خضر ابراهيم
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة القرآن الكريم منهج حياة؛ نحو فهم قيمي عملي لكتاب الله تعالى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،حمداً يوفي نعمه ويكافئ مزيده، أنزل الفرقان ليكون حياة للناس بعد ممات ، وبعثا ً بعد نكوص ، وعزة ً بعد ذلة ، وقوة ً بعد ضعف ، وهداية ً بعد ضلالة ، ونورا ً بعد ظلام ، وحياة ً بعد موت ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين ، من كان خلقه القرآن ، وعاش بالقرآن وتحرك بالقرآن ،ودعا الناس للقرآن ،وسطر بالقول والعمل توجيهات القرآن ، فكان النبي القدوة والمعلم الأسوة والداعية الى الله بأمره على هدى ونور ،بلغ القرآن كما أنزل ،والتزم بالقرآن كما امر ، فصلاة ربي وسلامه عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين ، وكذا صلاة ربي وسلامه على الصحابة الغر الميامين ، من حملوا لواء هذا الدين ،تلقوا القران الكريم تلقي من يعيش به ويعمل بأحكامه ،فكانوا خير الحملة للوحي والميراث ،وخير من جاهد وبذل في سبيل نشره للعالمين بالفعل قبل القول ،قدموا انفسهم وارواحهم واموالهم في سبيل ايصاله بكل أمانة وصدق ، فكتب الله على أيديهم الخير والفتوحات ،فتحوا القلوب قبل ان يفتحوا البلاد ،نشروا القيم والأخلاق فكان القران الريم منهجا ً للحياة ، ونورا يضيئون به الكون ، والدعاء مستمر لأولئك الذين ساروا على نهجهم واتبعوا خطواتهم ، فكانوا خير خلف لخير سلف ،ممن عاشوا بالقرآن وللقرآن ، ضربوا الامثلة الرائعة على تمثلهم بالقيم والأخلاق حتى وصفوا بالأساطير، وعلى من سار على هديهم بإحسان الى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الرحمين ، ثم أما بعد :
فقد أشار علي أكثر من عالم من علماء العصر، وأكثر من أخ حبيب ممن يحسنون الظن بي (جزاهم الله خيرا ً، للنصيحة والثقة)، نظراً لتخصصي في تفسير القران وعلومه، أن اقدم للأمة جانبا من روائع القران الكريم في مجال التفسير، وقد تعددت الاقتراحات بهذا المجال لما للقران الكريم من مجالات لا عد لها ولا حصر، كيف لا وهو كلام الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه.
وقد كان الموضوع الأكثر طرحاً وحساسيةً وأهمية، بحسب الإخوة العلماء والناصحين أن أقدم لموضوع القيم في القرآن الكريم.
ولا شك، فان موضوع القيم يتصدر حاجات العصر الأكثر من ضرورية في هذا الزمان الغارق في النظريات والماديات، ذلك أن عالم الماديات طغى واستشرى وسرى، فصارت الحياة في زماننا خلية من القيم التي تجعل للحياة معنى، وتضمن للوجود بقاء، وتجعل للأخلاق قيمة.
وعلى اعتبار أن القرآن الكريم كلام الله المعجز، وأن كل ما جاء فيه مرتب بعناية إلهية فائقة تخدم الهدف العام من انزاله ونشره بين الناس، فإن موضوع القيم يتناغم وينسجم كليا ً مع هذا الهدف، وسنجد بإذن الله تعالى من خلال تتبعنا للقيم في القرآن الكريم مصداق ذلك كله.
إن منظومة القيم في القرآن الكريم تشكل منهجا ً حياتيا ً مراداً، وغاية بشرية يسعى اليه الباحث عن السعادة والاستقرار، وأنه لا ملجأ للبشرية إلا الى القرآن الكريم وقيمه السامية، وأن القناعة ستتشكل من خلال السير في هذه الدراسة -إن شاء الله- بأن العالم كله عوضا ً عن العالم الإسلامي منه سيخسر أيما خسارة إن لم يقف على منظومة القيم الإسلامية من خلال القرآن الكريم ويتخذها واقعيا ً حياتيا ً ومنهجا ًلحظيا ً في جميع مفردات وتفاصيل حياته.
إن القرآن الكريم هو دستور المسلمين الذي يُنظم حياتهم، فهو يرسم للإنسان خارطة طريق حياتية يسير عليها تسهل عليه عناء البحث والتجربة، فالقرآن الكريم يشتمل على منظومة قيمية متكاملة تجمع بين الجانبين المادي والمعنوي،وتغطي على كل احتياجات الانسان ، وتجيب على جميع تساؤلاته ، وبهذا يُحدث التوازن في حياة الانسان ،لذلك كانت القيم في القرآن الكريم محط اهتمام كثير من العلماء والباحثين وخاصة علماء التفسير وأصول الدين .
ولست معني في عملي هذا بالوقوف على أقوال العلماء الغربيين عن القيم وتعريفاتها المتعددة والمتشعبة بتشعب علوم اليوم وتفصيلاتها مع تقديري واعترافي بأهميتها في مجالها وخدمتها لعالم اليوم، الا انهم (ومن وجهة نظري) لا ينظرون اليها بنظرة القرآن الكريم الشاملة التي تربط القيم بواقع الحياة المثلى وفق أوامر الله من جهة ، وربطها بنتاجات الاخرة من جهة أخرى .
وليس في هذا تقليل من أهمية الرجوع الى أقوالهم والاطلاع عليها والإفادة منها في تشكيل جانب من جوانب الحياة ،هم يحرصون عليه ويعتقدون به باعتباره المحرك والدافع لتطلعاتهم لحياة هم يرسمونها ،خاصة أولئك الذين لا يمتون الى الإسلام بصلة ولا يعترفون بالقران الكريم كمنهج ، والذين يصدق فيهم وفي أمثالهم قول الله تعالى: ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا )
بل ان القيم وفق التصور القرآني، ووفق اقوال العلماء من السلف والخلف العدول هو الذي يرسم للامة حياة السعادة والكرامة والهناء، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
إن تناول منظومة القيم وفق المنظور القرآني يمس مباشرة جوهر الانسان من جهة، ويعالج أهمية التدافع الحضاري الحقيقي من جهة ثانية ، على اعتبارات مهمة نذكرها في سياق هذا العمل والذي من أهمها تلك المعركة الكبرى الدائرة في عالم اليوم بين عالم الماديات المنوزعة من القيم وعالم القيم المفتقر الى الماديات .
إن القيم وفق المنظور القرآني تستند استنادا كاملا ً وواضحا وتاما ً على تشكيل الفهم الدقيق والايمان العميق لكل جوانب هذا الدين ، وهذا يجعلها (أي القيم) ثمرة غاية في الأهمية من ثمرات هذا الدين العظيم.
نعم ،انها الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية والسرمدية ، ان نعيش وفق منهج القران الكريم ،مبدعين لا مبتدعين .
والحالة تلك، يأتي هذا البحث ليناقش موضوع القيم في القرآن الكريم، بخصوصية وتخصصية ، لتكون بذرة طيبة تؤتي أٌكلها بإذن ربها ، شجرة وارفة الظلال ، يستظل بها كل من يبحث عن السعادة والهناء وفق تصور القرآن الكريم للقيم التي تنظم الحياة وتديمها .
ويمكن وبكل وضوح ان نصف المجتمع الذي تسود فيه القيم وفق التصور القراني ، بأنه مجتمع رباني تسوده العناء والسعادة والكرامة لجميع افراده .
ولعلني قبل أن اشرع في كتابة التفصيلات في هذا البحث، أجد من الضرورة القصوى أن انبه الى موضوع في غاية الأهمية، وهو موضوع الانتقال بالقيم من عالم النظريات والتقليد والكلام، الى عالم التطبيق والحياة والممارسات العملية ، ذلك أن استخراج القيم وتأطيرها وعرضها بطريقة فنية فذة ،لم تعد صعبة خصوصا ً مع انتشار وانفجار عالم الالكترونيات وقدرات الحاسوب المذهلة ، والابداع والخيال لعلمي وأخيرا الذكاء الاصطناعي.
الامر يتعدى الى ذلك ويتجاوزه، لان الشكل مهما كان جميلا ً لن يكون الا عروسا من شمع ، ولن يكون له قيمة اذا بقي كذلك ، والحاصل هنا أنني أريد أن انبه الى ضرورة التعامل مع القيم بمنهجية حياة ، وكونها أوامر تصلح لإصلاح الحياة ، وترسم واقعا ً وحاضرا ً ومستقبلا ً يتطلع اليه كل من يسكنون الكوكب ، لتشكيل فهم عملي أرقى يعم العالم بطوله وعرضه ، تحقيقا ً لقول الله تعالى بعالمية هذا الدين وخيراته حين قال : ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) .
فالقرآن الكريم جاء بمنظومة قيمية متكاملة تشمل جميع نواحي الحياة الإنسانية ، لتشكل بذلك منظومة مستقلة غير ناقصة لا تحتاج الا الى مزيد فهم وحسن اخراج وابداع تطبيق .
أما الصعوبات التي واجهتني كباحث فهي الإشارات الباعثة الى الانتقال من عالم النظريات والتنظير الى عالم التطبيق والالتزام ، كون هذه القيم أوامر نفسية وحركية وتوجيهات وتوصيات ومبادئ .
وأما المنهجية التي اتبعها فقد اتبعت المنهج الاستقرائي، وذلك في استقراء الآيات القرآنية للكشف عن نسقها القيمي، وكذلك استقراء كتب التفسير للبحث عن إشارات أو دلالات تكشف عن وجود نسق قيمي في القرآن الكريم , وكذلك المنهج الاستنباطي للقيم، محاولا ُ تتبع أقوال المفسرين القدامى والمحدثين(ما أمكن) حول القيم وكيفية الوقوف عليها واستخراجها ،والإفادة منها دروسا ً وعبر واشارات توجيهية .
سأستعين بإذن الله تعالى بأقوال وأفكار علماء العصر-ما استطعت الى ذلك – ليكون لهذا البحث فائدة أكثر وبيانا ً أشمل ، وسأسجل بعضا ً من قصص العلماء المفيدة في هذا المجال .
وسأعمل بإذن الله على استقراء القيم في سور القرآن الكريم مستفيدا من علماء التفسير الأوائل بهذا الخصوص ،وصولا الى علماء عالم اليوم في التفسير وعلوم الاجتماع الاسلامي ،لاقف على تقرير القيم وتطورها وفق تطور التفسير وأدواته ومروره في العصور والمراحل المختلفة .
والعمل جار بإذن الله لوضع خطة سير الدراسة بتفصيلاتها اللازمة
أتمنى ممن يقتنع بالفكرة والمشروع ومقدرتنا على انجازه أن يقدم لنا النصح والتوجيه ، والله المستعان اولاً وآخراً
[email protected]
سلسلة القرآن الكريم منهج حياة؛ نحو فهم قيمي عملي لكتاب الله تعالى
التفسير القِيمِي
للقرآن الكريم
الدكتور خضر إبراهيم قزق
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
1444هـ /2023م
للقرآن الكريم
الدكتور خضر إبراهيم قزق
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
1444هـ /2023م
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،حمداً يوفي نعمه ويكافئ مزيده، أنزل الفرقان ليكون حياة للناس بعد ممات ، وبعثا ً بعد نكوص ، وعزة ً بعد ذلة ، وقوة ً بعد ضعف ، وهداية ً بعد ضلالة ، ونورا ً بعد ظلام ، وحياة ً بعد موت ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين ، من كان خلقه القرآن ، وعاش بالقرآن وتحرك بالقرآن ،ودعا الناس للقرآن ،وسطر بالقول والعمل توجيهات القرآن ، فكان النبي القدوة والمعلم الأسوة والداعية الى الله بأمره على هدى ونور ،بلغ القرآن كما أنزل ،والتزم بالقرآن كما امر ، فصلاة ربي وسلامه عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين ، وكذا صلاة ربي وسلامه على الصحابة الغر الميامين ، من حملوا لواء هذا الدين ،تلقوا القران الكريم تلقي من يعيش به ويعمل بأحكامه ،فكانوا خير الحملة للوحي والميراث ،وخير من جاهد وبذل في سبيل نشره للعالمين بالفعل قبل القول ،قدموا انفسهم وارواحهم واموالهم في سبيل ايصاله بكل أمانة وصدق ، فكتب الله على أيديهم الخير والفتوحات ،فتحوا القلوب قبل ان يفتحوا البلاد ،نشروا القيم والأخلاق فكان القران الريم منهجا ً للحياة ، ونورا يضيئون به الكون ، والدعاء مستمر لأولئك الذين ساروا على نهجهم واتبعوا خطواتهم ، فكانوا خير خلف لخير سلف ،ممن عاشوا بالقرآن وللقرآن ، ضربوا الامثلة الرائعة على تمثلهم بالقيم والأخلاق حتى وصفوا بالأساطير، وعلى من سار على هديهم بإحسان الى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الرحمين ، ثم أما بعد :
فقد أشار علي أكثر من عالم من علماء العصر، وأكثر من أخ حبيب ممن يحسنون الظن بي (جزاهم الله خيرا ً، للنصيحة والثقة)، نظراً لتخصصي في تفسير القران وعلومه، أن اقدم للأمة جانبا من روائع القران الكريم في مجال التفسير، وقد تعددت الاقتراحات بهذا المجال لما للقران الكريم من مجالات لا عد لها ولا حصر، كيف لا وهو كلام الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه.
وقد كان الموضوع الأكثر طرحاً وحساسيةً وأهمية، بحسب الإخوة العلماء والناصحين أن أقدم لموضوع القيم في القرآن الكريم.
ولا شك، فان موضوع القيم يتصدر حاجات العصر الأكثر من ضرورية في هذا الزمان الغارق في النظريات والماديات، ذلك أن عالم الماديات طغى واستشرى وسرى، فصارت الحياة في زماننا خلية من القيم التي تجعل للحياة معنى، وتضمن للوجود بقاء، وتجعل للأخلاق قيمة.
وعلى اعتبار أن القرآن الكريم كلام الله المعجز، وأن كل ما جاء فيه مرتب بعناية إلهية فائقة تخدم الهدف العام من انزاله ونشره بين الناس، فإن موضوع القيم يتناغم وينسجم كليا ً مع هذا الهدف، وسنجد بإذن الله تعالى من خلال تتبعنا للقيم في القرآن الكريم مصداق ذلك كله.
إن منظومة القيم في القرآن الكريم تشكل منهجا ً حياتيا ً مراداً، وغاية بشرية يسعى اليه الباحث عن السعادة والاستقرار، وأنه لا ملجأ للبشرية إلا الى القرآن الكريم وقيمه السامية، وأن القناعة ستتشكل من خلال السير في هذه الدراسة -إن شاء الله- بأن العالم كله عوضا ً عن العالم الإسلامي منه سيخسر أيما خسارة إن لم يقف على منظومة القيم الإسلامية من خلال القرآن الكريم ويتخذها واقعيا ً حياتيا ً ومنهجا ًلحظيا ً في جميع مفردات وتفاصيل حياته.
إن القرآن الكريم هو دستور المسلمين الذي يُنظم حياتهم، فهو يرسم للإنسان خارطة طريق حياتية يسير عليها تسهل عليه عناء البحث والتجربة، فالقرآن الكريم يشتمل على منظومة قيمية متكاملة تجمع بين الجانبين المادي والمعنوي،وتغطي على كل احتياجات الانسان ، وتجيب على جميع تساؤلاته ، وبهذا يُحدث التوازن في حياة الانسان ،لذلك كانت القيم في القرآن الكريم محط اهتمام كثير من العلماء والباحثين وخاصة علماء التفسير وأصول الدين .
ولست معني في عملي هذا بالوقوف على أقوال العلماء الغربيين عن القيم وتعريفاتها المتعددة والمتشعبة بتشعب علوم اليوم وتفصيلاتها مع تقديري واعترافي بأهميتها في مجالها وخدمتها لعالم اليوم، الا انهم (ومن وجهة نظري) لا ينظرون اليها بنظرة القرآن الكريم الشاملة التي تربط القيم بواقع الحياة المثلى وفق أوامر الله من جهة ، وربطها بنتاجات الاخرة من جهة أخرى .
وليس في هذا تقليل من أهمية الرجوع الى أقوالهم والاطلاع عليها والإفادة منها في تشكيل جانب من جوانب الحياة ،هم يحرصون عليه ويعتقدون به باعتباره المحرك والدافع لتطلعاتهم لحياة هم يرسمونها ،خاصة أولئك الذين لا يمتون الى الإسلام بصلة ولا يعترفون بالقران الكريم كمنهج ، والذين يصدق فيهم وفي أمثالهم قول الله تعالى: ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا )
بل ان القيم وفق التصور القرآني، ووفق اقوال العلماء من السلف والخلف العدول هو الذي يرسم للامة حياة السعادة والكرامة والهناء، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
إن تناول منظومة القيم وفق المنظور القرآني يمس مباشرة جوهر الانسان من جهة، ويعالج أهمية التدافع الحضاري الحقيقي من جهة ثانية ، على اعتبارات مهمة نذكرها في سياق هذا العمل والذي من أهمها تلك المعركة الكبرى الدائرة في عالم اليوم بين عالم الماديات المنوزعة من القيم وعالم القيم المفتقر الى الماديات .
إن القيم وفق المنظور القرآني تستند استنادا كاملا ً وواضحا وتاما ً على تشكيل الفهم الدقيق والايمان العميق لكل جوانب هذا الدين ، وهذا يجعلها (أي القيم) ثمرة غاية في الأهمية من ثمرات هذا الدين العظيم.
نعم ،انها الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية والسرمدية ، ان نعيش وفق منهج القران الكريم ،مبدعين لا مبتدعين .
والحالة تلك، يأتي هذا البحث ليناقش موضوع القيم في القرآن الكريم، بخصوصية وتخصصية ، لتكون بذرة طيبة تؤتي أٌكلها بإذن ربها ، شجرة وارفة الظلال ، يستظل بها كل من يبحث عن السعادة والهناء وفق تصور القرآن الكريم للقيم التي تنظم الحياة وتديمها .
ويمكن وبكل وضوح ان نصف المجتمع الذي تسود فيه القيم وفق التصور القراني ، بأنه مجتمع رباني تسوده العناء والسعادة والكرامة لجميع افراده .
ولعلني قبل أن اشرع في كتابة التفصيلات في هذا البحث، أجد من الضرورة القصوى أن انبه الى موضوع في غاية الأهمية، وهو موضوع الانتقال بالقيم من عالم النظريات والتقليد والكلام، الى عالم التطبيق والحياة والممارسات العملية ، ذلك أن استخراج القيم وتأطيرها وعرضها بطريقة فنية فذة ،لم تعد صعبة خصوصا ً مع انتشار وانفجار عالم الالكترونيات وقدرات الحاسوب المذهلة ، والابداع والخيال لعلمي وأخيرا الذكاء الاصطناعي.
الامر يتعدى الى ذلك ويتجاوزه، لان الشكل مهما كان جميلا ً لن يكون الا عروسا من شمع ، ولن يكون له قيمة اذا بقي كذلك ، والحاصل هنا أنني أريد أن انبه الى ضرورة التعامل مع القيم بمنهجية حياة ، وكونها أوامر تصلح لإصلاح الحياة ، وترسم واقعا ً وحاضرا ً ومستقبلا ً يتطلع اليه كل من يسكنون الكوكب ، لتشكيل فهم عملي أرقى يعم العالم بطوله وعرضه ، تحقيقا ً لقول الله تعالى بعالمية هذا الدين وخيراته حين قال : ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) .
فالقرآن الكريم جاء بمنظومة قيمية متكاملة تشمل جميع نواحي الحياة الإنسانية ، لتشكل بذلك منظومة مستقلة غير ناقصة لا تحتاج الا الى مزيد فهم وحسن اخراج وابداع تطبيق .
أما الصعوبات التي واجهتني كباحث فهي الإشارات الباعثة الى الانتقال من عالم النظريات والتنظير الى عالم التطبيق والالتزام ، كون هذه القيم أوامر نفسية وحركية وتوجيهات وتوصيات ومبادئ .
وأما المنهجية التي اتبعها فقد اتبعت المنهج الاستقرائي، وذلك في استقراء الآيات القرآنية للكشف عن نسقها القيمي، وكذلك استقراء كتب التفسير للبحث عن إشارات أو دلالات تكشف عن وجود نسق قيمي في القرآن الكريم , وكذلك المنهج الاستنباطي للقيم، محاولا ُ تتبع أقوال المفسرين القدامى والمحدثين(ما أمكن) حول القيم وكيفية الوقوف عليها واستخراجها ،والإفادة منها دروسا ً وعبر واشارات توجيهية .
سأستعين بإذن الله تعالى بأقوال وأفكار علماء العصر-ما استطعت الى ذلك – ليكون لهذا البحث فائدة أكثر وبيانا ً أشمل ، وسأسجل بعضا ً من قصص العلماء المفيدة في هذا المجال .
وسأعمل بإذن الله على استقراء القيم في سور القرآن الكريم مستفيدا من علماء التفسير الأوائل بهذا الخصوص ،وصولا الى علماء عالم اليوم في التفسير وعلوم الاجتماع الاسلامي ،لاقف على تقرير القيم وتطورها وفق تطور التفسير وأدواته ومروره في العصور والمراحل المختلفة .
والعمل جار بإذن الله لوضع خطة سير الدراسة بتفصيلاتها اللازمة
أتمنى ممن يقتنع بالفكرة والمشروع ومقدرتنا على انجازه أن يقدم لنا النصح والتوجيه ، والله المستعان اولاً وآخراً
[email protected]
التعديل الأخير بواسطة المشرف: