محبة القرآن
New member
[align=center]الإعجاز العلمي للقرآن
لابد أولاً من افتراض حسن النية في كل من يحاول اجتذاب الناس إلى دينهم مهما ظهر من مجافاته طريق الصواب؛ فقد قال الله تعالى عن أضل عباده: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف:30]، ولكن لا بد من إظهار انحرافه عن منهاج النبوة حتى لا يغتر به الآخرون.
ومن أسوء الأمثلة على ذلك: ربط كلام الله اليقيني بالنظريات الحديثة في الكون والحياة، وكلها ظنية قابلة للتغيير والتبديل.
يعيد بعض الباحثين (1) بداية هذا الانحراف إلى ما يلي:
1ـ محاولة بعض المفسرين الماضين سد الثغرات المتوهمة في قصص الأنبياء بالتفاصيل المأخوذة من التوراة والإنجيل؛ غافلين عن حكمة اقتصارها في كتاب الله على مواطن العظة.
2ـ الاحتجاج بشعر العرب على القرآن ـ بدلاً من الاحتجاج بالقرآن على اللغة ـ: كما احتج الأشاعرة على تأويل الاستواء بالاستيلاء: (قد استوى بشر على العراق)، وتأويل الكرسي بالعلم: (ولا يُكرسئ علم الله مخلوق)؛ صرفاً للفظ عن ظاهره.
3ـ الاحتجاج بالرأي المخالف لمنهاج السنة؛ فيفهم الآية انتصاراً للمذهب: كما احتج الخوارج على ضلال عثمان وعلي رضي الله عنهما بقول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [الأنفال: 25] مؤكدين رأيهم بحديث موضوع: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: (بك تفتح)، ولعلي (أنت إمامها وزمامها وقائدها تمشي فيها مشي البعير).
وكما احتج الإمامية على حصر الولاية في علي رضي الله عنه ـ والأئمة من نسله ـ بقول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وأنها نزلت في علي رضي الله عنه؛ إذ سأله سائل وهو راكع في صلاته؛ فأومأ إليه بخنصره فأخذ خاتمه منه.
ولعلَّ أول من وقع في شبهة الإعجاز العلمي في القرآن: الغزالي (ت505) في (إحيائه)؛ إذ ادعى أن القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم، بعدد كلماته مضاعفة أربع مرات؛ بادعائه أن لكل كلمة ظاهراً وباطناً وحدَّاً ومطلعاً، وفي كتابه (جواهر القرآن) يخصص الفصل الخامس لبيان اشتمال القرآن على جميع العلوم أو الفنون الدنيوية.
وكما فتح الغزالي الباب للخلط بين التصوف والإسلام؛ فتحه للخلط بين الفكر والفقه في نصوص الوحي، فجاء من بعده الرازي (ت606) فزاد الطين بلة.. ثم استفحل الأمر فجاء ابن أبي الفضل المرسي (ت655)؛ فاستخرج الهندسة من قوله تعالى: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30]، والجبر والمقابلة من الحروف في أوائل السور مثلاً.
وفي هذا العصر الذي بهر أبصار المسلمين وبصائرهم بنظرياته ومخترعاته، وإذا كان الكواكبي (ت 1320) هو السابق للابتداع في التفسير بمثل عزوه التصوير الفوتوغرافي إلى قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} [الفرقان:45]؛ فإن لواء الابتداع في هذا الأمر معقود للشيخ/ طنطاوي جوهري (ت1358)؛ ففي مؤلفه: (الجواهر في تفسير القرآن ـ 26مجلداً) كثير من المضحكات المبكيات، منها: استخراج تحضير الأرواح من قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73]، وقوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259]، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى} [البقرة: 260]، واستنبط من الآيات أن يكون محضر الأرواح ذا قلب نقي خالص كالعزير وإبراهيم وموسى.
وبهرت لغة العصر سيد قطب فوصف كلام الله (بالتصوير الفني، والتصور الرباني، والموسيقى الحادة التقاسم، والموسيقى المطمئنة المتموجة).
ومصطفى محمود تكلم عن (سمفونية الفاتحة)، وعن (الشفرة والرمز والألفاظ المطلسمة) في القرآن، وفي محاولة كل منهما ـ الأديب والطبيب ـ تفسير القرآن ما يفوق ذلك افتئاتاً على اللفظ والمعنى، وانحرافاً عن شرع الله ومنهاج خيار هذه الأمة.
وإذا لم يقف ولاة أمر المسلمين في وجه هذا الهجوم الشرس على تفسير كلام الله بغير علم ولا هدى، من قبل الأدباء والوعَّاظ والوراقين وتجار الدين، فليس من المستبعد أن يحدث في الإسلام ما حدث في النصرانية عندما أرادت اللحاق بركب العصر العلمي؛ فأدخلت في تفسير الأناجيل دراسات في الفلك، وفي الرياضة والعلوم الطبيعية والفنون التطبيقية، ولما تغيرت النظريات مع الزمن ـ كما يحدث دائماً في النظريات الظنية ـ فقد الدين النصراني احترامه بين أكثر أهله.
وقد رأينا اليوم انصراف الشباب المسـلم عن تفاسير الأئمة في القرون الأولى، وهم أهل اللغة التي أنزل بها القرآن، وأهل العلم الشرعي المستنبط من الوحي؛ إذ أغشاهم البريق المؤقت للتفاسير العصرية عن التمييز بين الحقيقة والخيال وبين العلم اليقيني والفكر الظني.
وإعجاز القرآن عرفه المسلمون الأوائل القدوة في فصاحته وبلاغته وحججه البالغة، وإخباره عن غيب لا يعلمه إلا من أنزله، وبدعة الإعجاز العلمي للقرآن لا تعدو أن تكون إهانة للقرآن، وإعلاء لنظريات الملحدين.
وصلى الله وسلم على محمد و آل محمد.
________________________________
هامـــش:
(1) للتفصيل يراجع كتاب (بدع التفاسير)، لرمزي نعناعة أثابه الله[/align]
[align=center]الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ :سعد الحصين حفظه الله تعالى
http://www.saad-alhusayen.com/articles/161[/align]
لابد أولاً من افتراض حسن النية في كل من يحاول اجتذاب الناس إلى دينهم مهما ظهر من مجافاته طريق الصواب؛ فقد قال الله تعالى عن أضل عباده: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف:30]، ولكن لا بد من إظهار انحرافه عن منهاج النبوة حتى لا يغتر به الآخرون.
ومن أسوء الأمثلة على ذلك: ربط كلام الله اليقيني بالنظريات الحديثة في الكون والحياة، وكلها ظنية قابلة للتغيير والتبديل.
يعيد بعض الباحثين (1) بداية هذا الانحراف إلى ما يلي:
1ـ محاولة بعض المفسرين الماضين سد الثغرات المتوهمة في قصص الأنبياء بالتفاصيل المأخوذة من التوراة والإنجيل؛ غافلين عن حكمة اقتصارها في كتاب الله على مواطن العظة.
2ـ الاحتجاج بشعر العرب على القرآن ـ بدلاً من الاحتجاج بالقرآن على اللغة ـ: كما احتج الأشاعرة على تأويل الاستواء بالاستيلاء: (قد استوى بشر على العراق)، وتأويل الكرسي بالعلم: (ولا يُكرسئ علم الله مخلوق)؛ صرفاً للفظ عن ظاهره.
3ـ الاحتجاج بالرأي المخالف لمنهاج السنة؛ فيفهم الآية انتصاراً للمذهب: كما احتج الخوارج على ضلال عثمان وعلي رضي الله عنهما بقول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [الأنفال: 25] مؤكدين رأيهم بحديث موضوع: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: (بك تفتح)، ولعلي (أنت إمامها وزمامها وقائدها تمشي فيها مشي البعير).
وكما احتج الإمامية على حصر الولاية في علي رضي الله عنه ـ والأئمة من نسله ـ بقول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وأنها نزلت في علي رضي الله عنه؛ إذ سأله سائل وهو راكع في صلاته؛ فأومأ إليه بخنصره فأخذ خاتمه منه.
ولعلَّ أول من وقع في شبهة الإعجاز العلمي في القرآن: الغزالي (ت505) في (إحيائه)؛ إذ ادعى أن القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم، بعدد كلماته مضاعفة أربع مرات؛ بادعائه أن لكل كلمة ظاهراً وباطناً وحدَّاً ومطلعاً، وفي كتابه (جواهر القرآن) يخصص الفصل الخامس لبيان اشتمال القرآن على جميع العلوم أو الفنون الدنيوية.
وكما فتح الغزالي الباب للخلط بين التصوف والإسلام؛ فتحه للخلط بين الفكر والفقه في نصوص الوحي، فجاء من بعده الرازي (ت606) فزاد الطين بلة.. ثم استفحل الأمر فجاء ابن أبي الفضل المرسي (ت655)؛ فاستخرج الهندسة من قوله تعالى: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30]، والجبر والمقابلة من الحروف في أوائل السور مثلاً.
وفي هذا العصر الذي بهر أبصار المسلمين وبصائرهم بنظرياته ومخترعاته، وإذا كان الكواكبي (ت 1320) هو السابق للابتداع في التفسير بمثل عزوه التصوير الفوتوغرافي إلى قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} [الفرقان:45]؛ فإن لواء الابتداع في هذا الأمر معقود للشيخ/ طنطاوي جوهري (ت1358)؛ ففي مؤلفه: (الجواهر في تفسير القرآن ـ 26مجلداً) كثير من المضحكات المبكيات، منها: استخراج تحضير الأرواح من قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73]، وقوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259]، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى} [البقرة: 260]، واستنبط من الآيات أن يكون محضر الأرواح ذا قلب نقي خالص كالعزير وإبراهيم وموسى.
وبهرت لغة العصر سيد قطب فوصف كلام الله (بالتصوير الفني، والتصور الرباني، والموسيقى الحادة التقاسم، والموسيقى المطمئنة المتموجة).
ومصطفى محمود تكلم عن (سمفونية الفاتحة)، وعن (الشفرة والرمز والألفاظ المطلسمة) في القرآن، وفي محاولة كل منهما ـ الأديب والطبيب ـ تفسير القرآن ما يفوق ذلك افتئاتاً على اللفظ والمعنى، وانحرافاً عن شرع الله ومنهاج خيار هذه الأمة.
وإذا لم يقف ولاة أمر المسلمين في وجه هذا الهجوم الشرس على تفسير كلام الله بغير علم ولا هدى، من قبل الأدباء والوعَّاظ والوراقين وتجار الدين، فليس من المستبعد أن يحدث في الإسلام ما حدث في النصرانية عندما أرادت اللحاق بركب العصر العلمي؛ فأدخلت في تفسير الأناجيل دراسات في الفلك، وفي الرياضة والعلوم الطبيعية والفنون التطبيقية، ولما تغيرت النظريات مع الزمن ـ كما يحدث دائماً في النظريات الظنية ـ فقد الدين النصراني احترامه بين أكثر أهله.
وقد رأينا اليوم انصراف الشباب المسـلم عن تفاسير الأئمة في القرون الأولى، وهم أهل اللغة التي أنزل بها القرآن، وأهل العلم الشرعي المستنبط من الوحي؛ إذ أغشاهم البريق المؤقت للتفاسير العصرية عن التمييز بين الحقيقة والخيال وبين العلم اليقيني والفكر الظني.
وإعجاز القرآن عرفه المسلمون الأوائل القدوة في فصاحته وبلاغته وحججه البالغة، وإخباره عن غيب لا يعلمه إلا من أنزله، وبدعة الإعجاز العلمي للقرآن لا تعدو أن تكون إهانة للقرآن، وإعلاء لنظريات الملحدين.
وصلى الله وسلم على محمد و آل محمد.
________________________________
هامـــش:
(1) للتفصيل يراجع كتاب (بدع التفاسير)، لرمزي نعناعة أثابه الله[/align]
[align=center]الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ :سعد الحصين حفظه الله تعالى
http://www.saad-alhusayen.com/articles/161[/align]