الوأد عند العرب بين الوهم و الحقيقة " هو عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور مرزوق بن تنباك في ندوة الوفاء الخميسية لعميدهاالشيخ أحمد با جنيد مساء الخميس الواقع بتاريخ 9/2/1427هـ , و التي أدارها الدكتور عائض الردادي الإعلامي المعروف , و حضرها الكثيرون من روّاد الفكر و الثقافة .
صدمة في الثوابت
منذ البداية جاء عنوان المحاضرة : ( الوأد عند العرب بين الوهم و الحقيقة ) ليصدم الحاضرين في ثوابتهم من القرآن الكريم و السنّة الشريفة , و ليست صدمة معرفية كما حاول المحاضر أنْ يثبته جاهداً لكنه فشل في ذلك , و أثار معظم المداخلين في نهاية المحاضرة ,
لماذا الدفاع عن الجاهلية البائدة ؟!
بدأ المحاضر حديثه بالقول : كنت أرى ما يراه الناس في هذا الموضوع , و هو أنَ الوأد كان موجوداً في الجاهلية ثمّ سألت نفسي لماذا وأد العرب بناتهم ؟! و لماذا اختاروا الوأد بالذات ؟! ثمّ بدأت أبحث في هذا الموضوع , فبحثت عن الرواية الأدبية , فهي تبدأ بقيس بن عاصم حينما جاء للرسول سنة9هـ و أخبره أنّه قتل عدداً من بناته , و كان معه صعصعة المجاشعي جد الفرزدق , و ذلك سنة الوفود (وفد بني تميم ) و قد قال ( صعصعه ) للنبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه أنقذ أربعمائة موؤدة من تميم , ثم أخذ ينقذ هذه الوؤدات و قد نظرت في هذه الرواية فوجدت أنّها واهية لا تعتمد على سند صحيح مقنع .
ما سبب وأد قيس بن عاصم لبناته , فقد جاء في الرواية أن إحدى بنات قيس أُسرت ثمّ خيّرها مَن أسرها في أنْ تعود لأبيها أو تبقى لديه , فاختارت أنْ تظل مع من أسرها , فغضب قيس بن عاصم غضباً شديداً , و قرر أن يئد كل بنت تولد له , فجرى ما سنّه في بني تميم .
و لنا وقفات في هذه الرواية
أولاً : أنَ قيس بن عاصم مات بالبصرة سنة 47هـ, وعمره حين وفد للنبي صلّى الله عليه و سلّم لم يتجاوز 35 سنة , فكيف يقتل اثنتي عشرة بنتاً له خلال هذه السنوات القليلة .
ثانياً : عدت إلى تاريخ العرب في جاهليتهم فلم أجد من يذكر ذلك في أشعارهم , و يستحيل كذلك أنْ ينقذ صعصعة جدّ الفرزدق هذا العدد من الموؤدات !
ثالثاً : رجعت إلى كتب التفسير فوجدت أنَ جميع المفسرين يأخذ قضيّة الوأد عند العرب مسلّمة و يورد قصة قيس بن عاصم دون تعليق أو تمحيص. و بعض المتأخرين يجعل عمر بن الخطاب أحد الوائدين .و هذا لا يصح سنده .
رابعاً : بعضهم يورد أنَ قبيلة قريش كان لها جبل تئد فيه البنات سمّي بجبل أبي دلامة , وهذا لا يصح .
خامساً : القرآن الكريم صريح بأن الوأد موجود , و لكن هل هو وأد البنات كما قال المفسرون أم هو وأد النفس البشرية سواء كانت ذكراً أم أنثى ؟! و هذا ما أراه .
سادساً : لغة العرب في ( البحر المحيط ) لأبي حيّان تتحدث عن قتل الإنسان بلغة النفس , و هذا هو المقصود بالموؤدة : ( و إذا ) الموؤدة سئلت , بأيَ ذنب قتلت ) كما ورد في القرآن الكريم , و هو يخصّ العرب و غيرهم من الأمم , فقد كانوا يقتلون الأطفال الذين يولدون بعلاقات غير شرعية , و مازلنا نجد هذه الأفعال في وقتنا الحاضر , فهناك من يدفن الابن أو البنت حياً حين يكون من علاقة غير شرعية , و هو من طبقة المجتمعات الحاضرة و السابقة و ليس مقصوراً على عرب الجاهلية .
سابعاً : ردد الفرزدق إنقاذ جده صعصعة لوأد البنات كثيراً و لكن الإشكالية أننّا لم نجد عربياً في الجاهلية أثنى على فعل صعصعة !!
أشجان و مداخلات
و في نهاية المحاضرة جاءت المداخلات العديدة المعبرة عن حس إسلامي راقٍ, و فهم عميق للقرآن الكريم و السنّة الشريفة التي أثبتت وأد البنات في مواضع كثيرة , فقال الأستاذ حسن مرزوق يبدو لي أن الوأد في التراب أفضل لنفسية العربي من القتل بالسيف ثمّ أنَ القرآن الكريم نصَ بصورو جليّة على الوأد ,فهل يُنكر محاضرنا ذلك ؟! أمّا الشاعر جميل الكنعاني فقال : أرى أن هناك تصحيحاً تاريخياً لأنَ صعصغة عاش في الجاهلية و ليس في الإسلام !!
و تمنى الدكتور محمد الشوّاف الإعلامي و الكاتب المعروف على المحاضر لو أنّه عرض كتابه على شلّة من العلماء لتصحيح ما وقع فيه من أخطاء و اجتهادات كان في غنى عنها , فمثلاً عدم ذكر الشعراء الجاهليين للوأد لا يعني نفيه , و القرآن الكريم يصرح به , كما أن في تحليلك للأمور تغلب الظن على اليقين ... فما ردك ؟!
أمَا الشيخ أحمد باجنيد فقد شكر الباحث و الحضور على اهتمامهم و تلبية دعوته.
و تساءل الأستاذ سعد العليان باستهجان لما قاله المحاضر :
كيف يبشر الرجل بالمولود و هو ولد الزنا كما أولت الآيات يا دكتور في قوله تعالى : ( و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظّل وجهه مسوداً و هو كظيم * يتوارى من القوم من سوءما بُشِر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) ؟!
أما فضيلة الشيخ الداعية محمد بافضل , فاستنكر أقوال الباحث
و قال : كيف نوفّق بين ما قلت و بين الآيات المحكمة في القرآن الكريم ؟!
و أشار د. محمد الهواري أنَ وأد البنات كان يتم من خلال الأب و ليس الأم , لأنَ الأب هو الذي يكره البنات !!
و علّق الأستاذ عبد الله العريني قائلاً : أخشى أنْ يكون الأستاذ د . الكريم قد وقع في الاستقراء الناقص لأنّه اعتمد على الروايات الأدبية دون الاعتماد على القرآن الكريم و السنة المطهرة .
أما الأستاذ محمد القصبي فقال القرآن الكريم يثبت الوأد في أكثر من موضع فكيف نصدّق ما يقوله الدكتور ؟!
و استهجن الأديب د. عدنان النحوي أنْ يدافع المحاضر عن العرب في الجاهلية و ينفي عنهم الوأد و القرآن يثبت ذلك لديهم , و قد وقعوا في شرور أعظم من ذلك وعلى رأسها الشرك بالله .
وقال الدكتور أحمد الزيلعي أن الوأد موجود في كل العصور حتى يومنا هذا وإن كان بأشكال متنوعة .
وبين الدكتور عوض القوزي أن الدكتور مرزوق التنباك يعتمد في محاضرته هذه على استنتاجه الخاص ، وكثيراً ما يفعل ذلك ، وربما يصيب ويخطئ ، لكن لديه جهداً وجلداًُ في البحث .
بينما أنكر عبد الرحمن عبد الله ما ذهب إليه المحاضر لتعارضه مع القرآن الكريم وقال الشيخ حيدر عيدروس : حديث وأد البنات صحيح عند الإمام مسلم ولا مجال للشك فيه ، وقد شرح العلماء هذا الحديث ، وبينوا أن وأد البنات من الموؤدة التي وردت في القرآن الكريم ، ولذلك أرى أنه ينبغي أن يتراجع الباحث عمّا قال وكتب ! أما الأستاذ أحمد الحازمي فقال : لقد ورد وأد البنات عند أهل السنن بعنوان : ( الوأد الخفي ) ، ثم كيف نفسر الوأد على غير الوجهة الصحيحة ، وقد تحدث علماء اللغة عنه ، ومنهم الزمخشري وه من أئمة اللغة العربية ؟! ورأى الأديب شمس الدين درمش أن الناس يفهمون معظم آيات القرآن الكريم ، ولابد أن أسأل المحاضر : كيف نوفق بين شواهد القرآن الكريم وبين الشواهد الأدبية ؟! ويظن الدكتور عبد الجبار دية أن الباحث لا يستطيع مخالفة المحكم من القرآن الكريم ، لكنه يفسّره تفسيراً آخر من جهة اللغة !
وتحدث الأستاذ الكاتب أيمن ذو الغني عن جهود علماء اللغة حين تتبعوا غريب الألفاظ ودقائقها ، وفسّروا الوأد بما عناه القرآن الكريم وهذا ما ينكره المحاضر معتمداً على روايات تاريخية وأدبية ، فهل يصح ذلك ؟!
ثم تمنى الأستاذ الدكتور عائض الردادي من الإخوة قراءة الكتاب بدقة .
ملتقى الشعر :
وفي ختام الندوة ، فتح المجال للشعر ، وبدأ الشدو مجموعة من الشعراء منهم : جميل الكنعاني بقصيدته ( جرائم الوأد ) ثم المهندس سعيد بادويس بقصيدة (بدر وشمس وظلمات ) وجاءت أخيراً قصيدة ( ملحمة النور ) للشاعر الدكتور عمر خلوف والتي وجدت استحساناًُ كبيراً لدى جمهور الندوة .
http://www.alwfaa.net/default.asp?peagSh=subTopi&TopiID=126