الرافعي وإعجاز القرآن الكريم

المستصفى

New member
إنضم
16/07/2006
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الكتاب:
الرافعي وإعجاز القرآن الكريم
المؤلف:
الدكتور مصطفى الشكعة
الطبعة:
الثانية - ربيع الأول 1431هـ- مارس 2010م.
عدد الصفحات:
104 صفحات من القطع الصغير
الناشر:
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة – مصر - سلسلة دراسات إسلامية- العدد 177
عرض:
محمد بركة​
1_2010629_13366.jpg


يُعَدُّ مصطفى صادق الرافعي (1881 -1937م) في زمانه حامل لواء الأصالة في الأدب ورافع راية البلاغة فيه، فهو الرَّجل الذي وقف أمام تيار التغريب الذي ما تزال أمتنا تعاني من آثاره في حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.
ولقد صدر مؤخرًا عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة طبعة جديدة من كتاب الدكتور مصطفى الشكعة الرافعي وإعجاز القرآن الكريم، وتحت عنوان مدخل إلى دراسة كتاب إعجاز القرآن يقول الدكتور الشكعة: هذا الكتاب "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" واحد من أنفس ما قدم مصطفى صادق الرافعي للعربية، بل هو أنفس ما كُتب عن إعجاز القرآن الكريم في العقود الأولى من القرن الهجري المنصرم.
الأسرة الرافعية
ومصطفى صادق الرافعي ابن الشيخ عبد الرازق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي، أحد أبناء الأسرة الرافعية الكريمة، التي تقاسمت الإقامة بين طرابلس والشام ومصر، شأنها في ذلك شأن كثير من الأسر العربية التي كانت تتفرق في أقطار الأمة الواحدة، حيث يعيش فرع منها في مصر وآخر في العراق، وثالث في المغرب وهكذا، والمشهور أن أول رافعي وفد إلى مصر من لبنان هو الشيخ محمد طاهر الرافعي، وكان ذلك عام 1343هـ/1827م، ثم تبعه بعد ذلك آخرون من أسرته، وكانوا جميعًا معروفين بالأدب والدين، وتنشئة صغارهم على الثقافة وحب التعلم، ومن ثم كان عدد غير قليل من الرافعيين المصريين يتولون أمر القضاء الشرعي، مما أدخل الفزع في قلب عميد الاستعمار البريطاني في مصر اللورد كرومر، ومن هؤلاء كان الشيخ عبد الرازق بن سعيد والد الأديب الكبير مصطفى، ومنهم عمه الشيخ عبد اللطيف الرافعي الذي ولي الإفتاء في الإسكندرية، وهو والد كل من علم السياسة والصحافة أمين الرافعي والمؤرخ القانوني الوطني عبد الرحمن الرافعي. وبالمثل كان عدد من الرافعيين الطرابلسيين يتولون الإفتاء والقضاء في طرابلس، منهم رأس الأسرة الشيخ عبد القادر الرافعي والشيخ عبد الغني الرافعي، وولده الشاعر المبدع عبد الرحمن بن عبد الغني الرافعي، ومنهم عبد الحميد الرافعي الشاعر الذي كان يلقب ببلبل سورية، وكان وفَد إلى مصر والتحق بالأزهر ثم أكمل تعليمه في كلية الحقوق في الآستانة، وله دواوين عدة من الشعر.
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية
ويبين الدكتور الشكعة أن كتاب إعجاز القرآن والبلاغة النبوية هو في حقيقة أمره الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب العرب، أو يشكل الحلقة الوسطى من سلسلة تاريخ آداب العرب، وأن الرافعي حين وضع منهجه انطلق من حقيقة أن اللغة العربية لغة جديرة بالعناية والقداسة لأنها لغة القرآن الكريم، وكان ذلك سببًا في انصراف المؤلف عن المنهج التقليدي الذي وضعه المستشرقون لدراسة الأدب العربي، ووضع منهجًا ابتكره، رآه أليق بدراسة الأدب العربي، فكان المنهج الذي وضعه موصولَ الأسباب بتاريخ اللغة ونشأتها وتفرعها وما يتصل بذلك، ثم تاريخ الرواية ومشاهير الرواة وما تفرع عن ذلك في ميدان الشعر واللغة في تفصيل دقيق ومنهج موسع ودراسة شاملة. أما والشأن كذلك في ماهية اللغة العربية ثراءً وعمقًا واتساعًا وصلة بالقرآن الكريم، فقد عمد الرافعي إلى أن يكون الجزء الثاني من كتابه دراسة للقرآن الكريم وإعجازه، وألحق به فصلاً عن البلاغة النبوية.
وحين صدر الكتاب، اُستقبل استقبالاً حارًّا من صفوة الرجال والعلماء المسلمين بصورة أوفر وأعمق مما استُقبل به الجزء الأول، ولكن فريقًا صغيرًا من المنكرين، على قلّتهم، كانوا يتهامسون فيما بينهم بسوء، فزعًا من أن يُضعف صفوفهم، ويُعيد إلى حظيرة الإيمان عددًا منهم، الأمر الذي دعا سعد زغلول باشا زعيم مصر وكبير ساستها في العصر الحديث إلى أن يكتب تقريظًا دافئًا للكتاب، ومن العلماء الأجلاء الذين بهرهم كتاب إعجاز القرآن وأصر على أن يكتب مقدمة له الشيخ محمد رشيد رضا، استهلها بقول الله عز وجل: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء:٨٨).
هذا، ولم يقف الإعجاب بكتاب إعجاز القرآن عند المسلمين وحدهم، بل إن كثيرًا من علماء النصارى سطروا ذلك في كتبهم ومقالاتهم، وفي مصر يطلع الدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة المقتطف على كتاب إعجاز القرآن فيقول: يجب على كل مسلم عنده نسخة من القرآن أن تكون عنده نسخة من هذا الكتاب. ومن الأدباء غير المسلمين الذين أشادوا بكتاب إعجاز القرآن الشيخ نصيف اليازجي والشاعر خليل مطران شاعر القطرين.
معارك الرافعي الأدبية والفكرية
ويرى الدكتور الشكعة أن الرافعي لم يكن عدوانيًا بطبعه، ولا متجاوزًا حدود المألوف بقلمه، إلا في حالتين اثنتين: إذا ما اعتدى صاحب قلم على الإسلام عقيدةً ورسالةً وقرآنًا، أو تعرض كاتب للغة الفصحى وما يتصل بها من أدب أو تراث بتجريح أو تزييف، وفيما عدا ذلك كان الرجل رقيق الحاشية وضيء الطلعة مهذب القلم في نطاق من سعة الاطلاع وعمق الفكر ورصانة الأسلوب ووفرة التحصيل.
أما معركة الرافعي الحقيقية في الدفاع عن الإسلام فقد كانت مع طه حسين؛ حيث إن طه حسين في نظر الرافعي أعلن تنكره ورفضه لبعض ما جاء به القرآن جهارًا نهارًا؛ فيما ألقاه في الجامعة من محاضرات.
ويعود تاريخ الخصومة بين الرافعي وطه حسين إلى مرحلة مبكرة من حياة الاثنين، كان دافعها التنافس على نيل المكانة الأدبية الكبيرة لدى الجمهور، حيث كان طه حسين لا يزال آنذاك طالبًا في الجامعة؛ بينما كان نجم الرافعي قد تألق في سماء الشعر وعالم البيان العربي، فقد تعقب الطالب طه حسين كتب الرافعي واحدًا بعد الآخر بالهجوم، مدعيًا بأنه لم يفهمها، ولكن بعد أن عاد طه حسين من فرنسا دكتورًا وأصبح أستاذًا للأدب الجاهلي في كلية الآداب بالجامعة، وأخرج للناس سنة 1926 م محاضراته في كتاب يحمل عنوانًا في الشعر الجاهلي والذي كان أخطر ما فيه إنكار طه حسين لقصة إبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام- في قوله: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن وُرود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي.
هنا غضب الرافعي من هذه الوقاحة كما سمَّاها، ومن هذا التطاول على كتاب الله؛ ووقف الرافعي ولم يقعد حتى استنهض الهمم واستنفر الأمة كلها للدفاع عن قرآنها، وتحولت المعركة بينه وبين طه حسين من معركة بين القديم والجديد، أو على الأصح بين الأصيل والدخيل في الأدب، إلى معركة في الدفاع عن عقيدة الأمة وحمايتها ممن يشكك فيها، وتجاوزت حدود الصحف إلى قاعة البرلمان وساحة القضاء، صرخ الرافعي مستنكرًا كيف يُرَخِّصُ طه حسين لنفسه أن يتجرد عن دينه ليحقق مسألة من مسائل العلم، أو يناقش رأيًا في الأدب أو التاريخ، إذ لم يسبق رجال الأدب في جعل حقيقة من حقائق القرآن موضع التكذيب أو الشك؟!!.
ولم يُقْعِد الرافعيَّ من وقفته تلك إلا أن تنادت الأمة كلها من الأزهر والعلماء والهيئات والنقابات والجامعة ورجال الشارع للدعوة إلى محاكمة طه حسين وطرده من الجامعة، وزلزلت الأرض من تحت أقدام أنصاره في الحكومة، فوصل إلى النيابة وكتب بيانًا أُذيع على النَّاس يعلن فيه احترامه للإسلام وإيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وصودر الكتاب وأُعدمت نسخُه وأصدره طه حسين فيما بعد بعنوان الأدب الجاهلي بعد أن حذف كل ما فيه من طعن في القرآن والإسلام، ثم جمع الرافعي مقالات هذه المعركة وأصدرها في كتاب "تحت راية القرآن"، فيه فنَّدَ آراء طه حسين رأيًا رأيًا فيما لا يتفق مع العقيدة الإسلامية ونسخها بالحجة والبرهان، وإثبات تأثر طه حسين بآراء المستشرقين التي افتُتن بها، وحاول أن يفتن بها طلاب الجامعة.
ومن معارك الرافعي الأخرى ما جرى بينه وبين العقاد الذي كان صديقًا له، دائم الثناء على كتبه ومقالاته، وبخاصة كتابه "المساكين"، ولكن العقاد تفوه بكلمات جارحة حين كتب الرافعي كتابه إعجاز القرآن، وكان العقاد آنذاك لم يطرق بعدُ بابَ العقيدة الإسلامية، فقسا الرافعي عليه بعدد من المقالات الحادة ونشرها بعد ذلك في كتابه المشهور "على السّفود".
ومن الطريف في هذا الصدد أن يكون العقاد بعد الرافعي هو حامل الراية في حقل الدفاع عن الإسلام وإصداره عشرات الكتب الإسلامية، ولعل من معارك الرافعي التي كانت من الخطورة بحيث لا يصح إغفالُها، معركتَه ضد أنصار العامية الذين كان على رأسهم أحمد لطفي السيد، الذي كان يلقب بأستاذ الجيل، فقد كان يدعو إلى استعمال اللهجة العامية المصرية تحت شعار أسماء تمصير اللغة، فانبرى له الرافعي ودحض هذه الدعوة بمقالاته الناقدة النافذة، مما اضطره أن يتحول عن فكرة استعمال العامية إلى فكرة أخرى يظن أنها أقرب إلى القبول؛ فدعا إلى ما سماه المصالحة بين العامية والفصحى، ولكن الرافعي ظل يلاحقه بمقالاته التي حملته على الرجوع عن فكرته، ثم يصير بعد ذلك أحد سدنة اللغة الفصيحة حين صار رئيسًا لمجمع اللغة العربية في مصر.
وحول منهج الرافعي يذكر الدكتور الشكعة أن أهم أسسه الحفاظ على اللغة العربية والحرص على نقاء أسلوبها وبهاء بلاغتها، بحيث صار يلقب بصاحب الجملة القرآنية، لأصالة بنية جملته، واستقامة ألفاظها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى براعة اختيار موضوعات مقاله، يتبدى ذلك بوضوح ساطع عند من ينشط لقراءة مقالاته التي ضمنها كتابه "وحي القلم"، فهو يكتب في السياسة والإصلاح الاجتماعي، والتيار الوطني، والنقد الأدبي، وتمجيد المحسنين من شعراء العربية، قدامى ومعاصرين، والسيرة النبوية، والسلوك الإسلامي والإشراق الإلهي، وسحر الطبيعة التي أبدعها خالق الكون جل وعلا.
أيضًا يُعد الرافعي أبا المقالة الإسلامية ورائدها، والمدافع عن القرآن وأركان الإسلام عقيدة وشريعة، ويعتبر العدوان على اللغة العربية عدوانًا على الإسلام، ويعُد الدفاع عنها دفاعًا عن الإسلام، لأنها لغة القرآن، كتاب الله ووحي السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فنرى الرافعي يكتب عن الإسراء والمعراج كمعجزة إلهية خص الله بها محمدًا دون غيره من الأنبياء والمرسلين، ويكتب عن الهجرة ومولد الرسول وعن الدعوات التي يخاصمها الإسلام مثل دعوة ارتداء القبعة، وانصياع مصطفى كمال لكيد اليهود المتتركين وإسقاط الخلافة العثمانية والقضاء على صلة تركيا بالعالم الإسلامي.
ويرى الدكتور الشكعة أن معايشة الرافعي للقرآن الكريم حفظًا وتجويدًا وتفسيرًا وفقهًا شكّلت معالم في حياته، مما يجعلنا نُطلق عليها المعالم القرآنية، وهذه يمكن استبيانها من كتابه إعجاز القرآن على النحو التالي:-
المعْلَم الأول (بسكون العين وفتح اللام) ما سجله في طول كتابه إعجاز القرآن وما عرضه من براهين علمية وعملية وتاريخية ومنطقية عن عجز العرب – أمة البلاغة والفصاحة والمحاجة – عن أن يأتوا بسورة من مثله. وهو موضوع موصول الأسباب بالزمان منذ أن نزل الوحي به على خاتم الأنبياء سيد الخلق سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، إلى زماننا هذا الذي نعيشه بالعقل والإقناع والإيمان.
وأما المعْلَم الثاني فهو ظاهرة ما أطلق عليه خصوم الإسلام بالتَّكرار، يستوي في ذلك خصوم الإسلام القدامى الذين اهتدى بعضهم، وخصوم الإسلام المعاصرين، وبخاصة أولئك الذين يطلق عليهم صفة المستشرقين.
والأمر الذي يدعو إلى الغرابة أن يصدر هذا التحامل من قوم أعاجم، وإن تيسر لبعضهم الإسهام الجاد في بعض علوم العربية، في الوقت الذي شاب أحكامًا صدرت عن أكثرهم الجهلُ حينًا والحقُ حينًا آخر، والغش والمغالطة حينًا ثالثًا، ومن المؤسف أن قلة من أبناء قومنا نسجت على منوال هؤلاء الأعجام الغرباء عن لغتنا واجترؤوا على القرآن الكريم بغير ما رَوِيَّةٍ في الحكم أو عُمق في التفكير، فكان من النتائج الطبيعية أن يؤدي بهم هذا الشذوذ إلى الانحراف والضلال.
وأما المعْلَم الثالث فهو الرد على فرية الصّرفة في الإعجاز القرآني، ولقد فصّل الرافعي القول في هذا الموضوع تفصيلاً في عدد غيرِ قليل من صفحات كتابه، وفي أكثر من موقع في بحثه النفيس الجليل إعجازِ القرآن.
إن أول من ابتكر هذا المصطلح – الصرفة – هو إبراهيم النظّام، أحد أكثر المعتزلة شهرة وذكاء، والمصطلح في واقع أمره يحمل فكرًا خبيثًا، إن لم يكن كفرًا مقنّعًا – بتشديد النون – وإن مقتضى معنى الصرفة هو أن الله صرف العرب عن أن يقولوا كلامًا في مستوى بلاغة القرآن، وأنه لولا أن الله صرفهم عن ذلك لكانوا قد جاؤوا بما هو مماثل له فصاحةً وبلاغةً وبيانًا.
ويتمثل المعْلَم الرابع في أن من يسمع القرآن مرتلاً بصوت جميل، سواء كان هذا المستمع عربيًا أم أعجميًا لا يفهم العربية، سرعان ما يخفق قلبه خفقة الإيمان التي تقوده في آخر أمره إلى الإيمان به كتابًا مُنزلاً من عند الله، ولا يلبث أن يؤمن ويدلف في رفق إلى ساحة الإسلام المهيبة، مرتديًا ثوب الإيمان بالله ربًا واحدًا وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) رسولاً ومعلمًا وقائدًا.
ويتمثل المعْلَم الخامس في ريادة الرافعي للتفسير العلمي للقرآن الكريم؛ فلقد خصص الرافعي في كتابه فصلاً نفيسًا جعل عنوانه: "القرآن والعلوم"، خصصه للعلوم العربية وأضاف إليها بعض العلوم الكونية الموصولة الأسباب بالقرآن الكريم وبعض العبادات والمواقيت، ثم أفرد فصلاً تاليًا بعنوان "سرائر القرآن" ثم فصلاً ثالثًا خصصه لتفسير عدد من آيات خلق الإنسان.
وأما المعْلَم السادس من معالم كتاب إعجاز القرآن للرافعي، ولعله أهمها وأعمقها هو ما قد اصطلح علماء القرآن على تسميته باسم "المناسبة" التي يجمل الرافعي تعريفها بقوله: من أعجب ما اتفق في هذا القرآن من وجوه إعجازه أن معانيه تجري في مناسبة الوضع وإحكام النظم مجرى ألفاظه، وذلك يربط كل كلمة بأختها، وكل آية بنظيرتها، وكل سورة بما تليها.
ومما يذكر أن الدكتور مصطفى الشكعه أستاذ الأدب والفكر الإسلامي بجامعة عين شمس المصرية والجامعات العربية وأحد أعلام فكرنا المعاصر، له العديد من المؤلفات الأدبية، وقد نال العديد من الجوائز والأوسمة.
ومن مؤلفاته
إسلام بلا مذاهب، فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين، بديع الزمان الهمذاني رائد القصة العربية والمقالة الصحفية، أبو الطيب المتنبي في مصر والعراق، معالم الحضارة الإسلامية، الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرها من المؤلفات التي أثرت المكتبة العربية الإسلامية..

المصدر : الإسلام اليوم .
 
مقالُ ماتع وفق الله كاتبه ، وجزى الله الدكتور مصطفى الشكعة خيراً فأسلوبه سهل ممتنع، ومن أجمل الكتب الأدبية التي قرأتها له قديماً (رحلة الشعر من الأموية إلى العباسي) واستفدت منه فوائد أدبية لم تذهب متعتها حتى اليوم، وكتابه (فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين) مثله ، وله كتب أخرى مفيدة جزاه الله خيراً .
ورحم الله الإمام الرافعي فقد كان إماماً في النثر غير مدافع، لم أجد له نظيراً في كتاب العربية قديماً وحديثاً، وما أحوجنا أن نتربى على أسلوبه وبلاغته، ونحتذي حذوها في كتاباتنا من غير تكلف. وكتابه في إعجاز القرآن لا نظير له، وقد كتب الدكتور محمد محمد أبو موسى بعض المباحث حول إضافة الرافعي لنظرية الإعجاز جديرة بالقراءة والدراسة .
 
ونحتذي حذوها في كتاباتنا من غير تكلف.

هذا يبعد أن يكون..

ولا يُحتذى حذو بيان الرافعي إلا بتكلف؛لأن بيانه-رحمه الله- فيه تكلف..

والتكلف ليس ذماً ولكنه طريقة من طرائق الاحتشاد للقول،ووجه قديم من وجوه المفاضلة بين بيان الناس..

فإن نجا المحتذي من تكلف الاحتذاء = فلن ينجو من التكلف الكامن في طريقة الرافعي البيانية نفسها..
 
لعلنا نحاول يا أبا فهر تكلف احتذاء بيان الرافعي كما يتكلف بعضنا احتذاء بيان أبي فهر رحمه الله !
 
كما قدمتُ فالتكلف في البيان وفي تقيل البيان طريق بياني معروف،والكتابة على السجية من غير تكلف للبيان ولا تكلف لتقيل بيان واحد من الناس = أحسن،وقد يقع مع الأخيرة شبه بين بيان وبيان ولا يكون ذلك من تكلف الموافقة،كما تتشابه أصوات القراء أحياناً من غير قصد التقليد،وفرق ما بين البابين في البيان لا يُرزق كشفه إلا متذوق من الطراز الأول..
 
وقد كتب الدكتور محمد محمد أبو موسى بعض المباحث حول إضافة الرافعي لنظرية الإعجاز جديرة بالقراءة والدراسة .​

الأوجه التي أضافها الرافعي في حديثه عن إعجاز القرآن كما ذكرها د.محمد محمد أبو موسى

- أسّس الرافعي كلامه في الإعجاز على بيان حال الجيل الذي نزل عليه القرآن وكونه قد تهيئت له أسباب الفصاحة والبلاغة وبينا هو يرقى في درجات النبوغ اللغوي والتفوق البياني راجيا الوصول إلى ذروته وبلوغ قمته استشرافا للمثل الأعلى إذ نزل القرآن ليقطع الأطماع وليروا فيه الكمال المطلق.
يقول الرافعي :(وهذا موضعٌ عجيبٌ للتأمل ما ينفد عجبه على طرح النظر وإبعاده وإطالة الفِكر وترداده, وأي شيء في تاريخ الأمة أعجب من نشأة لغوية تنتهي بمعجزة لغوية؟ ثم يكون الدين والعلم والسياسة وسائر مقومات الأمة مما تنطوي عليه هذه المعجزة).

- ونتج عن هذه الفكرة وجه من وجوه الإعجاز, وهو: أن القرآن جمع أولئك العرب على لغة واحدة بما قد استجمع فيها من محاسن هذه الفطرة اللغوية التي جعلت أهل كل لسان يأخذون بها ولا يجدون لهم عنها مرغبا, إذ يرونها كمالا لما في أنفسهم من أصول تلك الفطرة البيانية, ومما وقفوا على حد الرغبة فيه من مذاهبها دون أن يقفوا على سبيل القدرة عليه"

- ومن تلك الأوجه: أن القرآن حوّل الجنسية العربية من مجرد عرق, إلى مضمون فكري وثقافي ولغوي.
يقول: "فبقاء القرآن على وجهه العربي مما يجعل المسلمين جميعا على اختلاف ألوانهم من الأسود إلى الأحمر, كأنهم في الاعتبار الاجتماعي, وفي اعتبار أنفسهم جسد واحد, ينطق في لغة التاريخ بلسان واحد, فمن ثَم يكون كل مذهب من مذاهب الجنسية الوطنية قد زال حيّزه, وانتفى من صفته الطبيعية, لأن الجنسية الطبيعية التي تقدر بها فروض الاجتماع ونوافله, وإنما هي في الحقيقة لون القلب لا سحنة الوجه"

- ومن تلك الأوجه: أنه لما كان أدب القوم هو ترجمة لحالهم الاجتماعي والثقافي والفكري, كما ترى ذلك في أشعار العرب كزهير وامرئ القيس وغيرهما, فلا يمكن أن يكون القرآن حينئذ أثر أدبي لزمن المبعث, فليس لمنكر أن القرآن من عند الله إلا أحد أمرين: إما أن يزعم أن هذا الجيل الذي نزل فيه القرآن على قدر من العلم والحكمة والحضارة سبق بها كل أجيال البشر الذي قبله والتي بعده, وإما أن تكذب التاريخ الذي يحدث عن الجيل الذي كان موجودا تلك الفترة زمن نزول القرآن.
يقول الرافعي: "إن الذي لا يعتقد مستبصرا أن هذا القرآن من عند الله إذا هو نظر فيه وأثبت حقيقته وقوي على تمييزها وكان ممن ينزلون على حكم النظر والمعرفة, فهو لا يجد مناصا من رد التاريخ والتكذيب له, ثم الإقرار بأن هذا القرآن إنما هو أثر من لغة قوم جاوزوا في الحضارة حد أهلها من سائر الأجيال, وبلغوا من أحوال المدنية أرقى هذه الأحوال, وكانوا من العلوم في مقام معلوم"

- ومن تلك الأوجه: الإعجاز الصوتي وأن الذين نزل فيهم القرآن أدركوا أن هذا البناء الصوتي باب من أبواب العجز لا قبل لهم به وإذا أردت التأكد من ذلك فخذ ما شئت من بليغ كلامهم المنثور وأجْر عليه طريقة ترتيل القرآن, وأشبع الحروف والغنّات والمدات وسوف ترى أنك خرجت بهذا النص إلى كلام غث وكأنك تسقط بلاغته.

- من تلك الأوجه : الإعجاز في أسلوبه, وتبيين هذا الوجه أن كل كاتب يحرص على تجويد أسلوبه وتحسينه ومراجعته حرصا من على خروجه على أفضل حال مع امتزاج هذا الأسلوب بطبع كاتبه , فإذا نظرت إلى أسلوب القرآن لا تجد فيه شيئا من ذلك , لأنه لا يلقاك بلغة أتقنها صاحبها, ولا يلقاك بأسلوب أجاد صاحبه وصفه وسبكه, وإنما غرابته أنك لا ترى فيه شيئا يمكن أن يحمل إليك مجهود الإنسان

وكل هذه الأوجه التي عالجها الرافعي كما بينها د. أبو موسى مبنية على أصل مهم في دراسة الإعجاز وهو عدم اشتراك بلاغة القرآن في شيء من بلاغة البلغاء في كلامهم وهي ما تسمى ( البلاغة المختصة بالقرآن) .

* ملاحظة: نسيت أن أشير إلى المصدر فأحببت وضعه هنا بعد تنبيه فضيلة المشرف العام والمصدر هو (الإعجاز البلاغي : دراسة تحليلية لتراث أهل العلم) د. محمد محمد أبو موسى, كما ذكره فضيلته
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيكم يا أبا عبدالرحمن على تلخيصكم لكلام الدكتور محمد أبو موسى في بلاغة الرافعي، وليتك ذكرت المصدر الذي لخصت منه كلام أبي موسى في الموضوع ، والذي كنتُ أقصده في إشارتي هو ما كتبه في مقدمته للطبعة الثالثة من كتابه (الإعجاز البلاغي : دراسة تحليلية لتراث أهل العلم) من 3-21 ، وهو كلامٌ جميلُ جداً جديرٌ بأن ينقل كله هنا.
 
عودة
أعلى