من المعلوم المتفق على صحته كما عند البخاري وغيره أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة ابن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }... روايةُ البخاري
وفي مسلم: عن أنس : أن حذيفة قدم على عثمان بن عفان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان بن عفان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلفت اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت و سعيد بن العاصي و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و عبد الله بن الزبير أن انسخوا الصحف في المصاحف وقال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم حتى نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان إلى كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوا
قال الزهري : وحدثني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال : فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة فألحقتها في سورتها...
الإشكـال:
لو كان الحديث في الجمع الأول للقرآن لكان الأمرُ عادياً, أما وقد جمع القرآن في عهد الصديق رضي الله عنه وتم تداول نسخته حتى وصلت لأمنا حفصة رضي الله عنها, ثمّ بعد كل ذلك يقول زيد رضي الله عنه: {نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة ابن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }
فهل معنى ذلك أن الصحف التي جمعت في عهد الصديق كانت خاليةً من هذه الآية..؟؟
أم كان يشترط في نسخ الصحف في عهد عثمان اجتماع النقل من الصحف والحفاظ..؟؟
أم أن هذا الحديث كان المراد به الجمع الأول وحصل خلطٌ من الراوي فذكره في جمع عثمان..؟؟
أم ماذا..؟؟
أرجو من المشايخ توضيح الإشكال - إن كان موجوداً - والتنبيهَ بالشرح إلى عدم وجوده حال كونه كذلك..
مما يكثر الخلط فيه في جمع القران هو عدم التفريق بين جمع القران وترتيبه في العرضة الاخيرة وبين جمعه في المصحف زمن ابو بكر رضي الله عنه ونسخ المجموع زمن ابي بكر بعدة نسخ زمن عثمان .
فقد كان الجمع للقران بمعنى حفظه كاملا موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من غيره صلى الله عليه وسلم من ذكرهم انس رضي الله عنه :
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أُبَيٌّ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي.
قال الحافظ ابن حجر : قَوْله : ( جَمَعَ الْقُرْآن )أَيْ اِسْتَظْهَرَهُ حِفْظًا .فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 122)
وهذا الحديث متفق عليه .
ومن ذالك المعنى ما اخبر به الني صلى الله عليه وسلم بقوله :مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ" سنن الترمذي - (ج 8 / ص 390)وهو عند الحاكم وصححه الالباني رحمهم الله جميعا.
اما جمع القران فله معنى آخر الا وهو ما فعله ابو بكر رضي الله عنه :
حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الاسود عن أبيه قال : جمع أبو موسى القراء فقال : لا يدخلن عليكم إلا من جمع القرآن ، قال : فدخلنا زهاء ثلاثمائة رجل فوعظنا وقال : أنتم قراء هذا البلد وأنتم ، فلا يطولن عليكم الامد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب. مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 204)
قال ابن ابي شيبة :أول من جمع القرآن حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي عن عبد خير قال : قال علي : يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين.مصنف ابن أبي شيبة - (ج 7 / ص 196).
حدثنا قبيصة عن ابن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن صعصعة قال : أول من جمع القرآن وورث الكلالة أبو بكر. :مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 340)
قال الحافظ ابن حجر في باب جمع القران :
قَوْله : ( بَاب جَمْع الْقُرْآن )
الْمُرَاد بِالْجَمْعِ هُنَا جَمْع مَخْصُوص ، وَهُوَ جَمْع مُتَفَرِّقه فِي صُحُف ، ثُمَّ جَمْع تِلْكَ الصُّحُف فِي مُصْحَف وَاحِد مُرَتَّب السُّوَر . وَسَيَأْتِي بَعْد ثَلَاثَة أَبْوَاب " بَاب تَأْلِيف الْقُرْآن " وَالْمُرَاد بِهِ هُنَاكَ تَأْلِيف الْآيَات فِي السُّورَة الْوَاحِدَة أَوْ تَرْتِيب السُّوَر فِي الْمُصْحَف . فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 192).
الذي بقي الامر الاخر وهو النسخ الذي قام به عثمان رضي الله عنه .
بالنسبة للاستشكال اخي فهو ناتج عن دمج الزهري رحمه الله لاكثر من قصة في الرواية الواحدة :
والرواية كاملة هي كما يلي :
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }
حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال الحافظ رحمه الله تعالى :
وْله : ( عَنْ زَيْد بْن ثَابِت )
هَذَا هُوَ الصَّحِيح عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ قِصَّة زَيْد بْن ثَابِت مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر عَنْ عُبَيْد بْنِ السَّبَّاق عَنْ زَيْد بْن ثَابِت ، وَقِصَّة حُذَيْفَة مَعَ عُثْمَان عَنْ أَنَس بْن مَالِك ، وَقِصَّة فَقْد زَيْد بْن ثَابِت الْآيَة مِنْ سُورَة الْأَحْزَاب فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن السَّبَّاق عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد بْن ثَابِت عَنْ أَبِيهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن مَجْمَع عَنْ الزُّهْرِيِّ فَأَدْرَجَ قِصَّة آيَة سُورَة الْأَحْزَاب فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن السَّبَّاق ، وَأَغْرَبَ عُمَارَة بْن غَزِيَّة فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ " عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد بْن ثَابِت عَنْ أَبِيهِ " وَسَاقَ الْقِصَص الثَّلَاث بِطُولِهَا : قِصَّة زَيْد مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر ؛ ثُمَّ قِصَّة حُذَيْفَة مَعَ عُثْمَان أَيْضًا ، ثُمَّ قِصَّة فَقْد زَيْد بْن ثَابِت الْآيَة مِنْ سُورَة الْأَحْزَاب أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ ، وَبَيَّنَ الْخَطِيب فِي " الْمُدْرَج " أَنَّ ذَلِكَ وَهْم مِنْهُ وَأَنَّهُ أَدْرَجَ بَعْض الْأَسَانِيد عَلَى بَعْض .فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 193).
قال الدارقطني رحمه الله :
وسئل عن حديث زيد بن ثابت عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن فقال هو حديث في جمع القرآن ورواه الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت حدث به الزهري كذلك جماعة منهم إبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد وشعيب بم أبي حمزة وعبيد الله بن أبي زياد
الرصافي وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وسفيان بن عيينة وهو غريب عن بن عيينة اتفقوا على قول واحد ورواه عمارة بن غزية عن الزهري فجعل مكان بن السباق خارجة بن زيد بن ثابت وجعل الحديث كله عنه وإنما روى الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه من هذا الحديث
ألفاظا يسيرة وهي قوله فقدت من سورة الاحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وعبيد الله بن أبي زياد وذكر إبراهيم بن سعد من بينهم عن الزهري فيه أسانيد منها عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن مسعود.علل الدارقطني - (ج 1 / ص 186, 187).
تجد في كتب المستشرقين عدم التفريق بين هذه الامور حتى قال احد المستشرقين عن قول عبد الملك بن مروان "اخاف ان اموت في رمضان، ففيه وُلدتُ، وفيه فُطمتُ، وفيه جَمعتُ القرآن، وفيه اُنتخبتُ خليفةً للمسلمين" يظن انه جمع القران كما فعل ابو بكر رضي الله عنه وتبعه بذلك احد الخبثاء النصارى . والغريب ان ذلك الخبيث يقول :" أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابو زيد، وابو الدرداء، وتميم الداري، وسعد بن عبيد، وعُبادة بن الصامت، وابو ايوب وعثمان بن عفان. على ان نفس الكاتب يخبرنا في صفحة 113 من طبقاته ان الذي جمع القرآن هو عثمان بن عفان في خلافة عمر، وليس في حياة الرسول كما ذكر اولا . وفي حديث آخر يقول ابن سعد ان عمر بن الخطاب جمع القرآن في صحف."
وهذا ناتج عن عدم معلرفتهم ان الجمع زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو جمع القرلان في الصدور وهذا الذيقصده عبد الملك بقوله وفيه جمعت القران ان صح القول عنه
أحسن الله تعالى إليك أخي المبارك:
هل أفهم مما سبق أن الرواية المتفق عليها بين أيدينا في الصحيحين برواية الزهري رحمه الله أَنَّ ذَلِكَ وَهْم مِنْهُ وَأَنَّهُ أَدْرَجَ بَعْض الْأَسَانِيد عَلَى بَعْض ..؟؟
وأن هذه القصة لا تصح حكايتها على أنها وقعت في جمع عثمان رضي الله عنه- ولو كانت في الصحيحين - للوهم السابق من الزهري رحمة الله عليه ..؟؟
لا يبدو من كلام الدارقطني أن الزهري هو الذي خلط القصص، بل الخلط جاء ممن دونه، وليس في النقول إلا أنها 3 قصص رواها الزهري بأسانيد مختلفة فمدارها عليه ثم جاء من بعده فلم يفرق.
ولمعرفة الصواف لابد من تتبع الطرق الأخرى للروايات لمعرفة المرجح منها
ثم هل يمكن أن تكون الصحف التي جمعت في عهد الصديق قد فقدت منها صفحة آية الأحزاب مع مرور 25 سنة تقريبا؟ فيه نظر.
وما استشكله الأخ محمود استشكلته من سنين، لكن لم أزل أردد: قوله تعالى :"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
فأيا كان الأمر فقد وفق الله تعالى زيدا بما قام به على أتم وجه وأوثق منهاج
الاخوة الكرام بداية وضعت الكلام بالنسبة لجمع القران زمن النبي في الصدور حسب العرضة الأخيرة في الصدور في بداية الكلام كي لا يتوهم احد ان الحفظ يقصد به التدوين , بل ان التدوين اداة مساعدة لحفظ الناس .
اذ ان الله عز وجل كفل بحفظ القران وكان فعل الصحابة بتوفيق الله تعالى طريق صحيح في ذلك . فما فعله الصحابة هو التدوين الكتابي . اما الحفظ في الصدور فهو موجود ابتداء .
اساس الاشكال هنا كون زيد بن ثابت هو من كان يجمع القرآن زمن ابو بكر . وكان اعتماد الجمع على المكتوب لا على الحفظ كما هو واضح من الرواية :
اذا فالرواية واضحة ان ما كان مع خزيمة كان في زمن ابوا بكر لا بزمن عثمان . وان الذي كان يجمع المدون زمن النبي لا المحفوظ في الصدور لان زيد بن ثابت كان من حفاظ الوحي وكان ممن جمع القران في زمن النبي.
وهذا هو الشق الثاني الذي ذكره الزهري باسناد منفصل عن السابق .
اي ان الزهري حدث الروايتين في وقت واحد فذكر قصة نسخ القران قبل الكلام عن جمع القران في المصحف زمن ابو بكر رضي الله عنه .
وقد ذكر البخاري ومسلم قصة الجمع منفصلة عن قصة النسخ .
فقد روى البخاري فقال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ صحيح البخاري - (ج 11 / ص 326)
لاحظ ان ابن شهاب لم يدرج النصين وانما فصل السندين ولكنه حدث بهما في نفس المجلس .فمن روى عن ابن شهاب في ذلك المجلس . اما من سمع منه الرواية التي تتعلق بالجمع منفردة فقد روى نص الجمع مع خبر ابن خزيمة او ابو خزيمة .
والان لنركز في الجزء الثاني من الرواية :
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ
فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ
{ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }
فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ صحيح البخاري - (ج 15 / ص 386)
لاحظ ا ان قوله نسخنا المصحف تحتمل الفهمين انه نسخ المصحف في المصاحف وهو معنى محتمل غير مراد ومعنى انه يتكلم عندما نسخ المصحف من الرقاع والعسف والعظم ..
فانه في اخر الحديث قال فالحقناها في سورتها في المصحف .
****
بعد ذلك اوضح امرا مهم . لو ضاع شيء من المصحف الذي عند حفصة فلا يعني ان حفظ القران قد شابه شيء . لان المصحف اداة للمساعدة على الحفظ وان زيدا من حفظة القران ..
اي ان اساس الحفظ الصدور وانما يثبت العلم بالتدوين .وهذا على فرض ما توهمه بعض الاخوة .
اذا فلم يشب حفظ القران شبهة ... والله اعلم
ننبه أخيرا إلى أن فقد آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه ، يدل على ذلك ثلاثة أدلة : 1- نص الإمام الدارقطني رحمه الله على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب....الخ. وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة ، وليس عن زيد بن ثابت . سئل الإمام الدارقطني عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن . رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت . حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم - اتفقوا على قول واحد . ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه . وإنما روى الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ( فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ) . ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد...فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا ، كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس " انتهى باختصار من " العلل الواردة في الأحاديث النبوية " (1/186-189) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " الصحيح عن الزهري : أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر : عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت . وقصة حذيفة مع عثمان : عن أنس بن مالك . وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق : عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه " انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/11) 2- وذِكرُ الإمام البخاري رحمه الله كلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان ، وإنما لأن الراوي عن الزهري - وهو إبراهيم بن سعد - هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988) يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب " غزوة أحد "، حديث رقم : (4049)، وفي باب : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )، حديث رقم: (4784). 3- أن جميع العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه . يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها ، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت . والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف , وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية " انتهى من " فضائل القرآن " لابن كثير (ص86)" جواب الشيخ المنجد في المسألة
الذي في البخاري: أنه في الجمع الأول لم يجد الآية من آخر براءة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري.
وفي الجمع الثاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ، فوجدها مع خزيمة بن ثابت.
ليس المقصود بالحديث عدم وجود الآية محفوظة، بل المراد أنه لم يجدها مكتوبة إلا مع سيدنا خزيمة رضي الله عنه، يدل على هذا قول سيدنا زيد رضي الله عنه: "كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها"، حيث يدل على حفظه رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم الآية.
المرشد الوجيز (ص: 51)، شرح طيبة النشر للنويري (1/108)
لا علاقة بين الكتابة والتواتر، فليست الكتابة شرطاً في المتواتر، بل المشروط فيه أن يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ولو لم يكتبه واحد منهم، فكتابة سيدنا خزيمة الأنصاري رضي الله عنه كانت توثقاً واحتياطاً فوق ما يطلبه التواتر ويقتضيه، فكيف نقدح في التواتر بانفراده بكتابتها.
مناهل العرفان (1/285).
أما عن كون الخبر وقع في الجمع البكري أو العثماني للقرآن الكريم، فهذا أمر يحتاج لبحث؛ حيث معظم كتب علوم القرآن على أن آخر سورة التوبة في البكري، وآية سورة الأحزاب في الجمع العثماني.
الإشكال هنا
كيف يكون هناك ( فقد ) في الجمع العثماني وقد جمع القرآن في العهد البكري ؟
وهو عين الإشكال الذي أورده ابن كثير وقال ( فيه نظر ) .
ولعل ما أورده الشيخ المنجد وجيه جداً وأنه على الأرجح لا فقد في الجمع العثماني وحصل خلط من الرواة والله أعلم .
بل ليس هناك إشكال ذو بال... فمن القرائن التي تحف بخبر الزهري يتبين أن المراد به هو في الجمع الأول. إذ أن زيدا رضي الله عنه في العمل الأول كلف وحده بهذه المهمة. لذلك ترى في خبر الزهري مايصور ذلك الهم ويصف لك حال البحث. بينما في الجمع الثاني كان مع زيد رضي الله عنه ثلاثة رهط يعملون معه وينسخون. ولم يأت في خبر واحد مايشير أنهم نقبوا مرة أخرى واستسمعوا من الناس في ذلك العهد. ممايؤكد أن عملهم كان فقط هو النسخ. وإذا سلم ذلك فأنى يأتي الإشكال ؟