عبدالله بن بلقاسم
New member
- إنضم
- 26/04/2003
- المشاركات
- 112
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم1
"فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة، كالمناسبة التي بين الرؤيا والتعبير وان كانت خارجة عن وجوه دلالة اللفظ كما تفعله القرامطة والباطنية إذ دلالة اللفظ على المعنى سمعية فلابد أن يكون اللفظ مستعملا في ذلك المعنى بحيث قد دل على المعنى به لا يكتفي في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى إذ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله -وهذا عند من يعتبر المناسبة بين اللفظ والمعنى كقول طائفة من أهل الكلام والبيان وأما عند من لا يعتبر المناسبة فكل لفظ يصلح وضعه لكل معنى-.
لا سيما إذا علم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك لمجرد المناسبة كذب على الله.
ثم إن كان مخالفا لما علم من الشريعة فهو دأب القرامطة وان لم يكن مخالفا فهو حال كثير من جهال الوعاظ والمتصوفة الذين يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها نصا ولا قياسا.
وأما أرباب الاشارات الذين يثبتون ما دل اللفظ عليه ويجعلون المعنى المشار اليه مفهوما من جهة القياس والاعتبار فحالهم كحال الفقهاء العالمين بالقياس والاعتبار وهذا حق إذا كان قياسا صحيحا لا فاسدا واعتبارا مستقيما لا منحرفا" اهـ
في هذا الكلام المتين لشيخ الإسلام رحمه الله قضايا مهمة تتعلق بالتفسير الإشاري وغيره، أردت مباحثتها مع مشايخنا وإخوتنا في هذا الملتقى المبارك:
القضية الأولى:
تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية أن دلالة الألفاظ على المعاني: دلالة سمعية، يعني أن الرجوع في قبول معنى اللفظ ورده يعود إلى ثبوت نقلها عن العرب واستعمالهم لها بإزاء معناها، سواء قلنا بأن العرب تعتبر وجود مناسبة بين اللفظ والمعنى أو لا.
ويقصد بعدم اعتبار المناسبة أن يطلق اللفظ على معنى لا علاقة له به من جهة الاشتقاق.
وعلى كلا القولين(اعتبار المناسبة وعدمه) فالشرط عنده أن يكون اللفظ مستعملا عند العرب في مقابل المعنى، وبدون هذا الشرط لا يمكن قبول التفسير للقرآن،
فليس مجرد كون اللفظ يصلح للمعنى كافيا لقبوله في التفسير، ويعلل ذلك بأن الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله
فلفظ (جبل) يمكن (الإمكان العقلي) إطلاقه على أشياء كثيرة ويصلح لذلك لو أن العرب استعملته فيه، فلو وصفت به الناقة أو السحاب لم يكن هناك مانع من قبوله
ولكن لما كان الشرط أن العرب قد استعملته فيه، فهذا يرد كل معنى مخالف لذلك
وبهذا نصل إلى الاستدلال العقلي الصحيح لرد كل قول يناقض تفسير السلف( حسب قليل علمي) فشرط صحة قبول المعنى في القرآن والسنة أيضا، أن تكون بإزاء لفظة استعملتها العرب وقت التنزيل لذلك المعنى
ولا أحد أعلم بالمعنى الذي كان بإزاء تلك اللفظة من الصحابة رضي الله عنهم، فليس تفسيرهم مجرد اجتهاد في إصابة المعنى، بل هو نقل للعربية المستعملة في ذلك الوقت،
فتفسيرهم، اجتهاد وتخير من وجه، ونقل من وجه آخر، وهم في النقل ثقات عدول يجب قبول نقلهم عقلا وشرعا
القضية الثانية:
سبر الشيخ وتقسيمه لحمل الألفاظ على المعاني في القرآن:على هذا النحو:
أولا :طائفة تحمل اللفظ على المعنى لمجرد المناسبة (مع عدم الاستعمال وثبوت النقل) وهي تنقسم إلى قسمين حسب المعنى الذي أنتجه:
1- أن يكون هذا المعنى مخالفا للشريعة (وتعرف المخالفة من وجوه أخرى) فهذه طريقة القرامطة.
2- أن يكون المعنى في نفسه صحيحا (لكن اللفظ الذي أشاروا أنه يدل على المعنى ليس كذلك) فهذا حال جهال الوعاظ والمتصوفة الذي يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها.
ثانيا: طائفة تثبت ما دل عليه اللفظ المستعمل المنقول، (وليس مجرد المناسبة) وهؤلاء على قسمين:
1- من يثبتون من المعاني ما دل عليه اللفظ نصا (إما بالمطابقة أو التضمن أو الإلزام) وهذا حال أكثر المفسرين، فهم يضعون المعنى بإزاء اللفظ الصحيح المقابل له الثابت نقله في العربية.
2- من يثبتون ما دل عليه اللفظ نصا،(كالقسم السابق) ولكنهم يذكرون معان أخرى مسنبطة من المعنى الصحيح (لم يدل عليها اللفظ نصا) وهؤلاء هم أهل الإشارات وهم على ضربين:
1- الضرب الأول: من يستعملون القياس الصحيح والاعتبار المستقيم في استنباط تلك المعاني، فهؤلاء على حق.
2- الضرب الثاني: من لا يستعملون قياسا صحيحا ولا اعتبارا مستقيما فهذا باطل.
وبهذا يتبين أن الإشارة فرع عن المعنى الصحيح، إذ علاقتها به، كعلاقة الفرع بالأصل في المسألة الفقهية،
ويشبه عمل الإشاريين عمل الفقهاء في القياس من جهة تحقيق المناط وهو التدبر والتأمل في الآية للبحث والنظر في العلة للأحكام المذكورة فيها إن كانت من الأوامر، أو المعنى العام والسبب إن كانت من الأخبار،
وكذلك تنقيح المناط، وهو التعمق في معنى الآية لتصفية العلة وتحديد ما هو سبب لما وقع من الخبر أو الأمر ، تمهيدا للقياس عليه واستنباط إشارة جديدة منه
وتخريج المناط، وهو فحص ما يراد نقل المعنى والحكم والاعتبار إليه ، والتأكد من وجود الجامع مع الأصل فيه ،مما لم يأت به من المعنى في لفظ الآية مطابقة ولا تضمنا ولا إلزاما.
والقياس هنا أيضا منه ما هو قياس قطعي وما هو ظني , من الأخير ما هو قياس علة ودلالة وقياس شبه ونحو ذلك من التقاسيم التي تثري علم الإشارة.
وكله داخل في الظن ولا يقطع قائله بأنه مراد الله، بل كغالب الأحكام الفقهية الاعتبار فيها بغالب الظن.
ويمكن أن يحرر هذا المنهج وتضاف له الدراسات بناء على هذا المدخل العظيم الذي هو من فتوحات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
والله الموفق.
التفسير الإشاري
قياس المفسرين
سأبني هذه المقالة على نص لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوي 2/27-28، قال رحمه الله:قياس المفسرين
"فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة، كالمناسبة التي بين الرؤيا والتعبير وان كانت خارجة عن وجوه دلالة اللفظ كما تفعله القرامطة والباطنية إذ دلالة اللفظ على المعنى سمعية فلابد أن يكون اللفظ مستعملا في ذلك المعنى بحيث قد دل على المعنى به لا يكتفي في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى إذ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله -وهذا عند من يعتبر المناسبة بين اللفظ والمعنى كقول طائفة من أهل الكلام والبيان وأما عند من لا يعتبر المناسبة فكل لفظ يصلح وضعه لكل معنى-.
لا سيما إذا علم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك لمجرد المناسبة كذب على الله.
ثم إن كان مخالفا لما علم من الشريعة فهو دأب القرامطة وان لم يكن مخالفا فهو حال كثير من جهال الوعاظ والمتصوفة الذين يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها نصا ولا قياسا.
وأما أرباب الاشارات الذين يثبتون ما دل اللفظ عليه ويجعلون المعنى المشار اليه مفهوما من جهة القياس والاعتبار فحالهم كحال الفقهاء العالمين بالقياس والاعتبار وهذا حق إذا كان قياسا صحيحا لا فاسدا واعتبارا مستقيما لا منحرفا" اهـ
في هذا الكلام المتين لشيخ الإسلام رحمه الله قضايا مهمة تتعلق بالتفسير الإشاري وغيره، أردت مباحثتها مع مشايخنا وإخوتنا في هذا الملتقى المبارك:
القضية الأولى:
تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية أن دلالة الألفاظ على المعاني: دلالة سمعية، يعني أن الرجوع في قبول معنى اللفظ ورده يعود إلى ثبوت نقلها عن العرب واستعمالهم لها بإزاء معناها، سواء قلنا بأن العرب تعتبر وجود مناسبة بين اللفظ والمعنى أو لا.
ويقصد بعدم اعتبار المناسبة أن يطلق اللفظ على معنى لا علاقة له به من جهة الاشتقاق.
وعلى كلا القولين(اعتبار المناسبة وعدمه) فالشرط عنده أن يكون اللفظ مستعملا عند العرب في مقابل المعنى، وبدون هذا الشرط لا يمكن قبول التفسير للقرآن،
فليس مجرد كون اللفظ يصلح للمعنى كافيا لقبوله في التفسير، ويعلل ذلك بأن الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصى عددها إلا الله
فلفظ (جبل) يمكن (الإمكان العقلي) إطلاقه على أشياء كثيرة ويصلح لذلك لو أن العرب استعملته فيه، فلو وصفت به الناقة أو السحاب لم يكن هناك مانع من قبوله
ولكن لما كان الشرط أن العرب قد استعملته فيه، فهذا يرد كل معنى مخالف لذلك
وبهذا نصل إلى الاستدلال العقلي الصحيح لرد كل قول يناقض تفسير السلف( حسب قليل علمي) فشرط صحة قبول المعنى في القرآن والسنة أيضا، أن تكون بإزاء لفظة استعملتها العرب وقت التنزيل لذلك المعنى
ولا أحد أعلم بالمعنى الذي كان بإزاء تلك اللفظة من الصحابة رضي الله عنهم، فليس تفسيرهم مجرد اجتهاد في إصابة المعنى، بل هو نقل للعربية المستعملة في ذلك الوقت،
فتفسيرهم، اجتهاد وتخير من وجه، ونقل من وجه آخر، وهم في النقل ثقات عدول يجب قبول نقلهم عقلا وشرعا
القضية الثانية:
سبر الشيخ وتقسيمه لحمل الألفاظ على المعاني في القرآن:على هذا النحو:
أولا :طائفة تحمل اللفظ على المعنى لمجرد المناسبة (مع عدم الاستعمال وثبوت النقل) وهي تنقسم إلى قسمين حسب المعنى الذي أنتجه:
1- أن يكون هذا المعنى مخالفا للشريعة (وتعرف المخالفة من وجوه أخرى) فهذه طريقة القرامطة.
2- أن يكون المعنى في نفسه صحيحا (لكن اللفظ الذي أشاروا أنه يدل على المعنى ليس كذلك) فهذا حال جهال الوعاظ والمتصوفة الذي يقولون بإشارات لا يدل اللفظ عليها.
ثانيا: طائفة تثبت ما دل عليه اللفظ المستعمل المنقول، (وليس مجرد المناسبة) وهؤلاء على قسمين:
1- من يثبتون من المعاني ما دل عليه اللفظ نصا (إما بالمطابقة أو التضمن أو الإلزام) وهذا حال أكثر المفسرين، فهم يضعون المعنى بإزاء اللفظ الصحيح المقابل له الثابت نقله في العربية.
2- من يثبتون ما دل عليه اللفظ نصا،(كالقسم السابق) ولكنهم يذكرون معان أخرى مسنبطة من المعنى الصحيح (لم يدل عليها اللفظ نصا) وهؤلاء هم أهل الإشارات وهم على ضربين:
1- الضرب الأول: من يستعملون القياس الصحيح والاعتبار المستقيم في استنباط تلك المعاني، فهؤلاء على حق.
2- الضرب الثاني: من لا يستعملون قياسا صحيحا ولا اعتبارا مستقيما فهذا باطل.
وبهذا يتبين أن الإشارة فرع عن المعنى الصحيح، إذ علاقتها به، كعلاقة الفرع بالأصل في المسألة الفقهية،
ويشبه عمل الإشاريين عمل الفقهاء في القياس من جهة تحقيق المناط وهو التدبر والتأمل في الآية للبحث والنظر في العلة للأحكام المذكورة فيها إن كانت من الأوامر، أو المعنى العام والسبب إن كانت من الأخبار،
وكذلك تنقيح المناط، وهو التعمق في معنى الآية لتصفية العلة وتحديد ما هو سبب لما وقع من الخبر أو الأمر ، تمهيدا للقياس عليه واستنباط إشارة جديدة منه
وتخريج المناط، وهو فحص ما يراد نقل المعنى والحكم والاعتبار إليه ، والتأكد من وجود الجامع مع الأصل فيه ،مما لم يأت به من المعنى في لفظ الآية مطابقة ولا تضمنا ولا إلزاما.
والقياس هنا أيضا منه ما هو قياس قطعي وما هو ظني , من الأخير ما هو قياس علة ودلالة وقياس شبه ونحو ذلك من التقاسيم التي تثري علم الإشارة.
وكله داخل في الظن ولا يقطع قائله بأنه مراد الله، بل كغالب الأحكام الفقهية الاعتبار فيها بغالب الظن.
ويمكن أن يحرر هذا المنهج وتضاف له الدراسات بناء على هذا المدخل العظيم الذي هو من فتوحات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
والله الموفق.