الإغراق في السلفية ، ومحاربة العقل والتجديد (مناظرة علميَّة)

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
يحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص .

أحسنت
لذا فإني ادعوك لتطبيق ذلك في كلامي الذي كتبته في بداية الموضوع
حيث إن كلامي كان عاماً في بدايته، ثم ذكرت في التفاصيل ما يدل على مرادي، وأني لم أقصد التعميم.
حيث نقلت كلام الإمام أحمد ، ثم كلام ابن تيمية، فقلت:
يروى عن الإمام أحمد أنه قال: "لاينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا". وقال ابن تيمية: "من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه".
ونقلي لكلامهما صريح بأني لا أعني المسائل التي وقع فيها الإجماع، وإنما أعني المسائل التي اختلف فيها الصحابة.
إذ المسائل المجمع عليها من الصحابة ، والمعتبرة - في التفسير خاصة - قليلة جداً، وهي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من تفسير القرآن، وليست هذه محل نقاشنا.
الذي أريده :
إذا اختلف الصحابة في تفسير آيةٍ ما على قولين مثلاً، فهل يجوز إحداث قول ثالث خارج عن أقوالهم.
ظاهر كلام الإمام أحمد وابن تيمية، وكذا عامة السلفيين أنه لا يجوز الخروج عن أقوالهم، وهذا الذي أريده، وهو في نظري غير مُسلم، وأعده إغراقاً في تمجيد السلف وتقديس أقوالهم بغير حق، إذ ليس لهؤلاء المانعين أي مستند يجعلهم يمنعون الخلف من الزيادة على أقوال الصحابة في الأمور التي اختلفوا فيها.

ملخص القول:
أن مسائل الإجماع ليست محل نقاشنا وإقحامها في الموضوع لم أقصده وإن كانت عبارتي تحتمله، ولا تثريب في ذلك فنصوص القرآن تأتي أحيانا بصيغة العموم ويعرف المخاطب أن هذا العموم غير مراد، إما لقرينة في النص أو من السياق أو من مخصص في موضع آخر، أوغير ذلك، وهو أسلوب عربي غير منتقد البتة.
 
ما الذي أريده بالضبط من موضوعي هذا:
المشهور عند كثير ممن ينتمي للسلفية ويعظِّم أقوال السلف أنه لا يجوز مخالفة السلف في التفسير أو إحداث قول بعدهم.

وهذا في نظري إغراق في السلفية وغلو في تقديس أشخاصهم.

وعليه فلا بد من إعادة النظر في هذه القضية ومناقشتها بالحجج والبراهين حتى نخرج بنتيجة وهي:
هل يجوز مخالفة السلف؟ أو لايجوز؟
ولماذا يجوز؟ أو لا يجوز؟
هذه العبارة هي المحور , وقد أحسنتَ في تحديدها بوضوح , ولذلك حددتها بعدك قضيةَ النقاش , ولن أذهب لغيرها لمعرفة رأيك مادام بالإمكان أن أسألك عنه هنا .
فلنبق سوياً في هذا الإطار بارك الله فيك .
 
ثانياً :
نستفيد ممَّا سبق أن الصحابة إذا أجمعوا على قول لم يَجُز إحداث قولٍ ثانٍ بعدهم . ومثله :
لو اجتمعوا على قولين فقط في معنى الآية لم يجُز إحداث قولٍ ثالث بعدهم .

فإن كان هذا متفقاً عليه .. فنعم , وإن لم يكن فَفَرِّق بينهما : لماذا كان الأول مقبولاً عندك والآخر لا ؟
 
ثانياً :
نستفيد ممَّا سبق أن الصحابة إذا أجمعوا على قول لم يَجُز إحداث قولٍ ثانٍ بعدهم . ومثله :
لو اجتمعوا على قولين فقط في معنى الآية لم يجُز إحداث قولٍ ثالث بعدهم .

فإن كان هذا متفقاً عليه .. فنعم , وإن لم يكن فَفَرِّق بينهما : لماذا كان الأول مقبولاً عندك والآخر لا ؟

كل الذي ذكرته هنا غير مُسلم ولا أوافقك عليه
فقولك: أن الصحابة إذا أجمعوا على قول لم يَجُز إحداث قولٍ ثانٍ بعدهم.
من قال هذا الكلام؟
مخالفة الإجماع شي ، وإحداث قول بعدهم شيء آخر.
وقولك : ومثله : لو اجتمعوا على قولين فقط في معنى الآية لم يجُز إحداث قولٍ ثالث بعدهم
ومفهوم كلامك هذا أن اختلافهم على قولين أو ثلاثة أو أكثر هو إجماع على هذه الأقوال ولا يجوز الخروج عن هذا الإجماع.
وهذا اصطلاح لا أعلم أحداً قال به غير الشيخ نايف، إذ كيف يُسمى الخلاف إجماعاً؟
أفدنا بارك الله فيك، من من العلماء قال إن الصحابة كل أقوالهم هي في حكم الإجماع.
ثم إن اختلافهم يدل على أن ما قالوه صادر عن اجتهاد وإلا كيف يختلفون، وكيف يكون قولهم حجة وهو مختلف ، هل الحق يختلف ويتعدد.
كلامك هذه يلزم منه تناقضات كثيرة

علماً بأن قولك هذا هو عين تعطيل العقل والتجديد والاجتهاد الذي ناديتُ في أول مقالي على التنديد به، وهو عين الضلال وإبطال الشريعة، وهو عين الغلو والجهالة في مقاصد الشريعة، ولا يوجد أحد من العلماء عمل به على مر العصور من لدن جيل التابعين إلى وقتنا هذا.
ثم يلزمك على اعتقادك هذا لوازم كثيرة كلها تؤل إلى تعطيل كثير من الأحكام التي اجتهد فيها أئمة كبار من بعد جيل الصحابة، فهل هي مبتدعة عندك؟ وأنهم آثمون باجتهاداتهم هذه؟
ويلزم أيضاً: أن كل العلماء الذين جاءوا بعد جيل الصحابة قد خالفوا الإجماع، إذ ليس أحد منهم إلا وقد قال قولاً من اجتهاده زائداً عما قال به الصحابة مما اختلفوا فيه.
فهل تعتقد هذه اللوازم؟
 
ما الفرق عندك بين مخالفة الإجماع وإحداث قول بعد إجماعهم .


مخالفة الإجماع تعني: معارضة حكمٍ أو معنىً أجمع عليه الصحابة.
وأما إحداث قول بعد الإجماع فهو يعني: زيادة حكمٍ أو معنىً مستنبطٍ من النص لم يذكره الصحابة في إجماعهم، والنص يحتمل ما أجمعوا عليه ويحتمل ما أفاده من جاء بعدهم.
 
إحداث قول بعد إجماعهم مخالفة لإجماعهم , وقد تكلفت التفريق بما لم يسبقك إليه أحد , أما قولك :
والنص يحتمل ما أجمعوا عليه ويحتمل ما أفاده من جاء بعدهم.
فهذا أعظم أصل من أصول المبتدعة , لأنه ما من صاحب بدعة إلا ويستدل عليها بما هو محتمل من النصوص ولا يلتفت إلى إجماع الصحابة ولا غيرهم , بل يقول : نحن رجال وهم رجال .

ما قيمة الإجماع الذي أقررت به سابقاً إن كان يحل لك أن تأخذ بخلافه ممّا يحتمله النص عندك ؟!
هذا يناقض ما اتفقنا عليه أولاً من أن ما أجمع عليه الصحابة يجب اتباعه ولو احتمل عندك سواه ؛ لأن فائدة الإجماع عند الأمة تحديد المعنى المراد من المعاني المحتملة . فلا تنقض ما بنيناه .
 
هات مثالاً واحداً على معنى لآية أجمع عليه الصحابة ويحتمل ما أفاده من بعدهم . وما حكم الأخذ بما أفاده من بعدهم مادام مخالفاً لإجماع الصحابة ؟

أرجو أن لا يتحول النقاش للإجماع وتحريره
ونزولاً عند طلبك سأعطيك مثالاً على معنى لآية أجمع عليه الصحابة ويحتمل ما أفاده من بعدهم
مثاله: قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) حيث حُكي الإجماع على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى . ومع ذلك فقد ذكر المفسرون ممن جاء بعد الصحابة بأن الآية ليست خاصة في اليهود والنصارى بل هي عامة في كل من تنطبق عليه هذه الأوصاف كما نبه على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير.
فهل تعد ذلك خرقاً للإجماع ومخالفة له؟
 
هذا الطلب الأخير أزلته أثناء تحريري للمشاركة , فدعه وأجب عمّا قبله , فسيأتي وقته .
 
ما قيمة الإجماع الذي أقررت به سابقاً إن كان يحل لك أن تأخذ بخلافه ممّا يحتمله النص عندك ؟!

الزيادة على الإجماع بمعنى أو حكم لا يُعارضه لا يعد مخالفة ، كما تسميه أنت
وقد ذكرت لك مثالا يبين بجلاء هذا المعنى
 
هذا يناقض ما اتفقنا عليه أولاً من أن ما أجمع عليه الصحابة يجب اتباعه ولو احتمل عندك سواه ؛ لأن فائدة الإجماع عند الأمة تحديد المعنى المراد من المعاني المحتملة . فلا تنقض ما بنيناه .
لقد اضفت قيوداً من عندك لم نتفق عليها ولم أوافقك عليها
فأنا لم أقل : يجب اتباعه ولو احتمل عندي سواه
أنا قلت : يجب اتباع الإجماع ويحرم مخالفته
 
قلت :
لعل هذه العبارة أدق:
إجماع الصحابة - بشروطه - في التفسير وغيره، يجب اتباعه، وليس من الغلو في شيء
وانتهينا من ذلك , وإذا فرغنا من شيء فلا يحل لأحد أن يرجع إليه بتقييد أو تقسيم أو زيادة أو نقص , وإلا لن ينتهي الكلام , ولن يبقى شيء ممّا بنيناه إن كان كلما استوى رجعتَ إليه بالنقض والتعديل .
وهنا يأتي دور مدير الحوار في ضبطه , فما نتفق عليه ينتهي الكلام فيه , ولا نرجع إليه إلا للبناء عليه والاحتكام إليه , ومتى رأى من أحدنا خلاف ذلك ينتهي المقام بالختام والسلام .
 
مثال مخالفة الإجماع - بمعنى معارضته- :
قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) حيث إن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع - وإن كان النص يحتمله، وقد قال به بعض العلماء - للإجماع على أن الزيادة على أربع محرم.
ومثل هذا الإجماع يحرم مخالفته لأن المخالفة له في حكم المعارضة.
 
قلت :

وانتهينا من ذلك , وإذا فرغنا من شيء فلا يحل لأحد أن يرجع إليه بتقييد أو تقسيم أو زيادة أو نقص , وإلا لن ينتهي الكلام , ولن يبقى شيء ممّا بنيناه إن كان كلما استوى رجعتَ إليه بالنقض والتعديل .
وهنا يأتي دور مدير الحوار في ضبطه , فما نتفق عليه ينتهي الكلام فيه , ولا نرجع إليه إلا للبناء عليه والاحتكام إليه , ومتى رأى من أحدنا خلاف ذلك ينتهي المقام بالختام والسلام .

انتهينا من ماذا يا شيخ نايف؟
ماذا تعني عندك كلمة " اتباع " وما الضد لهذه الكلمة؟
وأيضاً ماذا تعني عندك جملة: ويحرم مخالفته.
 
على الرغم من أن أصل الموضوع لم ندخل فيه حتى الآن، إلا أني ما زلت مسترسلاً معك أخي أبا بيان في تفريعاتٍ أراها قد أبعدت النجعة عن أصل الموضوع، وما زلت انتظر حتى الآن النتيجة التي تريد الوصول إليها.
علماً بأن أصل الموضوع هو قولي:
"المشهور عند كثير ممن ينتمي للسلفية ويعظِّم أقوال السلف أنه لا يجوز مخالفة السلف في التفسير أو إحداث قول بعدهم"
وبينت أن مرادي من هذه العبارة هو ما اختلفوا فيه لا ما أجمعوا عليه.
فما بالك حولت النقاش وجعلته في مخالفة الإجماع؟
وما شأن الإجماع في هذه المسألة؟
وكيف جعلت خلاف الصحابة إجماعاً؟
وكيف جعلت الخروج عن أقوالهم - التي اختلفوا فيها - مخالفاً للإجماع؟
 
الذي أراه أن الأخ نايف الزهراني يسير في الاتجاه الصحيح في النقاش، وأن الأخ أبو حسان يتنصل مما يقر به ، والمشاركات كلها مكتوبة فلا داعي لإعادة الإشارة إليها .
ولذلك أطلب من الأخ أبي حسان البقاء في دائرة النقاش فعلاً دون طرح أسئلة تخرج بالنقاش عن مساره .
هل الصحابة رضي الله عنهم إذا أجمعوا على قول في التفسير يجوز إحداث قول ثانٍ في التفسير بعدهم ؟ وأرجو التنبه يا أبا حسان إلى أن الكلام في التفسير لا في الاستنباط من الآيات .
وهل إذا قالوا بقولين لا ثالث لهما يجوز إحداث قول ثالث بعدهم في التفسير ؟ ودعك من الاستنباط من الآيات فهو أمر مختلف .
والحوار يتابعه كثيرون يا أبا حسان ويا أبا بيان، ولستُ أنا الوحيد الذي يمكن أن يقول هذا ، فلو تدبرتم في عباراتكم ، فلن نعود إلى عبارات أحد منكم فنحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد كما نصنع مع الوحي حفظكم الله ، وإنما سنأخذه بما يقرره في آخر عباراته .
 
لنحصر حديثنا الآن في هذين الأمرين :
أولهما :
هل الصحابة رضي الله عنهم إذا أجمعوا على قول في التفسير يجوز إحداث قول ثانٍ في التفسير بعدهم ؟
وأضيف : ولماذا ؟

والثاني :
وهل إذا قالوا بقولين لا ثالث لهما يجوز إحداث قول ثالث بعدهم في التفسير ؟
وأضيف : ولماذا ؟

فتفضل أبا حسان .
 
الذي أراه أن الأخ نايف الزهراني يسير في الاتجاه الصحيح في النقاش، وأن الأخ أبو حسان يتنصل مما يقر به ، والمشاركات كلها مكتوبة فلا داعي لإعادة الإشارة إليها .
ولذلك أطلب من الأخ أبي حسان البقاء في دائرة النقاش فعلاً دون طرح أسئلة تخرج بالنقاش عن مساره .
هل الصحابة رضي الله عنهم إذا أجمعوا على قول في التفسير يجوز إحداث قول ثانٍ في التفسير بعدهم ؟ وأرجو التنبه يا أبا حسان إلى أن الكلام في التفسير لا في الاستنباط من الآيات .
وهل إذا قالوا بقولين لا ثالث لهما يجوز إحداث قول ثالث بعدهم في التفسير ؟ ودعك من الاستنباط من الآيات فهو أمر مختلف .

حسناً سنجعل الحوار حول هذين السؤالين وأتمنى أن لا نخرج مرة ثانية عن صلب الموضوع
 
هل الصحابة رضي الله عنهم إذا أجمعوا على قول في التفسير يجوز إحداث قول ثانٍ في التفسير بعدهم ؟

حسناً سأجيب بالموافقة - تنزلاً - لا عن قناعة، ولكن حتى لا تكثروا من التشغيب والتشعيب، لأن هذا السؤال لا علاقة له البتة بموضوعنا، وقد ظننتم أني أقول به من لوازم كلامي، وسأقبل إلزامكم فأقول:
1- إجماع الصحابة - بشروطه - في التفسير وغيره، يجب اتباعه، ويحرم مخالفته ( وهذا ما أعتقده بلا إلزامات).
2- إجماع الصحابة - بشروطه - على قول واحد في التفسير يجب اتباعه، ويحرم إحداث قول ثانٍ بعدهم. ( وأستغفر الله من قولي يحرم لكني أقولها تنزلاً )

وهذا ما تريدونه وتعتقدونه وأنا موافق لكم، تنزلاً ، لأرى ما تصلون إليه.
نزلنا لما تريدون ، فماذا تريدون بعد هذا؟
لنختصر وندخل في النتيجة والحوار المباشر، ولا داعي لكثرة التتبع والإلزامات

علماً بأن النتيجة التي تريدون أن تصلوا إليها معلومة لدي مسبقاً وسأذكرها هنا للتذكير وحسب:
((إجماع الصحابة على قولين إجماع على إبطال ما عداهما، كما أن الإجماع على قول واحد إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما، ويلزم من أجاز إحداث قول مخالف لأقوالهم إذا اختلفوا أن يُجيز كذلك إحداث قول إذا أجمعوا.
وفي تجويز إحداث قول مخالف لأقوالهم يوجب نسبة الأمة إلى تضييع الحق؛ لأن اختلافهم على قولين اقتضى حصر الصواب فيهما فلو كان القول الثالث المُحدث حقاً لكانت الأمة قد ضيعته ، وهذا غير جائز ؛ لأن الأمة معصومة من الاجتماع على غير الحق)).

فهل هذا ما تريدون أن تصلوا إليه؟
إن كان هو فلنختصر ولنبدأ بتفنيد هذه النتيجة التي تريدون أن تصلوا إليها.
 
وهل إذا قالوا بقولين لا ثالث لهما يجوز إحداث قول ثالث بعدهم في التفسير ؟

نعم يجوز إحداث قول ثالث بعدهم.
ويجوز أيضا مخالفتهم.
لماذا؟
لأن اختلافهم - اختلاف تضاد طبعاً - يمنع أن يكون كل ما قالوا حقاً ، لأن الحق واحد ، ولا يجوز أن يكون القولين المتضادين حقاً في آن واحد.
ولأن اختلافهم يدل على أن ما قالوه مبني على اجتهاد، واجتهاد الصحابي ليس بحجة إذا لم يعضده الدليل، إلا إذا أجمعوا على اجتهاد واحد.
 
حسناً سأجيب بالموافقة - تنزلاً - لا عن قناعة، ولكن حتى لا تكثروا من التشغيب والتشعيب، لأن هذا السؤال لا علاقة له البتة بموضوعنا، وقد ظننتم أني أقول به من لوازم كلامي، وسأقبل إلزامكم فأقول:
1- إجماع الصحابة - بشروطه - في التفسير وغيره، يجب اتباعه، ويحرم مخالفته ( وهذا ما أعتقده بلا إلزامات).
2- إجماع الصحابة - بشروطه - على قول واحد في التفسير يجب اتباعه، ويحرم إحداث قول ثانٍ بعدهم. ( وأستغفر الله من قولي يحرم لكني أقولها تنزلاً )

وهذا ما تريدونه وتعتقدونه وأنا موافق لكم، تنزلاً ، لأرى ما تصلون إليه.
نزلنا لما تريدون ، فماذا تريدون بعد هذا؟
لنختصر وندخل في النتيجة والحوار المباشر، ولا داعي لكثرة التتبع والإلزامات

علماً بأن النتيجة التي تريدون أن تصلوا إليها معلومة لدي مسبقاً وسأذكرها هنا للتذكير وحسب:
((إجماع الصحابة على قولين إجماع على إبطال ما عداهما، كما أن الإجماع على قول واحد إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما، ويلزم من أجاز إحداث قول مخالف لأقوالهم إذا اختلفوا أن يُجيز كذلك إحداث قول إذا أجمعوا.
وفي تجويز إحداث قول مخالف لأقوالهم يوجب نسبة الأمة إلى تضييع الحق؛ لأن اختلافهم على قولين اقتضى حصر الصواب فيهما فلو كان القول الثالث المُحدث حقاً لكانت الأمة قد ضيعته ، وهذا غير جائز ؛ لأن الأمة معصومة من الاجتماع على غير الحق)).

فهل هذا ما تريدون أن تصلوا إليه؟
إن كان هو فلنختصر ولنبدأ بتفنيد هذه النتيجة التي تريدون أن تصلوا إليها.

هذا الكلام لا قيمة له في مقامنا هذا , ومن حملك أبا حسان على أن تكتب لنا ما نريده , اكتب ما تعتقده صراحة فهو موضوع النقاش , أمّا ( التنزل ) و ( عن غير قناعة ) فما أغنانا عنها ؛ فإنا لا نتحاور حباً في الحوار ولقصد الحوار , معاذ الله .

لا تضجر أبا حسان , واصبر فإنا لا نحب ظلمك وتقويلك ما لم تقل , ومن أجل ذلك نترفق في المسائل ونجتهد في تحديدها ؛ لنحملك على أحسن محمل ولا نعجل في الظن بك .

فأرجو أن تجيب على السؤال الأول مع تعليل ما تختاره عن قناعة , كما فعلت في السؤال الثاني وفقك الله وسددك .
 
فأرجو أن تجيب على السؤال الأول مع تعليل ما تختاره عن قناعة , كما فعلت في السؤال الثاني وفقك الله وسددك .

أجبت على السؤال وآمل أن تضبط أعصابك قليلا وتقرأه مرة ثانية وستجد الإجابة.

وأما التعليل فكيف أعلل لشيء لا أؤمن به، هل تريدني أن ألفق حججا لأمور لا أعتقدها؟

لا أراك إلا تتهرب من أصل الحوار وحسب بكثرة التفريعات التي تشتت أصل الموضوع وتصرف القراء عن الحقيقة التي لا تريدون أن تعترفوا بها ولا تريدون أحداً أن يثلبكم بها.

إن كنت جاداً وتريد الحق فأعطنا النتيجة التي تريد أن تصل إليها دون تخليط وتخبيط، ومن غير لف ودوران، فنحن لنا ثلاثة أيام ننتظر ما تود أن تصل إليه ولم نصل لشيء حتى الآن، رغم أن الموضوع واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ورغم أني وافقتكم على ما تريدون، والموضوع لا يحتمل هذه التفريعات التي أكثرت منها بغير فائدة
 
وأما التعليل فكيف أعلل لشيء لا أؤمن به، هل تريدني أن ألفق حججا لأمور لا أعتقدها؟

وكيف تريدني أن أناقشك في أمر لا تعتقده ؟ وما قيمة هذا النقاش ؟
نحن لا نتسلى بهذا النقاش حتى تخبرنا بما نريد .
أخي أبا حسان .. كن صادقاً مع نفسك , وأجب بما تعتقد , ولا تخش لائماً ؛ مادمت اعتقدته عن دليل وتعليل .

فما جوابك الذي تعتقده لا الذي كتبته لعيوننا , وما علة ما تذهب إليه ؟

أمّا إن ضجرت , وآثرت أن تحتفظ باعتقادك لنفسك فأخبرنا حتى لا نكلفك ما لا تطيق . وفقك الله .
 
الذي أعتقده:
أنه يحرم مخالفة الإجماع، ولا يحرم إحداث قول بعد الإجماع، على التفصيل الذي ذكرته سابقاً ومثلتُ له.
 
سألخص جوابي على السؤالين في قاعدة وبيانها , وهي :
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )

إيضاحات :
- قلت : ( تفسير ) وهو بيان معاني القرآن الكريم ؛ ليخرج به الاستنباط وهو المعاني المستخرجة بعد معنى الآية بعلاقة بينهما .
- وقلت : ( خالف ) أي عارض وناقض ؛ ليخرج ما وافق أقوالهم .
- وقلت : ( تفاسير ) ؛ ليشمل القول الواحد للسلف فما فوق ممّا تعددت فيه أقوالهم .

بيان القاعدة :
إن أقوال السلف في بيان معاني الآيات حُجَّة يعتمد عليها ويحتكم إليها , ولا تجوز مخالفتها , والمراد بالمخالفة هنا : القول الذي يعارض أقوال السلف , أو يناقضها .
وعِلَّةُ ذلك أنه لا يجوز أن يغيب عنهم شيء من دين الله فلا يعلموه , أو أن يعلموه فيكتموه عمَّن يعدهم , ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو :
- عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة- ,
- وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن- ,
- وكذا تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,
.. وغير ذلك ممَّا لا يقول به مسلم .

فإذا انضاف إلى ذلك معرفة ما خَصَّ الله به أولئك السلف من :
- سعة العلم
- ودقة الفهم
- وسلامة الدين ,
وما قَدَّم الله به الصحابة من :
- نزول القرآن بلسانهم
- ومشاهدة التنزيل
- والظفر بصحبة نبي الله صلى الله عليه وسلم ,
وما تكاثرت به النصوص في بيان فضل ومكانة الصحابة على الخصوص وخيرية القرون الثلاثة الأولى على العموم = علمنا وجه وجوب الاعتناء بأقوالهم واعتمادها في فهم كلام الله تعالى , وعدم مخالفتها بوجه .

وهذا واضحٌ فيما اتفقت فيه أقوالهم , أمَّا ما اختلفوا فيه فلا يخرج الحق فيه عن أقوالهم , فإنه إجماعٌ منهم على أن الحق في أحد تلك الأقوال , وهو بمثابة إجماعهم على قولٍ واحد .
ومن ثَمَّ فإحداث قولٍ زائد على أقوالهم في معاني الآيات باطلٌ , ولا حاجة إلى تقييد القول الزائد بما لا يحتمله لفظ الآية ؛ لأن ما يحتمله لفظ الآية من الأقوال التي لم ترد عن السلف راجعٌ إلى أحد أقوال السلف في الآية ومبنيٌّ عليها ولابدّ , فكُلُّ قولٍ يصح حمل الآية عليه تفسيراً .. إمَّا أنه واردٌ عن السلف , أو مبنيٌ على أقوالهم ولابُدَّ .
 
سألخص جوابي على السؤالين في قاعدة وبيانها , وهي :
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )

إيضاحات :
- قلت : ( تفسير ) وهو بيان معاني القرآن الكريم ؛ ليخرج به الاستنباط وهو المعاني المستخرجة بعد معنى الآية بعلاقة بينهما .
- وقلت : ( خالف ) أي عارض وناقض ؛ ليخرج ما وافق أقوالهم .
- وقلت : ( تفاسير ) ؛ ليشمل القول الواحد للسلف فما فوق ممّا تعددت فيه أقوالهم .

بيان القاعدة :
إن أقوال السلف في بيان معاني الآيات حُجَّة يعتمد عليها ويحتكم إليها , ولا تجوز مخالفتها , والمراد بالمخالفة هنا : القول الذي يعارض أقوال السلف , أو يناقضها .
وعِلَّةُ ذلك أنه لا يجوز أن يغيب عنهم شيء من دين الله فلا يعلموه , أو أن يعلموه فيكتموه عمَّن يعدهم , ومن خالف ذلك لزمه القول بباطلٍ كثير ؛ من نحو :
- عدم تمام بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما أمر الله -وهذا قدح في النبوة- ,
- وعدم وضوح وبيان القرآن في نفسه وأن منه ما لا يُفهَم -وهذا قدح في القرآن- ,
- وكذا تجهيل الصحابة , أو تخوينهم -وهذا قدح في عدالة الصحابة- ,
.. وغير ذلك ممَّا لا يقول به مسلم .

فإذا انضاف إلى ذلك معرفة ما خَصَّ الله به أولئك السلف من :
- سعة العلم
- ودقة الفهم
- وسلامة الدين ,
وما قَدَّم الله به الصحابة من :
- مشاهدة التنزيل
- والظفر بصحبة نبي الله صلى الله عليه وسلم ,
وما تكاثرت به النصوص في بيان فضل ومكانة الصحابة على الخصوص وخيرية القرون الثلاثة الأولى على العموم = علمنا وجه وجوب الاعتناء بأقوالهم واعتمادها في فهم كلام الله تعالى , وعدم مخالفتها بوجه .

وهذا واضحٌ فيما اتفقت فيه أقوالهم , أمَّا ما اختلفوا فيه فلا يخرج الحق فيه عن أقوالهم , فإنه إجماعٌ منهم على أن الحق في أحد تلك الأقوال , وهو بمثابة إجماعهم على قولٍ واحد .
ومن ثَمَّ فإحداث قولٍ زائد على أقوالهم في معاني الآيات باطلٌ , ولا حاجة إلى تقييد القول الزائد بما لا يحتمله لفظ الآية ؛ لأن ما يحتمله لفظ الآية من الأقوال التي لم ترد عن السلف راجعٌ إلى أحد أقوال السلف في الآية ومبنيٌّ عليها ولابدّ , فكُلُّ قولٍ يصح حمل الآية عليه تفسيراً .. إمَّا أنه واردٌ عن السلف , أو مبنيٌ على أقوالهم ولابُدَّ .

قرأت كلامك الآن على عجل وأُحيي فيك هذه الروح العلمية التي طالما انتظرتها منك.
نعم هذه الروح العلمية التي أريد أن تكون في الردود فيما بيننا
لا تلك الإلزامات التي تذكرني بابن رشد وكتب الفلسفة والمنطق.
أخي أبا بيان:
كلامك مليء بالعبارات العلمية التي تحتاج إلى تأملٍ وتحقيق وهي قريبة جداً من صلب الموضوع، وهي تحتاج إلى وقتٍ للتأمل فأمهلني بارك الله فيك وجزيت خيراً
ولعل الوقت الآن متأخر فلعنا نُنسيء النقاش لغدٍ إن شاء الله تعالى
 
أمّا الاستنباط فبابه واسع , وقد شرع السلف فيه لمن بعدهم أعظم سبيل , وقد عشقت هذا الفرع من علم القرآن زمناً , وتتبعته دهراً , وكتبت فيه شيئاً .. ووالله لم أجد أدق فهماً ولا أكمل عقلاً , ولا أروع ولا أبرع من استنباطات السلف , هذا خبر من عاين وقايس , (ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد) .
فما العقل والتجديد الذي حاربوه -كما في العنوان- ؟
وأين عقل وتجديد من بعد السلف عن هذا الميدان الفسيح , ومن يمنعهم منه ؟
الواجب على كل عاقل بعد السلف أن يتهم عقله ويلوم نفسه على التقصير في حمل ما تركوه والتجديد فيه , لا أن يلومهم على تقصيره هو وقلة فهمه عنهم .
 
أعرِّج على هذا المثال للفائدة فقط :
ونزولاً عند طلبك سأعطيك مثالاً على معنى لآية أجمع عليه الصحابة ويحتمل ما أفاده من بعدهم
مثاله: قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) حيث حُكي الإجماع على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى . ومع ذلك فقد ذكر المفسرون ممن جاء بعد الصحابة بأن الآية ليست خاصة في اليهود والنصارى بل هي عامة في كل من تنطبق عليه هذه الأوصاف كما نبه على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير.
فهل تعد ذلك خرقاً للإجماع ومخالفة له؟
عزيزي أبا حسان
السلف مجمعون على أن اليهود مغضوب عليهم , والنصارى ضالون , لا على أن الآية لا تدل إلا عليهم , بل هم أولى من تنطبق عليهم , ويدخل فيها بعد ذلك كل من شمله وصفها .

وهو نص كلام ابن كثير لا كما فهمتَهُ منه رعاك الله . حيث قال :
(والمعنى : {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم} ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره.
{غير} صراط {المغضوب عليهم} وهم : الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه.
{ولا} صراط {الضالين} وهم : الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق.
وأكد الكلام بـ{لا} ليدل على أن ثَمّ مسلكين فاسدين. وهما طريقتا اليهود والنصارى) .

ثم قال بعد أن حكى أقوال السلف في أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى :
(وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا) ثم فسر هذا الإجماع بقوله :
(وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون، الحديث المتقدم، وقوله تعالى .. الخ ) .

ومن هذا نستفيد أن منشأ الخطأ في بعض أحكامنا .. عدم فهمنا لكلام السلف كما أرادوه .
 
أعرِّج على هذا المثال للفائدة فقط :

عزيزي أبا حسان
السلف مجمعون على أن اليهود مغضوب عليهم , والنصارى ضالون , لا على أن الآية لا تدل إلا عليهم , بل هم أولى من تنطبق عليهم , ويدخل فيها بعد ذلك كل من شمله وصفها .

وهو نص كلام ابن كثير لا كما فهمتَهُ منه رعاك الله . حيث قال :
(والمعنى : {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم} ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره.
{غير} صراط {المغضوب عليهم} وهم : الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه.
{ولا} صراط {الضالين} وهم : الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق.
وأكد الكلام بـ{لا} ليدل على أن ثَمّ مسلكين فاسدين. وهما طريقتا اليهود والنصارى) .

ثم قال بعد أن حكى أقوال السلف في أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى :
(وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا) ثم فسر هذا الإجماع بقوله :
(وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون، الحديث المتقدم، وقوله تعالى .. الخ ) .

ومن هذا نستفيد أن منشأ الخطأ في بعض أحكامنا .. عدم فهمنا لكلام السلف كما أرادوه .

بما أنك تقدس كلام السلف وتتحرج من الخروج عن ألفاظهم كان الأولى بك أن تلتزم بعبارتهم وأن لا تخرج عنها.

هناك فرق بين قول: المغضوب عليهم اليهود.
وقول: اليهود مغضوب عليهم.
فقولنا: المغضوب عليهم اليهود يعني تفسير الآية وأنها معني بها اليهود، وهذا اللفظ هو المروي عن السلف.
وأما قولنا: اليهود مغضوب عليهم: فيعني أن اليهود من المغضوب عليهم، وهذا اللفظ هو عبارة عن خبر مستفاد من الآية وليس هو تفسيراً للآية.
وعبارة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت باللفظ الأول حينما سُئل عن الآية، وكذا عبارة السلف عند تفسيرهم للآية.
وجاء اللفظ الثاني عن النبي صلى الله عليه وسلم كخبر دون سياق للآية.
وتأمل الأحاديث وتفاسير السلف تجد ما قلته بعينه.
وحكاية الإجماع نُقلت باللفظ الأول، لا باللفظ الثاني الذي ذكرته أنت.
قال أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين أراد به النصارى.
وأما ابن أبي حاتم فإنه أورد الحديث باللفظ الأول ثم قال: ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافاً.


وليس هذا من صلب موضوعنا فآمل أن لا نُطيل فيه، وإنما علقت عليه لرفع اللبس الذي وقعت فيه حفظك الله ورعاك.
 
وللفائدة أيضاً :
إذ المسائل المجمع عليها من الصحابة ، والمعتبرة - في التفسير خاصة - قليلة جداً، وهي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من تفسير القرآن
قال الخضيري في كتابه ( الإجماع في التفسير ) صـ 95 :
(أمّا الإجماع المتصل بتفسير القرآن الكريم فإن المفسرين لم يَنُصّوا عليه في جميع موارده التي وقع فيها إجماع في القرآن الكريم ؛ وسبب ذلك عائدٌ -في نظري- إلى كثرتها إلى الحَدِّ الذي يصعب معه حصرها .. ولذلك فإنهم لا يكادون يذكرون الإجماع في تفسير لفظ أو تحديد معنى معين إلا لسبب يدعوهم لذكره) ثم ذكر جملةً من تلك الأسباب مع أمثلتها من كتب التفسير .

ونستفيد من هذا أن أحد أسباب الخطأ في أحكامنا .. التعجل وإطلاق الأحكام بلا تمحيص .
 
وليس هذا من صلب موضوعنا فآمل أن لا نُطيل فيه، وإنما علقت عليه لرفع اللبس الذي وقعت فيه حفظك الله ورعاك.

بل هو من صلب الموضوع يا أبا حسان رعاكم الله . حيث إنَّ في كلامك ابتساراً وإيهاماً غير صحيح، والخلل في فهم هذا المثال معناه عدم القدرة أو عدم الثقة بالقدرة على توجيه أقوال السلف في التفسير عموماً ، فأرجو التأني والتدقيق في هذه المسألة رعاكم الله . وما ذكره الأخ نايف هو الصواب في الموضوع .
وأرجو عدم التشويش بمثل عبارة: بما أنَّك تقدس كلام السلف وتتحرج من الخروج عن ألفاظهم . فهي غير مناسبة .
نحن نريد توثيق الكلام وحسن التوجيه له .

وأريد التنبيه على مسألة للقارئ الكريم ولكم أبا حسان :
أطلتم - بارك الله فيكم - في أكثر من موضع من أن للصحابة فضائل كثيرة ليس هذا مقام ذكرها وهذا صحيح، ولكنَّ الخلل فيه يكمن في أنَّ هذه الفضائل لا علاقة لها بالمنهج العلمي في أخذ أقوالهم، ولكن الذي نريد الحديث عنه أن المنهج العلمي المنضبط يقتضي الوقوف عند أقوالهم التي اتفقوا عليها لأسباب علمية لا علاقة لها بالفضائل المذكورة لهم في القرآن والسنة فهذه محض فضل من الله سبحانه وتعالى لهم رضي الله عنهم . ولكن هب أنه ليس لهم من تلك الفضائل شيء فإن المنهج العلمي يلزمك بالوقوف عند أقوالهم التي اتفقوا عليها أيضاً لأسباب منهجية علميَّة . وإنما أردت التنبيه على ذلك لأنك تحاول إيهامنا بأن الأخ نايف الزهراني يقدس أقوال السلف لمجرد فضائلهم التي وردت في القرآن والسنة ، وهذا غير صحيح ، وإنما لأن المنهج العلمي في فهم الكلام يقتضي ذلك لأسباب لا تخفى على من يعرف أصول التفسير والله الموفق .
 
دكتور عبد الرحمن
والأستاذ نايف
ما رأيكم أن نُنسيء هذه المسائل الفرعية بعد أن ننهي النقاش حول أصل المسألة، حيث إننا لم ننتهي بعدُ منها
وحينما تنتهي المسألة ننتظر منكم يا دكتور عبد الرحمن مداخلة تلخص ما اتفقنا عليها وما اختلفنا عليه
ثم بعد ذلك يُفتح المجال للتعقيب على بعض المسائل التي تفرعت أثناء النقاش واختلفنا فيها ، ليُبدي كل منا وجهة نظره.
 
يتلخص من كل ما سبق أننا:
متفقون :
على أن الصحابة إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فإنه يحرم مخالفتهم.
ومتفقون :
على أنهم إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فإنه لا يجوز إحداث قول ثانٍ بعدهم مخالف لقولهم.
على أن العبارتين متقاربتين.

واختلفنا:
فيما إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فهل يجوز إحداث قول ثانٍ بعدهم، بمعنى هل يجوز الزيادة على ما أجمعوا عليه من غير مخالفة لهم.

الأخ نايف يرى عدم الجواز ، وأنا أرى الجواز.

واختلفنا:
فيما إذا اختلف الصحابة في التفسير على قولين مثلاً، فهل يجوز إحداث قول ثالث بعدهم.

الأخ نايف يرى عدم الجواز ، وأنا أرى الجواز.

وهناك مسائل أخرى وهي:
إذا لم يُنقل التفسير إلا عن أحدهم
وإذا لم ينقل في تفسير الآية شيء عنهم
وهذه سنتكلم عنها بعد أن نخلص من المسائل الأولى

فهل أنتم موافقون لهذا التحرير حتى ننطلق للذي بعده؟

إذا لم توافقوا على البعض فآمل إعادة تحريره باختصار من غير تعليق أو تعليل، لأننا سنذكرها فيما بعد.
 
دكتور عبد الرحمن
والأستاذ نايف
ما رأيكم أن نُنسيء هذه المسائل الفرعية

لم أتكلم بحرف واحد خارج الموضوع , وقد أكدت لك وللمشرف الفاضل أنه حالما يراني خرجت بحرف يردني , ولم يقع شيء من ذلك بحمد الله .
أما أنت فكم أخرجت مسائل من صلب الموضوع ويردك الدكتور عبد الرحمن إليها .

ليس من الإنصاف أن تصنف الحوار كما تحب إلى : ما يناسبك فتجعله صلب الموضوع . وما أخطأت فيه ونبهناك عليه فتجعله مسائل فرعية !

كما ليس من الإنصاف أن تُنزّل كلامي على اصطلاحك الخاص الذي لم أوافقك عليه ولم أعلم قائلاً به قبلك .
فالأولى في نظري أن تركز حديثك على القاعدة التي ذكرتُها مع بيانها (المشاركة 115 , 117) , فبين رأيك فيها مباشرة سلمك الله .
 
يتلخص من كل ما سبق أننا:
متفقون :
على أن الصحابة إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فإنه يحرم مخالفتهم.
ومتفقون :
على أنهم إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فإنه لا يجوز إحداث قول ثانٍ بعدهم مخالف لقولهم.
على أن العبارتين متقاربتين.

واختلفنا:
فيما إذا أجمعوا على قول واحد في التفسير فهل يجوز إحداث قول ثانٍ بعدهم، بمعنى هل يجوز الزيادة على ما أجمعوا عليه من غير مخالفة لهم.

الأخ نايف يرى عدم الجواز ، وأنا أرى الجواز.

واختلفنا:
فيما إذا اختلف الصحابة في التفسير على قولين مثلاً، فهل يجوز إحداث قول ثالث بعدهم.

الأخ نايف يرى عدم الجواز ، وأنا أرى الجواز.

وهناك مسائل أخرى وهي:
إذا لم يُنقل التفسير إلا عن أحدهم
وإذا لم ينقل في تفسير الآية شيء عنهم
وهذه سنتكلم عنها بعد أن نخلص من المسائل الأولى

فهل أنتم موافقون لهذا التحرير حتى ننطلق للذي بعده؟

إذا لم توافقوا على البعض فآمل إعادة تحريره باختصار من غير تعليق أو تعليل، لأننا سنذكرها فيما بعد.

ما رأي مشرفنا العزيز؟
 
رأيي أنك لم تستطع الإبانة عما تريد فعلاً حتى الآن . وأن الأخ نايف واضح العبارات دقيقها بخلافك .
ولا أدري إلى أين تريد أن تذهب بنا ؟
 
فالأولى في نظري أن تركز حديثك على القاعدة التي ذكرتُها مع بيانها (المشاركة 115 , 117) , فبين رأيك فيها مباشرة سلمك الله .

حسنا يا أبا بيان
قولك:
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )
رأيي أن هذه القاعدة - على التسليم بأنها قاعدة - على إطلاقها باطلة.
وما ذكرتَه من أدلة وتعليل لتأييدها هي في جملتها باطلة أيضا ، من جهة الاستدلال لا من جهة الدليل.

هل أنا على المسار الصحيح يا مشرفنا العزيز
أعني في منهجية الحوار لا من الناحية العلمية
 
نحن نتابع الحوار العلمي المنضبط الذين بين أخينا أبي حسان، وأخينا أبي بيان، ونفيد منه.
ولكن مشرفنا العزيز يمنع أي مداخلة ويحيل المداخلات جميعها على مواضيع مستقلة إلا أنه سمح لنفسه أن يقطع الحوار ولما ينته بعد، ومداخلته فيها توجيه وتأثير على الرأي العام.
نطلب من المشرف الكريم أن يكون محايداً.

وللجميع كل الاحترام والتقدير

ألم يطلب أخي أبو حسان رأيي ؟ وقد بينته له .
وأما استبعاد أي مداخلة من غير الأخوين فحتى نوحد الحديث فحسب مع الاعتذار لكم جميعاً ، ويمكن أن يكتب أحدنا رأيه في موضوع مستقل إن رأى ضرورة ذلك أو برسالة خاصة مثلاً .
 
حسنا يا أبا بيان
قولك:
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )
رأيي أن هذه القاعدة - على التسليم بأنها قاعدة - على إطلاقها باطلة.
وما ذكرتَه من أدلة وتعليل لتأييدها هي في جملتها باطلة أيضا ، من جهة الاستدلال لا من جهة الدليل.

هل أنا على المسار الصحيح يا مشرفنا العزيز
أعني في منهجية الحوار لا من الناحية العلمية

نعم إن شاء الله .
وليتك أبنت أكثر عن وجه ردك على استدلالات الأخ نايف الزهراني . وهو يبين أكثر وجه الدلالة في الأدلة حتى نستفيد .
 
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )
هذه المقولة تمثل رأي السلفيين ممن يعظمون رأي السلف ، وليست قاعدة كما يسمونها هم.
وهي عين ما صدرت به موضوعي، فبعد طول مناظرة من أخي نايف رجع ليقرر ما كنت أُندد به وأراه باطلاً في أول موضوعي، فعدنا بخفي حنين ، وبعد جهد فسر الماء بالماء
وما الفرق بين مقولته هذه وما نقلته أنا عن الإمام أحمد
لا فرق إلا في الصياغة وحسب

وهي عين ما توقعت أن الأخ نايف يريد الوصول إليه في كل مقدماته وإلزاماته السابقة وقد نبهت على توقعي هذا في المشاركة رقم 109

وأما بخصوص تفنيد هذه القاعدة المزعومة فقد ذكرت في صدر موضوعي ما يدل على بطلانها ، وذكرت أيضاً أشياء أخرى في ثنايا تعليقاتي، وسوف أضيف غيرها إن شاء الله تعالى.
وأما بخصوص الأدلة التي ذكرها فسوف أجيب عليها إن شاء الله تعالى واحدا واحدا وسوف أذكر لوازم هذه القاعدة المزعومة والتي لا يقرون هم بلوازمها .
 
( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )
هذه المقولة تمثل رأي السلفيين ممن يعظمون رأي السلف
ألا تُعظم أنت رأي السلف ؟!
ثم أنا من يحاورك فلماذا تحشر معي غيري ؟
ولماذا النبز بالألقاب ؟ هل رأيتني أسمي نفسي : سلفي ؟
أليس بإمكاني أن أقول : إنك تتكلم بلسان عامة المبتدعة ؟ لكني لم أقله ؛ لأن أدب الحوار يحول بيني وبينه , ولأني إلى الآن أرى فيك أملاً , وميلاً إلى الحق إن شاء الله .


وليست قاعدة كما يسمونها هم
لا يوجد ( هم ) , ما ثمّة إلا أنا وأنت , فلا تذهب بعيداً .


وهي عين ما صدرت به موضوعي، فبعد طول مناظرة من أخي نايف رجع ليقرر ما كنت أُندد به وأراه باطلاً في أول موضوعي، فعدنا بخفي حنين ، وبعد جهد فسر الماء بالماء
وما الفرق بين مقولته هذه وما نقلته أنا عن الإمام أحمد
لا فرق إلا في الصياغة وحسب

وهي عين ما توقعت أن الأخ نايف يريد الوصول إليه في كل مقدماته وإلزاماته السابقة وقد نبهت على توقعي هذا في المشاركة رقم 109

وأما بخصوص تفنيد هذه القاعدة المزعومة فقد ذكرت في صدر موضوعي ما يدل على بطلانها ، وذكرت أيضاً أشياء أخرى في ثنايا تعليقاتي، وسوف أضيف غيرها إن شاء الله تعالى.
وأما بخصوص الأدلة التي ذكرها فسوف أجيب عليها إن شاء الله تعالى واحدا واحدا وسوف أذكر لوازم هذه القاعدة المزعومة والتي لا يقرون هم بلوازمها .
(صدرت , كنت , توقعت , نبهت , ذكرت , وذكرت) كلها أفعال ماضية , فلا تشتغل بها فقد قرأنا ما كتبت .
(وسوف , فسوف , وسوف) أكثرت من سوف رعاك الله .

لو استغنيت عن هذا الخطاب وعن مشاركاتك السبعة قبله وعلقت على كلامي مباشرة لوفرت علينا وقتاً ثميناً , ولا أدري لم هذا المطال ؟
 
تفنيد القاعدة المزعومة : ( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )

تفنيد القاعدة المزعومة : ( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )

تفنيد القاعدة المزعومة : ( كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل )
تفاسير الصحابة – رضوان الله عليهم - لأي آية قرآنية لا يخلو من أربع حالات:

الحالة الأولى:
أن يُجمعوا على تفسير واحد ، وهذا نُسلم له إذا كان إجماعاً معتبراً بالشروط التي ذكرتها سابقاً، وهي : ثبوت الإجماع، وأن يكون له مستند من كتاب أو سنة، فإذا ثبت الإجماع بهذه الصورة - وثبوته قليل جدا - أخذنا به وقلنا يحرم مُخالفة إجماع الصحابة حينئذ.
هذا في المخالفة، أما في الزيادة على الإجماع فلا مانع منها بشرط أن لا تخالفه.
وحكايات الإجماع – على الرغم من كثرتها – إلا أني لا أُسلم لكثير منها، لأنها لا تثبت أمام البحث العلمي، وعلى سبيل المثال: كيف يحكي الإجماع شخص عاش في القرن الخامس الهجري؟ ومن سبقه بهذه الدعوى؟ وكيف علم به؟ وما أدراه أن الصحابة أجمعوا؟ وهل قراءته للتفاسير التي أُلّفت في جمع أقوال السلف تخوله أن يحكي الإجماع على غرارها؟ وهل يُسمى هذا إجماعاً؟ وما الفرق بين ما يحكيه هو من إجماع وما يحكيه الآخرون من أهل الفرق الأخرى من إجماعات؟ كيف نقبل من هذا ونرد ذاك؟ هل هو لأجل الشخص وانتمائه؟ وإذا كان الحديث لا يُقبل إلا مُسنداً فكيف نقبل الإجماع بلا سند؟ كل هذه الأسئلة تجعل كثيراً من هذه الإجماعات المحكية تتساقط أمام الحقيقة العلمية التي لا تعترف بمجرد الدعاوى، ولا تعترف بالمعلومة المغلفة بلباس القدسية لتمريرها على عقول كثير من الناس.

نعم نحن نُجل ونعظم نصوص الوحيين وندين الله تعالى بالاحتجاج والعمل بهما، ولكن بشروط كما هي معلومة قاسية في حق الأحاديث النبوية من علماء الحديث والجرح والتعديل، والذين بذلوا غاية الجهد في تمييز الصحيح من الضعيف، ووضعوا معايير قاسية تمنع تمرير أي حديث مكذوب، وتمنع أيضاً تمرير أي خطأ من الرواة والتي تقع غالباً من غير قصد، وأما حكايات الإجماع فلم تلقَ أي تمحيص أو تدقيق بل أُخذت على التسليم من أي قائل، رغم خطورتها وكون الاحتجاج بها كالاحتجاج بنصوص الوحيين.
وليس المقام هنا لنقد هذا المصطلح الفضفاض الذي وللأسف لم يُحرر حتى الآن، وصارت تبنى عليه مسائل علمية خطيرة، وحتى تعلم صدق ما أقول راجع كتب الفقه والعقائد وانظر في كثير من الإجماعات، تجد أن من يحكيها عالم واحد أو اثنين أحدهما نقل عن الآخر، وكلاهما عاشا في زمن بعيد عن الزمن الذي يُفترض أن يكون وقع فيه الإجماع وهو زمن الصحابة، ثم تأمل كيف علموا بهذا الإجماع؟ وكيف سُلم لهم هذا الإجماع؟ ولو أنهم رووا حديثاً لم يُقبل منهم إلا بسند متصل ، فكيف قُبل منهم هذا الإجماع، بمجرد دعوى منهم؟!
وأنا لا أُنكر حجية الإجماع، وهو عندي ملزم ويحرم مخالفته، ولكن بشروطه المعتبرة والتي ذكرت بعضاً منها.

الحالة الثانية:
إذا لم يُنقل التفسير إلا عن أحدهم.
وهذا يعده البعض إجماعا سكوتياً ، وأنا لا أُسلم لهذا المصطلح، ولا أعد هذه الحالة من الإجماع، بل هي تابعة للحالة الرابعة وستأتي.

الحالة الثالثة:
إذا لم ينقل في تفسير الآية شيء عنهم.
وهذا في حد ذاته يُعد مسوغاً للاجتهاد لمن جاء بعدهم.

الحالة الرابعة – وهي الأهم وهي محور نقاشنا -:
إذا اختلف الصحابة في تفسير الآية على قولين فأكثر، فهل يجوز إحداث قول بعدهم؟
هذه المسألة هي التي سنشبعها بحثاً إن شاء الله تعالى.

إذا اختلف الصحابة في تفسير الآية على قولين فأكثر، فهل يجوز إحداث قول بعدهم؟

رأي جمهور السلفيين: أن الصحابة إذا اختلفوا في التفسير فإنه لا يجوز إحداث قول بعدهم.
وهذا الرأي قال به جمع منهم، كالإمام أحمد، والآجري، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وغيرهم، وقد أطنب ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين - كعادته حينما ينتصر لفكرة معينة - في تقرير هذا المذهب وحشد الأدلة له، وما ذكره أخي أبو بيان يُعد بعضاً منه ولم يزد شيئاً.

وكل الذي ذكره ابن القيم وغيره ممن انتصر لهذا المذهب لا يُعد دليلاً بل هي تعليلات وانطباعات وتهويل وحشد لقصد نصر الفكرة لاغير.

والذي دعاهم لنصرة هذا المذهب هو ما حدث من آراء عقدية استجدت في الساحة الإسلامية بعد جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فكان من ردة الفعل لهذه الآراء أن وضعت قواعد مغرقة في التقليد حتى يتمكنوا من غلق الباب عن كل رأي جديد، ولعل أقرب مثال لذلك نفي ابن تيمية للمجاز وكذا بعض تلاميذه، وفعلهم هذا مكابرة ومصادمة لحقيقة لا يمكن إنكارها، وإنما لجأوا للنفي حتى يغلقوا الباب على خصومهم ممن يرى تأويل الصفات متذرعاً بالمجاز اللغوي، فلاحظ كيف كابر منكروا المنجاز الحقيقة نصرة لمذهبهم.

وتأمل كلام الإمام أحمد – رحمه الله – بخصوص هذه المسألة تجد عين ما قلته، فإنه حينما سئل : هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ؟ فأجاب رحمه الله: "هذا قول خبيث، قول أهل البدع ، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا".
فانظر كيف تم ربط المسألة بأهل البدع ويقصد بهم أرباب المقالات التي استجدت في الساحة الإسلامية.
هذا إن صح النقل عن الإمام أحمد، مع أني استبعد ثبوت ذلك عنه، حيث إن إمامته ومكانته التي حباه الله إياها تأبى صدور ذلك منه.


إن محاولة هؤلاء حشر الأمة بأقوال الصحابة وتحريم الخروج عليها هو من باب غلق الباب عن كل جديد، ومع الأسف لم يستطيعوا ولم يحسنوا لغة الحوار والمناظرة مع خصومهم، فلجأوا إلى لغة الإقصاء والمنع من محاورتهم وأفتوا بتحريم ذلك، وهل الحقيقة تُحجب بمجرد المنع؟

إن الدليل الذي يصمد أمام النقد هو الدليل الذي يستحق الإشادة ويُسلم له، وهذا لا يكون إلا من الكتاب والسنة بحيث يكون واضح الدلالة في المقصود، وكذا الدليل المعلل على أصول لا تقبل النقض.

إذا علمنا هذا فإن كل ما يذكره هؤلاء من تعليل لنصرة هذه الفكرة - أعني أصل مسألتنا - فإنه لايثبت أمام النقد العلمي، لأن الفكرة أُصلت أولاً بلا دليل ثم تكلفوا الأدلة لنصرتها ولتمريرها على العامة بحيث لا يُقبل بعد ذلك أي رأي يستجد من أي فرقة مهما كان في القوة.
وهذا هو أساس المشكلة برمتها.

وليتهم وقفوا عند هذا الحد وحسب، ولكنهم لجأوا أيضاً إلى أسلوب الإرهاب الفكري، فأصدروا الفتاوى المغرقة بالتطرف والمحذرة من كل قول جديد، حتى وصل الحال ببعضهم أن أصدروا فتاوى التكفير في حق كل رأي يخالف بزعمهم رأي السلف، وكنموذج على ذلك انظر الفتاوى الصادرة من بعض علماء الحنابلة في حكم من يقول القرآن مخلوق، تجد نسبة منها مغرقة بالتطرف حتى وصل الحال ببعضهم أن كفروا كل من يقول بخلق القرآن وإهدار دمه، وكتب العقائد والتاريخ شاهدة على ما أقول ومتاح قراءتها لكل من يريد الاطلاع على هذه الحقائق.

ومع الأسف فإن أبناء هذا العصر انساقوا خلف ما تم تأصيله في عصور قديمة ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في أسباب هذا التأصيل ومدى موافقته للحقيقة، بل زاد الطين بله أن صرنا نقرر كل ما قالوه ونتعامل به مع واقعنا على أنه حقيقة مسلمة ولا يجوز أن نتعداها، مع أن الواقع اختلف جذريا فلم تعد كثير من تلك الأزمات الفكرية موجودة الآن، بل استجدت أزمات أخرى نحن بحاجة إلى تنزيل نصوص الوحيين عليها بأصول جديدة مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة، وكان الأولى بها أن تموت مع أصحابها كما ماتوا.
 
تفاسير الصحابة – رضوان الله عليهم - لأي آية قرآنية لا يخلو من أربع حالات:
الحالة الأولى:
أن يُجمعوا على تفسير واحد ، وهذا نُسلم له إذا كان إجماعاً معتبراً بالشروط التي ذكرتها سابقاً، وهي : ثبوت الإجماع، وأن يكون له مستند من كتاب أو سنة
شرطك الأول : (ثبوت الإجماع) يغني عن الثاني : (أن يكون له مستند من كتاب وسنة) ؛ لأن الإجماع الثابت لا يمكن أن يكون على غير مستند وإن لم يحكوه , كما لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نَصٍّ أبداً .
إلا إن كنت لا تثق بإجماعات الصحابة وتتطلب معرفة النص بنفسك لتوافقهم أو تخالفهم فهذا أمر آخر , ولا أظن ذلك ؛ لأنك ذكرت وجوب الأخذ بإجماع الصحابة وتحريم مخالفتها في لحاق كلامك .



فإذا ثبت الإجماع بهذه الصورة - وثبوته قليل جدا -
نعم ثبوته قليل جداً بحسب طريقتك الخاصة فيه ؛ فأنت لا تقبل الإجماع إلا مُسنداً –كما سيأتي-! ولا تقبل إجماعاً يحكيه متأخر في القرن الخامس مثلاً .
وإلا فقد نقلت لك عمّن درس وبحث إجماعات المفسرين أنها تجل عن الحصر
قال الخضيري في كتابه ( الإجماع في التفسير ) صـ 95 :
(أمّا الإجماع المتصل بتفسير القرآن الكريم فإن المفسرين لم يَنُصّوا عليه في جميع موارده التي وقع فيها إجماع في القرآن الكريم ؛ وسبب ذلك عائدٌ -في نظري- إلى كثرتها إلى الحَدِّ الذي يصعب معه حصرها .. ولذلك فإنهم لا يكادون يذكرون الإجماع في تفسير لفظ أو تحديد معنى معين إلا لسبب يدعوهم لذكره) ثم ذكر جملةً من تلك الأسباب مع أمثلتها من كتب التفسير .
(المشاركة 120) .


وفيما يأتي نتعرف على الإجماع عند أبي حسان أكثر :

وحكايات الإجماع – على الرغم من كثرتها – إلا أني لا أُسلم لكثير منها، لأنها لا تثبت أمام البحث العلمي، وعلى سبيل المثال: كيف يحكي الإجماع شخص عاش في القرن الخامس الهجري؟ ومن سبقه بهذه الدعوى؟ وكيف علم به؟ وما أدراه أن الصحابة أجمعوا؟ وهل قراءته للتفاسير التي أُلّفت في جمع أقوال السلف تخوله أن يحكي الإجماع على غرارها؟ وهل يُسمى هذا إجماعاً؟
كل هذا يُقال لك في الإجماعات -القليلة- التي تقبلها عن الصحابة :
- من حكى لك الإجماع ؟
- ومن سبقك إليه ؟
- وكيف علمت به ؟
- وما أدراك أن الصحابة أجمعوا ؟
- وهل قراءتك للتفاسير التي أُلّفت في جمع أقوال السلف تخولك أن تحكي الإجماع على غرارها ؟
- وهل يُسمى هذا إجماعاً ؟
وجوابك عنها هو جواب أولئك الأئمة الذين لا تقبل ما حكوه من إجماع .
على أني بخبرهم أوثق مني بما تعاينه , فأين علمك بالتفسير وبأقوال المفسرين من علم الثعلبي والواحدي والبغوي ومكي بن أبي طالب والماوردي وأبي المظفر السمعاني والراغب الأصفهاني والزمخشري وابن عطية -ممّن مَثَّلت لهم في القرن الخامس الهجري فقط- ؟!
إنا ننقل ما حكوه ونتثبت منه ونقبله ما لم يثبت عندنا خلافه , ونثق بعلمهم , ونعلم أنهم إنما قالوه عن علم لا عن هوى , ومن أخطأ منهم في علمه أو قصده فيما حكاه سهل على الباحث معرفة ما أخطاه وتمييزه .

وسأعطيك مثالاً على أن تنظيرك في وادٍ وتطبيقك في وادٍ , وأن كثيراً ممّا تُنظر له لا واقع له :
قال أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين أراد به النصارى.
وأما ابن أبي حاتم فإنه أورد الحديث باللفظ الأول ثم قال: ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافاً.
(المشاركة 119) .
قبلتَ هذا الإجماع واستدللت به مثالاً على ما أجمع عليه الصحابة , وقد حكاه أبو الليث السمرقندي (ت:375) وابن أبي حاتم (ت:327) وهما من علماء القرن الرابع الهجري . فكيف قبلته واعتمدته ؟ أم الشأن عندك في القرن الخامس وما بعده , أمّا ما قبله فلا ؟!



وما الفرق بين ما يحكيه هو من إجماع وما يحكيه الآخرون من أهل الفرق الأخرى من إجماعات؟ كيف نقبل من هذا ونرد ذاك؟
أخبرتك أنا نتثبت , وبعده نقبل ونرد ممّن كان , وقد ذكرت لك الزمخشري مع من سبق , ولسنا كغيرنا ممّن يقبل ويرد لاعتباراته وتصنيفاته الخاصة .



هل هو لأجل الشخص وانتمائه؟
لو تَحرَرتَ من هذه العقدة لاستبان لك شيء كثير , وكيف يدعي العقل والتجديد من حاصر عقله بمثل هذه الأطر الضيقة .



وإذا كان الحديث لا يُقبل إلا مُسنداً فكيف نقبل الإجماع بلا سند؟
إن كان قصدك أنا لا نقبل -ممّن يحكي الإجماع- نقله حتى يسنده عمّن قال بذلك الحكم من الأئمة = فهذا لم يقل به أحد , ولم يفعله أحد ممّن حكى الإجماع يوماً .
وإن كان قصدك أن من نقل الإجماع يلزمه أن يسنده عمّن أخذه منه , كنوعٍ من التثبت = فهذا حسن , وليس بلازم , بل لو أخبر العالمُ المجتهدُ المطلع على الأقوال في التفسير بإجماعهم على قول فيه = صحَّ قوله , وقُبلَ عنه حتى يثبت خلافه .



كل هذه الأسئلة تجعل كثيراً من هذه الإجماعات المحكية تتساقط أمام الحقيقة العلمية التي لا تعترف بمجرد الدعاوى، ولا تعترف بالمعلومة المغلفة بلباس القدسية لتمريرها على عقول كثير من الناس.
عزيزي أبا حسان
حين تنظر إلى تراثنا بهذا الإطار الضيق يصعب عليك فهم الأمور على حقيقتها كما هي .
نحن أكثر من يطالب بالدليل , ويعتمد على الدليل , ولولا ذلك لقبلنا كلامك من أوّل وهلة ؛ حين أنزلت نفسك منازل الأئمة , وساويت رأسك بالرؤوس , وفي آخر مقالك من ذلك ما يُدهش .
ولا يُستغرَب ذلك ممن يقول عن السلف ما قلتَ , ومَن الإمام أحمد , والآجري , وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن رجب ، وابن عبد الهادي .. وغيرهم = عند الصحابة والتابعين وأتباعهم بالنسبة لك ؟!



نعم نحن نُجل ونعظم نصوص الوحيين وندين الله تعالى بالاحتجاج والعمل بهما
ولأجل هذا أحببناك , وأهم من قول ذلك أن نجعله واقعاً لا شعاراً فقط .



ولكن بشروط كما هي معلومة قاسية في حق الأحاديث النبوية من علماء الحديث والجرح والتعديل، والذين بذلوا غاية الجهد في تمييز الصحيح من الضعيف، ووضعوا معايير قاسية تمنع تمرير أي حديث مكذوب، وتمنع أيضاً تمرير أي خطأ من الرواة والتي تقع غالباً من غير قصد
صدقت .



وأما حكايات الإجماع فلم تلقَ أي تمحيص أو تدقيق
أنت تخبر عن حَدِّ علمك , وبحسب ما سبق فمعلوماتك عن الإجماع محدودة , ولو تذكرتَ فقط (مراتب الإجماع) لابن حزم , و (نقده) لابن تيمية لتبين لك خطأ عبارتك , ناهيك عمّا كُتِب في إجماعات المفسرين على الخصوص .
إطلاق الأحكام بلا زمام هو أكثر ما نأخذه عليك أبا حسان , ولعل من أهم ما نستفيده هنا : أن نعدل في أحكامنا , ونزن ألفاظنا , ولا نبني أحكاماً على عواطف ومواقف لا تثبت عند التمحيص .



بل أُخذت على التسليم من أي قائل
ربما كما فعلتَ أنت , أمّا عند المحققين فلهم ميزانهم الذي ذكرتُ .



وليس المقام هنا لنقد هذا المصطلح الفضفاض الذي وللأسف لم يُحرر حتى الآن، وصارت تبنى عليه مسائل علمية خطيرة، وحتى تعلم صدق ما أقول راجع كتب الفقه والعقائد وانظر في كثير من الإجماعات، تجد أن من يحكيها عالم واحد أو اثنين أحدهما نقل عن الآخر، وكلاهما عاشا في زمن بعيد عن الزمن الذي يُفترض أن يكون وقع فيه الإجماع وهو زمن الصحابة، ثم تأمل كيف علموا بهذا الإجماع؟ وكيف سُلم لهم هذا الإجماع؟ ولو أنهم رووا حديثاً لم يُقبل منهم إلا بسند متصل ، فكيف قُبل منهم هذا الإجماع، بمجرد دعوى منهم؟!
وأنا لا أُنكر حجية الإجماع، وهو عندي ملزم ويحرم مخالفته، ولكن بشروطه المعتبرة والتي ذكرت بعضاً منها.
نفس الكلام ونفس الجواب .
 
الأدلة على نقض القاعدة المزعومة

الأدلة على نقض القاعدة المزعومة

الأدلة:
أول دليل ينقض هذه القاعدة المزعومة: أن مقرري هذه القاعدة هم أول من خالفها.

حيث نجد لهم أقوالاً كثيرة في التفسير وغيره لم تكن موجودة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، فماذا يعني هذا الأمر؟
ليس له إلا تفسير واحد وهو : أن هذه القاعدة وضعت لمقاصد من أهمها تضييق الدائرة على المخالفين بحيث يُمنعوا من كل رأي جديد يعجز أصحاب التوجه السلفي عن رده بالحجة والبرهان، وأما هم فينسون أو يتناسون ما يزيدونه من آراء واجتهادات من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من السلف رضوان الله عليهم.
وأما نحن فنقول مرحبا بكل فكرة جديدة ومرحبا بالقائل مهما كان توجهه واعتقاده، ليقل ما شاء فأمامنا أسس وقواعد علمية محكمة نتحاكم إليها ولا نُصادر أي رأي لمجرد أنه خالفنا، ونتيح المجال لكل الأجيال بأن تقول ما تشاء وتفهم ما تشاء فالحقيقة هي التي ستصمد وتبقى، وسيتهافت كل باطل، وهذه سنن إلهية لا تتحول ولا تتبدل، وهي التي تدافع عن نفسها وتنتصر لنفسها، وهي بغنى عن كل فرقة تريد مناصرتها، والحقيقة كضوء الشمس لا تحجبها الأيد مهما تكاثرت.

وكمثال صارخ على ما أقول:
روي عن مجاهد أنه فسر قول الله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: "هو إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش".
وقد أطبق عامة السلفيين من لدن عصر الإمام أحمد إلى وقتنا هذا على قبول هذا الأثر عن مجاهد ، وعدّوا هذا الأثر في حكم المرفوع ، وتواطؤا على وجوب الاعتقاد بما فيه، وتبديع كل من يرده، ورميه بأنه من الجهمية أو منحاز لهم.
قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة: هذا الحديث – يعني أثر مجاهد - لا ينكره إلا مبتدع جهمي ، فنحن نسأل الله العافية من بدعته وضلالته .
وقال: وقد سمعت هذا الحديث من غير واحد من مشيختنا ما رأيت أحداً رد هذا .
وقال أبو بكر بن إسحاق الصاغاني : لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قـوله : ( عسى أنْ يبعثك ربك مقاماً محموداً ) قال : يقعده على العرش ، فهو عندنا جهمي يهجر ، ونحذر عنه، فقد حدثنا به هارون بن معروف قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : ( عسى أنْ يبعثك ربك مقاماً محموداً ) قال : يقعده على العرش ، وقد روي عن عبد الله بن سلام قال : يقعده على كرسي الرب جل وعز ، فقيل للجريري : إذا كان على كرسي الرب فهو معه ؟ قال : ويحكم ، هذا أقر لعيني في الدنيا ، وقد أتى عليّ نيف وثمانون سنة ، ما علمت أنّ أحداً رد حديث مجاهد إلا جهمي ، وقد جاءت به الأئمة في الأمصار ، وتلقته العلماء بالقبول ، منذ نيف وخمسين ومائة سنة ، وبعد فإني لا أعرف هذا الترمذي ولا أعلم أني رأيته عند محدث ، فعليكم رحمكم الله بالتمسك بالسنة والإتباع .
قال أبو بكر الخلال : وقال أبو بكر يحيى بن أبي طالب : لا أعرف هذا الجهمي العجمي – يريد الترمذي - لا نعرفه عند محدث ولا عند أحد من إخواننا!! ولا علمت أنّ أحداً رد حديث مجاهد : يقعد محمداً (ص) على العرش ، رواه الخلق عن ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، واحتمله المحدثون الثقات ، وحدثوا به على رؤوس الأشهاد، لا يدفعون ذلك ، يتلقونه بالقبول والسرور بذلك ، وأنا فيما أرى أني أعقل منذ سبعين سنة ، والله ما أعرف أحداً رده ، ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث يدعوا إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمتنا ، عجل الله له العقوبة ، وأخرجه من جوارنا ، فإنه بلية على من ابتلى به ، فالحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاه به ، والذي عندنا والحمد لله أنا نؤمن بحديث مجاهد ، ونقول به على ما جاء به ، ونسلم الحديث وغيره مما يخالف فيه الجهمية من الرؤية والصفات ، وقرب محمد (ص) منه ، وقد كان كتب إلي هذا العجمي الترمذي كتاباً بخطه ودفعته إلى أبي بكر المروذي ، وفيه أنّ من قال بحديث مجاهد فهو جهمي ثنوي ، وكذب الكذاب المخالف للإسلام ، فحذروا عنه ، وأخبروا عني أنه من قال بخلاف ما كتبت به فهو جهمي ، فلو أمكنني لأقمته للناس وناديت عليه حتى أشهره ليحذر الناس ما قد أحدث في الإسلام ، فهذا ديني الذي أدين الله عز وجل به ، أسأل الله أنْ يميتنا ويحيينا عليه .
هذه بعض النقول من كتاب السنة للخلال فقط، وتأمل لغة الإقصاء والتبديع لكل من يخالف هذا الأثر، وكأن من يخالفه قد رد القرآن كله!
وقال الإمام أحمد بن حنبل : قد تلقّتها العلماء بالقبول، نُسلّم الأخبار كما جاءت.
وقال ابن راهويه : الإيمان بهذا الحديث والتَّسليم له...، وليس يُنكر حديث ابن فُضيل عن ليث عن مجاهد إلا الجهميّة.
وقال الورَّاق: من رَدَّ هذا الحديث فهو جهميّ.
وقال أبو داود السِّجستاني صاحب السُّنن : من أنكر هذا فهو عندنا مُتهمٌ، ما زال النّاس يُحدِّثون بهذا، يُريدون مُغايظة الجهمية؛ وذلك أن الجهميّة يُنكِرون أن على العرشِ شَيءٌ.
قال: ما ظننت أن أحدًا يُذكرُ بالسُّنّةِ يتكلَّم في هذا الحديث.
وقال أبو علي الزعفراني البُصيراني: ما أدركنا أحدًا يردّه؛ إلا من في قلبه بَلِيّة، يُهجَرُ، ولا يُكلّم.
وقال إبراهيم الحربي: هذا حدَّثَ به عثمان بن أبي شيبة في المجلسِ على رُؤوسِ النَّاسِ، فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفًا ؟ فترى لو أن إنسانًا قام إلى عُثمان فقال: لا تُحدِّث بهذا الحديث، أو أظهر إنكاره تراه، كان يخرج من ثَمّ إلا وقد قُتِلَ.
وقال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل: سمعت هذا الحديث من جماعةٍ، وما رأيت أحدًا من المُحدّثين يُنكره، وكان عندنا في وقتِ ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنّما تُنكره الجهمية.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : وبلغني عن بعض الجُهّالِ دفع الحديث بقلِّةِ معرفتِهِ في ردِّهِ مما أجازه العلماءِ ممن قبله ممن ذكرنا، ولا أعلمُ أحدًا ممن ذكرتُ عنه هذا الحديث إلا وقد سَلّم الحديث على ما جاء به الخبر، وكانوا أعلمَ بتأويل القرآن وسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن ردّ هذا الحديث من الجُهّال، وزعم أن المقام المحمود هو الشّفاعة لا مقام غيره.
وقال أبو بكر الآجري: وأما حديث مُجاهد .. فقد تلقّاه الشُّيوخ من أهل العلم والنَّقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تلَقّوها بأحسن تلقٍّ، وقبلوها بأحسن قبول، ولم يُنكروها، وأنكروا على من ردَّ حديث مُجاهدٍ إنكارًا شديدًا، وقالوا: من ردَّ حديث مجاهد فهو رجلُ سُوء.
قلت: فمذهبنا - والحمد لله - قبول ما رسمناه في هذه المسألة مما تقدّم ذكرنا له، وقبول حديث مُجاهد، وترك المعارضة والمناظرة في ردِّه، والله الموفق لكُلّ رشادٍ، والمعين عليه. اهـ

وأما ابن تيمية فإنه تلطف في عبارته تجاه هذا الأثر ولم نر فيه تلك الشدة التي يستعملها تجاه خصومة حيث قال في درء تعارض العقل والنقل: "حديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول".

وأما ابن القيم فقد انتصر له أيضا حيث ذكر من قال به وسكت من غير تعليق، قال في بدائع الفوائد : ( قال القاضي : صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم و ذكر فيه إقعاده على العرش ، قال القاضي : وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبي بكر بن حماد وأبي جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبي قلابة وعلي بن سهل ولأبي عبد الله بن أبي عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد وحمد بن يونس البصري وعبد الله بن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي ، وهو قول ابن جرير الطبري ، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني) انتهى .

وحجة هؤلاء قاطبة في قبول هذا الأثر عن مجاهد: أن الأمة تلقته بالقبول.
لاحظ كيفية الاحتجاج، وكيف خرموا - بحجتهم هذه - قاعدتهم التي تقول : كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل.
وهنا نطرح عدة أسئلة: من هذه الأمة التي تلقت هذا الأثر بالقبول؟ وهل رأي السلفيين لوحدهم يمثل رأي الأمة بأجمعها؟ ومن خولهم بأن يكونوا الناطقين الرسميين عن الأمة؟ وكيف همشوا غيرهم ممن يرد هذا الأثر وهم جمهور الأمة ليكونوا هم الأمة وحدهم؟ وكيف تتلقى الأمة هذا الأثر بالقبول وهو من قول تابعي واحد لم يتابعه عليه أحد؟ وكيف تتلقى الأمة هذا الخبر بالقبول وليس له سند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
ولست أدري تحت أي دليل أو حجة أو قاعدة أو أصل انطلقوا في تبديعهم لمن يرد هذا الأثر؟
وكيف حكموا على من رده بالظلال والبدعة مع أنه إنما رده لعدم ثبوته مرفوعا؟
ولست أدري كيف نجمع بين رأيهم هذا وبين ما اتفق عليه المحدثون والمفسرون قاطبة من عدم قبول تفسير التابعي لأمر غيبي إلا إذا اعتضد بدليل، وليس ثمة دليل هنا.
وكيف؟ وكيف؟ أسئلة لا تنتهي أبدا، ولكن كما قيل : إذا عُرف السبب بطل العجب.
إذا ما السر وراء ذلك؟
إن السر وراء ذلك كله هو إغراقنا في السلفية والتعصب المقيت لها، وسيرنا على خطى أتباعها دون وعي منا، ودون أن نُكلّف عقولنا ولو شيئا يسيراً لتحليل ما يقوله دعاة أتباع السلف، حتى صرنا نُسلم للقائل لا للمقولة، من باب الغلو والتعصب للأشخاص لا غير، فالله المستعان.
 
الحالة الثانية والحالة الثالثة تقسيم ذهني مجرد لا واقع له , وهي مبنية على الرأي الباطل الذي قدمه أبو حسان في موقفه من أقوال السلف في التفسير , وجوابي عنهما هو ما قدمته في القاعدة وشرحها .
ومع أني لا أوافق على هذه القسمة إلا أني سأعلق عليها بقدر الحاجة :


الحالة الثانية:
إذا لم يُنقل التفسير إلا عن أحدهم.
وهذا يعده البعض إجماعا سكوتياً ، وأنا لا أُسلم لهذا المصطلح
أهل العلم يفرقون بين القول المشتهر وغيره , وما خُطب به في الناس , وما سار في الأمصار , وما تداولته مجالس الصحابة , ونحو ذلك .
وما دمنا هنا نتكلم عن التفسير فهذا النوع إجماع صحيح , وإن لم تُسمِّه إجماعاً فهو حُجّة لازمة الاتباع والاعتبار ؛ وبيان ذلك :
أن قول الصحابي هنا إمّا أن تحتمل الآية غيره , أو لا . فإن احتملت غيره فذاك , وإن لم تحتمل غيره : فإما أن يكون قول الصحابي صواباً , أو لا . فإن كان صواباً فلا إشكال , وإن كان خطأً فإمّا أن يبلغ غيره من الصحابة ؛ وهنا لابد من أن ينكر عليه قوله ؛ فإنهم لا يسكتون على باطل كما زكاهم الله : { كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } , وإمّا أن لا يبلغ هذا القول الخطأ أحداً من الصحابة , ولا يُنقَل عنهم غيره ؛ وهذا من أعظم الباطل أن يُقال : لم يُنقل عن الصحابة غير هذا القول الباطل . ويلزم منه ما سلف في بيان القاعدة .


وأنا لا أُسلم لهذا المصطلح، ولا أعد هذه الحالة من الإجماع، بل هي تابعة للحالة الرابعة وستأتي.
كلما رأيت (أنا) في أوّل كلامك أُشفقُ عليك ؛ لأني أعلم أن وراءها عجيبة لا تسر , وهي هنا : أنك لا تسلم بهذا المصطلح ولا تعد هذا إجماعاً .
وأنا أعذرك في ذلك ؛ لِمَا بان لنا من فهمك للإجماع ومقدار علمك به , لكن العجب هنا أنك لا تنفك تستدل علينا بهذا النوع ؛ فكم ناديت في موضوعك هذا وغيره المشرفين ليناظروك , أو يردوا عنك , وحين تأخر جوابهم أعلنت إقرارهم ورضاهم وعدم قدرتهم على الحوار .. . فكيف تؤاخذهم وتحاسبهم بسكوتهم على ما تراه أنت خطأً , ولا تعتبر ذلك مع الصحابة , مع ما بين الجيلين علماً وديناً ؟!
 
الحالة الثالثة:
إذا لم ينقل في تفسير الآية شيء عنهم.
وهذا في حد ذاته يُعد مسوغاً للاجتهاد لمن جاء بعدهم

هذه الحالة خاصة بخيال أبي حسان , ولا يقول بها إلا جاهلٌ بأقوالهم في التفسير , أو مُغالط ؛ يعلم ويحيد .
كما بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بينوا لمن بعدهم , وكما نقلوا حروف القرآن نقلوا معانيه ؛ بل الحاجة إلى نقل المعاني أمسّ وألزم .
فلا يقول بهذا من يعلم مقدار علم الصحابة وفهمهم ودينهم .


وهذا في حد ذاته يُعد مسوغاً للاجتهاد لمن جاء بعدهم
لا تستعجل على هذه فلم يحن وقتها .
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى