استدراكات القاضي محمد كنعان على ابن كثير رحمه الله في تفسيره

إنضم
10/04/2007
المشاركات
55
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإخوة الكرام

هذا الموضوع أطرحه بين أيديكم بشكل مستمر إن شاء الله،وعلى حلقات، وقد أشار إلي الدكتور محمد القحطاني"أبومجاهد العبيدي" بهذه الفكرة فقلت حباً وكرامة. وللدكتور محمد عليَّ من الفضل ما لا يعلمه إلا الله فقد أرشدني وعلمني كيفية القرآءة في هذا الكتاب فجزاه الله عني خير الجزاء وأسأل الله أن يرزقه الصبر عليَّ فقد أكثرت عليه، ولا أنسى من دلني على هذا الكتاب القيم وهو الشيخ/ عبدالرحمن بن معاضه الشهري وأرشدني إلى قرآءته ولا أستطيع أن أكافئه إلا بالدعوات والله وحده يعلم بما ندعو له بظهر الغيب والله نسأل القبول فجزاه الله خيراً.


الجمعة 13/1/1430 هـ
 
[align=justify]أشكر الأخ عبدالله الشهري على مبادرته إلى تلبية ما طلبته منه، وقد رأيت عند قراءاتي الكثيرة في كتاب "فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير" للقاضي محمد كنعان كثيراً من التنبيهات المهمة والاستدراكات القيمة على تفسير الحافظ ابن كثير؛ فاقترحت على الأخ عبدالله الشهري أن يتحفنا في هذا الملتقى بهذه الاستدراكات حتى تعم الفائدة.

فابدأ أخي عبدالله بارك الله فيك، ونحن معك متابعين ومشاركين.[/align]
 
الإخوة الفضلاء/
نايف الزهراني
فهد الوهبي ،،،،،،
جزاكم الله خيراً وكلامكم مما يشجعني ويدل على فضلكم بارك الله فيكم

الشيخ/ أبومجاهد عامله الله بلطفه كم تمنيت أن يكون لي عدَّة ألسن لأشكرك بها لكن حسبي الدعاء لكم بظهر الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أولاً/ ذكر ابن كثير رحمه الله حديث معاذ رضي الله عنه عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: "بم تحكم؟" قال: بكتاب الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: بسنة رسول الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال:
"الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسولَ الله" ثم قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث في المسند للإمام أحمد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه اهـ.
عقب القاضي كنعان فقال: قول ابن كثير رحمه الله:"وفي السنن بإسناد جيد" فيه تساهل بيانه: أن هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن سوى أبي داود والترمذي بالإضافة إلى الإمام أحمد في مسنده اهـ.
وكما ذكر الدكتور أبي مجاهد العبيدي حفظه الله فقد ضعف الألباني رحمه الله الحديث سنداً ومتناً
 
ثانياً/ ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله ستة أقوال في عدد آيات القرآن وهي:
القول الأول: العدد المدني الأول وهو ستة آلاف آية
القول الثاني: والعدد البصري وهو ستة آلاف ومائتان وأربع آيات
القول الثالث: والعدد المدني الأخير وهو ستة آلاف ومائتان وأربع عشرة آية
القول الرابع: والعدد المكي وهو ستة آلاف ومائتان وتسع عشرة آية
القول الخامس:والعددالدمشقي أوالشامي وهو ستة آلاف ومائتان وخمس وعشرون آية
القول السادس: والعدد الكوفي وهو ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية
ثم عقب القاضي محمد بقوله: وهناك عدد سابع لم يذكره المؤلف وهو العدد الحمصي وعدد الآيات فيه : ستة آلاف ومائتان واثنتان وثلاثون آية
 
[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أولاً/ ذكر ابن كثير رحمه الله حديث معاذ رضي الله عنه عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: "بم تحكم؟" قال: بكتاب الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: بسنة رسول الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال:
"الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسولَ الله" ثم قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث في المسند للإمام أحمد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه اهـ.
عقب القاضي كنعان فقال: قول ابن كثير رحمه الله:"وفي السنن بإسناد جيد" فيه تساهل بيانه: أن هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن سوى أبي داود والترمذي بالإضافة إلى الإمام أحمد في مسنده اهـ.
وكما ذكر الدكتور أبي مجاهد العبيدي حفظه الله فقد ضعف الألباني رحمه الله الحديث سنداً ومتناً


الحديث ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة 2/ 273-286 وأطال الكلام حوله، وبيّن ضعفه، وعدم صحة معناه بإطلاق.

وقال في رسالته "منزلة السنة في الإسلام" : ( وقبل أن أنهي كلمتي هذه أرى أنه لا بد لي من أن ألفت انتباه الإخوة الحاضرين إلى حديث مشهور قلما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه لضعفه من حيث إسناده ولتعارضه مع ما انتهينا إليه في هذه الكلمة من عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما معا ألا وهو حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له حين أرسله إلى اليمن : بم تحكم ؟
قال : بكتاب الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي ولا آلو . قال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله "
أما ضعف إسناده فلا مجال لبيانه الآن وقد بينت ذلك بيانا شافيا ربما لم أسبق إليه في السلسلة [الضعيفة]، وحسبي الآن أن أذكر أن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال فيه : ( حديث منكر ) . وبعد هذا يجوز لي أن أشرع في بيان التعارض الذي أشرت إليه فأقول :
إن حديث معاذ هذا يضع للحاكم منهجا في الحكم على ثلاث مراحل لا يجوز أن يبحث عن الحكم في الرأي إلا بعد أن لا يجده في السنة ولا في السنة إلا بعد أن لا يجده في القرآن . وهو بالنسبة للرأي منهج صحيح لدى كافة العلماء وكذلك قالوا إذا ورد الأثر بطل النظر . ولكنه بالنسبة للسنة ليس صحيحا لأن السنة حاكمة على كتاب الله ومبينة له فيجب أن يبحث عن الحكم في السنة ولو ظن وجوده في الكتاب لما ذكرنا فليست السنة مع القرآن كالرأي مع السنة كلا ثم كلا بل يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدرا واحدا لا فصل بينهما أبدا كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : " ألا إني أتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة وقوله : " لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض "
فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح لأنه يقتضي التفريق بينهما وهذا باطل لما سبق بيانه.) انتهى[/align]
 
هناك كتاب مستقل حول هذا الحديث

هناك كتاب مستقل حول هذا الحديث

[align=center]دفع الَّلأي بتضعيف حديث معاذ
في
الاجتهاد بالرأي
أو
الإيناس بتخريج حديث معاذ
في
الرأي والقياس
والكلام عليه -رواية ودراية-[/align]
للشيخ علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد الأثري تلميذ الشيخ الألباني رحمه الله
وإليكم تلخيصه:
نص الحديث:
((..أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا بعث معاذاً إلى اليمن، قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟))
قال: أقضي بما في كتاب الله.
قال: ((فإن لم يكن في كتاب الله؟))
قال: بسنّة رسول الله.
قال: ((فإن لم يكن في سنّة رسول الله؟))
قال: أجتهد رأيي ولا آلو.
قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال:
((الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله، لما يُرضي رسول الله)).
تخريج الحديث:
أخرجه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) رقم: (559)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7/239)، وأحمد في ((المسند)) (5/230،236،242)، وأبو داود في ((سننه)) (3592)، والترمذي في ((سننه)) (1327،1328)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1/347،584)، والدارمي في ((سننه)) (1/60)، وعبد بن حميد في ((المنتخب من المسند)) رقم (124)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (1/215)، ووكيع القاضي في ((غُرر الأخبار)) (1/97،98)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/114) و ((السنن الصغرى)) (4128) و ((معرفة السنن والآثار)) (1/93،94)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (1/154،155،188،189)، والجورقاني في ((الأباطيل)) رقم (101)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/170،362)، وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) رقم (1264)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/55،56) و ((الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء)) (ص263-265)، وابن حزم الأندلسي في ((الإحكام في أصول الأحكام)) (6/766،773،774) و ((ملخص إبطال القياس)) (ص14-15)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (5/266)، وابن حجر في ((موافقة الخُبر الخَبر)) (1/118).

الكلام على الحديث رواية
تفصيل طرقه وأسانيده المتقدمة:
له طريقان حسبُ:
1-الطريق الأول: شعبة، عن أبي العون، عن الحارث بن عمرو –ابن أخي المغيرة بن شعبة-، عن أصحاب معاذ بن جبل، عن معاذ...به.
2-الطريق الثاني: شعبة، عن أبي العون، عن الحارث بن عمرو، عن أصحاب معاذ...به.
قلت: فالطريقان مدارهما على الحارث بن عمرو، إلا أن الاختلاف فيهما على الوصل والإرسال.
كلام العلماء والأئمة في بيان علله:
قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/1/275) و ((الأوسط)) -كما في ((الإحكام)) (6/35) و ((التهذيب)) (2/152)- و ((الصغير)) (1/304): "الحارث بن عمرو –ابن أخي المغيرة بن شعبة- الثقفي، عن أصحاب معاذ، -رفعه-...في اجتهاد الرأي.
قال شعبة: عن أبي عون. ولا يُعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح"( ).
كذا في ((الصغير)) و ((الأوسط))، وزاد في ((الكبير)): "...مرسل".
قلت: يعني أن الصواب فيه: ((...عن أصحاب معاذ..))، وليس فيه: ((عن معاذ...)).
وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بالمتصل".
وأقرّه العراقي في ((تخريج أحاديث المنهاج)) رقم (57) ولم يزد على ذلك.
وقال الدارقطني في ((العلل)) رقم (1:1): "رواه شعبة عن أبي عون...هكذا، وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه، والمرسل أصح".
وقال أبو داود الطيالسي: "أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ: أن رسول الله...
وقال مرة: عن معاذ".
قلت: فالمتقدمون -إذاً- رجحوا الإرسال على الوصل ، وبخاصة أن الذين رووه مرسلاً جماعات، كما قاله الدارقطني وأبو داود الطيالسي.
ويؤيده - أيضاً- قول عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الوسطى)) (3/342): "لا يُسند( )، ولا يوجد من وجه صحيح".
قلت: فمدار الطريقين على الحارث، ثم اختلف عليه فيه ما بين إرسال ووصل.
والراجح الإرسال.
والحارث هذا: جهّله جمهرة جُلَّى من أهل الجرح والتعديل، تقدّم كلام بعضهم، وها هو ذا كلام بعض الآخرين:
1-قال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (1/439): "الحارث بن عمرو، عن رجال، عن معاذ...بحديث الاجتهاد! قال البخاري: لا يصحُّ حديثه، قلت: تفرّد به أبو عون محمد بن عبيدالله الثقفي، عن الحارث بن عمرو الثقفي -ابن أخي المغيرة-، وما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول".
قلت: يعني؛ مجهول العين –كما هو مقرّر في محله-.
ولقد أودع الذهبي الحارث -هذا- في كتابيه المفردين في الضعفاء:
أولهما: ((المغني في الضعفاء)) (1/142).
ثانيهما: ((ديوان الضعفاء والمتروكين)) (ق27) ( ).
2-وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (5/266): "لا يُعرف إلا بهذا...".
3-وقال الحافظ ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) رقم (1039): "مجهول".
4-وأورد ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/رقم:377) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، يعني: أنه في حيِّز الجهالة عنده -كما تراه في مقدمة كتابه-.
5-وقال ابن حزم في ((الإحكام)) (6/35): "وأما خبر معاذ؛ فإنه لا يحل الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أن لم يُرو قط إلا من طريق الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يَدري أحد من هو...".
6-وقال ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (2/273): "هذا حديث لا يصح، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم، ويعتمدون عليه! ولعمري إن كان معناه صحيحاً( )، إنما ثبوته لا يُعرف؛ لأن الحارث بن عمرو مجهول، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يُعرفون، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته".
7-وقال الجورقاني في ((الأباطيل)) (1/106): "هذا حديث باطل، رواه جماعة عن شعبة، عن أبي عون الثقفي، عن الحارث بن عمرو -ابن أخي المغيرة بن شعبة-.
واعلم أنني تصفّحت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه، فلم أجد له طريقاً غير هذا، والحارث بن عمرو هذا مجهول. وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يُعرفون، ومثل هذا الإسناد لا يُعتمد عليه في أصل من أصول الشريعة!
فإن قيل لك: إن الفقهاء -قاطبة- أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه؟!
فقل: هذا طريقه! والخلف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إليهم، وهذا مما لا يمكنهم البتة"( ).
8-ونقله عنه شرف الحق العظيم آبادي في ((عون المعبود)) (9/510) -وأقرّه-.
9-ولقد ضعَّف الحديث بنحو ما ذكرت: الغماري في كتابه ((الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج)): (ص210).
10-وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ق214/2): "هذا الحديث كثيراً ما يتكرر في كتب الفقهاء والأصوليين والمحدثين، ويعتمدون عليه، وهو حديث ضعيف بإجماع أهل النقل فيما أعلم( )".

الكلام على الحديث دراية
أرسل الله تبارك وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن العظيم، وأمره فيه -في جملة ما أمره به- أن يبينه للناس؛ فقال سبحانه: {وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}؛ والبيان المأمور به في هذه الآية الكريمة؛ يشمل نوعين من البيان:
الأول: بيان اللفظ ونظمه؛ وهو تبليغ القرآن وآياته، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزل الله سبحانه على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}.
الثاني: بيان معنى اللفظ -أو الآية- بما تحتاجه الأمة من بيان؛ بشرح لغامض، وتوضيح لمجمل، وتخصيص لعام، وتقييد لمطلق، أو "أن يسُنّ فيما ليس فيه نص كتاب"( )، أو سواه.
وهذا النوع من البيان يكون بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره.
وفي مثل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه...)) ( ).
الواجب على المسلمين -جميعاً- عدم التفريق بين القرآن والسنة من -حيث وجوب الأخذ بهما كليهما-، وإقامة التشريع عليهما –معاً-؛ فإن هذا هو الضمان لهم أن لا يميلوا يمنة ويسرة، أو يرجعوا القهقرى ضُلّالاً، وهذا ما صرّح به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)) ( ).
ويبيِّن ذلك ما ثبت( ) عن ابن مسعود –رضي الله عنه-، أنه قال: لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات؛ للحُسن المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، فجاءت، فقالت: إنه بلغني أنك قلت كيت وكيت…؟!، فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين اللوحتين، فما وجدته؟! قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت: {وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟! قالت: بلى، قال: فإنه نهى عنه!
حديث معاذ على ضوء النتائج السابقة
لنرجع إلى حديث معاذ، فنقول: إنه يضع للحاكم منهجاً في الحكم على ثلاث مراحل:
قرآن ثم سنّة ثم رأي، فلا يُجوِّز له أن يبحث عن الحكم برأيه إلا بعد أن لا يجده في السنّة!
ولا يُجوِّز له أن يبحث في السنّة إلا بعد أن لا يجده في القرآن!
وهذا الترتيب -بالنسبة للرأي- صحيح عند العلماء كافة، ولذلك قالوا: "إذا ورد الأثر بطل النظر".
ولكنه -بالنسبة للسنّة- ليس صحيحاً، لأن السنة حاكمة على كتاب الله، ومبيِّنة له( )، فيجب أن يُبحث عن الحكم في السنّة أولاً-، ولو ظُنّ وجوده في الكتاب، فليست السنّة مع القرآن كالرأي مع السنّة!! بل يجب عدّ الكتاب والسنّة مصدراً واحداً لا فصل بينهما البتة -كما تقدم تقريره-.
فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح! لأنه يقتضي التفريق بينهما، وهذا باطل بيقين -لما سبق بيانه-فلننظر مثلاً: لو أننا طبقنا حديث معاذ بمراحله على قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فلولا السنّة لقطعنا يد أي سارق! ومن جذرها!!
وقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فلولا السنّة لأفتينا بعدم جواز قصر الصلاة إلا مع الخوف!!
وقوله: {حرمت عليكم الميتة والدم} فلولا السنّة لحرّمنا ما أحلّ لنا من عموم تحريم الميتة والدم!!
ولولا السنّة لأبحنا أشياء -كثيرة- حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم!! إذ القرآن الكريم لم يورد بيان هذه الأمور بما فصّلته السنّة وأوضحته!
فالواجب -إذاً- للحاكم إذا عرضت له مسألة: النظر في الكتاب والسنة -معاً- دون أي تفريق بينهما.
إذا عرفت ما تقدّم، تعلم خطأ من قال من أهل العلم بصحة معنى الحديث على إطلاقه! بل الصواب تقسيم معنى الحديث إلى قسمين:
الأول: الحث على الاجتهاد عند فقدان النص، وهذا مما لا خلاف فيه، وعليه أدلة كثيرة.
الثاني: جعل السنّ في المرتبة الثانية بعد القرآن، وأنه لا يجوز النظر فيها إلا بعد النظر في القرآن!! وهذا ما تقدك بيان فساده.
وهذا ما أشار إليه الحافظ الذهبي في ((تلخيص العلل)) (ص269-270) بقوله: "هذا الحديث معناه صحيح؛ فإن الحاكم مضطر إلى الاجتهاد، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر)).
ومذاهب الأئمة الأربعة: منع الحاكم في أحكامه من تقليد إمام بعينه في كل ما قاله، فعلى الحاكم أن يقضي بما أجمع عليه العلماء، فإن اختلفوا: فعليه أن ينظر في أقوالهم؛ فما وافق قوله الكتاب والسنّة( ) في تلك القضية [قبله]، وأعرض عن قول من خالف النص أو القياس، فإن رأى النص محاذياً بين الأئمة استخار الله تعالى، وتوخى أقرب القولين إلى الحق، وقضى به بعد أن يشاور الفقهاء، وإن دُفِع عنه الحكم في تلك الكائنة( )؛ فهو أسلم لدينه، أما أن يحكم بكل ما قاله إمامه من غير أن يعلم حججه ولا حُجج من خالفه! فهذا مقلّد صِرف! نسأل الله العافية".
وجه آخر من البيان
قال الإمام ابن حزم في ((النبذ)) (ص59): "...ومن الباطل المقطوع به أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((فإن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وهو يسمع وحي الله إليه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} و {اليوم أكملت لكم دينكم}.
فما كمل بشهادة الله تعالى فمن الباطل أن لا يوجد فيه حكم نازلة من النوازل، فبطل الرأي في الدين مطلقاً. ولو صح لما خلا ذلك من: أن يكون خاصة لمعاذ، لأمرٍ علمه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعلمكم بالحلال والحرام معاذ)) ( ) فسوغ إليه شرع ذلك. أو يكون عاماً لمعاذ وغير معاذ؛
فإن كان خاصاً لمعاذ: فلا يحل الأخذ برأي أحد غير معاذ، وهذا ما لا يقوله أحد في الأرض.
وإن كان عاماً لمعاذ وغير معاذ: فما رأي أحد من الناس أولى من رأي غيره‍ فبطل الدين وصار هملاً، وكان لكل أحد أن يشرع برأيه ما شاء‍‍ وهذا كفر مجرّد‍‍‍‍!!
وأيضاً؛ فإنه لا يخلو الرأي من أن يكون محتاجاً إليه فيما جاء فيه النص؛ وهذا ما لا يقوله أحدٌ؛ لأنه لو كان ذلك لكان يجب بالرأي تحريم الحلال، وتحليل الحرام، وإيجاب ما لا يجب، وإسقاط ما وجب، وهذا كفر مجرّد!
وإن كان إنما يحتاج إليه فيما لا نصّ فيه، فهذا باطل من وجهين:
أحدهما: قول الله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقوله سبحانه وتعالى: {تبياناً لكل شيء} وقوله تبارك وتعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} وقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم}.
فإذاً قد صحّ يقيناً بخبر الله تعالى الذي لا يُكذِّبه مؤمن أنه لم يفرِّط في الكتاب شيئاً، وأنه قد بيّن فيه كل شيء، وأن الدين قد كمل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيّن للناس ما نزِّل إليهم.
فقد بطل يقيناً -بلا شك- أن يكون شيء من الدين لا نصّ فيه، ولا حكم من الله تعالى ورسول صلى الله عليه وسلم عنه.
والثاني: أنه حتى لو وجدنا هذا -وقد أعاذ الله تعالى ومنع من أن يوجد- لكان مَن شرع في هذا شيئاً قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، وهذا حرام قد منع القرآن منه.
فبطل الرأي، والحمد لله رب العالمين".
 
جزى الله الشيخين أبو مجاهد ومالك حسين خيراً على ما قدماه ومعذرة للتأخر وعدم الإضافة والمتابعة للإنشغال بالإختبارات الجامعية كان الله في العون

ثالثاً/ ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في معرض ذكره للأقوال في حكم التأمين عقب الفاتحة قول أصحاب مالك بأنه لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم واستدل بذلك بأدلة ذكرها
عقب القاضي محمد كنعان فقال:وهذه رواية عن الإمام مالك، ولكن الرواية المشهورة عنه: أن الإمام لا يؤمن في الصلاة الجهرية، ويؤمن في السرية منها.
 
[align=center]





بارك الله فيك أخي / عبد الله ونفع الله بهذه المشاركات الطيبة ...


وبارك الله في المشايخ أبا مجاهد وبقية الإخوة على مداخلاتهم المستنيرة ..



متابع لموضوعكم الرائــع والمهم ....

أعانكم الله وسدد خطاكم



[/align]
 
حياك الله أخي سلمان وحقيقةً وليس تواضعاً فالموضوع ليس لي وهل أنا إلا ناقل؟
أشكر لك دعواتك الطيبة سمع الله منكم

رابعاً/ ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كلاماً للزمخشري حول مسألة الحروف المقطعة التي في أوائل السور في تفسيره للآية الأولى من سورة البقرة.

عقب القاضي محمد على ما نقله ابن كثير - رحمه الله - فقال/
ما نقله ابن كثير عن الزمخشري هو على ذمة محققي نصه مجتزأ غير وافٍ بالمطلوب، ونص ما قاله الزمخشري في أول تفسير سورة البقرة ما يلي:

(( فإن قلتَ: فهلا عُدِّدَتْ بأجمعها في أول القرآن؟ وما لها جاءت مفرقة على السور؟

قلتُ: لأن إعادة التنبيه على أن المتحدَّى به مؤلف منها لا غير، وتجديدُه في غير موضع واحد أوصلُ إلى الغرض، وأقرُّ له في الأسماع والقلوب من أن يُفْرَدَ ذكرُه مرة، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن، فمطلوب به تمكين المكرَّر في النفوس وتقريره.

فإن قلتَ: فهلا جاءت على وتيرة واحدة؟ ولم اختلفتْ أعداد حروفها، فوردت:
ص وَ ق وَ ن على حرف،
وطه وَ طس وَ يس على حرفين،
وَ الم وَ الر وَ وطسم على ثلاثة أحرف،
وَ المص وَ المر على أربعة أحرف،
وكهيعص وَ حم عسق على خمسة أحرف؟
قلتُ: هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام، وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة ، وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة لم تتجاوز ذلك ، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك)) اهـ.
 
( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيءٍ عليم )
ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تفسير هذه الآيه ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" .
وقد ذكر الحديث برواية الإمام مسلم والنسائي وقد ذكره في ثلاثة مواضع أخر في سورة الأعراف والسجدة وفصلت.
وقد عقب عليه بما يفيد: أنه لا يراه حديثاً مرفوعاً، بل يراه من جملة أخبار بني إسرائيل .
قال القاضي محمد أحمد كنعان/
وهذا اتجاه مستغرب من ابن كثير، ولعله اضطر إلى هذا الاتجاه، بسبب لبس حصل لديه، فظن أن ثمة تناقضًا بين هذا الحديث، وقولِهِ تعالى) في ستة أيام ) كما قال في سورة الأعراف، وليس كذلك كما سنبين .
فبعد ذكر هذا الحديث قال ابن كثير ما نصه: " وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه: علي بن المديني، والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا، وقد حرر ذلك البيهقي) .

وقد قال نحو هذا في المواضع الثلاثة الأخرى أيضًا، وقولُ ابن كثير هذا ليس مطابقًا للواقع من جميع الوجوه، ويحتاج إلى إيضاح وتبيان، إذ ليس الأمر كلُّه كما قال، فنقول:

أولاً: قوله: "وهذا الحديث من غرائب الصحيح" ليس كما قال، فلا غرابة في هذا الحديث إطلاقًا، وقد بين سبب استغرابه هذا في تعقيبه على الحديث في تفسير الآية }54{ من سورة الأعراف حيث قال: " وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله يقول: في ستة أيام، ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث" ...إلخ
فالصحيح: أن الأيام الستة التي تمَّ فيها خلق السماوات والأرض، هي غير الأيام السبعة الوارد ذكرها في هذا الحديث، إذ عندما خلق الله السماوات والأرض، لم يكن ثمَّة شمس، ولم يكن ثمَّة بشر، فمن أين جاءت تسمية الأيام الستة، بأيام الأسبوع المعروفة لدينا، ما عدا السبت؟ والغريب من ابن كثير هنا: أنه في تفسير آيات خلق السماوات والأرض، في سورتي الأعراف وفصلت، قد سمى الأيام الستة، بدءًا من الأحد حتى الجمعة، معتبرًا أن خلق السماوات والأرض تم فيها، وقال في موضع سورة الأعراف: "فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق، لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت وهو: القَطْع"، وهذا التحديد هو قطعًا من أخبار بني إسرائيل، واليهود حتى الآن يعتقدون: أن الله استراح يوم السبت - والعياذ بالله - وقد ذكر ابن كثير نفسه قولَ اليهود هذا، في سبب نزول قوله تعالى: ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ) أي: إعياء وتعب.

إذًا: فالأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، هي أيام لا أسماء لها على الصحيح، وكل ما تناقله المفسرون من تسميتها، فهو من الإسرائيليات عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - وغيره، أما الأيام السبعة التي ذكرت في هذا الحديث، فهي أيام أخرى، حصل فيها خلق مخلوقاتٍ، بعد خلق أصل السماوات والأرض في ستة أيام، ومعناه مطابق تمام المطابقة لمعنى: "الدَّحْي" في قوله تعالى: ( أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسوًّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها *) ثم فسر دَحْي الأرض بقوله: ( أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها ) وهذا النص صريح في أن إخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال، كانا بعد خلق السماوات والأرض، وهذا ما تضمنه الحديث، ويؤيد ذلك رواية النسائي التي جاء في أولها: " إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم خلق التربة يوم السبت " الحديث.. وقد ذكره ابن كثير بنصه في "سورة السجدة" كما أشرنا، وهذا الحديث يتطابق مع قوله تعالى في سورة البقرة: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ..." الآية؛ ومعلوم أن بث الدواب ـ مثلاً - كان بعد خلق السماوات والأرض، وكذلك خلق آدم، كان يوم الجمعة كما هو ثابت في العديد من الأحاديث الصحاح فلا غرابة في هذا الحديث على الإطلاق متناً، خلافاً لما ذهب إليه ابن كثير، بل هو حديث صحيح معناً كما بينا، وصحيح سنداً كما سنبين وللحديث بقية =
 
( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيءٍ عليم )
ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تفسير هذه الآيه ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" .
وقد ذكر الحديث برواية الإمام مسلم والنسائي وقد ذكره في ثلاثة مواضع أخر في سورة الأعراف والسجدة وفصلت.
وقد عقب عليه بما يفيد: أنه لا يراه حديثاً مرفوعاً، بل يراه من جملة أخبار بني إسرائيل .
قال القاضي محمد أحمد كنعان/
وهذا اتجاه مستغرب من ابن كثير، ولعله اضطر إلى هذا الاتجاه، بسبب لبس حصل لديه، فظن أن ثمة تناقضًا بين هذا الحديث، وقولِهِ تعالى) في ستة أيام ) كما قال في سورة الأعراف، وليس كذلك كما سنبين .
فبعد ذكر هذا الحديث قال ابن كثير ما نصه: " وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه: علي بن المديني، والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا، وقد حرر ذلك البيهقي) .

وقد قال نحو هذا في المواضع الثلاثة الأخرى أيضًا، وقولُ ابن كثير هذا ليس مطابقًا للواقع من جميع الوجوه، ويحتاج إلى إيضاح وتبيان، إذ ليس الأمر كلُّه كما قال، فنقول:

أولاً: قوله: "وهذا الحديث من غرائب الصحيح" ليس كما قال، فلا غرابة في هذا الحديث إطلاقًا، وقد بين سبب استغرابه هذا في تعقيبه على الحديث في تفسير الآية }54{ من سورة الأعراف حيث قال: " وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله يقول: في ستة أيام، ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث" ...إلخ
فالصحيح: أن الأيام الستة التي تمَّ فيها خلق السماوات والأرض، هي غير الأيام السبعة الوارد ذكرها في هذا الحديث، إذ عندما خلق الله السماوات والأرض، لم يكن ثمَّة شمس، ولم يكن ثمَّة بشر، فمن أين جاءت تسمية الأيام الستة، بأيام الأسبوع المعروفة لدينا، ما عدا السبت؟ والغريب من ابن كثير هنا: أنه في تفسير آيات خلق السماوات والأرض، في سورتي الأعراف وفصلت، قد سمى الأيام الستة، بدءًا من الأحد حتى الجمعة، معتبرًا أن خلق السماوات والأرض تم فيها، وقال في موضع سورة الأعراف: "فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق، لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت وهو: القَطْع"، وهذا التحديد هو قطعًا من أخبار بني إسرائيل، واليهود حتى الآن يعتقدون: أن الله استراح يوم السبت - والعياذ بالله - وقد ذكر ابن كثير نفسه قولَ اليهود هذا، في سبب نزول قوله تعالى: ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ) أي: إعياء وتعب.

إذًا: فالأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، هي أيام لا أسماء لها على الصحيح، وكل ما تناقله المفسرون من تسميتها، فهو من الإسرائيليات عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - وغيره، أما الأيام السبعة التي ذكرت في هذا الحديث، فهي أيام أخرى، حصل فيها خلق مخلوقاتٍ، بعد خلق أصل السماوات والأرض في ستة أيام، ومعناه مطابق تمام المطابقة لمعنى: "الدَّحْي" في قوله تعالى: ( أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسوًّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها *) ثم فسر دَحْي الأرض بقوله: ( أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها ) وهذا النص صريح في أن إخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال، كانا بعد خلق السماوات والأرض، وهذا ما تضمنه الحديث، ويؤيد ذلك رواية النسائي التي جاء في أولها: " إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم خلق التربة يوم السبت " الحديث.. وقد ذكره ابن كثير بنصه في "سورة السجدة" كما أشرنا، وهذا الحديث يتطابق مع قوله تعالى في سورة البقرة: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ..." الآية؛ ومعلوم أن بث الدواب ـ مثلاً - كان بعد خلق السماوات والأرض، وكذلك خلق آدم، كان يوم الجمعة كما هو ثابت في العديد من الأحاديث الصحاح فلا غرابة في هذا الحديث على الإطلاق متناً، خلافاً لما ذهب إليه ابن كثير، بل هو حديث صحيح معناً كما بينا، وصحيح سنداً كما سنبين وللحديث بقية =

بحث الشيخ عبد القادر السندي هذا الإشكال في بحث بعنوان إزالة الشبهة عن حديث التربة، بين فيه أنه ليس هناك تعارض حقيقي بين معنى هذا الحديث الشريف، وما ورد في كتاب الله من خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأن الحديث صحيح ولا إشكال فيه بحمد الله.
وهو بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، ويمكن الرجوع إليه عبر هذا الرابط: إزالة الشبهة عن حديث التربة

ولعل أخانا عبدالله [مجاهد ] الشهري يكمل لنا موضوعه هذا؛ فأحب الإعمال إلى الله أدومها وإن قل.
 
ولعل أخانا عبدالله [مجاهد ] الشهري يكمل لنا موضوعه هذا؛ فأحب الإعمال إلى الله أدومها وإن قل.

حباً وكرامة وسمعاً وطاعة شيخنا الفاضل والمعذرة على التأخر وجزاكم الله خيراً على إثرائكم للموضوع جعله الله في موازين حسناتكم، نكمل على بركة الله/


ثانيــاً:- وقوله: "وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ" فيه إيهام للسامع وتضخيم للأمر، خلافاً للواقع، إذ هو يوهم: أن هذا الحديث في حكم الموضوع، وأن الذين تكلموا فيه كثيرون، وهذا غير صحيح كما سنبين في البند الثالث.

ثالثـــاً:- وقوله: " وجعلوه من كلام كعب ... إلى قوله" فجعلوه مرفوعاً" ليس كما قال تماماً وكذلك قوله: " وقد حرر ذلك البيهقي" ليس دقيقاً، فهو يوهم أن البيهقي قال كل هذا، وهذا غير صحيح، وبيانه التالي:

(أ) - هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والنسائي في سننه، والبيهقي في الأسماء والصفات، كلهم من طريق: ( حجاج بن محمد، عم ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - )0

(ب) - إن البيهقي لم ينقل عن البخاري أي كلام بخصوص هذا الحديث، خلافاً لما يوهمه كلام ابن كثير، وهو واضح في موضعه من كتابه "الأسماء والصفات"0

(ج) - إن عبارة البيهقي واضحة المعنى، في عدم تأييده القائلين بتعليل هذا الحديث أبداً، لا من حيث المعنى ولا من حيث السند، فبعد روايته هذا الحديث بسنده عمن ذكرناهم، قال البيهقي ما نصه: { هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه، عن شريح بن يونس وغيره، عن حجاج بن محمد، وزعم بعض أهل العلم بالحديث: أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير والتاريخ، وزعم بعضهم: أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن أيوب بن خالد، وإبراهيم غير محتج به}..

فتأمل كلامه، فإن البيهقي لم يُعٍلَّهُ كما قيل، بل عبر عن قول أولئك البعض ب"زعم".


* ثم روى البيهقي بعد قوله هذا بسنده عن محمد بن يحيى: أنه سأل علي بن المديني عن حديث أبي هريرة هذا فقال: هذا حديث مدني رواه هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن أبي رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: "أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ..." ثم أشار ابن المديني إلى رواية أخرى للحديث، فيها سَلْسَلَةٌ بالمشابكة، وفي سند هذه الرواية:
وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى وقال لي: شبك بيدي أيوب بن خالد وقال لي: شبك بيدي عبدالله بن رافع وقال لي: شبك بيدي أبو هريرة وقال لي: شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال لي: " خلق الله الأرض يوم السبت" فذكر الحديث بنحوه، ثم عقب ابن المديني على هذه الرواية المسلسلة قائلاً: وما أدرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى. (انتهى)0

ونقـــول:- أما إبراهيم بن أبي يحيى هذا، فقد قال فيه الإمام أحمد: كان قدرياً معتزلياً جهمياً، كل بلاء فيه، يرك الناس حديثه، وكان يضع الحديث، وقال فيه يحيى بن معين: كذاب رافضي.
فابن المديني رأى: أن إسماعيل بن أمية، روى هذا الحديث عن إبراهيم المذكور، ولكن المحدثين المعتبرين الذين رووه وهم: مسلم وأحمد والنسائي والبيهقي، لا يرون ذلك، مع تسليمهم بأن إبراهيم بن أبي يحيى ليس بشيء، فأحمد الذي قال فيه ما قال، كيف يروي حديثاً بسندٍ، إبراهيم هذا أحد رواته ولو تدليساً؟

(د) - أما البخاري - رحمه الله -، فقد تكلم في هذا الحديث في ترجمة "أيوب بن خالد"، حيث أشار إلى الحديث قائلاً: " وقال بعضهم : عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح"
وقول البخاري هذا، ليس طعناً منه في قول من صحح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل إن قوله: " وهو أصح " يعني كما هو مُتبع في اصطلاح العلماء: أن رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح، ولكنه يرى أن عدم رغعه هو الأصح0

وخلاصة القـــــــــول:- أنه لو كان كلام بعض العلماء في حديث كافياً لرده، لانطبق الأمر على كثير من الأحاديث في البخاري ومسلم، إذ من المعلوم: أب بعض العلماء تكلموا في بعض الرواة في الصحيحين، ولكن المعتمد لدى جمهور علماء الأمة، أن جميع ما فيها صحيح بلا شك، وكلَّ ما قيل في هذا الحديث أو ذاك، لا يؤثر في صحته، لاعتماده في أحد الصحيحين، اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن الكريم والله أعلم
 
بعد مرور عام كامل منذ البدء في هذه الصفحة:-

نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأعمارنا تطوى وهُنّ مراحل

ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائل

وما هذه الأيام إلا مراحلُ *** يحث بها حادٍ إلى الموت قاصدُ

وأعجب شيء لو تأملت أنها *** منازلُ تطوى والمسافر قاعد


اللهم حسِّن أعمالنا واختم بالصالحات أعمارنا

قال تعالى: { وإذْ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئِكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم*}54 سورة البقرة

ذكر ابن كثير- رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة أخبار في عدد القتلى وكيف كان القتل وجملة من الأخبار ...

عقب القاضي محمد أحمد كنعان على هذه الأخبار بقوله/

" ونقول: هذه الروايات المذكورة هنا جميعها من جملة الأخبار التي حدَّث بها بعض الصحابة والتابعون عن بني إسرائيل، وليس لها سند يثبت صحتها بتفاصيلها، وإنما الثابت من مجمل معنى الآيات أن ذلك حصل من دون تفصيل أو تحديد عدد القتلى وما أشبه ذلك، فلذلك نقول: الله أعلم وآمنا بالله وبرسوله، وقد بينا ذلك في المسألة الخامسة من القسم الأول من المقدمة"

وقد ذكر القاضي محمد قي مقدمته للكتاب التي استخلصها من مقدمة ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره أموراً عن الأخبار الإسرائيلية نذكر منها:

- ما وافق قبلناه، وما خالف رددناه، وما لم يوافق أو يخالف فيجوز روايته دون تصديق أو تكذيب، لقوله تعالى: { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمارٍ فيهم إلا مراءً ظاهراً ولا تستفت فيهم منهم أحداً} وفي الآية أحكام أخرى ذكرها ابن كثير في المقدمة و شيخ الإسلام في رسالة أصول التفسير - رحم الله الجميع - .

- غالب هذه الأمور كما ذكر الإمام ابن كثير - رحمه الله - مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.

- إن النبي - صلى الله عليه وسلم أباح التحديث ولا يمكن لأحدٍ أن يمنع ما أباحه - صلى الله عليه وسلم - لكن ليس معنى ذلك رواية الأباطيل والأكاذيب كما يفهم بعض جهلة القصاص، بل الإباحة محصورة فيما علمنا صدقه وفيما هو مسكوت عنه عندنا ولم يخالف ما لدينا، أما الأباطيل والغرائب مما تقشعر منه الأبدان كتفسير بعضهم الهم من يوسف - عليه السلام - بأمور لا يفعلها من كان بمنزلته فهذه لا تجوز روايتها إلا على سبيل البيان، والله أعلم.

والمقصـــــود:- أن الإسرائيليات لا ترد جميعاً ولا تروى جميعاً على التفصيل السابق، والله أعلم
 
قال تعالى:-{ وإذْ قلتم يا موسى لن نصبر على طعامٍ واحدٍ فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءُو بغضبٍ من الله...}

- ذكر الإمام ابن كثير - رحمه الله - أنهم لم يجابوا في هذه الدعوة لأن سؤالهم كان من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه

وقد عقب القاضي محمد على هذا القول بقوله:-

"يرجح ابن كثير - رحمه الله - بقوله هذا القول بأنهم لم يجابوا إلى ما سألوه، ولكن الظاهر أنهم أجيبوا إليه وانقطع عنهم المن والسلوى، ثم تتابعت معاصيهم حتى ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفرهم وقتلهم الأنبياء وعصيانهم وعدوانهم كما جاء في الآية الكريمة" (اهـ)



قال الإمام الطبري - رحمه الله -:

"القَول في تأويل قوله تعالى : { اهبِطوا مِصْرًا فإن لَكم ما سألتم } وتأويل ذلك : فدعا موسى فاستجبنا لَه , فَقلنا لَهم : اهبطوا مصر . وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظَاهره علَى ذكر ما حُذِفَ وتُرِكَ منه" واللـــــه تعالى أعلم
 
أوهام في الاستدراك على الإمام ابن كثير في تفسيره

أوهام في الاستدراك على الإمام ابن كثير في تفسيره

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أولاً/ ذكر ابن كثير رحمه الله حديث معاذ رضي الله عنه عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: "بم تحكم؟" قال: بكتاب الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: بسنة رسول الله قال:"فإن لم تجد؟" قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال:
"الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسولَ الله" ثم قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث في المسند للإمام أحمد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه اهـ.
عقب القاضي كنعان فقال: قول ابن كثير رحمه الله:"وفي السنن بإسناد جيد" فيه تساهل بيانه: أن هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن سوى أبي داود والترمذي بالإضافة إلى الإمام أحمد في مسنده اهـ.
وكما ذكر الدكتور أبي مجاهد العبيدي حفظه الله فقد ضعف الألباني رحمه الله الحديث سنداً ومتناً
ما ذُكِر هنا ليس استدراكا على الإمام ابن كثير - رحمه الله - و إنما هو وهمٌ من أوهام المستدرِك كنعان ؛ فذلك الحديث أخرجه البيهقي ، و الدارمي من أصحاب السُنن ، غير أبي داود و الترمذي ؛ فلم يصحّ الاستدراك هنا

و قد احتج بذلك الحديث عددٌ من الأئمة المتقدمين ؛ منهم :

1 - الإمام الشافعي في كتابه " الأم " ؛ فذكر الحديث (( عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال : هكذا حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة .
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى : ومعنى الاجتهاد من الحاكم إنما يكون بعد أن لا يكون فيما يريد القضاء فيه كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه ، فأما وشئ من ذلك موجود فلا .
فإن قيل : فمن أين قلت هذا ، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ظاهره الاجتهاد ؟ قيل له : أقرب ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : (كيف تقضى ؟) قال : بكتاب الله عزوجل، قال :(فإن لم يكن ؟) قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :(فإن لم يكن) قال : أجتهد رأيى قال : (الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله) ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله )) . أهـ

2 - و احتج به أيضا الإمام ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله " ، ( باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة ) ؛ قال : ( قرأت على عبد الوارث بن سفيان حدثكم قاسم بن أصبغ ، قال : نعم حدثنا قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، قال حدثنا يحيى القطان عن شعبة ، قال حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ عن معاذ أنه قال : لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : كيف تقضي ، وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة عن أبي عون وهو محمد بن عبيد الله الثقفي قال سمعت الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال : كيف تقضي - ثم اتفقا - إذا عرض لك قضاء ، قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ، قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أجتهد رأيي ولا آلو ، قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله ، ولفظ حديث القطان على لفظ معاذ فضرب صدري وقال لي نحو هذا .... ) . أهـ

3 - و كذا احتج به الإمام الخطيب البغدادي في كتابه " الفقيه و المتفقه " ، و قال : ( فإن اعترض المخالف بأن قال : لا يصح هذا الخبر ، لأنه يروى عن أناس من أهل حمص لم يسموا فهم مجاهيل ، فالجواب : أن قول الحارث بن عمرو ، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ ، يدل على شهرة الحديث ، وكثرة رواته ، وقد عرف فضل معاذ وزهده ، والظاهر من حال أصحابه الدين والثقة والزهد والصلاح ، وقد قيل : إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ ، وهذا إسناد متصل ، ورجاله معروفون بالثقة ، على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به ، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا وصية لوارث " ، وقوله في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وقوله : " إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع " ، وقوله : " الدية على العاقلة " ، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ، فكذلك حديث معاذ ، لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له ) . أهـ

4 - و احتج به أيضا الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ، فصل ( حديث معاذ في القياس ) ؛ قال : ( وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله - ثم ذكر الحديث ، و قال : - فهذا حديث وإن كان عن غير مسمّين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك ؛لأنه يدل على شهرة الحديث ، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعةٍ من أصحاب معاذ ، لا واحدٍ منهم ، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سُمّي ، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ، ولا يُعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح ، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم ، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك ، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث وقد قال بعض أئمة الحديث : "إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به" قال أبو بكر الخطيب: "وقد قيل إن عبادة بن نسى" رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" وقوله في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وقوله: "إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع" وقوله: "الدية على العاقلة" وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ولكن ما تلقتها الكافة عن الكافة ؛ غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ؛ فكذلك حديث معاذ لَمّا احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له انتهى كلامه ) . أهـ [ يعني هذا القدْرالذي نقله عن أبي بكر الخطيب ]

* و بذا سقط قول ابن حزم في كتابه " الإحكام " : (( هذا حديث ساقط، ، لم يروه أحد من غير هذا الطريق ، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يسمّوا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو، وفيه الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يعرف من هو، ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه.
أخبرني أحمد بن عمر العذري، ثنا أبو ذر الهروي، ثنا زهر بن أحمد الفقيه زنجويه بن النيسابوري، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، هو جامع الصحيح، قال فذكر سند هذا الحديث، وقال رفعه في اجتهاد الرأي، قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح . هذا كلام البخاري رحمه الله )) . انتهى
-----------------
فقول ابن حزم بسقوط ذلك الحديث لأنه ( عن قوم مجهولين ، لم يُسَمّوا ) مدفوعٌ بما ذكره آنفا الإمامان ابن القيم والخطيب البغدادي ، الذي ترجم له الحافظ ابن عساكر بـ (الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين والمصنفين المكثرين والحفاظ المبرزين ومن ختم به ديوان المحدِّثين ) .

و أما زعم ابن حزم بجهالة الحارث بن عمرو ، و قوله - في ذلك الحديث - : ( وفيه الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يعرف من هو ) فَوهمٌ ؛ فقد ترجم له ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ، و قال : ( الحارث بن عمرو ابن اخى المغيرة بن شعبة روى عن اصحاب معاذ روى عنه أبو عون الثقفى سمعت ابى يقول ذلك ) .
و كذا ترجم له الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " ، و " التاريخ الصغير " ، و المزي في " تهذيب الكمال " ، و الذهبي في " ميزان الاعتدال " ، و ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ؛ فالقول بأنه لا يُعرَف مَن هو قولٌ باطل ، و عدم معرفة ابن حزم بالحارث لا تضرّه ؛ فقد عرفه غيره من الأئمة الأعلام و ترجموا له ؛ فلا يكون مجهولاً ، كما ادعى ابن حزم ، لا جهالة عيْنٍ و لا جهالة حال ؛ فقد وثّقه ابن حبان ، و ذكره في الثقات ، في الرقم ( 7219) ، و ترجم له : - ( الحارث بن عمرو بن اخى المغيرة بن شعبة يروى عن أصحاب معاذ روى عنه أبو عون الثقفى ) .

و أما قول الإمام البخاري : ( و لا يصِحّ ) - في حديث الحارث في اجتهاد الرأي - فالمراد به أنه لا يصِحّ رفعه ، و هذه عبارته في " التاريخ الصغير " : ( الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي عن أصحاب معاذ ، رفعه في اجتهاد الرأي ، قال شعبة عن أبي عون ، ولا يعرف الحارث إلا بهذا ، ولا يصح ) . أي رفْعُه ، و إنما هو مرسل ؛ كما صرّح في " التاريخ الكبير " ؛ قال : ( الحارث بن عمرو ابن أخى المغيرة بن شعبة الثقفى، عن أصحاب معاذ عن معاذ ، روى عنه أبو عون ، ولا يصح ، ولا يعرف الا بهذا، مرسل ) . و قوله ( و لا يعرف إلا بهذا ) يعني : لا يعرف إلا بهذا الحديث ؛ قال ابن عدي : هو معروف بهذا الحديث ؛ ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب " .
-----------------------

5 - و قال ابن قدامة في " روضة الناظر وجنة المناظر " - بعد أن ذكر رواية الحارث بن عمرو - : ( و قد رواه عبادة بن نُسَيّ عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ.
ثم الحديث تلقته الأمة بالقبول، فلا يضره كونه مرسلا ) .

6 - و قال الإمام الذهبي : ( و إسناده صالح ) ؛ قاله في كتابه " سير أعلان النبلاء " ، في تعقيبه على ما ذكره الجويني في كتاب " البرهان " في حديث معاذ في القياس ، و قوله فيه : هو مدون في الصحاح، متفق على صحته.
قلت [ الذهبي ] : بل مداره على الحارث بن عمرو ، وفيه جهالة، عن رجال من أهل حمص، عن معاذ.
فإسناده صالح . أهـ

* و لعل البعض قد اغتر بكلمة ( و فيه جهالة ) ، المذكورة هنا و نحوها ، و ليست على ظاهرها في اصطلاح بعض المحدِّثين ، و إنما يعنون بها ( مَن لم يُعرَف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد ) ، كما حكاه الإمام ابن الصلاح في " مقدمته " ؛ قال : ( ذكرأبوبكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسأل سئل عنها : أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفة العلماء ، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد . مثل: عمرو ذي مر، وجبار الطائى. وسعيد بن ذي حدان. لم يروى عنهم غير أبي أسحق السبيعي.: مثل الهزهاز بن ميزن: لا راوى عنة غير الشعبى. ومثل جرى بن كليب، لم يرو عنه إلا قتادة.
قلت: قد روى عن الهزهاز الثوري أيضا.
قال الخطيب: وأقل ما يرتفع به الجهالة أن يروى عن الرجل ثنان من المشهورين بالعلم، إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بررأيتهما عنه. وهذا مما قدمنا بيان، الله أعلم ) . أهـ

و عليه فقول الذهبي في الحارث بن عمرو - أحد رواة حديث اجتهاد الرأي - ( و فيه جهالة ) إنما يُراد به أنه لم يَرْو عنه إلا راوٍ واحد ، و يؤيده قول الذهبي في " لسان الاعتدال " - في حديث اجتهاد الرأي هذا - : ( تفرد به أبو عون محمد بن عبيدالله الثقفى، عن الحارث بن عمرو الثقفى ابن أخى المغيرة. وما روى عن الحارث غير أبى عون، فهو مجهول ) .
يعني : لم يرو عنه إلا راوٍ واحد

*********
7 - و احتج بذلك الحديث أيضا الإمام أبو بكر الجصاص في كتابه " أحكام القرآن " ؛ قال : ( استعمال الرأي والاجتهاد وردّ الحوادث إلى نظائرها من المنصوص قد كان جائزا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في حاليْن ، ولم يكن يجوز في حال ؛ فأما الحالان اللتان كانتا يجوز فيهما الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فإحداهما في حال غيبتهم عن حضرته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا حين بعثه إلى اليمن فقال له { : كيف تقضي إن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : أقضي بسنة نبي الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب بيده على صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله } ؛ فهذه إحدى الحالين اللتين كان يجوز الاجتهاد فيهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ) . أهـ

8 - و كذا احتج به الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه " أحكام القرآن " ؛ قال في ( المسألة الثالثة : قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } : قال علماؤنا : ردوه إلى كتاب الله ، فإذا لم تجدوه فإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم تجدوه فكما قال عليّ : ما عندنا إلا ما في كتاب الله تعالى أو ما في هذه الصحيفة ، أو فهم أوتيه رجل مسلم ، وكما { قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله .
قال : فإن لم تجد .
قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي ، ولا آلو .
قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله } .
فإن قيل : هذا لا يصح .
قلنا : قد بينا في كتاب " شرح الحديث الصحيح " وكتاب " نواهي الدواهي " صحته ، وأخذ الخلفاء كلهم بذلك ... ) . أهـ

* * *
و عليه ، فالقول بالاستدراك على الإمام ابن كثير فيما ذكره غير صحيح ، و كذا القول بتضعيف حديث معاذ رضي الله عنه - في اجتهاد الرأي عند غياب نصٍ من الكتاب و السُنة - .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه
د . أبو بكر عبد الستار خليل
عفا الله عنه و عافاه في الداريْن
اللهم آمين يا رب العالمين
 
ما ذُكِر هنا ليس استدراكا على الإمام ابن كثير - رحمه الله - و إنما هو وهمٌ من أوهام المستدرِك كنعان ؛ فذلك الحديث أخرجه البيهقي ، و الدارمي من أصحاب السُنن ، غير أبي داود و الترمذي ؛ فلم يصحّ الاستدراك هنا .............

و عليه ، فالقول بالاستدراك على الإمام ابن كثير فيما ذكره غير صحيح ، و كذا القول بتضعيف حديث معاذ رضي الله عنه - في اجتهاد الرأي عند غياب نصٍ من الكتاب و السُنة - .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المسألة يا شيخنا الفاضل اجتهادية، ولا محل للحكم الجازم الذي ذكرته في أول تعليقك وآخره.

فالذين ضعفوا الحديث أئمة كبار، ولو قرأت كلام الألباني رحمه الله لاتضحت لك بعض الأمور.
 
قال ابن تيمية في حديث معاذ : ( وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )

قال ابن تيمية في حديث معاذ : ( وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )

المسألة اجتهادية، ولا محل للحكم الجازم الذي ذكرته في أول تعليقك وآخره.

فالذين ضعفوا الحديث أئمة كبار، ولو قرأت كلام الألباني رحمه الله لاتضحت لك بعض الأمور.
الأخ الفاضل د . محمد القحطاني ( أبو مجاهد )

ما دامت المسألة اجتهادية – كما تفضلتم و قلتم – ألا ترى أن لفظ ( الاستدراك ) غير مناسب أو غير صحيح ؛ لأن ( استدرك ) عليه القول :
أصلح خطأه أو أكمل نقصه أو أزال عنه لبسا ؛ كما في معاجم اللغة .

و محل الجزم في أول تعليقي أن هناك من كتب السُنن المخرّج فيها الحديث غير سنن أبي داود و الترمذي ، كسنن البيهقي و الدارمي ،
بينما عقّب القاضي كنعان فقال : ( قول ابن كثير رحمه الله: " وفي السنن بإسناد جيد" فيه تساهل بيانه: أن هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن سوى أبي داود والترمذي ، بالإضافة إلى الإمام أحمد في مسنده ) .اهـ.
فحصر تخريج ذلك الحديث في سنن أبي داود و سنن الترمذي – من حيث كتب السنن – هو وهْمٌ من ( كنعان ) ، على سبيل الجزم ، و ليس استدراكا على الإمام ابن كثير .
هذا من ناحية

و من ناحية أخرى ، فتضعيف ذلك الحديث – عند من ضعّفوه – مبنيٌّ في وجهٍ منه على الزعم بجهالة ( الحارث بن عمرو ) ، و وَجه الجزم بِوهْم ذلك الزعم : أن ذلك الراوي ترجم له عددٌ من كبار الأئمة ؛ كالبخاري و ابن أبي حاتم و الذهبي و ابن حبان – و و وثّقه – و ابن حجر ؛ فلا يكون مجهول العيْن بحالٍ من الأحوال . و هذا ظاهرٌ قطعا .

و من ناحية ثالثة ، فقد احتج الإمام ابن تيمية بذلك الحديث – في بيان أحسن طرق التفسير – و قال : (( وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )) . و هو عيْن ما قاله الإمام ابن كثير في تفسيره ، الذي استدرك عليه ( كنعان ) ؛ بغير وجهٍ و بغير حق .

قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ، طـ (مجمع الملك فهد) - (225 / 38) :
(( .. والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب اللّه . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول اللّه . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي . قال : فضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رَسُولِ اللّه لما يرضى رسولَ اللّه " ، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )) . أهـ
هذا بالإضافة إلى غيره من كبار الأئمة الذين تقدم ذكرهم في مقالي السابق .
و عليه ، فلا وجه للاستدراك كما تقدم في معنى الاستدراك .
و الغرض : ترشيد القول بالاستدراك و خاصةً على كبار الأئمة إلاّ بعد التثبّت و التحقّق ، و بوجهٍ قويٍّ جليّ

و قد جاء في مقالي السابق أن قول الإمام البخاري في حديث الحارث بن عمرو عن معاذ : ( و لا يصح ) أي لا يصح رفعه . و الصواب : أي لا يصح وصله ؛ قال الترمذي عقب ذلك الحديث : و ليس إسناده عندي بمتصل .

و الله وليّ التوفيق
و ختاما لك مني كل تحية و محبة
 
جزى الله الشيخين خير الجزاء على الإفادة ونفع الله بهما

في قوله تعالى:{ ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق }
قال الإمام بن كثير - رحمه الله - : " فلا كفر أعظم من هذا: أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس ) "

عقب القاضي محمد على قول ابن كثير - رحمه الله - السابق بقوله:

قوله: "المتفق على صحته" فيه تساهل من ابن كثير - رحمه الله -، فإن البخاري لم يخرج هذا الحديث، وإنما رواه مسلم وأحمد وأبوداود والترمذي والنسائي بألفاظ متقاربة عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -، ورواه أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورواه الطبراني عن ثابت بن قيس - رضي الله عنه - "
 
التباس و ليس استدراك

التباس و ليس استدراك

جزى الله الشيخين خير الجزاء على الإفادة ونفع الله بهما

في قوله تعالى:{ ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق }
قال الإمام بن كثير - رحمه الله - : " فلا كفر أعظم من هذا: أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس ) "

عقب القاضي محمد على قول ابن كثير - رحمه الله - السابق بقوله:

قوله: "المتفق على صحته" فيه تساهل من ابن كثير - رحمه الله -، فإن البخاري لم يخرج هذا الحديث، وإنما رواه مسلم وأحمد وأبوداود والترمذي والنسائي بألفاظ متقاربة عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -، ورواه أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورواه الطبراني عن ثابت بن قيس - رضي الله عنه - "

أخي العزيز
ألا ترى أن التحقق من صحة أو قوة الاستدراك قبل نقله هو الأوفق ؟
و ما كنت أحب أن أتتبع تلك الاستدراكات بالتعقّب ؛ لكيلا أقطع عليك تسلسل الموضوع ؛ لكنه واجب البيان و التوضيح و التصحيح

و هنا لا وجه للاستدراك على الإمام ابن كثير في قوله - في ذلك الحديث - : " المتفق على صحته " ؛ لأن الاتفاق المذكور هنا إنما هو على " صحته " ، يعني : على صحة ذلك الحديث الذي ذكره " الكبر بطر الحق " . و هو كما قال ( كنعان ) رواه الإمام مسلم في صحيحه .
و ما هذا سبيله فمتفقٌ على صحته عند علماء الأمة ، و المخالف يلزمه الدليل ، و لا دليل هنا
و قد التبس الأمر على ( كنعان ) ؛ فخلط بين عبارة " متفقٌ عليه " ، و بيْن ( متفقٌ على صحته ) التى قالها الإمام ابن كثير - رحمه الله - .
و عليه ، فاستدراكه هنا هو " لبسٌ " ، و وَهْم .
 
و ما كنت أحب أن أتتبع تلك الاستدراكات بالتعقّب ؛ لكيلا أقطع عليك تسلسل الموضوع ؛ لكنه واجب البيان و التوضيح و التصحيح
.

حياكم الله شيخنا الفاضل
المقصود من ذكر الاستدراكات هو مناقشتها بارك الله فيكم وقد سعدت كثيراً بمشاركتكم ومشاركة المشايخ الفضلاء.
أما التتبع والتعقيب من فضيلتكم ومن المشائخ عامة فهو المرجو ولم يطرح االموضوع إلا لذلك فمن وجد تعقيباً أو استدراكاً على ما يكتب فليتفضل به مأجوراً بإذن الله مشكوراً
جزاكم الله خيراً
 
رأي عابر يحتاج لتفصيل عند اتساع الوقت :
كثير من استدراكات المتأخرين على أئمة التفسير غير دقيقة ولا صائبة وفيها كثير من عدم المنهجية وقد لاحظت ذلك في أكثر من نقل من النقول المنقولة هنا .
والله الموفق
 
الاستدراك على ما ساغ فيه الخلاف

الاستدراك على ما ساغ فيه الخلاف

قال تعالى:-{ وإذْ قلتم يا موسى لن نصبر على طعامٍ واحدٍ فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءُو بغضبٍ من الله...}

- ذكر الإمام ابن كثير - رحمه الله - أنهم لم يجابوا في هذه الدعوة لأن سؤالهم كان من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه

وقد عقب القاضي محمد على هذا القول بقوله:-

"يرجح ابن كثير - رحمه الله - بقوله هذا القول بأنهم لم يجابوا إلى ما سألوه، ولكن الظاهر أنهم أجيبوا إليه وانقطع عنهم المن والسلوى، ثم تتابعت معاصيهم حتى ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفرهم وقتلهم الأنبياء وعصيانهم وعدوانهم كما جاء في الآية الكريمة" (اهـ)



قال الإمام الطبري - رحمه الله -:

"القَول في تأويل قوله تعالى : { اهبِطوا مِصْرًا فإن لَكم ما سألتم } وتأويل ذلك : فدعا موسى فاستجبنا لَه , فَقلنا لَهم : اهبطوا مصر . وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظَاهره علَى ذكر ما حُذِفَ وتُرِكَ منه" واللـــــه تعالى أعلم

أحمد الله عزّ و جَلّ ، و أشكر الأخوين العزيزين ( مجاهد الشهري ) ، و ( أبا صفوت ) على ما ذكروه و كتبوه ، جزاهما الله خيرا و جزاكم جميعا

و ما ذكره الإمام ابن كثير من عدم إجابة ما سأله قوم موسى - عليه السلام – مغايراً لما ذهب إليه الإمام ابن جرير من إجابتهم لما سألوه ، هو من قبيل اختلاف الآراء فيما يحتمله النَص ، و لم يَرِد فيه ما يرفع أو يدفع أحد الاحتمالين .

و قد استند ابن كثير فيما ذهب إليه من عدم إجابتهم لما سألوه ، إلى ما دَلّ عليه النَص - عقب سؤالهم هذا - مِن تقريع و توبيخ موسى عليه السلام لهم ، فيما طلبوه مِن البَقل و القثاء و الفوم و العدس و البصل بدلاٍ من العسَل و الطَير " المَنّ السلوى " ؛ قال رحمه الله : ( وقوله تعالى : { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } فيه تقريعٌ لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنية مع ما هم فيه من العيش الرغيد، والطعام الهنيء الطيب النافع ). أهـ

و هو معنى ما ذكره الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره ؛ قال : ( القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }
يعني بقوله :(قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، قال: لهم موسى: أتأخذون الذي هو أخس خطراً وقيمة وقدرا من العيش ، بدلاً بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا؟ وذلك كان استبدالهم ). أهـ

- و لأجل ذلك التقريع و التوبيخ ذهب ابن كثير إلى القول بعدم إجابتهم لِما سألوه مما استحقوا عليه ذلك الإنكار ، و هو مذهبٌ جيّد مُتسِق و مُتماسك مع دلالة النَص ، و القول بإجابتهم لِما طلبوه مع الإنكار عليهم فيه بُعْد .
قال ابن كثير رحمه الله : ( .... والمعنى على ذلك لأن موسى عليه السلام يقول لهم : هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز، بل هو كثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه؛ ولهذا قال: { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } أي: ما طلبتم، ولَمّا كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه، لم يجابوا إليه، والله أعلم ) . أهـ

و لذا كان القول بعدم إجابة قوم موسى لما سألوه و طلبوه ، أقرب لدلالة الإنكار من القول بإجابتهم إليه .


* * *

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } [البقرة : 61]

و ربما يشكل على القول بعدم إجابتهم لِما سألوه ،ُ ما جاء - عقب التقريع لهم - من قوله تعالى : { فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }[البقرة : 61] ، و جوابه أن القول الكريم :{ فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } ليس على ظاهره ، ويحتمل إضمار الشرط ؛ أي : إن تهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم ؛ قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره " البحر المحيط " : ({اهْبِطُوا مِصْرًا} : في الكلام حذف على تقدير أن القائل : {أَتَسْتَبْدِلُونَ} هو موسى ، وتقدير المحذوف ، فدعا موسى ربه فأجابه ، {قَالَ اهْبِطُوا } . وتقدّم معنى الهبوط ، ويقال : هبط الوادي : حل به ، وهبط منه : خرج .......
{فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} : هذه الجملة جواب للأمر ، كما يجاب بالفعل المجزوم ، ويجري فيه الخلاف الجاري فيه : هل ضمن اهبطوا مصراً معنى أن تهبطوا أو أضمر الشرط ؟ وفعله بعد فعل الأمر، كأنه قال : إن تهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم ،
وفي ذلك محذوفان : أحدهما : ما يربط هذه الجملة بما قبلها ، وتقديره : فإن لكم فيها ما سألتم. والثاني : الضمير العائد على ما ، تقديره : ما سألتموه ، وشروط جواز الحذف فيه موجودة........ والمعنى : ما سألتم من البقول والحبوب التي اخترتموها على المن والسلوى. وقيل : ما سألتم من اتكالكم على تدبير أنفسكم في مصالح معاشكم وأحوال أقواتكم ). انتهى كلامه هنا

* * *

و ذهب الإمام القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " إلى نحو ما ذهب إليه الإمام ابن كثير ؛ قال : ( قوله تعالى : (اهبطو مصرا) تقدم معنى الهبوط ، وهذا أمر معناه التعجيز، كقوله تعالى: " قل كونوا حجارة أو حديدا " [ الاسراء: 50 ] لانهم كانوا في التيه وهذا عقوبة لهم .
وقيل: إنهم أعطوا ما طلبوه ) . أهـ .

و يحتمل أن يكون معنى ذلك الأمر : الزجْر و التهديد بالهبوط إلى مصر التي خرجوا منها ، و التذكير بما كانوا يلاقونه فيها من الذلّ و الذبح و الاستعباد – إن أرادوا الإجابة لِما طلبوه ؛ فإن لهم فيها ما سألوه .

و الخلاصة أن ما ذكره الإمامان ابن كثير و ابن جرير الطبري من إجابة قوم موسى لسؤلهم أو عدم إجابتهم لما طلبوه ، هو اختلاف آراء ، يحتمله النصّ ، و لكلٍّ سنده و دليله
و ما هذا سبيله فلا يصلح أن يكون محلاً جيداً للاستدراك .


و الله أعلم
 
تتمة الكلام : ( بيان الأوهام في إنكار حديث الاجتهاد في الأحكام )

تتمة الكلام : ( بيان الأوهام في إنكار حديث الاجتهاد في الأحكام )

الأخ الفاضل د . محمد القحطاني ( أبو مجاهد )

ما دامت المسألة اجتهادية – كما تفضلتم و قلتم – ألا ترى أن لفظ ( الاستدراك ) غير مناسب أو غير صحيح ؛ لأن ( استدرك ) عليه القول :
أصلح خطأه أو أكمل نقصه أو أزال عنه لبسا ؛ كما في معاجم اللغة .

و محل الجزم في أول تعليقي أن هناك من كتب السُنن المخرّج فيها الحديث غير سنن أبي داود و الترمذي ، كسنن البيهقي و الدارمي ،
بينما عقّب القاضي كنعان فقال : ( قول ابن كثير رحمه الله: " وفي السنن بإسناد جيد" فيه تساهل بيانه: أن هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن سوى أبي داود والترمذي ، بالإضافة إلى الإمام أحمد في مسنده ) .اهـ.
فحصر تخريج ذلك الحديث في سنن أبي داود و سنن الترمذي – من حيث كتب السنن – هو وهْمٌ من ( كنعان ) ، على سبيل الجزم ، و ليس استدراكا على الإمام ابن كثير .
هذا من ناحية

و من ناحية أخرى ، فتضعيف ذلك الحديث – عند من ضعّفوه – مبنيٌّ في وجهٍ منه على الزعم بجهالة ( الحارث بن عمرو ) ، و وَجه الجزم بِوهْم ذلك الزعم : أن ذلك الراوي ترجم له عددٌ من كبار الأئمة ؛ كالبخاري و ابن أبي حاتم و الذهبي و ابن حبان – و و وثّقه – و ابن حجر ؛ فلا يكون مجهول العيْن بحالٍ من الأحوال . و هذا ظاهرٌ قطعا .

و من ناحية ثالثة ، فقد احتج الإمام ابن تيمية بذلك الحديث – في بيان أحسن طرق التفسير – و قال : (( وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )) . و هو عيْن ما قاله الإمام ابن كثير في تفسيره ، الذي استدرك عليه ( كنعان ) ؛ بغير وجهٍ و بغير حق .

قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ، طـ (مجمع الملك فهد) - (225 / 38) :
(( .. والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب اللّه . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول اللّه . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي . قال : فضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رَسُولِ اللّه لما يرضى رسولَ اللّه " ، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )) . أهـ
هذا بالإضافة إلى غيره من كبار الأئمة الذين تقدم ذكرهم في مقالي السابق .
و عليه ، فلا وجه للاستدراك كما تقدم في معنى الاستدراك .
و الغرض : ترشيد القول بالاستدراك و خاصةً على كبار الأئمة إلاّ بعد التثبّت و التحقّق ، و بوجهٍ قويٍّ جليّ

و قد جاء في مقالي السابق أن قول الإمام البخاري في حديث الحارث بن عمرو عن معاذ : ( و لا يصح ) أي لا يصح رفعه . و الصواب : أي لا يصح وصله ؛ قال الترمذي عقب ذلك الحديث : و ليس إسناده عندي بمتصل .

و الله وليّ التوفيق
و ختاما لك مني كل تحية و محبة
و بيان ذلك الكلام و إكماله منشورٌ في دراسة مستفيضة بعض الشيء ، و عنوانها :

و للاطلاع عليه و قراءته بغير الحاجة إلى تحميله :
http://majles.alukah.net/showthread.php?p=381602

و للتحميل : من مكتبة مشكاة الإسلامية
 
عودة
أعلى