البخاري وابن تيمية آيتان... حقيقة لا مجازا

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
609
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53]

إن الآيات في الأنفس غير منحصرة في مجال البدن ، بل تعم لتشمل المجتمع والتاريخ ، وبذلك تكون مكافئة للآفاق، فيؤول المعنى إلى اعتبارالآيات موزعة على الطبيعي والإنساني معا ، و الظرفية حينئذ تتسع لتشمل الداخل الفردي والداخل الجمعي، وهذا الأنسب لختم الآية: (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
من هذا المنطلق يمكن تفحص حدث تاريخي على أنه آية من آيات الله دالا على إرادة الخالق وحكمته ، ولا يستقيم أي تفسير آخرمحايث ، سواء أجاء به أصحاب الحتمية التاريخية أم أصحاب الصدفة والاتفاق...ولا فرق هنا بين الحدث التاريخي العام كحرب أووباء وبين ظهورشخص كقائد حربي أو علم من الأعلام ...ونحن سنقترب هنا من علمين هما في نظرنا آيتان من آيات الله بالمعنى الحرفي لا بمعنى الإعجاب والإطراء:

البخاري وابن تيمية

1- البخاري....جعله الله أعجميا
قال العلامة ابن خلدون :
(من الغريب الواقع أنّ حملة العلم في الملّة الإسلاميّة أكثرهم العجم لا من العلوم الشّرعيّة ولا من العلوم العقليّة إلّا في القليل النّادر. وإن كان منهم العربيّ في نسبته فهو أعجميّ في لغته ومرباه ومشيخته مع أنّ الملّة عربيّة وصاحب شريعتها عربيّ.
إلا أن العلامة في تفسيره لهذه الظاهرة جاء بالغث بل بالتلبيس فذهب إلى أن الصنائع من شأن الحضر خاصة و البدو أبعد الناس عنها والعرب من جملة البدو...)
إلى هنا كلامه سليم في الجملة لكنه دلس عندما سمى العلوم العقلية صنائع ليلحقها بالصنائع الأخرى فلا يكون للبدو نصيب فيها كلها لا في الصناعة اليدوية ولا في الصناعة الذهنية وهو يعلم أن تسمية النشاط الذهني صناعة مجرد اصطلاح أو مجاز فكيف تتماهى الحقيقة والمجاز ليقعا تحت حكم واحد فيكون الحكم على عمل اليد هو عينه الحكم على عمل العقل!
قال العلامة:
(... فصارت هذه العلوم كلّها علوما ذات ملكات محتاجة إلى التّعليم فاندرجت في جملة الصّنائع. وقد كنّا قدّمنا أنّ الصّنائع من منتحل الحضر وأنّ العرب أبعد النّاس عنها فصارت العلوم لذلك حضريّة وبعد عنها العرب وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم العجم أو من هم في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الّذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصّنائع والحرف لأنّهم أقوم على ذلك للحضارة الرّاسخة فيهم منذ دولة الفرس ...)

لماذا كان البخاري أعجميا وكذلك كان إخوانه الخمسة من أهل السنن وقد أوردنا قبل قليل قول صاحب المقدمة (... وإن كان منهم العربيّ في نسبته فهو أعجميّ في لغته ومرباه ومشيخته ...)

قلت ليس من السهل إثبات عروبة نسب أحد من أصحاب الكتب الستة أما عجمة الموطن والمنشأ واللغة لهؤلاء الأئمة فلا جدال فيها...فلا مناص من السؤال :
لماذا كان أصحاب الكتب الستة من العجم!

لعل أفضل تعليل للظاهرة هو ما يقدمه علم التوحيد :
شاء الله بعدله ألا يجتمع الشرف كله في عرق واحد....فنال العرب شرف تلقي الوحي ونال العجم شرف حفظه!
واختار الله سبحانه أعظم حفاظ الحديث – والبخاري رأسهم- من الأعاجم لا من العرب ...وحسب العرب أن يكون الوحي بلسانهم وأن يكون خاتم المرسلين منهم.

(يتبع)
 
2- واختار الله بمقتضى حكمته أن يبعث البخاري لحفظ سنة نبيه في زمن مفصلي حاسم ،وهذا من آيات الله في خلقه...
فلو تقدم به الزمن قليلا لما كانت الأمة في حاجة إلى البخاري أوإلى غيره....إذ الزمن زمن التابعين، ولم يكن أحد يقدم على الكذب على رسول الله...وما ظهر الكذب إلا من بعد سواء عن حسن نية ،كما زين الجهل لكثير من الوعاظ والقصاصين، أو عن سوء نية كما عند طوائف الزنادقة وأهل الأهواء....فغربلة الحديث في هذه الفترة غير واردة بقوة...
ولو تأخر به الزمن قليلا لطم الوادي ،ولأصبحت الغربلة صعبة جدا ،قد لا يطيقها البخاري أو غيره...وقد ينقضي جيل من المسلمين يموتون على أحاديث باطلة لم تبين لهم، وهذا تتنزه عنه الرسالة الخاتمة المحفوظة والأمة الشاهدة على الناس....
 
3- من آيات الله في البخاري أن كتب الله له القبول...
وهذا الوصف يسمو على( علم الجرح والتعديل) ولا يعقل إلا في (علم التوحيد)...فهو سر إلهي كتبه الله في صدور المؤمنين
، لا يفسر بشئ من العلوم الوضعية...فمثله كمثل الروح يجدها في نفسه قريبة جدا منه ، ومفروضة عليه ، ومع هذا لا يعلم لها كنها أو تعليلا...وقد لا نبالغ إن قلنا إن الحديث الذي كتب له القبول قد يكون أعلى من المتواتر نفسه على اعتبار أنهما كلاهما يطمئن إليهما القلب ويجب بهما العمل والاعتقاد ...فهما متساويان من هذه الجهة إلا أنهما من جهة الاستدلال يكون في المتواترنظريا عقليا وفي الثاني حضوريا حدسيا...فمن يرى العلم الحدسي أقوى من العلم العقلي سيجعل الحديث (المكتوب له القبول) أقوى من (المتواتر).!
 
2- واختار الله بمقتضى حكمته أن يبعث البخاري لحفظ سنة نبيه في زمن مفصلي حاسم ،وهذا من آيات الله في خلقه...
فلو تقدم به الزمن قليلا لما كانت الأمة في حاجة إلى البخاري أوإلى غيره....إذ الزمن زمن التابعين، ولم يكن أحد يقدم على الكذب على رسول الله...وما ظهر الكذب إلا من بعد سواء عن حسن نية
السلام عليكم ورحمة الله
هذا من المبالغة في تقديس السلف ، ففي زمن الرسول والصحابة ظهر من يكذب على الله ويدعي النبوة من أمثال مسيلمة الكذاب وغيره ، فكيف تقول أنه في زمن التابعين لا يقدم أحد على الكذب على رسول الله ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا القول في الحقيقة غاية في الخطورة من عدة أوجه:
أولاً : يضعنا على طريق تقديس الصالحين الذي سبقنا إليه الرافضة فوسموا علمائهم باسم (آية الله العظمى علي السيستاني مثلاً) وهو نفس المنطق الضال الذي نراه في هذا المقال ، فلا يطلق عليه (آية الله) من منطلق التبجيل والاحترام بل من منطلق عقدي أصولي كما قال الكاتب
ونحن سنقترب هنا من علمين هما في نظرنا آيتان من آيات الله بالمعنى الحرفي لا بمعنى الإعجاب والإطراء
ثانياً: مضاهاة الرافضة في إيجاد منزلة بين العالم والنبي (الإمامة الإلهية) وهو الذي بلغ من العلم مبلغاً لا يصلح الدين بدونه ,ان قوله يرقى لحجية الوحي في ذاته ، إذ أن (آية الله) هذا بعث بتقدير الله ليتم شيئاًَ من الدين فأصبح قبوله التام كقبول الوحي أو كلام النبي والرسول ، فعجباً !!

ثالثاً : أما قوله عن الأعاجم فلعله لم يكمل العبارة التي بدأها فقال:
شاء الله بعدله ألا يجتمع الشرف كله في عرق واحد....فنال العرب شرف تلقي الوحي ونال العجم شرف حفظه! ثم سعى العجم في تحريفه وإفساده كما فعل الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك الذي أصّل للرفض والتشيع وغيره من أهل الزيغ والضلال من المتكلمين والفلاسفة الملحدين.
فما عرف الاسلام الانحراف العقدي والتمزق الطائفي إلا بعد دخول العجم بثقافاتهم وخلفياتهم الوثنية والفاسدة.
 
4- ومن آيات الله في البخاري أن حفظه من الطعن....لأن كل طاعن في البخاري إنما يطعن في نفسه وحجة الطاعن داحضة من بعد ما ثبتت عدالة المطعون فيه واستقر له القبول في القلوب

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [الشورى : 16]

وآية ذلك أن استقراء التاريخ يثبت أن الطاعن في البخاري لا يكون إلا من طائفة البدعة المغلظة أو الخارجين من دائرة الإيمان....ولنا فيما نشاهد اليوم من تكالب الملاحدة والمنافقين على الإمام أبلغ دليل....ونحن نقسم بالله أنهم لن يرجعوا إلا خائبين، لا متنبئين ولكن واثقين من وعد الله بحفظ الدين، فإن سقط البخاري سقطت السنة وإن سقطت السنة سقط الدين كله....وأعداء الدين يعلمون هذه المتوالية جيدا فهم بتكالبهم على أمير المؤمنين في الحديث لا يقصدونه كشخص، فقد مات قبل أن يخرجوا من الأرحام بقرون ، ولكنهم يقصدون الإسلام نفسه من باب البخاري...!
 
المسيح إبن مريم آية من آيات الله نؤمن به ونصدق به حيث ينطبق عليه أفضل مثال لآيات الله للناس ، فمن طعن فيه فإنما يطعن في آية من آيات الله ، لكن اليهود شتموه وآذوه وطعنو فيه وحاولو قتله ، وفي سبيل الدفاع عنه قام أتباعه بتمجيده وبالغو في مدحه والثناء عليه ، ومع ذلك مالذي حدث لمن قام بتقديسه ووضعه في مقام أعلى من مقامه ، لقد أصبحوا من الظالين عن الصراط المستقيم ، فلا يهم حسن نية من قام بالمبالغة في مدح المسيح ورفعه من مقام العبودية لله إلى مقام الألوهية لأنه كفر ، كل من قال إن المسيح هو الله أصبح من الكافرين بغض النظر عن حسن نيته .
لذالك أخي أبو عبد المعز لا يهم حسن نيتك في الدفاع عن البخاري أو إبن تيمية فإذا بالغت في مدحهم فقد ظللت عن المنهج السليم ووقعت في فخ تقديس السلف .
 
5- ومن آيات الله في البخاري أن جعل الحكم له بالعدالة والإمامة ثابتا له إلى يوم القيامة لا يحتمل نسخا ولا استئنافا...
فعلم الحديث-لاسيما فرع الجرح والتعديل منه- لايقبل التطور والتجديد فمن اتفق على ضعفه فهو كذلك في كل العصور...فلا يراهن على تقدم تقني أو علمي يطمع فيه إلى مستجدات تحليل الحمض النووي- مثلا - فيقال ها قد أثبت تحليل الحمض النووي المستخرج من قبر البخاري أن البخاري لم يكن عدلا!!!

الأحكام على الرجال ثبتت وجمعت في عصر التدوين وعلى الأخلاف الخضوع لها...ولا يمكن لأي امرئ أن يجادل في عدالة محدث بهواه ولا ينظر كشفا أثريا أو اختراع جهاز كشف الكذب يطبق على الأموات... !!!
عدالة الرواة لا يتحقق منها إلا عن كثب فما أشبه هذا بملامح الوجه فمهما سمعت أو قرأت عن تقاسيم وجه إنسان فلن تستطيع أن تتعرف عليه بواسطة الأوصاف المجردة عكس من رآه بأم عينه...قائمة المجروحين والثقات قد أغلقت إذن إلى الأبد....
وأعداء الدين يعلمون هذا جيدا لذا ترى أن غاية مرامهم الشغب في الجزئيات فيقولون هذا الحديث الذي رواه البخاري يخالف العقل أو الواقع أو حديثا آخر....وهو المنهج عينه الذي يسلكونه بصدد القرآن فلما أعياهم أن يثبتوا مصدرا للقرآن من غير الله كان ملجأهم التشغيب في آيات لإثارة الريب وفتح باب التأويل لإيقاظ الفتنة...
 
6-
قال أبو حامد أحمد بن حمدون القصار : "سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقَبَّل عَيْنَيه وقال: دعني حتى أُقَبِّل رجلَيْك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله"
هذا النص الغريب في عالم الجرح والتعديل هو أكثر من إبداء رأي، بل هو مشهد.... مشهد شديد الكثافة يجمع بين:
1-الفعل والانفعال
2-العاطفة والعقل
3-الذهني والجسدي
4-القول والفعل
هذه المبالغة في المدح- فالرجل لم يطلب تقبيل رأس صاحبه بل طلب تقبيل الرجلين – فيها غرابة من جهة أخرى فهي صادرة عن واحد من الانداد ،وفرد من الأقران، ومن المعلوم أن الند منافس ،والمنافس ينتظر منه المبالغة في التجريح لا المبالغة في التعديل... وقد كان علماء الحديث حكماء حقا عندما أصلوا قاعدة "لا يعتد بقول الأقران بعضهم في بعض...."والقاعدة نفيسة حقا فتجد العالم التقي الورع إذا سئل عن منافسه قد يخرج عن طوره وعن تقواه وعن ورعه!!
ونحن نلحظ هنا التدبير الرباني..فقد أذن الله الحكيم أن يقول الامام مسلم قوله ذاك في صاحبه الامام البخاري وهما ندان لكي نقول بعد هذا التعديل المبالغ فيه من منافس :لقد رفعت الأقلام وجفت الصحائف في شأن أمير المؤمنين في الحديث!
 
7-
ثم سلط الله الدارقطني على صحيح البخاري لكيلا تكون بعد ذلك أدنى ذريعة للشك ، فقد شمرالدارقطنى على ساعديه ليغربل الصحيح وينقد الرجال والروايات دون محاباة أو مجاملة، و كانت حصيلة الخبرة بضع ملاحظات وانتقادات طفيفة تفحصها العلماء من بعد وردوا عليها فما وجدوها قادحة ...بل هي مزكية للصحيح على اعتبار أن الخبير الدارقطني بحث فلم يجد إلا ما ذكر وما ذكر لين هين....

فاجتمعت الدلائل الثلاث
1 - قبول الأمة وهو أعظم دليل
2- شهادة الند المنافس
3- وتقرير الخبرة التقنية.
 
لكي نقف عن كثب على التدبير الإلهي بشأن ابن تيمية لا بد من نظرة شمولية تستوعب الوضع الفكري في زمن ابن تيمية - في الشق الثاني من القرن السابع-
1- كان الحدث الأهم هو انكسار شوكة المعتزلة فلم يبق منهم إلا فلول هنا وهناك...
2- ساد الرأي القائل إن الأشعرية هو مذهب أهل السنة والجماعة ومن خالفهم لا يمكن أن يكونوا إلا إهل بدعة (كالمعتزلة) أو أهل فرقة (كالخوارج والروافض)...
3- انحسار المد الإعتزالي يؤول على أنه انتصارلخصومهم الأشعرية ،أي انتصار الحق على الباطل....فأصبحت الأمة – أو السواد الأعظم حسب تعبيرهم- أشعرية ولا يمكن الخروج منهم لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال...
4- تحالف الأشعرية مع الصوفية فتحققت لهم الهيمنة المطلقة:
فالظاهر لهم والباطن لحلفائهم،
والعقل من شأنهم والروح من شأن حلفائهم،
والمنطق أشعري والحدس صوفي ،
ومنهم تؤخذ العقيدة ومن حلفائهم يؤخذ السلوك....
فتحقق الاكتفاء الذاتي للمسلم ، فلا يحتاج المسلم شيئا إلا استخلصه من خزائن الأشعرية وحلفائهم...أما الفقه فيؤخذ من المذاهب الأربعة ولا حرج....
فثلثوا الدين كما ثلث النصارى ربهم فتجد المرء مثلث الهوية والانتساب
مالكي أشعري جنيدي
أو حنفي ماتريدي رفاعي.....
أو حنبلي أشعري قادري...
أو ما شئت من الثواليث التي لن تجد فيها نسبا إلى النبي الخاتم!
هو الاكتفاء الذاتي إذا... فتلك نهاية التاريخ....
فهل سينتهي التاريخ حقا....أم سيكون لسنة التدافع العتيدة كلمتها!!
 
عودة
أعلى