الاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث التي ذكرت الهلاك بمعنى الموت.
أولاً: الاستشهاد بآيات القرآن :-
ذكر الراغب في المفردات أربعة أوجه للهلاك في القرآن الكريم من بينها الموت، فقال رحمه الله: «الأول: افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى:﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾[الحاقة/ 29] .
والثاني: وهَلَاكِ الشيء باستحالة وفساد كقوله:﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾[البقرة/ 205] ويقال: هَلَكَ الطعام.
والثالث: الموت كقوله: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾[النساء/ 176] وقال تعالى مخبرًا عن الكفّار:﴿وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ﴾[الجاثية/ 24] .
ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في هذا الموضع، وفي قوله:﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾[غافر/ 34] ، وذلك لفائدة يختصّ ذكرها بما بعد هذا الكتاب.
والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأساً، وذلك المسمّى فناء المشار إليه بقوله:﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص/ 88]» ([10]).
فهذه ثلاث آيات ذكرها الراغب جاء فيها الهلاك بمعنى الموت المجرد، ونحن نضيف عليها ثلاثة أخرى، وهي:
- قوله تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾[الأنفال/42]، وقد جاء في هذه الآية الهلاك مقابل الحياة.
قال ابن جرير الطبري: «ويعني بقوله: {ليهلك من هلك عن بينة}، ليموت من مات من خلقه» ([11]). وعليه جمهور المفسرين.
- وقوله تعالى: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾[الأعراف/155].
قال القرطبي: «أي أمتهم، كما قال عز وجل:«إن امرؤ هلك»، والمعنى: لو شئت أمتنا من قبل أن نخرج إلى الميقات»([12]). وهو قول عامة أهل التفسير.
- وقوله تعالى: ﴿قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ﴾[يوسف/85].
قال الطبري: «وقوله: (أو تكون من الهالكين) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت»([13]). ونقل عليه الإجماع القرطبي، فقال: (أو تكون من الهالكين) أي الميتين، وهو قول الجميع»([14]).
ثانياً: الاستشهاد بالأحاديث النبوية :-
* قد استدل المخالف على ما تقدم ذكره بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، ... ([15]).
والحقيقة أن هذا الحديث حجة عليه لا له، حيث قد ورد بلفظ: «كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ»([16]).، وبلفظ: «إِذَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ مَكَانَهُ»([17]).
قال النووي رحمه الله: «في هذا الحديث جواز قول هلك فلان إذا مات وقد كثرت الأحاديث به وجاء في القرآن العزيز، قوله تعالى: {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا}»([18]).
فهذا فهم الأئمة لهذا الحديث، ولم قول أحد بمثل قوله، وكيف يتصور أن جميع أنبياء بني إسرائيل أو أكثر كان منقطع الذرية، وغاية ما يقال أن النبوة كانت تتنقل بين أسباط بني إسرائيل، وقد يرثها الابن عن أبيه كما ورث سليمان داود، ويحيى زكريا، لكنه عبر هنا بالخلافة لأنها أعم ولأن خلافة النبوة أمر وهبي وليس كسبي، ولذلك لما وُرثت صارت ملكاً.
* عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، .... ([19]).
قال العيني رحمه الله: أَي: مَاتَت خَدِيجَة قبل أَن يتَزَوَّج النَّبِي ﷺ، بعائشة([20]).اهـ
وقد تركة خديجة رضي الله عنها أبناء من النبي ﷺ وغيره .
* عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، .... ([21]) .
قال القسطلاني: مات.اهـ
فعبرت في الحديث بأنه هلك وقد ترك صبية، فتبين أن الهلاك لا يعنى انقطاع الذرية.
* عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، ... ([22]).
وعند الترمذي([23]): قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعًا،
فَجِئْتُ بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ، ...
فجعل الهلاك بمعنى الموت.، وقد ترك عبد الله جابر وتسع بنات كما ذكر في الحديث.
* عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ, قَالَ: لَمَّا أَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَجَمَعْتُ الْقُرْآنَ كَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأُدُمِ وَكِسَرِ الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ عُمَرُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ ... ([24])
ومعلوم أن أبا بكر ترك ذرية من بعده.
فهذه آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة، ذكر فيها الهلاك بمعنى الموت، وكذلك فهم الأئمة والعلماء وتكلم بها النبي ﷺ والصحابة رضوان الله عليهم.
ثالثاً: نقل إجماع أهل التفسير في الآيتين على أن لفظة «هلك» فيهما بمعنى مات.
الآية الأولى :-
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا([25]).
قال الطبري: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) يقول: حتى إذا مات يوسف.
أبو الليث السمرقندي: حَتَّى إِذا هَلَكَ يعني: مات.
مكي: {حتى إِذَا هَلَكَ}، (أي: مات يوسف).
الراغب: وقد تقدم.
البغوي: {حتى إذا هلك} مات.
ابن الجوزي: حَتَّى إِذا هَلَكَ أي: مات.
البيضاوي: حتى إذا هلك: مات.
الخازن: حَتَّى إِذا هَلَكَ: يعني مات.
الفيروزابادي: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مَاتَ.
الإيجي: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) مات.
العليمي: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مات.
المسعودي: {حتى إِذَا هَلَكَ} بالموتِ.
الألوسي: حَتَّى إِذا هَلَكَ بالموت.
القاسمي: حَتَّى إِذا هَلَكَ أي مات.
المراغي: حتى إذا مات.
فهؤلاء أئمة التفسير على مر العصور لم يصرف أحدهم لفظ الهلاك في الآية إلى غير الموت، أو أضاف زيادة عليه، أأخطئوا وأصبتم، أم ضلوا واهتديتم؟!
الآية الثانية:-
قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ([26]).
قال الطبري: يعني بقوله:«إن امرؤ هلك»، إن إنسان من الناس مات.
الماتريدي: كقوله: (امْرُؤٌ هَلَكَ)، أي: مات.
أبو الليث السمرقندي: قال: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعني إن مات رجل.
العسكري: ذكر وجوه الهلاك في القرآن وقال منها: الموت، قال اللَّه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ).
الراغب: وقد تقدم .
القرطبي: أي أمتهم، كما قال عز وجل: إن امرؤ هلك.
النسفي: أي أماتني الله كقوله إن امرؤ هلك.
الخازن: قوله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ: يعني مات سمي الموت هلاكا لأنه إعدام في الحقيقة.
ابن كثير: {إن امرؤ هلك} أي مات.
الفيروزابادي، أوجه الهلاك: المَوْتُ، نحو قوله تعالى: {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}.
صديق خان: (إن امرؤ هلك) والمعنى مات وسمي الموت هلاكاً لأنه إعدام في الحقيقة.
القاسمي: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) أي: مات. واختصاص الهلاك بميتة السوء عرف طارئ لا يعتد به. بدليل ما لا يحصى من الآي والأحاديث.
المراغي: هلك مات .
فهؤلاء أئمة التفسير فهموا من لفظة الهلاك في الآية أنها تعني الموت المجرد.
ولو كانت «هلك» في هذا الآية تعني انقطاع الذرية! لكان قوله تعالى: «لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ» زائدة، فلما لم تكن كذلك وكانت بمعنى مات كما ذكر المفسرون، أضافها صفة امرؤ أوحال من الضمير في هلك.والله اعلم
رابعاً: إثبات أن يوسف عليه السلام غير منقطع الذرية.
تقدم أن حمل المخالف لفظة هلك في آية غافر على أن يوسف عليه السلام لم يترك ذرية، أو أن ذريته قد ماتت في حياته.
وتعنت في الاحتجاج لقوله بأنه لم يرد في نص صحيح أن ليوسف عليه السلام ذرية من بعده، وكأن علم الأنساب لا يؤخذ إلا من حديث صحيح أو آية صريحه!
وهل لنا أن نهدر نسل نبي كريم ونجرده من ذريته بمجرد تأويل يحتمل الخطأ قبل الصواب؟! بل هو تأويل خطأ مخالف لجميع علماء التفسير المتقدمين والمتأخرين.
وهل لم ينتبه قائل هذا القول لما يؤول إليه قوله؟!
إن الحقيقة التي أغفلها هذا القائل ولم يكلف نفسه عناء البحث عنها أن ليوسف عليه السلام ذرية بقية إلى زمن النبي محمد ﷺ، وربما تكون باقية إلى يومنا هذا.
بل إنه قد خرج من ذريته أنبياء ورثوا النبوة والكتاب، حتى لا يقول معترض أن المراد انقطاع النبوة في ذريته.
ونحن بعون الله وتوفيقه سنثبت من أقول العلماء بقاء ذرية يوسف عليه السلام بما لا يدع مجال للشك في هذا الجانب.
أولاً: قال الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ([27]).
قال ابن جرير الطبري: وأما «الأسباط» الذين ذكرهم، فهم اثنا عشر رَجلا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وَلَد كل رجل منهم أمّة من الناس، فسموا«أسباطًا»([28]).
ثم ساق بأسانيده عن ابن عباس، قتادة، والربيع بن أنس، وابن زيد، والسدي، ومحمد بن إسحاق، القول بذلك([29]).
وقال الزجاج: «الأسباط اثنا عشر سِبْطاً وهم ولد يعقوب عليه السلام، ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة الشجرة، فالسبط، الذين هم من شجرة واحدة»([30]).
أبو الليث السمرقندي: «هم أولاد يعقوب، كان له اثنا عشر ابناً، فصار أولاد كل واحد منهم سبطاً، والسبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب»([31]).
ابن أبي الزمنين: «الأسباط يَعْنِي: يُوسُف وَإِخْوَته»([32]).
الثعلبي: وَالْأَسْباطِ يعني أولاد يعقوب واحدهم سبط. سمّوا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة من النّاس وسبط الرّجل حافده، ومنه قيل للحسن والحسين (عليهما السلام) سبطا رسول الله ﷺ، والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب، والشعوب من العجم.
الواحدي: والأسباط: وهم أولاد يعقوب وكان فيهم أنبياء.
السمعاني: أما الأسباط: هم اثنا عشر سبطا وهم أولاد يعقوب والأسباط في بني
إسرائيل كالقبائل في العرب.
البغوي: والأسباط، يعني: أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطا: واحدهم: سبط، سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة.
الزمخشري: وَالْأَسْباطِ حفدة يعقوب ذرارىّ أبنائه الاثني عشر .
ابن عطية: وَالْأَسْباطِ هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد
إسماعيل، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط.
القرطبي: والأسباط: ولد يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر ولدا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس.
ابن تيمية: قد أخبر الله عن أخوة يوسف بما أخبر من ذنوبهم وهم الأسباط الذين نبأهم الله تعالى.
الخازن: وَالْأَسْباطِ وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر واحدهم سبط وكانوا أنبياء.
أبو حيان الأندلسي: والأسباط هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطا. قال الشريف أبو البركات الجواني النسابة: وولد يعقوب النبي ﷺ: يوسف النبي ﷺ، صاحب مصر وعزيزها، وهو السبط الأول من أسباط يعقوب عليه السلام الاثني عشر، والأسباط سوى يوسف: كاذ، وبنيامين، ويهوذا، ويفتالي، وزبولون، وشمعون، وروبين، ويساخا، ولاوي، وذان، وياشيرخا.
ابن كثير: قال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلا؛ ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط.
المسعودي: والأسباطُ جمع سبط وهو الحافد والمراد بهم حفدة يعقوبَ عليه السلام أَوْ أبناؤه الاثنا عشر وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم واسحق.
الألوسي: والْأَسْباطِ جمع سبط كأحمال وحمل وهم أولاد إسرائيل.
القاسمي: والأسباط هم أولاد يعقوب الاثنا عشر المتقدم ذكرهم.
رشيد رضا: والأسباط أولاد يعقوب، والفرق أو الشعوب الإثنى عشر المتشعبة منهم.
فهؤلاء المفسرون على مر العصور ليس بينهم خلاف على أن يوسف كانت منه الذرية، بل هو أول أسباط بني إسرائيل.
وإنما الخلاف الواقع بينهم هل المراد بالأسباط أبناء يعقوب عليه السلام أم أحفاده وذرية أبناءه؟
والصحيح الذي عليه الجمهور، والذي يقتضيه السياق القرآني أنهم أبناء يعقوب عليه السلام، حيث لم يرد ذكر الأسباط في القرآن إلا متعلق وتابع لذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وذلك في أربعة مواضع اثنان في البقرة، وموضع في آل عمران، وموضع في النساء، وهي بالترتيب كالتالي:
الأول: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾[البقرة: 136].
الثاني: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾[البقرة: 140].
الثالث: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾[آل عمران: 84].
الرابع: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[النساء: 163].
بالنظر في جملة هذه الآيات يتبين أن:
  1. الأسباط اقترن ذكرهم بآبائهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وباستقراء السياق نجد أن آية البقرة الأولى جاءت بعد قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
ففي هذه الآيات دلالة واضحة على أن أبناء يعقوب هم الأسباط المعنيون في الآيات اللاحقة، ولذلك لتعلق اللاحق بالسابق، وعدم انقطاع السياق.
كذلك مما يستأنس به دعاء يعقوب ليوسف عليهما السلام: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[يوسف: 6]. وقول يوسف عليه السلام: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾[يوسف: 38].
  1. في الآية الثانية بأن الأسباط لم يكونوا على اليهودية ولا النصرانية، حيث لم تعرف اليهودية إلا بعد موسى ولا النصرانية إلا بعد عيسى عليهما السلام.
ثم الذي يتضح من الخطاب أن الأسباط أشخاص معينون معروفون عند اليهود والنصارى كما عرفوا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، فالذي يترجح أنهم أبناء يعقوب من صلبه لأنهم أجدادهم وحيث ذكر الأجداد من الأنبياء ذكرهم.
  1. في الآية الرابعة ذكر الله تعالى أنه أوحى إلى الأسباط كما أوحى إلى المرسلين والنبيين، وهذا لا يستقيم مع القول بأن الأسباط المعنيون في الآيات هو أحفاد يعقوب وذرية أبناءه، إذ أنهم لم يكونوا جميعاً أنبياء، بل منهم الضال.
فالراجح:أنهم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء .
قال برهان الدين البقاعي: وهذا هو الذي يظهر إذا تأملت هذه الآية مع التي بعدها وآية النساء ، فإن الأسباط - أعني القبائل - كانت منهم الضلال، وقد أنكر الله على من قال: إنهم كانوا هوداً أو نصارى، وأخبر في آية النساء أنه أوحى إليهم.اهـ
يتبين مما سبق أن يوسف عليه السلام رأس سبط من أسباط بني إسرائيل وهذا باتفاق علماء الملل الثلاثة .
  • ذكر ذرية يوسف عليه السلام عند مؤرخي الإسلام:
قال ابن قتيبة: «ولد ليوسف ابنان: افرائم، وهو جد يوشع بن نون بن افرائم والآخر:
ميشا. فولد لميشا ابن يقال له: موسى، فتنبأ قبل موسى بن عمران»([33]).
وقال الطبري: «ولد ليوسف أفراييم بن يوسف ومنشا بن يوسف، فولد لإفراييم نون، فولد لنون بن إفراييم يوشع بن نون وهو فتى موسى، وولد لمنشا موسى بن منشا.
وقيل: إن موسى بن منشا نبى قبل موسى بن عمران»([34]).
قال المطهر المقدسي: «في التوراة أن يوسف مات وهو ابن مائة وعشرون سنة وكان تزوج زليخا فولدت له اثنين افرايم بن يوسف جد يوشع بن نون وكان ولي عهد موسى من بعده ومنشا بن يوسف»([35]).
وقد ذكر الدينوري في حديثه عن ملك داود عليه السلام أن طالوت كان من سبط يوسف عليه السلام([36]).
قال ابن حزم: «كان في سبط يوسف- عليه السلام- من الأنبياء: يوشع بن نون، خليفة موسى- عليه السلام- وهو من ولد أفراييم بن يوسف»([37]).
وذكر ابن كثير في نبوة يوشع عليه السلام وتقسيم المقاتلة من الأسباط، فقال: «السبط الخامس سبط يوسف عليه السلام وكانوا أربعين ألفًا وخمسمائة ونقيبهم يوشع بن نون»([38]).
ومن تتبع كتب التفسير والتاريخ علم يقيناً أنه كان من ذرية يوسف قبيلة كاملة.، ولم ينكر وجود ذرية يوسف عليه السلام أحد من علماء المسلمين.
فإن قال جاهلهم تعصبًا إن هذا قد ورد عن أهل الكتاب فلا يصدق، ولا يحتج به!!
قلنا: وما قولك في بقاء ذرية يوسف عليه السلام في الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ذكر أهل السير والتواريخ أن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام الحبر يعود نسبه لسبط يوسف عليه السلام.
قال ابن سعد: هو رجل من بني إسرائيل. من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وسلامه. ([39])
قال ابن عبد البر: «ولا يختلفون أنه من بني إسرائيل من ولد يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»([40]).
مما سبق يتبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن يوسف عليه السلام ترك ذرية من بعده، وكان من ذرية الأنبياء والصالحين، وأن ذريته بقية إلى زمن الصحابة، ولا يمتنع أن تكون باقية إلى يومنا هذا.
كما يتبين لنا وبكل وضوح خطأ حمل لفظة «هلك» في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ
بَعْدِهِ رَسُولًا([41]). على انقطاع الذرية.
خامساً: كيف وجه أئمة التفسير لفظة «هلك» في سياق الآية الكريمة.
كان لازمًا بعد تحقيق ثبوت ذرية يوسف عليه السلام، وبيان خطأ هذا المسلك من التفسير، أن نبين كيف تعامل علماء التفسير مع هذه اللفظة «هلك» ضمن سياق الآية التي وردت فيها.
يقول الماتريدي في تفسيره: قوله: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) يخرج من وجهين: أحدهما: آمنوا به، وأنكروا رسالة غيره بعده بقولهم: لن يبعث اللَّه من
بعده رسولا.
والثاني: أي: أنكروا رسالته في حال حياته ولم يؤمنوا به، فإذا هلك أنكروا أن يكون هو مبعوثًا إليهم رسولا، فيحذر هَؤُلَاءِ صنيع أُولَئِكَ ألا يكونوا كأُولَئِكَ آمنوا به، وأنكروا رسالة غيره من الرسل بعده.، أو يقول: لا تكونوا كأُولَئِكَ يكذبونه ما دام حيًّا، فإذا هلك يكذبون رسالته، يحذرهم سفه أوائلهم، واللَّه أعلم.اهـ
فانظر كيف حمل المعنى المضاف من اللفظة على إيمانهم بانقطاع الرسالة من بعده، لا انقطاع ذريته!
وقال الخازن: (إِذا هَلَكَ) يعني مات (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) يعني أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان عليه بل قالوا ذلك ليكون لهم أساسا في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعده وليس قولهم لن يبعث الله من بعده رسولا تصديقا لرسالة يوسف كيف وقد شكوا فيها وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضمون إلى التكذيب لرسالته.اهـ
وقال ابن كثير: أي: يئستم فقلتم طامعين: {لن يبعث الله من بعده رسولا} وذلك لكفرهم وتكذيبهم.اهـ
قال البقاعي: دل على تمادي شكهم بقوله : (حتى إذا هلك) وكأنه عبر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظم له، وأنه إنما يقول ما يشعر بالتعظيم لأجل محض النصيحة والنظر في العاقبة.
{قلتم} أي من عند أنفسكم بغير دليل كراهة لما جاء به وتضجرا منه جهلاً بالله تعالى: {لن يبعث الله} أي الذي له صفات الكمال.
ولما كان مرادهم استغراق النفي حتى لا يقع البعث في زمن من الأزمان وإن قل، أدخل الجار فقال: {من بعده} أي يوسف عليه السلام {رسولا} وهذا ليس إقراراً منهم برسالته، بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته التكذيب برسالة من بعده، والحجر على
الملك الأعظم في عباده وبلاده والإخبار عنه بما ينافي كماله.اهـ
قال المراغي: أي ولقد جاء آباءكم يوسف من قبل موسى بالآيات الواضحات، والمعجزات الباهرات، فلم يزالوا في ريب من أمره، وشك من صدقه، فلم يؤمنوا به، حتى إذا مات قالوا: لن يبعث الله رسولا من بعده يدعو إليه ويحذّر بأسه، ويخوّف من عقابه، فالتكذيب متوارث، والعناد قديم، والريب دأب آبائكم الغابرين، وقد نسب تكذيب الآباء إليهم، لما تقدم من أن الأمم متكافلة فيما بينها، فينسب ما حدث من بعضها إلى جميعها، إذا تواطئوا واتفقوا عليه.اهـ
قال الطاهر بن عاشور: أي قال أسلافكم في وقت وفاة يوسف: لا يبعث الله في المستقبل أبدًا رسولا بعد يوسف، يعنون: أنا كنا مترددين في الإيمان بيوسف فقد استرحنا من التردد فإنه لا يجيء من يدعي الرسالة عن الله من بعده ... وحاصله أنهم كانوا في شك من بعثة رسول واحد، وأنهم أيقنوا أن من يدعي الرسالة بعده كاذب فلذلك كذبوا موسى.اهـ
وعلى ما ذكر عامة أهل التفسير على مر العصور، مع اختلاف كل واحد منهم في السياق.
وبذلك نكون قد أوضحنا بيان هذه اللفظة هند العلماء والمفسرين، وتبرأنا إلى الله من نسبة هذا القول في نبي الله يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن خليل الله إبراهيم عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
كتبه /أبو عمار الفيديميني .








([1]) سورة غافر: الآية (34).
([2]) سورة النساء: الآية (176).
([3]) البخاري، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3455).
([4]) الترمذي، برقم (2950)، والنسائي، برقم (8031).
([5]) الترمذي، برقم (2952)، والنسائي، برقم (8032).
([6]) مقاييس اللغة لابن فارس ( 6/62) مادة هلك .
([7]) الغريبين في القرآن والحديث (6/1935) مادة هلك.
([8]) المحكم والمحيط الأعظم ( 4/139) مادة هلك، لسان العرب لابن منظور (10/305) .
([9]) (3/2358) مادة هلك .
([10]) المفردات للراغب الأصفهاني (ص844).
([11]) تفسير الطبري (13/568).
([12]) تفسير القرطبي (7/294).
([13]) تفسير الطبري (16/224).
([14]) تفسير القرطبي (9/251).
([15]) البخاري، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3455).
([16]) مصنف ابن أبي شيبة (7/464)، وابن ماجه برقم (2871).
([17]) إسحاق بن راهويه في مسنده (1/256)، وابن حبان في صحيحه برقم (4555).
([18]) شرح مسلم للنووي (12/231).
([19]) البخاري، باب: تزويج النبي ﷺ، برقم (3816).
([20]) عمدة القاري للعيني (16/279).
([21]) البخاري، باب: غزوة الحديبية، برقم (4160).
([22]) البخاري، باب: الدعاء للمتزوج، برقم (6387).
([23]) الجامع، باب: ما جاء في تزويج الأبكار، برقم (1100)، وصححه الألباني.
([24]) مشكل الآثار للطحاوي (8/128)، وحلية الأولياء (2/51).
([25]) سورة غافر: الآية (34).
([26]) سورة النساء: الآية (176).
([27]) سورة البقرة: الآية (136).
([28]) تفسير الطبري (3/111).
([29]) انظر: تفسير الطبري (2/121)، (3/111).
([30]) معاني القرآن للزجاج (1/217).
([31]) بحر العلوم (1/97).
([32]) التفسير (1/181).
([33]) المعارف (1/41).
([34]) تاريخ الأمم والملوك (1/364).
([35]) البدء والتاريخ (3/69).
([36]) انظر: الأخبار الطوال (ص17).
([37]) جمهرة أنساب العرب (ص508).
([38]) البداية والنهاية، ط/هجر (2/231).
([39]) انظر: الطبقات (2/367) متمم الصحابة، ومعجم الصحابة للبغوي (4/102)، والثقات لابن حبان (3/228)، والمنتظم لابن الجوزي (5/206)، أسد الغابة (3/265)، الإصابة (4/104).
([40]) الاستيعاب (4/1590)
([41]) سورة غافر: الآية (34).
 
السلام عليكم ورحمة الله
مالفرق بين الموت والهلاك ؟؟ هل هما مترادفان ؟؟ هل يمكن استعمال واحدة محل الأخرى ؟؟
 
السلام عليكم ورحمة الله
مالفرق بين الموت والهلاك ؟؟ هل هما مترادفان ؟؟ هل يمكن استعمال واحدة محل الأخرى ؟؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مما لا شك فيه أن الكلمتان مختلفتان , لكن بينهما قدر مشترك , حيث تؤدي احداهما معنى الأخرى في هذا القدر الجامع بينهما، لأنه لا يشترط في الترادف أن تكون الكلمة بمعنى الكلمة الأخرى من كل جوانبها.
إذًا هل هما مترادفان؟ نقول نعم .
وهل يمكن استعمال واحدة محل الأخرى؟ نقول أيضًا نعم ، وقد تقدم في البحث استعمال كلمة هلك بمعنى مات كما في الآيات والأحاديث، كذلك جاءت كلمة مات بمعنى الهلاك الذي هو الموت مع الانقطاع كما في صحيح مسلم برقم ( 2918 ) من حديث أبي هريرة قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ مَاتَ كِسْرَى، فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ، فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ».
قال النووي رحمه الله: معناه لايكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فعلمنا صلى الله عليه وسلم بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين.اهـ
أما الفرق بين الموت والهلاك؟ فكل منهما يأتي بعدة معانٍ كما قرره الراغب الأصفهاني في المفردات.
فهلك تأتي بعدة معان ذكرها «الأول: افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود . والثاني: وهَلَاكِ الشيء باستحالة وفساد . والثالث: الموت . والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأساً. - راجعها بأمثلتها مطلع البحث .
أما الموت فقال ص781: (( أنواع الموت بحسب أنواع الحياة:
فالأوّل: ما هو بإزاء القوَّة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنّبات. نحو قوله تعالى:يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها[الروم/ 19] ، وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق/ 11] .
الثاني: زوال القوّة الحاسَّة. قال: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا[مريم/ 23] ، أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم/ 66] .
الثالث: زوال القوَّة العاقلة، وهي الجهالة.نحو: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ[الأنعام/ 122] ، وإيّاه قصد بقوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى[النمل/ 80] .
الرابع: الحزن المكدِّر للحياة، وإيّاه قصد بقوله: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ[إبراهيم/ 17] .
الخامس: المنامُ، فقيل: النّوم مَوْتٌ خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سمّاهما الله تعالى توفِّيا. فقال: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام/ 60] ، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها[الزمر/ 42] ، وقوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ [آل عمران/ 169] فقد قيل: نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبّه على تنعّمهم، وقيل: نفى عنهم الحزن المذكور في قوله: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ [إبراهيم/ 17] ، وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران/ 185] فعبارة عن زوال القوّة الحيوانيَّة وإبانة الرُّوح عن الجسد، وقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[الزمر/ 30].اهـ
وباستقراء كلام الراغب نجد أن القدر المشترك بين لفظ الموت والهلاك هو الإزالة وإن استقلت كل كلمة منهما بعدة معانٍ أخرى تتم معرفتها من خلال السياق الذي وردت فيه الكلمة.
والله تعالى أعلم
 
هل تؤثر توقيفية النص على الاستدلال ؟؟
بمعنى آخر
ماهو الفرق بين الاستدلال بالنص التوقيفي والنص الغير توقيفي ؟؟
 
هل تؤثر توقيفية النص على الاستدلال ؟؟
بمعنى آخر
ماهو الفرق بين الاستدلال بالنص التوقيفي والنص الغير توقيفي ؟؟

مما لاشك فيه أن توقيفية النص المستدل به لها أثر كبير في الاستدلال وذلك لعصمة النص التوقيفي دون غيره .
 
أخي الفاضل أحسن الله إليك ووفقنا وإياك لفهم كتابه على الوجه الذي يرضيه :

أولاً
: إن خصوصية القرآن الكريم في استعمال وتوظيف مفرادت دون أخرى هو أمر لافت يدعو للتفكر والتدبر والتوصل للمعاني الغائبة عن اذهاننا ، فعندما يستعمل ربنا جل في علاه مفردة "هلك" فيجب أن نقرّ ونسلّم بأنه لا يناسب هذا الموضع سواها ولا يصلح أن نستبدلها بمفردة "مات" لأن من لوازم التركيب اللغوي القرآني خصوصية المفردات وتوقيفها وما ذلك إلا لأنه لا يمكن استعمال سواها في محلها البتة ، وقولك أخي الفاضل أن مات تساوي هلك في المعنى مؤداه جواز استعمال كلمة مكان أخرى وهذا باب فتنة عظيم يؤدي للقول بجواز استبدال مفردات القرآن طالما كانت مترادفة وتؤدي المعنى ذاته.

ثانياً: إن أقرب مفردة لمعنى الهلاك والإهلاك هي "الاجتثاث" وهو اقتلاع النبتة او الشجرة بكل ما يتعلق بها من الأرض فلا تبقى لها باقية ولا يرجى أن ينبت منها بقية أبداً ، فالمسالة لا تتعلق فقط بالموت والفناء ولكن تتعلق بانقطاع الأثر واجتثاث الأصل وما يتعلق به ، لذلك فإن كل مواضع إهلاك الكافرين كانت تشير لعملية إبادة جماعية (لأهل) القرية الظالمة وليس حادثة تخص بعض أهلها لذلك ارتبط "الهلاك" "بالأهل" لأنهم يُلحقون بالهالك فلا تبقى له بذلك بقية :

قال تعالىجل وعلا :
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==

ذَٰلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​​




وقوله تعالى:
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​​




وقوله تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​​




وقوله تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​​




وقوله تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِهَٰذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ .​





ثالثاً : يعزز مفهوم الأخ فارس وفقه الله في مبحثه هذا العديد من القرائن والشواهد الأخرى فالهلاك يعني انقطاع العمل والذرية والعقب وهنا يجدر بنا أن نذكر حديث نبوي متعلق بهذا المفهوم ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم​- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم. لذلك يقول الحق جلا وعلا مصداقاً لهذا المفهوم :

يقول ربنا جل جلالهجل وعلاجل جلاله:

wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [البقرة:195]​



فالامتناع عن الانفاق تهلكة لأن عمله ينقطع والإنفاق صدقة جارية تبقي اثره وعمله متصلاً فيكون الموت بدون إنفاق من الهلاك وهذا من أظهر أدلة مفهوم الهلاك في القرآن الكريم.
والهالك وإن بقيت له دعوة فإن الدعوة التي تصل عمله في حياته لابد أن تكون دعوة ولد صالح من عقبه سواء من ولده او من حفدته ، فإن مات كلالةً فقد هلك ، ولا وجه لإيراد حديث عائشة رضي الله عنها
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ فلا يوجد توقيف لالفاظ الحديث والآثار فقد ذكر حديث عائشة رضي الله عنهارضي الله عنها​ بسند صحيح في تسع مواضع تفاوتت الفاظها ولم ترد لفظة هلكت إلا في موضعين ، فلا سبيل للاحتجاج بذلك على كتاب الله فكتاب الله حجة عليه ، وقد سبق أن سألتك عن أثر التوقيف في الاحتجاج فأيدت أن عدم التوقيف يوهن الاحتجاج ، ومن هنا وتأسيساً على استعمال المفردة في السياق القرآني فإن الآثار المنسوبة لعائشة رضي الله عنها
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ بلفظ "هلكت" غير صحيحة لأن خديجة رضي الله عنها وارضاها توفيت عن ذرية ولم تنقطع وتجتث من الارض ، والعمدة في ذلك على كتاب الله ، ولا ينفي ذلك صحة هذا الحديث بلفظ آخر ولكن ليس بهذا اللفظ.

ويدعم ايضاً هذا المفهوم الآية الكريمة التي نزلت في ابي طالب

فيقول تعالى:
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الأنعام:26]​



فإن نأيه عن رسول الله وعدم اتباعه له يهلكه فلا ينتفع بنبوة ابن أخيه ولا يتصل له عمل ينقذه فحتى وجود عقبه (علي ابن أبي طالب) بعده فهو يهلكه إذ لا اتصال بين عمل ميت كافر وذريته المؤمنة ، لذلك نفى الله تعالى صلة ابن نوح بأبيه (ليس من اهلك) فهو هالك مع الهالكين الذين اجتثهم الله واستأصلهم جميعاً ولم يبقي من عقبهم ولا ذويهم أحداً.
ويقول جل شأنه :
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الأعراف:129]​



والاستخلاف لا يتحقق لو بقي من آل فرعون بقية فإنهم سيرثون الارض ويبقى قوم موسى تحت عذاب جديد ، فكان الاجتثاث هو سبيل التمكين لانهاء حرث عدوهم ونسله فلا تبقى لهم باقية.

رابعاً: ارتبط الإهلاك بالنساء والذرية ، وبالذكور والإناث وليس هو كالموت ، فالموت يبقي من عقب الميت شيئاً أما الإهلاك فإنه يستأصل ويجتث الرجل وعقبه ومن تحته ومن علاه ، فلا يبقى له بعد موته أثر يقول الحق تعالى:
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [البقرة:205]​



فالحرث النساء ، والنسل الأبناء ، والحرث الأمهات ، والنسل الذراري ، والحرث المزارع ، والنسل نباتها ، والحرث أنثى النعم ، والنسل صغارها وولدها ، وهكذا فالإهلاك اجتثاثٌ للهالك ولا يقتضي الموت فحسب بل يتعداه إلى انقطاع الأثر والذرية ، وقد يكون هذا الانقطاع والاجتثاث بفعل العذاب كما في حال الأمم التي عذبت واستئصلت وابيدت فكان حالها هلاكاً لأنه شمل كل من عاصرهم وعاش بينهم وكان من نسلهم ، وقد يكون لان الهالك لم ينجب اصلاً ولم يترك أثراً بعده كما حدث لنبي الله يوسف عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ ، فكان الهلاك بذلك نوعين يشتركان في المفهوم ويختلفان في السبب ، فمنها ماهو عذاب من الله حاق بهم جميعاً ، ومنها ما كان واقع حدث بما جرت به المقادير وليس أمر سوء أراده الله بالهالك كما حدث ليوسف عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​.

خامساً : إن الاستشهاد بالاسرائيليات ليس بشيء عندما يؤيد القرآن الكريم مفهوم معين فلن ننزل عن كلام الله لأجل كلام بني اسرائيل الذي نعلم ما فيه من الكذب والتدليس وكيف نسبوا لهارون عليه السلام بأنه هو الذي دعا قومه لعبادة العجل فكم بهتوا من الانبياء والرسل وكم قتلوا وكذبوا فهم ليسوا ثقة حتى نقدم كلامهم على كلام الله الواضح البين.

وبناء على ما تقدم فإن الهلاك لا يساوي الموت بل يزيد عليه بالاستئصال والفناء والموت الباتر والله تعالى أعلى وأعلم وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
الأخ الكريم / عدنان الغامدي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك ونفع بك، وأحسن إليكم ووفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وفهم كتابه كما يحب ويرضى.
أولاً: لقد نزل القرآن كما ذكر ربنا ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ، وحتى يتم لطالب العلم فهم ألفاظه ومفرداته فلابد له من تتبع واستقراء هذه المفردة في جميع آي القرآن وأحاديث السنة النبوية، ولغة العرب.
ثانياً: إننا لا ننكر أن الهلاك يأتي بمعنى الانقطاع وأن هذا المعنى كثر استعماله في القرآن الكريم ، لكن الذي ننكره هو حصره في هذا المعنى فقط!
ثالثاً: هذا الذي تقول به تبعًا لأخ فارس لم يقول به سلف أو خلف من علماء التفسير أو اللغة .
رابعاً: كيف تفسير ما جاء في القرآن من قوله تعالى : ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ [يوسف:85]، وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾[الأعراف:155]، وقوله تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾[الأنفال/42] ، ﴿وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ﴾[الجاثية/ 24].
خامسًا: قولك : «ولا وجه لإيراد حديث عائشةفلا يوجد توقيف لألفاظ الحديث والآثار فقد ذكر حديث عائشةبسند صحيح في تسع مواضع تفاوتت ألفاظها ولم ترد لفظة هلكت إلا في موضعين ، فلا سبيل للاحتجاج بذلك على كتاب الله ...الخ!!».
فوالله لا أدري كيف تجاسرت على تضعيف حديث متفق عليه لمجرد أنه يخالف فهمك!! ثم من قال لك أننا نحتج بالحديث على القرآن! بل نحتج بالحديث على فهمك للقرآن والذي لم يقول به عالم.
فأما حديث عائشة مداره على هشام بن عروة عن أبيه عنها، وقد رواه عنه بهذا اللفظ ثلاثة من الثقات الأثبات، الأول، والثاني: الليث بن سعد، وحماد بن أسامة، ولفظه: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ...
الثالث: علي بن مسهر، ولفظه: «مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ ...
وإنني لم أقف على عالم من علماء الحديث ضعف هذا الحديث سندًا أو متنًا، فلو نقل لنا أخانا الكريم من سبقه بذلك لأفادنا .
وعلى فرض ضعيف الحديث فإن هذا لا يقدح في الاحتجاج به على وجود اللفظة في لسان العرب ولغتهم، وهذا مقرر معلوم عند علماء اللغة.
ثم أقول لأخي الكريم إذا كان حديث عائشة ضعيف على حد زعمك فما قولك في حديث أبي هريرة، وجابر، وزيد بن أسلم، وزيد بن ثابت؟!
وماذا تقول فيما أخرجه أبي داود وصححه الحاكم والذهبي، والألباني من حديث عمرو بن العاص، «احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ... الحديث». فهل معناه أن أموت فتنقطع ذريتي! ومعلوم أن عبد الله بن عمرو أسلم قبل أبيه.
وأيضًا حديث عبد الرحمن بن عوف، «هَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ ...». أخرجه الترمذي في الشمائل وحسنه الضياء في المختارة.
والله يا أخي الكريم إن ما تقولون به لا يقول به عالم طالع كتب التفسير أو الحديث أو السيرة أو اللغة، لأن هذه اللفظة بهذا المعنى مستفيضة في الكتب ولسان العرب.
وإن شئت جمعت لك عشرات الأمثلة على ذلك ، لكن فيما ذكر كفاية لمن أراد الحق والصواب.
سادسًا: ما ذكرته من الاستشهاد بالإسرائيليات فهذا ليس في حكم من الأحكام حتى نرده، بل هو نسب وقد تلاقه العلماء بالقبول مادام لا يخالف شريعتنا، ثم إنني قد ذكرت نقل الإجماع عن ابن سعد وابن عبد البر وابن حجر على أن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام كان من سبط يوسف عليه السلام، فهل يا أخي تقدح في هذا النقل وهذا النسب لم مجرد أنه يخالف فهمك.
وقد أيدتُ ما ذهبتُ إليه بالقرآن بذكر الأسباط الأنثى عشر، فمن هم الأسباط عندك؟!
يا أخي الكريم إن تفسير كلام الله سبحانه لا يقوم بالنظر الفردي فقط فهذا ليس سبيل العلماء، بل يقوم بالنظر في آيات القرآن جميعها، ثم النظر في السنة صحيحها وضعيفها ، ثم النظر في لغة العرب، ولابد في ذلك كله من اتباع سبيل سلفنا الصالح من العلماء والمفسرين.
أسأل الله لي ولك الهداية والسداد والتوفيق، وحسن الفهم عن الله ورسوله والعلماء الربانيين. آمين
 
موضوع جميل ورائع..
المعلوم أن اللفظة القرآنية تأتي في سياقها الخاص بها لا ينوب عنها غيرها، ومن هنا قال العلماء بعدم الترادف في القرآن الكريم:
ومن يتأمل لفظة الهلاك في القرآن الكريم يرى أن لها معنى غير كلمة الموت.
فالموت هو مفارقة الروح للجسد.
أما الهلاك فهو يحمل معنى الموت إضافة إلى الدمار والاستئصال والاجتثاث، وغالبا ما تأتي هذه اللفظة في موضع النقمة واجتثاث الأمم المكذبة.
بالنسبة لورود هذه اللفظة في معرض الحديث عن يوسف عليه السلام عليه السلام ...في قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا)
فالسياق يتحدث عن الشك والكفر والعناد الذي اتسم به قوم يوسف وبالتالي عندما مات عليه السلامكان هذا الموت من وجهة نظرهم هلاكا ليوسف عليه السلام، هذا الهلاك يمثل خلاصا لهم من النبي الكريم الذي كانوا يرونه حجرة عثرة أمام شهواتهم.
وهذا ما دأب عليه الخصوم إلى اليوم عندما يموت من لا يروق لهم يقولون عنه: " الحمدلله لقد هلك" من باب النقمة عليه بسبب العداء الحاصل بينهم وبينه...أو الغيرة أو ما شابه ذلك من حظوظ النفس.
والله أعلم.
 
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أخي الكريم المفضال محمد عبدالستار وفقه الله لكل خير

لكل ما تفضلت به رد جازم بفضل الله ولكني سأفرد في هذه المساحة رد مستقل على نقطة واحدة ثم أني أرجو أن أجد الوقت لأتم الرد على بقية النقاط بمشيئة الله ، أقول تفضلت بما نصه:

خامسًا: قولك : «ولا وجه لإيراد حديث عائشة فلا يوجد توقيف لألفاظ الحديث والآثار فقد ذكر حديث عائشة بسند صحيح في تسع مواضع تفاوتت ألفاظها ولم ترد لفظة هلكت إلا في موضعين ، فلا سبيل للاحتجاج بذلك على كتاب الله ...الخ!!».
فوالله لا أدري كيف تجاسرت على تضعيف حديث متفق عليه لمجرد أنه يخالف فهمك!! ثم من قال لك أننا نحتج بالحديث على القرآن! بل نحتج بالحديث على فهمك للقرآن والذي لم يقول به عالم.
فأما حديث عائشة مداره على هشام بن عروة عن أبيه عنها، وقد رواه عنه بهذا اللفظ ثلاثة من الثقات الأثبات، الأول، والثاني: الليث بن سعد، وحماد بن أسامة، ولفظه: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ...
الثالث: علي بن مسهر، ولفظه: «مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ ...
وإنني لم أقف على عالم من علماء الحديث ضعف هذا الحديث سندًا أو متنًا، فلو نقل لنا أخانا الكريم من سبقه بذلك لأفادنا .
وعلى فرض ضعيف الحديث فإن هذا لا يقدح في الاحتجاج به على وجود اللفظة في لسان العرب ولغتهم، وهذا مقرر معلوم عند علماء اللغة.

أرجو أن لا تنهار مما ستقرأ ، هل تصدق أن امرأة تربت في كنف الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم تنتقص وتغتاب وتذم وتسيء لخديجة رضي الله عنها ؟؟ هل تصدق أن ابنة الصديق الصادقة المصدوقة لا تعلم موقع خديجة من قلب رسول الله وهي من هي في نصرتها لدين الله ونبيه صلى الله عليه وسلم ؟؟
ألم تتعلم عائشة رضي الله عنها معنى قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11]
فابرأ الله إلى الله أن تكون عائشة رضي الله عنها سخرت ونبزت خديجة رضي الله عنها وأهلك الله الرافضة الذين دسوا في احادثينا مثل ذلك كثير ، فالرواية كاذبة ودعني أحتمل عرض رسول الله وأذب عنه وأنت احتمل الليث ابن سعد وحماد ابن اسامة وعلي ابن مسهر وهنيئاً لك بهم ، بل هنا اسألك كيف تجاسرت أن تصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع المنكر من فم عائشة (وحاشاها أن يصدر منها ذلك) ويسكت عن زجرها ونهيها عن هذا القول ويكتفي بالدفاع عن خديجة رضي الله عنها ؟؟
اهلكتكم الروايات يا قوم فتقبلتموها بدون تفكير في متنها الساقط ومفهومها المنحرف فأبرأ إلى الله منها ولو رواها خمسمائة راوي ثبت فهي مدسوسة مكذوبة كغيرها من الروايات الساقطة متناً ، وأنا أقصد بالهلاك صيغة مبالغة كما يقول الرجل هلكت فلا يقصد "متُّ" وهذا رد على نقطة أخرى استشهدت بها في غير موضعها فاستخدمت ما يجري على ألسنة الناس كقول الرجل "متُّ من الضحك" أو " هلكت" أو كقول الرجل "سقط قلبي " ونحو ذلك من الفاظ المبالغة واعتبرتها دليل على أن الهلاك ليس انقطاع الذرية ولا أريد أن اكمل لأني افردت الرد للذب عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله وربيبته وربيبة أبيها ديناً وخلقاً ، وما نسب إليها لا ينسب إلا لامرأة بذيئة لا خلق لها وحاشاها أن تكون كذلك.
بالرغم من ذلك فقد ورد الحديث في 13 موضعاً ليس فيه لفظة الهلاك الا في موضعين فتركت 11 موضعاً وتمسكت بموضعين وأنا ارفضها كلها وأدين لله بتكذيبها وأحتمل ذلك واحتمل أنت تصديقه وأنت حر في اعتقادك وفقك الله وهداني وهداك للحق إنه هو الهادي إلى سواء السبيل.
وختاماً فسأفرد موضوعاً كاملا يستقرئ كل آيات كتاب الله وكيف تظافرت مواضعها للاشارة إلى الانقطاع والموت الباتر وليس الموت المجرد العادي.
والله تعالى أعلم .
 
التعديل الأخير:
بِسْمِكَ يَا مَنْ خَلَقْتَنِي
الحَمْدُ لَكَ يَا خَالِقِ السَّمَاوَاتِ و الأَرْضِ

يَقُولُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبَ:

إِنَّ القَليلَ مِنَ الكَلامِ بِأَهلِهِ حسَنٌ وَإِنَّ كَثيرَهُ مَمْقوتُ
ما زَلَّ ذو صَمْتٍ وَما مِن مُكثِرٍ إِلّا يُزَلُّ وَما يُعابُ صَموتُ
إِن كانَ يَنطِقُ ناطِقاً مِن فِضَّةٍ فَالصَمتُ دُرٌّ زانَهُ ياقوتُ



سَبَبُ كُلِّ هَذَا الجَدَلِ هُو كِتَابُ المُفْرَدَاتِ فِي غَرِيبِ القُرْآنِ
و الأَقْوالِ التِّي أَتَى بِهَا
فَهُوَ مَنْ قَالَ بِإِخْتِلَافِ مَعانِي وَ وُجُوهِ كَلِمَةِ "هَلَكَ"

لَوْ إِطَّلَعْتَ عَلَى هَذَا الكِتَاب و لَخَّصْتَهُ و حَقَّقْتَهُ لَعَرَفْتَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ و هيَ:
1- تَفْسِيرُهُ العَرَبِيَّةَ بِالقُرْآنِ و لَيْسَ العَكْسُ يَعْنِي يُسْقِطُ مَعَانِي القُرْآن التِّي أَدْرَكَهَا عَقْلُهُ علَى الأَلْفَاظِ
2- إِنْفِرَادُهُ بِإيرَادِ الآرَاءِ الشَّاذَّةِ لِلّْنُّحاَةِ و التِّي لَمْ يَأْتُوا عَلَيْهَا بِحُجَجٍ و لَمْ يُتَابِعْهُمْ عَلَيْهَا أَحَدٌ
3-إِنْشَاءُهُ لِمَعَانٍ و تَفَاسيرٍ جَدِيدَةٍ دُونَ بَرَاهِينَ

سَآخُذُ مِثَالًا عَلَى هَذَا الكَلَامِ رَغْمَ تَعَدُّدِ الأَمْثِلَةِ فِي الكِتَابِ

كَلِمَةُ جَزى قَالَ الرَّاغِبُ بِالإِخْتِلَافِ بَيْنَ مَعْنَى جَزَى وَ أَجْزَى وَ قَالَ بِأَنَّ الجَزَاَءَ مُخَالِفٌ لِلْمُجَازَاةِ و كَالعَادَةِ هُناكَ نَاسٌ يُحُبُّونَ هَاتِهِ الأَشْيَاءَ و يَنْقُلُونَهَا و بَدَأَتٍ الصِّرَاعَاتُ...

لَكِنْ فِي الحَقِيقَةِ لَمْ يَأْتِ هَذَا الكَاتِبُ بِأَدِلَّةٍ عَلَى هَذَا القَوْلِ وَ تَركَ قَاعِدَةً لُغَوِيَّةً كُبْرى و هَي أَنّ أَفْعلَ تَأْتي بِمَعْنى فَعلَ لَكِنْ لِلّْتَعْدِيَةِ

وَ قَالَ لِي أَحَدُهُمْ مَرَّةً أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ أَقُول جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا
و الصَّحِيحُ أَنْ أَقُولَ جَازَاكَ اللَّهُ خَيْرًا

و مِنْ تَفَرُّدَاتِ الرَّاغِبِ مَعَانِي لَفْظ هَلَكَ
فَهُوَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ لِلْهَلَاكِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ
إِذَا فَتَحْتَ كِتَابَهُ عَلَى بَاب هَلك فَسَتَجِدُ أَوَّلًا أَنَّهُ قَال بِأَنَّ الهَلَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ثُمَّ زَادَ الرَّابِعةَ

وَ مَوْضُوعُ الهَلَاكِ وَرَدَ فِي هَذَا المُلتْقى بعنوان:
"استخدام لفظة "هلك" مع الصالح والطالح !"


وَلَوأَنَّني جاوَبتُهُ لأَمضَّهُ نَواقِدُ قَولي وَاِحتِضارُ جوابي
وَلَكِنَّني أُغضي عَلى مَضَضِ الحَشا وَلَو شِئتُ إِقداماً لَأُنشِبُ أَنْيَابِي




وَ كُلِّ هَاتِهِ الأَقْوَالِ لَا نَرَى لَهَا حُجَجًا منِ النَّحْوِ و لَا مِنَ القُرْآنِ و لا الشِّعر

أَصْلُ الهَلَاكِ هُوَ الإِنْقِطَاعُ
إِنْ هَلَك عَبْدٌُ يَعْنِي إِنْقَطَعَ عَنِ الدُّنْيا مَاتَ هَذَا أَصْل الكَلِمَةِ, فَالهَلَاكُ هُو المَوْتُ
ثمّ أَصْبَحَتْ تَأْتِي لِوَصْفِ كُلِّ شَيْءٍ إِنْقَطَعَ وَ فَسَدَ و تَوَقَّفَ
" إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ " و قُوْلُهُ " لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ": و هُو الإِنْقِطَاعُ عَنِ الحَيَاةِ و الذَّهَابُ إلىَ عَالِمِ الغَيْبِ و الشَّهَادَةِ
"وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ":
هَلَكَ الحَرْثُ تَوَقَّفَ نُمُوُّهُ و فَسَدَ وَ مَاتَ قَبْلَ نُضُوجِهِ وَ حَصَادِهِ و لَمْ تَعُدْ لَهُ فَائِدَةٌ ( فَسَّرَهَا تَعَالى في القُرْآنِ فذَكَرَ أنَّهُ سَعْيٌ في الأَرْضِ لِلإِفْسادِ )
"هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ": هَوَ الكَافِرُ يَتَحَسَّرُ في النَّارِ, حُجَجُهُ و بَرَاهينُهُ التِّي كَانَ يُجَادِلُ بهَا عَنِ الكُفِْرِ فِي الدُّنْيَا ذَهَبَتْ
و إِنْقَطَعَتْ عَنْهُ,تَرَكَتْهُ و خَذَلَتْهُ و لَمْ يَعُدْ لَهَا وُجُودٌ و فَائِدَةٌ
فلَمْ يَجِدْ منْ يُجَادِلُ عَنْهُ يَومَ الحَشْرِ و خَتَمَ اللَّهُ علَى فِيهِ
"وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ":
هَلَكَ يُوسُفُ النَّبِيُّ هَلَكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ هَلَكَتْ خَدِيجَةُ أَيْ إِنْقَطَعُوا جَمِيعُهُمْ عَنِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَاتُوا وَ تَوقَّفَتْ حَيَاتُهُمْ
"كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهُهُ": فَسَّرَها تَعالَى بِ"كُلُّ منْ عَلَيْها فَانٍ و يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ و الإِكْرَامِ" لِكُلِّ مَخْلُوقٍ زَمَنٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ يَنْقَطِعُ وُجُوُدُهُ و عَمَلُهُ و يَتَوَقَّفُ وَ يَنْقَلِبُ إِلَى رَبِّهِ
"وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا": يَعْنِي كُلُّ القُرُى التِّي بَطَرَتْ مَعِيشَتَهَا وَ ظَلَمَتْ و جَارَتْ قَطَعْنَا دَابِرَهَا ( وَ قَطَعْنَا دَابِر الذَّينَ كَذَّبُوا ) يَعْنِي إِنْقَطَعُوا عَنِ الدُّنْيَا و إِنْقَطَعَ دَابِرُهُمْ

بالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَالَ بَأنََّ هَلاَكَ القُرَى هُوَ تَعْذِيبُهَا قَوْلُكَ صَحِيحٌ َلَكِنَّهُ نَاقِصٌ, لِمَاذَا ؟ هَلْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ إِحْدَى هَاتِهِ القُرَى ثُمَّ عَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ؟
طَبْعًا لا إِّنَّمَا أَنَّ العَذَابَ الجَسَدِي هُنَا هُو جُزْءٌ مِنَ الهَلَاكِ
و هُو عَذَابٌ أَدَّى إِلَى المَوْتِ وَ الإِنْقِطَاعِ عَنِ الدُّنْيَا و كَانَ سَبَبًا فِيِهِمَا.

كُلُّ الآيَاتِ التِّي وَرَدَتْ فِيها هَلَك تَعْنِي إِنْقَطَعَ
إِذَا كَانَ الكَلَامُ عَنْ بَشَرِ فَهَلَاكُهُ يَعْنِي إِنْقِطَاعَهُ عَنِ الدُّنْيَا كُلُّيًا بِمَوْتِهِ
إِذَا كَانَ الكَلَامُ عَنْ جُزْءٍ مِن هَذَا البَشَر كَمَالِهِ أَوْ بَصَرِهِ أَو صِحَّتِهِ أَوْ عَقْلِهِ فَهُو إِنْقِطَاعُ هَذَا الُعُضْوِ عَنِ العَمَلِ وَ فَسَادِهِ هَلَكَ بَصَرِيِ مثْلُ ذَهَبَ هَلَكَ سَمْعِي يَعْنِي إِنْقَطَعَ و فَسَدَ
إِذا كَانَ الكَلامُ عَنْ شَجَرٍ أوْ نَبَاتٍ فَهَلَاكُهُ تَوَقُّفُ نُمُوِّهِ

مَنْ قَالَ بِالهَلَاكِ بِمَعْنَى العَذَابِ وَ مَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهِ بِمَوْتِ الكُفَّارِ و المُجْرِمينَ و غَيْرِهِمْ و دَلِيلُهُ كَانَ "عِنْدَمَا يَمُوتُ طَاغِيَةٌ يَقُولُونَ هَلَكَ" مُنْذُ مَتَى كَانَتْ يَقُولُونَ حُجَّةٌ يُعْتَدُّ بِهَا ؟عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَ عَنْكُمْ

يَجِبُ أَنْ يَبْتَعِدَ النَّاسُّ عَنْ الكَلَامِ عَنْ أَصْحَابِ الحُجَجِ
و الأَقْوالِ و التَّعَصُّبِ لَهُمْ, الرَّاغِب و الطَّبَرِي و غَيْرُهُمْ
لَا يَقُولُونَ قُرْآنًا وَ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهُمُ الوَحْيُ و لَمْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ
هُمْ بَشَرٌ يُصِيبُوا وَ يَخْطِؤُوا لَمْ يَجْعَلْ الَلَّهُ فِيهِمْ العِصْمَةَ

فِي المُقابِلِ يَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ النَّاسُ بِالكَلَامِ عَنِ الحُجَجِ
فَالحُجَّةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً لِرَفْعَةِ قَائِلِهَا و لَيْسَتْ خَاطِئَةً لِجَهَالَةِ صَاحِبِهَا

قَدْ يَبْلُغُ الشَّرَفَ الفَتَى وَ رِدَاؤُهُ خَلَقٌ وَ جَيْبُ قَمِيصِهِ مَرْقُوعٌ

و نَرْجُو أَنْ مِن اللَّهِ أَنْ لَا يُرَى قَوْلُنَا تَكَبُّرًا و لا تَعَالِيَا
و أَنْ يُتَقَبَّلَهُ الخَالِقُ قَبُولًا حَسَنًا
ما لِفَتىً حَسَبٌ إِلّا إِذا كَمُلَت أَخلاقُهُ وَحَوى الآدابَ وَالحَسَبا
فَاِطلُب فَدَيتُكَ عِلماً وَاِكتَسِب أَدَباً تَظفَر يَداكَ بِهِ وَاِستَعجِلِ الطَّلَبا
لِلّهِ دَرُّ فَتىً أَنسابُهُ كَرَمٌ يا حَبَّذا كَرَمٌ أَضحى لَهُ نَسَبا
هل المُروءَةُ إِلّا ما تَقومُ بِهِ مِنَ الذِمامِ وَحِفظِ الجارِ إِن عَتَبا
مَن لَم يُؤَدِّبهُ دينُ المُصطَفى أَدَباً مَحضاً تَحَيَّرَ في الأَحوالِ وَاِضطَرَبا
 
أعجبني رد البقاعي:

عبَّر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظِّم له، وأنه إنما يقول ما يُشعِر بالتعظيم لأجل النصيحة والنظر في العاقبة.

وعلى هذا يكون التعبير بهذه الكلمة من باب مداراة الظالمين


ويبدو أن الهلاك في التعبير القرآني = انقطاع الشيء وأثره (وهو هنا الرسالة)

فيستنكر زعمهم بأن إرسال الرسل إلى بني إسرائيل انقطع بيوسف عليه الصلاة والسلام.

" حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً "؟!

والله أعلم
 
سَبَبُ كُلِّ هَذَا الجَدَلِ هُو كِتَابُ المُفْرَدَاتِ فِي غَرِيبِ القُرْآنِ
و الأَقْوالِ التِّي أَتَى بِهَا
فَهُوَ مَنْ قَالَ بِإِخْتِلَافِ مَعانِي وَ وُجُوهِ كَلِمَةِ "هَلَكَ"

لم اقرأه ولم أطلع عليه ، فألسنتنا عربية لم يداخلها عجمة ونزل القرآن بلساننا بفضل الله ووندرك معانيه ونفهم مفرداته فطرةً كما فهمها رعاة الغنم فلا ينبغي أن يعود العربي لأعجمي ليتعلم لغته.
ومن المفارقات الغريبة نسبة الغرابة للقرآن الكريم وهذا ما أعتبره من سوء الأدب مع كتاب الله ، فكيف ينزل القرآن بغريب عن الناس ؟؟ بل الغرابة مسألة نسبية تعود للمُسْتَغْرِب فالمشكلة عنده لأنه يرى في المفردة غرابة وهي ليست بغريبة على سواه إن كانت غريبة عليه لكونه أعجمي الأصل لا يفقه اللغة فينسب الغرابة للقرآن أو شيء منه.
 
بِسْمِ الَلَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
الحَمْدِ لِلَّهِ مُنْزِلِ الكِتَابِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ غَيْرِ ذِي عِوَجٍ.

أَتَسَاءَلُ هَلْ قَرَأْتَ أَيْضًا غَرِيب الحَدِيثِ و قَدْ صَنَّفَ فِيهِ العَدِيدُ مِنَ العُلَمَاءِ.؟؟

أمَّا بَعْدُ, أُريدُ أَنْ أَقُولَ لَكَ أَنّ القُرْآنَ لَمَّا نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ كَانَتْ العَرَبِيَّةُ المُبينَةُ الفَصِيحَةُ لِسَانِ القَوْمِ الذِّي نَزَلَ عَلَيْهُم فَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشُ و مَا جَاوَرَهَا رَحِمَ الفَصَاحَةِ و البَلَاغَةِ مَنْبَعُ الشِّعِْرِ و الكَلَامِ و المَنْطِقِ.

يَجْتَمِعُ الشُّعَرَاءُ في سُوقِ عُكَاظَ يَتَبَارَزُونَ بالكَلامِ و يَفْتَتِحُونَ القِتَالِ بالشِّعْرِ و يَهْجُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا....

لَكِنْ بَعْدَ الفَتْحِ و دَخُولِ الكَثِيرِ مِنَ القَبَائِلِ فِي الإِسْلِامِ
و تَوَسُّعِ المُسْلِمينَ دَخَلَ أَهْلُ العِرَاقِ,دَخَلَ أَهْلُ الشَّامِ, أَهْلُ مِصْرَ أَهْلُ المَغْرِبِ أَهْلُ فَارِسَ..
و هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا عَرَبًا و لَا أَلْسِنَتُهُمْ فَكَانَ الكَثِيرُ مِنْهُمْ يَجِدُ صُعُوبَةً فِي فَهْمِ بَعْضِ المُفْرَدَاتِ العَرَبِيَّةِ الخَالِصَةِ.

يَعْنِي يُمْكِن أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَأْلِيفِ الرَّاغِبِ لِلْكِتَابِ هُوَ مَشَقَّةُ فَهْم بَعْضِ المُفْرَدَاتِ وَ أَنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ فِي الكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْينَهُمْ و يُبَسِّطَ لَهُمْ.

أمَّا قَوْلُكَ أَنَّ أَلْسِنَتَنَا لَمْ تَدْخُلْهَا عجَمَةٌ فَهَذَا غَلَطٌ.

لِأَنَّهُ مُنْذُ تَفَكُّكِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسِيَّةِ و مَا جَاءَ وَرَاءَهَا مِنْ مُلُوكٍ سَعَوْا كُلُّهُمْ إِلى إِعْلَاءِ لُغَاتِهِمْ و لَهَجَاتِهِمْ ثُمَّ جَاءَتْ الدَّوْلَةُ العُثْمَانِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ عَجَمُ فِرَنْسَا و بَرِيطَانِيَا و أَلْسِنَتُنَا لَمْ تَعُدْ عَرَبِيَّةً فَصِيحَةً.

مِنَ المُخْزِي و المُّذِلِّ أَنَّ العَرَبَ أَصْبَحُوا مُتَفَوِّقِينَ فِي لُغَةِ العَجَمِ أَكْثَرَ منْ لُغَةِ العَرَبِ و لَوْلَا القُرْآنُ لَذَهَبَتِ العَّرَبِيَّةُ.

فَمُنْذُ أَنْ كَانَ العَرَبُ يَكْتُبُونَ الشِّعْرَ عَنِ الخَيْلِ و الكَرَمِ وَ الغَزَلِ وَ الهِجَاءِ إِلَخِ أَصْبَحُوا يَكْتُبُونَ شِعْرًا عَنِ الحَلَزُونِ...

بَلْ لَوْ عَادَ إِسْمَاعيلُ و مُحَمَّدٌ إلَى مَكَّةَ و المَدينَةِ لَمَا فَهِمَا مَا يَقُولُهُ أَهْلُوهَا اليَوْمَ.

أَخِيرًا إِسْتِشْهَادِي بِكِتَابِ المُفْرَدَاتِ لِلْرَّاغِبِ كَانَ لِبَيَانِ شِرْعَةِ وَ مَصْدَرِ هَذَا الإِشْكَالِ اللُّغَوِي وَ لَيْسَ لِشَيْءٍ آخَرَ
 
لَكِنْ بَعْدَ الفَتْحِ و دَخُولِ الكَثِيرِ مِنَ القَبَائِلِ فِي الإِسْلِامِ
و تَوَسُّعِ المُسْلِمينَ دَخَلَ أَهْلُ العِرَاقِ,دَخَلَ أَهْلُ الشَّامِ, أَهْلُ مِصْرَ أَهْلُ المَغْرِبِ أَهْلُ فَارِسَ..
و هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا عَرَبًا و لَا أَلْسِنَتُهُمْ فَكَانَ الكَثِيرُ مِنْهُمْ يَجِدُ صُعُوبَةً فِي فَهْمِ بَعْضِ المُفْرَدَاتِ العَرَبِيَّةِ الخَالِصَةِ.

صدقت
أما نحن فلا يعنينا ذلك ، بل يعني اهل تلك الديار التي تحولت من العجمة الى العربية أما نحن فعرب لم يطرأ علينا ما طرأ عليهم ولازالت لهجتنا توافق ما جاء في كتاب الله من ألسنة عربية سليقةً وليس تصنعاً أو تعلماً.
 
عودة
أعلى