الإغراق في السلفية ، ومحاربة العقل والتجديد (مناظرة علميَّة)

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
حتى لا يستمر النقاش إلى أجل غير مسمى ، فسوف أتيح للأخ الدكتور أبي حسان الفرصة لكتابة كل ما عنده في الموضوع محرراً في موضوع واحد يستوفي فيه حججه وما يريد قوله ، وأرجو ألا يزيد عن يومين أو ثلاثة من اليوم .
ثم أتيح للأخ الشيخ نايف الزهراني المجال للجواب .
ثم نختم هذا الحوار العلمي الذي سمَيناه مناظرة تجوزاً ، وربما أطلب من بعض الزملاء في الملتقى التعقيب بأسماءهم على هذا الحوار إن قبلوا ذلك .
وأستميح الزملاء الذين تم استبعاد تعقيباتهم عذراً ، حرصاً على بقاء الحوار بين الزميلين .
الثلاثاء 2/3/1431هـ
 
الحالة الرابعة – وهي الأهم وهي محور نقاشنا -:
إذا اختلف الصحابة في تفسير الآية على قولين فأكثر، فهل يجوز إحداث قول بعدهم؟
هذه المسألة هي التي سنشبعها بحثاً إن شاء الله تعالى
كلّ من قرأ يعلم أنك ما أشبعتها بحثاً , ولا أحسنت لها ردّاً , وما زلت كما كنت , وحين أقرأ أمانيك هذه أتذكر قول ابن الدّمينة في آخر قصيدة له أكثر فيها من الأماني , ثم قال :
أكثرت من ليتني لو كان ينفعني *** ومن مُنى النفس لو تُعطى أمانيها

كلما جئنا إلى هذه المسألة خطب فينا أبو حسان خطبة بليغة ؛ فيها كل شيء إلا الدليل , وفيها ألوان التهم والتحقير وقلب مقاصد الأولين والآخرين , وألوان التعاظم والتعالي , ممّا يستحي العاقل من قراءته فضلاً عن كتابته .
فإذا انتهى الخطاب رجعت إلى نفسك تفتش عن بحث أو دليل فلا ترى شيئاً .

أدعو كلَّ قارئ منصف إلى قراءة جواب أبي حسان عن هذا السؤال , تجده .. لا جواب .
بل هو من أوّله إلى آخره صراعٌ نفسي مع السلفيين , وخصومة جائرة لا أعلم لها سبباً , ولا أرى لها مناسبة مع السؤال !!
ما أسهل الجواب عن (هل) ؛ إما نعم أو لا , ثم اذكر دليلك , ثم فنّد ما تحب .
هكذا أصول البحث العلمي , وهكذا يفعل من يحسن الحوار .
أمّا هنا فلا بحث أصلاً , ناهيك عن ( إشباعها بحثاً ) .


إذا اختلف الصحابة في تفسير الآية على قولين فأكثر، فهل يجوز إحداث قول بعدهم؟

رأي جمهور السلفيين: أن الصحابة إذا اختلفوا في التفسير فإنه لا يجوز إحداث قول بعدهم.
وهذا الرأي قال به جمع منهم، كالإمام أحمد، والآجري، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وغيرهم
سأخبرك عن (غيرهم) , وسأكثر عن غير (السلفيين) على تصنيفك :
- قال الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 / 268 : (إذا اختلف أهل العصر في مسألة على قولين، هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث ؟
اختلفوا فيه: فذهب الجمهور إلى المنع من ذلك، خلافا لبعض الشيعة, وبعض الحنفية, وبعض أهل الظاهر) وبعد حكاية قول الغزالي والقاضي عبد الجبار قال 1 / 269 : (والمختار في ذلك إنما هو التفصيل وهو أنه : إن كان القول الثالث مما يرفع ما اتفق عليه القولان، فهو ممتنع لما فيه من مخالفة الإجماع).
- وقال الرازي في المحصول 4 / 159 : (إذا استدل أهل العصر بدليل أو ذكروا تأويلا ثم استدل أهل العصر الثاني بدليل آخر أو ذكروا تأويلا آخر فقد اتفقوا على أنه لا يجوز إبطال التأويل القديم لأنه لو كان ذلك باطلا وكانوا ذاهلين عن التأويل الجديد الذي هو الحق لكانوا مطبقين على الخطأ وهو غير جائز , وأما التأويل الجديد فإن لزم من ثبوته القدح في التأويل القديم لم يصح .. وإما إذا لم يلزم من صحة التأويل الجديد فساد التأويل القديم جاز ذلك والدليل عليه أن الناس يستخرجون في كل عصر أدلة وتأويلات جديدة ولم ينكر عليهم أحد فكان ذلك إجماعا) .
- قال أبو إسحاق الشيرازي في اللمع في أصول الفقه 1 / 262 : (واعلم أنه إذا اختلفت الصحابة في المسألة على قولين وانقرض العصر عليه لم يجز للتابعين إحداث قول ثالث . وقال بعض أهل الظاهر : يجوز ذلك . والدليل على فساد ذلك هو أن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما , كما أن إجماعهم على قول واحد إجماع على إبطال كل قول سواه , فلما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول واحد ؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين) .
- وقال الغزالي في المستصفى 1 / 388 : (إذَا اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ كَحُكْمِهِمْ مَثَلًا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا تُرَدُّ مَعَ الْعُقْرِ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْعِ الرَّدِّ . فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ كَانَ الْمَصِيرُ إلَى الرَّدِّ مَجَّانًا خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ , وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى الرَّدِّ مَجَّانًا ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ بِجُمْلَتِهِمْ لَمْ يَخُوضُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا نُقِلَ فِيهَا مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ ، فَلَوْ خَاضُوا فِيهَا بِجُمْلَتِهِمْ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْهَبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ مَذْهَبٍ ثَالِثٍ . وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ نِسْبَةَ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ إذْ لَا بُدَّ لِلْمَذْهَبِ الثَّالِثِ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ نِسْبَةِ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِهِ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ) .
- وقال في المسودة 1 / 289 : (اذا اختلفت الصحابة على قولين لم يجز لمن بعدهم احداث قول ثالث يخرج عن أقاويلهم . نص عليه , وهو قول الجماعة , وأجازه بعض الناس ؛ قال ابن عقيل : هو قول بعض الرافضة وبعض الحنفية . وقال ابن برهان : هو قول أصحاب أبى حنيفة وأهل الظاهر . وقال أبو الطيب : هو قول بعض المتكلمين . ورأيت بعض الحنفية يختاره وينصره , وقال الجوينى : هو قول شرذمة من طوائف الأصوليين) .
- وقال الزركشي في البحر المحيط في الأصول 6 / 192 : (إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ ، فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ؟
فِيهِ مَذَاهِبُ :
الْأَوَّلُ : الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنْ لَا قَوْلَ سِوَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ . قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ إلْكِيَا : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ الْفَتْوَى ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ : إنَّهُ مَذْهَبُنَا ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَكَذَا الرُّويَانِيُّ ، وَالصَّيْرَفِيُّ ، وَلَمْ يَحْكِيَا مُقَابِلَهُ إلَّا عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ . قَالَ الصَّيْرَفِيُّ : وَقَدْ رَأَيْته مَوْجُودًا فِي فُتْيَا بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ قَالَ هَذَا مُنَاقَضَةً ، أَوْ غَلَطًا ، أَوْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ . وَكَذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ ، لَمْ يَحْكِ مُقَابِلَهُ إلَّا عَنْ دَاوُد ، فَقَالَ : إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِّ السُّكْرِ ، فَقِيلَ : ثَمَانُونَ ، وَقِيلَ : أَرْبَعُونَ ، فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُمَا ، وَقَالَ دَاوُد : لَا يَكُونُ هَذَا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ مُخَالَفَةٌ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا الِاخْتِلَافَ . قَالَ : وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ غَيْرُ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " : هُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ " ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ " ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ الْأُصُولَ ، وَعَدَّ فِي جُمْلَتِهَا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ .
وَالثَّانِي : الْجَوَازُ مُطْلَقًا . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُهُ وَيَنْصُرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَالظَّاهِرِيَّةِ ، وَنَسَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى دَاوُد .
وَالثَّالِثُ : -وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ- أَنَّ الثَّالِثَ إنْ لَزِمَ مِنْهُ رَفْعُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ ، وَإِلَّا جَازَ ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " يَقْتَضِيهِ) .
- وقال في شرح الكوكب المنير 1 / 409 : ((وَإِذَا) كَانَ مُجْتَهِدُوا عَصْرٍ (اخْتَلَفُوا) فِي مَسْأَلَةٍ (عَلَى قَوْلَيْنِ حَرُمَ إحْدَاثُ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ : كَمَا لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ وَالطُّوفِيُّ وَجَمْعٌ : إنْ رَفَعَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ حَرُمَ إحْدَاثُهُ وَإِلَّا فَلَا. فَمِثَالُ مَا يَرْفَعُ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ : إذَا رَدَّ بِكْرًا بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْئِهَا مَجَّانًا. فَهَذَا الْقَوْلُ يَحْرُمُ إحْدَاثُهُ) .
- وقال في كشف الأسرار شرح أصول البزدوي 6 / 130 : (أَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي حَادِثَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَوْ أَقَاوِيلَ مَحْصُورَةٍ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ سِوَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، وَأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ آخَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ . وَإِنَّمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ : (إنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا) بِقَوْلِهِ : (أَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ) وَعَطَفَ قَوْلَهُ : (وَكُلُّ عَصْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْضًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَفِي اخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ اخْتِلَافٌ) , ثم قال في 6 / 131 – 132 : (فَإِذَا اخْتَلَفُوا عَلَى أَقْوَالٍ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى حَصْرِ الْأَقْوَالِ فِي الْحَادِثَةِ إذْ لَوْ كَانَ وَرَاءَ أَقْوَالِهِمْ قَوْلٌ آخَرُ مُحْتَمِلٌ لِلصَّوَابِ لَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ إجْمَاعًا عَلَى الْخَطَأِ وَلَوَجَبَ نِسْبَةُ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلْقَوْلِ الْخَارِجِ مِنْ دَلِيلٍ , وَلَا بُدَّ مِنْ نِسْبَةِ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِهِ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ) أَيْ بِجَمِيعِ الْأُمَّةِ (الْجَهْلُ بِالْحَقِّ وَالْعُدُولُ عَنْهُ) , فَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِمْ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَا هُوَ الْحَقُّ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ) .
- وقال في التقرير والتحبير شرح التحرير 5 / 115 : (مَسْأَلَةٌ (إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ (لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) فِيهَا (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ , وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ , وَالشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ . (وَخَصَّهُ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ إحْدَاثِ ثَالِثٍ (بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِالصَّحَابَةِ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا مِنْهُمْ فَلَمْ يُجَوِّزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثَ ثَالِثٍ فِيهَا) .
- وقال في غاية الوصول في شرح لب الأصول 1 / 105 : ((فعلم) من حرمة خرقه (تحريم إحداث) قول (ثالث) في مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولين (و) إحداث (تفصيل) بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر. (إن خرقاه) أي إن خرق الثالث والتفصيل الإجماع بأن خالفا ما اتفق عليه أهل عصر، بخلاف ما إذا لم يخرقاه) .

إذاً .. هذا قول عامة الفقهاء وجمهور الأصوليين ؛ ويكاد يكون إجماعاً منهم لولا خلاف شرذمة من الأصوليين , كما قاله الغزالي والجويني .
فأين : (سأشبعها بحثاً) ؟!


وقد أطنب ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين - كعادته حينما ينتصر لفكرة معينة - في تقرير هذا المذهب وحشد الأدلة له، وما ذكره أخي أبو بيان يُعد بعضاً منه ولم يزد شيئاً
اختصرتُ الكلام ولخصتُه -مراعاةً لك- .. ولم تُجب , وأطال ابن القيم وأطنب .. ولم تُجب , فماذا نفعل ؟!


وكل الذي ذكره ابن القيم وغيره ممن انتصر لهذا المذهب لا يُعد دليلاً بل هي تعليلات وانطباعات وتهويل وحشد لقصد نصر الفكرة لا غير
وهذا الذي تفعله أنت هنا .. ماذا تسميه ؟!
ابن القيم يا سادة ذكر ستةً وأربعين دليلاً على وجوب اتباع الصحابة وحجية أقوالهم ؛ كلُّ دليل منها بشرحه وتعليله وبيانه تامّاً وافياً , مع التعرض للإيرادات واعتراضات المخالفين عليها والجواب عنها في كثير منها .
فأين الانطباعات والتهويل .. هنا أم هناك ؟!
ولماذا تستخفُّ بعقولنا يا أبا حسان ؟


والذي دعاهم لنصرة هذا المذهب هو ما حدث من آراء عقدية استجدت في الساحة الإسلامية بعد جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فكان من ردة الفعل لهذه الآراء أن وضعت قواعد مغرقة في التقليد حتى يتمكنوا من غلق الباب عن كل رأي جديد
أحاديّة التفكير ؛ وإرجاع الظواهر إلى سبب واحد .. أكبر دليل على ضعف العقل وضيق التفكير .
لا أدري كيف يدعي التجديد والعقل من يفكر هكذا ؟!
أجزم أنك لم تقرأ (إعلام الموقعين) كما ذكرت , أو –وأعيذك منها- قرأته وتكابر , فإنه يكاد يكون كله في ذم التقليد وأهله والنعي عليهم , والأمر بالنظر والاجتهاد كما كان الصحابة والأئمة بعدهم .
فأين القواعد (المغرقة) في التقليد ؟!
وكل من سمَّيتهم مع ابن القيم ؛ كالإمام أحمد وابن تيمية وابن رجب وابن عبد الهادي من أشد الناس ذَمّاً للتقليد وأعظمهم اجتهاداً وتجديداً في دين الله , وكتبهم والأئمة ممّن وافقهم وخالفهم يشهدون بذلك .
وهب أنهم نصروا ذلك القول فقط (ردَّة فعل) لآراء عقدية ظهرت بعد زمن الصحابة كما ذكرت ؛ فلماذا يختاره وينصره : عامّة الفقهاء وجمهور الأصوليين ؟!
لماذا نصّ عليه الإمام الشَّافِعِيُّ واختاره مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ والآمدي والرازي وأبو إسحاق الشيرازي والغزالي والجوينى والزركشي والْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وإلْكِيَا وابْنُ بَرْهَانٍ والْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَا الرُّويَانِيُّ ، وَالصَّيْرَفِيُّ وابْنُ الْقَطَّانِ وابْنُ مُفْلِحٍ وَالطُّوفِيُّ وزكريا الأنصاري وغيرهم وغيرهم . وبعضهم صاروا أئمة لبعض الآراء التي ظهرت بعد زمن الصحابة .
نحن لسنا أطفالاً أبا حسان حتى تغالطنا وتلبّس علينا هكذا .
إنا نعي ما نقرأ , ونفهم ما تقول , فلا تعد إلى هذا الأسلوب الساذج في الاستدلال .


ولعل أقرب مثال لذلك نفي ابن تيمية للمجاز وكذا بعض تلاميذه، وفعلهم هذا مكابرة ومصادمة لحقيقة لا يمكن إنكارها، وإنما لجأوا للنفي حتى يغلقوا الباب على خصومهم ممن يرى تأويل الصفات متذرعاً بالمجاز اللغوي، فلاحظ كيف كابر منكروا المنجاز الحقيقة نصرة لمذهبهم
لا يخفى على القارئ كيف انحرفت بالموضوع لتصل به إلى هذا , وللأسف فهمك له ليس بأحسن من فهمك لما قبله , فلن ننجرّ معك إليه .


وتأمل كلام الإمام أحمد – رحمه الله – بخصوص هذه المسألة تجد عين ما قلته، فإنه حينما سئل : هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ؟ فأجاب رحمه الله: "هذا قول خبيث، قول أهل البدع ، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا".
فانظر كيف تم ربط المسألة بأهل البدع ويقصد بهم أرباب المقالات التي استجدت في الساحة الإسلامية
من أعظم آثار جواب الإمام أحمد هذا = غلق الباب أمام البدع وأهلها , ولا ينكر هذا أحد , وهذا ممّا أوجبه الله علينا , وأمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم , وهذه نتيجة طبيعية لاتباع أقوال الصحابة والاحتجاج بها , فلماذا تغضب من هذا أبا حسان ؟!
أجمع المبتدعة على عدم اعتبار أقوال الصحابة فيما اختلفوا فيه وفيما اتفقوا فيه . وتأمّل هذا تجده جليّاً في كل طائفة أحدثت ما لم يكن على زمن رسول الله وأصحابه , فكل المبتدعة مشتركون في هذا .
وقد تنبه لهذا رؤوس المبتدعة وأهل الكلام في تاريخ الإسلام , واجتهدوا في تجاوزه مبكراً , وأصّلوا لذلك أصولاً تضمن لهم فهم النصوص بعيداً عن فهم الصحابة رضي الله عنهم , وأبرزها :
- تقديم العقل على النقل .
- وفهم القرآن بلسان كل زمان .
واقرأ ما قاله الإمام أبو الحسن الأشعري مبيناً وجه فساد تفسير شيخه أبي علي الجُبّائي , حين قال : (ورأيت الجبائي ألف في تفسير القرآن كتاباً أوَّلَه على خلاف ما أنزل الله عز وجل , وعلى لغة أهل قريته المعروفة بِجُبّى –بين البصرة والأهواز- , وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن , وما روى في كتابه حرفاً واحداً عن أحد من المفسرين , وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه) . السير 14/183 , وشذرات الذهب 4/18,130 .

نعم لا ينبغي لأحد أن يخرج عن أقاويل الصحابة إذا اختلفوا , ومن خرج عنها ابتدع ولا بد ؛ لأن الله تعالى ضمن لنا أن الحق فيها , وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم .


هذا إن صح النقل عن الإمام أحمد، مع أني استبعد ثبوت ذلك عنه، حيث إن إمامته ومكانته التي حباه الله إياها تأبى صدور ذلك منه
من الطبيعي أن تشك في ثبوتها عنه ؛ لأنها لا توافق هواك .
لا مزيد من التلبيس أبا حسان ؛ ولا حاجة للظهور بمظهر الورع المتثبت , فقد أخبرتنا في أول كلامك أن هذا قول الإمام أحمد , ثم نقلت هذا عنه هنا منكراً عليه , ولا وجه لإنكار ثبوتها عنه وقد نقلها عنه القاضي أبو يعلى من رواية عبد الله ابن الإمام أحمد وأبي الحارث .


إن محاولة هؤلاء حشر الأمة بأقوال الصحابة وتحريم الخروج عليها هو من باب غلق الباب عن كل جديد
لماذا تستعجل النتائج ؟ أين المنهج العلمي ؟ وأين الاستدلال ؟ بل أين العقل والإنصاف عن الدراسات التجديدية في التفسير والتي لا ينكرها إلا مكابر ؟
أم لابد في التجديد أن يكون بالابتداع حتى تقبله ؟


ومع الأسف لم يستطيعوا ولم يحسنوا لغة الحوار والمناظرة مع خصومهم، فلجأوا إلى لغة الإقصاء والمنع من محاورتهم وأفتوا بتحريم ذلك، وهل الحقيقة تُحجب بمجرد المنع؟
صدقت كان بالإمكان طردك , ومنعك من المشاركة في الملتقى , ولكن .. مازلنا نحاورك , وتقول ما تحب كما تحب , وحين أردت مجاملتنا في بعض المشاركات أبينا عليك إلا أن تأخذ حريتك في الكلام , وتطرح ما تعتقد .
فأيّ إنصاف أعظم من هذا ؟!
وأين الإقصاء والمنع ؟!
وأين أنت من عقل وحوار الكناني في (الحيدة) , وأبو حنيفة , وأحمد , والشافعي , وابن جرير , والباقلاني , وابن تيمية , وغيرهم كثير ؟


إن الدليل الذي يصمد أمام النقد هو الدليل الذي يستحق الإشادة ويُسلم له، وهذا لا يكون إلا من الكتاب والسنة بحيث يكون واضح الدلالة في المقصود، وكذا الدليل المعلل على أصول لا تقبل النقض
ما أسهل الكلام أبا حسان .. حتى الآن ما رأينا في كلامك شيئاً من ذلك , فتقريرك في واد وتطبيقك في واد آخر .


إذا علمنا هذا فإن كل ما يذكره هؤلاء من تعليل لنصرة هذه الفكرة - أعني أصل مسألتنا - فإنه لايثبت أمام النقد العلمي، لأن الفكرة أُصلت أولاً بلا دليل ثم تكلفوا الأدلة لنصرتها ولتمريرها على العامة بحيث لا يُقبل بعد ذلك أي رأي يستجد من أي فرقة مهما كان في القوة.
وهذا هو أساس المشكلة برمتها
أعانك الله على فهمك , وأعاننا الله عليه .
( كُلّ ما يذكرونه .. لا يثبت أمام النقد العلمي ) ,
وكيف ثبت كل هذه القرون ؟
ولماذا لم ينقده أحد من العلماء - قبلك ؟
بل لماذا لم تنقده أنت (نقداً علمياً) ؟


وليتهم وقفوا عند هذا الحد وحسب، ولكنهم لجأوا أيضاً إلى أسلوب الإرهاب الفكري، فأصدروا الفتاوى المغرقة بالتطرف والمحذرة من كل قول جديد، حتى وصل الحال ببعضهم أن أصدروا فتاوى التكفير في حق كل رأي يخالف بزعمهم رأي السلف
(الإرهاب الفكري , التطرف , فتاوى التكفير) هذا كلام جرائد , انقله في الصحف الالكترونية والمواقع الفكرية وناقشه هناك .
ولا يقوله إنسان يحمل الدكتوراه في علم شرعي , فضلاً عن الدكتوراه في القرآن وعلومه ؛ ولذلك أنا أشك في هذا .


ومع الأسف فإن أبناء هذا العصر انساقوا خلف ما تم تأصيله في عصور قديمة ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في أسباب هذا التأصيل ومدى موافقته للحقيقة، بل زاد الطين بله أن صرنا نقرر كل ما قالوه ونتعامل به مع واقعنا على أنه حقيقة مسلمة ولا يجوز أن نتعداها، مع أن الواقع اختلف جذريا فلم تعد كثير من تلك الأزمات الفكرية موجودة الآن، بل استجدت أزمات أخرى نحن بحاجة إلى تنزيل نصوص الوحيين عليها بأصول جديدة مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة
اقرأوا هذا بتمعن :
بل استجدت أزمات أخرى نحن بحاجة إلى تنزيل نصوص الوحيين عليها بأصول جديدة مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة
هذه حقيقة دعوتك أبا حسان , أصولٌ جديدة لفهم القرآن , تقوم على ركنين :
الأول : أنها جديدة معاصرة .
الثاني : أنها مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول القديمة التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة .
كم سمعت هذا من العلمانيين والحداثيين وأصحاب القراءات الجديدة للقرآن الكريم , وكم سعت إلى هذا أمم الاستشراق ومراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية , إنه –بالنص- ما يسعون إليه ويروجونه بكل وسيلة إعلامية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى سياسية .
أصول المبتدعة في فهم القرآن هي الأصول التي يدعوا إليها وينادي بها أعداء الإسلام صراحةً ؛ لأنه لا سبيل لهم لتغيير أديان الناس ومفاهيمهم العقدية والشرعية إلا من خلالها .
هل رأيت أحداً من المستشرقين أو العلمانيين أو نحوهم يدعو الناس إلى التمسك بفهم الصحابة وتفسيرهم للقرآن وأن لا يخرجوا عنه أو يخالفوه ؟!
وهذا ما أدركه عقل أولئك السلف ؛ أن البدعة دهليز الكفر , ولذا حذروا منها أشد التحذير , بل اشتدت عبارتهم في ذلك , فلا تستغرب عبارة الإمام أحمد حين يصف قول من يخرج عن أقوال الصحابة أنه مبتدع خبيث . فجزاهم الله أعظم الجزاء وأوفاه .
ولا أدري أيّ دين سنكون عليه لو أخذ الناس برأي أبي حسان وأصوله في فهم القرآن من قديم ؟



وكان الأولى بها أن تموت مع أصحابها كما ماتوا.
بعض أهل البدع ممّن سبق كانوا يجيدون الهدم .. ولا يحسنون البناء , أمّا أنت فلا تجيد الهدم ولا تحسن البناء .
هذه الأصول لن تموت لأنها الحق ؛ والحق باقٍ ولو كره المجرمون .
ولأن من يعارضها من أهل الباطل ليسوا كفئاً لهدمها وإماتتها , بل لهم أعظم نصيب ممّا قال الله : { إن شانئك هو الأبتر } .
وها أنذا أخبرك أبا حسان :
لن تستطيع هدمها , ولن يستطيعه أحدٌ غيرك بإذن الله , وأقول هذا عن علمٍ ويقين , وحوارنا هذا مثالٌ يسير على ذلك .
 
نزولاً عند رغبة أخي المشرف الدكتور عبد الرحمن فقد اختصرت كل ما أريد أن أقوله ، وسيكون مجموعاً في هذه المشاركة لنختم به هذا الحوار.

من الأدلة على بطلان القاعدة المزعومة:

1- أنه لا يوجد دليل من كتاب أو سنة يدل على أنه لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة في التفسير، كما أنه لا يوجد دليل من كتاب أو سنة يدل على أن الحق لا يخرج عن أقوال الصحابة في فهم وتفسير القرآن، والأدلة التي يذكرها من يعتقد ذلك كلها أدلة تدل على فضلهم لا على علمهم، وليس بين الفضل والعلم أي ارتباط.

وأتحدى – بلغة صاخبة - هؤلاء السلفيين أن يأتوا بدليل واحد من كتاب أو سنة يحرم الخروج عن أقوال الصحابة في التفسير، أو يوجب الأخذ بأقوالهم وطرح ما سواها.

2- أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يحرمون الخروج عن أقوالهم.

3- أن الصحابة كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يفسرون بعض الآيات فيخطئون في تفسيرها فيصحح لهم النبي صلى الله عليه وسلم فهمهم، وهذا دليل على أن تفسيرهم مبني على الاجتهاد البشري المحض، وأنه قابل للخطأ والصواب فكيف يكون حجة يحرم مخالفته.

4- أن الصحابة يختلفون أحيانا في تفسير بعض الآيات اختلاف تضاد، فكيف تكون جميع أقوالهم حقاً ، إذ الحق لا يتضاد ولا يختلف.

5- أن المنع من إحداث قول خارج عن أقوالهم أوقع المانعين في حرج شديد أمام المعاني القرآنية التي لم تُفهم إلا في أزمنة متأخرة، وعلى سبيل المثال: هناك الإعجاز العلمي في القرآن والذي كشف معاني جديدة لبعض آيات القرآن لم يكن الصحابة يعلمون بها، لأن معطيات الزمن عندهم لم تساعدهم على فهم هذه الحقيقة التي أشار لها القرآن الكريم، وهذا من أكبر الأدلة الحسية على بطلان هذه القاعدة المزعومة، لذلك وجدنا هؤلاء السلفيين يقصون هذا العلم ويحاربونه أي محاربة لأن إقرارهم ولو بشيء يسير منه يعني إبطال قاعدتهم المزعومة، وهذه مشكلة التقعيدات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كم أضرت بهذا الدين؟ وكم جنينا من الويلات بسبب تأصيلات سُلمت على أنها في مقام نصوص الوحيين فجرت الويلات على الأمة، وأكبر شاهد على ما أقول فتنة التكفير التي نصطلي بلظاها اليوم دون أن نجرأ على تحليلها أو محاولة معرفة أسبابها.

6- أن القول بأنهم يعلمون جميع معاني القرآن قول لا يستند إلى أي دليل من أثر أو معقول، بل الواقع يشهد بخلاف ذلك.

7- أن القول بتحريم الخروج عن أقوالهم في التفسير فيه إضافة قدسية وعصمة للصحابة، وهو نوع من الغلو الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم.

8- أن بعض معاني القرآن الكريم قد خفيت على الصحابة وفسروها تفسيرا فيه اختلاف كبير ولا ثمة دليل على ترجيح قول دون قول مما اضطر بعضهم للتوقف في تفسيرها، فكيف يُمنع بعد هذا أن يجتهد من جاء بعدهم في محاولة إيجاد تفسير جديد لم يهتد له الأوائل.

9- أن الصحابة لم يتناولوا جميع القرآن بالتفسير، وإنما كانوا يفسرون ما يحتاج إلى تفسير دون توسع، وعليه فالقول بمنع الخروج عن أقوالهم يلزم منه ترك كثير من آي القرآن بلا تفسير، وهذا خلاف مقصد القرآن.


وأما تعليل أخي أبي بيان (( بأنه لا يجوز أن يغيب عن الصحابة شيء من دين الله فلا يعلموه , أو أن يعلموه فيكتموه عمَّن بعدهم , ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو :
- عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة- ,
- وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن- ,
- وكذا تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,
.. وغير ذلك ممَّا لا يقول به مسلم )).

فجوابي عليه من وجوه:
أولاً: قوله: ((لا يجوز أن يغيب عن الصحابة شيء من دين الله فلا يعلموه))

أقول: ما دليلك على أنه لا يجوز أن يغيب عليهم شيء من دين الله فلا يعلموه، هذا يُقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، أما الصحابة فكيف نقول هذا في حقهم، وما علاقة هذا بالبلاغ، الصحابة مؤتمنون على نقل الوحيين وهم عدول في ذلك، أما فهمهم للوحيين فهم بشر كغيرهم، ولا يوجد دليل على أن فهمهم هو بمنزلة الوحي ولا يجوز خلافه.

ثانياً: قوله: (( ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو : - عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة))

أقول: ما علاقة فهم الصحابة للقرآن بالبيان، وهل تفسير الصحابة كله مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقول ذلك، ولازم هذا القول أن كل ما يقوله الصحابة في التفسير يُعد وحياً معصوما، وهذا هو عين التقديس والغلو فيهم، وهنا أقول كما قلت سابقا أعطوني دليلاً واحدا من كتاب او سنة يدل على أن ما يقوله الصحابة فهو معصوم من الخطأ، وهيهات أن تأتوا بدليل.

ثالثاً: قوله: (( ويلزم منه وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن-))

أقول هذا مكابرة ، فإن الصحابة قد اختلفوا في التفسير وتوقف بعضهم في تفسير بعض الآيات، فماذا يعني هذا عندك؟ أليس هذا دليل صارخ بأن من القرآن مالا يعلمه الصحابة، وأقرب مثال على ذلك الحروف المقطعة هل تجزم بأن الصحابة كانوا يعلمون معناها.

رابعاً: قولك (( ويلزم منه تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,))
أقول: وهل جهل الصحابي يقدح في عدالته أو يدل على خيانته؟ ولازم قولك أنهم يعلمون كل شيء، ولازمه أيضاً أن كل شي جهلوه أو فسروه بالخطأ فهو خيانة منهم، كلامك مغرق في التشدد والغلو ، ولوازمه لو أقررتَ بها خشيتُ عليك من أمور تُخل في الاعتقاد.
والعجب أنكم جوزتم في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقوع الذنب منه وتجرأتم في نسبة ذلك إليه، وهو عليه السلام معصوم من مواقعة الذنب، ولم تعطوه حقه الذي يستحقه بأبي هو وأمي، وأما الصحابة فرفعتموهم فوق مكانة النبوة، وأبيتم وقوع الخطأ منهم فضلا عن الذنب، وهذا شبيه بما يقوله الشيعة من خزعبلات وترهات وعصمة لأئمتهم، وسبب ذلك كله الغلو والتعصب ومكر الشيطان فالله المستعان.
 
التطبيق

التطبيق

التطبيق
فيما سبق كان يغلب على النقاش جانب التنظير والتأصيل مما يجعل التصور أحيانا لبعض القراء غير واضح، والآن سأعطي مثالاً تطبيقيا يوضح مقصدي من هذا الموضوع لعله يقرب وجهات النظر أكثر إن شاء الله تعالى.
في قوله تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء).
هذه الآية لم يُنقل عن الصحابة في تفسيرها إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال – في قوله تعالى: { كأنما يصّعَّد في السماء } - قال : "كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه".
وقد أوضح هذا المعنى الذي أراده ابن عباس بعضُ التابعين، فروي عن عطاء الخرساني أنه قال: "كأنما يصعد في السماء يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء".
قال ابن عطية: " أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء".

وهذا المعنى الذي فهمه ابن عباس للآية وفسرها على ضوئه نطرح حياله عدة أسئلة:
1- هل هذا التفسير من ابن عباس يُعد في حكم المجمع عليه من قبل الصحابة ؟
2- هل يجوز نقد هذا التفسير المروي عن ابن عباس ؟
3- هل يجوز إحداث قول مخالف لهذا التفسير ومعارض له؟
من يرى أنه لا يجوز إحداث قول خارج عن أقوال السلف يجيب على جميع الأسئلة بعدم الجواز، ويرى أن هذا التفسير هو في حكم المجمع عليه ولا يجوز نقده ولا معارضته.

وعليه فإن التفسير الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي في العصر الحديث يُعد معارضاً لهذا التفسير المنقول عن السلف، وعليه فيجب رده وعدم قبوله. (هكذا يقول السلفيون)
ونأتي الآن لبيان التفسير المعاصر الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي حيث قالوا : معنى الآية أن من يرد الله إضلاله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كحال من يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس بسبب انخفاض الضغط الجوي وقلة الأوكسجين.
والآية ليس معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يمتنع عليه الإيمان كامتناع الصعود إلى السماء على الإنسان – كما يقوله السلف - وإنما معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يجعل صدره ضيقا حرجا عن قبول الإيمان، فهو إذاً دائم الشعور بالضيق والحرج في صدره، وهذا الضيق سببه الكفر، وهذا الضيق الذي يشعر به في صدره يشبه الضيق الذي يحصل لمن يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس مما يعكر عليه مزاجه.
وكما هو ملاحظ فإن هذا التفسير مغاير تماماً للمروي عن ابن عباس في تفسير الآية.
فهل نقول أخطأ ابن عباس في تفسير الآية ؟
الذي أراه أن هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما لا يعدو أن يكون اجتهاداً منه في فهم الآية، وهذا الاجتهاد مبني على معطيات بشرية وزمنية، وهي قابلة للخطأ والصواب، وليس لها أي عصمة من الخطأ، وعليه فما المانع أن ننتقد هذا التفسير بنقد علمي ونعارضه بالتفسير العلمي المعاصر ونذكر أدلتنا التي تؤيد القول المتأخر على المتقدم.
ومما يمكن أن يوجه لأثر من ابن عباس من نقد أن يُقال:
1- أن الآية جاءت بصيغة الظرفية في قوله: (في السماء) وهذا يفيد بأن التصعد يكون حقيقة في ظرف السماء، ولو كان المعنى على ما قال ابن عباس لجاءت الآية بلفظ (إلى السماء).
2- أن تفسير ابن عباس يسلتزم تقديرا في الآية وهو "يريد" أو "يحاول" والقاعدة أنه إذا تعارض ظاهر الآية مع إحتمال التقدير قدم الظاهر.
3- أن السياق يُعارض المعنى الذي قاله ابن عباس، فقوله: ( يجعل صدره ضيقا حرجا) هذا الضيق والحرج لا يتأتى لمن يحاول أن يصعد إلى السماء، وإنما يحدث لمن يصعد حقيقة، كما كشف ذلك العلم الحديث.
4- قوله : (يصعد) بتشديد الصاد يفيد التدرج بالصعود وهذا المعنى لا يتأتى على قول ابن عباس بأنه من يحاول الصعود، لأن من يحاول الصعود لا يكون منه تدرج في الصعود.
5- أن قوله (يصعد) أصله يتصعد ، والتصعد يعني وقوع التصعد حقيقة، بخلاف من يحاول الصعود فإنه لا يقع منه تصعد .
 
من لا يحسن فهم أقوال السلف .. لا يحق له محاكمتهم .

وهذا أساس مشكلة أبي حسان مع أقوال السلف , ومثاله السالف في { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } , مع هذا المثال هنا عن مجاهد دليل على ذلك .

الأدلة:
أول دليل ينقض هذه القاعدة المزعومة: أن مقرري هذه القاعدة هم أول من خالفها.

حيث نجد لهم أقوالاً كثيرة في التفسير وغيره لم تكن موجودة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم
قولك إن لهم (أقوالاً كثيرة في التفسير لم تكن موجودة..) هذا أشد ما نحتاج إليه ؛ فهلاّ أكثرت منه ؟
من يريد هدم أصولٍ ثبتت قروناً ينبغي أن يتهيّأ بعشرات الأدلة , وينتقي من الأمثلة الوافرة , ويتخير من كثرتها ؛ ليعيد الأمة إلى ما غفلت عنه , وما جهلته .
لكن مع إشكالية فهم الأمثلة , وما أراد به السلف .. كان لا بد لها أن تقل كثيراً .
وأنا أحمد الله على ذلك ؛ فإن الأمثلة المذكورة –على قلتها- كافية في تحديد الصورة , وبيان الحال .
ومن العدل أن أقول : إن كثرة هذه الأقوال عند أبي حسان ربما جاءت من جهة عَدِّه التفسيرَ والاستنباطَ معاً .
وهذه إشكالية أخرى !
فلا علاقة للاستنباط بموضوعنا كما قررنا جميعاً –المتحاورون ومدير الحوار- منذ بدايته .
ومن لا يُفَرِّق بين التفسير والاستنباط ليس أهلاً أن يتكلم في هذه المسألة , وأبو حسّان من أوّل حوارنا هذا إلى آخره لم يتكلم في الاستنباط بشيء .


فماذا يعني هذا الأمر؟
لا بد أن يعني هذا عندك أمراً واحداً – كعادتك - ,
ولا بد أن يكون متعلقاً بالمقاصد – كما عوّدتنا - .


ليس له إلا تفسير واحد وهو : أن هذه القاعدة وضعت لمقاصد من أهمها تضييق الدائرة على المخالفين بحيث يُمنعوا من كل رأي جديد يعجز أصحاب التوجه السلفي عن رده بالحجة والبرهان
عقدة التآمر .. لا تليق بعقل يدعو إلى التجديد والانطلاق .


وأما هم فينسون أو يتناسون ما يزيدونه من آراء واجتهادات من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من السلف رضوان الله عليهم
نعم نحن نجتهد كما اجتهدوا , وكما علّمونا أن نجتهد , ونجدد فيما نجتهد , ولا نحاصر عقولنا حيث يسعنا الانطلاق , وانظر إلى سعة وجِدّة وشمول دائرة العقل والنظر والتجديد والاجتهاد عندنا :
- نجتهد في تحديد ما أجمعوا عليه وتحقيقه .
- وفي الترجيح بين أقوالهم عند الاختلاف .
- وفي الاختيار من أقوالهم إذا اختلفوا .
- وفي الجمع بين أقوالهم حين تتغاير والمعنى واحد .
- وفي الزيادة عليها من جهة التفسير بالمثال وبجزء المعنى وباللازم .
- وفي تنزيل المعاني على الوقائع المستجدة .
- والاستشهاد بالآيات على الواقع .
- وفي كل ما كان وراء التفسير -وهو الباب الأعظم للنظر والتأمل والتجديد والاستخراج- .

فانظر ما أعظم وأجلّ مجال النظر عند أهل السنة وأتباع السلف .
وانظر أخرى : هل فيها الاجتهاد فيما لم يقله السلف رضوان الله عليهم ؟
لا ولله الحمد ؛ لأنهم كفونا مؤونة إصابة الحق –فيما اجتمعوا فيه وفيما اختلفوا- , وقد ضمنه الله لنا على أيديهم .



وأما نحن فنقول مرحبا بكل فكرة جديدة ومرحبا بالقائل مهما كان توجهه واعتقاده، ليقل ما شاء فأمامنا أسس وقواعد علمية محكمة نتحاكم إليها ولا نُصادر أي رأي لمجرد أنه خالفنا
ولذلك نقول : مرحباً بك أبا حسان معنا .


ونتيح المجال لكل الأجيال بأن تقول ما تشاء وتفهم ما تشاء
هذا يؤكد حقيقة دعوتك إلى فهم جديد معاصر يغاير تماماً الفهوم السابقة للقرآن الكريم .
واعتبر أني من هذه الأجيال التي تبيح لها أن تقول ما تشاء , وتفهم ما تشاء ؛ فلماذا تُحرّم عليّ مخالفة إجماع الصحابة الثابت الذي أكّدت الأخذ به أوّل حوارنا ؟!
وما قيمة اعتبار هذا الإجماع إن كان لكل أحد في كل زمان أن يفهم كما يشاء ؟!
هل تعي معنى هذا أبا حسان ؟
بهذا أبطلت ما سبق أن أقررت به بوضوح , وهذه حقيقة رؤيتك للموضوع , وأخشى أن إثباتك إجماع الصحابة ليس إلا مجاملة لنا في أوّل الحوار , وما ظننتَ أنه سيكون أكبر عائق أمام دعوتك الصريحة آخراً .



فالحقيقة هي التي ستصمد وتبقى، وسيتهافت كل باطل، وهذه سنن إلهية لا تتحول ولا تتبدل، وهي التي تدافع عن نفسها وتنتصر لنفسها، وهي بغنى عن كل فرقة تريد مناصرتها
ولماذا تجهد نفسك في مناصرتها ؟!


وكمثال صارخ على ما أقول
لغة الصحافة وأساليب التهويل لا تليق بالحوار العلمي .


روي عن مجاهد أنه فسر قول الله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: "هو إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش"
التعامل السليم مع هذا الأثر مبنيٌّ على المنهج العلمي في قبوله , والفهم السليم له , وهذا ما لم يوفق له أبو حسان , وبيان ذلك في الآتي :

- بخصوص أثر مجاهد (أن المقام المحمود : جلوسه على العرش) :
أولاً : الأثر لا يثبت عن مجاهد ؛ لأنه من طرق عن ليث بن أبي سليم , عن مجاهد . وليث بن أبي سليم قال عنه الإمام أحمد : مضطرب الحديث . وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ليث لا يُشتَغل به ؛ مضطرب الحديث . (ينظر: ترجمته في ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب) . وله طرق أخرى عن مجاهد عن غير ليث , جمعها المروزي في كتاب (المقام المحمود) , وعدد بعضها الذهبي في العلوّ , وأسند منها الخلال في كتابه السنة , وجلّ أسانيدها ضعيفة , وقد يتقوى بعضها ببعض بعد الاطلاع عليها والجمع والتقصي , إلاّ أن الثابت عن مجاهد ما يأتي , وهو وفاق الجماعة .
ثانياً : ثبت عن مجاهد خلاف ذلك ؛ من طريق آدم بن أبي إياس , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح عنه قال : المقام المحمود : شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم . (ينظر : تفسير مجاهد 1/369) وهذا من الأسانيد الصحيحة الثابتة عن مجاهد رحمه الله , وله طرق متعددة إليه تنظر في تفسير ابن جرير 15/45 (ط:التركي) .

- في معنى المقام المحمود أقوال :
أولها : أنه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . وقد ثبت عن ابن عمر مرفوعاً في صحيح البخاري وغيره , ويحتمله لفظ الآية , وسياقها , وهو قول عامة الصحابة والتابعين –ومنهم مجاهد كما سبق- , وعليه جمهور المفسرين .
وثانيها : أنه جلوسه على العرش يوم القيامة . وقد روي من عدة طرق مرفوعاً –وأسانيدها شديدة الضعف ولا تصح بحال- , وموقوفاً عن ابن عباس وعبد الله بن سلام –وأسانيدها في الضعف أقرب من المرفوعات- , وروي عن مجاهد , والثابت عنه وفاق القول الأول .
والقول الثاني وإن كان يحتمله لفظ الآية , ولا يأباه سياقها = إلا أنه أمرٌ غيبي لا يُقبَل إلا من طريق الوحي , وحيث لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح القول به .
قال ابن عبد البر رحمه الله : (وعلى هذا أهل العلم في تأويل قول الله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} أنه : الشفاعة . وقد رُويَ عن مجاهد أن المقام المحمود : أن يقعده معه يوم القيامة على العرش . وهذا عندهم منكر في تفسير الآية , والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين , ومن بعدهم من الخالفين ؛ أن المقام المحمود هو : المقام الذي يشفع فيه لأمته . وقد رُويَ عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك , فصار إجماعاً في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة) التمهيد 19/63 – 64 .


وقد أطبق عامة السلفيين من لدن عصر الإمام أحمد إلى وقتنا هذا على قبول هذا الأثر عن مجاهد
هذا القول أنكره عامّة المفسرين , كما نصّ على ذلك الواحدي وابن عبد البر والذهبي وابن تيمية –كما سيأتي- وابن حجر , ولم يقبله إلا القلة ولأسباب سيأتي ذكرها .


وعدّوا هذا الأثر في حكم المرفوع ، وتواطؤا على وجوب الاعتقاد بما فيه، وتبديع كل من يرده، ورميه بأنه من الجهمية أو منحاز لهم
- من عَدّه مرفوعاً فلأنه قد روي مسنداً مرفوعاً , سواءً صح ذلك أم لا , وكذا ورد موقوفاً من غير ما طريق , ومثله عن الصحابي له حكم الرفع بالإجماع , فمثله لا يُقال بالرأي .
ومن لم يثبته من هذا الطريق أثبته من جهة صحته عن الإمام مجاهد عنده , قال الإمام الذهبي رحمه الله : (ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف ؛ فإنه قال : (قرأت القرآن من أوّله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما أقِفُه عند كل آيةٍ أسأله) , فمجاهد أجلّ المفسرين في زمانه , وأجلّ المقرئين ؛ تلا عليه ابن كثير , وأبو عمرو , وابن محيصن . فممّن قال إن خبر مجاهد يُسَلَّم له ولا يُعارَض ... ) ثم عَدّد جملةً منهم بعد أن بيّن مأخذهم السابق . العلو للعلي العظيم 2/1180 (ط:البراك) .
- واعتقاد ما فيه تابع لاعتقاد الثبوت , فمن ثبت عنده مرفوعاً وجب عليه اعتقاد ما فيه , ولفظ الآية يقبله كما سبق , والسياق لا يحيله .
- وتبديع كل من يرده ؛ ورميه بأنه من الجهمية أو منحاز لهم = كل ذلك تابع لاعتقاد الثبوت , والإيمان بالمعنى الذي تضمنه . ومن أنكره فلا شك في ابتداعه , وهو مذهب الجهمية في إنكار العندية لله تعالى , وإثبات أن الله تعالى في كل مكان .
قال الذهبي : (وما فسّر به مجاهد الآية كما ذكرناه فقد أنكره بعض أهل الكلام , فقام المروذي وقعد وبالغ في الانتصار لذلك , وجمع فيه كتاباً وطرقَ قولَ مجاهد) . العلو 2/1081 . فهذا الذي حمل بعض العلماء على المبالغة في الرد ؛ وهو أن من أنكر ذلك بعض أهل الكلام , لا أهل الحديث والأثر , فالإنكار جاء من جهة المعنى لا من جهة الثبوت .

وعلى هذا يحمل كل ما نقله عن الخلال في كتابه "السنة" , على أن الغلوّ مذموم ممّن جاء به , سواء من أتباع السلف أو غيرهم .


هذه بعض النقول من كتاب السنة للخلال فقط، وتأمل لغة الإقصاء والتبديع لكل من يخالف هذا الأثر، وكأن من يخالفه قد رد القرآن كله!
تلك اللغة تفهم من خلال سياقها وزمانها ومكانها , وما لا سبب له منها فلا يلزمنا , وليست هدياً لازماً للسلف .


وأما ابن تيمية فإنه تلطف في عبارته تجاه هذا الأثر ولم نر فيه تلك الشدة التي يستعملها تجاه خصومة حيث قال في درء تعارض العقل والنقل: "حديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول"
أكمل رعاك الله :
(وقد يقال : إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقا , لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود .. والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتا عن الرسول لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج) درء تعارض العقل والنقل 6 / 85 .
دعك من شدة ابن تيمية ولينه ؛ فنحن نفهم هذه الرسائل السلبية التي ترسلها خلال كلامك .
وما قاله ابن تيمية هو ما نقوله , ويقوله كل من أحسن البحث والفهم عن السلف , والواجب عليك -حال الإنصاف- إكمال عبارته لا اجتزائها .


وأما ابن القيم فقد انتصر له أيضا حيث ذكر من قال به وسكت من غير تعليق، قال في بدائع الفوائد : ( قال القاضي : ..
ابن القيم نقل كلام القاضي أبي يعلى وسكت , وكل كتابه (البدائع) تقريباً كذلك ؛ نقولٌ وفوائد , فكيف تَعدُّ ذلك إقراراً , فضلاً عن أن يكون انتصاراً له . ونحن نعرف رأيك في الإقرار السكوتي فيما مضى ؟!


وحجة هؤلاء قاطبة في قبول هذا الأثر عن مجاهد: أن الأمة تلقته بالقبول
ذكرت لك حججهم فيما سبق , ولكن هذا دأبك ؛ حُجّةٌ واحدة , وسبب واحد .



لاحظ كيفية الاحتجاج، وكيف خرموا - بحجتهم هذه - قاعدتهم التي تقول : كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل
بحسب ما سبق لم تُخرم القاعدة ؛ لأن مجاهداً مسبوقٌ فيما قاله , ولأنه ليس قولاً مخالفاً لتفاسير السلف , والقول به لا يُبطل القول الأول , ولكنا لا نذهب إليه لأنه أمرٌ غيبي محض لا نثبته إلا بالوحي , فلو لم يكن أمراً غيبيّاً لقبلناه لأنه لا يخالف القاعدة , وما ذكره ابن جرير والثعلبي عند هذه الآية يومئ إلى هذا .
وهذا يثبت عدم فهم القاعدة , أو عدم فهم هذا المثال بأكمله .



وهنا نطرح عدة أسئلة: من هذه الأمة التي تلقت هذا الأثر بالقبول؟
من قال أن الأمة تلقته بالقبول فلأنه ثبت عنده باجتهاده , ومعناه ثابت عنده بجملة نصوص .
ولا يبعد أن يكون حصول ذلك في زمن ما , ولعدة مواقف أدت لاشتهار هذا القول , حتى صار علامة فارقة بين أهل السنة وغيرهم , كما أصبحت جملة من المسائل الفقهية (كالمسح على الخفين) من ضمن رسائل الاعتقاد ؛ لأنها صارت شعاراً يتميز به أهل السنة عن غيرهم .


وكيف تتلقى الأمة هذا الخبر بالقبول وليس له سند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
ولست أدري تحت أي دليل أو حجة أو قاعدة أو أصل انطلقوا في تبديعهم لمن يرد هذا الأثر؟
كل هذا سبق بيانه .


وكيف حكموا على من رده بالظلال والبدعة مع أنه إنما رده لعدم ثبوته مرفوعا؟
أثبت ذلك .


ولست أدري كيف نجمع بين رأيهم هذا وبين ما اتفق عليه المحدثون والمفسرون قاطبة من عدم قبول تفسير التابعي لأمر غيبي إلا إذا اعتضد بدليل، وليس ثمة دليل هنا
هذا بحسب بحثك وفهمك .


وكيف؟ وكيف؟ أسئلة لا تنتهي أبدا، ولكن كما قيل : إذا عُرف السبب بطل العجب.
إذا ما السر وراء ذلك؟
لا أدري , ولكن يبدو أنه سبب واحد , ومتعلق بالمقاصد .


إن السر وراء ذلك كله هو إغراقنا في السلفية والتعصب المقيت لها، وسيرنا على خطى أتباعها دون وعي منا، ودون أن نُكلّف عقولنا ولو شيئا يسيراً لتحليل ما يقوله دعاة أتباع السلف، حتى صرنا نُسلم للقائل لا للمقولة، من باب الغلو والتعصب للأشخاص لا غير، فالله المستعان.
ومن السهل أن نقول إن عدائك للسلف وأتباعهم هو ما حملك على كثير ممّا قلت ؛ ممّا لا يقوم على بحث , ولا يعضده دليل , وإنما هو أحكام مسبقة , ومواقف شخصية حددت النتائج دون منهجية علمية , أو استدلال سليم .
 
شكرا أبا بيان
لكن ألا تلاحظ بأن كلام السلف أصبح كالطلاسم بحيث لا يفهمه إلا أنتم، وصرتم تتهمون كل من يخالفكم بأنه لا يفهم كلام السلف ولا يحسن الغوص في دقائقه.

والله صرنا صوفية، إشارات ودقائق ولطائف لا يفهمها إلا الشيوخ، وأما نحن فعلينا التسليم وحسب.

وللمعلومية:
فإنك لم تُشبع الرد على أثر مجاهد
وجيد أنك رددته فهذه بحد ذاتها تُعد منقبة وتشكر عليها
إلا أنه فاتك البعض فلم تعقب عليه.
 
بقيت بقيَّةٌ للحوار لدى الأخ نايف الزهراني طلب مني مهلةً خلال اليومين القادمين لإضافتها، ثم ألخصُ الحوارَ ، وأفتح المجال للتعقيب بإذن الله . وأرجو المعذرة لكل من استبعدت مداخلاتهم الأخيرة قبل إنهاء الموضوع ، حيث كررنا : نريد أن يبقى الحوار ثنائياً حتى ينتهي ، ثم نفتح باب التعقيبات .
صباح السبت 6/3/1431هـ
 
من الأدلة على بطلان القاعدة المزعومة:
1- أنه لا يوجد دليل من كتاب أو سنة يدل على أنه لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة في التفسير، كما أنه لا يوجد دليل من كتاب أو سنة يدل على أن الحق لا يخرج عن أقوال الصحابة في فهم وتفسير القرآن
أمّا الأدلة فسأفردها في المشاركة القادمة بإذن الله ؛ لكثرتها .


والأدلة التي يذكرها من يعتقد ذلك كلها أدلة تدل على فضلهم لا على علمهم، وليس بين الفضل والعلم أي ارتباط
سلمنا بذلك جدلاً , فاقرأ معي :
أجمعت الأمة أن الصحابة سادة الأولياء , وأفضل الخلق بعد الرسل , وأنهم أكمل هذه الأمة إيماناً . لا تخالفني في ذلك أبا حسان , كما لا يخالفه أحد من المسلمين .
فإن كان ذلك كذلك فأجبني :
كيف يكمل الإيمان بالجهل ؟!
كيف يكون أبو بكر أكمل الناس إيماناً بالله -بل لو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمانه بهم- ويكون أجهل الناس بدين الله في نفس الوقت ؟!
كيف يشرب عمر العلم والحكمة شرباً –كما أوّله له رسول الله صلى الله عليه وسلم- ويوافقه ربه في أكثر من مقام .. ويكون مع ذلك جاهلاً بدين الله ؟!
هكذا بكل بساطة : (كلها أدلة تدل على فضلهم لا على علمهم) !
وأيّ فضيلة أعظم من العلم ؟
وهل تُنال فضيلة إلا بالعلم ؟
وما قيمة الفضائل –مهما كثرت- بلا علم ؟
لو لم يكن إلا الأدلة التي تبين فضلهم فقط لكان فيها دليلاً على علمهم ؛ أليس العلم من الفضائل ؟ فكيف والأدلة الدالة على مكانتهم في العلم والفهم تكافئ الأدلة التي تبين فضلهم مجرداً في الوضوح والكثرة .


وأتحدى – بلغة صاخبة - هؤلاء السلفيين أن يأتوا بدليل واحد من كتاب أو سنة يحرم الخروج عن أقوال الصحابة في التفسير، أو يوجب الأخذ بأقوالهم وطرح ما سواها.
يا أخي رعاك الله أنت أوّل من يكذب نفسك !
ألم تقر بإجماعهم وأنه حجة لا يجوز الخروج عليها ؟
أليس الإجماع دليلاً كما أخبرتنا في أوّل ردٍّ لك ؟
أكثرت من التناقض أبا حسان ؟!
وقد أخبرتك من قبل أن (اللغة الصاخبة) لا تُحق حقاً ولا تُبطِل باطلاً .. فهوّن على نفسك .
ثم انظر أيّ دليلٍ صار به الإجماع عندك حُجة = فهو دليلٌ لنا على حُجِّيّة أقوال الصحابة , ولا فرق . وأنا أنتظر أيّ دليل تذكره في هذا , وسترى أنه يلزمك به التسليم بقول الصحابة .
إن إقرارك بإجماع الصحابة أكبر عقبة تعترض طريقك نحو التمثيل والتطبيق والرد ,
وأنت الآن بين أحد أمرين لا ثالث لهما :
- إما أن تؤكد إقرارك بإجماع الصحابة كما أخبرتنا , وتُبطِل كل ما يناقضه ممّا كتبته هنا وفي المشاركة السابقة .
- وإما أن تُكذّب نفسك فيما أخبرتنا به من الأخذ بإجماعهم .
( فاختر .. وما فيهما حظٌّ لمختار ) .



2- أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يحرمون الخروج عن أقوالهم.
وهل أقوالهم حجةٌ عندك حتى نذكرها ؟
كيف تطلب منّا دليلاً لا تقبله ؟
لو ذكرت لك قولاً من أقوالهم لرددته علينا , ولقلت : هذا رأيه الخاص , وقول واحد منهم .
هذا من المغالطة والتشغيب في الحوار , ولا يليق هذا بمن يريد الحق .


3- أن الصحابة كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يفسرون بعض الآيات فيخطئون في تفسيرها فيصحح لهم النبي صلى الله عليه وسلم فهمهم، وهذا دليل على أن تفسيرهم مبني على الاجتهاد البشري المحض، وأنه قابل للخطأ والصواب فكيف يكون حجة يحرم مخالفته
دليلك شرقيٌّ .. وأنت مُغرّبُ .
الصحابة بشر يجتهدون ويخطئون ويصيبون , وليست هذه مسألتنا .
مسألتنا :
هل يجمعون على باطل ؟
وهل تُضَيِّع الأمةُ نصّاً تحتاج إليه في دينها ؟
وكيف يكمل إيمانهم مع ذلك ؟


4- أن الصحابة يختلفون أحيانا في تفسير بعض الآيات اختلاف تضاد، فكيف تكون جميع أقوالهم حقاً ، إذ الحق لا يتضاد ولا يختلف
ومن قال إن جميع أقوالهم حقّ لا خطأ فيه ؟
نحن نقول : إن الحق لا يخرج عن أقوالهم .
وبينهما فرق .


5- أن المنع من إحداث قول خارج عن أقوالهم أوقع المانعين في حرج شديد أمام المعاني القرآنية التي لم تُفهم إلا في أزمنة متأخرة
أيهما أوفر معاني ؟ وأيهم أولى بالحرج ؟ :
من يقول كل القرآن معلوم المعنى في جيل الصحابة .
أو من يقول : إن من القرآن معاني لم تعرف حتى الآن .
الأول أوفر معاني وأبعد عن الحرج , بخلاف الثاني الذي لو قيل له : إن هذه الآية لم تعرفوا معناها إلى اليوم . لسكت .

ومعنى قولك : إن من القرآن معاني لم تُفهَم إلا في أزمنةٍ متأخرةٍ :
إن الأمّة كانت جاهلة بعض معاني كلام ربها طيلة قرون , وكانت فيها على الباطل كل تلك الأزمنة , ورضي الله لها ذلك , ولم تعرف معناه إلا في الأزمنة المتأخرة .
كما يلزم من كلامك هذا أن الحجة قامت على الصحابة بكلام لم يفهموا معناه .
وكل هذا تغني حكايته عن بيان بطلانه .



وعلى سبيل المثال: هناك الإعجاز العلمي في القرآن والذي كشف معاني جديدة لبعض آيات القرآن لم يكن الصحابة يعلمون بها، لأن معطيات الزمن عندهم لم تساعدهم على فهم هذه الحقيقة التي أشار لها القرآن الكريم، وهذا من أكبر الأدلة الحسية على بطلان هذه القاعدة المزعومة
بدأ كثير من المشتغلين بأبحاث الإعجاز العلمي للقرآن –بفضل الله- في إعادة تقييم بحوثهم التي غفلوا فيها عن اعتبار أقوال السلف في تفسير الآية , واكتشف أكثر من كان يظن أن هذا المعنى لم يعلمه أحد إلا في هذا القرن = أنهم كانوا على خطأٍ كبير , وذلك حينما بين لهم أهل العلم حقيقة المعاني التي ذكرها السلف , وكيف غابت عنهم أو أخطئوا فهمها .
ولذلك صرت ترى هذا الضابط المهم معتمداً في الهيئات التي تشتغل بأبحاث الإعجاز والتي تضم طائفة من أهل العلم .


لذلك وجدنا هؤلاء السلفيين يقصون هذا العلم ويحاربونه أي محاربة
لدينا من العقل وحسن النظر –بحمد الله- ما نجمع به بين هذا وهذا بغاية الإحسان . ولسنا كمن لا يقبل إلا هذا أو ذاك .


وكم جنينا من الويلات بسبب تأصيلات سُلمت على أنها في مقام نصوص الوحيين فجرت الويلات على الأمة
المبالغة والعقل لا يجتمعان .
كيف جرّ هذا التأصيل الأمةَ إلى الويلات ؟
وكيف عاشت عليه كل تلك القرون ورضيه المسلمون ديناً لهم , وانتشر به الإسلام شرقاً وغرباً ؟
إن هذه الأصول التي ينعى عليها أبو حسان هي من أعظم أسباب وحدة المسلمين وائتلافهم , واتحاد أصولهم وثوابتهم , وما عرفت الأمة الويلات إلا على يد من حاولوا هدم تلك الأصول , واستبدالها بأصول جديدة معاصرة تخالف تماماً تلك الأصول .
إن فِتَن المسلمين العامة , ومآسيهم الكبرى ما وقعت إلا على يد من لا يفهم القرآن بفهم الصحابة رضي الله عنهم , وهل كان يعتقد ذلك المأمون حين امتحن الأمة بفتنة القول بخلق القرآن ؟ بل هل كان يعتقده ابن العلقمي حين دعا التتار لهدم الخلافة واستباحة دار السلام ؟
تأمّل التاريخ .


6- أن القول بأنهم يعلمون جميع معاني القرآن قول لا يستند إلى أي دليل من أثر أو معقول، بل الواقع يشهد بخلاف ذلك
هذا تكرار صرف لبعض ما سبق .


7- أن القول بتحريم الخروج عن أقوالهم في التفسير فيه إضافة قدسية وعصمة للصحابة، وهو نوع من الغلو الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم
لا يلزم من اتباعهم وعدم الخروج عن أقوالهم اعتقاد قدسيتهم وعصمتهم .
وبحسب منطقك لو قلت : (إن في إقرارك أبا حسان بفضائلهم الكثيرة غلوّ فيهم حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم) لم أكن في ذلك إلا مثلك .


8- أن بعض معاني القرآن الكريم قد خفيت على الصحابة وفسروها تفسيرا فيه اختلاف كبير ولا ثمة دليل على ترجيح قول دون قول مما اضطر بعضهم للتوقف في تفسيرها، فكيف يُمنع بعد هذا أن يجتهد من جاء بعدهم في محاولة إيجاد تفسير جديد لم يهتد له الأوائل
الحق في واحد ممّا اختلفوا فيه إن كان متضادّاً .
أمّا كونك لا تهتدي إلى الصواب من أقوالهم لشدة الاختلاف فهذه جهة منفكة عن مسألتنا ولا تؤثر فيها .


9- أن الصحابة لم يتناولوا جميع القرآن بالتفسير، وإنما كانوا يفسرون ما يحتاج إلى تفسير دون توسع، وعليه فالقول بمنع الخروج عن أقوالهم يلزم منه ترك كثير من آي القرآن بلا تفسير، وهذا خلاف مقصد القرآن
أثبت ثم ناقش .
وخذ جوابك هذه المرّة من مجاهد رحمه الله حيث قال : (قرأت القرآن من أوّله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما أقِفُه عند كل آيةٍ أسأله عنها) وإسنادها صحيح ثابت .


وأما تعليل أخي أبي بيان (( بأنه لا يجوز أن يغيب عن الصحابة شيء من دين الله فلا يعلموه , أو أن يعلموه فيكتموه عمَّن بعدهم , ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو :
- عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة- ,
- وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن- ,
- وكذا تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,
.. وغير ذلك ممَّا لا يقول به مسلم )).
فجوابي عليه من وجوه:
أولاً: قوله: ((لا يجوز أن يغيب عن الصحابة شيء من دين الله فلا يعلموه))
أقول: ما دليلك على أنه لا يجوز أن يغيب عليهم شيء من دين الله فلا يعلموه، هذا يُقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، أما الصحابة فكيف نقول هذا في حقهم، وما علاقة هذا بالبلاغ، الصحابة مؤتمنون على نقل الوحيين وهم عدول في ذلك، أما فهمهم للوحيين فهم بشر كغيرهم، ولا يوجد دليل على أن فهمهم هو بمنزلة الوحي ولا يجوز خلافه
- هل اكتمل دينهم ؟ قلنا : نعم بلا شك . فكيف سيكتمل دينهم مع نقص فهمهم لهذا الدين ؟!
- هل قامت عليهم الحُجّة بالقرآن ؟ قلنا : نعم بلا شك . فكيف تقوم عليهم الحُجّة بكلامٍ لا يفهمون معناه ؟!
ولماذا قبلتَ إجماعهم أخي أبا حسان ؟
إنها معضلة .


ثانياً: قوله: (( ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو : - عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة))
أقول: ما علاقة فهم الصحابة للقرآن بالبيان، وهل تفسير الصحابة كله مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقول ذلك، ولازم هذا القول أن كل ما يقوله الصحابة في التفسير يُعد وحياً معصوما، وهذا هو عين التقديس والغلو فيهم، وهنا أقول كما قلت سابقا أعطوني دليلاً واحدا من كتاب او سنة يدل على أن ما يقوله الصحابة فهو معصوم من الخطأ، وهيهات أن تأتوا بدليل.
أجبنا عن هذا مراراً , وهيهات أن نأتي بدليل أوضح من الدليل الذي أثبتّه بنفسك : الإجماع . كيف تقبل الإجماع ما لم يكن معصوماً ؟


ثالثاً: قوله: (( ويلزم منه وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن-))
أليس هذا دليل صارخ بأن من القرآن مالا يعلمه الصحابة، وأقرب مثال على ذلك الحروف المقطعة هل تجزم بأن الصحابة كانوا يعلمون معناها
نعم أجزم أن الصحابة كانوا يعلمون معناها , لكنك لا تعلم تفسيرهم لها , وهل سيخاطبهم الله بطلاسم لا تُفهَم .


رابعاً: قولك (( ويلزم منه تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,))
أقول: وهل جهل الصحابي يقدح في عدالته أو يدل على خيانته؟
جهل كل الصحابة أعظم قادح في عدالتهم , وقولهم بالباطل وسكوتهم عنه وإقرارهم له قادحٌ ولا شك , وإن عرفوا الحق وكتموه فقد خانوا , أجَلَّهم الله عن كل ذلك .


ولازم قولك أنهم يعلمون كل شيء، ولازمه أيضاً أن كل شي جهلوه أو فسروه بالخطأ فهو خيانة منهم، كلامك مغرق في التشدد والغلو ، ولوازمه لو أقررتَ بها خشيتُ عليك من أمور تُخل في الاعتقاد
لا تخش عليّ جزاك الله خيراً , فلولا أني أحب الخير لك ما حاورتك .


والعجب أنكم جوزتم في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقوع الذنب منه وتجرأتم في نسبة ذلك إليه
أنت الآن تناقشني , فأين قلتُ أنا ذلك ؟
نحن في حوار لا في خصومة ؛ فلماذا الفجور والتقويل ؟


ولم تعطوه حقه الذي يستحقه بأبي هو وأمي، وأما الصحابة فرفعتموهم فوق مكانة النبوة، وأبيتم وقوع الخطأ منهم فضلا عن الذنب، وهذا شبيه بما يقوله الشيعة من خزعبلات وترهات وعصمة لأئمتهم
هذا كله افتراء وفجور في الخصومة غفر الله لك , وهو علامة الإبلاس في الحوار .
 
تفصيل الأدلة

تفصيل الأدلة

تفصيل الأدلة :
سأجمع في هذه المشاركة جملة من الأدلة التي تثبت القاعدة محل البحث مضافة إلى الأدلة التي ذكرت للحاجة في ثنايا الردود السابقة :

أولاً : فوائد قبل الأدلة :
- كلما كان العهد بالرسول صلى الله عليه وسلم أقرب .. كان الصواب أغلب , وهذا حكمٌ بحسب الجنس لا بحسب كل فرد من المسائل .
- قول الصحابي حجة يجب الأخذ به وتقديمه بشرطين :
1- ألاّ يخالف نصّاً ثابتاً .
2- ألاّ يخالفه فيه أحدٌ من الصحابة .
- وهو منصوص أبي حنيفة , ومذهب مالك , ونص عليه أحمد , والشافعي في القديم والجديد , وصرح به محمد بن الحسن , وإسحاق بن راهويه , وأبو عبيد القاسم بن سلام , وهو قول جمهور الحنفية , وأصحاب مالك , وجمهور أصحاب أحمد .
قال أبو حنيفة : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين , وإذا جاء عن الصحابة نختار من أقوالهم (فلا يخرج عن أقوالهم) , وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم .
قال ابن القيم : وأئمة الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي .
- ذهب بعض المتأخرين من الفقهاء وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة .
- ذكر ابن القيم في (إعلام الموقعين) ستةً وأربعين دليلاً على وجوب اتباع الصحابة , وزاد عليها أحمد سلام في تعليقه على هذا الفصل من الكتاب وأوصلها إلى ستةٍ وخمسين وجهاً .
وهذه الأدلة هي جمعٌ للآيات والأحاديث التي أثنت على الصحابة وما لهم فيها من صفاتٍ تستلزم اتباعهم .
- نص الشاطبي في الموافقات على ترجيح قول الصحابي الذي لا مخالف له من الصحابة في تفسير القرآن , من وجهين هما :
1- تقدمهم في اللسان وتمام معرفتهم باللغة .
2- مباشرتهم للوقائع وأسباب النزول وفهم قرائن الأحوال .
ثم قال : (فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات , أو تخصيص بعض العمومات فالعمل عليه صواب) . فإن خالف بعضهم بعضاً فالمسألة اجتهادية . الموافقات 4 / 127 – 129 .
- أن الأخذ بأقوال الصحابة -فيما أجمعوا عليه , والاختيار ممّا اختلفوا فيه وعدم الخروج عنهم- اتّباعٌ محمودٌ مأمور به شرعاً , وليس من التقليد المذموم , وفي الأدلة التالية بيانه بإذن الله .

ثانياً : الأدلة المتعلقة بحجيّة أقوال الصحابة ومكانهم من العلم :
1- قَوْله تَعَالَى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } , وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ مطلقاً , وفي كل حال , وعَلَّق عليه الرضوان ؛ سواء كان المُتَّبَع جميعَهم , أو بعضهم , وسواء كان المُتَّبِعُ عالماً مجتهداً , أو عامِيّاً مقلداً .
وصورة اتباعهم فيما اجتمعوا عليه واضحة , وصورته فيما اختلفوا فيه بعدم الخروج عن أقوالهم ؛ فإن في أحدها الصواب ولا شك , ولا يأمر الله تعالى بالاتباع إلا وفيه الصواب .
ومعنى قوله { بإحسان } أي : محسناً في ذلك الاتباع بأداء الفرائض واجتناب المحارم , ولا يكتفي باتباعهم قولاً .

2- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْعِلْمَ بِقَوْلِهِ : { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك هُوَ الْحَقَّ } , وَقَوْلِهِ : { حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا } , وَقَوْلِهِ : { يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } . وَاللَّامُ فِي "الْعِلْمِ" لَيْسَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ كما نعلم ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعَهْدِ ، أَيْ الْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَإِذَا كَانُوا أُوتُوا هَذَا الْعِلْمَ كَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا , ولم يكن أحدٌ بعدهم أعلم به منهم .

3- قَوْله تَعَالَى { : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } والصحابة أوّل من يشمله لفظ الآية , فشَهِدَ الله لَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ، فَلَوْ كَانَت الآية فِي زَمَانِهِمْ لَمْ يفسرها إلَّا مَنْ أَخْطَأَ مِنْهُمْ = لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِمَعْرُوفٍ , وَلَا نَهَى فِيهَا عَنْ مُنْكَرٍ ؛ إذْ الصَّوَابُ مَعْرُوفٌ بِلَا شَكٍّ ، وَالْخَطَأُ مُنْكَرٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ . وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً ، فمن ثمّ كان خطأ الواحد منهم إذا لم يخالفه غيره = ممتنع ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ .

4- قَوْله تَعَالَى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ : أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا ، هَذَا حَقِيقَةُ الْوَسَطِ ، فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ ، وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ ، وَأَعْمَالِهِمْ ، وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ ، فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ ، وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ؛ وأَعْلَمَ خَلْقَهُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ .
وَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ فَيُخْبِرُ بِالْحَقِّ مُسْتَنِدًا إلَى عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } , فَقَدْ يُخْبِرُ الْإِنْسَانُ بِالْحَقِّ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ بِهِ ، وَقَدْ يَعْلَمُهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ ؛ فَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ .
فَلَوْ ذكر أحدهم معنىً لآيةٍ وكان مخالفاً لمراد اللَّهِ وَرَسُولِهِ , ولم يخبر غيره بالمعنى الصواب فيها والذي أراده الله تعالى من كلامه = لكَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ قَدْ أَطْبَقَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ ، بَلْ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ قِسْمًا أَفْتَى بِالْبَاطِلِ وَقِسْمًا سَكَتَ عَنْ الْحَقِّ ، وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ وَيَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ قَطْعاً .

5- قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح -بمجموع طرقه- عن أنس رضي الله عنه : (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة) , فلو أخطأ بعض الصحابة لوجب أن يقيم الله في وقتهم من يكون على الصواب .

6- مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ قَالَ : { خَيْرُ الناسِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنَهُ مُطْلَقًا ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمْ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ ، أمّا لَوْ كَانُوا خَيْر القرون مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، فَلَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ مُطْلَقًا ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي قول وَسَائِرُهُمْ لَمْ يقولوا بِالصَّوَابِ - ، وَإِنَّمَا ظَفَرَ بِالصَّوَابِ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَأَخْطَئُوا هُمْ - للَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرْنُ خَيْرًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الصَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخَطَأِ فِي ذلك الفن .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ الصَّوَابِ أَكْمَلُ الْفَضَائِلِ ، وَأَشْرَفُهَا ، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَيُّ وَصْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الصِّدِّيقُ أَوْ الْفَارُوقُ أَوْ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ ابن عباس أو عائشة ، وَأَضْرَابُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَشْتَمِلْ قَرْنُهُمْ عَلَى نَاطِقٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ حَتَّى تَبِعَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَعَرَفُوا حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي جَهِلَهُ أُولَئِكَ السَّادَةُ ، وَأَصَابُوا الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةُ ؟

7- حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إلَيْنَا ؟ فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ .. وَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } ، وَهَذَا حَدِيثٌ صحيح ، فَقَرَنَ سُنَّةَ خُلَفَائِهِ بِسُنَّتِهِ ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا كَمَا أَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ ، وَبَالَغَ فِي الْأَمْرِ بِهَا حَتَّى أَمَرَ بِأَنْ يُعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وقابل الأخذ بها بالإحداث والابتداع .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَوْا بِهِ وَسَنُّوهُ لِلْأُمَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ نَبِيِّهِمْ فِيهِ شَيْءٌ ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ من سُنَّتَه هو عليه الصلاة والسلام ، كما َيَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَى بِهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَسُنُّوا ذَلِكَ [ وَهُمْ خُلَفَاءُ ] فِي آنٍ وَاحِدٍ ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا سَنَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَقْتِهِ فَهُوَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ اللازمة الاتباع .

8- روى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنْ يُطِعْ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا } ، فَجَعَلَ الرُّشْدَ مُعَلَّقًا بِطَاعَتِهِمَا ، فَلَوْ قالوا بِالْخَطَأِ فِي حُكْمٍ أو معنىً ، وَأَصَابَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَكَانَ الرُّشْدُ فِي خِلَافِهِمَا .

9- صح عند الترمذي من حديث حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } أي : ابن مسعود . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مثل ما تقدم .

10- أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ قَوْلًا أَوْ حَكَمَ بِحُكْمٍ أَوْ أَفْتَى بِفُتْيَا فَلَهُ مَدَارِكُ يَنْفَرِدُ بِهَا عَنَّا ، وَمَدَارِكُ نُشَارِكُهُ فِيهَا ؛ فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ :
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاهًا أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ مَا انْفَرَدُوا بِهِ مِنْ الْعِلْمِ عَنَّا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ ، فَلَمْ يَرْوِ كُلٌّ مِنْهُمْ كُلَّ مَا سَمِعَ ، وَأَيْنَ مَا سَمِعَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْفَارُوقُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى مَا رَوَوْهُ ؟ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ مِائَةَ حَدِيثٍ ، وَهُوَ لَمْ يَغِبْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَشَاهِدِهِ ، بَلْ صَحِبَهُ مِنْ حِينِ بُعِثَ بَلْ قَبْلَ الْبَعْثِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ، وَكَانَ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَهَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ ، وَكَذَلِكَ أَجِلَّةُ الصَّحَابَةِ رِوَايَتُهُمْ قَلِيلَةٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ ، وَشَاهَدُوهُ ، وَلَوْ رَوَوْا كُلَّ مَا سَمِعُوهُ وَشَاهَدُوهُ لَزَادَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، فَإِنَّهُ إنَّمَا صَحِبَهُ نَحْوَ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْكَثِيرَ .
فَقَوْلُ الْقَائِلِ " لَوْ كَانَ عِنْدَ الصَّحَابِيِّ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ " قَوْلُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ سِيرَةَ الْقَوْمِ وَأَحْوَالَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعَظِّمُونَهَا وَيُقَلِّلُونَهَا خَوْفَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ ، وَيُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ الَّذِي سَمِعُوهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا ، وَلَا يُصَرِّحُونَ بِالسَّمَاعِ ، وَلَا يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فذلك التفسير أو الحكم الذي يرد عن أَحَدُهُمْ لَا يخْرُجُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ سَمِعَه مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ سَمِعَه مِمَّنْ سَمِعَه مِنْهُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ فَهِمَه مِنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَهْمًا خَفِيَ عَلَيْنَا .
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ قَدْ اتَّفَقَ عَلَيْه مَلَؤُهُمْ ، وَلَمْ يَنْقُلْ إلَيْنَا إلَّا قَوْلَ الْمُفْتِي بِه وَحْدَهُ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ لِكَمَالِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ وَدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ عَنَّا .
أَوْ لِقَرَائِنَ حَالِيَّةٍ اقْتَرَنَتْ بِالْخِطَابِ .
أَوْ لِمَجْمُوعِ أُمُورٍ فَهِمُوهَا عَلَى طُولِ الزَّمَانِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُشَاهَدَةِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَسِيرَتِهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ وَالْعِلْمِ بِمَقَاصِدِهِ وَشُهُودِ تَنْزِيلِ الْوَحْيِ وَمُشَاهَدَةِ تَأْوِيلِهِ بِالْفِعْلِ ، فَيَكُونُ فَهِمَ مَا لَم نَفْهَمُهُ نَحْنُ .
وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ الْخَمْسَةِ يكُونُ قوله حُجَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا .

السَّادِسُ : أَنْ يَكُونَ فَهِمَ مَا لَمْ يُرِدْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْطَأَ فِي فَهْمِهِ ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ مَا فَهِمَهُ .
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً .

وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالِ مِنْ خَمْسَةٍ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ وُقُوعِ احْتِمَالٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ عَاقِلٌ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ ظَنًّا غَالِبًا قَوِيًّا أَنَّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِهِ دُونَ مَا خَالَفَهُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ بَعْدَهُ ، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الخمسة في عموم الصحابة , فما أخطأه أحدهم تمَّمَه الآخر .
وهذا الوجه كافٍ لمن يدعي العقل والفهم .


هذه بعض الأدلة التي تدل صراحة على استحالة أن يغيب عنهم شيء من كتاب الله فلا يعلموا معناه , وأكثرها مستفاد من كلام ابن القيم -رحمه الله- مع الاختصار والترتيب .
وسأجمع بقية الأدلة في عبارة واحدة :
11- جميع الأدلة التي أخبر الله فيها عن فضل الصحابة ودينهم = تستلزم كمال علمهم بالحق الذي أنزله في كتابه وبعث به رسوله . وذلك من وجوه :
1- أن العلم من أعظم الفضائل فيدخل في تلك النصوص من هذا الوجه .
2- لا فضل مع الجهل , ونحن نتكلم عن جهل جيل بأكمله بشيء من معاني كلام الله فلا يعلموه .
3- لا يكتمل الدين إلا بكمال العلم , فمن قال هم أكمل الأمة ديناً لزمه ولا بد أن يقول هم أكملهم علماً , وكيف يكمل الدين مع نقص العلم ؟
4- أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ تَعَالَى فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْرِمَهُمْ كُلَّهُمْ الصَّوَابَ فِي مَسْأَلَةٍ فَيُفْتِي فِيهَا بَعْضُهُمْ بِالْخَطَأِ ، وَلَا يُفْتِي فِيهَا غَيْرُهُ بِالصَّوَابِ ، وَيَظْفَرُ فِيهَا بِالْهُدَى مِنْ بَعْدهم .
والخلاصة : أن نسبتهم إلى من بعدهم في العلم كنسبتهم إلى من بعدهم في الفضل .

12- ثم نضيف أخيراً ونقول :
كُلَّ دليل استدلَّ به العلماء على وجوب اتباعهم فيما أجمعوا عليه وعدم مخالفتهم = يَصِحُّ دليلاً على تحريم الخروج على أقوالهم بما يخالفها ؛ لاتحاد العلّة الموجبة لاعتبار الإجماع .
 
شكرا أخي أبا بيان
وكل ما ذكرته من أدلته لا يرقى أن يُسمى دليلاً ، ولستُ أسلم له.

التابعون أحدثوا أقوالاً كثيرة في التفسير لم يقل بها أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ولو كان عندهم هذا الأمر محظوراً لما فعلوا ذلك.
لا تأتِ إلي وتقول لم يحدثوا أقوالاً وإنما استنبطوا
أنا أعرف معنى الاستنباط والتفسير والفرق بينهما، ولست جاهلا أميا كما يتبادر إلى ذهنك
وإن شئت جئتك بأمثلة كثيرة قال بها التابعون ولم يقل بها الصحابة ، بل وقالوا أقوالا مخالفة لما قاله الصحابة
فماذا تعني عندك هذه المخالفة من التابعين؟
وماذا تعني عندك هذه الزيادات في التفسير من قبل التابعين؟
بل هذا من أقوى الأدلة على بدعية القاعدة المزعومة وأنه لم يقل بها أحد من الرعيل الأول من هذه الأمة وتابعيهم.
 
تكملة تفصيل الأدلة

تكملة تفصيل الأدلة

ثالثاً : الأدلة على بيان القرآن في نفسه :
1- قوله تعالى {ولقد يسرنا القرآن للذكر} , والقول بأن في القرآن ما لا يُفهَم معناه يناقض هذا التيسير .

2- أن الله وصف كتابه في غيرما آية بأنه مبين , كما قال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} , وقال {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} , وهذا يعني وضوح معانيه وعدم خفائها على الناس كافة .

3- قوله تعالى مخاطباً الكافرين والمنافقين والمؤمنين { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } . وقال سبحانه { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } , وأمرهم بالتدبر لما لا يُدرَك معناه في زمنهم عبث لا معنى له ؛ تعالى الله عن ذلك .

4- هل قامت الحجة عليهم بالقرآن ؟ الجواب : نعم . وهذا يستلزم معرفتهم لمراد الله من كلامه , وإلا كيف تقوم الحجة عليهم بما لا يعرفون معناه ؟!

رابعاً : الأدلة المتعلقة ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لجميع القرآن ومعرفة جيل الصحابة لجميع معاني القرآن :
1- قوله تعالى : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم} أي : القرآن . وغاية إنزال الذكر على النبي صلى الله عليه وسلم البيان , فمن الله الإنزال وعلى الرسول البيان , وإذا لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم فمن يبينه ؟! وهذا يشمل بيان جميع القرآن , وبيان بعضه , وبيان ألفاظه , وبيان معانيه , وهل تُعرف معاني الألفاظ الشرعية أو الإسلامية إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي ؟

2- قال عليه الصلاة والسلام وكرر على مسامع الأشهاد مراراً : (اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد) , ولا يكمل البلاغ إلا ببيان جميع القرآن فلا يغيب من معناه شيء على الناس فلا يعرفون فيه الصواب , والقول بأن شيئاً من معاني القرآن لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يعلم أحد معناه من زمن الصحابة مناقض لتمام البلاغ أشد المناقضة . َقَالَ عليه الصلاة والسلام : (مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَمَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُبْعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِه) . وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا . وأولى الأشياء بالبيان هو القرآن .

3- أن الله تعالى أقام الحجة على الخلق بهذا القرآن , فلو كان شيء من معناه لا يُعرف فكيف تقوم به الحجة ؟ وكيف يؤاخذ الله عباده بما لا يعرفون معناه ؟! ومن قال إن شيئاً من القرآن لم يعرف الصحابة معناه على الصواب فقد قال إنه لم تقم عليهم الحجة به , وكلاهما باطل .

4- قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي : (حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانِ بْنِ عفان , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَغَيْرِهِمَا , أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا : فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا) , وأبو عبد الرحمن السلمي مخضرم من كبار التابعين , ومن أبناء الصحابة , وقرأ على عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبيّ , وتنتهي إليه جُلّ أسانيد القراء المعتبرة , وهو يخبرنا فيما ثبت عنه هنا أن هذه طريقتهم في تلقي القرآن وأداءه ؛ الجمع بين اللفظ والمعنى , فيقيمون ألفاظه ومعانيه , وهي شهادة من هذا التابعي الجليل لمنهج الصحابة في تلقي القرآن عن رسول الله صلى الله عليه , وأنهم : يأخذون كل عشر آيات باللفظ والمعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأبو حسان يقول لنا : لا , لم يكن ذلك ؛ فلا الصحابة يعرفون جميع معاني القرآن على الصواب , ولا النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لهم جميع معانيه .
فأيهما نُصَدِّق ؟
وقال حبيب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمر : (تعلمنا الإيمان , ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً) . فهم كانوا يأخذون المعاني أولاً , ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشِذّ عنهم .
وَقَدْ أقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - وَهُوَ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ - فِي تَعَلُّمِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ , أمّا الحفظ فميسر على من بعدهم فكيف بهم وهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن ؟!


5- كلنا نعلم ونشهد مقدار الجهد والحرص والدقة والتتبع الذي بذله الصحابة في زمن أبي بكر وعمر وعثمان في جمع القرآن وحفظ حروفه , ولا ينكر ذلك أحد , كما يشهد كُلُّ عاقلٍ أن حفظ حدود القرآن ومعانيه وأحكامه التي يقوم بها الدين أجلّ خطراً , وأعظم وجوباً من حفظ حروف القرآن وألفاظه .
فكيف يقول عاقل إن الصحابة حفظوا ألفاظ القرآن وضيعوا معانيه فلم تكتمل لهم على الصواب ؟! وبقي بعدهم من معاني الآيات ما لم يعلموه , أو ما لم يبينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين لهم ألفاظه ؟!

6- قَالَ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه : (وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ) . فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَمُسْتَنَدُ الصحابة فِي مَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِهِ وَهَدْيِهِ الَّذِي يُفَصِّلُ الْقُرْآنَ وَيُفَسِّرُهُ .

7- أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ الَّتِي جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا بَنِي آدَمَ تُوجِبُ اعْتِنَاءَ الصحابة بِالْقُرْآنِ -الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِمْ- لَفْظًا وَمَعْنًى ؛ بَلْ أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُمْ بِالْمَعْنَى أَوْكَدَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي الطِّبِّ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ النَّحْوِ أَوْ الْفِقْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ , فَكَيْفَ بِمَنْ قَرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَ إلَيْهِمْ الَّذِي بِهِ هَدَاهُمْ اللَّهُ , وَبِهِ عَرَّفَهُمْ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْهُدَى وَالضَّلَالَ وَالرَّشَادَ وَالْغَيَّ . فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَغْبَتَهُمْ فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ أَعْظَمُ الرَّغَبَاتِ ؛ بَلْ إذَا سَمِعَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ الْعَالِمِ حَدِيثًا فَإِنَّهُ يَرْغَبُ فِي فَهْمِهِ ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ ؟!
بَلْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَغْبَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْرِيفِهِمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي تَعْرِيفِهِمْ حُرُوفَهُ ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْحُرُوفِ بِدُونِ الْمَعَانِي لَا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ إذَ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْمَعْنَى .

8- أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ حَضَّهُمْ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ وَاتِّبَاعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } .
فَإِذَا كَانَ قَدْ حَضَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى تَدَبُّرِهِ : عُلِمَ أَنَّ مَعَانِيَهُ مِمَّا يُمْكِنُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَهْمُهَا وَمَعْرِفَتُهَا فَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مُمْكِنًا لِلْمُؤْمِنِينَ ؟! بل للصحابة ؟! وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعَانِيَهُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بَيِّنَةً لَهُمْ .

9- قَالَ تَعَالَى : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } , وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } , فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ عَرَبِيًّا لِأَنْ يَعْقِلُوا وَالْعَقْلُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِمَعَانِيهِ .

10- أَنَّهُ ذَمَّ مَنْ لَا يَفْهَمُهُ فَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا . وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } , وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } فَلَوْ كَانَ الصحابة لَا يَفْقَهُونَهُ أَيْضًا لَكَانُوا مُشَارِكِينَ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ .

11- أَنَّهُ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَظُّهُ مِنْ السَّمَاعِ إلَّا سَمَاعَ الصَّوْتِ دُونَ فَهْمِ الْمَعْنَى وَاتِّبَاعِهِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } , وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } , وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
وَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ سَمِعُوا صَوْتَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَفْهَمُوا وَقَالُوا : مَاذَا قَالَ آنِفًا ؟ أَيْ السَّاعَةَ . وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَفْقَهْ قَوْلَهُ , فَقَالَ تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } .
فَمَنْ جَعَلَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ غَيْرَ عَالِمِينَ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ .

12- أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَسَّرُوا لِلتَّابِعِينَ الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا . وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُك بِهِ .
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَأَتَيْته . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ نُقِلَ عَنْهُ مِنْ التَّفْسِيرِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ . وَالنُّقُولُ بِذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثَابِتَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا .
فواقع الحال يثبت ما قررنا .

فإذا ثبت ذلك : ثبتت حجيّة تفسير الصحابي الذي لم يخالف نَصَّاً , ولا مخالف له من الصحابة , كما ثبت أن كل تفسير يخالف أقوالهم فهو باطل ؛ لأن الحق لا يخرج عن أقوالهم .

للفائدة : أحسن من جمع الأدلة على مسألة بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن وفصلها : ابن تيمية في مقدمته في التفسير , وفي مجموع الفتاوى 5 / 153 – 163 , وفي بغية المرتاد , وكذا ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة ص: 510 – 519 .
 
التطبيق
فيما سبق كان يغلب على النقاش جانب التنظير والتأصيل مما يجعل التصور أحيانا لبعض القراء غير واضح، والآن سأعطي مثالاً تطبيقيا يوضح مقصدي من هذا الموضوع لعله يقرب وجهات النظر أكثر إن شاء الله تعالى.
في قوله تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء).
هذه الآية لم يُنقل عن الصحابة في تفسيرها إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال – في قوله تعالى: { كأنما يصّعَّد في السماء } - قال : "كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه".
وقد أوضح هذا المعنى الذي أراده ابن عباس بعضُ التابعين، فروي عن عطاء الخرساني أنه قال: "كأنما يصعد في السماء يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء".
قال ابن عطية: " أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء".

وهذا المعنى الذي فهمه ابن عباس للآية وفسرها على ضوئه نطرح حياله عدة أسئلة:
1- هل هذا التفسير من ابن عباس يُعد في حكم المجمع عليه من قبل الصحابة ؟
2- هل يجوز نقد هذا التفسير المروي عن ابن عباس ؟
3- هل يجوز إحداث قول مخالف لهذا التفسير ومعارض له؟
من يرى أنه لا يجوز إحداث قول خارج عن أقوال السلف يجيب على جميع الأسئلة بعدم الجواز، ويرى أن هذا التفسير هو في حكم المجمع عليه ولا يجوز نقده ولا معارضته.

وعليه فإن التفسير الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي في العصر الحديث يُعد معارضاً لهذا التفسير المنقول عن السلف، وعليه فيجب رده وعدم قبوله. (هكذا يقول السلفيون)
ونأتي الآن لبيان التفسير المعاصر الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي حيث قالوا : معنى الآية أن من يرد الله إضلاله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كحال من يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس بسبب انخفاض الضغط الجوي وقلة الأوكسجين.
والآية ليس معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يمتنع عليه الإيمان كامتناع الصعود إلى السماء على الإنسان – كما يقوله السلف - وإنما معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يجعل صدره ضيقا حرجا عن قبول الإيمان، فهو إذاً دائم الشعور بالضيق والحرج في صدره، وهذا الضيق سببه الكفر، وهذا الضيق الذي يشعر به في صدره يشبه الضيق الذي يحصل لمن يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس مما يعكر عليه مزاجه.
وكما هو ملاحظ فإن هذا التفسير مغاير تماماً للمروي عن ابن عباس في تفسير الآية.
فهل نقول أخطأ ابن عباس في تفسير الآية ؟
الذي أراه أن هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما لا يعدو أن يكون اجتهاداً منه في فهم الآية، وهذا الاجتهاد مبني على معطيات بشرية وزمنية، وهي قابلة للخطأ والصواب، وليس لها أي عصمة من الخطأ، وعليه فما المانع أن ننتقد هذا التفسير بنقد علمي ونعارضه بالتفسير العلمي المعاصر ونذكر أدلتنا التي تؤيد القول المتأخر على المتقدم.
ومما يمكن أن يوجه لأثر من ابن عباس من نقد أن يُقال:
1- أن الآية جاءت بصيغة الظرفية في قوله: (في السماء) وهذا يفيد بأن التصعد يكون حقيقة في ظرف السماء، ولو كان المعنى على ما قال ابن عباس لجاءت الآية بلفظ (إلى السماء).
2- أن تفسير ابن عباس يسلتزم تقديرا في الآية وهو "يريد" أو "يحاول" والقاعدة أنه إذا تعارض ظاهر الآية مع إحتمال التقدير قدم الظاهر.
3- أن السياق يُعارض المعنى الذي قاله ابن عباس، فقوله: ( يجعل صدره ضيقا حرجا) هذا الضيق والحرج لا يتأتى لمن يحاول أن يصعد إلى السماء، وإنما يحدث لمن يصعد حقيقة، كما كشف ذلك العلم الحديث.
4- قوله : (يصعد) بتشديد الصاد يفيد التدرج بالصعود وهذا المعنى لا يتأتى على قول ابن عباس بأنه من يحاول الصعود، لأن من يحاول الصعود لا يكون منه تدرج في الصعود.
5- أن قوله (يصعد) أصله يتصعد ، والتصعد يعني وقوع التصعد حقيقة، بخلاف من يحاول الصعود فإنه لا يقع منه تصعد .
أمّا هذا التطبيق الذي ذكرته فأصله الذي بُنيَ عليه باطل ٌ ؛ وهو أن من معاني القرآن ما لم يعرفه أحد طيلة تاريخ المسلمين ولم يُعرف معناه إلا الآن .
وما كان كذلك لا يستحق لحظة في الرد عليه , وقد أنهينا الكلام على هذا الأصل الفاسد فيما مضى .
لكني سأعرج على جُمَلٍ تتأكّدُ بها جوانب الخلل والقصور في هذا التناول العصري التجديدي لمعاني القرآن الكريم :

في قوله تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء).
خلاصة ما يقوله أبو حسان هنا :
أولاً : أنه لم ينقل تفسير هذه الآية عن غير ابن عباس .
ثانياً : أن ابن عباس أخطأ في تفسير الآية ولم يُصب , وحيث لم ينقل تفسير الآية عن غيره فالنتيجة : أن السلف أخطأوا في تفسيرهم هذا .
مادامت المقدمة باطلة فالنتيجة باطلة , وما بُني على باطل فهو باطل .
ثالثاً : أن الصواب في تفسير الآية لم يُعرَف إلا في هذا العصر , وعلى يد دعاة الإعجاز العلمي .
رابعاً : وجوه خطأ ابن عباس في تفسير هذه الآية .

- أمّا الأمر الأوّل :(أنه لم يُنقل تفسير هذه الآية عن غير ابن عباس) فتقصير ظاهرٌ في البحث , ولا أستغربه فقد عوّدتنا أن تشبع هذه المسائل بحثاً !
فقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبى الصلت الثقفى : أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية {ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرَجا} بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {حرِجا} بالخفض ، فقال عمر : ائتونى رجلاً من كنانة , واجعلوه راعياً , وليكن مدلجياً . فأتوا به فقال له عمر : يا فتى , ما الحرجة فيكم ؟ قال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار لا يصل إليها راعية ولا وحشية ولا شىء .
فقال عمر : كذلك المنافق لا يصل إليه شىء من الخير .

إذا عُلِمَ هذا فباقي المثال لا قيمة له ؛ لأنه مبنيٌ على تفرد ابن عباس بهذا المعنى .

- أمّا الأمر الثاني : (أن ابن عباس أخطأ في تفسير الآية ولم يُصب) , فهذا بحسب اجتهاد أبي حسان الذي لم يسبقه إليه سابقٌ , وما اقله أحد من العلماء تفسيراً للآية , وإنما هو رأيٌ رآه ثم حمل الآية عليه .

- وأمّا الأمر الثالث : (أن الصواب في تفسير الآية لم يُعرَف إلا في هذا العصر , وعلى يد دعاة الإعجاز العلمي) , فهذا من أعظم الجرأة على الله , وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم , وصحابته الكرام رضي الله عنهم , وعلى أمّة الإسلام طيلة تاريخها حتى هذا العصر . وقد بينا ذلك فيما سبق .
أمّا قولك :
والآية ليس معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يمتنع عليه الإيمان كامتناع الصعود إلى السماء على الإنسان – كما يقوله السلف - وإنما معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يجعل صدره ضيقا حرجا عن قبول الإيمان، فهو إذاً دائم الشعور بالضيق والحرج في صدره، وهذا الضيق سببه الكفر، وهذا الضيق الذي يشعر به في صدره يشبه الضيق الذي يحصل لمن يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس مما يعكر عليه مزاجه.
فأسألك عنه سؤالان :
الأوّل : هل فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الآية ؟
جوابك ولا شك : نعم . أمّا إن كان (لا) فلا نقاش لنا معك .
فمادام فهم رسول الله معناها ؛ فهل هو هذا المعنى العصري الذي ذكرته ؟
فإن كان جوابك (لا) فقد رددت على نفسك .
وإن كان (نعم , فهم رسول الله هذا المعنى العصري) فأثبت أوّلاً –ودون ذلك خرط القتاد- .
وإن وجدت وأثبتّ : فلماذا كتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة ؟ وإن كان بلَّغَه للصحابة , فلماذا كتموه ورضوا لابن عباس أن يفتري هذا المعنى الخاطئ على الأمة ؟!


والسؤال الثاني : هل فهم الكفار معنى الآية ؟
فإن قلت (نعم) فما هو المعنى الذي فهموه غير ما فهمه ابن عباس وعمر والصحابة ؟
وإن قلت (لا , ما فهموا معنى الآية) فكيف يخاطبهم الله بما لا يفهمونه ؟ وكيف تقوم عليهم الحجة به ؟ وكيف يعذبهم الله على أمرٍ لا يستطيعونه ؟
وإن قلت (ما فهموه هو هذا المعنى العصري) فأضحك الناس على عقلك وأثبت ذلك .


- وأمّا الأمر الرابع –وما أعجبه- : فهي وجوه خطأ تفسير ابن عباس وإصابة أبي حسان .
وأعجب ما فيه حين يبين خطأ ابن عباس في اللغة ! ألم تجد غير ابن عباس لتخطئه في لغته ؟!
إن من لا يعرف مذاهب العرب في كلامها , وأساليبهم في الخطاب التي نزل عليها القرآن ليس أهلاً أن يحاكمهم , فضلاً عن أن يُخَطِّئَهم في فهم لغة القرآن .
1- (الآية جاءت بصيغة (في) لا بـ(إلى) ) .
ألم تسمع بالتضمين ؟ ألم تعلم أن قول ابن عباس أفاد معنى (في) وزيادة ؟

2- (أن تفسير ابن عباس يستلزم تقديراً) .
لا يا أخي , لا يستلزم تقديراً . أوليس مثلاً ذكره الله لحال الكافر ؟

3- (أن السياق يعارض قول ابن عباس) .
بل يوافقه أشد الموافقة , واسمع ما أقول لك :
أليست الآية في المقابلة بين من شرح الله صدره بالإيمان , ومن ضيق صدره بالكفر والعصيان ؟ بلى . فكيف هو شرح الصدر ؟ فكذلك تضييقه . أليس شرح الصدر معنىً ؟ فكذلك تضييقه .

4- ( (يصعد) بتشديد الصاد يفيد التدرج بالصعود وهذا المعنى لا يتأتى على قول ابن عباس) .
(يَصَّعَّد , ويصَّاعَد , ويَصعَد) كلها بمعنىً , وقرأ بكلّ وجه منها جماعة من القراء .
5- (أن قوله (يصعد) أصله يتصعد ، والتصعد يعني وقوع التصعد حقيقة) .
لا يلزم يا أخي , بل هو لبيان الجهد والمشقة التي تلحق من يفعل ذلك , قال عمر رض الله عنه : ما تصَعَّدني شيء ما تصَعَّدتني خُطبةُ النكاح .

وأنت بهذا المثال كفيتني الحديث عن أثر نزول القرآن بلسان الصحابة على فهمهم له , وعلى جهل كثير ممن بعدهم بالأساليب التي نزل بها القرآن , والتي كانت سليقة وطبعاً في ألسنتهم وعقولهم .
فكيف يظن عاقل أن من بعدهم أعلم منهم بلغتهم , بل ويخطئونهم فيها ؟!
 
هذا آخر ما أردت قوله في هذا الموضوع , وأحمد الله تعالى على توفيقه , وأسأله المزيد من فضله .

وأشكر كل الإخوة الكرام الذين صبروا على قراءة هذا الموضوع ومتابعته , وأراه يصلح مثالاً معاصراً تُعرف به كثير من أصول المبتدعة في الاستدلال , ومناهج القراءات المعاصرة للقرآن الكريم , وأهمّ الأدلة النظرية التي تقوم عليها هذه المناهج .

وكم كنت أتمنى أن أجد من يُحسِن التعبير والبيان عن هذه المناهج ؛ ليكون حواراً متيناً في مادته وأسلوبه , لكن الواقع أن أكثر من يحمل هذه الأفكار من بني جلدتنا مقلدون تابعون , لم يُحسنوا فهم تلك الأصول على حقيقتها , فضلاً عن حسن البيان عنها وإيضاحها , أو إقناع الأمة بترك ما هي عليه من أصول ومناهج أهل الإسلام والتحول إلى تلك المناهج الحادثة .

وعلى كل حال جاء هذا الحوار تجربة فريدة في هذا الملتقى , لم نعتد عليها من قبل , وما كان ينقصها لبلوغ الكمال إلا أن يُعرِّف المتحاوران بنفسيهما , وهذا نوع من الشجاعة الفكرية التي نفخر بها في هذا الملتقى , وندعو الجميع للتحلي بها .
أمّا أنا فقد فعلت من أوّل يوم في هذا الملتقى بحمد الله .
وأمّا أبو حسّان فهذا وقت تعريفه بنفسه لترتفع الجهالة عن عينه , بعد أن ارتفعت عن فكره .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
 
انتهت هذه المناظرة العلميَّة بين الأخوين أبي حسان ونايف الزهراني، وسوف أحيل هذا الحوار لعدد من الفضلاء للاطلاع عليه وتحكيمه، وهذا قد يأخذ بعض الوقت منهم. وريثما يرغبون بنشر تعقيباتهم ورأيهم في الحوار فسوف يبقى الموضوع مغلقاً إن شاء الله .
والغاية من إغلاقه إبقاء الحوار في مستوى علمي رفيع دون تدخلات قد تفقده قيمته العلميَّة ، ولعله يكون مثالاً يحتذى في الحوارات العلمية في الملتقى ، وإن لم يصل إلى درجة الكمال الذي ننشده في بعض جوانبه .
وأشكر الأخوين المشاركين في هذا الحوار شكراً جزيلاً ، وسوف أتيح لهما فرصة التعقيب على التعقيبات في آخر الأمر بإذن الله .
مساء الإثنين 8/3/1431هـ
 
كنتُ طلبت تعقيبات علمية على الحوار من عدد من طلبة العلم ، وقد وردني هذا التعقيب من الأخ الدكتور محمد اليمني الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود وفقه الله ، وهذا نص رسالته .

بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الدكتور/ عبد الرحمن الشهري وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على الحوار المعروض في ملتقى أهل التفسير فوجدت فيه فوائد كثيرة، ولي بعض الملحوظات هي :
أولا: عدم تحرير محل النزاع بسبب أن التقسيم الذي ذكر في مقدمة الحوار كان تقسيما ناقصا، إذ اقتصر على تقسيم أقوال الصحابة من جهة التعدد وعدمه، وهو ناقص حتى في هذا الجانب ذلك أن قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف ينقسم إلى ما اشتهر وانتشر، وإلى غير المنتشر. ثم إنه بقي أن ننظر إلى القول الذي جد بعد الصحابة هل هو مما لا مجال للرأي فيه، أو هو مما للرأي فيه مجال - ولا بد من تحديد الموقف تجاه النوع الذي ليس للرأي فيه مجال من جهة ضابطه، والتوسع والتضييق- ثم ينظر كذلك إلى نوع القول الحادث هل هو على جهة الضد، أو على جهة الشرح والبيان والزيادة غير الضدية كالحادث من الأقوال المتعلقة بالأمور التقنية، والتجريبية الحديثة، فأكثرها من النوع الثاني ، فلا مناقضة فيها ولا ضدية.
وأرى- والله أعلم بالصواب - أن الخلاف إذا تحرر، فلن يقف عند التفسير بل سيتعداه إلى المستفاد من القرآن وعلومه خاصة العقيدة.
ثانيا: استعمال لفظ التقديس، واتهام من يجل أقوال الصحابة به، لا وجه له، فالقداسة والعصمة مناقضة لما عليه أهل السنة والجماعة من القول بوقوع الخطأ والمعصية من الصحابة. أما اعتبار أقوال الصحابة، وان لها قيمة ليست لغيرهم سواء اتفقوا أو اختلفوا فلا علاقة لها بالتقديس لا من قريب ولا من بعيد. قال تعالى:{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} والصحابة رضي الله عنهم خير المؤمنين بعد الأنبياء عليهم السلام، فسبيلهم واجب الإتباع، وهم خير قرون الأمة، فأقوالهم ليست كأقوال من جاء بعدهم. والله أعلم .
وفق الله الجميع لكل خير، ونفع بهم، وجمعهم على الحق، وعصمهم من الضلال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
أخوك/ محمد اليمني
 
تعقيب الدكتور جمال الدين عبدالعزيز الشريف على المناظرة

تعقيب الدكتور جمال الدين عبدالعزيز الشريف على المناظرة

تعقيب الدكتور جمال الدين عبدالعزيز الشريف على المناظرة
هذه تعليقات على المناظرة التي جرت بين أخوينا أبي حسان ونايف الزهراني ، والتي كان فيها الحق مع الأخ الزهراني بصورة واضحة في أكثر الأحوال ؛ وقبل طرح هذه التعليقات ينبغي مناقشة المفاهيم التي تكون منها العنوان ؛ لأنه بذلك تتبين بعض الأمور في هذه المناظرة

مناقشة العنوان:
الأخ أبو حسان سمى طرحه (الإغراق في السلفية ومحاربة العقل والتجديد) كأنما جعل السلفية في مقابل العقل والتجديد أي : هي عنده اللاعقل والجمود
وتلك إذن قسمة ضيزى
فالذي يقول بالتجديد " بمفهوم أبي حسان طبعا " كما هو مشاهد في واقعنا الفكري يأتي في الغالب بما تأباه العقول السليمة ويرفضه المنهج العلمي
.كما أن السلفية – خلافا لأبي حسان - لا تعني بحال عدم إعمال العقل
ولكن الأخ أبا حسان كما هو واضح من عنوانه جعل مفهوم " السلفية " بعيدا جدا عن العقل والتفكير ، وليته توقف عند هذا الحد بل تراه يدخل في مسألة اللا عقل والجمود حتى أئمة الإسلام نحو أحمد بن حنبل وابن تيمية وغيرهما ، ومعلوم أن هولاء أكثر الناس إعمالا للعقل والتفكير ، وما زلت أذكر عمق تفكير ابن تيمية وكسره للمنطق الأرسطي وفضله الكبير في بلورة المنهج العلمي الذي تولدت منه كافة العلوم المعاصرة ، وكسر ابن تيمية للمنطق كان له كبير الأثر في رواد النهضة الأوربية نحو فرانسيس بيكون وروجر بيكون وجون ستيورات وغيرهم ، وأعرف رجلا كان موضوع رسالته للدكتوراه بإنجلترا حول هذا الموضوع ؛ وليس ذلك فحسب بل لم يجد الشيخ مصطفى طباطبائي - وهو شيعي معروف - في كتابه "المفكرون المسلمون في مواجهة المنطق اليوناني" من المفكرين المسلمين من واجه هذا المنطق الصوري وانطلق إلى المنهج العلمي الصحيح كما فعل ابن تيمية ، وليس هنا موضع تفصيل ذلك .
معنى السلفية :
السلف هم الصحابة ، والسلفية هي اتباع هولاء رضي الله عنهم ، واتباع الصحابة في التفسير وغيره واجب وذلك لأسباب كثيرة مهمة ذكرها العلماء ولن أسردها هنا ؛ وإنما سأبين بعض الأمور البسيطة المتعلقة بالتفسير ، والفرق بيننا وبينهم في ذلك ؛ ومن تلك الفروق الآتي :-

1- لا شك أن الصحابة - الذين هم خير الناس لاعتبارات كثيرة - قد نزل القرآن بلسانهم ، ومعلوم أن هذا اللسان قد تغير مع مر العصور تغيرا شديدا في خصائص أساليبه وطرائق تعبيره ومعاني مفرداته ؛ يقول أبو عمرو بن العلاء - في العصر العباسي - : ( اللسان الذي نزل به القرآن وتكلمت به العرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عربية أخرى غير كلامنا هذا ) ويقول الخطابي : (وقد زعم بعضهم أن كلام العرب كان باقياً على نجره الأول وعلى سنخ طبعه الأقدم إلى زمان بني أمية ثم دخله الخلل فاختلّت منه أشياء ) وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن بحال أن يكون فهمنا للقرآن مقدماً على فهم الصحابة ؛ فنحن لا ندرك هذه اللغة – وهي لغة واسعة – إلا تعلماً ؛ رغم أننا نتحدث بلهجات مشتقة منها، وكلما تعلمنا فيها الكثير علمنا أن ما فاتنا فيها أكثر وأعظم ، وأذكر أن البروفسير عبد الله الطيب – وهو من أعلم علماء العصر بالعربية وهي لسان أمه كما يقولون – كان يقول أجيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية وقليلا من العربية ؛ فهو لسعة علمه في العربية علم مدى جهله بها ، وهذه أمور عميقة يعرفها العلماء لا غيرهم ؛ قال الشافعي :
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي وكلما ازددت علما زادني علما بجهلي
والعربية أغنى اللغات وأوسعها ؛ يقول الإمام الشافعي : ( لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً ولا نعلم أن يحيط به إنسان إلا نبي) ، والقرآن لا يفهم إلا بهذا اللسان ؛ فإذا جاء أحد الناس في زماننا بمعنى من القرآن لا يوافق طريقة هولاء الصحابة في كلامهم كان هذا المعنى مردودا ؛ يقول الإمام الشاطبي : (كلّ معنى مستنبط من القران غير جار علي اللسان العربي فليس من علوم القران في شي لا مما يستفاد منه ولا مما يستفاد به ؛ ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعوه مبطل) ولهذا كان الإمام مالك - وهو قريب العهد بالصحابة - يقول: (لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر القرآن إلا جعلته نكالاً) فإذا كان هذا حال الأجيال الأولى بعد الصحابة فما بالك بحالنا الآن؟! ؛ ولا أظن أن عاقلا يمكنه أن يتطاول في ذلك على الصحابة ؛ فإذا رأينا رجلا قليل المعرفة بالإنجليزية أو الروسية أو الألمانية يجادل الإنجليز أو الروس أو الألمان المختصين في سونتات شكسبير وأعمال تولستوي وجوجل وجوتة فلا شك أن منظره يثير الضحك والسخرية عندنا ؛ فما بال رجل يتطاول بلغته القاصرة على الصحابة رضوان الله عليهم .

2 – بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة القرآن مع علمهم العميق باللغة ؛ قال تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وبذلك كان الصحابة يعلمون معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فهو صلى الله عليه وسلم كان يوضح لهم التفاصيل ؛ حيث يبين لهم المجمل ويوضح المشكل ويخصص أحيانا ويقيد ويشرح معنى بعض الألفاظ أحيانا ، كما كان يبين لهم منهج التفكر والتدبر فيرشدهم إلى اقتناص المعنى من السياق تارة ومن مواضع أخرى من القرآن ؛ وذلك كما أرشد عائشة رضي الله إلى معنى قوله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) حيث قالت أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: "لا يا بنت الصديق ثم أرشدها إلى السياق " أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ". وعندما بكى حسان وابن رواحة رضي الله عنهما عند سماع قوله تعالى : (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) أرشدهم إلى السياق (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) وعندما التبس على الصحابة مفهوم الظلم في قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) أرشدهم إلى موضع آخر في القرآن في سورة لقمان وهو قوله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، ومعاصرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره القرآن لهم منهجا وتفاصيل - يجعلهم متقدمين علينا بطبيعة الحال ، وربما فسر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة تفاصيل كل القرآن وهو أمر مختلف فيه بين العلماء ، وسواء صح هذا المعنى أم لم يصح فهم كانوا أقرب إلى هذا العلم منا ؛ لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أنزل عليه القرآن وأُمر ببيانه ؛ ولهذا فإن سؤال أبي حسان في الرد على الزهراني : (ما علاقة فهم الصحابة للقرآن بالبيان، وهل تفسير الصحابة كله مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقول ذلك؟!) يبدو عجيبا ؛ إذ إن لمن بيّن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن حيث أمر ببيانه ؟ ألم يكن هذا البيان للصحابة دون غيرهم ؟! فتفسير الصحابة مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو مفهوم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كل حسب تفكيرهم أو مستخرج بالمنهج الذي وضحه لهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فالعلاقة بين تفسير الصحابة وبيان القرآن واضحة جدا ؛ ولهذا ينبغي أن يكون السؤال هل كل ما نقل عن الصحابة كان صحيحا في إسناده وهل تصح نسبته إليهم ؟.

3 – عاصر هولاء الصحابة رضوان الله عليهم نزول القرآن وعلموا فيما أنزل وأين أنزل ؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه :( وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ) وهذان الأصلان (فيم أُنزلت) (أين أُنزلت) في كلام ابن مسعود رضي الله عنه يشيران بصورة واضحة إلى أمور في غاية الأهمية بالنسبة إلى التفسير وبيان المعنى ؛ فهذه الأمور تعين في المعرفة بتاريخ النزول ، وهذا الأمر تتعلق به كثير من خصائص الآيات وترتيبات التشريع الواقعية وكما يتعلق به تعيين الأوصاف والأفعال التي نزل فيها القرآن وتبين حدود المعنى الذي فيه نزل وتعرّف بأبعاده ، ونحن الآن إذا رحنا نفهم القرآن من نصه فحسب بعيدا عن فهم الصحابة - على ضعفنا في العلم واللغة - خرجنا بمعان غريبة غير مرادة من القرآن أصلا ؛ إذ إن الكلام الذي يراد به تأدية المعنى ليس مجرد كلمات أو عبارات ؛ بل هنالك عناصر غير كلامية أو تركيبية متعلّقة بهذا المعنى أشدّ ما يكون التعلّق، ولا شك أن ضرب الصفح عن هذه العناصر أو إغفالها ثم محاولة استفادة المعنى من ظواهر اللغة الخالصة والاكتفاء بالمعنى الحرفي لها - قد يؤدي في بعض الأحيان بطبيعة الحال إلى قصور شديد في فهم المعنى الدقيق المراد ؛ فالكلام – كما هو معروف - تحيط به ظروف وملابسات وأحوال ، وهذه الظروف والملابسات والأحوال ذات أثر فاعل في بيان المعنى ، و"شاهد العيان" – بطبيعة الحال في كل الأمور - مقدم في الشهادة على غيره ؛ فإذا وقع حدث معين وأردنا شهادة الناس فيه هل نأخذ بشهادة الغائب أم الحاضر؟ فهولاء الصحابة عرفوا في أي مكان نزل القرآن وفي أي أحداث نزل وكيف طبقه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا فإن تقديم فهومنا على فهومهم لا يمكن أن يقول به منصف قط

4- إن النص القرآني إذا كان سهل التناول ميسّر للذكر واضح البيان من جهة فهو بعيد الغور شديد العمق من جهة أخرى ، ولهذا فإن فهمه على درجات متفاوتة جدا فهنالك درجة لا يعذر أحد فيها بجهالته وهنالك درجة تعرفها العرب من كلامها وهنالك درجة يعلمها العلماء وهنالك درجة لا يعلمها إلا الله ؛ والدرجة التي يعرفها العلماء تأتي بعد العلم العميق باللغة ؛ وهي درجة في داخلها درجات كثيرة متفاوتة جدا ، ولنقرب إلى الأذهان الدرجة التي كان عليها الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه مثلا فهو على علمه العميق تعلم معاني سورة البقرة في ثماني سنين ، وسورة البقرة أقل من عشر القرآن ؛ ولو أراد تعلم القرآن كله على هذه الشاكلة التي تعلم بها سورة البقرة لمكث ما يقارب المائة عام ؛ هذا مع حصوله طبعا على كافة الأدوات لفهم القرآن مما لم يتيسر لدينا ؛ فإذا أراد أحد المعاصرين أن يبلغ في فهم القرآن هذه الدرجة – بحساب السنين فحسب – فكم سنة سوف يحتاج ؟ إنه لأمر مخيف ! وإذا كنا لم نتجاوز بداية ساحل القرآن أفلا نعول على علم من جرب أمواجه ولججه
وقد عرف أبو حسان السلفيين بأنهم هم الذين ينتمون لجيل هولاء الصحابة فهما واتباعاً وبدلا من أن يقول نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم – أخذ يهاجمهم رغم أنهم هم القوم كل القوم يا أبا حسان ، فإذا أردتم الإعراض عن فهم الصحابة فأين تذهبون ؟!
وقد قدمت أخي أبا حسان طرحك كأنك تنهى عن اتباع السلف أو هكذا يبدو الأمر لي ؛ ولهذا فإنك بذلك قد انتحرت فكريا في النقاش من أول وهلة ؛ مما سهّل الأمر على الأخ نايف الزهراني الذي لم يكن صعبا عليه هزيمتك بصورة مذهلة ؛ فكان الحق معه بشكل واضح لا يخفى ، وهذا ما جعل المتداخلين يهاجمونك ويثيرونك ويصفون لك الكتب التي ينبغي لك أن تقرأها ، وكلامك هو الذي جر إليك ما لاقيت "يداك أوكتا وفوك نفخ"
هذا وإن كانت حججك فيما بعد كانت أكثر استقامة مما كانت عليه في البداية ؛ ولا أدري هل كان هذا بسبب مطرقة الزهراني القوية ، أم أنك عبرت بعد ذلك عن أفكارك بصورة أوضح .
وإذا كنت يا أبا حسان تقصد بـ"الإغراق بالسلفية" التعمق في أقوال السلف ؛ فلا شك أن هذا التعمق أمر مطلوب لكنه لا يقابل العقل والتجديد وإنما يتداخل معهما ، أما إذا قصدت بذلك الإمعان في الاحتجاج بالراويات الضعيفة الواهية التي لا ثبوت لها بدلا من إعمال العقل فيها ومقارنتها بالروايات الصحيحة فأنا أوافقك ؛ ولكن طرحك لا يدل على هذا المعنى الأخير .
مفهوم العقل :
الشيء المشترك بيننا وبين الصحابة هو العقل وأوافق الأخ أبو حسان في ذلك كل الموافقة ، والعقل هو القوة الإدراكية في الإنسان والتي يستطيع عن طريقها إدراك العلوم وتحصيل المعارف .
والعقل هو آلة التمييز وهو المدرك للأشياء على ما هي عليه من حقائق ؛ ولهذا فإن العقل ليس مصدرا للعلم والمعرفة - بخلاف ما يعتقد العوام – وإنما غاية ما يفعله هذا العقل هو إدراك الأشياء وتصنيفها ومقارنتها فهو وسيلة من وسائل العلم كالحواس تماما ؛ وهذا الأمر لا يقتصر على علم دون علم وإنما هو أمر ينتظم كل العلوم فالطبيب الذي يعتمد على العقل المجرد دون مباشرة جسم الإنسان وفحصه وتصوّر مكوناته لا يعد طبيبا وكذلك المهندس والزراعي ؛ وليس الأمر قاصرا على التخصصات الطبيعية بل يتعداه إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية ؛ فالاجتماعي يجمع استبياناته من واقع المجتمع ويقوم بالبحوث الميدانية دون أن يتدخل العقل والخيال في أصول المادة المدروسة ؛ فكل هولاء لا يديرون عقولهم في الفراغ وإنما يعملونها في المواد التي يدرسونها ، وكذلك الأمر في التفسير فإن لم تكن ملما باللغة ولا بالمقامات التي نزلت فيها الآيات ولا بأقوال الصحابة ولا بإشاراتهم التي تهديك سواء السبيل في إدراك المعنى فقل لي في ماذا يمكنك أن تعمل عقلك ؟!؛ والعقول أدوات ووسائل مهمة فإذا انعدمت المادة التي تُعمَل فيها كانت كطواحين الهواء ؛ ولهذا يقول الإمام الشاطبي (الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم فإنها تستعمل مركبة على الأدلة السمعية)
ولهذا فإنّ القرآن مقدم على العقل من جهة ومتبوع لا تابع له من جهة أخرى ؛ يقول الشاطبي " إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً ويتأخر العقل فيكون تابعاً ؛ فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما سرحه النقل "
ولهذا فإن العقل المجرد لا يعول عليه في التفسير ولا في غيره من العلوم أيا كان نوعها ؛ وإنما التعويل على العلم الغزير عند صاحب العقل الكبير
ولأجل ذلك فإن قول أبي حسان عن الصحابة رضوان (ومن حقنا أن نفهم نصوص الشريعة بعقولنا كما فهموها هم بعقولهم) قول بلا معنى ؛ صحيح أن لنا عقول كما للصحابة رضوان الله عليهم ، ، والعلم شيء والعقل شيء آخر ؛ مع أن العقل وسيلة العلم لا مصدره و؛ ولهذا يجوز لنا أن نتجاوز فهم الصحابة للقرآن في حالة واحدة فقط وهي إذا توافرت لدينا أدوات الفهم التي توافرت لديهم و هذا هو المحال
أما قول أبي حسان أن "السلف بشر كغيرهم" فصحيح أنهم بشر وللبشر عقول كما لهم ؛ لكنهم في فهم القرآن ما مثلهم في الورى بشر لخصائص منطقية لا توجد في سواهم .
أما قوله " لا فرق عندي بين تفسير السلف وتفسير من جاء بعدهم إلى يومنا هذا ما دام الكل يملك القدرات التي تؤهله لفهم النص الشرعي" وفي هذا القول ناقض أبو حسان نفسه ؛ إذ وضع لكلامه قيدا وهو امتلاك القدرات التي تؤهل لفهم النص ؛ إذ لا أظنه ينكر أن هذه القدرات التي ذكر متفاوتة جدا وقد نال منها الصحابة الحظ الأوفر ؛ ولعل الذي دفعه لهذا القول أن مفهوم هذه "القدرات" في ذهنه مشوش جدا

مفهوم التجديد:
التجديد في التفسير عندي ما هو إلا إعادة فهم الحق وفق المنهج السليم ومعرفة الحقيقة عند السلف الصالح الذين شهدت الأدلة بأنهم خير الناس ،وهذا التجديد له طريقته ومنهجه .
ولنضرب مثلا لذلك : إذا أردت أن أجدد بناء فلا يعني بحال أنني يجب أن أهدمه وإنما غاية ما أفعله أن أحيي ما اندرس منه ، أما إذا هدمته فإن ذلك يسمى في عرف كل العقلاء هدما وإزالة وتدميرا لا تجديدا
ومعنى التجديد الذي نقصده هو المعنى الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله - كما روى الحاكم - (إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)
وبهذا المعنى الذي شرحته فإن الإمام أحمد بن حنبل السلفي ذا العقل الكبير عندي مجدد
وابن تيمية السلفي ذا العقل الكبير عندي مجدد
وابن القيم السلفي ذا العقل الكبير عندي مجدد
وابن عثيمين السلفي ذا العقل الكبير عندي مجدد
ولا شك أنك إذا أردت تجديد شيء أتيت بأهل المعرفة والخبرة والدراية والمراس ، أما إذا أوكل التجديد إلى غير أهله في كل أمر أفسدوه
فما بالنا إذا أردنا تجديد كل شيء أتينا بأهله إلا الدين فإننا نأتي فيه بأناس ليسوا هم من أهل الاجتهاد أصلا ؛ ثم نسميهم بعد ذلك مجددين تارة ومفكرين تارة ، إن هذا لشيء عجاب !
لقد صار التجديد هو التحلل من كل الضوابط ، وكأنه هو بحث عن كل شيء إلا الحقيقة
ودعاة التجديد اليوم لا يريدون إحياء ما اندرس وإنما يريدون تغيير الحقائق وقلب الأمور مخالفين فهم السلف ومحاولين التوفيق بين القرآن وواقع المجتمعات ، ولذلك تراهم يفسرون النصوص بما يتراءى لهم بلا ثوابت ولا أساسيات ولا ضوابط ولا مناهج مستقيمة
إنهم يدعون إلى التغيير بوجه عام وشامل!
ولما كانت النصوص الشرعية عائقة لهم فإنهم لجؤوا إلى تفسيرها بحسب الأهواء
والتجديد والحداثة التي ينادون بها تعني عدم الاستقرار على شيء ، والثورة المستمرة على كل شيء
وقد تعرض الأخ أبو حسان للمجاز عند ابن تيمية وابن القيم فقال (والذي دعاهم لنصرة هذا المذهب هو ما حدث من آراء عقدية استجدت في الساحة الإسلامية بعد جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فكان من ردة الفعل لهذه الآراء أن وضعت قواعد مغرقة في التقليد حتى يتمكنوا من غلق الباب عن كل رأي جديد، ولعل أقرب مثال لذلك نفي ابن تيمية للمجاز وكذا بعض تلاميذه، وفعلهم هذا مكابرة ومصادمة لحقيقة لا يمكن إنكارها) وسوف تأتي مناقشة هذا الرأي في موضعها ، ولكن أظنه أراد ربط التجديد بالمجاز ؛ إذ أن المجاز أهم أدوات أهل الحداثة ؛ والحداثة رغم اختلاف تعريفاتها ؛ إلا أن هذه التعريفات تتفق جميعها في القضاء على فكرة الثابت والمؤسسي واستبدالها بفكرة الصيرورة الدائمة والتحول المستمر ؛ إذ أن الإنسان المستقل – عندهم - هو المركز والمصدر والمنطلق وهو المعيار والمقياس لكل شيء ، ومن هنا نشأت قضايا مثل ( موت المؤلف ) و ( انتهاء المتعاليات ) و ( أنسنة المقدس ) ونحوها . وفي هذا المضمار أيضاً نشأ النقد الثقافي الذي هو عبارة عن رؤية شمولية معززة بآليات نقدية مثل المجاز الكلي والتورية الثقافية ونحوها ، وهنا يتم تحميل النص ما لم يرده قائله . وقد دارت هذه الفكرة عموماً على الهدم والتقويض ؛ وكان لها أدواتها في ذلك ؛ مثل:
أ-الأدوات اللغوية مثل ( تفجير اللغة) الذي يهدف إلى القضاء على التعبير الثابت ؛ وتحويله عن طريق المجاز والتأويل الشامل.
ب-التشكيك في الحقائق التاريخية الثابتة ومحاولة إحياء فكر الأقليات المنحرفة ؛ نحو الباطنية والقرامطة والصوفية المتطرفة وغيرها من الفرق المشتطة في تأويلاتها ؛ ولهذا صار من مفاهيم الحداثة ( الصراع مع النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة على تغيير هذا النظام).
وفي هذا الإطار نشأ مصطلح النص المفتوح ، وهذا المصطلح يعني أن النص قابل للتأويل المستمر والتحول الدائم ؛ إذ أنه يتعدد بتعدد القراء .
وبعد تحليل المفردات وتوضيح المفاهيم التي تكوّن منها عنوان الأخ أبي حسان نأتي لمناقشة الجزئيات في المناظرة التي دارت بينه وبين الأخ نايف الزهراني الذي رد عليه بردود مفحمة ، وأظن أنه بتحليل المفردات وتوضيح المفاهيم سابقا قد اتضحت أمور كثيرة في المناظرة .

أولا:
استدل الأخ لإدانة السلفيين بقولين لعالمين من أكابر علماء الإسلام هما أحمد بن حنبل وابن تيمية ؛ وهذا من سوء التدبير ؛ إذ لم أر من قبل رجلا يريد أن يذم قوما فيضع تاجين على رؤوسهم قبل أن يقوم بالسب والشتم ؛ وليته اكتفى بذلك بل تراه يضع من هم أكبر من هذين العالمين (الصحابة أنفسهم)

ثانيا : أما بالنسبة إلى قول الإمام أحمد "لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا)
وهذا القول قد سلخه أبو حسان من سياقه ، وقد أورده ابن تيمية ، وهو عندما ذكر ذلك إنما كان يتحدث عن الإجماع ونقل قول من قال بأنه حجة وقول من قال بأنه ليس بحجة من الروافض والمعتزلة ؛ ثم ذكر ترجيح العالم بين أقوال الصحابة والنظر في أيهم أقرب إلى الكتاب والسنة ؛ يقول ابن تيمية (قال القاضي: الإجماع حجة مقطوع عليها يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ، وقد نص أحمد على هذا في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج عن أقاويلهم أرأيت إن أجمعوا له أن يخرج من أقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا) وواضح جدا أن ابن حنبل يقصد أن التحلل من أقوال الصحابة هو طريقة أهل الأهواء والبدع الذين أرادوا حمل القرآن على آرائهم وأهوائهم متحللين من الضوابط ؛ أي : أنهم يحملون نصوص القرآن ما لا تحتمل .

ثالثا : أما بالنسبة لقول ابن تيمية (من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه) فقد أخرج أبو حسان هذا الكلام أيضا وسلخه عن سياقه ، وابن تيمية عندما ذكر ذلك إنما كان يتكلم عن التفاسير المنحرفة كتفسير الرافضة الإمامية والقرامطة والمعتزلة حيث ذهب هولاء الروافض إلى أن (يدا أبي لهب) هما أبو بكر وعمر وأن البقرة في قوله (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) هي عائشة، و أئمة الكفر في قوله (فقاتلوا أئمة الكفر ) طلحة والزبير،و مرج البحرين في قوله (مرج البحرين يلتقيان) علي وفاطمة، و (اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين، وهذه سماها ابن تيمية خرافات تتضمن تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال، وهي خرافات بالفعل ؛ ثم ذكر ابن تيمية تأويلات المعتزلة ثم قال (وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب . ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا . ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية، والمقصود هنا التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله، فمن أصول العلم بذلك أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه وأنه الحق، وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع، ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق) .
أي أن ابن تيمية ذكر ذلك في مقابلة أهل الأهواء من روافض ومعتزلة وأراد أن يبين المنهج السليم في التفسير

رابعا : ذكر أبو حسان أن الصحابة أجمعت على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم قال أبو حسان ومع ذلك ذكر المفسرون بأن الآية ليست خاصة في اليهود والنصارى بل هي عامة في كل من تنطبق عليه هذه الأوصاف كما نبه على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير ثم ذكر أبو حسان أن المعنى عند هولاء المفسرين أن اليهود من المغضوب عليهم ثم فرق أبو حسان بين قول الإنسان " المغضوب عليهم اليهود وقوله "اليهود مغضوب عليهم" ورغم تفنن أبي حسان في العبارات إلا أن كلامه لا معنى له ؛ إذ أنه لا اختلاف بين الحديث وقول المفسرين ؛ فالمغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى ؛ ويتبين ذلك باستقراء بسيط للفظ الغضب في القرآن لتعرف من المقصودين بهذه الصفة ؛ قال تعالى عن اليهود : "وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وقال فيهم أيضا "فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ وقال فيهم أيضا "وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ وقال فيهم أيضا "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وقال فيهم أيضا " إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا" وقال في النصارى "وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ " ويبدو واضحا جدا من السياق أن المقصود هم النصارى يقول ابن القيم " فهذا خطاب للنصارى لأنه في سياق خطابه معهم بقوله لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إلى قوله وضلوا عن سواء السبيل"
فالمقصود بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى ، ولكن الآية لم تأمر المسلمين بأن لا يكونوا يهودا أو نصارى - كما فهم أبو حسان – بل أمرتهم بأن يدعوا بالهداية للطريق المستقيم الذي ليس هو طريق اليهود الذين أنعم الله عليهم بالهداية إلى صراط الخير بدعوة الرسل فتقلدوها ثم طرأ عليهم التغيير وبطر النعمة وسوء الامتثال وفساد التأويل وتغليب الشهوات حتى حق عليهم غضب الله تعالى ، كما أمرت الآية المسلمين بالتبرؤ من حال النصارى الذين هُدوا إلى صراط مستقيم فما استقاموا فيه فانقلبت هدايتهم ضلالاً . والكلام ليس عن اليهود والنصارى في أنفسهم بل عن طريقتهم ، وطريقتهم التي أدت إلى الغضب والضلال هي المقصودة ؛ وهذه الطريقة التي عرفوا بها قد يفعلها غيرهم ؛ ولهذا أمر الله بالتعوذ منها ؛ وليس المراد التعوذ من أن يصير المسلم يهوديا أو نصرانيا ؛ يقول ابن عاشور (ولو كان المراد دين اليهودية ودين النصرانية لكان الدعاء تحصيلاً للحاصل فإن الإسلام جاء ناسخاً لهما)
ورغم كل ذلك إلا أنني لم أر مفسرا قال إن المقصود بالمغضوب عليهم غير اليهود ولا بالضالين غير النصارى اللهم إلا أقوال شاذة لا معول عليها وردها العلماء نحو أن "المغضوب عليهم" المشركون. و"الضالين" المنافقون. أو : "المغضوب عليهم" هو من أسقط فرض هذه السورة في الصلاة و"الضالين" عن بركة قراءتها
أما تعدية طريقة اليهود والنصارى إلى غيرهم ممن اتصف بصفاتهم فجائزة ولا تعارض الحديث بحال فقد قيل : "المغضوب عليهم" باتباع البدع و"الضالين" عن سنن الهدى ويعلق القرطبي على ذلك بقوله (وهذا حسن ، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن) ومهما يكن من أمر فهذا التفسير شكل من أشكال توضيح الحديث ؛ إذ ذكرنا أن المقصود في الآية طريقة اليهود والنصارى "صراطهم" لا هم في أنفسهم .

خامسا: قال أبو حسان " إجماع الصحابة على قولين إجماع على إبطال ما عداهما"
إجماع على قولين ؟!
فكيف يكون إجماعا

سادسا : إذا أجمع الصحابة على قول معين فإنه لا تجوز مخالفتهم إطلاقا وكل تفسير خالف إجماعهم الثابت فهو باطل بلا شك ؛ إذ إن إجماعهم حجة ؛ وقد أمرنا الله تعالى باتباع سبيل المؤمنين والصحابة أفضل المؤمنين بلا شك ؛ فلا يمكن لرجل أن يخالف إجماعهم فيُقبل منه ؛ ولكن قد يبيين العالم قول الصحابة ويوضح وجه ارتباطه بالآية ؛ لأن أقوال الصحابة قد تكون إشارات موجزة لا يستطيع فهمها كل الناس ؛ ولهذا قد يختلف قول العالم عن قول الصحابة إجمالا وتفصيلا وغموضا وتوضيحا ؛ فيظن من لا يحسن هذا العلم أن هنالك مخالفة لإجماع الصحابة قد وقعت وليس الأمر كذلك . وقد وقع مثل ذلك بين الصحابة أنفسهم كما سيأتي.

سابعا : أما إذا اختلف الصحابة على قولين وهم لا يختلفون في التفسير كثيرا وإنما اختلافهم أكثر منه في الأحكام وتطبيقها ، أما بالنسبة إلى التفسير فقد يكون هذا الاختلاف في اللفظ فحسب أو في العموم والخصوص أو السبب والمسبب ولكن المعنى العام واحد ، وهذا الذي يسمى اختلاف تنوع لا اختلاف التضاد ؛ والناس في الغالب لا يعبرون عن الفكرة الواحدة بأسلوب متفق ؛ بل إن الرجل الواحد قد يعبر عن المعنى الواحد بطرق مختلفة ؛ فقد فسر على كرم الله وجهه الصراط المستقيم في قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) بأنه اتباع القرآن وفسره جابر رضي الله عنه بأنه الإسلام ؛ والإسلام هو اتباع القرآن كما أن القرآن ينبه على ضرورة اتباع السنة ؛ والذين قالوا إن الصراط المستقيم هو القرآن يؤيدهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن "هو حبل الله المتين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم". والذين قالوا إن الصراط المستقيم هو الإسلام يؤيدهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران .... فالصراط المستقيم هو الإسلام والسوران حدود الله" . فإذا جاء عالم فقال : الصراط المستقيم هو السنة والجماعة أو هو طاعة الله والرسول صلى الله عليه و سلم ؛ فإنه هو المعنى نفسه الذي قال به الصحابة
وكثيرا ما يميل الصحابة في توضيح المعنى إلى التمثيل بصفة من صفات الشيء فمثلا في قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) فالظالم لنفسه عموما هو المضيع للواجبات والمنتهك للمحرمات، والمقتصد هو فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات
فيقول الصحابي : السابق الذي يصلى في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، ويقول الآخر : السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم الله في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع . والناس في الأموال إما محسن، وإما عادل، وإما ظالم، فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات . والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة . والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، فكل قول من أقوال الصحابة ذكر نوعا داخلا في الآية وقد ذُكر ذلك لتعريف السامع بتناول الآية لهذا النوع وتنبيهه به على نظيره.
أما إذا اختلف الصحابة اختلاف تضاد وكانوا مجموعتين لا فردين وهو قليل نادر فقد تكون إحدى الروايتين أقوى ، وفي هذه الحالة ترجح الأقوى ؛ فإن كانتا على درجة وتعذر الجمع والتوفيق بينهما لجأنا إلى الترجيح فأخذنا القول الأقرب إلى الكتاب والسنة
ولا شك أن الخروج عن أقوال المختلفين يقتضي تخطئتهم جميعا، والصحابة إذا اختلفت أقوالهم فالناظر لا يعدم في بعض أقوالهم قولا قويا يؤيده سياق الآية وما يجب أن يراعى من ضوابط ؛ فلا مبرر لإنشاء قول جديد أصلا

ثامناً : أما إذا انفرد الصحابي بقول فهذا الأمر فيه تفصيل وهو:
أ- من هو الصحابي الذي انفرد بالقول ؟
إذا كان الصحابي الذي نقل عنه القول هو ابن مسعود وابن عباس وأُبَىّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وأبى هريرة وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو ابن العاص وعائشة رضي الله عنهم – فإن قولهم حجة إذا ثبت . أما الصحابة الذين كانوا من علماء أهل الكتاب نحو عبد الله بن سلام وتميم الداري فإنهم أسلموا ومن الصعب على الإنسان التخلص مما لديه من المعلومات الدينية القديمة، وهولاء إنما كانت مصادرهم من الإسرائيليات ؛ ولهذا ينبغي الحذر والتأكد من أقوالهم هل هي من الإسرائيليات أم لا ؟ فإذا ثبت أنها من الإسرائيليات فإنها تعامل معاملة ذلك ، وليس هنا موضع الحديث عن ذلك ، وقد تشدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رواة الإسرائليات ؛ وهدد كعب الأحبار من الرواية عن بني إسرائيل ؛ فقال: (لتتركن الحديث عن الأُوَل أو لألحقنّك بأرض القردة) ومنع تميما الداري أن يقص سنين طويلة ، فلما أكثر عليه سأله عمر – خشية من إيراد الإسرائيليات - فقال: ما تقول؟ قال:أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر ، فقال: عمر ذلك الربح.
وليس معنى ذلك أن ذاك الصنف الأول من الصحابة الذين قلنا أن قولهم حجة إذا ثبت – أنهم لا يخطئون ؛ إذ ثبت أن بعضهم أخطأ وصححه الآخرون ؛ فعبد الله بن الزبير أخطأ في تفسير بعض الآيات فصححته عائشة رضي الله عنها وابن عباس أخطأ في تفسير بعض الآيات وصححه علي كرم الله وجهه ، وكذلك الأمر في الصنف الثاني من الصحابة ؛ إذ أخطأ ابن سلام وصححه ابن عباس وأبو هريرة. أما إذا لم يصحح الصحابة المعنى الذي ذهب إليه الصحابي فمعنى ذلك أنهم ارتضوه .
ب- التأكد من كون الرواية عن الصحابي صحيحة ؟
ذهب أبو حسان إلى ضرورة عرض أقوال الصحابة على ميزان النقد العلمي فإذا كان يقصد فحص هذه الروايات وبيان صحيحها من زائفها كما دُرس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سندا ومتنا - فهذه أقيم النقاط التي ذهب إليها أبو حسان ، ولكن الفرق كبير بين نقد هذه الأقوال للبناء على صحيحها وبين نقدها لرفضها وتجاوزها وإحداث رأي غيرها .
والملاحظ أن الروايات المروية عن ابن عباس مثلا فيها بعض الأمور التي يجب التنبه لها ؛ فمن هذه الروايات ما يمكن الاعتماد عليه ، ومنها ما يعتريه الضعف في رجاله، أو الانقطاع في إسناده ، وقد تجد لابن عباس في الآية الواحدة أقوال مختلفة الأمر الذي يشكك في بعضها ويدلل على أن بعض الوضاعين اختلق روايات نسبها إلى حبر الأمة ، والطرق عن ابن عباس كثيرة منها القوي ومنها الضعيف ، وأقواها طريق معاوية بن صالح، عن علىّ بن أبى طلحة، عن ابن عباس، وطريق قيس بن مسلم الكوفى، عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس ، وأوهى هذه الطرق طريق محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس وقد قال العلماء عن هذا الطريق (فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير، فهي سلسلة الكذب)
وقد لاحظ الباحث أن من رجال الروايات الواردة عن الصحابة بعض الروافض ؛ وغالبا ما تكون هذه الروايات شديدة الخطورة سواء في التفسير أو علوم القرآن .
كما هنالك روايات كتلك الراويات التي تطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وتطعن في حفظ القرآن نحو قصة حبه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد وقصة الغرانيق وأكل الشاة لسورة الأحزاب ونحو ذلك
فليس كل من يقول قال ابن عباس أو عبد الله بن مسعود ينبغي أن نسلم له
وبعض الروايات لا ينبغي تجاوزها والقول بغيرها فحسب بل ينبغي نبذها والرد عليها بشدة
ولكن من يقوم بهذا الرد والنقد ، وملاحظ أن بعض الذين لا علم لهم يستخدمون النقد كيفما شاءوا فيردون به الصحيح ويقبلون به السقيم ، ولم يُرَد النقد لمثل ذلك ؛ فالنقد المعتبر هو نقد العلماء لا غيرهم
[align=center]إن السلاح جميع الناس تحمله * وليس كل ذوات المخلب السبع [/align]
ج- هل قول الصحابي ينسجم مع سياق الآية وما تدل عليه وهل هنالك حديث معارض لما ذهب إليه ؟
التفسير إما أن يعتمد على نقل مصدق وإما أن يعتمد على استدلال محقق ، ولهذا فإن في الآية نفسها دليلا على صحة الرواية المنقولة من عدمها ، ولا أريد التحدث عن حجية قول الصحابي ونحو ذلك مما هو مبثوث في كتب أصول الفقه ، خاصة وأن حديثنا يدور في مضمار التفسير ؛ إذ إن معرفة الفقه والأحكام تختلف اختلافا كبيرا عن التفسير ، والفقهاء والأصوليون عندما يتحدثون عن قول الصحابي في الفقه والأحكام فإنهم يتحدثون عن مسألة فقهية ليس فيها دليل من كتاب أو سنة ؛ ولذلك يلجأون إلى قول الصحابي ؛ وذلك خير من الدوران في الفراغ وخير من الاعتماد على عقولهم المجرد ؛ إذ أن الأمر أمر علم ودين وليس تنظيرا في فراغ ، أما بالنسبة إلى التفسير فالأمر مختلف جدا ؛ إذ أن الدليل موجود وهو الآية نفسها وما قول الصحابي إزاء ذلك إلا توضيح وشرح ؛ ولهذا يمكن أن تلتمس العلاقة بين الآية وقول الصحابي بسهولة ، وقول الصحابي إذا انفرد حجة ، وليس المراد بذلك أنه حجة بذاته كالكتاب والسنة فإنهما حجة بذاتهما ، وإنما هو حجة لما احتف بقوله من أدلة وقرائن تدل على حجية قوله ، فهو حجة بالغير ؛ فإذا وافق سياق الآية وما تدل عليه كان حجة بدليل الآية نفسها. ومذهب الصحابي وحده لا يعد حجة إلا إذا غلب على الظن اشتهاره بين الصحابة وعدم إنكاره، ولا يمكن أن يخالف قول الصحابي سياق القرآن ثم لا ينكر الصحابة عليه ، وإذا جاءنا قول أحد الصحابة مخالفا للسياق ولدلالة الآية ولم يصلنا الإنكار عليه فإن المشكلة تكون في سند الرواية غالبا ، أما إذا خالف قول الصحابي حديث صحيح فإن المشكلة في صحة النقل ، فإن لم تكن كذلك فإن الصحابي ربما قال كلامه قبل ورود الحديث الذي يخطيء قوله أو أن الحديث لم يصله ؛ وهذا الذي قاله إنما يعد من اجتهاده ، و نحن غير ملزمين باجتهاده إذا كان الحديث الصحيح بخلافه
ثامنا : أرى أبو حسان قد مال إلى الإعجاز العلمي حتى يبطل قول ابن عباس
وهذا عجيب!
ومعلوم أن الإعجاز العلمي اليوم وباعتراف أصحابه يعاني مشكلات منهجية كبرى وليس هنا موضع شرح ذلك
لكن قل يا أبا حسان هل صعوبة التنفس بسبب انخفاض الضغط الجوي وقلة الأوكسجين يسمى "ضيق الصدر" في لغة العرب وفي القرآن ؟
وهل في هذه الحالة يضيق الصدر أم تضيق الرئة ؟
وهل ضيق الرئة بسبب قلة الأوكسجين يسبب ضيقا في الصدر كله ؟
وهل انكماش الرئة أو انتفاخها يسمى ضيقا وشرحا ؟
الحقيقة العلمية صحيحة وهي انكماش الرئة بقلة الأوكسجين عند الارتفاع إلى أعلى لكن الآية لم تتعرض لهذا المعنى أصلا ودليل ذلك ما يأتي .
فضيق الصدر في قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر معروف عند العرب ومعناه معروف قال السموأل
[align=center]ضيق الصدر بالخيانة لاينق * ص فقري أمانتي ما بقيت
رب شتم سمعته فتصامم * ت وغي تركته فكفيت[/align]
وما زال ضيق الصدر معروفا لا يحتاج فهمه إلى أوكسجين
وكذلك "شرح الصدر" الذي يقابل الضيق
قال تعالى (وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) أي : طابت نفسه له
وقال عن موسى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)
وقال (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
ومعنى الآية " موضوع النقاش " أنه كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه وهذا قول ابن عباس الذي أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وليس هو إجماعا للصحابة ، ولكنه معنى صحيح ، وأليق بسياق الآية .
فقوله تعالى (كأنما يصّعَّد في السماء) يصور حال الكافر الذي ضاق صدره وثقل عليه ما يدعى إليه من الإيمان كأنما كلف بالمستحيل وهو الصعود في السماء ؛ رغم أن الأمر ليس كذلك ؛ فالإيمان على من يستجيب له أمر سهل في فهمه والاقتناع به ؛ إذ إن الحجة فيه ناصعة واضحة والكافر يمتنع منه الإيمان كما يمتنع منه الصعود . وقد جاء الفعل يصعد بالتشديد ليبين مدى الصعوبة والمشقة في الصعود ، وكلمة الصعود نفسها تدل في لغة العرب على الصعوبة والمشقة ، والصعود والصعوداء : العقبة الشاقة ؛ قال تميم بن مقبل
[align=center]وحدثه أن السبيل ثنية * صعوداء تدعو كل كهل وأمردا
صعوداء ، من تلمع به اليوم يأتيها * ومن لا تله بالضحاء فأوردا [/align]
والصعود المشقة ومنه قوله تعالى (سأرهقه صعودا) أي : مشقة من العذاب ، والصعود العقبة الكؤود وفي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح" أي ما بلغت مني وما جهدتني ، وأصله من الصعود وهي العقبة الشاقة ؛ يقال تصعده الأمر إذا شق عليه وصعب ، والصعد المشقة ، و"العذاب الصعد" في قوله تعالى "نسلكه عذابا صعدا" أي عذابا شاقا
وهولاء الصحابة يا أبا حسان كانوا أعرف بكلام العرب والمعنى المراد من كتاب الله أكثر بكثير مما يعرفه أهل العلوم الطبيعية وغيرهم .
أما قولك (أن الآية جاءت بصيغة الظرفية في قوله: (في السماء) وهذا يفيد بأن التصعد يكون حقيقة في ظرف السماء، ولو كان المعنى على ما قال ابن عباس لجاءت الآية بلفظ (إلى السماء)
كلام غريب !
فالآية جاء فيها تمثيل الكافر ضيق الصدر تجاه الإيمان بالذي كلف بالصعود إلى السماء وتكفيك كلمة "كأنما"
أما قوله تعالى "في السماء " فهي كقوله " أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء".

[align=center]أخوكم الدكتور جمال الدين عبدالعزيز الشريف
عضو ملتقى أهل التفسير
أستاذ التفسير والبلاغة القرآنية بجامعة الجزيرة بالسودان[/align]
 
نحن نعود اليوم مرة أخرى لفتح هذا الموضوع للنقاش بعد إغلاقه انتظاراً لتعقيبات عدد من الباحثين، غير أنه يبدو أن ضيق الوقت لم يدع لهم فرصة للكتابة. ولا أنسى شكر الذين تفضلوا بالتعليق، ولعل فتح الموضوع للنقاش اليوم يشجع مَن لم ينشط من قبل .
والغاية من العناية بهذا النقاش هو التأمل والتدقيق في هذا الحوار، للوصول إلى الحق الذي نبتغيه في هذا الملتقى دوماً .
ونحب أن نوضح أننا في هذا الحوار وأمثاله إنما نسعى لنقاش الفكرة نفسها، التي إن قامت اليوم بفلان الذي نعرفه فقد تعود غداً على يد من لا نعرفه، ونحن نردُّ على هذا وعلى هذا بردٍّ سواء، لا جهلُنا مَنْ نجهلهُ يُلطِّف منهُ، ولا معرفتنا من نعرفه تبالغ فيه كما قال الرافعي رحمه الله .
والفكرةُ قد تكون لألف سنةٍ خَلَتْ ثمَّ تعودُ بعد ألف سنةٍ تأتي، فما توصف مِنْ بَعدُ إلا كما وُصفَتْ مِن قبلُ ما دام موقعُها في النفس لم يتغير. وقد لا يكون في جدال أبي حسان هنا عائدةٌ عليه، إذ هو لا يذهب مذهبه إلا بعلم وبينة، فمن ثمَّ كان النقاش حول الفكرة نفسها، لا حول القائل . فالقسوة التي توجد في الكلام معه جاءت كالذي يصف الضالَّ ليمنَع المهتدي أن يضلَّ، فما بهِ زَجْرُ الأول بل عِظَةُ الثاني .
وقد تأملتُ الحوار مرات فما لقيتُ أبا حسان أحسن في الإبانة عن فكرة سبقه إليها غيره، وهو قد أشار إلى أنها تختمر في ذهنه منذ سنوات، في حين كان جواب الأخ نايف الزهراني جواباً واضحاً مركزاً .
وها هو الحوار يفتح ليكتب فيه أهل العلم به فحسبُ رأيهم وتعقيبهم عليه، رغبة في مزيد من البيان والاستدلال . وإيضاح جوانب قد يكون الحوار لم يتطرق إليها .
علماً أن معرف (أبو حسان) ما يزال يعمل ، ولم يتم تغيير أي شيء في بياناته، فيمكنه الدخول والحوار متى شاء .
والله الموفق .
 
والغاية من العناية بهذا النقاش هو التأمل والتدقيق في هذا الحوار، للوصول إلى الحق الذي نبتغيه في هذا الملتقى دوماً .
النقاش ؛ نقش في الصلب ،،، بغية البحث والتدقيق ورسم الصورة المثلى ،،،، والعناية والتامل والتدقيق للوصول الى الحق هي غايتنا ، ووسيلة ذلك كلمات نخطها ، هذه الكلمات هي نقشنا وهي هويتنا وهي المعبر عن ذات الانسان اصدق تعبير ،
واستجابة الى طلب ومقترح الاستاذ الفاضل ؛ نايف الزهراني ، وشكر الله له ، اضع هذا المطلب بين يديه وبين يدي القراء الكرام ،
وهو ليس الا البداية ، وحسب ، والا فان التعقيبات والنبش بين الكلمات لم تنتهي ولن تنتهي ، لما اجده من خلل كبير بين ثنايا الخطابات والخطابات المضادة ،
أمجد الراوي , مجدي أبو عيشة
جزاكما الله خيراً , وشكر لكما
وتساؤلاتك أخي أمجد طيبة مفيدة , أسأل الله أن يرزقني وإياك العلم النافع , والعمل الصالح .
لكني أقترح عليك حفظ نسخة منها لإدراجها في موضوع الحوار هناك ؛ ليتصل الكلام ببعضه , فحتى لو أجبتك هنا لا حتجنا إلى نقله هناك بعد ذلك , ناهيك عن التوسع الذي يمكن أن يتفرع عن الجواب , وربما خطر ببال أحد القراء ما خطر ببالك , فلا نحرمهم فائدة سؤالك بعزله هنا .
وغلق الموضوع هناك مؤقت كما تعلم , حتى تتم التعقيبات ثم تضيف ما لديك رعاك الله .
شيخنا الفاضل نايف الزهراني ؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

بما ان المسالة التي اطلقها ابي حسان في موضوع ؛
الإغراق في السلفية ، ومحاربة العقل والتجديد (مناظرة علميَّة)

لم تنته ولم تحسم ، وتلك الاجوبة التي تفضلت بتقديمها اثارت اسئلة اخرى اكثر منها اجوبة ، كما ان الموضوع بحاجة ماسة الى كثير من الاغناء والبحث ، لذلك اتقد م واستجيب لدعوتك ؛ بحق الجواب كرد السلام ،
في النفس الكثير من الاسئلة ، والتعقيبات ، والردود ، والاشارة الى ثغرات وردت كثيرا في حوارك مع الاخ ابي حسان ، لم اجد بدا و بدلا من طرحها في المنتدى ، لا ارتجي في طرحها غير طلب الحقيقة والادلال عليها ،
هنا اورد مثالا ونريد ان تطبق القواعد - التي سبق ان قعّدتها او ارتضيتها - على هذا الاثر ( الحديث ) في حوارك لابي حسان في موضوع الاغراق في السلفية ،
ساكتفي الان بسؤالين ؛
الاول :
الاثر:
5022 ـ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ اِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا اَبُو عَوَانَةَ، عَنْ اَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ اَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَاَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا اَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ اِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ‏.‏ فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ ـ فَاَدْخَلَهُ مَعَهُمْ ـ فَمَا رُئِيتُ اَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ اِلاَّ لِيُرِيَهُمْ‏.‏ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏اِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اُمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ، اِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا‏.‏ وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي اَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لاَ‏.‏ قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ اَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ ‏{‏اِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ وَذَلِكَ عَلاَمَةُ اَجَلِكَ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ اِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا‏}‏‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ مَا اَعْلَمُ مِنْهَا اِلاَّ مَا تَقُولُ‏.‏
رواه البخاري ،

وتعليقا على قولك لابي حسان (المداخلة 148) :



وأبو حسان يقول لنا : لا , لم يكن ذلك ؛ فلا الصحابة يعرفون جميع معاني القرآن على الصواب , ولا النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لهم جميع معانيه .
فأيهما نُصَدِّق ؟
السؤال :
هل فهم ابن عباس رضي الله عنه مراد الله من السورة بما لم يفهمه الصحابة رضوان الله عليهم ، وهل يعد هذا الفهم تفسيرا ؟
لاشك ان كان الامر كما قال ابن عباس ان احاط رسول الله بتلك الاشارة في قول الله ( اي اجله عليه الصلاة والسلام ) والسؤال ؛هل لم يخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحابة - جميعهم او بعضا منهم - بما اشارت اليه الاية من الخبر وبما يتفق وفهم ابن عباس ، ام انه لم يكتمه ، ام تركها لفطنتهم ؟
هل جواب ابن عباس هو دراية من طريق رسول الله ؟ ام هو اجتهاد وفطنة ،
ثانيا ،
ادلاء الصحابة اشياخ بدر قبل جواب ابن عباس ؛ ماهو ؟
هل هو اجماع ؟
ام هل هو قولين لاثالث لهما ؟
وسكوت بعضهم ، ماذا يعد من الاقوال هل هو موافقة للاخرين ام هو اعتراض ، ام عدم دراية ؟
ثانيا بعد استنطاق عمررضي الله عنه لابن عباس وجواب ابن عباس :
هل جواب ابن عباس هو خبر عن رسول الله ام هو اجتهاد و فطنة ام هو امر غيبي وخاص بابن عباس ؟
وبعد جواب ابن عباس ، هل اصبح الامر اجماع ، ام غير ذلك بسبب سكوت جميع الصحابة وعدم تعليقهم ، وهل تستطيع الجزم بخلو الموقف من استنكار الصحابة لمثل هذا الاجتهاد ؟
وهل قول ابن عباس هو الفصل فلا قول بعده واُغلق باب التفسير والاجتهاد في الامر الى يوم القيامة ، هل لايوجد احتمالات اخرى غير قول ابن عباس وغير قول الصحابة اشياخ بدرلمضمون السورة ؟ ، اي الصحابة الاخرين غير اشياخ بدر ممن لم يحضر ذلك المجلس ؟
وعدم اجابة الصحابة بالقول الذي قال به ابن عباس ، هل فاتهم العلم به ام فاتتهم الفطنة ؟ ام عدم دراية ؟ ام هل هو خطأ ؟ او نسيان ، ام عدم وصول التفسير اليهم ؟
هل ان رسول الله اخبرهم ام لم يخبرهم ام فسرها ؟ او لم يفسرها ؟ او لم يبينها لهم ؟ ، وان الامر عائد للفطنة التي ادرك ابن عباس بها مضمون السورة ، ولم يدركها باقي الصحابة ، واذا كان الامر عائد للفطنة وليس لاملاء الرسول بهذا الشان ، الا يشكل موقف عمر مع ابن عباس ازراءا بباقي الصحابة في انهم لايعلمون شيئا وادرك الصغير مالم يدركه شيوخ وثلة من الكبار والذي هم اكثر تلقي من الرسول واقدم ؟ ثم لماذا لم يعلم الصحابة بمقدار علم ابن عباس وفاتتهم تلك المقدرة الاستثنائية عند ابن عباس التي خصه الله بها بسبب دعاء الرسول له ؟
الا تجد في جواب ابن عباس جواز الاجتهاد بما لم يخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ ام ان ذلك موقوف على الصحابة دون غيرهم ؟ وما الدليل ؟
اكتفي بهذا القدر،
السؤال الثاني :
اوردت في مداخلتك رقم ( 148) :



رابعاً : الأدلة المتعلقة ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لجميع القرآن ومعرفة جيل الصحابة لجميع معاني القرآن :
1- قوله تعالى : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم} أي : القرآن . وغاية إنزال الذكر على النبي صلى الله عليه وسلم البيان , فمن الله الإنزال وعلى الرسول البيان , وإذا لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم فمن يبينه ؟! وهذا يشمل بيان جميع القرآن , وبيان بعضه , وبيان ألفاظه , وبيان معانيه , وهل تُعرف معاني الألفاظ الشرعية أو الإسلامية إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي ؟
اوردت الاستشهاد بالاية :
{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44
وفيها سؤال :
اولا ؛ من هم الناس في الاية ؟ هل هم الذين امنوا ام غيرهم ؟
وماهو مفهوم " تبين " و" البيان " في هذه الاية وفي غيرها ؟ هل هو " التفسير " او " التفصيل " او " الاستنباط " او " التاويل " او " التفهيم " او" التعليم " او شرح الغامض من المفاهيم او الارشاد الى بيان مراد الله من ذلك ، ام هو غير ذلك ؟ فما هو اذا ؟ ام هو جميع ذلك ؟

ثانيا ؛ وقعت " لتبين للناس " بين انزالين ، هما ؛ الاول ؛ " انزلنا اليك " ، والثاني هو ؛ " ما نزل اليهم " ،
هنالك احتمالان :
الاول ؛ ، انزلنا اليك = مانزل اليهم ،
أي ان الانزالين هما واحد ، وبالنتيجة الرسول يبين للناس مانزل اليه ، أي انزلنا اليك الذكر لتبين للناس الذكر ، اوانزلنا الى الناس لتبين مانزل الى الناس ،
والثاني ؛ المغايرة ، أي ان ؛ انزلنا اليك ، غير ؛ ما نزل اليهم ، وبالتالي فان ؛ " انزلنا اليك " تبين " مانزل اليهم " ؟
وبالنتيجة اذا ؛
فما هو ؛ الذي " انزلنا اليك " ؟
وماهو ؛ الذي " ما نزل اليهم " ؟
ام هنالك احتمالات اخرى ؟؟؟
وهل يوجد اقوال للصحابة في تلك الاحتمالات ؟
وجزيت خيرا ،
والسلام عليكم
 
ابتدأ اولا من العنوان ؛
واقول باسم الله ؛
اول ما استفزني ، حقيقة !! ، هو العنوان الذي يقول بعضا منه :
" محاربة العقل " !!! ومحاربة العقل هي مطلب شرعي ، شرعه الله والعقل هو ضد الفكر ، ولكن الاستاذ الفاضل ابي حسان قصد غير ذلك وهو ؛ " محاربة الفكر " ، والفكر هوالذي شرعه الله ودعا اليه ، والعقل ؛ هواقرب الى التقييد ، وهو المشار اليه في لغتنا اللاغية بالمشار اليه في كتاب الله ب " القلب " والقلب ؛ هو المنفتح والمستقبل للفكر وعكس العقل الذي يكبل الفكر ، فالقلب هو ءالة العقل ، والعقل هو الفعل الذي يفعله القلب حينما ؛ " يعقلون بها "
وهذا هو الذي افهمه من مضمون الأية ؛


{
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46
فعقل القلوب يتوجه الى ماتعقله وليس الفكر او القلب عقلا ، بل هما ادوات العقل اي لحفظ النافع والانتفاع به ،
ولهذا لانجد في كتاب الله مسمى ؛ " العقل " ، وانما نجد في كتاب الله ، وبديلا عن ؛ " العقل " ، مسمى " القلب "
وهذا فقط كمثال الى تحري الدقة والاشارة الى ؛ " الاخطاء اللغوية " وتضييعنا ل " عربية القرءان " !!!!
وتضييعنا للعربية هي التي ءالت بنا الى الفوضى والى حاجتنا الى التفسير في حين ان التفسير بين ايدينا وهو ذات ؛ " القرءان العربي " ، وهو يكنن في ؛
" عربية القرءان " ،
وفي ؛ " عربية لسان القرءان " ،

 
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله
وبعد
أرى أن النقاش في هذا الموضوع سيبقى يدور في حلقة مفرغة وينتهي حيث بدأ وهكذا إلى ما لا نهاية والحل في نظري هو التحول من النقاش النظري إلى التحقيق العلمي العملي بعبارة أخرى كما هو في المثل العامي " الماء يكذب الغطاس"و"الميدان يا حميدان" ، فعلى مدعي الإغراق في السلفية أن يثبت لنا الآتي:
أن الإغراق في السلفية يتعارض مع استخدام العقل والتجديد
وذلك لا يكون في نظري إلا بأن يقدم لنا دراسة نقدية لمرويات وأقوال السلف في التفسير ويرينا كيف أنها كانت عقبة في طريق استخدام العقل والتجديد.

إن إطلاق العبارات الرنانة يستطيعها كل أحد لكن القليل من يستطيع أن يقدم الإثبات على صحة عبارته.

دعاوى التجديد كثيرة وعريضة لا ينقطع أصحابها عن ترديدها ولكن المصيبة أنهم لا يجددون ، بل الذي نراه منهم أنهم يريدون هدم القديم وطمس أثره ثم بعد ذلك لا يبالون إن أقيم مكانه شيء أو بقي قاعا صفصفا.
 
أخونا أمجد الراوي
أسأل الله أن يوفقنا وإياك ويهدينا غلى الصواب في الأقوال والأفعال
أنت أخي الكريم مثال على أصحاب الاجتهادات التي يقتنع أصحابها بما يعن لهم ويتجاهلون أو يجهلون ما قيل في المسألة.
وكلامك في قضية العقل فيه خلط عجيب، ولو أنك رجعت إلى أهل اللغة وفي مقدمتهم من أنزل عليه القرآن بلسان عربي مبين صلوات ربي وسلامه عليه لسلمت من هذا الخلط العجيب ولرأيت أن صاحب الشرعية استخدم كلمة "عقل" ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد:
« الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير »
وقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا النساء:

"وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ"
أخي أمجد:
أرى أن التسرع في الاجتهادات وإطلاق الأحكام قد يوقع صاحبه في إشكلات هو غني عنها وربما صرفته عن إدراك العلوم والحقائق كما يجب ، وإذا أصاب المرء في مسألة فلا يعني ذلك أنه مصيب في كل مسألة.
وفقنا الله وإياك للصواب
 
الاستاذ نايف الزهراني ،

اعود لاذكرك بما وعدتني به ؛ الجواب على مسألتي ؟ لا ازال في الانتظار ؟ في سبيل احقاق الحق ، واحقاق كتاب الله ،


{
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }الأنفال8

واذكرك بما ارتضيته لنفسك وامرت به غيرك :

فالسؤال العام في الملتقى يتعين الجواب عليه ممن تقع بجوابه الكفاية .. أيّاً من كان , وجماعة المتخصصين أولى بذاك الفضل , وذوي الإشراف منهم خاصة الخاصة .

أمَّا السؤال الخاص لمسؤول بعينه فيتعين عليه الجواب كحق السلام , سواء في موضوع عامٍّ يراه الجميع أو في الرسائل الخاصة وهو أكثرها .

فأعطوا السائل حقَّه يا أهل التفسير ,[/align]
 
الأخ الكريم أمجد الراوي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فأشكر لك اهتمامك وحرصك , وأسأل الله أن يوفقنا وإياك للعلم النافع والعمل به .
وأنت تعلم -رعاك الله- أنه لا يتسنى الحوار في كل وقت , ومع كل أحد ؛ فإنه يستأثر من وقت المدقق المتثبت بالشيء الكثير , وكما قال سعيد بن جبير حين حَدَّثَ يوماً فقام إليه بعضهم وقال : أعده . فقال له : (ما كُلُّ ساعةٍ أُحلَبُ فأُشرِب) .
فأرجو أن يتسع صدرك لعذري .
فإذا كانت الفكرة الرئيسية للموضوع واضحة لديك فهو المراد , ولعل في المبحث الثاني من موضوع : (معالم الاستنباط في التفسير) : http://vb.tafsir.net/showthread.php?p=70218#post70218<br /> ما يوصلك إلى كثير ممّا سألت عنه . وفقك الله ورعاك .
 
<p>الأخ الكريم أمجد الراوي</p> <p>وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته</p> <p>فأشكر لك اهتمامك وحرصك , وأسأل الله أن يوفقنا وإياك للعلم النافع والعمل به .</p> <p>وأنت تعلم -رعاك الله- أنه لا يتسنى الحوار في كل وقت , ومع كل أحد ؛ فإنه يستأثر من وقت المدقق المتثبت بالشيء الكثير , وكما قال سعيد بن جبير حين حَدَّثَ يوماً فقام إليه بعضهم وقال : أعده . فقال له : (ما كُلُّ ساعةٍ أُحلَبُ فأُشرِب) . </p> <p>فأرجو أن يتسع صدرك لعذري .</p> <p>فإذا كانت الفكرة الرئيسية للموضوع واضحة لديك فهو المراد , ولعل في المبحث الثاني من موضوع : (معالم الاستنباط في التفسير) : http://vb.tafsir.net/showthread.php?p=70218#post70218
ما يوصلك إلى كثير ممّا سألت عنه . وفقك الله ورعاك .</p>


سيدي الفاضل نايف الزهراني ،
وعليكم السلام ورحمة الله ،

لم اطلب اليك الحوار في كل وقت فمسالتي مضى عليها اكثر من شهر ونصف ، منذ تاريخ 2007\2\27 ،
صحيح اني انتمي ل ؛ " كل احد " ، وانك لاتنتمي ل ؛ " كل احد " ، ولكن تبقى مسالتي ليست ككل المسائل ، وقولك هذا يطابق تقسيم ابي حسان الى الصغار والكبار ، وفعلا فاني لست من الكبار ،
ولكن مسالتي ليست صغيرة وليست ككل المسائل وليست سفاسف الامور - وانك كنت تدرك ذلك حق الادراك - بل تدرك انه صلب الموضوع الجاري بحثه وصلب الدين والدخول الى فهم القرءان ، كما ان مسالتي ليست اعادة وليست عبثا وتكرارا ، وانما فيها الجد الكثير والبحث والتدقيق ، واني جئتك بامر الاولى فيه بحثه ، بل اشباعه بحثا ، واني اعجب كل العجب لماذا يتهرب منها كل من اعرضه عليها ، لماذا لايجيبون على اسئلة سهلة ويرحموا عباد الله ويعطونهم من فيض هذا العلم الذي استأثروا انفسهم به ولايرتضون مشاركة خلق الله به ، وانما يمسكون رحمة الله ولايخرجون منها الا مايرونه هم مناسبا ولم ياذن لهم الرحمن به ،​
{​
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }يونس59
ولقد قدمت لك الاسئلة على طبق من ذهب ولم اكلفك الشرح والتاويل والاجتهاد ،
وانت القائل لابي حسان :

ما أسهل الجواب عن (هل) ؛ إما نعم أو لا , ثم اذكر دليلك , ثم فنّد ما تحب .
هكذا أصول البحث العلمي , وهكذا يفعل من يحسن الحوار .
.


ولم اقل لك اعد !!!كما قيل لسعيد بن جبير !!! ولم يسبق ان اجبتني ولو مرة واحدة ولو على سؤال واحد !!! ولم اسالك عن امر خاص بي وبعيدا عن اختصاص المنتدى وبعيدا عن البحث الجاري ،
وانما اتيتك بالجديد ،
واتيتك بالناقض لما كنتَ تُقَعِدهُ -وكنت تدرك هذا - ، اتيتك بما يهدم حميع ما كنت تقعده وبالدليل الصارخ !!!
ولم اطلب شروحا ، وانما كانت اسئلة سهلة ، ولا تحتاج الى كثير شرح ، كانت عبارة عن ؛ هذا او ذاك ؟ نعم او لا ؟ او غيره ؟ اوهل هو هكذا ؟ ام كذاك ؟ ، ، ، ، ،
انا ادرك لماذا لاتجيب على تلك المسائل ، خذ مثلا كان بامكانك الاجابة على سؤال الاية :​
{​
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44
فان اجبت بالتغاير واخترت الخيار الصحيح اي ؛ ما انزلنا اليك غير ؛ ما نُزّل اليهم ، فقد كنت ستنسف جميع ماكنت تقعد له ومنه الاجماع ، وكان هذا الجواب هو الصواب ، ولكنك ءاثرت السلامة ،
وان كنت ستقول ؛ هما سيان ؛ كنت ستحتار الحيار الخاطيء وكنت ستنسف البلاغة في القرءان ، مع عدم الائتلاف والتوافق في الاية ، لذلك ايضا ءاثرت السلامة كما ءاثرها غيرك ، فكان الصمت وكان التراجع اسهل السبل ، وهنا ثبت انه لا احد عنده الاستعداد للتراجع عن خطأ ، واي خطأ انه خطأ منهجي قاتل عماده خطأ تاويل قول من كتاب الله العربي المبين ،
وقرأت موضوعك في الاستنباط ولكن للاسف لم اجد فيه اي جواب على مسالتي ،
كما انك نسيت الجواب على المسالة الاخرى ، فانما هي مسالتان في واحدة ،
لذلك ستبقى مطالبتي مشروعة وقائمة ،
فهل اعتبر مداخلتك الاخيرة اعراضا عن اسئلة محرجة تؤثر السلامة فيها على الدخول في معمعتها ؟ وتؤثر التراجع عن وعد قطعته على نفسك ؟
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }التوبة

 
برجاء مراجعة مواضع علامة الفصلة المنقوطة ؛ حتى يستقيم الكلام

برجاء مراجعة مواضع علامة الفصلة المنقوطة ؛ حتى يستقيم الكلام

انا ادرك لماذا لاتجيب على تلك المسائل ، خذ مثلا كان بامكانك الاجابة على سؤال الاية :



{





بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44


فان اجبتبالتغاير واخترت الخيار الصحيح اي ؛ ما انزلنا اليك غير ؛ ما نُزّل اليهم ، فقد كنت ستنسف جميع ماكنت تقعد له ومنه الاجماع ، وكان هذا الجواب هو الصواب ، ولكنك ءاثرت السلامة ،


وان كنت ستقول ؛ هما سيان ؛ كنت ستحتار الحيار الخاطيء وكنت ستنسف البلاغة في القرءان ، مع عدم الائتلاف والتوافق في الاية ، لذلك ايضا ءاثرت السلامة كما ءاثرها غيرك ، فكان الصمت وكان التراجع اسهل السبل ، وهنا ثبت انه لا احد عنده الاستعداد للتراجع عن خطأ ، واي خطأ انه خطأ منهجي قاتل عماده خطأ تاويل قول من كتاب الله العربي المبين ،
معذرة للتدخل :
ما هو ( سؤال الآية ) - كما ذكرتم آنفا - ؟
أو ما هو السؤال ؟
لعل الأمور تتضح و تتحدد ، بدلاً من الأوهام و الظنون في مثل زعمك : ( انا ادرك لماذا لاتجيب على تلك المسائل ) .
 
غفر الله لك أخي أمجد .. لا أدري ما أغضبك ؟!
تركتَ النصَّ وذهبتَ إلى التأويل ,
وتقحمت علم الرب جل وعلا ؛ وأخبرت عمَّا في الضمائر ممَّا لم أنطق به , ولم يخطر لي على بال , فوالله ما أردتُ شيئاً مِمَّا تقول , ولا في كلامي ما يقتضيه .
- وانك كنت تدرك ذلك حق الادراك -
بل تدرك انه صلب الموضوع الجاري بحثه وصلب الدين والدخول الى فهم القرءان
-وكنت تدرك هذا -
انا ادرك لماذا لاتجيب على تلك المسائل
لذلك ايضا ءاثرت السلامة كما ءاثرها غيرك

ثم يا أخي هب أنّي أخطأتُ صراحةً وقصداً .. أما كان يسعني حلمك وعدلك وفضلك ؟
قلتُ -رعاك الله- : (أرجو أن يتسع صدرك لعذري) .
وما كان أسهل أن تقول : عذرتك . وهذا الشأن بمثلك .
أو تقول : لا أعذرك . وهذا حقٌّ لمثلك .
أمَّا أن تسأل .. وتجيبَ عنّي .. وتحكم بناءً على جوابك = فأين عدلك في هذا !
والله يا أخي إني أقول هذا محبةً لك ونصحاً , فما فائدة علم نتباغض فيه , ويظلم بعضنا بعضاً ؟
 
معذرة للتدخل :
ما هو ( سؤال الآية ) - كما ذكرتم آنفا - ؟
أو ما هو السؤال ؟

لعل الأمور تتضح و تتحدد ، بدلاً من الأوهام و الظنون في مثل زعمك : ( انا ادرك لماذا لاتجيب على تلك المسائل ) .


حبا وكرامة ،
السؤال المشار اليه هو :


السؤال الثاني :
اوردت في مداخلتك رقم ( 148) :




اوردت الاستشهاد بالاية :
{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44
وفيها سؤال :
اولا ؛ من هم الناس في الاية ؟ هل هم الذين امنوا ام غيرهم ؟
وماهو مفهوم " تبين " و" البيان " في هذه الاية وفي غيرها ؟ هل هو " التفسير " او " التفصيل " او " الاستنباط " او " التاويل " او " التفهيم " او" التعليم " او شرح الغامض من المفاهيم او الارشاد الى بيان مراد الله من ذلك ، ام هو غير ذلك ؟ فما هو اذا ؟ ام هو جميع ذلك ؟

ثانيا ؛ وقعت " لتبين للناس " بين انزالين ، هما ؛ الاول ؛ " انزلنا اليك " ، والثاني هو ؛ " ما نزل اليهم " ،
هنالك احتمالان :
الاول ؛ ، انزلنا اليك = مانزل اليهم ،
أي ان الانزالين هما واحد ، وبالنتيجة الرسول يبين للناس مانزل اليه ، أي انزلنا اليك الذكر لتبين للناس الذكر ، اوانزلنا الى الناس لتبين مانزل الى الناس ،
والثاني ؛ المغايرة ، أي ان ؛ انزلنا اليك ، غير ؛ ما نزل اليهم ، وبالتالي فان ؛ " انزلنا اليك " تبين " مانزل اليهم " ؟
وبالنتيجة اذا ؛
فما هو ؛ الذي " انزلنا اليك " ؟
وماهو ؛ الذي " ما نزل اليهم " ؟
ام هنالك احتمالات اخرى ؟؟؟
وهل يوجد اقوال للصحابة في تلك الاحتمالات ؟

وبامكانك تلاوة باقي المشاركة فهي في نفس هذه الصفحة .
 
غفر الله لك أخي أمجد .. لا أدري ما أغضبك ؟!
تركتَ النصَّ وذهبتَ إلى التأويل ,
وتقحمت علم الرب جل وعلا ؛ وأخبرت عمَّا في الضمائر ممَّا لم أنطق به , ولم يخطر لي على بال , فوالله ما أردتُ شيئاً مِمَّا تقول , ولا في كلامي ما يقتضيه .

ثم يا أخي هب أنّي أخطأتُ صراحةً وقصداً .. أما كان يسعني حلمك وعدلك وفضلك ؟
قلتُ -رعاك الله- : (أرجو أن يتسع صدرك لعذري) .​

وما كان أسهل أن تقول : عذرتك . وهذا الشأن بمثلك .
أو تقول : لا أعذرك . وهذا حقٌّ لمثلك .
أمَّا أن تسأل .. وتجيبَ عنّي .. وتحكم بناءً على جوابك = فأين عدلك في هذا !
والله يا أخي إني أقول هذا محبةً لك ونصحاً , فما فائدة علم نتباغض فيه , ويظلم بعضنا بعضاً ؟

اخي واستاذي نايف الزهراني ،
السلام عليكم ،
وغفر الله لي ولك ولنا جميعا ،
معك حق ، ولقد اعتراني غضب ، وفقدت بعض بصيرتي ،
ولكني لا ازل في خصومة معك - اسال الله ان تزول - من باب مسالتي وحسب - ولم يعتريني غضب نحو شخصك ومقامك الكريم الذي اكن له كل التقدير والاحترام ، ولن نجد للبغضاء محلا بيننا ، وانما هي خصومة بين اخوان مؤمنين من اجل الحق والاصلاح ، ولامكان لغير الود بيننا مهما تعالت الاصوات ،
وان عذرتك وعذرتني في هذه الدنيا فمن سيعذرنا غدا امام الله ،
ولا معذرة لاي احد حين يتصدر الناس ويدعي ارشادهم الى الحق ثم لا يتراجع حين يبدو له الحق في غير الذي كان يقول ، او الاشد خطرا حين يقدم احدنا نفسه بانه يتحدث عن الله وكتابه ،
ارجو ان تتفهم غضبي وتعذرني حيث لم اعذرك ، ولك العذر حتى ترضى ،

والسلام عليكم
 
اللهم اهدني

اللهم اهدني

بقيت المسألة:
ما القول إذا أحدث الخلف قولا ثالثا في التفسير يكون ضدا أو نقيضا للقولين الذين ذكرهما الصحابة رضي الله عنهم، ولم يخرج الخلف عن منهج الصحابة العلمي في التفسير؟
وهل هناك فرق بين جنس مذهب الصحابة في التفسير ، وأفراد مسائلهم؟
وهل يلزم من سلوك منهج معين في البحث والاستدلال الوصول إلى النتيجة عينها؟
وهل أدلة المحتجين بتحريم إحداث قول ثالث، تدل على فضيلة لدنية وهبية غير معقولة المعنى للصحابة رضي الله عنهم، أو ظرفية لا يمكن تحقيقها مفردة في أي واحد ممن بعدهم،
أم أنها فضيلة مركبة تعود لطريقتهم ومذهبهم العلمي الرصين في التفسير؟
فإذا كانت الأولى فما الدليل على اختصاص الصحابة رضي الله عنهم بهذه الكرامة اللدنية غير معقولة المعنى وهذه الخصوصية؟
وإذا كانت الثانية وجاء من استكمل جميع قوى الصحابة العلمية الظاهرة في مسألة ما
بعينها، كالعربية، وحال التنزيل، والإحاطة بالآثار، مع صدق النية، وطلب التوفيق فهل يجوز له ما جاز للصحابة أم لا؟
وهل وجود قولين متناقضين أو متضادين من أقوال الصحابة ( وهذا لازم لمن يقول بأصل المسألة لأن الحديث ليس عن اختلاف التنوع) يدل على أن كلا القولين محتمل للخطأ وهل عدم إنكار الصحابة رضي الله عنهم على أي من القولين مع احتمال أن يكون كل واحد منهما خطأ في ذاته، إجماع على عدم جواز إحداث قول ثالث، أو هو إجماع على احتمال وقوع الخطأ في القولين معا، وإمكان القول بثالث؟
 
هذا ملتقى علمي محترم، يسعى أهله إلى الحق. والذي لاحظته من خلال المتابعة للمداخلات أن البعض قد سلك مسلك الترهيب والتسفيه ليذب عن قناعات له لا يجد لها دليلاً مقنعاً. على أية حال من تابع وهو أهل للتمييز أدرك الثغرات الكامنة هنا وهناك، ولم تخدعه الأصوات العالية هنا وهناك. وإني أربأ بالأخوة الكرام أن يكونوا خلفاً لمن كان نهجهم "والغوا فيه". والناس هنا إما مقلد ينتظر حكم شيخه على المسألة، وإما مجتهد فيها لا يهمه ما عكّر صفوها من لغط وإسفاف.
 
أرجو من جميع من يحب المشاركة في هذا الحوار أن يكون دقيقاً ، وسيتم استبعاد كل ما لا يمت للموضوع بصلة وثيقة جديرة بالبقاء . فأرجو المعذرة .
 
ولماذا لا يحذف الموضوع الأصلي ما دام الحذف هو الحل لاسيما للأسباب الآتية :
أولا : صاحب الموضوع نفسه قد طلب ذلك وألح عليه ومن حقه أن يجاب إلى طلبه .
ثانيا : صاحب الموضوع نفسه قد رحل والرد عليه سواء بصلة بموضوعه أو بغير صلة لا معنى له إذ لقائل أن يقول : لو كان الرجل موجودا لرد وأسكت مخالفيه .
ثالثا : الموضوع من أصله مسيء للسلف وبالذات للصحابة رضي الله عنهم ويكفي في ذلك عنوانه ثم مجادلات صاحبه ومن تعصب له .
رابعا : في حذف الموضوع قطع للردود التي توصف بأنه لا صلة لها بالموضوع , وإغلاق لباب من الجدل والتعالم .
وأخيرا وليس آخرا في حذف الموضوع تقليل لسيآت قائله ومن حقه علينا أن نسعى في ذلك .
هذا رأيي وآمل عدم حذف رأيي إلا مع حذف الموضوع كله .
وأما عن حذف قصيدتي العلمية التي أرد فيها على أبي حسان فأريد جوابا شافيا عن سبب حذفها فإني لم أكتبها هنا إلا بعد طلب كريم من أخينا الفاضل أبي بيان نايف الزهراني ولعله يعذرني إن أعلنت عن طلبه وهو ولا شك أدرى الناس بم يتصل بموضوع المناظرة وما لا يتصل لأنه الشيخ الذي اختاره الموقع للمناظرة ونحسبه أهلا لذلك فإذا طلب مني أن أكتب القصيدة هنا فاستجبت له أتهم بأني أهجو الرجل وتحذف القصيدة , ومن الذي يحذفها ؟ الرجل الفاضل الكريم الذي شارك فيها ببيت وأثنى عليها ؟ أمر يحار فيه الحليم .
يا شيخنا الشهري أنت تعلم أن القصيدة ما هي إلا نظم علمي لما نثرتموه من ردود فلم حذفتها بالله عليك ؟
أما يكفي يا شيخنا أن الصوفية والخوارج والحزبيين وغيرهم يبخسوننا حقنا ويتهموننا بم ليس فينا حتى يفعل ذلك بنا إخواننا وشيوخنا وأحبابنا في الله ؟
على كل لك ما أردت وما زلت أحبك في الله عز وجل .
 
الأخ العزيز محمد بن عيد الشعباني وفقك الله ورعاك .
هل تستكثر على أخيك أن يدير موضوعاًً حوارياً فيستبعد ما يراه ؟ أم أنك تراني أصغر من أن أفهم علاقة قصيدتك بالموضوع؟ أنا أعلم أنها تتعلق بالموضوع ولكنك قد كتبتها عدة مرات ونقحتها وأصلحتها في الملتقى المفتوح فكان ذلك كافياً حسب رأيي، وقد فتح الباب للشعراء للمشاركة وستتحول إلى أمسية شعرية.
ولكن أبشر بِما تريد، مع اختلافي معك في أسلوبك في التعامل مع الأمر.
أعِدْ القصيدة مرة أخرى ، وأنا مخطئ في حذفي لها وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه من ذلك، وأسأل الله لك التوفيق . ولكن ليتك تبين لي على الخاص ما هي صلاحياتي التي يجب علي أن أتقيد بها حتى لا أُغضبك .
 
كلُّ من راسلني بشيء يتعلق بهذا الموضوع أشرت عليه بالانتظار حتى يُفتح الموضوع وإضافة ما لديه هنا , وهو ما أشرت به على الشيخ الكريم الشعباني , وهذا هو المعتاد أن تُجمع المشاركات المتعلقة بموضوع واحد معاً .

- - - - - - - -

وهذه إجابات مختصرة لأسئلة الدكتور عبد الله بالقاسم رعاه الله , ومنها ما سبق بيانه في الحوار :
س/ ما القول إذا أحدث الخلف قولا ثالثا في التفسير يكون ضدا أو نقيضا للقولين اللذين ذكرهما الصحابة رضي الله عنهم، ولم يخرج الخلف عن منهج الصحابة العلمي في التفسير؟
ج/ منهج الصحابة العلمي في التفسير يوصِلك إلى أقوالهم أو مثلها , لا إلى ما يناقضها .
-----
س/ وهل هناك فرق بين جنس مذهب الصحابة في التفسير ، وأفراد مسائلهم؟
ج/ المنهج .. منهج , لا يختلف . وليس منهم معصوم . والخطأ في تطبيق المنهج لا يؤثر في سلامته .
-----
س/ وهل يلزم من سلوك منهج معين في البحث والاستدلال الوصول إلى النتيجة عينها؟
ج/ من سلك منهجاً سليماً في البحث والاستدلال .. وصل إلى نتيجة سليمة ,
ومن سلك منهجاً خاطئاً في البحث والاستدلال .. وصل إلى نتيجة خاطئة .
فمادام المنهج واحداً فالنتيجة واحدة , ولا أدري كيف يتحد المنهج .. وتختلف النتيجة أو العكس ؟!
-----
س/ وهل أدلة المحتجين بتحريم إحداث قول ثالث، تدل على فضيلة لدنية وهبية غير معقولة المعنى للصحابة رضي الله عنهم، أو ظرفية لا يمكن تحقيقها مفردة في أي واحد ممن بعدهم، أم أنها فضيلة مركبة تعود لطريقتهم ومذهبهم العلمي الرصين في التفسير؟
ج/ هل للصحابة فضائل ليست فيمن بعدهم ؟ الجواب : نعم , كثير (فيهم الخلفاء الراشدون المهديون وسنتهم محل اتباع , وفيهم المُحَدَّث المُلهَم , وفيهم من شهادته بشهادة رجلين , وفيهم من أجاب الله دعاء نبيه فيه : اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل , وفيهم وفيهم ..) .
وهل للصحابة فضائل يَشْرَكُهُم فيها من بعدهم ؟ الجواب : نعم , وهذا النوع المشترك بين الصحابة وبعض من بعدهم هو فيهم أكثر مِمَّن بعدهم , وهم فيه أكمل ؛ فهم أهل اللسان سليقة , وسبقوا التنزيل , وعاصروا زمنه , وعاشوا بعده , وفيهم من أسباب الذكاء والزكاء ما لا يكاد يجتمع لغيرهم , ولا يلحقهم فيه إلا النادر من الناس .
-----
س/ فإذا كانت الأولى فما الدليل على اختصاص الصحابة رضي الله عنهم بهذه الكرامة اللدنية غير معقولة المعنى وهذه الخصوصية؟
وإذا كانت الثانية وجاء من استكمل جميع قوى الصحابة العلمية الظاهرة في مسألة ما بعينها، كالعربية، وحال التنزيل، والإحاطة بالآثار، مع صدق النية، وطلب التوفيق فهل يجوز له ما جاز للصحابة أم لا؟
ج/ من جاء بعدهم وشاركهم في بعض ما يمكن أن يشاركهم فيه من الفضائل .. فلن يرضى غير سبيلهم , ولن يجد حقاً يناقض الحق الذي علموه .
فهو تابعهم في منهجهم , ومن تابعهم في منهجهم وصل إلى ما وصلوا إليه , وشاركهم فيما يتسع فيه الكلام من المعاني , ووقف عن كلِّ قولٍ ينسب جميعَهم إلى الجهل , أو الخطأ , أو الرضى به .
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن الشهري
الأخ العزيز محمد بن عيد الشعباني وفقك الله ورعاك .
هل تستكثر على أخيك أن يدير موضوعاًً حوارياً فيستبعد ما يراه ؟ أم أنك تراني أصغر من أن أفهم علاقة قصيدتك بالموضوع؟ أنا أعلم أنها تتعلق بالموضوع ولكنك قد كتبتها عدة مرات ونقحتها وأصلحتها في الملتقى المفتوح فكان ذلك كافياً حسب رأيي، وقد فتح الباب للشعراء للمشاركة وستتحول إلى أمسية شعرية.
ولكن أبشر بِما تريد، مع اختلافي معك في أسلوبك في التعامل مع الأمر.
أعِدْ القصيدة مرة أخرى ، وأنا مخطئ في حذفي لها وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه من ذلك، وأسأل الله لك التوفيق . ولكن ليتك تبين لي على الخاص ما هي صلاحياتي التي يجب علي أن أتقيد بها حتى لا أُغضبك .




إن تواضعكم هذا يا شيخنا أشد علي من حذف مشاركتي بالقصيدة وأنتم أجل عندي من هذا وليس أخيك الصغير محمد الشعباني هو من يبين لفضيلتكم صلاحياته , ولذلك فلن أعيد شيئا حذفته , وقد ازددت لكم حبا في الله عز وجل .
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى