التعريف المفصل بكتاب (الغُنْيَان في تفسير القرآن) للتبريزي

إنضم
02/08/2016
المشاركات
223
مستوى التفاعل
5
النقاط
18
العمر
35
الإقامة
السعودية
صورة الغنيان.jpg


التعريف المفصل بتفسير الغنيان

أولا: معنى الغنيان:

الغُنْيَانُ بضم الغين وسكون النون مصدر من الفعل غَنِيَ بمعنى استغنى أي: اكتفى بما عنده عن غيره ولم يَحْتَجْ, ويقع اسمَ مصدرٍ للفعل استغنى, ومثل الغُنْيَانِ في المعنى والمصدرية: الغُنْيَةُ, ويقال أيضا: ما لي عنه غِنًى ولا غُنْيةٌ ولا غُنْيَانٌ أي: ما لي عنه بُدٌّ[1].

فهذه التسمية تعني أن هذا الكتاب هو المغني عن غيره, ويستغني قارئه عما سواه من الكتب, ويكتفي بتفسيره عن غيره من التفاسير.



ثانيا: ذكر تفسير الغنيان في المصادر:

اتفقت المصادرُ على أنَّ التبريزيَّ ألَّفَ تفسيرًا في مُجلدات, فبعضُهم سمَّاه باسمه (الغنيان) وبعضُهم وصفه بـ(التفسير الكبير) أو (تفسير مليح).

قال معاصرُه ابن النجار: «وله تصنيف في تفسير القرآن في عدة مجلدات»[2] قال تلميذه القسطلاني عنه: «وله مصنفات في أنواع شتى منها (الغنيان في تفسير القرآن) وسمعته منه أجمع»[3] قال نظام الدين المسعودي مختصِر الغنيان: «وكنتُ قد اجتمعتُ بخدمة شيخ الحرمين المرحوم نجم الدين بشير التبريزي قدس الله روحه صاحب الغنيان»[4] قال عز الدين الحسيني: «وله تصانيف منها: تفسير القرآن الكريم: كتابٌ كبير في مجلدات»[5] قال الذهبي: «وله (تفسير مليح) فِي عدة مجلدات»[6] وقال أيضا: «صاحب (التفسير الكبير)»[7] قال السبكي: «وصنَّفَ تفسيرًا فِي عدَّة مجلدات»[8] قال تقي الدين الفاسي: «وله تصانيف منها: الغنيان في تفسير القرآن العظيم في مجلدات»[9] قال السخاوي عنه: «صنَّف تفسيرا» وقال أيضا في ترجمة القسطلاني: «وقرأ على ما ذكر الفقه والتفسير والخلاف وأنواع العلوم على النجم [بشير] بن حامد التبريزي شيخ الحرم وسمع عليه تفسيره»[10] قال حاجي خليفة: «تفسير نجم الدين بشير بن أبي بكر (بن حامد بن سليمان بن يوسف) الزينبي التبريزي، الشافعي. المتوفى: بمكة، سنة 646، ست وأربعين وستمائة. وهو كبير في مجلدات»[11] قال إسماعيل البغدادي: «لَهُ تفسير القرآن في عدَّة مجلدات»[12] قال الزركلي: «له تصانيف، منها (الغنيان في تفسير القرآن) عدة مجلدات»[13] وقال عمر رضا كحالة: «من آثاره: تفسير كبير في عدة مجلدات»[14] قال عادل نويهض: «له (الغنيان في تفسير القرآن) كبير في مجلدات»[15].

بالإضافة إلى أن أبا حيان الأندلسي كان ينقل عنه ويسميه تارة صاحب الغنيان وتارة التبريزي كما سيأتي في الملحق.



ثالثا: محتوى التفسير:

الغنيانُ تفسيرٌ بالمأثور يذكر في الآية أقوال ابن عباس وقتادة ومجاهد والحسن البصري وغيرهم مجردة من الأسانيد.

ويذكر في الآية أيضا أقوال علماء العربية مثل الزجاج والفراء والكسائي وغيرهم.

وهو قليل الترجيح بينها, وربما وردت للمؤلف أقوال قليلة.

وما فيه من تعدد أقوال هو في غالبه من قبيل اختلاف التنوع لا التضاد, ومن قبيل التفسير بالمثال لا بالحصر.



رابعا: منهجه:

لم نعثر حتى الآن على الجزء الأول من التفسير الذي يتضمن مقدمة المؤلف وفيها ذكر طريقته ونهجه ومصادره, لكن هذا لا يمنع من معرفة منهجه من خلال التتبع.

فالغالب عليه أنه يفتتح السورة بذكر نزولها أهي مكية أم مدنية؟ ثم الآيات المستثناة من ذلك, ويذكر بعض ما ورد من فضائلها, وعدد آياتها حَسْبَ القُرَّاء, وما فيها من ناسخ أو منسوخ.

يذكر التبريزيُّ جزءًا من الآية ثم يذكر معنى كلماتِها ويشرح غريبَها, وعادةً يسوق أقوال الصحابة وعلماء اللغة وشواهد الشعر, ويذكر بعض ما في الآية من قراءات وتارة ينسبها وتارة لا يفعل, ويذكر ما فيها من سبب نزول إن وجد, ويذكر ما فيها من أحكام فقهية إن وجدت مع عناية بمذهب الشافعي ثم أبي حنيفة وبمذهب مالك أحيانا, ويذكر ما فيها من ناسخ ومنسوخ, وبعد أن يستوفي الآية التزم أن يذكر مواضع الوقف فيها ومَرْتَبَتَهَا.



خامسا: زمانُ تأليفِ التفسيرِ ومكانُه:

لم أعثر على نصٍّ يقينيٍّ قاطع وإنما احتمالاتٌ أهمها:

1-الاحتمال الأول أنه ألفه كاملا في بغداد: لأنَّ ابنَ النجارِ البغداديَّ المؤرِّخَ المتوفى (643هـ) أي: قبل التبريزي بثلاث سنوات, قال: «وله تصنيف في تفسير القرآن في عدة مجلدات»[16] ولم يذكر ابن النجار ولاية التبريزي للحرم فيما وَصَلَنَا مِن نصِّه, مِمَّا يرجِّح أنَّ ابن النجار كان يتحدث عنه قبل ذهابه إلى مكة, والثابت أنَّ هذا الجزءَ من التفسيرَ الذي بين يدينا أقرأه التبريزي كاملا في مكة في (14/7/639هـ) كما هو مدوَّنٌ في آخر هذا الجزء, فالتفسير كان مكتملا قبل هذا التاريخ.

2-الاحتمال الثاني أنه شرع في تأليفه في بغداد وأتمَّه في مكة, أو ألفه كلَّه في مكة, يشير إلى هذا الاحتمال قولُ تقي الدين الفاسي نَقْلا عن الميورقي أنه انتهى منه قُبَيْلَ فقدان بصره[17], ومن المعلوم أن التبريزي فقد بصره في مكة.

والذي أرجحه هو الاحتمال الأول لذكر ابنِ النجار البغدادي ذلك, ولتقدم تاريخ إقرائه التفسير, وأمَّا مَا ذكره الميورقيُّ فلعل التبريزي كان يكتب نسخة ثانية من التفسير وهي التي سأل الله أنْ يمتِّعَه ببصره حتى يتمَّها, أو أنَّ الحكايةَ لم تثبت, أو أنَّ لها توجيها آخر.



سادسا: تمامُ التفسيرِ واكتمالُه:

كلامُ العلماءِ والمترجِمين وطلابِ التبريزي صريحٌ بأنَّ تفسيرَ الغنيانِ تامٌّ كاملٌ ولم يُذْكَرْ في ذلك خلاف, ولكن وجدتُ كلامًا للميورقِيِّ يفيد أنه انتهى فيه إلى سورة البلد, قال تقي الدين الفاسي: «ورأيتُ ما يدلُّ على أنه كان انتهى إلى سورة البلد, وأظن أني ألفيتُ ذلك بخط الميورقي. والله أعلم.»[18] فلعل الميورقيَّ قصد نسخة أخرى من التفسير كتبها التبريزي بيده, أو أنه نَسَخَهُ من المُسَوَّدَةِ إلى المُبَيَّضَةِ بيده حتى سورة البلد, ثم أكمل النسخ تلاميذه, وتقي الدين متشكِّكٌ يذكر ذلك على الظنِّ مِن أوراقٍ غيرِ متثبتٍ منها, فهذا النص لا يعارض كلام القسطلاني الذي صرَّح بسماع التفسير كاملا من التبريزي, وهو أدرى بشيخه, وكذلك تلخيص الغنيان للمسعودي وصل به إلى آخر القرآن ولم يذكر أيَّ نقصٍ فيه وكان يلخِّص مِن نسخة بخط التبريزي.



سابعا: عدد أجزاء التفسير:

جاء في النصوص السابقة أن تفسر الغنيان في مجلدات, وبعضهم وصفه بـ(التفسير الكبير) وفي آخر هذه المخطوطة كتب بخط أحد المتملكين «صح تفسير التبريزي ثنتا [اثنا] عشر جزءا» أي: مجلدا, فيكون كل مجلد يتناول من القرآن جزأين ونصفا, وهذا متوافق مع ما تناولته المخطوطة.

ولم يصلنا حتى الآن من هذه الأجزاء إلا الجزء الرابع الذي بين أيدينا, وهو يحتوي على سورتي المائدة والأنعام كاملتين وعلى أول ثلاث وخمسين آية من سورة الأعراف.


ثامنا: مصادر التفسير:

رجع التبريزي في التفسير إلى مصادر كثيرة منها تفسير الكشف والبيان للثعلبي والتفسير البسيط للواحدي وهما أهم مصدرين لتفسيره على الإطلاق, أكثَرَ الأخذَ عنهما حتى أنه ينقل عنهما بالصفحات, ولذا جعلتهما في تخريج الأشعار .

ومن المصادر الأخرى التي رجع إليها تفسير النكت والعيون للماوردي والملخص في إعراب القرآن للخطيب التبريزي وتفسير الكشاف للزمخشري وزاد المسير لشيخه ابن الجوزي, ومن المصادر أيضا مجاز القرآن لأبي عبيدة وكتب معاني القرآن للفراء والزجاج والأخفش, وغيرها من المصادر.

تاسعا: أثر التفسير وَمَنِ استفاد منه:

  • شَرَعَ أحدُ تلاميذ المؤلف -وهو شرفُ الدين اللَّمْغَانِيُّ الحنفيُّ شيخُ الحرم النبوي- في اختصار تفسير الغنيان وتلخيصه, ثم أكمل العملَ أحدُ تلاميذ اللَّمْغَاني بإشارة منه -وهو نظام الدين المسعودي أحد أئمة الحرم النبوي- فَأَتَمَّهُ المسعوديُّ مع إضافات يسيرة من كتابين آخرين, وأسماه (التبيان في تفسير القرآن) وهو مخطوط.
  • استفاد من الغنيان أبو حيان الأندلسي في (البحر المحيط) فصرَّح بالنقل عنه في أكثر من ثمانين موضعا, ولذا فهو يُعَدُّ مِن مصادر (البحر المحيط) وهذا الأمر لم يأخذ حقه من النظر بسبب كون الغنيان مخطوطا لم يطلع عليه محققو (البحر المحيط) على تعدد طبعاته, وقد استفاد من الغنيان أيضا كلُّ مَن نَقَلَ عن (البحر المحيط) مثل السمين الحلبي في (الدر المصون) وعنه ابن عادل الحنبلي في (اللباب من علوم الكتاب) وكذلك استفاد من الغنيان الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) بواسطة (البحر المحيط), وقد صنعتُ في آخر الكتاب ملحقا جمعتُ فيه نُقُولاتِ أبي حيان الأندلسي عن الغنيان مع إشارة إلى مَن نقلها عن أبي حيان مِمَّن جاء بعده.


[1]- اللسان [غنا] التاج [غني] 39/189.
[2]- ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين 71.
[3]- ارتفاع الرتبة للقسطلاني (ضمن مجموع: رسائل من التراث الصوفي في لبس الخرقة) 86.
[4]- مخطوطة التبيان في تفسير القرآن (تلخيص الغنيان) الورقة (143 ب).
[5]- صلة التكملة لوفيات النقلة 1/190-191.
[6]- تاريخ الإسلام 47/309 ونقل ذلك الصفدي في الوافي 10/161-162 والسيوطي في طبقات المفسرين 39 والداودي في طبقات المفسرين 1/116 والأدنهوي في طبقات المفسرين 236.
[7]- سير أعلام النبلاء 23/255.
[8]- طبقات الشافعية 8/134.
[9]- العقد الثمين 3/372.
[10]- التحفة اللطيفة 1/373 و3/486.
[11]- كشف الظنون 1/460 ما بين القوسين من إضافة المصحح لا المؤلف وصوابه (أبي بكر حامد) بحذف (بن) كما تقدم.
[12]- هدية العارفين 1/232.
[13]- الأعلام 2/56 .
[14]- معجم المؤلفين 1/428.
[15]- معجم المفسرين 1/106.
[16]- ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين 71.
[17]- العقد الثمين 3/372.
[18]- العقد الثمين 3/372.
 
بارك الله فيكم يا شيخ يوسف على هذا التعريف المفصل بتفسير الغنيان، ونسأل الله أن يوفق للعثور على بقيته.

آمين
وبارك الله فيكم في سعيكم لطباعته
 
هذا الموضوع القديم في الملتقى هو سبب دلالتي على هذا التفسير وما تبعه من تحقيق وطباعة

 
إشادة الشيخ د.عبدالله بن سالم البطاطي بكتاب (الغنيان في تفسير القرآن) مع بيان موجز عنه:

 
عودة
أعلى