[FONT="]تلخيص ما سبق ، و حل الإشكال
[/FONT]
[FONT="]التلخيص[/FONT][FONT="] :
[/FONT]
[FONT="] 1 – الذين تعنيهم الآية 91 من سورة الأنعام هم من اليهود كما قال جمهور المفسرين ، وهم من المؤمنين بأن موسى عليه السلام جاء بكتاب من عند الله[/FONT]
[FONT="]2 – لكن الآية تفيد بأن هؤلاء ينكرون وحى الله تعالى إلى الأنبياء من البشر ، بينما اليهود لا ينكرون ذلك ، بل إن توراتهم تحفل بالكثير من أسفار الأنبياء[/FONT]
[FONT="]فكيف نوفق بين هذين الأمرين ؟!![/FONT]
[FONT="]الحـــل[/FONT][FONT="] :
[/FONT]
[FONT="]الذين تعنيهم الآية هم فرقة خاصة من اليهود أنكرت وحى الله إلى الأنبياء من بعد موسى عليه السلام ، كما أنكرت أسفارهم ولم تعترف بها كوحى إلهى ، وموسى عندهم أسمى من البشر العاديين ، وربما لهذا قالوا : " ما أنزل الله على بشر من شىء " فى تلميح منهم إلى أن موسى عليه السلام لا يُقَارن ببقية البشر ، وسوف نُلقى مزيداً من الضوء على هذا الأمر فى البند ( ثانياً ) مما سيلى ذكره بعد قليل [/FONT]
[FONT="]والسؤال الآن : مَن تكون هذه الفرقة ؟![/FONT]
[FONT="]والجواب فيما ترجح عندى والله أعلم : هى فرقة السامريين ، أو يهود السامرة ، الذين يعتبرون من أقدم الفرق اليهودية المعروفة فى التاريخ اليهودى[/FONT]
[FONT="]فما هى عقيدة السامريين ؟ ، وبماذا يفترقون عن عامة اليهود ؟
[/FONT]
[FONT="]أولا : عقيدة السامريين[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]قال [/FONT][FONT="]ابن حزم [/FONT][FONT="]في كتابه[/FONT][FONT="]" الملل والأهواء والنح[/FONT][FONT="]ل " [/FONT][FONT="]:[/FONT]
[FONT="]" [/FONT][FONT="]فأم[/FONT][FONT="]ا [/FONT][FONT="]اليهود فإنهم قد افترقوا على خمس فرق وهي : 1 - السامرية . . . و[/FONT][FONT="]هم[/FONT][FONT="] يبطلون كل نبوة كانت في بني إسرائيل بعد موسى[/FONT][FONT="] ويوشع فيكذبون بنبوة[/FONT][FONT="] شمعون وداوود وسليمان وأشعيا وأليسع والياس وعاموص وحبقوق وزكريا وأرميا وغيرهم،[/FONT][FONT="] ولا يقرون بالبعث البتة "[/FONT]
[FONT="]وقال الشهرستاني فى كتابه الملل والنحل[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]" [/FONT][FONT="]إن السامريين قد اثبتوا نبوة موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام ،[/FONT][FONT="] وأنكروا نبوة من[/FONT][FONT="] بعدهم[/FONT][FONT="] إلا نبيا واحدا ، وقالوا : إن التوراة ما بشرت إلا بنبي واحد بعد [/FONT][FONT="]موسى يصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم بحكمها ولا يخالفها البتة "[/FONT]
[FONT="]أما الأستاذ الدكتور حسن ظاظا ، وهو أستاذ أكاديمى من كبار المتخصصين فى اللغة العبرية والتراث الدينى اليهودى ، ففى الفصل السادس من كتابه " الفكر الدينى اليهودى " ، والمعنون بـ " المذاهب والفرق اليهودية " قال ما يلى :[/FONT]
[FONT="]1 – السامريون[/FONT][FONT="] : [/FONT][FONT="]هذه الفرقة الصغيرة الفقيرة التى لا يزيد أبناؤها ( حالياً ) على وجه هذه الأرض عن بضع مئات من الأنفس ، تعيش بجوار مدينة نابلس العربية بفلسطين . . . وهم ينتسبون إلى مدينة السامرة القديمة والتى كانت عاصمة مملكة إسرائيل المنشقة على عرش سليمان عليه السلام بعد وفاته . . . وعقيدة السامريين تتلخص فى النقاط الآتية :[/FONT]
[FONT="]( أ ) الإيمان بإله واحد ، وأن هذا الإله روحانى بحت[/FONT]
[FONT="]( ب ) الإيمان بأن موسى رسول الله ، وأنه خاتم رسله ، [/FONT][FONT="]ولا إيمان بغيره من الأنبياء[/FONT]
[FONT="]( ج ) الإيمان بتوراة موسى وتقديسها ، [/FONT][FONT="]وعدم قبول كتب العهد القديم الأخرى [/FONT]
[FONT="]( د ) الإيمان بأن جبل " جرزيم " المجاور لـ " نابلس " هو المكان المقدس الحقيقى والقبلة الحقيقية الوحيدة لبنى اسرائيل[/FONT]
[FONT="]ثم يقول : " [/FONT][FONT="]وقد ترتب على أركان الإيمان هذه أنهم [/FONT][FONT="]لا يؤمنون[/FONT][FONT="] بنبوة الأنبياء الذين جاءت أسفارهم بعد توراة موسى فى العهد القديم. ويعتبرون كل هذه النصوص من صنع البشر ، وأنها من عمل قوم ضالين مضللين ، ولا يستثنون من ذلك إلا يوشع بن نون الذى يأتى سفره بعد توراة موسى مباشرة ، لأن التوراة نفسها تشير إلى أن يوشع كان صاحب موسى وخادمه ( وهو فى القرآن : فتاه ) وأن موسى عهد إليه بالخلافة من بعده ، وأنه هو الذى عبر الأردن بأول موجة من بنى إسرائيل تدخل فلسطين ، وبطبيعة الحال هم يرفضون بقية النصوص المقدسة اليهودية كـ المشنا والتلمود والمدراش ونحوها ، ويعتبرونها من الأعماق البعيدة فى الكفر ، والنص المقدس الذى يتعبدون به هو توراة موسى ، ويضاف إليها أحيانا سفر يوشع بن نون ، وبذلك يتآلف كتابهم المقدس من ستة أسفار فقط " . ( أنظر : د. حسن ظاظا : الفكر الدينى اليهودى – أطواره ومذاهبه ، ص : 205 – 209 )[/FONT]
[FONT="]وعلى ضوء ما سبق ذكره ( من أن السامريين ينكرون نبوة الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى كما ينكرون أسفارهم ) نستطيع أن نفهم ما يرمى إليه قوله تعالى بعد ذكره للعديد من الأنبياء فى الآيات السابقة على الآية 91 :[/FONT]
[FONT="] " أُولَئِكَ الذينَ ءاتَيناهُمُ الكِتابَ والحُكمَ والنُبُوَةَ ، فإن يَكفُر بِهَا هَؤُلآءِ فَقَد وَكَّلنا بها قَوماً ليسوا بِهَا بِكافرِينَ "[/FONT]
[FONT="]إذ أن من بين الثمانية عشر نبيا ورسولا الذين ذكرتهم الآيات نجد حوالى نصفهم لا يعترف السامريون بنبوتهم ولا بكتبهم ، وهم بحسب ترتيب ذكرهم فى الآيات :[/FONT]
[FONT="]داود ، سليمان ، أيوب ، زكريا ، يحيى ، عيسى ، إلياس ، اليسع ، يونس ، عليهم جميعا الصلاة والسلام
[/FONT]
[FONT="]ثانياً : غلوهم فى موسى عليه السلام[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]كان السامريون يؤمنون بأن[/FONT][FONT="] موسى نبي الله الأوحد وخاتم رسله[/FONT][FONT="] وبأنه تجسيد للنور الإلهي والصورة الإلهية[/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وهم لا يعترفون بداود أو سليمان عليهما السلام[/FONT]
[FONT="]والدكتور سيد فرج راشد[/FONT][FONT="] أستاذ اللغات السامية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود يقول فى كتابه المتخصص " السامريون واليهود " :[/FONT]
[FONT="]" يؤمن السامريون بموسى عليه السلام كنبى للرب ، [/FONT][FONT="]ويعتبرونه آخر الأنبياء ، وبالتالى فهم لا يؤمنون بالأنبياء الذين جاءوا من بعده، وقد ترتب على ذلك عدم إيمانهم بأسفار هؤلاء الأنبياء[/FONT][FONT="] ، ولا يستثنون من ذلك إلا يوشع بن نون "[/FONT]
[FONT="]ثم يقول : ولا نكاد نجد فى الأدب السامرى مثيلا لوصف الكاتب السامرى " مرقاح " للدور الفريد الذى قام به موسى عليه السلام ، حيث جاء فى الفصل التاسع من كتاب مرقاح السادس ما نصه :[/FONT]
[FONT="]" أن موسى هو النبى الذى كانت نبوته كنزا سيبقى ما بقى العالم ، هو أبو الأعاجيب وصانع المعجزات وسيد المواثيق ، [/FONT][FONT="]ونور العالمين وشمس النبوة[/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ومثله لا يوجد نبى من الجنس البشرى كله[/FONT][FONT="] ، [/FONT][FONT="]إستمع إليه الأحياء وخافه الموتى وأطاعته السموات والأرض [/FONT][FONT="]"[/FONT]
[FONT="]ونلاحظ فى هذا المجال [/FONT][FONT="]( والكلام للدكتور سيد ) أن فقرة " ومثله لا يوجد نبى من الجنس البشرى كله " التى أوردها مرقاح ربما إشتقها من فقرة سفر التثنية 34 : 10 القائلة : " ولم يقم بعد نبى فى اسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " . أما بالنسبة لفقرة مرقاح " وأطاعته السموات والآرض " فإن هذا المفهوم ربما اشتقه من فقرة سفر التثنية 32 :1 القائلة : " انصتى أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمى "[/FONT]
[FONT="]
ثالثاً : اهتمامهم بعلوم الفلك ونبوغهم فيها[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]من المعلوم عن السامريين منذ القِدم وحتى اليوم اشتهارهم بعلوم الفلك وإستخدامها فى السحر والتنجيم ، ويعلم ذلك جيداً سكان فلسطين من مدينة نابلس والمجاورين لها[/FONT]
[FONT="]و[/FONT][FONT="]فى حديث أدلى به[/FONT][FONT="] الكاهن حسني السامري ( 67 عاما ) لوكالة فرانس برس يقول :[/FONT]
[FONT="]" توارثنا كتب الفلك [/FONT][FONT="]والتنجيم [/FONT][FONT="]منذ الاف السنين[/FONT][FONT="] ، وآخر كتاب عندنا نستخدمه عمره نحو 450 عاما "[/FONT]
[FONT="]ويضيف قائلاً : " [/FONT][FONT="]نحن [/FONT][FONT="]نقوم بالفتاحة ( أى فتح المندل ، وهى من طرق العرافة والتنجيم ) [/FONT][FONT="]عن طريق الفلك[/FONT][FONT="] والسؤال عن الاسم[/FONT][FONT="] واسم الام ، او اسم الزوج[/FONT][FONT="] او الزوجة، ونحن نفتح للمرض وفشل الزواج او الخسارة[/FONT][FONT="] في العمل "[/FONT]
[FONT="]ويتابع قائلا « لقد تعلمت الفلك والفتاحة وعمري 12 عاما اي منذ 45 عاما "[/FONT][FONT="]
[/FONT][FONT="]ويؤكد الكاهن ان [/FONT][FONT="]السامريين يمتلكون كتبا فلكية غير موجودة في العالم[/FONT][FONT="] ويستطيعون معرفة مطلع كل رأس شهر قمري وتواريخ الكسوف والخسوف مسبقا[/FONT][FONT="]
[/FONT][FONT="]ويربط الكاهن حسني السامري معرفتهم بالفتاحة والفلك [/FONT][FONT="]بأنهم يعتبرون انفسهم [/FONT][FONT="]من سلالة سبط لاوي وسبط النبي يوسف[/FONT][FONT="] الذي كان يفسر الاحلام وقال :[/FONT]
[FONT="]« لم يكن علم [/FONT][FONT="]النبي يوسف بتفسير الاحلام الا بعد ان تعلم من كتاب تارفيم وهو كتاب جده[/FONT][FONT="] لأمه اعطته اياه والدته "[/FONT]
[FONT="]ويؤكد ان معظم كتب الفلك القديمة التى كانت لديهم بيعت بسبب الفقر ، وهي موجودة الآن في مكتبات موسكو وليننغراد والولايات المتحدة[/FONT][FONT="]
[/FONT][FONT="]ونأى الكاهن حسني بطائفة السامريين عن الساحر السامري الذي ذكر اسمه في[/FONT][FONT="] القرآن وأضل بني اسرائيل في سيناء وجعلهم يعبدون العجل. وقال : " كان اسمه[/FONT][FONT="] قارون السامري، ولم يكن في ذلك الوقت سامريين ويهودا، كانوا بني اسرائيل "[/FONT]
[FONT="]واللافت[/FONT][FONT="] أن السامريين الحاليين [/FONT][FONT="]توارثوا عن أسلافهم خبرة علم الفلك[/FONT][FONT="]، حيث يستطيعون [/FONT][FONT="]تحديد مواعيد أعيادهم لمدة مائة سنة مقبلة، نظرا لتمكنهم من تحديد الشهورالقمرية، ما يجعل بعض مسلمي مدينة نابلس يلجئون إليهم لمعرفة بداية شهر رمضان[/FONT][FONT="] وعيد الفطر. [/FONT][FONT="]لكن هذه العلوم تبقى سرية[/FONT][FONT="] وتورث فقط للكهنة الذين يقسمون دائما[/FONT][FONT="] على عدم إفشاء هذا السر للعامة[/FONT][FONT="] ))[/FONT]
[FONT="]وعلى ضوء ما سبق نستطيع أن نفهم لماذا وردت قصة إبراهيم عليه السلام وتأملاته فى ملكوت السموات فى سياق الحديث عن طائفة السامريين ، وقد تحدثتُ عن هذا الأمر فى المشاركة السابقة ، فالمرجو مراجعتها[/FONT]
[FONT="]رابعاً : هجرة بعضهم إلى الجزيرة العربية[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]يقول الدكتور سيد فرج فى كتابه " السامريون واليهود " :[/FONT]
[FONT="]" من الجلى أن الطائفة السامرية قد تعرضت لأذى شديد فى عهد الإمبراطور الرومانى هادريان فى القرن الثانى الميلادى ، مثلهم فى ذلك مثل اليهود فى أنحاء الأراضى اليهودية ، حيث أمر الإمبراطور بإحراق معظم كتب التراث السامرى ، كما يبدو أنهم خرجوا من بلادهم وانتشروا فى المناطق التى سبق لليهود أن انتشروا فيها "[/FONT]
[FONT="]ومن الثابت تاريخيا أن كثيرا من اليهود قد هاجروا على أثر هذا الإضطهاد إلى الجزيرة العربية ( أنظر إسرائيل ولفنسون : تاريخ اليهود فى بلاد العرب فى الجاهلية وصدر الإسلام – الباب الأول )[/FONT]
[FONT="]من هاتين المقدمتين ينتج بالضرورة أن بعض السامريين قد هاجروا مثل عامة اليهود إلى جزيرة العرب[/FONT]
[FONT="]ولكن أين استوطنوا فيها ؟[/FONT]
[FONT="]إذا كان اليهود قد استوطنوا يثرب وما حولها ، فإن هذا يلزم عنه أن السامريين قد خالفوهم وأختاروا مناطق نائية عن يثرب ، والسبب فى ذلك أن اليهود والسامريين من الصعب جدا أن يتعايشوا معا فى مكان واحد ، نظرا للعداء المستحكم فيما بينهما ، والذى يرجع إلى الإختلافات العقائدية الحادة فيما بينهما ، وهذا هو ما جعل السامريين طوال تاريخهم القديم يعيشون بعيدا عن اليهود ، فأستوطنوا مدينة شكيم ( نابلس ) فى مملكة اسرائيل الشمالية ، بينما عاش اليهود فى مملكة يهوذا الجنوبية[/FONT]
[FONT="]وعلى ضوء ما سبق يمكن القول أن توجه اليهود نحو يثرب وما حولها يعنى أن السامريين قد خالفوهم فتوجهوا نحو مكة وما حولها من القرى ، ولعل هذا هو ما تشير إليه الآية 92 من سورة الأنعام التالية للآية محل بحثنا ، وذلك بقولها : (( وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَن حَولَهَا ))[/FONT]
[FONT="]كما يمكن أن نجد فى هذه الآية تعريضاً بالسامريين الذين أنكروا كتب الأنبياء من بعد موسى ، وذلك بقولها عن القرآن :[/FONT][FONT="]{[/FONT][FONT="] مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [/FONT][FONT="]} أى من [/FONT][FONT="]الكتب التى أنزلها الله عز وجل على الأنبياء
[/FONT]
[FONT="]أرجو أن يكون فى هذا العرض البيان الكافى ، والله ولى التوفيق[/FONT]