التفسير "العلمي الطبيعي" عند أ.د. الشاهد البوشيخي

إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
1,302
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
أنتويرب
المثال الذي إقتطعته من محاضرة في "مقدمات لفهم القرآن" ليس "تفسيرا علميا طبيعيا" على الحقيقة لكنه مثال يعكس رؤية رجل يفقه الواقع ووقف على حقيقة الفتن الفكرانيّة والمفهوميّة فيه فكان إنتاجه، كله تقريبا، مواجهة لهذه الفتن وتحريضا على مواجهتها. المحاضرة مقدمات لفهم القرآن إذ لا سبيل إلى الإستفادة من القرآن إلا بعد فهمه، وفهم القرآن واجب على كل مسلم. الحفظ والترتيل بلا فهم لا يكفي والفهم دون العمل لا يكفي أيضا، فما السبيل؟ تكلم الدكتور الشيخ البوشيخي عن ثلاث مقدمات لفهم القرآن وهي: 1) اللسان العربي، 2) الإيمان و3) مراعاة الخصوصيات إذ عليها المدار في الفهم و يمكن تصنيفها في ثلاث: خصوصية المعجم وخصوصية البناء وخصوصية النسق.

".. القرآن كلام الله وهذا الكلام له ظرف فيه نزل. إذن: لابد من مراعاة مكونات كل هذا الظرف ومكونات كل هذا المقال في تلقي القرآن نفسه، وأول ذلك : المخاطب وهو الله. الكلام كلام الله ولابد من الإنطلاق من هذه الحقيقية، أما تحليل المقال بمعزل عن المقام فباطل، فيجب أن يوضع في الحساب أولا أن هذا الذي يخاطب هو الله جل جلاله. ثانيا: لابد أن يراعى المخاطَب: المخاطب المتقدم والمخاطب المتأخر. المخاطَب المتقدم هو الذي أثّر في بنية الخطاب لأن الإتجاه الأول كان إليه فخوطب بما يفهم، بالألفاظ التي يفهم، وببعض الأمور التي توجد في بيئته، ولذلك نجد في المقال حديث عن الجمل، عن عدد من الحياونات الأخرى، وعن العديد من مظاهر الطبيعة، وعن العادات و الأمراض الإجتماعية التي كانت موجودة ومعروفة إذ ذاك في الجزيرة العربية، و لكن لا يقف القرآن عند هذا الحدّ بل يراعي المخاطَب القادم و لذلك يصوغ الكلام صياغة تنطلق مما يفهمه المخاطب الحالي إلى ما يجد فيه المخاطب اللاحق بعد أمورا قد لا يجدها المخاطب الحالي أو لا يلتفت إلى المراد منها، كل المراد، الذي له صلة بالأعصر وما يجدّ في هذه الأعصر، فكثير من التعابير القرآنية تذاق اليوم ذوقا خاصا بسبب عدد من الكشوف العلمية التي لم تكن قبل و لكن المخاطب إذ ذاك كان يفهم منها ما يكفيه في بيئته. يَقُولُ الله تَعَالَى : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} - الآية. هذا الإصّعّاد: ما مظهره إذ ذاك في الجزيرة العربية؟ الإصّعّادُ غير الصعود، والصعود نفسه: ما صورته التي تؤدي إلى حالة من الضيق يجده هذا المصّعّد؟ اليوم سهل علينا أن نفهم هذا التشبيه وأن نفهم هذه الصورة وقد يأتي زمان يفهمون أكثر مما نفهم، فالقرآن في صياغته لم يراعي المخاطب الأول فقط بل يراعي جميع المخاطبين حتى قيام الساعة، إلا أن المخاطب الأول كان له حظ الأسد في الألفاظ وفي المواد التي بُني بها الخطاب ..". (بتصرف).

تعليق: ينبغي أن يفهم هذا الكلام في إطار ما أسميته بالفتنة الفكرانيّة والمفهوميّة ولا يؤخذ على مراد (بعض) المهتمين بـ "الإعجاز العلمي" ! لا. فهم السلف صحيح وما زال يصح، وكل ما في الأمر هو حدوث بُعد معرفي جديد نتيجة كشوفات علمية محدَثة وهو بعد يضاف إلى الأبعاد الأخرى الصحيحة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله تعالى خيرا...أخي الكريم كلامكم حول (الفتن الفكرانية والمفهومية) بحاجة الى مراجعة لغوية واخرى تفسيرية لتوضيح
المراد منها وجزيتم خيرا
البهيجي
 
مرحبا بك أخي الكريم البهيجي، بارك الله بك.
وبدون أسلوب التفخيم والتعظيم في المخاطبة أخي العزيز فلا أفضلية لنا على من سبقونا بالإيمان وما هذه المستحدثات إلا من مخلّفات حقبة الإحتلال دخيلة على اللغة العربية وثقافتها التي لا تميّز بين فلاح أعرابي وحكيم عربي. (ابتسامة).

الفتنة الفكرانيّة هي مجموعة من الفتن التي خرجت إلى الساحة الثقافية والإعلامية من خلفيات مذهبية عصرانية وإيديولوجية. مثال في سياق هذا الموضوع: الأرخنة التي - والكلام للدكتور طه عبدالرحمن - تستهدف أساسا رفع عائق الحكمية، ويتمثل هذا العائق في إعتقاد أن القرآن جاء بأحكام ثابتة وأزلية، والآلية التنسيقية التي تتوسل بها خطة الأرخنة في إزالة هذا العائق هي وصل الآيات بظروف بيئتها وزمنها وبسياقاتها المختلفة بواسطة عمليات منهجية مختلفة. إنتهى كلام د. طه عبدالرحمان.
وما تؤدي إليه هذه الفتنة الإيديولوجية واضح: القرآن خاطب العرب في بيئتهم بما يعهدونه والآن أصبح مستغلق على الفهم ولم يبقى إلا جانب الروحانيات والتبرّك وما شابه.
هناك أمثلة كثيرة لكن هنا أريد أن أرتبط بسياق الموضوع.

أما الفتنة المفهومية فهي إسقاط مفاهيم من مجال تداولي معين على مفاهيم من مجال تداولي آخر لتمرير البدع أو الأفكار الباطلة أو التصورات التي لا تناسب مقام معين سياسي أو غير سياسي إلى آخره. مثال على ذلك: محاولة إسقاط "العلمانية" على حديث نبوي شريف كـ "أنتم أعلم بأمور دنياكم" أو إسقاط "الدراسات الإسلامية" على "العلوم الشرعية" لتمرير فكرة الثقافة إسلامية. وإسقاط "رجال الدين" على "العلماء" وإختزال العبادة في الشعائر، وإختزال الإيمان في التسليم، إلى غير ذلك من الفتن.

هذا ما أقصده وأفهمه. جزاك الله خيرا.
 
تفسير الآيات الكونية: "الإستمرارية" أو "التاريخانية"

تفسير الآيات الكونية: "الإستمرارية" أو "التاريخانية"

جاء في تفسير محمد عزت دروزة للآية { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير }:
ولقد قال واحد من الذين يحبون أن يستدلوا بالآيات على ما في الكون من أسرار وعوالم مغيبة: إن في هذه الآية دليلا على أن الكواكب مأهولة بالأحياء، وأن القرآن بذلك يتطابق مع ما صار معلوما عند العلماء في هذه الأيام. والآية لا تثبت ذلك ولا تنفيه، وهذا أمر ما يزال قيد الظن والتخمين وقد يثبت وقد لا يثبت. والآية لم تنزل بسبيل ذلك، وإنما كانت تتلى على أناس يرون ما في الأرض والسماء من مختلف الأحياء الدابة على الأرض والطائرة في السماء لتنبههم إلى في ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله وعظمته وكونه هو الأحق بالعبادة والاتجاه وحده. ولقد نبهنا على هذا في مناسبات سابقة مماثلة، وقلنا: إن في محاولة استنباط المعارف والأسرار والمغيبات الكونية من الآيات تكلفا لا طائل من ورائه وإخراجا للقرآن عن قدسيته وهدفه وتعريضا له للجدل والتكذيب بدون وجه مبرر. وأن الواجب على المسلمين أن يقفوا من هذه الآية وأمثالها عند ما يقف عنده القرآن دون تزيد ولا تكلف مع ملاحظة الهدف الذي ترمي إليه والذي تخاطب في صدده السامعين خطابا بما يشاهدونه ويحسونه ويمارسونه.
كلام سليم ربما نحن جميعا نتفق معه، لكن المفسرين سلفا وخلفا، متقدمين ومتأخرين، في العصر القديم والحديث والمعاصر، قد وقفوا عند هذه الآية بالتفسير والتأويل ولأسباب مختلفة: فهذا يبحث عن معاني الدابة ليوفق بين معنى من تلك المعاني و إطلاق الدابة على الإنس والملائكة، أو ليوفق بين الدبيب والطيران والمشي والسباحة وغير ذلك ..الخ. في حين أن الآخر يؤول ويبحث عن أدلة لتأويلاته لأن ظاهر الآية يحيل إلى ما يتجاوز العين المجرّدة أي ما يقع خارج المشاهدة المباشرة، وهلم جرا. عندما ننظر في هذه التفاسير يتجلى لنا وبكل وضوح أن كثيرا من المفسرين لم يربطوا الآية بالمشاهدة والحس والممارسة فقط، بل تجاوزا ذلك واعتبروا النقل (لغة وقرآن وسنة) مصادر إلى جانب "العالم".

والمهم أننا نتفق مع الأستاذ في الرد على تجاوزات بعض المفسرين الذين فتحوا المجال للفرضيات رغم أنهم قد أدرجوا كلامهم تجويزا فقط لا تأكيدا لفرضية من الفرضيات، ولذلك ترى أنهم يؤكدون أن لا النفي ولا الإثبات في تلك المسائل من المعلوم في الدين بالضرورة. أما أهل الرموز والألغاز الذين يخرجون الألفاظ من معانيها الدارجة والبائنة الظاهرة إلى الباطنيات، فمقالة أخرى. والكلام الذي يستحق الوقوف عنده لبرهة هو قوله: (الواجب على المسلمين أن يقفوا من هذه الآية وأمثالها عند ما يقف عنده القرآن دون تزيد ولا تكلف مع ملاحظة الهدف الذي ترمي إليه والذي تخاطب في صدده السامعين خطابا بما يشاهدونه ويحسونه ويمارسونه) لأنه كلام قد يفهم منه الوقوف عند المشاهدة والحس والممارسة زمن نزول القرآن، وعندها لن يكون التأويل إلا بما عرفه العرب آنذاك من الدواب، وهذا وجه صريح من أوجه التاريخانية. بينما الإستمرارية تفرض علينا اليوم تعاملا مختلفا مع الآية دون القدح في فهم السابقين لنحقق المعاصرة دون القطيعة مع الأصالة، وهذا منطق تطور المعرفة إذ خيطه متصل لا منفصل. إذا ناقش المتقدمون وصف الطيور والخلائق التي عرفوها بالدبيب، فإن مهمة المفسر المعاصر ترتيب الكائنات التي إكتشفها الإنسان بآلات التكبير والتقريب، وفي هذا إغناء للغة وتوسيع لمجال الآفاق التي يتفكر فيها الإنسان للوقوف على مظاهر قدرة الله وحكمته ورحمته وعظمته.

وللإستمرارية شروط إذ يشترط لها نفس ما يشترط لصحة التأويل بمعناه الخلفي، أي عند المتأخرين، مثل تحمل اللفظ للمعنى في اللغة وفي الشرع و الإستدلال والترجيح. كما يشترط للإستمرارية ما يشترط لتقديم الخطاب على العموم، إضافة إلى شروط التفسير عامة وشروط التفسير بالرأي خاصة. ودون تجاوز حدود الحقل المعرفي الذي يستقي منه المفسر البيانات التي يفسر بها (في هذا السياق علم الأحياء هو الحقل المعرفي).
 
مراد أستاذي الشاهد البوشيخي حسب سماعاتي منه هو أن ألفاظ ومصطلحات القرآن الكريم يمكن أن يُفهم منها قي كل عصر ومصر ما لم يُفهم منها في مصر وعصر سابق.
 
مراد أستاذي الشاهد البوشيخي حسب سماعاتي منه هو أن ألفاظ ومصطلحات القرآن الكريم يمكن أن يُفهم منها قي كل عصر ومصر ما لم يُفهم منها في مصر وعصر سابق.
ودون أن يتعارض الفهم المتأخر مع الفهم المتقدم بل إن دائرة الأفهام تتوسع، ورد الفهم المتقدم بالمتأخر خطأ يقع فيه البعض.
 
عودة
أعلى