أخي الفاضل المجباري وفقك الله تعالى :
أولا : لا أعرف من أين لك قولك إن ما قاله أئمة التفسير إنما هي أقوال لا تمت إلى الدليل بصلة ؛ حيث إن أدلتهم مدونة وهي نصوص من الكتاب والسنة إما صريحة أو ظاهرة فيما ذهبوا إليه .
نعم قد تقول إن عندك أدلة أرجح من أدلتهم ولكن أن تطلق هكذا فتقول : وقد راجعت كثيرا من أقوال المفسرين، وما هي إلا أقوال، لاتمت بصلة لدليل
هذا ما أجلك عنه ؛ فإذا لم يكن ما ذكروه أدلة في نظرك فهات ما عندك من أدلة على الأمرين معا .
أما مسألة الصوفية وما تسميه لمزا لها ؛ فما أنا إلا تابع فيه لكبار علماء السلف ؛ وكثير منهم لا يعد كثيرا من المتصوفة من أهل الإسلام ؛ ومن فقه التصوف وراجع كتبه وجد أنهم يدينون بعقائد لا يدين بها مسلم ألبتة ؛ وكل هذا ليس من عندي ؛ بل هو مدون في كتب أهل الإسلام ..
أما تتلمذ بعض من العلماء على بعض من المتصوفة فهذا لا يذكره طالب علم مثلكم ؛ فإن طلبة العلم يبحثون عن العلم وقد يتحملون من بعض أهل البدع بالضوابط المذكورة في كتبهم ، وهذا لا يعتبر تزكية منهم للمتصوفة ؛ فكما تحملوا عن الشيعة وعن الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم لكن بالضوابط المعروفة لصغار طلبة العلم فضلا عن أمثالكم .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
الأستاذ الكريم إبراهيم الحسيني؛
أجلك الله ورفع شأنك، وجعلنا من عباده الصالحين المرضيين؛
تكفير المسلم لسوء فهمنا لما له من شواهد علمية، أمر فيه نظر. وما أرى من مهمة المسلم الخوض في تكفير غيره، بقدر ما أرى أن واجبه إسداء النصح وأداء الواجب، لنكون شهداء الله على خلقه.
وأما تكفير من قال " لا إله إلا الله " فهو ليس أمر يستهان به ولك دليل [بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية . فصبحنا الحرقات من جهينة . فأدركت رجلا . فقال : لا إله إلا الله . فطعنته فوقع في نفسي من ذلك . فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟ " قال قلت : يا رسول الله ! إنما قالها خوفا من السلاح . قال "
أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " . فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ . قال فقال سعد : وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة . قال : قال رجل : ألم يقل الله : {
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } [ 8 / الأنفال / آية 19 ]فقال سعد : قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة . وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ؟. ]
الراوي: أسامة بن زيد المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 96 خلاصة حكم المحدث: صحيح
أما أن نتبع أسلوب من قال {
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)} المطففين، فقد أجابهم الله جل علاه بقوله: {
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين : 33].وكيف بنا وهذا رسولنا الكريم يوجهه ربه بقوله في حق الكافرين والمنافقين {
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب : 48]، فلو أراد الله قهر عباده {
إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء : 4] لكن الله جل علاه خير عباده في هذه الدنيا وترك الحرية لاختيار الأعمال، والعبادة لعباده بعد أن بين لهم سبيل الهداية وسبيل الضلال ؛ فقال جل شأنه {
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت : 40]؛ كما قال سبحانه وتعالى: {
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }[الزمر : 15].
وما كان سبيل الرسول الكريم غير التبليغ المبين {
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران : 20].
أما ردك قولي عما جاء به المفسرون، فلكوني اطلعت على كثرة من الآراء هي في جملتها أقوال لا تستند إلى دليل قريب فضلا عن تخمينات واستشهادات بعيدة عن دلالتها وما رمت إليه.
أما عن قولك "أما تتلمذ بعض من العلماء على بعض من المتصوفة فهذا لا يذكره طالب علم مثلكم " فهذا دليل على عدم الاطلاع على ما في يد القوم، أو حتى ما جاء عن السلف الصالح في هذا الشأن، فهل قرأ أحدنا ما نقله الإمام الشوكاني عن المؤرخ الناقد الشديد الذهبي ترجمة واحد من مشايخ المدرسة الشاذلية، أحد أساطينها، ما يلي: " كانت له خلال عجيبة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل، ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظما لوعظه وإشارته. وكان يتكلم بالجامع الأزهر يمزج كلام القوم بآثار السلف وفنون من العلم. فكثر أتباعه وكان عليه سيماء الخير...ومن جملة من أخذ عنه الشيخ تقي الدين السبكي... وهو صاحب الحكم المشهورة الآن بحكم ابن عطاء الله التي يلهج كثير من متصوفة زماننا بحفظ كلمات منها" ( انظر البدر الطالع ج 1/ 107-108 )
ما كان لناقد مثل الذهبي أن يحكي الخرافات أو يسعى لتضليل العباد بالقيام بالمجان تشهيرا لرجل من أعلام الصوفية؛ وما كان الشوكاني من البداهة بمكان حتى ينقل أي شيء فيه تضليل؟ أترى هذا النص فيه شهادة رجال العلم والحلم أم هوكلام نجل بعضنا عنه؟ ولو كان هذا النص وحيدا لقلت إنه في حكم النادر الذي لا حكم له في عرف الفقهاء. فكم تريد من نص من هذا القبيل؟
إن أحوج ما نحتاج إليه بسط صفحة من التسامح والرحمة والاعتدال وضبط النفس؛... ولئن اصطدم بالصوفية بعض الفقهاء والمحدثين الذين من شأنهم التعامل مع النصوص بدقة العقل القانوني والتعامل مع الناس بميزان الجرح والتعديل الباني الهادم فإن صدق الفريقين يرجع آخر الأمر إلى الإنصاف والاعتدال والاعتراف والرجوع إلى الحق. وهو ما نفتقده في زماننا؛ فلا نجد إلا التعنت والتصلب والرفض لكل حوار.(من كتاب الإحسان فقرة بين التشدد والاعتدال).