ّ
ّ
السلام عليكم ورحمة الله
إخواني الأعزاء
إن مسألة "ثقافة العصر" لها أهمية قصوى في فهم معاني كلام الله تعالى؛ وخاصة في زمننا هذا الذي تكشَّفت فيه حقائق كثيرة لم تكن معلومة، فَمَحَّصت عدداً من المعاني، كما انجرفت ألفاظ كثيرة عما كان لها من استخدام، فانحرفت بسببها المعاني.
وهذا التبدل قد يكون اقتراباً أو ابتعاداً عن الحق، على الترتيب، مما يجعل الأمر مُشْكِلاً بحق! لذا وجب تحري مسألة "ثقافة العصر" برويِّة ودراسة (بل دراسات) مُعمَّقة.
وسوف أعطي مثالين لتبدل "ثقافة العصر"في اقترابها من الحق"، ومثالين "لابتعادها عن الحق"، فيما ظهر لي (والله تعالى أعلم).
أما الحالة الأولى، التي فيها اقتربت ثقافة العصر (الحاضر) من الحق عما كانت عليه:
فمثالي الأول فيها هو: [أن الأثقل من الأجسام يهوي إلى الأرض مثلما يهوي الأخف]، وذلك خلافاً لثقافة العصر الماضي القائل بأن: [الأثقل يهوي إلى الأرض أسرع من الأخف].
ودليلي الخاطف لمن لا يصدق - وما زال متمثلاً الثقافة القديمة التي يعبر عنها الكلام اللاحق للفخر الرازي - يظهر بوضوح في التجربة البسيطة الآتية:
https://www.youtube.com/watch?v=AYz_K3mwq6A#t=290
ويمكنني تحليل هذه المسألة وإثباتها رياضياً وفيزيائياً لمن شاء.
ومثالي الثاني هو: [أن المتحرك - باستدارة أو بغير استدارة - ويحمل شيئاً يتحرك، فإن الأخير يتحرك بمجموع الحركتين]، وذلك خلافاً لثقافة العصر الماضي القائل بأن: [الحركات لا تنضاف].
ودليل ذلك أيضاً يظهر في التجربة الآتية:
<span dir="RTL">https://www.youtube.com/v/aRDOqiqBUQ...n_US&rel=0
وهذه المسألة أبسط من أن تتطلب تحليلاً وإثباتاً في السرعات العادية لوضوحها، غير أنها في السرعات العالية جداً يجب أن تعالج بالنظرية النسبية الخاصة، لأن الجمع البسيط للسرعات التي تُقارب سرعة الضوء، لا يستقيم مع الواقع التجريبي.
أما الثقافة القديمة في هاتين المسألتين، فنقرأها بوضوح في كلام الفخر الرازي في تفسيره، والذي يوافقه فيها كل أهل العصر الماضي بدون استثناء نعلمه، وذلك في عبارته الآتية:
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر .. أَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْضَ فِرَاشًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً [النَّمْلِ: 61] وقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً [الزُّخْرُفِ: 10] وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ فِرَاشًا مَشْرُوطٌ بِأُمُورٍ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: كَوْنُهَا سَاكِنَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً لَكَانَتْ حَرَكَتُهَا إِمَّا بِالِاسْتِقَامَةِ أَوْ بِالِاسْتِدَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالِاسْتِقَامَةِ لَمَا كَانَتْ فِرَاشًا لَنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مَنْ طَفَرَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِلَ إِلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَرْضَ هَاوِيَةٌ، وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ هَاوٍ، وَالْأَرْضُ أَثْقَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَالثَّقِيلَانِ إِذَا نَزَلَا كَانَ أَثْقَلُهُمَا أَسْرَعَهَمَا وَالْأَبْطَأُ لَا يَلْحَقُ الْأَسْرَعَ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِلَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْأَرْضِ فَثَبَتَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هَاوِيَةً لَمَا كَانَتْ فِرَاشًا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَرَكَتُهَا بِالِاسْتِدَارَةِ لَمْ يَكْمُلِ انْتِفَاعُنَا بِهَا، لَأَنَّ حَرَكَةَ الْأَرْضِ مَثَلًا إِذَا كَانَتْ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ أَنْ يَتَحَرَّكَ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَرَكَةَ الْأَرْضِ أَسْرَعُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى الْإِنْسَانُ عَلَى مَكَانِهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ لَا بِالِاسْتِدَارَةِ وَلَا بِالِاسْتِقَامَةِ فَهِيَ سَاكِنَةٌ
وبناءاً على الثقافة المعاصرة، التي أثبتت التجارب الفيزيائية أن لها مصداقية عالية في هذه الموضوعات، يصبح كلام الرازي هذا خطأً صريحا.
هذا عن الحالة الأولى،
أما الحالة الثانية، التي تتبدل فيها ثقافة العصر إلى الأسوأ (في فهم كلام الله تعالى)، فسوف آتي عليها لاحقاً إن شاء الله.