الحاجة إلى علم أصول التفسير

مولاي عمر

New member
إنضم
13/09/2004
المشاركات
26
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المملكة المغربية
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=center]الحاجة إلى علم أصول التفسير [/align]

إن الحمد لله نحمده تعالى و نستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيآت أعمالنا. من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد:
فقد امتازت العلوم الإسلامية بكونها تتركب في الغالب من شق نظري وشق تطبيقي . و أبرز مثال على ذلك الفقه الإسلامي الذي يمثل الجانب التطبيقي ،حيث واكبه علم أصول الفقه الذي يمثل الجانب النظري. وقل نفس الشيء بالنسبة لعلم الحديث ،فمنه الجانب التطبيقي الذي يهتم بالرواية وهو المتعلق بالنصوص الحديثية تحملا وأداء ،ومنه الجانب النظري وهو علم الدراية أو أصول الحديث . وكما للفقه أصوله،وللحديث أصوله فللغة أصولها.
لكن علم التفسير بقي خاليا مما هو أجدر أن يتحصن به، وهو هذا الجانب النظري الذي نصطلح عليه:(علم أصول التفسير).
وهذه الثغرة من بين الأسباب التي جعلت التفسير مجالا للطعن والتحريف قديما وحديثا، بقصد وبغير قصد . وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية :" إن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين والباطل الواضح والحق المبين " . ولئن كان الإمام أحمد رحمه الله، قد عد علم التفسير من العلوم التي لا أصل لها، قاصدا بذلك جانب الرواية والسند، حين قال:" ثلاث كتب لا أصل لها : المغازي والملاحم والتفسير" وقد قال محققو أصحابه : يعني أنها في الغالب ليس لها أسانيد صحيحة متصلة ، فيجوز أن نقول أيضا إن التفسير علم بلا أصول بالمعنى الذي يفهم من أصول الفقه في علاقته بالفقه...
إن الحديث عن الفراغ الذي تشكوه المكتبة القرآنية في علم أصول التفسير، يتطلب منا الوقوف على ما أنجز من الدراسات القرآنية للوقوف على هذه الجوانب النظرية وتتبعها .
لا ينكر أحد كثافة الدراسات التي أنجزت عن القرآن الكريم وما يتعلق به،كما لا ينكر أحد تعددها واتساعها ، حتى ليمكن القول إنه لا يوجد كتاب على وجه الأرض درس كما درس النص القرآني ،بل عدت دراسات كثيرة من أوجه الترف العلمي . بل إن علوما كثيرة إنما قامت من أجل فهم كتاب الله تعالى وخدمته حتى اصطلح على قسم منها علوم الآلة. فتراث الأمة العلمي إنما قام حول القرآن وهذا ما جعل مصطفى الصاوي الجويني يقول: " ويهول الدارس أن يجد تراثا ضخما يتجه كله إلى خدمة النص القرآني " .

وفي محاولة عرض اهتمامات المفسرين وتخصصاتهم العلمية يمكن تسجيل ذلك التنوع الذي يغطي أو يكاد كل التخصصات المعرفية التي عرفها الفكر الإسلامي بمفهومه الواسع. فلقد أقام كل عالم صلة له بكتاب الله، وأسهم في تفسيره، سواء بتفسير القرآن كاملا وهو المقصود، أو أجزاء منه وهو ما لم يتركه أحد إلا قليلا .
إن حضور النص القرآني في تراث الأمة حضور واضح وجلي ، تتنوع مساحات هذا الحضور اتساعا وضيقا . وتختلف درجات التأثر قربا أو بعدا ، وتتعدد مظاهر الاستدلال وتختلف أشكال التناول ، لكن لا تكاد تفتح كتابا إلا وجدت النص القرآني حاضرا فيه نصا أو مضمونا ،آية أو آيات…
إن حرص كل عالم، ومن ثم كل فرقة أو مذهب على التأصيل لمفاهيمه من القرآن الكريم، والعمل على إقامة الحجة منه على اختياراته العلمية أدى بلا شك، وكما هو معلوم إلى كثير من الانحراف في التفسير فضلا عن الكثرة والاتساع في الإنتاج .وهذا من أهم مبررات قيام علم أصول التفسير ، وإلى نفس المعنى يشير الدكتور محمد بن لطفي الصباغ حين يقول :" لقد ألف أحد العلماء رسالة يبين فيها أن كل أصحاب المذاهب الهدامة كانوا يستدلون على باطلهم وعقائدهم الزائفة بآيات من القرآن…ويرى الناظر فيها التمحل، ولي عنق الآية، والاعتماد على المغالطة، وإغفال سياق الآيات وأسباب النزول. إن هذا كله ليبين لنا أهمية قيام علم أصول التفسير بمهمته الجليلة وهي صيانة كتاب الله عن هذا العبث" .
إن واقعا كهذا قد نتج عنه كثافة على المستوى التطبيقي في التفسير، لم ترافقها في نفس المستوى إنتاجات نظرية تضبط التفسير وتؤصل له. وبالعودة إلى المعاجم التي أحصت مجمل الدراسات القرآنية المطبوعة منها والمخطوطة يتأكد هذا الذي قيل ،فمعجم مصنفات القرآن الكريم لإسحاق شواخ ،أو معجم الدراسات القرآنية لابتسام مرهون الصفار خير شاهد على ذلك .
من أجل ذلك ينطلق هذا البحث من فرضية مفادها أن أصول التفسير علم مستقل بكل ما تعنيه كلمة علم من معان وأبعاد .
كما ينطلق البحث من فرضية أخرى مفادها أن هذا العلم إن لم نقل أنه لم يقم بعد ، فهو بدون أدنى تردد لا يزال في حاجة ماسة إلى جهود كثيرة لإبراز مباحثه والتعريف به وبلورته، وإخراجه في صورة علمية مرضية تليق بشرف مادته التي هي القرآن .

فالمحاولات التي كتبت في هذا الباب يوجد بينها تضارب في الاصطلاح والمضمون وهو ما سنفصله لاحقا .
ومن الغريب فعلا أن يوجد من يقول إن التفسير في حد ذاته ليس علما ويرتب على ذلك أن لا حاجة لوضع تعريف له وهو ما يشير إليه الذهبي حين يقول :" يرى بعض العلماء أن التفسير ليس من قبيل العلوم التي يتكلف لها الحد؛ لأنه ليس قواعد أو ملكات ناشئة من مزاولة القواعد كغيره من العلوم التي أمكن أن تشبه العلوم العقلية …" وهنا يظهر أثر غياب علم أصول التفسير . لأنه برر عدم الحاجة إلى وضع حد بأنه " ليس له قواعد أو ملكات ناشئة عن مزاولة القواعد". وبغض النظر عن حدود كلمة " قواعد "، ففي النص إشارة واضحة أنه بسبب غياب هذه القواعد لا يرقى التفسير إلى مقام العلم .

والفراغ الذي نتحدث عنه تشهد له نصوص عديدة : فإلى حدود القرن الثامن الهجري يطالعنا نص لسليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري البغدادي المتوفى سنة 716هـ يقول فيه : " إنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير وما أطبق عليه أصحاب التفاسير، ولم أجد أحدا منهم كشفه في ما ألفه ولا نحاه في ما نحاه ، فتقاضتني النفس الطالبة للتحقيق الناكبة عن جمر الطريق لوضع قانون يعول عليه ويصار في هذا الفن إليه "
وقبل أن نتجاوز القرن الثامن الهجري نقف مع نص آخر لابن تيمية وهو يتحدث عن الباعث له على تأليف المقدمة المعروفة بين الناس ب ‘ مقدمة في أصول التفسير’ يقول فيه:"أما بعد فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه والتمييز في منقول ذلك و معقوله بين الحق وأنواع الأباطيل والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل"
أما النص الأول فصريح في سبق المؤلف إلى الكتابة في الموضوع حين يقول:" ولم أجد أحدا منهم كشفه في ما ألفه ولا نحاه في ما نحاه ".
أما النص الثاني فيدل بكيفية غير مباشرة على الحاجة التي دعت إلى طلب "مقدمة تتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره" .
وهو أشبه ما يكون برسالة الإمام الشافعي حين كتب إليه عبد الرحمن بن مهدي :" أن يضع له كتابا في معاني القرآن ، ويجمع قبول الأخبار فيه ، وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة. فوضع له كتاب الرسالة" .وإذا كانت رسالة الشافعي من آصل ما كتب في أصول الفقه فإن رسالة ابن تيمية يعدها العلماء من آصل ما كتب في أصول التفسير .
وهكذا ،فمن خلال النصين يتبين إذن أنه إلى حدود القرن الثامن الهجري لم يحظ علم أصول التفسير بالعناية اللائقة به . أما الطوفي فمع وعيه بالموضوع إلا أن الحجم الذي تناوله به أقل من القليل إذ لم يتجاوز صدر كتابه الإكسير قال:" إنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير وما أطبق عليه أصحاب التفاسير، ولم أجد أحدا منهم كشفه في ما ألفه ولا نحاه في ما نحاه ، فتقاضتني النفس الطالبة للتحقيق الناكبة عن جمر الطريق لوضع قانون يعول عليه ويصار في هذا الفن إليه فجعلت له صدر هذا الكتاب " والذي يقع في أقل من ثلاثين صفحة. أما باقي الكتاب فهو في البلاغة .وهذا ما جعل محققه يقول عنه :" وكل ما أرجوه أن أكون قد أسهمت بتقديم هذا الكتاب القيم المجهول إلى أيدي القراء والدارسين في إثراء المكتبة البلاغية ،و إضافة علم جديد إلى أعلام البلاغة وهم قلة."
أما رسالة ابن تيمية ،بفصولها السبعة فلا تتجاوز إثارة بعض قضايا هذا الموضوع ،وهي بذلك لا تعدو كونها مباحث في التفسير،وفي بض قضاياه .

وهكذا استمر الوضع على ما هو عليه في ما يبدو إلى القرن الرابع عشرالهجري، فهذا عبد الحميد الفراهي المتوفى سنة 1349هـ يقول في رسالته التكميل في أصول التأويل : "ولم نحتج إلى تأسيس هذا الفن لترك العلماء إياه بالكلية ، فإنك تجد طرفا منه في أصول الفقه ولكنه غير تمام " ويفهم من كلامه أن أصول التفسير ، أو أصول التأويل بعبارته ، يوجد طرف منه في أصول الفقه . ولعله يشير إلى ما يتناوله علماء الأصول عادة عند حديثهم عن الأصل الأول وهو الكتاب وعند مباحث الدلالة . ومعلوم أن علماء أصول الفقه إنما يركزون على ما تعلق بالأحكام خاصة ، والتفسير أوسع من ذلك وهذا ما جعل الفراهي يقول :"فلو جعل هذا الفن من علم التفسير لعظم محله في الدين " وهو نص صريح في كون هذا العلم لم يكن من علم التفسير بل كان من الفقه أو بعبارة المؤلف من فروع المسائل .
من أجل ذلك وجدنا باحثين معاصرين يرددون مع الطوفي مقالته :" فإنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير …" فيثيرون الإشكال مرة أخرى ،وينبهون إلى خطورته ،ويدعون إلى ضرورة تظافر الجهود من أجل حله.
ومن الذين اهتموا بالموضوع وأكدوا ما قلناه من حاجة هذا العلم إلى جهود متظافرة لإبرازه الدكتور محمد بن لطفي الصباغ . والإشارة الأولى منه لهذا الموضوع كانت في كتابه لمحات في علوم القرآن الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1973 م، وفيه يقول : "أصول التفسير مبحث مهم تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين وفي كتب أصول الفقه …" ثم يقول : "والبحث في أصول التفسير ما زال متسعا لمزيد من الدراسة والتأليف ." ويلاحظ أنه في هذه المرحلة لا يتحدث عن علم أصول التفسير وإنما عن مبحث أصول التفسير .ثم هو في هذا الكتاب لم يزد على لمسه لمسا خفيفا و في ذلك يقول:" وسنلمس هذا المبحث لمسات تتناول النقاط الثلاث التالية:
1. سنذكر العلوم التي لابد من تحصيلها ليتسنى لنا أن نفسر القرآن
2. كما نذكر ما يشترطه العلماء عادة في المفسر
3. ونشير إلى أهم قواعد أصول التفسير."
وهذه اللمسات الخفيفة ناسبت عنوان كتابه :"لمحات في علوم القرآن " لكنه في كتابه "بحوث في أصول التفسير " والذي صدرت طبعته الأولى سنة 1988م يدعو إلى جمع مباحث علم أصول التفسير ويعتبره علما مستقلا ، يقول:"ونود أن نقرر الآن أن هناك ضرورة علمية ملحة لإفراد مباحث هذا العلم أي علم أصول التفسير وإبرازها تحت عنوان قرآني متميز وفي حيز خاص لخدمة كتاب الله تبارك وتعالى .ذلك لأن بقاء تلك المباحث العميقة ،والقواعد الرائعة حيث ذكرنا ولاسيما في علم أصول الفقه لأن بقاءها هناك يجعلها بعيدة عن ساحة الحضور والتصور ،ويجعل فائدتها قليلة ،وربما لا يذكرها عند التصدي للتفسير من سبق له أن اطلع عليها،بله من لم يقرأها ولم يسمع بها"
ومن أهم ما يدعو إليه ما يمكن أن نسميه إستقلالية هذا العلم وأن يكون مستقلا لا تابعا، ويوضح ذلك بقوله:"فإن إقرار تلك المباحث من أصول التفسير، وإبرازها تحت عنوان خاص بها ،يتيح لها مزيدا من التحرير والتنقيح ،والزيادة والتسديد، فطاقات البشر متكاملة، والمواهب غير مقصورة على زمان ولا بلد،فقد تأتي عبقرية وموهبة فذة وتسهم في إثراء هذا العلم و تكميله ."
ومن الباحثين المهتمين بالموضوع الدكتور محسن عبد الحميد ففي كتابه دراسات في أصول التفسير الذي صدرت طبعته الأولى 1979م يشير إلى كون" موضوعات هذا العلم الجليل مبعثرة هنا وهناك في كتب التفسير وأصوله ومناهجه وعلوم القرآن والأصول وإننا في كلياتنا الإسلامية وأوساطنا المثقفة المهتمة بمثل هذه الدراسات نحتاج إلى كتاب يلم بمسائل هذا العلم، ويعرضها بأسلوب واضح" وهذا ما جعله يقول أيضا :"ولقد اقتنعت بأننا في هذا العصر بأحوج ما نكون إلى هذا العلم لكثرة ما انتشر من أخطاء شنيعة وتأويلات فاسدة لا يوجهها إلا الهوى ولا يقودها إلا الجهل ."
والعبارة صريحة في الدلالة على مراد صاحبها، فالأمر كما قال وزيادة : إذ الأخطاء الشنيعة في تزايد ، والتأويلات الفاسدة في انتشار ، والحاجة الماسة لهذا العلم أكيدة.

ومن أكثر الباحثين وعيا بهذا الموضوع الدكتور الشاهد البوشيخي الذي يعود له الفضل بعد الله في توجيهي للاشتغال به. ولقد أثار الموضوع في مواقع كثيرة من ذلك ما قاله عند حديثه عما يمكن تسميته بآفاق الدراسات القرآنية حين يقول : "فالذي أحسبه واجب الوقت على الجيل الصاعد الرائد هو:
1. " إخراج التراث التفسيري للأمة :بدءا من خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم …إخراجه إخراجا علميا قد وفي حظه من التوثيق سندا ومتنا…
2. دراسة ذلك التراث بهدف استخلاص علم أصول البيان والتفسير وقواعده وضوابطه كما تجلت في عمل خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم …أوفي أنظار من تلا ودون في مقدمات أو كتب، أو شذرات منثورة في بطون الكتب، أو إشارات…
3. بناء علم البيان القرآني أو علم التفسير إنطلاقا من تلك المستخلصات بعد تصنيفها، و تحليلها، و تعليلها ،وتقويمها،وإضافة ما يلزم إضافته إليها."


فما عدا الخطوة الأولى ،فإن الخطوتين التاليتين يندرجان في صميم الموضوع .وما الأولى عنه ببعيدة فلا يتصور بناء لعلم أصول التفسير إلا انطلاقا من تراث الأمة التفسيري والذي على رأسه ولاشك تراث خير القرون"الجيل الراشد ومن تبعه بإحسان، وفي عملهم التفسيري تكمن أساسيات علم بيان القرآن ،و المنهج التفسيري الراشد."
و تقديرا من الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي لحجم صعوبات هذا الموضوع فإنه يقرر :"حقا إنه لشاق استنطاق العمل لاستخلاص الأصول والقواعد" لكنها خطوة لابد منها ليقوم علم طالما حز في النفس ألا يكون نضج ولا احترق ."
وقد عد الدكتور الشاهد البوشيخي واقع علم أصول التفسير ثالث الحواجز لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية :
الأول واقع التراث النصي العربي ،
الثاني واقع المعجم اللغوي العربي ،
الثالث علم أصول التفسير أو علم بيان القرآن كما سماه.
وعنه يقول"… علم بيان القرآن أو أصول التفسير الذي مازال ينتظر جهودا صادقة مخلصة لاستخلاصه من مصادره وتخليصه مما التبس به وتصنيفه وتكميل بنائه علما ضابطا لبيان القرآن الكريم من الفهم السليم حتى الاستنباط السليم "
فواضح من خلال كل ما تقدم الحاجة الملحة للبحث في هذا الموضوع .

ومن الباحثين الذين دعوا إلى تأسيس علم أصول التفسير الدكتور إسماعيل سالم وذلك في كتابه ‘تفسير النصوص وآيات القصاص والديات’ يقول :" نقترح إنشاء علم جديد لقواعد التفسير " ،ويضيف محددا الإسم لـ" هذا العلم المقترح علم أصول التفسير " ثم يعرف محاولته قائلا:"هي محاولة نبتغي بها …مزيدا من الضبط والتقعيد لتفسير آيات الله . وأول خطوة على الطريق هي تجميع تلك القواعد من العلوم التي لها صلة بالتفسير وباستنباطها من التفسير أو غيره."
ومن الباحثين الذين تنبهوا لهذا الأمر خالد بن عثمان السبت وإن كان قصره على قواعد التفسير. لكن الراجح أنه ممن يطلق قواعد التفسير وهو يقصد أصول التفسير. ويظهر ذلك عند حديثه عن الفرق بين التفسير وقواعد التفسير حين يقول :"قواعد التفسير هي تلك الضوابط والكليات التي تلتزم كي يتوصل بواسطتها إلى المعنى المراد.. فأصول التفسير وقواعده مع التفسير كالنحو بالنسبة للنطق العربي والكتابة العربية . فكما أن النحو ميزان يضبط القلم واللسان…فكذلك قواعد التفسير هي ثوابت وموازين تضبط الفهم لكلام الله عز وجل وتمنع المفسر من الخطأ في تفسيره ." وهذا في الحقيقة هو دور علم أصول التفسير.
ثم المؤلف يشير إلى الفراغ الذي تعرفه المكتبة القرآنية في الموضوع فيقول مستغربا:" والعجب كل العجب أن أهل الفن والصناعة (يقصد علماء التفسير) على كثرتهم واختلاف عصورهم لم يولوا هذا الأمر – أعني قواعد التفسير- عناية تجدر به وهو لها أهل وبصرفها حقيق، مع شدة الحاجة إليها وخطر الخلط في فهمها."
وهذا النص الأخير أشبه ما يكون بما قاله الطوفي من قبل:"فإنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير."
ثم ينقل خالد بن عثمان السبت عن غيره ما يدل على هذا الأمر قائلا:" ولقد أصاب كثيرا من الحقيقة من قال:" العلوم ثلاثة: علم نضح وما احترق وهو علم الأصول والنحو، وعلم لا نضح ولا احترق وهو علم البيان والتفسير،وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث" .
وقد مر معنا نحو هذا لأستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي حين قال:"ويومئذ يقوم علم طالما حز في النفس ألا يكون نضج ولا احترق."
كما أشار لنفس الموضوع عند حديثه عن مبررات اختياره البحث في قواعد التفسير حيث لاحظ" ندرته وانعدام المؤلفات الخاصة بهذا الجانب" .
أما هذه الندرة في التأليف فقد أشار إليها أكثر من واحد ،ومن ذلك ما قاله الدكتور فهد الرومي :"حين أسند إلي تدريس مقرر أصول التفسير …لم أجد كتابا يجمع أبوابه ،بل منها ما لم يكتب فيه كتابة وافية فرأيت أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب في أيدي الطلاب يجمع لهم الشتات."

ومن الباحثين أيضا نذكر الدكتور فريد الأنصاري في كتابه ‘ أبجديات البحث في العلوم الشرعية’ فهو بعد أن يلاحظ " أن العلوم الشرعية قد ركبت تركيبا مزدوجا بين جانبين نظري وتطبيقي " يلاحظ أيضا" أن التفسير بصفته شرحا لكتاب الله بقي عريا من أي سياج نظري نقدي له نسقه الذي يحكمه ومنطقه الذي يقننه ويقعده " ثم يقرر بعد ذلك أن الأمر يتعلق بمشروع " يحتاج إلى تضافر الجهود والعمل الجماعي والتشجيع المؤسسي الرسمي وغير الرسمي ممن لهم غيرة على التراث الإسلامي عامة والعلوم الشرعية خاصة عسى أن يرى بعد جيل أو أكثر من البحث الجاد ‘‘علم أصول التفسير’’ وقد قام واستوى وصار مادة منهجية ذات نسق دقيق…"
هذه بعض النصوص التي وقفت عليها ،ولا يبعد أن توجد نصوص أخرى كثيرة ذات الصلة بالموضوع وكلها تجمع كما اتضح ذلك جليا على الحاجة الماسة لهذا الموضوع.

أما الجانب النظري الذي يلاحظ عليه الضمور بالنسبة للجانب التطبيقي، والذي يعد المادة المرجعية لموضوعنا فأهم مظانه ما يلي:

1) كتب علوم القرآن قديمها وحديثها:
وتأتي هذه الكتب في المقدمة، حتى عدها بعضهم أنها هي أصول التفسير .
والغالب على هذه الكتب أنها تجمع سائر العلوم التي لها تعلق مباشر بالقرآن الكريم: كعلم أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني ، وجمع القرآن والرسم القرآني ،والمحكم والمتشابه …و غيرها. " هذه العلوم التي يقوم كل منها مستقلا عن الآخر تروم كلها غاية واحدة ألا وهي خدمة كتاب الله تعالى وتيسيره" .إلا أنها لم تقعد التقعيد الذي يضبط العملية التفسيرية نفسها.
وهذه الكتب وما اشتملت عليه من العلوم، وإن صيغت في أصلها لتيسير تفسير القرآن الكريم فقد غلب عليها أحد المنهجين: الوصفي، أو التاريخي ، مما يجعلها قاصرة عن ضبط التفسير . فالحديث عن أسباب النزول وعن المكي والمدني والناسخ والمنسوخ ونحو ذلك لا يزيد عن وصف ما وقع. والجهد كله منحصر في بيان المكي من المدني ، وبيان الناسخ من المنسوخ، وبيان سبب نزول الآية أو الآيات.
وفي مبحث كجمع القرآن لا يتعدى الأمر التأريخ للمراحل التي مر بها تدوين النص القرآني. وهي بهذا الشكل لا يصح إطلاق أصول التفسير عليها حقيقة.

ب- مقدمات كتب التفسير:
تتضمن أغلب كتب التفسير مقدمات وضعها أصحابها تمهيدا نظريا لتفسيرهم.ومع أهمية هذه المقدمات إلا أن مضامينها أشبه ما تكون بكتب في علوم القرآن. و لعل هذا هو الذي جعل آرثر جفري ينشر مقدمتين لكتابين في التفسير، و سماهما" مقدمتان في علوم القرآن، مقدمة كتاب المباني، ومقدمة ابن عطية".
و من بين الذين نبهوا إلى قيمة هذه المقدمات العلمية وفائدتها في ما يتصل بموضوعنا الدكتور محمد بن لطفي الصباغ .
فقد جعل هذه المقدمات من أهم المصادر التي يمكن أن يرجع إليها طالب العلم الراغب في معرفة أصول التفسير ، قال :"من ذلك المقدمات النفيسة التي كتبها المفسرون الكبار من أمثال الطبري والقرطبي وأبي حيان وابن كثير وغيرهم" و يمكن أن نضيف أيضا مقدمة القاسمي التي وضعها لتفسيره " محاسن التأويل" تحت عنوان:" تمهيد خطير في قواعد التفسير" .
و ما قيل عن كتب علوم القرآن يقال عن أغلب هذه المقدمات ، من حيث القصور التقعيدي ،فأغلبها مباحث في علوم القرآن .

وإذا أخذنا مقدمة الطبري مثالا لذلك وجدناه تناول المباحث التالية :
1. القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني منطق من نزل بلسانه القرآن من وجه البيان…
2. القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم .
3. القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
4. القول في البيان عن معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة" وذكر الأخبار الواردة بذلك.
5. القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
6. ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
7. ذكر الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن ومن كان يفسره من الصحابة .
8. ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
9. ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به.
10. القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه .
وهذه الفصول بهذا الشكل إنما تناولت قضايا ذات الصلة بالتفسير ، وهي بذلك لا ترقى إلى درجة تصور شامل لعلم أصول التفسير وإن كانت تشكل مادة أساسية له . وما قيل عن مقدمة الطبري يقال عن غيرها من مقدمات كتب التفسير.

ج- الإشارات النظرية المبثوثة في كتب التفسير:
والمقصود بها القواعد التي يضعها المفسر وهو يمارس عملية التفسير في محاولة للتأصيل لمفهوم يريد تأصيله، أو في نقده لتفسير اختل فيه ضابط من الضوابط، أو في مجالات أخرى ...
ومع الاقتناع بأن هذه الإشارات تشكل مادة مهمة لأية صياغة تأصيلية، فإنه لم تقم إلى الآن محاولة تتقصى هذه الإشارات وتتبعها. وفي غياب أي إحصاء لها تبقى هذه المادة مظنة من مظان البحث، وهي بطبيعتها هذه في حاجة إلى استنباط واستقراء ثم استثمار.

د- الدراسات المنجزة عن كتب التفسير ومؤلفيها:
والمقصود بها الدراسات التأريخية التي حاول أصحابها تتبع مسيرة التفسير، إن بشكل مطلق مثل كتاب "التفسير والمفسرون" لمحمد حسين الذهبي، أو بشكل مقيد بالزمان مثل "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر" للدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي ،أو مقيدة بالمكان مثل "مدرسة التفسير في الأندلس" للدكتور مصطفى المشيني ،أو مقيدة بالزمان والمكان معا مثل "اتجاهات التفسير في مصر في العصر الحديث" للدكتور عفت محمد الشرقاوي ،أو "الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري" للدكتور إبراهيم الوافي ، أو بقيد آخر غير الزمان والمكان مثل "منهج أهل السنة في تفسير القرآن الكريم" للدكتور صبري المتولي ،أو "منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" للدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي…
وكذلك الدراسات التي رصدت قضية من قضايا علم التفسير مثل" بدع التفاسير"للشيخ عبد الله بن الصديق أو " الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة.
ويلحق بهذا القسم الدراسات التي تناول أصحابها مناهج المفسرين سواء اقتصر البحث على منهج مفسر واحد، و الأمثلة كثيرة جدا، أو شمل مجموعة من المفسرين ككتاب " مناهج في التفسير" لمصطفى الصاوي الجويني وغيرها من الدارسات والبحوث …
وهذه تجمع مادة مهمة ، وإن كانت ليست كافية وذلك لطغيان التجزيء عليها.
فأما الدراسات التأريخية فأغلبها ملاحظات عامة لا تقوم على استقراء ولا إحصاء ، ومثلها كتب مناهج المفسرين فغالبا ما تتشكل مادتها من مواقف المفسر المدروس من جملة من القضايا دون أن ترقى إلى درجة تقديم تصور نظري مركب للعملية التفسيرية عنده .

هـ) كتب أصول الفقه :
ولقد كان بإمكان علماء الأصول أن يوفوا هذا الأمر حقه من الدراسة لكنهم اقتصروا على ما تعلق بهم، وهو ما انبنى عليه أحكام، وتركوا البقية لغيرهم."فلقد حظيت شعبة الأحكام بعلم يضبط الاستنتاج والاستنباط وهو علم أصول الفقه ، وقد عرفه أسلافنا منذ القرن الثاني الهجري … وشعبة الأحكام واحدة من شعب توجد في كتاب الله .. " وهذه أهم ملاحظة وهي أن جهد الأصوليين إنما ركز على جانب الأحكام وبقيت جوانب أخرى لم يهتم بها علماء الأصول "ومن تلك الشعب شعبة الأخلاق التي قام بخدمتها علم الأخلاق . وقد تلقف هذا العلم رجال لم يقيدوا أنفسهم بضوابط تنظم تفكيرهم وتعصم استنتاجهم من الانحراف والغلط ، وكان معظمهم من رجال التصوف " .ونحن في ذلك بحاجة إلى الاهتداء بصنيع علماء الأصول مع الاحتفاظ بخصوصية كل شعبة من شعب القرآن الكريم.

و- كتب البلاغة:
لا جدال في أن علم البلاغة إنما قام أساسا لبيان إعجاز القرآن الكريم، ولذلك فإن المادة التفسيرية في كتب البلاغة مفيدة جدا في موضوعنا ، ذلك أنها تناولت بالدرس – فيما تناولت- وجوه دلالة القرآن من حيث الحقيقة والمجاز، وظاهر اللفظ وباطنه، وقضايا الإنشاء والخبر، ووجوه الفصل والوصل والقصر والاختصاص، والحذف والتقدير، وأصول إدراك الخطاب القرآني …الخ.
وكل ذلك ونحوه يعتبر مادة صالحة لبناء القواعد، وتأصيل الضوابط التي يمكن أن تكون قوانين لغوية لوجوه فهم القرآن،يعتمد عليها عند التفسير ويرجع إليها عند الخلاف لتكون حكما في تمييز الفهوم صحيحها من سقيمها.
الخلاصة أن المادة النظرية لعلم أصول التفسير تتوزعها مجموعة من العلوم منها ما سبقت الإشارة إليه ويلحق بها كتب النحو وكتب اللغة عموما التي تعد من المصادر الأساسية لمادة البحث لصلتها الوثيقة بالنص القرآني، ويمكن الاستئناس كذلك بكتب المنطق.

5- الكتب المؤلفة في الموضوع:
والمقصود بها الكتب التي تحمل نفس العنوان:" أصول التفسير" أو عنوانا قريبا منه مثل:" قواعد التفسير" أو " مبادئ التفسير"… وهي كتب في صميم الموضوع.
وهذه سنعود إليها بشيء من التفصيل، وحسبنا هنا الإشارة إلى :
1- إن هذه الكتب تعمها فوضى اصطلاحية، وعدم وضوح رؤية. فماذا نسمي هذا العلم: أهو أصول التفسير؟ أم قواعد التفسير؟ أم مبادئ التفسير؟ أم ماذا؟

2 – فإذا تجاوزنا القضية الاصطلاحية، على أهميتها، نجد تضاربا واضحاً في المراد بأصول التفسير .
و هذا يظهر من خلال التتبع لمباحث وفصول أغلب هذه الكتب المؤلفة ،فهي غير محكومة بمنهج واحد، كالذي نجده مثلا في كتب أصول الفقه. وهذا إنما يرجع إلى غياب بناء لعلم أصول التفسير يلتزم كل باحث في مجاله به.
وغياب البناء كاف وحده لكي يكون مسوغا لما نود القيام به، فكيف إذا علمنا أن المادة في حد ذاتها غير واضحة في هذه الكتب، وهو الذي جعلها تتضارب في المضامين حتى صار لكل كتاب نظرة خاصة بصاحبه لأصول التفسير.
فهناك بلا شك فراغ في هذا الموضوع من نواح عدة تجعل الباحث ينطلق فيه من اللبنات الأولى في البناء وتلك حال الدرس الإسلامي ، كما يقول أحد السالكين:" نجد لزاما على المقدم على هذا الدرس أن يبدأ ببحثه منذ أوليات الأمور. فالدرس الإسلامي ما يزال حقا بكرا مع خصوبته، وامتداد ساحته، مما يحتم على مرتاد هذا الميدان أن يتعقب جذور الأشياء ويستقصي مصادرها الأولى ما وسعه الجهد…"
أما علم أصول التفسير الذي يحاول هذا البحث بناءه فهو العلم الذي يعمل في التفسير ما عمله أصول الفقه في الفقه، وأصول الحديث في الحديث، أي قانون يضبط العملية التفسيرية، ويصونها من أي شكل من أشكال الانحراف. حتى إذا حصل شيء من ذلك سهل بيانه وكشفه، ومن ثم ضبطه ورده .

ولكون هذا العلم أقرب ما يكون إلى علم أصول الفقه من حيث الغرض والوظيفة، فإننا نتصوره على الشكل التالي:
لابد في هذا العلم أولا من تحديد مصادر التفسير التي ينطلق منها المفسر،مع بيان حجيتها ،ودرجتها ،و رتبتها. بما يحقق الضبط والإحكام لعمل المفسر. فلا ينتقل مثلا إلى مصدر لاحق وفي السابق ما يغني، خاصة عند التعارض…كأن يستشهد في تفسير آية ببيت من الشعر يخالف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى نفس الآية.

ثم لا بد في هذا العلم من تحديد قواعد التفسير التي تضبط التعامل مع مصادره من ناحية، ومع النص القرآني نفسه من ناحية أخرى.

ثم لا بد في هذا العلم أيضا من مباحث تتناول " المفسِّر " تحديدا، وشروطا، كما هو الحال في المباحث التي تتناول المجتهد عند الأصوليين، فتحدد مفهوم المجتهد وشروطه …


ولا ينقص بناء بهذا الشكل ، في تصورنا، إلا نظرة شمولية متفحصة للنص القرآني تستقرئ مراد الله تعالى من خلال تتبع مختلف آي الكتاب وسوره، ليقوم بعد ذلك ما نصطلح عليه " مقاصد المفسَّر".
وبقدر فهمنا لمقاصد المفسَّر بقدر ما تسلم اتجاهاتنا في التفسير ويسلم الحكم عليها.
ففي القصص القرآني مثلا، بقدر فهمنا للمقصد من إيراد القصص، والذي دل عليه بشكل مجمل قوله تعالى:(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمومنين) بقدر ما نبتعد عن كل التفاصيل التي لا تخدم هذا الغرض، والتي كانت مدخلا من مداخل الإسرائيليات… والإعراض عن التفاصيل التي لا تخدم الغرض المذكور هو ما توحي إليه الآية الكريمة في شأن عدد أصحاب الكهف مثلا :(قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا) .

فتكون الخلاصة أن هذا العلم نتصور أنه يتركب من :
1. مصادر التفسير .
2. وقواعد التفسير .
3. وشروط المفسِّر .
4. و مقاصد المفسَّر .
وهذه الأخيرة بالشكل الذي نتصوره أقل هذه المباحث اهتماما بها.
فمصادر التفسير، وقواعده وشروط المفسِّر إن افتقدت كليا للبناء التقعيدي ، فقد كتب فيها بهذا المعنى أو ذاك، ما يعد منطلقات أولى لبنائها بالشكل الذي يقتضيه البناء.
أما مقاصد المفسَّر فلم يكتب فيها إلا النادر القليل، مما يفرض استخراج مادتها أولا ، حتى تستوي وأخواتها أو تكاد. ثم لتأخذ موقعها من البناء الكلي في إطار التصور الشمولي للموضوع.
ولأن الأمر بهذه الصعوبة فقد تعذر ذلك في هذه المرحلة و إنَّا لنرجو أن يتيسر لنا أو لغيرنا الكشف عن هذه المقاصد حتى يستوي هذا البناء أو يقترب من ذلك .
أما في هذه المرحلة فكان الاقتصار على الأركان الثلاثة وهي :
1. مصادر التفسير .
2. قواعد التفسير .
3. شروط المفسِّر .
وهذا البحث يقصد إلى استخراج هذه المباحث من مظانها ،وتنقيح ما استخرج منها مما علق بها وليس منها، ثم تركيبها في بناء نظري. مسهمين بذلك في إبراز علم نفيس يخدم كتاب الله تعالى" ونحن بذلك نبين أهمية البحث فيه، وندعو أن يعطى من العلماء والباحثين عناية أكبر… ينبغي أن تقبل الطاقات الفعالة نحوه ، وأن تعمل فيه المواهب الممتازة، تنميه و تسهم في إثرائه" . وكذلك نمت العلوم وتطورت وعلم أصول التفسير لن يكون استثناء " ولا تزال العقول والأذهان تعمل عملها فيه إنضاجا وبحثا وتحريرا حتى يستوي على سوقه" .
وطبيعة الموضوع تحتاج إلى جهود، ولا يفي بحقه جهد واحد ضعيف الزاد مثلي، وما قدمته فيه مهدت به الطريق الوعر لمن أراد سلوكه، وحسبي أني أحببته وآمنت به وتفاعلت معه جهد المستطاع، وبذلت فيه وسعي، مواصلا فيه الليل والنهار صابرا محتسبا وما توفيقي إلا بالله.
وإذا كان ابن الجزري يوجه من أراد التصنيف" أن يبدأ بما يعم النفع به وتكثر الحاجة إليه بعد تصحيح النية ، والأولى أن يكون شيئا لم يسبق إلى مثله" فإني أرجو أن أكون ساهمت في ما أعتبره إضافة للمكتبة القرآنية .

أما ما تيسر جمعه من هذا العمل فقد جعلته في فصول أربعة مع مقدمة وخاتمة.
الفصل الأول : تناولت فيه مفهوم التفسير و أصول التفسير وذلك من خلال مباحث ثلاثة:
المبحث الأول : في مفهوم التفسير والتأويل لغة واصطلاحا وما قيل في التمييز بينهما أو عدم التمييز.
المبحث الثاني في مفهوم أصول التفسير ، عرضت فيه لأشهر الاطلاقات التي استعمل فيها المفهوم، إذ يطلق أصول التفسير ويراد به مصادر التفسير، ويطلق ويراد به قواعد التفسير، ويراد به غير ذلك… ثم خلصت إلى تقديم مفهوم لأصول التفسير.

المبحث الثالث تناولت فيه العلاقة بين علم أصول التفسير وبعض العلوم القريبة منه أو المشاركة له. وهكذا أثرت العلاقة بين علم أصول التفسير وعلوم القرآن، وبينه وبين علم أصول الفقه، وبينه وبين قانون التأويل، وأخيرا بينه وبين الهرمنيوطيقا.

الفصل الثاني : تناولت فيه مصادر التفسير. وبعد تمهيد في مفهوم هذه المصادر قسمتها إلى سبعة مباحث:
المبحث الأول : في تفسير القرآن بالقرآن تناولت فيه حجية هذا المصدر وأوجهه ودرجته وموقع القراءات القرآنية والرسم القرآني منه وختمته بالحديث عن تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين.

المبحث الثاني: في تفسير القرآن بالسنة تناولت فيه أيضا حجية هذا المصدر وأوجهه ودرجته، كما تناولت فيه المقدار الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.

المبحث الثالث: في تفسير القرآن بأقوال الصحابة تناولت فيه حجية هذا المصدر ودرجته، ومجال الأخذ به. كما أشرت إلى تفاوت الصحابة في العلم بالقرآن و إمكانية الاستدراك عليهم.
ا
لمبحث الرابع :في تفسير القرآن بأقوال التابعين: تناولت فيه حجية هذا المصدر واختلاف العلماء في ذلك ،ومجال الأخذ بقول التابعي ،ودرجته وكذا تفاوت التابعين في العلم بالقرآن.

المبحث الخامس: في الإسرائيليات تناولت فيه مفهوم الإسرائيليات وأقسامها والنصوص المحذرة من الاستدلال بها وكذا أدلة جواز الرجوع إلى أهل الكتاب وحاولت تقديم خلاصة في الموضوع.

المبحث السادس: في التفسير بمقتضى اللغة العربية تناولت فيه حجية هذا المصدر
ودرجته في التفسير ومجالاته ومستويات الأخذ به عند المفسرين .

المبحث السابع: في التفسير بالرأي وتناولت فيه تعريف التفسير بالرأي والآثار الواردة فيه وتحرج السلف من التفسير وتوجيهه ثم مواقف العلماء من التفسير بالرأي وحجيته وتطبيق الصحابة له.

الفصل الثالث : وخصصته للركن الثاني من أركان علم أصول التفسير وهو قواعد التفسير وذلك من خلال مباحث خمسة:
المبحث الأول: في تعريف قواعد التفسير لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: في أقسام قواعد التفسير.
المبحث الثالث: في الصلة بين القواعد الأصولية وقواعد التفسير.
المبحث الرابع: في نشأة قواعد التفسير تناولت فيه قواعد التفسير عند الصحابة وجهود المفسرين لوضع هذه القواعد ثم المؤلفات في قواعد التفسير.
المبحث الخامس: و هو عبارة عن نماذج لقواعد تفسير متنوعة.

الفصل الرابع: وخصصته للركن الثالث من أركان علم أصول التفسير وهو شروط المفسر وذلك في مبحثين :
المبحث الأول: في الشروط العلمية.
والمبحث الثاني في الشروط الذاتية.
وختمت البحث بخاتمة عرضت فيها لأهم النتائج التي استخلصتها وأشرت فيها أيضا إلى آفاق البحث العلمية.
وفي الختام أشكر الله تعالى وأثني عليه الخير كله على ما من به علي ويسر وأعانني على إتمام هذا الجهد، وسلك بي سبيل العلم، ثم أتقدم بالشكر والتقدير الجزيلين لفضيلة الشيخ الدكتور الشاهد البوشيخي المشرف على هذا العمل، على ما غمرني به من علم وفضل ، ولين جانب وحسن توجيه، وبما فتح لي صدره وبيته ،وبما صرف لي من ثمين وقته وسعة صدره، فجزاه الله عني خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته.
وأشكر كل من أبدى لي نصحا أو مساعدة برأي أو مشورة ،بتوجيه أو بإعانة .فلهم مني جزيل الشكر والثناء والدعاء لهم بأن ينفع بهم ويبارك في أعمارهم.
وهذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ أو زلل فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان. واستغفر الله تعالى منه .وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 
أولاً : نرحب بالدكتور مولاي عمر بن حماد في ملتقى أهل التفسير ونتمنى ان يتحفنا بمزيد من الموضوعات القيمة .
ثانياً : ما طرحته من اهم المواضيع التي ينبغي العناية بها , واتفق معك فيما طرحت , ويظهر أنك درست نشأة هذا العلم تاريخياً , فهل قمت بحصر الكتب المتقدمة , والتي تصلح ان تكون متناً خاصاً يصلح للتدريس والمدارسة , فإن كنت فعلت فأرجو إفادتنا بذلك , وهذه دعوة مني للأخوة جميعاً ان نقوم بحصرها ومن ثم التوجيه للعناية بها .
وأخيراً اشكر الدكتور على هذا البحث الماتع ونحن في انتظار بقيته .
 
حقيقة مقدمة رائعة لعمل متميز مهم ، فنرجو من الدكتور مولاي عمر أن يعجل بنشر رسالته حتى يستفيد الباحثون منها فهي في موضوع في غاية الأهمية
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير
ويا ليت مشرفي وأعضاء الملتقى الكرام يدلون بدلوهم في هذه المشاركة حتى يثرى هذا الموضوع
وشكر الله للدكتور مولاي عمر على ما خطت يداه فبورك فيها من يد . ونسأل الله القبول لنا وله .
 
أخي الحبيب لقد نصحت وتفضلت بهذا الطرح الممتع وكلنا أمل في إثراء هذا الموضوع من خلال هذه اللفتة العميقة من فضيلة الدكتور مولاي عمر بن حماد ، وأعدك أن يكون هذا الموضوع هو موضوع صالوني التخصصي مع أهل التفسير ـ إن شاء الله ـ، وأضم صوتي إلى من قبلي من أهل العلم والفضل وأقول: متى يطبع هذا العمل المتميز لنسارع جميعا إلى الإفادة منه وجزاكم الله خيرا.
 
أين الدكتور مولاي عمر فقد انقطع منذ فترة ، وهل طبعت رسالته ؟
 
الأستاذ مولاي عمر بن حماد يدرس يكلية الآداب.....

الأستاذ مولاي عمر بن حماد يدرس يكلية الآداب.....

السلام عليكم
الأستاذ مولاي عمر بن حماد يدرس يكلية الآداب جامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية- شمال الدار البيضاء- المغرب
و سبق لي أن زرته هناك في أمر اليحث العلمي و أخذت نسخة من دكتوراته - علم أصول التفسير محاولة في البناء-
و قد سألته و أفدت منه في موضوع مشروع يحث الدكتوراه الذي أنوي تسجيله. و قد وجدت منه سعة الصدر و نصيجة الخبير
و أضم صوتي إليكم فأدعوه للمشاركة و الإفلدة
 
وأبشركم نزل شرح المقدمة في طبعته الثانية لصاحب الفضيلة الشيخ مساعد الطيار
وأتمنى من شيخنا الكريم تهذيب هذا الشرح كي يستفيد منه طالب العلم المبتدىء لأهمية هذه المقدمة النفيسة
وأعتماد تدريسها في كثير من الدورات
 
جزيتم خيرا

فعلا.. كم نحن بحاجة إلى إقامة دورات من قبل أهل التخصص في أصول التفسير ، فلا تكفينا الدراسة الأكاديمية ..

للرفع.........
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أعود لأرفع الطلب مرة أخرى إلى شيخنا مولاي عمر ليتفضل علينا بحلقات من أطروحته النافعة الماتعة لتعم الفائدة كل أعضاء الملتقى.
أو نشكوه إلى شيخنا الشاهد البوشيخي.
فجزاه عنا كل خير
 
مقدمة قيمة للبحث ، وأشكر الدكتور مولاي عمر حماد على هذا العرض الموفق للبحث ، ونتطلع إلى طباعة البحث للإفادة منه .

ولم أره أشار ضمن المؤلفات المعاصرة في أصول التفسير إلى كتاب الدكتور (فصول في أصول التفسير) للدكتور مساعد الطيار مع تقدم طباعته (1413هـ) وإشارته إلى كتب صدرت بعده . وهو في نظري من أجود الكتب المعاصرة - على وجازته - التي كتبت في أصول التفسير .
 
هذا عمل متميز فى بابه كما يتضح ذلك للمتخصص ، وحتى تتم الفائدة منه يرجى أن ينشر كاملا ، ليتسنى الاطلاع عليه والإفادة منه ، ولكم جزيل الشكر .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكر كل من قدر اهمية موضوع " علم أصول التفسير" وآمن بالحاجة إليه ، وللجميع أقول بأني سعيت لنشر البحث الذي اعددته في الموضوع أكثر من مرة لكن ذلك لم يتيسر، وهو الآن عند "دار السلام للطباعة والنشر بالقاهرة "وقد وقعت عقدا لنشر الكتاب أسأل الله ان ييسر صدوره قريبا والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
 
مقدمة قيمة للبحث ، وأشكر الدكتور مولاي عمر حماد على هذا العرض الموفق للبحث ، ونتطلع إلى طباعة البحث للإفادة منه .

شكر الله للدكتور مولاي ولأهل الملتقي
 
صدر كتاب "علم أصول التفسير محاولة في البناء"

صدر كتاب "علم أصول التفسير محاولة في البناء"

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لكل الذين رغبوا او انتظروا صدور كتابي عن أصول التفسير اخبركم بان الكتاب صدر بحمد الله وحسن توفيقه عن دار السلام للطباعة والنشر تحت عنوان :" علم أصول التفسير محاولة في البناء" ويقع في 240 صفحة
وإليكم رابط الخبر :
http://www.dar-alsalam.com/Pages/PublicationResultDetails.asp?cd=70336&idx=0
 
مبارك عليك صدور هذا الكتاب وبشرك الله بالخير كما بشرتنا
 
عودة
أعلى