التفسير التحليلي وخدمته لمطلبك أخي الكريم
التفسير التحليلي وخدمته لمطلبك أخي الكريم
لا شك أن التفسير التحليلي الذي يعني وضع النص القرآني في صورته التأملية يهتم غاية الاهتمام بمطلوبك أخي الكريم .
ومن أبرز العلماء الذين أثروا المكتبة القرآنية بتأملاتهم ، بل بالأسبقية الزمنية لهذا الصنف من التحليل الإمام الزمخشري والفخر وابن عطية وأبو حيان وأبو السعودوالشهاب وزادة والجمل والآلوسي وغيرهم الكثير والكثير .
هذا وقد صنف في هذا النوع من التفسير العدد الكثير من العلماء المعاصرين
ودونك مثالا لهذا التأمل :
قال تعالى في سورة يوسف ـ عليه السلام ـ :
]ألـر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَوَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ (3) [ {يوسف}
تأملات .
* إن قلنا : إلى أي شيء يشير اسم الإشارة " تلك " في قوله I] تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ [ ؟
الجواب : يشير إلى الكتاب كله ، أو إلى سورة يوسف فحسب .
* وإن قلنا : الإشارة ترجع إلى آيات هذه السورة سألنا : كيف يكون ذلك مع أنها لم تذكر بعد ؟
الجواب : لتنزيلها ـ لكونها مُتَرَقَّبة ـ منزلة المتقدم .
أو لجعل حضورها في الذهن بمنزلة الوجود الخارجي .
* تِلْكَ : إشارة للبعيد ، فما مفهوم البعد هنا ؟
الجواب : لما كان ما أشير إليه ـ القرآن ـ غير محسوس نُزِّل منزلة البعيد ؛ لبعده
عن حيز الإشارة ، أو للعظمة وبُعد المرتبة .
* ما الحكمة في وصف القرآن الكريم بقوله ] مُبينِ [ ومن بَعْدُ بالعربية ]قُرْآناً
عَرَبِياًّ [ ؟
الجواب : أن قوله ] مُبِينِ [ يظهر الشرف الذاتي للقرآن ، وقوله ]عَرَبِياًّ [
يظهر الشرف الإضافي كأنه شرف على شرف .
* هل من حكمة نلتمسها في ضمائر العظمة في ( إنا ، أنزلناه ، نحن ، نقص ،
بما أوحينا ) ؟
الجواب : إن ضمائر العظمة هذه تحكي تعظيماً أبدياً أزلياً لا ينفك عن ذات اللهU،
وبالتالي ينسحب على كلامه I القديم : القرآن الكريم ، وبالتبعية هو تشريف للنبي r ولأمته .
* هل في نسبة كلام الله U إلى العرب من تشريف يحفظ لهذه الأمة وللغتها ؟
الجواب : يقول العلامة الآلوسي : ( هذه الآية تدل على أن اللسان العربي أفصح
الألسنة وأوسعها وأقومها وأعدلها ؛ لأن من المقرر أن القول ـ وإن خَصَّ بخطابه قوماً ـ يكون عاماً لمن سواهم ، وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أبي يوسف ـ عليه الرحمة ـ كراهة التكلم بغيرها لمَنْ يحسنها من غير حاجة ، ومن خصائصها أنه لا يجوز كتابة القرآن وقراءته بغيرها، ومَنْ تعمد كتابة القرآن أو قراءته بالفارسية فهو مجنون أو زنديق ، والمجنون يُداوى ، والزنديق يُقتل . ) (
[1])
وقد أوصى نبينا r بحب العرب والعربية ، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما:- ( أحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي.)(
[2])
* القرآن الكريم وُصف بالعربية ، هل هذا ينفي وجود المعرب فيه ؟
الجواب : أن المعرب بمجرد أن نطق القرآن به كـ " سجيل ، مشكاة ، إستبرق "
أدخله في لسان العرب ، وأصبح عربياً خالصاً ، وبذا يظل الوصف صادقاً على القرآن الكريم ، لا ينخرم أبداً .
يقول صاحب البرهان : ( وفي علم أصول النحو قرر العلماء قاعدة مفادها بأنه إذا دخلت كلمة أو أكثر إلى لغة قوم وتداولوها وصارت شائعة بينهم ومستعملة ، فإنها تصبح من صميم لغتهم ، ولا ضير في ذلك ، فأمم الأرض يتأثر بعضها ببعض ، ويكتسب بعضها من بعض ، وهذه ظاهرة عالمية ، بل في جميع لغات الدنيا . ) (
[3])
* ومعنى لعل هنا : لام التعليل ، أي : لكي تعلموا معانيه وتفهموا ما فيه فلعل ترج فيه معنى التعليل . (
[4])
* والحكمة من تذييل الآية الكريمة بقوله I] لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ بيان أن نزول القرآن بالعربية الغاية منه فهم معانيه ، والإحاطة ببدائعه ؛ وليتسنى استعمال العقول فيه فيجزم العقل بأنه معجز ، وأن مصدره هو القاهر فوق عباده .
**************
([1]) انظر الآلوسي 12 /173 .
([2]) رواه الطبراني والحاكم والبيهقي ، وفي سنده ضعيف جداً . ويقول المحدث العجلوني : " وقد وردت أخبار كثيرة في حب العرب يصير الحديث بمجموعها حسناً . " أنظر : كشف الخفاء 1/6.
([3]) انظر : البرهان 1/287 ، والإتقان 2/105 ـ 120 ، وإعراب القرآن لمحمد صافي
6/377 .
([4]) القرطبي 9/119 .، والبقاعي 4/5 .
هذا قليل مما تفضل الأخ الكريم بطلبه وما تيسر تحريره مع ضيق الوقت والموضوع جيد وممتد والله ولي التوفيق