أبو عمرو البيراوي
2. يمكن أن يقوم بشر بتعمد بعض التوافقات العددية في شعر أو غيره، وهذا لا علاقة له بما نقوله حول الإعجاز العددي. لأننا نتكلم عن أمور تكتشف الآن في القرآن الكريم من غير أن يكون هناك أي إشارة حول وجود هذا البناء العددي. ثم إن درجة تعقيد العلاقات وحيثياتها تجعل العقل البشري يقف مندهشاً أمامها. ويبدو أن الذين يرفضون الإعجاز العددي لا يعلمون حقيقة ما هو موجود، وهذا واضح من خلال النقاشات.
لعل في المثال التالي ما يوضح بعض الفرق بين ما يمكن تعمده من التوافقات العددية في كلام البشر ، وما هو في القرآن ..
[align=center]من مظاهر الإعجاز العددي في العدد 29 [/align]
تنقسم سور القرآن الكريم إلى مجموعتين 29 و 85 باعتبارات مختلفة :
الاعتبار الأول : ( باعتبار الحروف في أوائلها ) :
29 سورة مميزة بافتتاحها بالحروف المقطعة .
85 سورة خلت أوائلها من مثل تلك الحروف .
الاعتبار الثاني :
فإذا نظرنا إليها من زاوية أخرى ( العدد 17 ) نجدها :
29 سورة عدد الآيات في كل منها يقل عن 17 آية .
85 سورة عدد الآيات في كل منها 17 آية فأكثر .
الاعتبار الثالث :
فإذا نظرنا إليها من زاوية أخرى ( العدد 78 ) نجدها :
29 سورة عدد الآيات في كل منها 78 آية فأكثر .
85 سورة عدد الآيات في كل منها يقل عن : 78 آية .
الاعتبار الرابع :
فإذا نظرنا إليها باعتبار ورود لفظ الجلالة " الله " نجدها :
29 سورة لم يرد في أي منها لفظ الجلالة .
85 سورة ورد في كل منها لفظ الجلالة مرة أو أكثر .
السور هي نفسها : 114 سورة .
الاعتبارات تتغير , وزوايا النظر تتغير , ولكن المعادلة تبقى واحدة : 29 و 85 ..
فالسور التسع والعشرون الأولى ليست الثانية أو الثالثة أو الرابعة .
والسور الخمس والثمانون الأولى ليست الثانية أو الثالثة أو الرابعة .
إن كل مجموعة مختلفة تماما عن الأخرى.
بماذا نصف هذا الترتيب ؟ هل استخدم الصحابة آلاتهم الحاسبة وصمموا هذا الترتيب ؟ أم أنهم فعلوا ما فعلوا وجاء هذا الترتيب بفعل مصادفة ليس إلا ؟
أم أنه ترتيب إلهي " توقيفي " ؟ أليس هذا الأخير هو الوصف المناسب ؟
ما سر العدد 29 ؟
الإشارة إلى العدد 29 في معادلتي الترتيب :
لنتأمل معادلتي الترتيب القرآني: العدد 114 هو العدد الذي اختاره الله سبحانه عددا لسور كتابه الكريم . نلاحظ أن من خصائص هذا العدد ما يلي :
العدد 114 عدد من مضاعفات الرقم 19 . وهذا يعني أن :
114 = 19 × 6 , 19 - 6 = 13
وأنه يتألف من مجموعتين من الأعداد الفردية والزوجية عدد كل منهما 57 , وهذا يعني أن :
57 = 19 × 3 , 19 - 3 = 16
وبناء عليه :
( 19 - 6 ) + ( 19 - 3 ) = 29 .
13 + 16 = 29 . (وبذلك فالعدد 114 عدد سور القرآن الكريم هو أساس العدد 29 , ومجيء عدد من سور القرآن محدد بـ 29 لا يمكن أن يكون مصادفة إنما جاء وفق العلاقات الطبيعية في العدد الأساس 114 )
ولعل السؤال المطروح هنا : ما مدى صحة هذا الافتراض ؟ أن العدد 29 مؤلف من العددين
13 و 16 على النحو الذي أوضحناه ؟
إذا عدنا إلى مجموعات السور المؤلفة كل منها من 29 سورة سنجد في ترتيبها ما يؤكد هذه الحقيقة . إنها على النحو التالي :
نظام محوره العددان 13 و 16 :
لنتأمل الحقائق التالية في ترتيب هذه المجموعات :
جاءت السور الـ 29 التي لم يرد في أي منها لفظ الجلالة :
13 سورة فردية الآيات . ( العدد الدال على عدد آياتها عدد فردي )
16 سورة زوجية الآيات .
جاءت السور الـ 29 التي عدد الآيات في كل منها 78 آية فأكثر :
13 سورة فردية الآيات .
16 سورة زوجية الآيات .
وجاءت السور الـ 29 التي عدد الآيات في كل منها أقل من 17 آية :
13 سورة زوجية الترتيب .( الرقم الدال على موقع ترتيبها رقم زوجي )
16 سورة فردية الترتيب . وجاءت هذه المجموعة باعتبار ورود لفظ الجلالة فيها :
13 سورة ورد في كل منها لفظ الجلالة .
16 سورة لم يرد في أي منها لفظ الجلالة .
ونكرر السؤال لمنكري الاعجاز العددي في القرآن , هل ترون أن هذا الترتيب جاء بفعل مصادفة عمياء ؟
هل من المنطق أن يزعم بعض منكري الاعجاز العددي بأن مثل هذا الترتيب المحكم هو مما يمكن اكتشافه في أي كتاب ؟
أين هو هذا الكتاب الذي تحلمون بوجوده ؟ لماذا لا تدلونا عليه ؟
قد يقول البعض لا وجود لهذا الكتاب الآن , ولكن بإمكاننا أن نؤلف كتابا ونتحرى في تقسيمه هذه العلاقات التي ذكرتها , وبذلك يصبح زعمنا بأن محاكاة التناسق العددي في القرآن ممكن , وبذلك يبطل القول بالإعجاز العددي .
اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى التالي :
أن تؤلفوا كتابا وعند الانتهاء منه تجدون فيه مثل هذا النظام هو من المستحيل . ولكن بإمكانكم بعد أن تنتهوا من تأليفه أن تعاودوا النظر فيه مرات ومرات , وأن تبدلوا وتغيروا وتزيدوا وتنقصوا حتى يستقيم لكم الحساب ( على افتراض أنه سيستقيم ) , ولا بد أنكم ستحتاجون إلى آلاتكم الحاسبة البسيطة وغيرها ..
وسؤالي لكم : هل تم ترتيب سور القرآن وآياته بهذه الطريقة ؟ أي بعد أن اكتمل نزول القرآن , اجتمع الصحابة وبدأوا عمليات من المراجعة والزيادة والنقصان والتبديل والتغيير , ولما تم لهم هذا النظام ( التناسق العددي ) استقروا عليه واعتمدوه ؟ أم أنهم جمعوا المصحف كما علموه عن النبي صلى الله عليه وسلم , دون أن يشغلوا بالهم بمثل هذا التناسق أو يفكروا فيه ؟
لا شك أنه لم تكن هناك عمليات مراجعة وحسابات , لقد اكتمل نزول القرآن بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم , ومنذ تلك اللحظة أخذ ترتيب القرآن شكله النهائي الذي لا يجرؤ أحد على التدخل فيه .
ولو كان الصحابة على علم بهذا التناسق العددي لذكروه لنا , ولا حجة لمن يزعم " لو أن الصحابة عرفوا فيه خيرا لما تركوه " ولا يجوز أن نستدرك عليهم شيئا لأنهم أقرب منا إلى القرآن .. التناسق العددي لم يوضع في القرآن لأجلهم ولم يكونوا بحاجة إليه . الاعجاز العددي وضع لأجلنا نحن , ليكون امتدادا للمعجزة الخالدة المتجددة , واكتشافنا له ليس فيه انتقاص من قدر أحد .
ولنفترض أنكم أنجزتم كتابكم ونجحتم في تضمينه مثل هذه العلاقة التي ذكرناها .....
هنا سنكشف لكم عن علاقة أخرى تربط بين سور القرآن كلها وآياته , تعزز العلاقات السابقة دون أن تؤدي إلى أدنى تعارض مع ما تم كشفه من قبل ..
فماذا أنتم فاعلون ؟
هل ستعيدون النظر في كتابكم من جديد ؟
لو فكرتم بذلك فهذا يعني أنكم ستمضون العمر في المراجعة والتبديل والتغيير .
ولا بأس أن ألفت انتباهكم إلى أن القرآن قد نزل منجما مفرقا حسب الوقائع والأحداث وحاجات الناس , وانتهى ترتيبه في النهاية على نحو مغاير لترتيب النزول ..
وهذه الحقيقة وحدها تكفي لرد مزاعمكم , فلو اجتمع علماء الأرض كلهم على تأليف كتاب حسب الوقائع والأحداث وما يحصل في عالمنا اليوم , وبعد زمن جمعوا ما كتبوه ورتبوه بأي طريقة شاءوا , فإن من المستحيل أن ينتهي ذلك إلى نحو مماثل للترتيب القرآني .