التفسير الإشاري : قياس المفسرين.

إنضم
26 أبريل 2003
المشاركات
112
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم1

التفسير الإشاري
قياس المفسرين​
سأبني هذه المقالة على نص لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوي 2/27-28، قال رحمه الله:
"فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة، كالمناسبة التي بين الرؤيا والتعبير وان كانت خارجة عن وجوه دلالة اللفظ كما تفعله القرامطة والباطنية إذ دلالة اللفظ على المعنى سمعية فلابد أن يكون اللفظ مستعملا في ذلك المعنى بحيث قد دل على المعنى به لا يكتفي في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى إذ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله -وهذا عند من يعتبر المناسبة بين اللفظ والمعنى كقول طائفة من أهل الكلام والبيان وأما عند من لا يعتبر المناسبة فكل لفظ يصلح وضعه لكل معنى-.
لا سيما إذا علم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك لمجرد المناسبة كذب على الله.
ثم إن كان مخالفا لما علم من الشريعة فهو دأب القرامطة وان لم يكن مخالفا فهو حال كثير من جهال الوعاظ والمتصوفة الذين يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها نصا ولا قياسا.
وأما أرباب الاشارات الذين يثبتون ما دل اللفظ عليه ويجعلون المعنى المشار اليه مفهوما من جهة القياس والاعتبار فحالهم كحال الفقهاء العالمين بالقياس والاعتبار وهذا حق إذا كان قياسا صحيحا لا فاسدا واعتبارا مستقيما لا منحرفا" اهـ
في هذا الكلام المتين لشيخ الإسلام رحمه الله قضايا مهمة تتعلق بالتفسير الإشاري وغيره، أردت مباحثتها مع مشايخنا وإخوتنا في هذا الملتقى المبارك:
القضية الأولى:
تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية أن دلالة الألفاظ على المعاني: دلالة سمعية، يعني أن الرجوع في قبول معنى اللفظ ورده يعود إلى ثبوت نقلها عن العرب واستعمالهم لها بإزاء معناها، سواء قلنا بأن العرب تعتبر وجود مناسبة بين اللفظ والمعنى أو لا.
ويقصد بعدم اعتبار المناسبة أن يطلق اللفظ على معنى لا علاقة له به من جهة الاشتقاق.
وعلى كلا القولين(اعتبار المناسبة وعدمه) فالشرط عنده أن يكون اللفظ مستعملا عند العرب في مقابل المعنى، وبدون هذا الشرط لا يمكن قبول التفسير للقرآن،
فليس مجرد كون اللفظ يصلح للمعنى كافيا لقبوله في التفسير، ويعلل ذلك بأن الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله
فلفظ (جبل) يمكن (الإمكان العقلي) إطلاقه على أشياء كثيرة ويصلح لذلك لو أن العرب استعملته فيه، فلو وصفت به الناقة أو السحاب لم يكن هناك مانع من قبوله
ولكن لما كان الشرط أن العرب قد استعملته فيه، فهذا يرد كل معنى مخالف لذلك
وبهذا نصل إلى الاستدلال العقلي الصحيح لرد كل قول يناقض تفسير السلف( حسب قليل علمي) فشرط صحة قبول المعنى في القرآن والسنة أيضا، أن تكون بإزاء لفظة استعملتها العرب وقت التنزيل لذلك المعنى
ولا أحد أعلم بالمعنى الذي كان بإزاء تلك اللفظة من الصحابة رضي الله عنهم، فليس تفسيرهم مجرد اجتهاد في إصابة المعنى، بل هو نقل للعربية المستعملة في ذلك الوقت،
فتفسيرهم، اجتهاد وتخير من وجه، ونقل من وجه آخر، وهم في النقل ثقات عدول يجب قبول نقلهم عقلا وشرعا
القضية الثانية:
سبر الشيخ وتقسيمه لحمل الألفاظ على المعاني في القرآن:على هذا النحو:
أولا :طائفة تحمل اللفظ على المعنى لمجرد المناسبة (مع عدم الاستعمال وثبوت النقل) وهي تنقسم إلى قسمين حسب المعنى الذي أنتجه:
1- أن يكون هذا المعنى مخالفا للشريعة (وتعرف المخالفة من وجوه أخرى) فهذه طريقة القرامطة.
2- أن يكون المعنى في نفسه صحيحا (لكن اللفظ الذي أشاروا أنه يدل على المعنى ليس كذلك) فهذا حال جهال الوعاظ والمتصوفة الذي يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها.
ثانيا: طائفة تثبت ما دل عليه اللفظ المستعمل المنقول، (وليس مجرد المناسبة) وهؤلاء على قسمين:
1- من يثبتون من المعاني ما دل عليه اللفظ نصا (إما بالمطابقة أو التضمن أو الإلزام) وهذا حال أكثر المفسرين، فهم يضعون المعنى بإزاء اللفظ الصحيح المقابل له الثابت نقله في العربية.
2- من يثبتون ما دل عليه اللفظ نصا،(كالقسم السابق) ولكنهم يذكرون معان أخرى مسنبطة من المعنى الصحيح (لم يدل عليها اللفظ نصا) وهؤلاء هم أهل الإشارات وهم على ضربين:
1- الضرب الأول: من يستعملون القياس الصحيح والاعتبار المستقيم في استنباط تلك المعاني، فهؤلاء على حق.
2- الضرب الثاني: من لا يستعملون قياسا صحيحا ولا اعتبارا مستقيما فهذا باطل.
وبهذا يتبين أن الإشارة فرع عن المعنى الصحيح، إذ علاقتها به، كعلاقة الفرع بالأصل في المسألة الفقهية،

ويشبه عمل الإشاريين عمل الفقهاء في القياس من جهة تحقيق المناط وهو التدبر والتأمل في الآية للبحث والنظر في العلة للأحكام المذكورة فيها إن كانت من الأوامر، أو المعنى العام والسبب إن كانت من الأخبار،
وكذلك تنقيح المناط، وهو التعمق في معنى الآية لتصفية العلة وتحديد ما هو سبب لما وقع من الخبر أو الأمر ، تمهيدا للقياس عليه واستنباط إشارة جديدة منه
وتخريج المناط، وهو فحص ما يراد نقل المعنى والحكم والاعتبار إليه ، والتأكد من وجود الجامع مع الأصل فيه ،مما لم يأت به من المعنى في لفظ الآية مطابقة ولا تضمنا ولا إلزاما.
والقياس هنا أيضا منه ما هو قياس قطعي وما هو ظني , من الأخير ما هو قياس علة ودلالة وقياس شبه ونحو ذلك من التقاسيم التي تثري علم الإشارة.
وكله داخل في الظن ولا يقطع قائله بأنه مراد الله، بل كغالب الأحكام الفقهية الاعتبار فيها بغالب الظن.
ويمكن أن يحرر هذا المنهج وتضاف له الدراسات بناء على هذا المدخل العظيم الذي هو من فتوحات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
والله الموفق.
 
بارك الله فيكم يا أبا محمد ، وهذا نقلٌ رائع من كلام هذا الإمام المتمكن رحمه الله وكتب له أجزل الأجر والثواب .
واشتراط المفسرين في أصول التفسير شرط اللغة في المفسر وفي التفسير معاً يتضمن كل هذا الذي قاله شيخ الإسلام تماماً ، واللغويون قبل المفسرين قد سبقوا إلى اشتراط كل هذا باشتراطهم السماع لإثبات اللغة ، وفي مبحث علم الدلالة عن أهل اللغة تفصيل لكل هذا الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله . فالعبرة في اللغة بالسماع ، وثمرته هو وضع اللفظ بإزاء المعنى ، ثم يبقى الخلاف في لمح المناسبة بين الاسم والدلالة بين علماء فقه اللغة كما تفضلتم .
والمبحث دقيق ، وقد ناقشه الباحثون في التفسير الإشاري وما الذي يقبل منه والذي يرد ولابن القيم كلام في ذلك، وللحديث بقية إن شاء الله ، وجزاكم الله خيراً على إثارته وتفصيله ، وهو مادة مناسبة للحوار العلمي النافع لنا جميعاً إن شاء الله .
 
جزاكم الله خيرا شيخنا لمروركم الكريم، وتعليقكم النافع، وتذكيركم بسبق اللغويين والمفسرين لهذا المعنى، وإنما ذكرته كالتمهيد لما بعده، من الكلام حول مدخل العلم الإشاري بالقياس، ولن أعفي فضيلتكم من العودة والتعليق عليه متى ما وجدتم وقتا، بارك الله فيكم
 
مبحث جميل ، رتب على كلام متين لخبير رحمه الله ؛ وكنت أسمع من شيخنا الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم القيعي - رحمه الله - أن ما يسمى بالتفسير الإشاري ليس بتفسير ، إنما هو مواجيد .. يقصد - رحمه الله : أشياء يجدونها في صدورهم فيحملون ألفاظ القرآن عليها .. لذا لم يعده من التفسير .. ومعلوم أن هذه التسمية لم تكن معروفة عن السلف رحمهم الله ، وإنما ظهرت مع ظهور كلام المتصوفة في التفسير ... فما رأي الأخوة الكرام في هذا الكلام .. وهل يعد ما سمي بـ ( التفسير الإشاري ) نوعًا من التفاسير ؟
 
جزاكم الله خيراً دكتور عبد الله على هذا المقال، وقد ذكرت ذلك أيضاً في بحثي منهج الاستنباط من القرآن الكريم باختصار وأن التفسير الإشاري هو القياس عند الأصوليين ..
وفقكم الله وسددكم​
 
وتكلم عنه شيخ اﻹسلام رحمه الله في حديثه عن علم الباطن ج 13/ص240 وكذلك الشاطبي في الموافقات في قسم الكتاب وشرحه د.مساعد الطيار حفظه الله وبين ذلك.
قال شيخ اﻹسلام رحمه الله:
وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان: " أحدهما " أن يكون المعنى المذكور باطﻼ؛ لكونه مخالفا لما علم فهذا هو في نفسه باطل فﻼ يكون الدليل عليه إﻻ باطﻼ؛ ﻷن الباطل ﻻ يكون عليه دليل يقتضي أنه حق. و " الثاني " ما كان في نفسه حقا لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث بألفاظ لم يرد بها ذلك فهذا الذي يسمونه " إشارات " و " حقائق التفسير " ﻷبي عبد الرحمن فيه من هذا الباب شيء كثير. وأما " النوع الثاني " فهو الذي يشتبه كثيرا على بعض الناس فإن المعنى يكون صحيحا لدﻻلة الكتاب والسنة عليه ولكن الشأن في كون اللفظ الذي يذكرونه دل عليه وهذان قسمان:
" أحدهما " أن يقال: إن ذلك المعنى مراد باللفظ فهذا افتراء على الله فمن قال المراد بقوله: {تذبحوا بقرة} هي النفس وبقوله {اذهب إلى فرعون} هو القلب {والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر {رحماء بينهم} عثمان {تراهم ركعا سجدا} علي: فقد كذب على الله إما متعمدا وإما مخطئا
. و " القسم الثاني " أن يجعل ذلك من باب اﻻعتبار والقياس ﻻ من باب دﻻلة اللفظ فهذا من نوع القياس فالذي تسميه الفقهاء قياسا هو الذي تسميه الصوفية إشارة وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل كانقسام القياس إلى ذلك فمن سمع قول الله تعالى: {ﻻ يمسه إﻻ المطهرون} وقال: إنه اللوح المحفوظ أو المصحف فقال: كما أن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه حروف القرآن ﻻ يمسه إﻻ بدن طاهر فمعاني القرآن ﻻ يذوقها إﻻ القلوب الطاهرة وهي قلوب المتقين كان هذا معنى صحيحا واعتبارا صحيحا ولهذا يروى هذا عن طائفة من السلف؛ قال تعالى: {الم} {ذلك الكتاب ﻻ ريب فيه هدى للمتقين} وقال: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السﻼم} وأمثال ذلك...
. وكذلك من قال: " ﻻ تدخل المﻼئكة بيتا فيه كلب وﻻ جنب " فاعتبر بذلك أن القلب ﻻ يدخله حقائق اﻹيمان إذا كان فيه ما ينجسه من الكبر والحسد فقد أصاب قال تعالى: {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} وقال تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في اﻷرض بغير الحق وإن يروا كل آية ﻻ يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد ﻻ يتخذوه سبيﻼ وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيﻼ} وأمثال ذلك
....
و " كتاب حقائق التفسير " ﻷبي عبد الرحمن السلمي يتضمن ثﻼثة أنواع: " أحدها " نقول ضعيفة عمن نقلت عنه مثل أكثر ما نقله عن جعفر الصادق فإن أكثره باطل عنه وعامتها فيه من موقوف أبي عبد الرحمن وقد تكلم أهل المعرفة في نفس رواية أبي عبد الرحمن حتى كان البيهقي إذا حدث عنه يقول حدثنا من أصل سماعه. و " الثاني " أن يكون المنقول صحيحا لكن الناقل أخطأ فيما قال. و " الثالث " نقول صحيحة عن قائل مصيب. فكل معنى يخالف الكتاب والسنة فهو باطل وحجته داحضة وكل ما وافق الكتاب والسنة والمراد بالخطاب غيره إذا فسر به الخطاب فهو خطأ وإن ذكر على سبيل اﻹشارة واﻻعتبار والقياس فقد يكون حقا وقد يكون باطﻼ. وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه وهذا فتح لباب الزندقة واﻹلحاد وهو معلوم البطﻼن باﻻضطرار من دين اﻹسﻼم.
 
عودة
أعلى