أسرار الترادف فی كتاب الله

51:يستجيب ويجيب

{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قال الرازى فى تفسيره:

قال علي بن عيسى: الفرق بين يستجيب ويجيب، أن يستجيب في قبوله لما دعيَ إليه، وليس كذلك يجيب لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل: أتوافق في هذا المذهب أم تخالف؟ فيقول المجيب: أخالف

ملحوظة

بعد ان تتأمل ماذكره الرازى تفكر فى هذه الاية

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

قال الرازى رحمه الله فى تفسيره:

المسألة الثالثة: في الآية سؤال مشكل مشهور، وهو أنه تعالى قال:
{ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[غافر: 60] وقال في هذه الآية: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } وكذلك
{ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }
[النمل: 62] ثم إنا نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب.

والجواب: أن هذه الآية وإن كانت مطلقة إلا أنه قد وردت آية أخرى مقيدة، وهو قوله تعالى:
{ بَلْ إِيَّـاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء }
[الأنعام: 41] ولا شك أن المطلق محمول على المقيد، ثم تقرير المعنى فيه وجوه أحدها: أن الداعي لا بد وأن يجد من دعائه عوضاً، إما إسعافاً بطلبته التي لأجلها دعا وذلك إذا وافق القضاء، فإذا لم يساعده القضاء فإنه يعطي سكينة في نفسه، وإنشراحاً في صدره، وصبراً يسهل معه احتمال البلاء الحاضر، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة، وهو نوع من الاستجابة وثانيها: ما روى القفال في تفسيره عن أبـي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" دعوة المسلم لا ترد إلا لإحدى ثلاثة: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا ".

وهذا الخبر تمام البيان في الكشف عن هذا السؤال، لأنه تعالى قال: { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولم يقل: أستجب لكم في الحال فإذا استجاب له ولو في الآخرة كان الوعد صدقاً وثالثها: أن قوله: { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يقتضي أن يكون الداعي عارفاً بربه وإلا لم يكن داعياً له، بل لشيء متخيل لا وجود له ألبتة، فثبت أن الشرط الداعي أن يكون عارفاً بربه ومن صفات الرب سبحانه أن لا يفعل إلا ما وافق قضاءه وقدره وعلمه وحكمته فإذا علم أن صفة الرب هكذا استحال منه أن يقول بقلبه وبعقله: يا رب افعل الفعل الفلاني لا محالة، بل لا بد وأن يقول: افعل هذا الفعل إن كان موافقاً لقضائك وقدرك وحكمتك، وعند هذا يصير الدعاء الذي دلت الآية على ترتيب الإجابة عليه مشروطاً بهذه الشرائط وعلى هذا التقدير زال السؤال الرابع أن لفظ الدعاء والإجابة يحتمل وجوهاً كثيرة أحدها: أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله كقول العبد: يا ألله الذي لا إله إلا أنت، وهذا إنما سمي دعاء لإنك عرفت الله تعالى ثم وحدته وأثنيت عليه، فهذا يسمى دعاء بهذا التأويل ولما سمي هذا المعنى دعاء سمي قبوله إجابة لتجانس اللفظ ومثله كثير وقال ابن الأنباري: { أُجِيبُ } ههنا بمعنى أسمع لأن بين السماع وبين الإجابة نوع ملازمة، فلهذا السبب يقام كل واحد منهما مقام الآخر، فقولنا سمع الله لمن حمده أي أجاب الله فكذا ههنا قوله: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ } أي أسمع تلك الدعوة، فإذا حملنا قوله تعالى: { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } على هذا الوجه زال الإشكال وثانيها: أن يكون المراد من الدعاء التوبة عن الذنوب، وذلك لأن التائب يدعو الله تعالى عند التوبة، وإجابة الدعاء بهذا التفسير عبارة عن قبول التوبة،وعلى هذا الوجه أيضاً لا إشكال، وثالثها: أن يكون المراد من الدعاء العبادة، قال عليه الصلاة والسلام: " الدعاء هو العبادة " ومما يدل عليه قوله تعالى:
{ وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ }
[غافر: 60] فظهر أن الدعاء ههنا هو العبادة، وإذا ثبت هذا فإجابة الله تعالى للدعاء بهذا التفسير عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب كما قال:
{ وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ }
[الشورى: 26] وعلى هذا الوجه الإشكال زائل ورابعها: أن يفسر الدعاء بطلب العبد من ربه حوائجه فالسؤال المذكور إن كان متوجهاً على هذا التفسير لم يكن متوجهاً على التفسيرات الثلاثة المتقدمة، فثبت أن الإشكال زائل.
 
52:النفش والرعى

{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }

قال القرطبي فى تفسيره:

قوله تعالى: { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعت فيه ليلاً؛ والنفش الرعي بالليل. يقال: نفشت بالليل، وهَمَلت بالنهار، إذا رعت بلا راعٍ. وأنفشها صاحبها. وإبلٌ نُفَّاش. وفي حديث عبد الله بن عمرو: الحبة في الجنة مثل كرِش البعير يبيت نافِشاً؛ أي راعياً؛ حكاه الهروي. وقال ابن سيده: لا يقال الهَمَل في الغنم، وإنما هو في الإبل...

الثالثة عشرة: قد تقدّم القول في الحرث والحكم في هذه الواقعة في شرعنا: أن على أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار، ثم الضمان في المثل بالمثليات، وبالقيمة في ذوات القيم. والأصل في هذه المسألة في شرعنا ما حكم به محمد صلى الله عليه وسلم في ناقة البراء بن عازب...

الخامسة عشرة: إن قيل: ما الحكمة في تفريق الشارع بين الليل والنهار، وقد قال الليث بن سعد: يضمن أرباب المواشي بالليل والنهار كل ما أفسدت، ولا يضمن أكثر من قيمة الماشية؟ قلنا: الفرق بينهما واضح، وذلك أن أهل المواشي لهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم ترعى بالنهار، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزروع؛ لأنه وقت التصرف في المعاش، كما قال الله سبحانه وتعالى:
{ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً }
[النبأ: 11] فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه وسكنه؛ كما قال الله تعالى:
{ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ }
[القصص: 72] وقال:
{ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً }
[الأنعام: 96] ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم ليحفظوها، فإذا فرّط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئاً فعليه ضمان ذلك، فجرى الحكم على الأوفق الأسمح، وكان ذلك أرفق بالفريقين، وأسهل على الطائفتين، وأحفظ للمالين، وقد وضح الصبح لذي عينين، ولكن لسليم الحاستين؛
 
53:النفس والروح

{ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ }
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

قال الشيخ الالوسي فى تفسير الاية الثانية:

البحث الثالث: اختلف الناس في الروح والنفس هل هما شيء واحد أم شيئان؟ فحكى ابن زيد عن أكثر العلماء أنهما شيء واحد فقد صح في الأخبار إطلاق كل منهما على الآخر وما أخرجه البزار بسند صحيح عن أبـي هريرة رفعه " إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله تعالى يحب لقاءه وأن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا " الحديث ظاهر في ذلك. وقال ابن حبيب: هما شيئان فالروح هو النفس المتردد في الإنسان والنفس أمر غير ذلك لها يدان ورجلان ورأس وعينان وهي التي تلتذ وتتألم وتفرح وتحزن وإنها هي التي تتوفى في المنام وتخرج وتسرح وترى الرؤيا ويبقى الجسد دونها بالروح فقط لا يلتذ ولا يفرح حتى تعود، واحتج بقوله تعالى:
{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ }
[الزمر: 42] الآية. وحكى ابن منده عن بعضهم أن النفس طينية نارية والروح نورية روحانية، وعن آخر أن / النفس ناسوتية والروح لاهوتية، وذكر أن أهل الأثر على المغايرة وأن قوام النفس بالروح والنفس صورة العبد والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها، والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها. وظاهر كلام بعض محققي الصوفية القول بالمغايرة ففي «منتهى المدارك» للمحقق الفرغاني أن النفس المضافة إلى الإنسان عبارة عن بخار ضبابـي منبعث من باطن القلب الصنوبري حامل لقوة الحياة متجنس بأثر الروح الروحانية المرادة بقوله تعالى:
{ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى }
[الحجر: 29] الثابت تعينها في عالم الأرواح وأثرها واصل إلى هذا البخار الحامل للحياة فالنفس إذن أمر مجتمع من البخار ووصف الحياة وأثر الروح الروحانية وهذه النفس بحكم تجنسها بأثر الروح الروحانية متعينة لتدبير البدن الإنساني قابلة لمعالي الأمور وسفاسفها كما قال سبحانه وتعالى:
{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }
[الشمس: 8] والروح الروحانية أمر لا يكتنه والحق أنهما قد يتحدان إطلاقاً وقد يتغايران، وابن القيم اعتمد ما عليه الأكثرون من الاتحاد ذاتاً، وذكر غير واحد أنه هو الذي عليه الصوفية بيد أنهم قالوا: إن النفس هي الأصل في الإنسان فإذا صقلت بالرياضة وأنواع الذكر والفكر صارت روحاً ثم قد تترقى إلى أن تصير سراً من أسرار الله تعالى.
 
54:الركز والصوت

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

قال الالوسي فى تفسيره:

{ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } أي صوتاً خفياً وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز للمال المدفون، وخص بعضهم الركز بالصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، والأكثرون على الأول
 
55:القد والقط

{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ

قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال الالوسي فى تفسيره:

. والقدّ القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولاً وهو / المراد هنا بناءً على ما قيل: إنها جذبته من وراء فانخرق القميص إلى أسفله، ويستعمل القط فيما كان عرضاً، وعلى هذا جاء ما قيل في وصف علي كرم الله تعالى وجهه: إنه كان إذا اعتلى قدّ وإذا اعترض قط، وقيل، القدّ هنا مطلق الشق، ويؤيده ما نقل عن ابن عطية أنه قرأت فرقة ـ وقط ـ وقد وجد ذلك في مصحف المفضل بن حرب. وعن يعقوب تخصيص القدّ بما كان في الجلد والثوب الصحيحين
 
56:وَجَدْنَا وأَلْفَيْنَا

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ

قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال ابن عاشور فى تفسير الاية الاخيرة:

والإلفاء: وجدان شيء على حالة خاصة من غير سعي لوجدانه، فالأكثر أن يكون مفاجئاً، أو حاصلاً عن جهل بأول حصول، كقوله تعالى:
{ قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا }
[سورة البقرة: 170].
 
57:زوجه وامرأته

{ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ }

{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

{ وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ }

ماالفرق بينهما؟
 
58:يهجعون وينامون

{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }

قال الالوسي فى تفسيره:

و ـ الهجوع ـ النوم، وقيده الراغب بقوله: ليلاً، وغيره بالقليل

وقال القرطبي فى تفسيره:

معنى «يَهْجَعُونَ» ينامون؛ والهجوع النوم ليلاً، والتَّهْجاع النومة الخفيفة؛ قال أبو قيس بن الأَسْلَت:
قد حصَّتِ البيضةُ رأسي فَمَا أَطْعَمُ نَوْماً غيرَ تَهْجاعِ
وقال عمرو بن مَعْدي كرِب يتشوّق أخته وكان أسرها الصِّمَّة أبو دُرَيد بن الصِّمَّة:
أَمِنْ رَيْحَانة الدَّاعِي السَّميعُ يُؤَرِّقُنِي وأَصحابي هُجوعُ
يقال: هَجَعَ يَهْجَع هُجوعاً، وهَبَغَ يَهْبَغُ هُبوغاً بالغين المعجمة إذا نام؛ قاله الجوهري
 
59:الخَلْف والخَلَف بفتح اللام وإسكانها

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون

". والخَلْف والخَلَف ـ بفتح اللام وإسكانها ـ هل هما بمعنىً واحد، أي: يُطلق كل منهما على القَرْن الذي يَخْلُف غيره صالحاً كان أو طالحاً، أو أن الساكن اللام في الطالح والمفتوحها في الصالح؟ خلافٌ مشهور بين اللغويين. قال الفراء: " يُقال للقَرْن: خَلْف ـ يعني ساكناً ـ ولمن استخلفته: خلَفاً ـ يعني متحرك اللام ـ ". وقال الزجاج: يُقال للقَرْن يجيء بعد القرن خَلْف ". وقال ثعلب: " الناس كلهم يقولون: " خَلَف صدق " للصالح و " خَلْف سوء " للطالح، وأنشد:
2324ـ ذهب الذين يُعاشُ في أكنافِهم وبَقِيتُ في خَلْف كجِلْدِ الأجرب
وقالوا في المثل: " سكت أَلْفاً ونطق خَلْفاً " ، ويُعزى هذا أيضاً إلى الفراء وأنشدوا:
2325ـ خَلَّفْتَ خَلْفاً ولم تَدَعْ خَلفَا ليت بهم كان لا بك التَّلَفَا
وقال بعضهم: " قد يجيء في الرديء خَلَف بالفتح، وفي الجيد خَلْف بالسكون، فمِنْ مجيء الأول قوله:
2326ـ...................... إلى ذلك الخَلَفِ الأعور
ومِنْ مجيء الثاني قول حسان:
2327ـ لنا القَدَمُ الأُوْلى عليهم وخَلْفُنا لأولِنا في طاعة الله تابعُ
وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
2328ـ إنَّا وَجَدْنا خَلْفَنا بِئْسَ الخَلَفْ عبداً إذا ما ناء بالحِمْل وَقَفْ
فاستعمل الساكنَ والمتحركَ في الرديء، ولهذا قال النضر: " يجوز التحريكُ والسكونُ في الرديء، فأمَّا الجيدُ فبالتحريك فقط " ، ووافقه جماعةُ أهل اللغة إلا الفراءَ وأبا عبيد فإنهما أجازا السكون في الخلف المراد به الصالح.
 
60النصب واللغوب

{ ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}

قال الشيخ الالوسي فى تفسيره:


{ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أي تعب { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } كلال وفتور وهو نتيجة النصب، وضمه إليه وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما كذا قال جمع من الأجلة، وقال بعضهم: النصب التعب الجسماني واللغوب التعب النفساني. وأخرج ابن جرير عن قتادة أنه فسر النصب بالوجع ....

وقال الرازى فى تفسيره:

وقوله تعالى: { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } اللغوب الإعياء والنصب هو السبب للإعياء فإن قال قائل إذا بين أنه لايمسهم فيها نصب علم أنه لا يمسهم فيها لغوب ولا ينفي المتكلم الحكيم السبب، ثم ينفي مسببه بحرف العطف فلا يقول القائل لا أكلت ولا شبعت أو لا قمت ولا مشيت والعكس كثير فإنه يقال لا شبعت ولا أكلت لما أن نفي الشبع لا يلزمه إنتفاء الأكل وسياق ما تقرر أن يقال لا يمسنا فيها إعياء ولا مشقة، فنقول ما قاله الله في غاية الجلالة وكلام الله أجل وبيانه أجمل، ووجهه هو أنه تعالى بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن الدنيا أماكنها على قسمين:

أحدهما: موضع نمس فيه المشاق والمتاعب كالبراري والصحاري والطرقات والأراضي

والآخر: موضع يظهر فيه الإعياء كالبيوت والمنازل التي في الأسفار من الخانات فإن من يكون في مباشرة شغل لا يظهر عليه الإعياء إلا بعدما يستريح

فقال تعالى: { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أي ليست الجنة كالمواضع التي في الدنيا مظان المتاعب بل هي أفضل من المواضع التي هي مواضع مرجع العي، فقال: { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي، لا نخرج منها إلى مواضع نتعب ونرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء

وقرىء { لُغُوبٌ } بفتح اللام والترتيب على هذه القراءة ظاهر كأنه قال لا نتعب ولا يمسنا ما يصلح لذلك، وهذا لأن القوي السوي إذا قال ما تعبت اليوم لا يفهم من كلامه أنه ما عمل شيئاً لجواز أنه عمل عملاً لم يكن بالنسبة إليه متعباً لوقته، فإذا قال ما مسني ما يصلح أن يكون متعباً يفهم أنه لم يعمل شيئاً لأن نفس العمل قد يصلح أن يكون متعباً لضعيف أو متعباً بسبب كثرته، واللغوب هو ما يغلب منه وقيل النصب التعب الممرض، وعلى هذا فحسن الترتيب ظاهر كأنه قال لا يمسنا مرض ولا دون ذلك وهو الذي يعيا منه مباشرة
 
61:يهرعون ويسرعون

{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }

قال القرطبي فى تفسيره
قوله تعالى: { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } في موضع الحال. «يَهْرَعُونَ» أي يسرعون.

قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة: لا يكون الإهراع إلا إسراعاً مع رِعدة؛ يقال: أُهْرِع الرجل إهراعاً أي أسرع في رِعدة من بَرْد أو غضب أو حُمَّى، وهو مُهرَع؛ قال مُهلهِل:
فجاؤوا يُهرَعون وهُمْ أسارَى نَقودُهُمُ على رَغْمِ الأُنوفِ
وقال آخر:
بمعجَـلاتٍ نحوه مهَـارِعِ
وهذا مثل: أُولِع فلان بالأمر، وأرعِد زيد، وزُهِي فلان. وتجيء ولا تستعمل إلا على هذا الوجه. وقيل: أهرِع أي أهرعه حِرصُه؛ وعلى هذا «يُهْرَعُونَ» أي يُستحثّون عليه. ومن قال بالأول قال: لم يسمع إلا أُهْرِع الرجلُ أي أسرع؛ على لفظ ما لم يسمّ فاعله. قال ابن القوطيّة: هُرِع الإنسان هَرَعا، وأُهرِع: سِيق واستعجِل. وقال الهروي: يقال: هُرِع الرجلُ وأُهْرِع أي ٱستُحِثّ. قال ابن عباس وقتادة والسّديّ: «يُهرعون» يهرولون. الضحاك: يَسعون. ابن عُيينة: كأنهم يدفعون.
وقال الالوسي فى تفسيره
{ يهرعون } بفتح الياء مبنياً للفاعل من هرع، وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان كأن بعضه يدفع بعضاً، وجاء أهرع القوم إذا أسرعوا، وفسر بعضهم الإهراع بالمشي بين الهرولة والجمز، وعن ابن عباس أنه سئل عما في الآية، فقال: المعنى يقبلون إليه بالغضب، ثم أنشد قول مهلهل:
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وفي رواية أخرى عنه أنه فسر ذلك بيسرعون وهو بيان للمراد ويستقيم على القرائتين، وجملة { يُهْرَعُونَ } في موضع الحال من (قومه) أي جاؤوا مهرعين إليه.
وقال الرازى فى تفسيره
ولأهل اللغة في { يُهْرَعُونَ } قولان:

القول الأول: أن هذا من باب ما جاءت صيغة الفاعل فيه على لفظ المفعول ولا يعرف له فاعل نحو: أولع فلان في الأمر، وأرعد زيد، وزهى عمرو من الزهو.

والقول الثاني: أنه لا يجوز ورود الفاعل على لفظ المفعول، وهذه الأفعال حذف فاعلوها فتأويل أولع زيد أنه أولعه طبعه وأرعد الرجل أرعده غضبه وزهى عمرو معناه جعله ماله زاهياً وأهرع معناه أهرعه خوفه أو حرصه، واختلفوا أيضاً فقال بعضهم: الإهراع هو الإسراع مع الرعدة. وقال آخرون: هو العدو الشديد
 
62: حِمْلُ وحَمْل

{ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

قال البقاعى فى تفسير الاية الاولي

{ حمل بعير } وهو بالكسر: قدر من المتاع مهيأ لأن يحمل على الظهر، وأما الحمل في البطن فبالفتح
 
63: ٱلْحُزْنِ بضم الحاء وفتح الحاء

{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }
قال الشيخ الرازى فى تفسيره

أما قوله تعالى: { مِنَ ٱلْحُزْنِ } فاعلم أنه قرىء { مِنَ ٱلْحُزْنِ } بضم الحاء وسكون الزاي، وقرأ الحسن بفتح الحاء والزاي. قال الواحدي: واختلفوا في الحزن والحزن فقال قوم: الحزن البكاء والحزن ضد الفرح، وقال قوم: هما لغتان يقال أصابه حزن شديد، وحزن شديد، وهو مذهب أكثر أهل اللغة، وروى يونس عن أبي عمرو قال: إذا كان في موضع النصب فتحوا الحاء والزاي كقوله:
{ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً }
[التوبة: 92] وإذا كان في موضع الخفض أو الرفع ضموا الحاء كقوله: { مِنَ ٱلْحُزْنِ } وقوله: { أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ } قال هو في موضع رفع الابتداء.
 
64:سُكرت بتشديد الكاف وبتخفيفها

{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير

قوله تعالى: { لقالوا إِنما سُكرت أبصارنا } قرأ الأكثرون بتشديد الكاف. وقرأ ابن كثير، وعبد الوارث بتخفيفها. قال الفراء: ومعنى القراءتين متقارب، والمعنى: حُبستْ، من قولهم: سَكَرَت الريح، إِذا سكنت وركدت. وقال أبو عمرو بن العلاء: معنى «سُكِرَتْ» بالتخفيف، مأخوذ من سُكْر الشراب، يعني: أن الأبصار حارت، ووقع بها من فساد النظر مثل مايقع بالرجل السكران من تغيُّر العقل. قال ابن الأنباري: إِذا كان هذا كان معنى التخفيف، فسُكِّرت، بالتشديد، يراد به وقوع هذا الأمر مرة بعد مرة. وقال أبو عبيد: «سُكِّرت» بالتشديد، من السُّكور التي تمنع الماءَ الجِرْيَةَ، فكأن هذه الأبصار مُنعت من النظر كما يمنع السِّكرُ الماءَ من الجري. وقال الزجاج: «سُكِّرت» بالتشديد، فسروها: أُغشيت، «وسُكِرَتْ» بالتخفيف: تحيَّرتْ وسكنتْ عن أن تنظر، والعرب تقول: سَكِرَتِ الريحُ تَسْكَرُ: إِذا سكنت. وروى العوفي عن ابن عباس: «إِنما سُكرت أبصارنا» قال: أُخذ بأبصارنا وشبِّه علينا، وإِنما سُحِرْنا. وقال مجاهد: «سُكِّرت» سُدَّت بالسِّحر، فيتماثل لأبصارنا غيرُ ما ترى
 
65: الأمدُ والأَبَدُ
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون فى تفسير الاية الثانية

والأَمَدُ: غايةُ الشيء ومنتهاه وجمعه آماد نحو: جَبَل وأَجْبال فَأُبْدِلَتْ الهمزة ألفاً لوقوعِها ساكنةً بعد همزة " أَفْعال ". وقال الراغب: " الأمدُ والأَبَدُ يتقاربان، لكنَّ الأَبَدَ عبارةٌ عن مدة الزمان التي ليس لها حَدٌّ محدودٌ، ولا يتقيَّد فلا يقال: أبدَ كذا، والأمدُ مدةٌ لها حَدٌّ مجهولٌ إذا أُطْلِقَ، وينحصِرُ إذا قيل: أمدَ كذا، كما يقال: زمانَ كذا، والفرق بين الأمد والزمان: أنَّ الأمدَ يُقال باعتبارِ الغاية، والزمانُ عام في المبدأ والغاية، ولذلك قال بعضُهم: المَدَى والأمد يتقاربان
 
66:إخوة وإخوان

{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والإِخْوان: جمع أَخٍ، وإخوة اسمُ جمعٍ عند سيبويه وعند غيرِه هي جمع. وقال بعضُهم: " إنَّ الأَخَ في النسَب يُجْمع على " إخوة " ، وفي الدِّين على " إخْوان " ، هذا أَغلبُ استعمالِهم، قال تعالى:
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }
[الحجرات: 10]، ونفسُ هذه الآية تؤيد ما قاله لأن المراد هنا ليس إخوة النسب إنما المرادُ إخوةُ الدين والصداقة، قال أبو حاتم: " ثم قال أهلُ البصرة: الإِخوةُ في النسبِ والإِخْوان في الصداقة " قال: " وهذا غَلَط، يقال للأصدقاء والأنسباء إخوة وإخوان، قال تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } لم يَعْنِ النسبَ، وقال تعالى:
{ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ }
[النور: 61] وهذا في النسبِ " قلتُ: رَدُّ أبي حاتم يتَّجِهُ على هذا النقلِ المطلقِ، ولا يَرِدُ على النقلِ الأول لأنهم قَيَّدوه بالأغلبِ في الاستعمالِ.
 
67المعاندَةُ والمعانَتَهُ

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } في هذه الجملة ثلاثة أوجه، أَوْجَهُها: أن تكونَ مستأنفةً كما هو الظاهرُ فيما قبلها. والثاني: أنها نعتٌ لـ " بِطانة " فمحَلُّها نصبٌ. والثالث: أنها حالٌ من الضمير في " يأْلونكم ". و " ما " مصدريةٌ، و " عَنِتُّم " صِلَتُها، وهي وصلتُها مفعولُ الوَدادة أي: عَنَتُكم أي: مَقْتكُم. وقد تقدَّم اشتقاقُ هذه اللفظةِ في البقرةِ عند [قوله]
{ لأَعْنَتَكُمْ }
[البقرة: 220]. وقال الراغب هنا: " المعاندَةُ والمعانَتَهُ يتقاربان، لكنَّ المعاندة هي الممانعة، والمعانتةُ أَنْ يَتَحَرَّى مع الممانَعَةِ المَشَقَّةُ.
 
68:القلي والكراهية والبغض

{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }

{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

قال الالوسي فى تفسي سورة الضحى

{ وَمَا قَلَىٰ } أي وما أبغضك وحذف المفعول لئلا يواجه عليه الصلاة والسلام بنسبة القلي وإن كانت في كلام منفي لطفاً به صلى الله عليه وسلم وشفقة عليه عليه الصلاة والسلام أو لنفي صدوره عنه عز وجل بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم ولأحد من أصحابه ومن أحبه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة أو للاستغناء عنه بذكره من قبل مع أن فيه مراعاة للفواصل.

واللغة المشهورة في مضارع قلى يقلي كيرمي وطيىء تقول يقلى بفتح العين كيرضى وتفسير القلي بالبغض شائع وفي «القاموس» ((من الواوي قلا زيداً إقلاً وقلاه أبغضه ومن اليائي قلاه كرماه ورضيه قلى وقلاء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقليه في البغض)) وفي «مفردات الراغب» ((القلي شدة البغض يقال قلاه يقلوه ويقليه فمن جعله من الواوي فهو من القلو أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قلواً وقلوت بالقلَّة فكأنَّ المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ومن جعله من اليائي فمن قليت البسر والسويق على المقلاة)) انتهى وبينهما مخالفة لا تخفى.
 
69:«ودّعك» بالتشديد وبالتخفيف

{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }
قال القرطبي فى تفسيره
«ودّعك» بالتشديد: قراءة العامة، من التوديع، وذلك كتوديع المُفارق. وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرأاهُ «وَدَعك» بالتخفيف، ومعناه: تركك. قال:
وثم وَدَعْنا آلَ عمرو وعامر فرائسَ أطراف المثقفة السمْرِ
واستعماله قليل. يقال: هو يدع كذا، أي يتركه. قال المبرد محمد بن يزيد: لا يكادون يقولون وَدَعَ ولا وَذَرَ، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنها بترك.

ملحوظة

{ فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ }

قال السمين الحلبي فى تفسيره:

وقرأ العامَّةُ بضمِّ الدال وتشديد العينِ مِنْ دَعَّه، أي: دَفَعه وأمير المؤمنين والحسن وأبو رجاء " يَدَعُ " بفتحِ الدالِ وتخفيفِ العين، أي: يَتْرُكُ ويُهْمِلُ وزيدُ بن علي " ولا يُحاضُّ " مِن المَحَاضَّةُ وتقدَّم في الفجر.
 
70:الهمُّ والعَزْم
{ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

قال السمين الحلبي فى تفسير الاية الاولي:

والهمُّ: العَزْم. وقيل: بل هو دونَه،

وذلك أن أوَّل ما يرم بقلبِ الإِنسان يسمى خاطراً،

فإذا قَوِيَ سُمِّي حديثَ نفس،

فإذا قوي سُمِّي هَمَّاً،

فإذا قوي سُمِّي عزماً،

ثم بعده إما قول أو فعل،

وبعضهم يُعَبِّر عن الهَمِّ بالإِرادة، تقول العرب: هَمَمْت بكذا أهُمُّ به ـ بضم الهاء ـ، ويقال: " هَمْتُ " بميم واحدة، حذفوا إحدى الميمين تخفيفاً كما قالوا: مَسْتُ وظَلْت وحَسْت في مَسَسْتُ وظَلَلْتُ وحَسَسْت، وهو غير مقيس. والهمُّ أيضاً: الحُزْن الذي يذيب صاحبه وهو مأخوذٌ من قولهم: " هَمَمْتُ الشحم " أي: أذبته. والهمُّ الذي في النفس قريب منه؛ لأنه قد يؤثر في نفس الإِنسان كما يُؤَثِّر الحزن، ولذلك قال الشاعر:
1421ـ وَهمُّك ما لم تُمْضِه لك مُنْصِبٌ .........................
أي: إنك إذا هممت بشيء ولم تفعله، وجال في نفسك فأنت في تعب منه حتى تقضيه.
 
71:الفَظَاظَة والغِلْظَةُ

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والفَظَاظَة: الجَفْوَةَ في المُعاشرة قولاً وفعلاً. قال:
1483ـ أَخْشَى فَظاظَة عَمٍّ أو جفاءَ أخٍ وكنتُ أَخْشَى عليها مِنْ أَذَى الكَلِمِ
والغُِلْظُ: تكثير الأجزاء، ثم تُجُوِّز به في عدمِ الشفقةِ وكثرةِ القسوة في القلب قال:
1484ـ يُبْكَى علينا ولا نَبْكي على أحدٍ لنحنُ أغلظُ أكباداً من الإِبلِ
وقال الراغب: الفظُّ كريه الخُلُق وذلك مستعارٌ من الفَظِّ وهو ماءٌ الكَرِش، وذلك مكروه شربُه إلا في ضرورةٍ " ، قال: " الغِلْظَةُ: ضدُّ الرِّقة، ويقال: غُلْظة وغِلْظة أي بالكسر والضم " وعن الغِلْظَة تنشأ الفظاظةُ فَلِمَ قُدِّمَتْ؟ فقيل: قُدِّم ما هو ظاهرٌ للحِسِّ على ما هو خافٍ في القلب، لأنه كما تقدَّم أنَّ الفَظاظةَ: الجَفْوَةُ في العِشْرَةِ قولاً وفِعْلاً، والغِلْظُ: قساوةُ القلب، وهذا أحسنُ مِنْ قولِ مَنْ جعلهما بمعنىً، وجُمِع بينهما تأكيداً.
 
72: الأَدَّ والإِدَّ بفتح الهمزةِ وكسرِها

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً }
قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { شَيْئاً إِدَّاً }: العامَّةُ على كسر الهمزة مِنْ " إدَّاً " وهو الأمرُ العظيمُ المنكَرُ المتعجَّبُ منه.

وقرأ أمير المؤمنين والسلمي بفتحها. وخَرَّجوه على حَذْفِ مضاف، أي: شيئاً أدَّاً، لأنَّ الأدَّ بالفتحِ مصدرٌ يُقال: أدَّه الأمرُ، وأدَّني يَؤُدُّني أدَّاً، أي: أَثْقَلني. وكان الشيخ ذكر أنَّ الأَدَّ والإِدَّ بفتح الهمزةِ وكسرِها هو العَجَبُ
 
73:" يُمَيِّز " بالتشديد والتخفيف

{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الأنفال: " يُمَيِّز " بالتشديد، والباقون بالتخفيف. وعن ابن كثير أيضاً " يُميز " من أماز، فهذه ثلاث لغات، يقال مازَه ومَيَّزه وأمازه. والتشديد والهمزة ليسا للنقل، لأنَّ الفعل قبلهما متعدٍ، وإنما فَعَّل بالتشديد وأَفْعَل بمعنى المجرد، وهل ماز ومَيّز بمعنى واحد أو بمعنيين مختلفين؟ قولان. ثم القائلون بالفرق اختلفوا، فقال بعضهم: لا يقال " ماز " إلا في كثير من كثير، فأما واحد من واحد فَمَيَّزت، ولذلك قال أبو معاذ: يقال: " مَيَّزْتُ بين الشيئين ومِزْتُ بين الأشياء ". وقال بعضُهم عكسَ هذا: مِزْتُ بين الشيئين ومَيَّزْتُ بين الأشياءِ، وهذا هو القياسُ، فإنَّ التضعيفَ يُؤْذِنُ بالتكثير وهو لائقٌ بالمتعددات. ورجَّح بعضُهم " مَيَّز " بالتشديد بأنه أكثر استعمالاً، ولذلك لم يُسْتعمل المصدرُ إلا منه فقالوا: التمييز، ولم يقولوا: " المَيْز " يعني لم يقولوه سماعاً وإلا فهو جائز قياساً.
 
74:التَنَزُّلُ و النزولِ

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً }

قال السمين الحلبي فى الدر :

ونَتَنَزَّل مطاوعُ نَزَّل بالتشديدِ ويقتضي العملَ في مُهْلة وقد لا يقتضيها. قال الزمخشري: " التَنَزُّلُ على معنيين: معنى النزولِ على مَهْلٍ، ومعنى النزولِ على الإِطلاق كقوله:
3244- فَلَسْتُ لإِنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ تَنَزَّلَ مِنْ جوِّ السَّماءِ يصوبُ
لأنه مطاوع نَزَّل، ونزَّل يكون بمعنى أَنْزَلَ، ويكون بمعنى التدريج، واللائقُ بهذا الموضعِ هو النزولُ على مَهْلٍ، والمراد: أنَّ نزولَنا في الأحايين وقتاً غِبَّ وقتٍ ". قلت: وقد تقدم أنه يُفَرِّق بين نزَّل وأنزل في أول هذا الموضع.
 
75:سُخرياً وسِخرياً

{ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * {فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }

قال ابن عطية فى المحرر الوجيز

وقرأ نافع وحمزة والكسائي " سُخرياً " بضم السين، وقرأ الباقون " سِخرياً " بكسرها، فقالت طائفة هما بمعنى واحد وذكر ذلك الطبري، وقال ذلك أبو زيد الأنصاري إنهما بمعنى الهزء، وقال أبو عبيدة وغيره: إن ضم السين من " السخرة " والتخديم وكسر السين من السخر وهو الاستهزاء ومنه قول الأعشى: [البسيط]

إني أتاني حديث لا أسرُّ به من علو لا كذب ولا سخر
قال أبو علي قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى إلى قوله: { وكنتم منهم تضحكون }..

قال القاضي أبو محمد: ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله
{ لتخذ بعضهم بعضاً سخرياً }
[الزخرف: 32] لما تخلص الأمر للتخديم، قال يونس إذا أريد التخديم فضم السين لا غير، وإذا أريد تخلص الاستهزاء فالضم والكسر، وقرأ أصحاب عبد الله والأعرج وابن أبي إسحاق كل ما في القرآن بضم السين، وقرأ الحسن وأبو عمرو كل ما في القرآن بالكسر إلا التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس لأنها من التخديم،

وقال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { سِخْرِيَّاً }: مفعولٌ ثانٍ للاتخاذ. وقرأ الأخَوان ونافعٌ هنا وفي ص بكسرِ السين. والباقون بضمِّها في المؤمنين. واختلف الناس في معناهما. فقيل: هما بمعنىً واحدٍ، وهو قولُ الخليلِ وسيبويه والكسائي وأبي زيد. وقال يونس: " إن أُرِيْدَ الخِدْمَةُ والسُّخْرة فالضمُّ لا غيرُ. وإنْ أريدَ الهُزْءُ فالضمُّ والكسر. ورجَّح أبو عليٍ ـ وتبعه مكي ـ قراءةَ الكسرِ قالا: لأنَّ ما بعدها أليقُ لها لقولِه: { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }. قلت: ولا حجةَ فيه لأنَّهم جمعوا بين الأمرَيْن: سَخَّروهم في العمل، وسَخِروا منهم استهزاءً. والسُّخْرَة بالتاء: الاستخدام، و " سُخْرِيَّاً " ـ بالضمِّ ـ منها، والسُّخْرُ بدونها: الهزء، والمكسورُ منه. قال الأعشىٰ:
3431ـ إنِّي أتاني حديثٌ لا أُسَرُّ به مِنْ عَلْوَ لا كَذِبٌ فيه ولا سُخْرُ
ولم يَختلف السبعةُ في ضَمِّ ما في الزخرف؛ لأنَّ المرادَ الاستخدامُ وهو يُقَوِّي قولَ مَنْ فَرَّق بينهما. إلاَّ أنَّ ابنَ محيصن وابن مسلم وأصحابَ عبدِ الله كسروه أيضاً، وهي مُقَوِّيَةٌ لقولِ مَنْ جعلهما بمعنى.
 
76: الرِّجْس والرِّجْز والرِّكْس

{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون فى تفسير الاية الاخيرة:

والرِّجْسُ قال الراغب: " هو الشيء القَذِرُ، رجل رِجْس، ورجالٌ أَرْجاس " ثم قال: " وقيل: رِجْس ورِجْز للصوت الشديد، يقال: بعير رَجَّاس: شديد الهدير، وغمام راجِس ورجَّاس: شديد الرعد " وقال الزجاج: " وهو اسمُ لك ما استُقذر من عمل قبيح، يقال: رَجِس ورَجَس بكسر الجيم وفتحها يَرْجُسُ رِجْساُ إذا عمل عملاً قبيحاً، وأصلح من الرِّجْس بفتح الراء وهو شدة صوت الرعد، قال:
1809- وكلُّ رَجَّاسٍ يسوقُ الرَّجْسا
وفَرَّق ابن دريد بين الرِّجْس والرِّجْز والرِّكْس، فجعل الرِّجْسَ: الشر، والرِّجْز: العذاب، والرِّكْس: العَذِرة والنَّتْن، ثم قال: " والرِّجْسُ يقال للاثنين " ، فتحصَّل من هذا أنه اسمٌ للشيءِ القَذِرِ المنتن أو أنه في الأصل مصدرٌ.
 
77: كَنَنْتُ وأكنَنْتُ

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ

ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ

يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:


والأَكِنَّة: جمع كِنان وهو الوعاء الجامع. قال:
1883- إذا ما انْتَضْوها في الوغَى مِنْ أكنَّةٍ حَسِبْتَ بروقَ الغيث تأتي غيومُها
وقال بعضهم: " الكِنُّ - بالكسر - ما يُحْفَظُ فيه الشي، وبالفتح المصدر. يقال: كنَّنْتُه كِنَّاً أي: جعلتُه في كِنّ، وجُمِعَ على أَكْنان قال تعالى:
{ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً }
[النحل: 81]. والكِنانُ: الغِطاء الساتر، والفعل من هذه المادة يُستعمل ثلاثياً ورباعياً، يقال: كَنَنْتُ الشيء وأكنَنْتُه كِنَّاً وأكناناً، إلا أنَّ الراغبَ فرَّقَ بين فَعَل وأَفْعل فقال: " وخُصَّ كَنَنْتُ بما يَسْتُرُ من بيتٍ أو ثوب أو غير ذلك من الأجسام، قال تعالى:
{ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }
[الصافات: 49] وأكنَنْتُ بما يُسْتَرُ في النفس، قال تعالى:
{ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ }
[البقرة: 235]. قلت: ويَشْهد لما قال قوله أيضاً:
{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ }
[الواقعة: 77ـ78] وقوله تعالى:
{ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ }
[القصص: 69]. وكِنانُ يُجْمع على أكِنَّة في القلة والكثرة لتضعيفه، وذلك أن فَعالاً وفِعالاً بفتح الفاء وكسرها يُجْمع في القلة على أَفْعِله كأَحْمِرَة واقْذِلة وفي الكثرة على فُعُل كحُمُر وقُذُل، إلا أن يكونَ مضاعفاً كـ " بَتَات " و " كِنان " أو معتلَّ اللام كخِباء وقَباء فيُلْتَزَمَ جَمْعُه على أَفْعِلة، ولا يجوز على فُعُل إلا في قليلٍ من الكلام كقولهم عُنُن وحُجُج في جمع عِنان وحِجاج.
 
78: مَفَاتِحُ و مفاتيح

{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { مَفَاتِحُ }: فيه ثلاثة أقوال،

أحدها: أنه جمعُ مِفْتح بكسر الميم والقصر، وهو الآلة التي يُفتح بها نحو: مُنْخُل ومَنَاخل.

والثاني: أنه جمع مَفْتَح بفتح الميم، وهو المكان، ويؤيده تفسير ابن عباس هي خزائن المطر.

والثالث: أنه جمع مِفتاح بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضاً، إلا أنَّ هذا فيه ضعفٌ من حيث إنه كان ينبغي أن تُقلب ألف المفرد ياء فيقال: مفاتيح كدنانير، ولكنه قد نُقِل في جمع مصباح مصابح، وفي جمع مِحْراب مَحارِب، وفي جمع قُرْقُرر قراقِر، وهذا كما أتوا بالياء في جمع ما لا مَدَّةَ في مفرده كقولهم: دراهيم وصياريف في جمع دِرْهَم وصَيْرَف، قال:
1938- تَنْفي يداها الحصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدارهيمِ تَنْقادُ الصَّياريفِ
وقالوا: عيِّل وعَياييل. قال:
1939- فيها عياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ
الأصل: عيايل ونمور، فزاد في ذلك ونَقَّصَ مِنْ هذا.

وقد قُرِئ " مفاتيح " بالياء وهي تؤيد أنَّ مفاتح جمع مفتاح، وإنما حُذِفَتْ مدَّتْه. وجَوَّز الواحدي أن يكون مفاتح جمع مَفْتَح بفتح الميم على أنه مصدر، قال بعد كلام حكاه عن أبي إسحاق: " فعلى هذا مفاتح جمع المَفْتح بمعنى الفتح " ، كأن المعنى: " وعنده فتوح الغيب " أي: هو يفتح الغيب على مَنْ يشاء من عباده. وقال أبو البقاء: " مفاتح جمع مَفْتَح، والمَفْتَحُ الخزانة، فأمَّا ما يُفتح به فهو المفتاحُ، وجمعه مفاتيح وقد قيل مَفْتح أيضاً " انتهى. يريد جمع مَفتح أي بفتح الميم. وقوله: " وقد قيل: مَفْتَح يعني أنها لغة قليلة في الآلة والكثير فيها المدُّ، وكان ينبغي أن يوضِّح عبارته فإنها موهمة ولذلك شرحتها.
 
79:الحرام والبَسْل

{ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:

وقال الراغب: " البَسْلُ: ضَمُّ الشيء ومَنْعُه، ولتضمُّنهِ معنى الضمِّ استُعير لتقطُّب الوجه فقيل: هو: باسل ومُتْبَسِلُ الوجه، ولتضمينه معنى المنع قيل للمُحَرَّم والمرتَهَن: " بَسْلٌ " ثم قال: " والفرقُ بين الحرام والبَسْل أنَّ الحرامَ عامٌ فيما كان ممنوعاً منه بالقهر والحكم، والبَسْلُ هو الممنوع بالقهر، وقيل للشجاعة بسالة: إمَّا لِما يُوْصَفُ به الشجاع من عُبوسِ وجهه أو لكونه مُحَرَّماً على أقرانه أو لأنه يمنع ما في حوزته وما تحت يده من أعدائه، والبُسْلَةُ أجرة الراقي، مأخوذة من قول الراقي: أَبْسَلْتُ زيداً أي: جَعَلْتُه محرَّماً على الشيطان أو جَعَلْتُه شجاعاً قوياً على مدافعته، وبَسَل في معنى أَجَلْ وبَسْ " أي: فيكون حرفَ جواب كأجل، واسمَ فعل بمعنى اكتف كـ " بس ".

وقال القرطبي فى تفسيره

{ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } أي تُرْتَهن وتُسلم للْهَلَكة؛ عن مجاهد وقتادة والحسن وعِكْرمة والسُّدِّي. والإبسال: تسليم المرء للهلاك؛ هذا هو المعروف في اللغة. أبْسلتُ ولدي أرهنته؛ قال عَوْف بن الأحوص بن جعفر:
وإبْسالِي بَنِيَّ بغيْر جُرْمٍ بَعَوْناه ولا بِدَمٍ مُرَاقِ...

فمن أبسل فقد أسلم وٱرتُهن. وقيل: أصله التحريم، من قولهم: هذا بَسْلٌ عليك أي حرام؛ فكأنهم حُرِموا الجنة وحُرِّمت عليهم الجنة. قال الشاعر:
أجارتْكُم بَسْلٌ علينا مُحَرّمٌ وجارتنا حِلٌّ لكم وحَلِيلُها
والإبسال: التحريم.
 
80: الكره بالضم والفتح

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قال الشيخ الالوسي فى تفسيره
وقرأ حمزة والكسائي { كَرْهاً } بالضم في مواضعه، ووافقهما عاصم وابن عامر ويعقوب في الأحقاف، وقرأ الباقون بالفتح في جميع ذلك وهما بمعنى كالضعف والضعف، وقيل: الكره بالضم الإكراه وبالفتح الكراهية
 
81:النفخ والنفث

{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:

قوله: { ٱلنَّفَّاثَاتِ }: جمع نَفَّاثَة مثالُ مبالغةٍ. من نَفَثَ، أي: نَفَخَ. واخْتُلِفَ فيه فقال أبو الفضل: شَبَّه النَّفْخَ من الفمِ في الرُّقْيَةِ ولا شيءَ معه. فإذا كان بِرِيْقٍ فهو التَّفْلُ وأنشد:
4686ـ فإنْ يَبْرَأْ فلم أَنْفُِثْ عليهِ وإنْ يَفْقَدْ فَحَقَّ له الفُقُودُ
وقال الزمخشري: " نَفْخٌ معه رِيْقٌ
 
82: الهُمَزة واللُّمَزة

ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }

قال القرطبي فى تفسيره

وعن ابن عباس أن الهُمَزَة: القَتّات، واللُّمزة: العياب. وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رَباح: الهمزة: الذي يغتاب ويَطْعُن في وجه الرجل، واللمزة: الذي يغتابه مِن خلفه إذا غاب؛ ومنه قول حسان:
هَمَزْتُكَ فاخْتَضَعْتَ بذُل نفسٍ بِقافِيةٍ تَأَجَّجُ كالشُّوَاظِ
واختار هذا القول النحاس، قال: ومنه قوله تعالى:
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ }
[التوبة: 58].

وقال مُقاتل ضدّ هذا الكلام: إن الهُمَزَة: الذي يَغتابُ بالغَيبة، واللُّمَزة: الذي يغتاب في الوجه. وقال قتادة ومجاهد: الهُمَزة: الطَّعَّان في الناس، واللُّمَزة: الطَّعَّان في أنسابهم.

وقال ابن زيد: الهامز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزة: الذي يَلْمِزهم بلسانه ويعيبهم.

وقال سفيان الثورِيّ: يهمِز بلسانه، ويلمِز بعينيه.

وقال ابن كيسان: الهُمَزَة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ، واللمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه.

وقال مرة: هما سواء؛ وهو القَتَّات الطَّعَّان للمرء إذا غاب. وقال زياد الأعجم:
تُدْلِي بِوُدِّي إِذا لاقيتَنِي كَذِباً وإِنْ أُغَيَّبْ فانت الهامزُ اللُّمَزهْ
وقال آخر:
إذا لقِيتكَ عن سُخْطٍ تُكاشِرُنِي وإِن تَغَيَّبتُ كنتُ الهامِزَ اللُمَزَهْ
الشحط: البعد. والهُمَزة: اسم وضِع للمبالغة في هذا المعنى؛ كما يقال: سُخَرَةٌ وضُحكَة: للذي يَسخَر ويَضْحك بالناس.
 
83:الطَّيْفُ والطائف

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { طَائِفٌ }: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: " طَيْفٌ " والباقون " طائف " بزنة فاعل. فأمَّا طَيْف ففيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مصدرٌ مِنْ طاف يَطيف كباع يبيع، وأنشد أبو عبيدة:
2371ـ أنَّى ألمَّ بك الخيالُ يَطيفُ ومَطافُه لك ذُكْرَةٌ وشُعُوفُ
والثاني: أنه مخففٌ من فَيْعِل، والأصل: طَيِّف بتشديد الياء فحذف عين الكلمة كقولهم في ميّت مَيْت وفي ليّن ليْن وفي هيّن هيْن. ثم طَيّف الذي هو الأصل يحتمل أن يكون مِنْ طاف يطيف أو من طاف يطوف، والأصل: طَيْوِف فقلب وأدغم وهذا قول أبي بكر بن الأنباري. والثالث: أن أصله طَوْف من طاف يطوف، فقلبت الواو ياءً. قال أبو البقاء: " قلبت الواو ياءً وإن كانت ساكنة كما قلبت في أَيْد وهو بعيد " قلت: وقد قالوا أيضاً في حَوْل: حَيْل، ولكن هذا من الشذوذ بحيث لا يُقاس عليه. وقوله " وإن كانت ساكنة " ليس هذا مقتضياً لمنع قلبها ياء بل كان ينبغي أن يُقال: وإن كان ما قبلها غيرَ مكسورٍ.

وأمَّا طائفٌ فاسمُ فاعل، يُحْتمل أن يكون مِنْ طاف يطوف فيكون كقائم وقائل، وأن يكونَ مِنْ طاف يطيف فيكون كبائع ومائل. وقد زعم بعضُهم أنَّ طَيْفاً وطائفاً بمعنى واحد ويُعزى للفراء، فيحتمل أن يَرُدَّ طائفاً لطَيْف فيجعلهما مصدرين. وقد جاء فاعِل مصدراً كقولهم: " أقائماً وقد قعد الناس " وأن يَرُدَّ طيفاً لطائف، أي: فيجعله وَصْفاً على فَعْل.

وقال الفارسي: " الطيف كالخَطْرة، والطائف كالخاطر " ففرَّق بينهما. وقال الكسائي: " الطَّيْف: اللَّمَم، والطائف ما طاف حول الإِنسان ". قال ابن عطية: " وكيف هذا وقد قال الأعشى:
2372ـ وتُصْبح مِنْ غِبِّ السُّرَى وكأنما ألمَّ بها من طائفِ الجنِّ أولقُ
ولا أدري ما تَعَجُّبُه؟ وكأنه أخذ قوله " ما طافَ حول الإِنسان " مقيَّداً بالإِنسان، وهذا قد جعله طائفاً بالناقة، وهي سَقْطة لأن الكسائي إنما قاله اتفاقاً لا تقييداً. وقال أبو زيد الأنصاري: " طافَ: أقبل وأدبر يَطُوف طَوْفاً وطَوَافاً، وأطاف: استدار القومُ من نواحيهم. وطاف الخيالُ: أَلَمَّ، يَطيف طَيفاً " فقد فرَّق أبو زيد بين ذي الواو وذي الياء، فخصَّص كلَّ مادة بمعنى. وفرَّق أيضاً بين فعل وأفعل كما رأيت.

وزعم السُّهَيْلي أنه لا يُسْتعمل مِنْ " طاف الخيال " اسم فاعل قال: " لأنه تخيُّلٌ لا حقيقة له ". قال: " فأمَّا قوله تعالى:
{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ }
[القلم: 19] فلا يقال فيه طَيْف لأنه اسمُ فاعل حقيقةً. وقال حسان:
2373ـ جِنِّيَّةٌ أرَّقَني طيفُها تَذْهَبُ صُبْحاً وتُرى في المنامْ
وقال السدِّي: " الطَّيْفُ: الجنون، والطائف: الغضب " ، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ هما بمعنى واحد وهو النَّزْغ.
 
84: شرد وشرذ

{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { فَشَرِّدْ }: العامَّةُ على الدال المهملة والتشريدُ: التطريد والتفريقُ والتسميع، وهذه المعاني كلُّها لائقة بالآية. وقرأ الأعمش بخلافٍ عنه بالذال المعجمة. قال الشيخ: " وكذا هي في مصحف عبد الله ". قلت: وقد تقدم أن النَّقْط والشَّكْلَ أمرٌ حادثٌ أحدثه يحيى بن يعمر فكيف يُوْجَد ذلك في مصحف ابن مسعود؟ قيل: وهذه المادة أعني الشين والراء والذال المعجمة مهملةٌ في لغة العرب. وفي هذه القراءةِ أوجه أحدها: أن الذالَ بدلٌ من مجاورتها كقولهم: لحم خراديل وخراذيل. الثاني: أنه مقلوبٌ مِنْ شذر من قولهم: تفرقوا شَذَر مَذَر، ومنه الشَّذْر المُلْتَقَطُ من المعدن لتفرُّقِه، قال:
2433ـ غرائِرُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمة يُحَلَّيْنَ ياقوتاً وشَذْراً مُفَقَّرا
الثالث: أنه مِنْ " شَذَر في مقاله " إذا أكثر فيه، قاله أبو البقاء، ومعناه غير لائق هنا. وقال قطرب: " شرذ " بالمعجمة: التنكيل، وبالمهملة التفريق، وهذا يقوِّي قول مَنْ قال: إن هذه المادة ثابتةٌ في لغة العرب.
 
85:الولاية بالفتح والكسر

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال الالوسي فى تفسيره

وقرأ حمزة والأعمش ويحيـى بن وثاب { ولايتهم } بالكسر، وزعم الأصمعي أنه خطأ وهو المخطىء فقد تواترت القراءة بذلك، وجاء في اللغة الولاية مصدراً بالفتح والكسر وهما لغتان فيه بمعنى واحد وهو القرب الحسي والمعنوي كما قيل، وقيل: بينهما فرق فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه والكسر ولاية السلطان ونسب ذلك إلى أبـي عبيدة وأبـي الحسن، وقال الزجاج: هي بالفتح النصرة والنسب وبالكسر للإمارة، ونقل عنه أنه ذهب إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعات ولذا جاء فيها الكسر كالإمارة
 
86 :الجهد بالفتح والضم

{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال الالوسي فى تفسيره

وقرأ ابن هرمز { جُهْدَهُمْ } بالفتح وهو إحدى لغتين في الجهد فمعنى المضموم والمفتوح واحد، وقيل: المفتوح بمعنى المشقة والمضموم بمعنى الطاقة قاله القتبـي، وقيل: المضموم شيء قليل يعاش به والمفتوح العمل.
 
87:السوء بالضم والفتح

{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا " السُّوء " وكذا الثانية في الفتح بالضم، والباقون بالفتح. وأما الأولى في الفتح وهي " ظنَّ السَّوْ " فاتفق على فتحها السبعة. فأما المفتوح، فقيل: هو مصدر. قال الفراء: " يقال: سُؤْتُه سُوْءاً ومَساءةً وسَوائِية ومَسَائِية، وبالضم الاسم " قال أبو البقاء: " وهو الضَّرر وهو مصدر في الحقيقة ". قلت: يعني أنه في الأصل كالمفتوح في أنه مصدرٌ ثم أُطْلِق على كل ضررٍ وشرٍّ. وقال مكي: " مَنْ فتح السينَ فمعناه الفساد والرداءة، ومَنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضرر ". وظاهر هذا أنهما اسمان لِما ذكر، ويحتمل أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أُطْلِقا على ما ذكر.

وقال غيرُه: الضموم: العذاب والضرر، والمفتوح: الذم، ألا ترىٰ أنه أْجُمع على فتح
{ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ }
[الفتح: 6] وقوله:
{ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ }
[مريم: 28] ولا يليق ذِكْرُ العذاب بهذين الموضعين.

وقال الزمخشري فأحسن: " المضموم: العذاب، والمفتوحُ ذمٌّ لدائرة، كقولك: " رجلُ سَوْء " في نقيض " رجل عدل " ، لأنَّ مَنْ دارَتْ عليه يَذُمُّها " يعني أنها من باب إضافة الموصووف إلى صفته فوُصِفَتْ في الأصل بالمصدر مبالغةً، ثم أُضِيْفَتْ لصفتِها كقولِه تعالىٰ:
{ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ }
[مريم: 28]. قال الشيخ: " وقد حُكي بالضم " وأنشد:
2537 ـ وكنت كذئبِ السُّوء لمَّا رأى دماً بصاحبه يوماً أحال على الدَّم
 
88: أَسْرى وسَرَى

{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { فَأَسْرِ }: قرأ نافع وابن كثير: { فاسْرِ بأهلك } هنا وفي الحجر، وفي الدخان:
{ فَأَسْرِ بِعِبَادِي }
[الآية: 23]، وقوله:
{ أَنْ أَسْرِ }
[الآية: 77] في طه والشعراء، جميع ذلك بهمزة الوصل تسقط دَرْجاً وتَثْبُتُ مكسورة ابتداءً. والباقون " فَأَسْر " بهمزة القطع تثبت مفتوحة دَرْجاً وابتداء، والقراءتان مأخوذتان من لُغَتي هذا الفعل فإنه يُقال: سَرَى، ومنه
{ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ }
[الفجر: 4]، وأَسْرى، ومنه:
{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ }
[الإسراء: 1] وهل هما بمعنى واحدٍ أو بينهما فرقٌ؟ خلافٌ مشهور. فقيل: هما بمعنى واحدٍ، وهو قول أبي عبيد

. وقيل: بل أَسْرى لأولِ الليل، وسَرَى لآخره، وهو قولُ الليث، وأمَّا سار فمختص بالنهار، وليس مقلوباً مِنْ سَرى.
 
89: المُتَّكأ مثقّلاً و مخفّفاً

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

قال القرطبي فى تفسيره

{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أي هيأت لهنّ مجالس يتكئن عليها. قال ٱبن جُبير: في كل مجلس جَامٌ فيه عسل وأُتْرُجّ وسكِّين حاد. وقرأ مجاهد وسعيد بن جُبير: «مُتْكاً» مخففاً غير مهموز، والمُتْك هو الأُتْرُجّ بلغة القبط، وكذلك فسره مجاهد. روى سفيان عن منصور عن مجاهد

قال: المُتَّكأ مثقّلاً (هو) الطعام، والمُتْك مخفّفاً (هو) الأتْرُجّ؛ وقال الشاعر:
نَشْربُ الإثْمَ بالصُّواعِ جِهَاراً وتَرَى المُتْك بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا
وقد تقول أَزْدُ شَنُوءَة: الأُترجّة المُتْكَة؛ قال الجوهريّ: المُتْك ما تُبقيه الخاتنة. وأصل المُتْك الزُّماوَرْد. والمَتْكَاء من النّساء التي لم تُخْفَض. قال الفرّاء: حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المُتْك مخففاً الزُّماوَرْد. وقال بعضهم: إنه الأترجّ؛ حكاه الأخفش. ٱبن زيد: أترجًّا وعسلاً يؤكل به؛ قال الشاعر:
فَظِلْنا بنعمة وٱتَّكَأْنَا وشَرِبْنا الحلالَ من قُللِه
أي أكلنا.

النحاس: قوله تعالى: «وَأَعْتَدَتْ» من العَتَاد؛ وهو كل ما جعلته عُدّة لشيء. «مُتَّكَأً» أصح ما قيل فيه ما رواه عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس قال: مجلساً، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير: طعام متكأ، مثل:
{ وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَة }
[يوسف: 82]؛ ودلّ على هذا الحذف «وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً» لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يُقطع بالسكاكين؛ كذا قال في كتاب «إعراب القرآن» له. وقال في كتاب «معاني القرآن» (له): وروى مَعْمَر عن قَتَادة قال: «المتكأ» الطعام. وقيل: «المتكأ» كل ما ٱتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث؛ وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، إلا أن الروايات قد صحت بذلك. وحكى القُتبيّ أنه يقال: ٱتكأنا عند فلان أي أكلنا، والأصل في «متكأ» موتكأ، ومثله مُتَّزن ومُتَّعد؛ لأنه من وزنت ووعدت ووكأت، ويقال: ٱتَّكأَ يَتَّكىء ٱتِّكا
 
90: مِرْفَقا بالفتح والكسر

{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: " مِرْفَقا " قرأ بكسرِ الميمِ وفتحِ الفاءِ الجمهورُ. ونافع وابنُ عامر بالعكس، وفيهما اختلافٌ بين أهلِ اللغة، فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما يَرْتَفَقُ به، وليس بمصدرٍ. وقيل: هو بالكسر في الميم لليد، وبالفتح للأمر، وقد يُسْتَعْمل كلُّ واحدٍ منهما موضعَ الآخر، حكاه الأزهري عن ثعلبٍ. وأنشد الفراءُ جمعاً بين الغتين في الجارِحَة:
3131- بِتُّ أُجافي مِرْفقاً عن مَرْفقِ
/وقيل: يُسْتعملان معاً في الأمرِ وفي الجارحة، حكاه الزجاج.

وحكى مكي، عن الفراء أنه قال: " لا أعرِفُ في الأمر ولا في اليد ولا في كل شيءٍ إلا كسرَ الميمِ ".

قلت: وتواترُ قراءةِ نافعٍ والشاميين يَرُدُّ عليه. وأنكر الكسائيُّ كسرَ الميم في الجارحة، وقال: لا أعرفُ فيه إلا الفتحَ وهو عكسُ قولِ تلميذِه، ولكن خالفه أبو حاتم، وقال: " هو بفتح الميم: الموضعُ كالمسجد. وقال أبو زيد: هو بفتح الميم مصدرٌ جاء على مَفْعَل " وقال بعضهم: هما لغتان فيما يُرْتَفَقُ به، فأمَّا الجارِحَةُ فبكسرِ الميمِ فقط. وحُكي عن الفرَّاء أنَّه قال: " أهلُ الحجاز يقولون: " مَرْفقا " بفتح الميم وكسرِ الفاءِ فيما ارتفقْتَ به، ويكسِرون مِرْفَق الإِنسان، والعربُ بعدُ يَكْسِرون الميمَ منهما جميعاً ". وأجاز معاذ فتحَ الميم والفاءِ، وهو مصدرٌ كالمَضْرَبِ والمَقْتَلِ.
 
91:الإِبدالُ والتبديلُ

{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { أَن يُبْدِلَهُمَا }: قرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال مِنْ " بَدَّلَ " هنا، وفي التحريم { أَن يُبْدِلَهُ } وفي القلم { أَنْ يُبْدِلَنا } والباقون بسكونِ الباءِ وتخفيفِ الدالِ مِنْ " أَبْدَلَ " في المواضعِ الثلاثة. فقيل: هما لغتان بمعنىً واحد. وقال ثعلب: الإِبدالُ تَنْحِيَةُ جوهرَةٍ، واستئنافُ أخرى. وأنشد:
3193- عَزْلَ الأميرِ للأميرِ المُبْدَلِ
قال: ألا تراه نَحَّى جسماً، وجعل مكانَه آخرَ. والتبديلُ: تغييرُ الصورةِ إلى غيرِها، والجوهرةُ باقيةٌ بعينِها. واحتجَّ الفراء بقولِه تعالى:
{ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }
[الفرقان: 70] قال: " والذي قال ثعلبٌ حسنٌ، إلا أنَّهم يجعلون اَبْدَلْتُ بمعنى بَدَّلْتُ ". قلت: ومِنْ ثَمَّ اختلف الناسُ في قولِه تعالى:
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ }
[إبراهيم: 48]: هل يتغير الجسمُ والصفةُ، أو الصفةُ دونَ الجسمِ؟
 
92:قرى بالفتح والكسر


{ فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { وَقَرِّي عَيْناً }: " عَيْناً " نصبٌ على التمييز منقولٌ من الفاعل، إذ الأصلُ: لِتَقَرَّ عينُك. والعامَّة على فتحِ القاف مِنْ " قَرِّيْ " أمراً مِنْ قَرَّتْ عَيْنُه تَقَرُّ، بكسر العين في الماضي، وفتحِها في المضارع.

وقُرِئ بكسرِ القاف، وهي لغةُ نجدٍ يقولون: قَرَّتْ عينُه تَقِرُّ بفتح العين في الماضي وكسرِها في المضارع، والمشهورُ أن مكسورَ العين في الماضي للعين، والمفتوحَها في المكان. يقال: قَرَرْتُ بالمكانِ أَقِرُّ به، وقد يُقال: قَرِرْتُ بالمكانِ بالكسر. وسيأتي ذلك في قولِه تعالى:
{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ }
[الأحزاب: 33].

{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }

قال القرطبي فى تفسيره

أي يضجون كضجيج الإبل عند حمل الأثقال. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «يَصُدون» (بضم الصاد) ومعناه يُعرِضون؛ قاله النَّخَعيّ، وكسر الباقون. قال الكسائي: هما لغتان؛ مثل يَعْرِشون ويَعْرُشون ويَنِمُّون ويَنُمُّون، ومعناه يَضِجُّون. قال الجوهري: وصَدّ يَصُدّ صديداً؛ أي ضَجّ. وقيل: إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج؛ قاله قُطْرُب. قال أبو عبيد: لو كانت من الصدود عن الحق لكانت: إذا قومك عنه يصدون. الفرّاء: هما سواء؛ منه وعنه. ابن المسيّب: يصدون يضجون. الضحاك يعجون. ابن عباس: يضحكون. أبو عبيدة: مَن ضَمَّ فمعناه يعدلون؛ فيكون المعنى: من أجل المَيْل يُعَدلون. ولا يُعَدّى «يَصِدُّون» بمن، ومن كسر فمعناه يضِجون؛ فـ «ـمن» متصلة بـ «ـيَصِدُّون» والمعنى يضجون منه.

ملحوظة

{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والتَّصْدِية فيها قولان

أحدهما:أنها من الصَّدى وهو ما يُسْمع مِنْ رَجْع الصوت في الأمكنة الخالية الصُّلبة يقال منه: صَدِي يَصْدَى تَصْدِيَة، والمراد بها هنا ما يُسْمع من صوت التصفيق بإحدى اليدين على الأخرى. وفي التفسير: أن المشركين كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي ويتلو القرآن صفَّقوا بأيديهم وصَفَروا بأفواههم ليُشْغِلوا عنه مَنْ يَسْمَعُه ويَخْلطوا عليه قراءته. وهذا مناسبٌ لقوله:
{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }
[فصلت: 26]/.

وقيل: هي مأخوذةٌ من التَّصْدِدَة وهي الضجيج والصِّياحُ والتصفيق، فأُبْدِلَت إحدى الدالين ياءً تخفيفاً، ويدلُّ عليه قولُه تعالى:
{ إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }
[الزخرف: 57] في قراءة مَنْ كسر الصاد أي: يضجُّون ويَلْغَطون. وهذا قول أبي عبيدة. وقد ردَّه عليه أبو جعفر الرُّسْتمي، وقال: " إنما هو مِنْ الصَّدْي فكيف يُجعل من المضعَّف "؟ وقد ردَّ أبو علي على أبي جعفر رَدَّه وقال: " قد ثبت أنَّ يَصُدُّون مِنَ نحو الصوت فأخْذُه منه، وتَصْدِية تَفْعِلَة " ، ثم ذكر كلاماً كثيراً.

والثاني: أنها من الصدِّ وهو المنعُ والأصل: تَصْدِدَة بدالين أيضاً، فأُبْدِلت ثانيتهما ياءً. ويؤيِّد هذا قراءةُ مَنْ قرأ " يَصُدُّون " بالضم أي: يمنعون.
 
93:الظلم والهضم

{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والهَضْمُ: النَّقْصُ. تقول العرب: " هَضَمْتُ لزيدٍ مِنْ حقي " أي: نَقَصْتُ منه، ومنه " هَضِيم الكَشْحَيْن " أي ضامِرُهما. ومِنْ ذلك أيضاً
{ طَلْعُهَا هَضِيمٌ }
[الشعراء: 148] أي: دقيقٌ متراكِبٌ، كأنَّ بعضَه يظلم بعضاً فيُنْقِصُه حقَّه. ورجل هضيم ومُهْتَضَم أي: مظلومٌ. وهَضَمْتُه واهْتَضَمْتُه وتَهَضَّمْتُه، كلٌ بمعنىً. اقل المتوكل الليثي:
3322ـ إنَّ الأذِلَّةَ واللِّئامَ لَمَعْشَرٌ مَوْلاهُمُ المُتَهَضِّمُ المظلومُ
قيل: والظلمُ والهَضْمُ متقاربان. وفَرَّق القاضي الماوردي بينهما فقال: " الظلمُ مَنْعُ جميعِ الحقِّ، والهضمُ مَنْعُ بعضِه ".
 
94:الرجز بالضم والكسر

{ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

وقرأ حفص " والرُّجْزَ " بضمِّ الراء، والباقون بكسرِها، فقيل: لغتان بمعنىً. وعن أبي عبيدةَ: " الضمُّ أفشَى اللغتَيْن، وأكثرُهما ". وقال مجاهد: " هو بالضمِّ اسمُ صَنَمٍ، ويُعزَى للحسنِ البصري أيضاً، وبالكسر اسمٌ للعذابِ. وعلى تقديرِ كونِه العذابَ فلا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ أي: اهُجرْ أسبابَ العذابِ المؤدِّيةِ إليه، أو لإِقامةِ المُسَبَّبِ مُقامَ سببِه، وهو مجازٌ شائع.
 
95:الخراج والخرج

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: " خَراجاً " قرأ ابن عامر " خَرْجاً " هنا وفي المؤمنين بسكون الراء، والأخَوان " خراجاً " " فَخَراج " في السورتين بالألف، والباقون كقراءةِ ابن عامر في هذه السورة، والأول في المؤمنين وفي الثاني وهو " فَخَراج " كقراءة الأخوين. فقيل: هما بمعنى واحد كالنَّوْل والنَوال. وقيل: الخراجُ بالألف ما صُرِفَ على الأرضِ من الإِتاوة كلَّ عام، وبغير ألف بمعنى الجُعْل، أي: نُعْطيك مِنْ أموالِنا مرةً واحدة ما تَسْتعين به على ذلك.

قال مكي رحمه الله: " والاختيارُ تَرْكُ الألف؛ لأنهم إنما عَرَضوا عليه أن يُعطوه عَطِيَّة واحدة على بناءه، لا أَنْ يُضْرَبَ ذلك عليهم كلَّ عام. وقيل: الخَرْج ما كان على الرؤوس، والخراج ما كان على الأرض، يقال: أَدَّ خَرْجَ رأسِكَ، وخراجَ أرضِك. قاله ابن الأعرابي. وقيل: الخَرْجُ أخصُّ، والخَراجُ أعَمُّ. قاله ثعلب. وقيل: الخَرْجُ مصدرٌ، والخَراج اسمٌ لِما يُعطى، ثم قد يُطلق على المفعول المصدرُ كالخَلْق بمعنى المخلوق
 
96:السد بالضم والفتح

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً}

قال الرازى فى تفسيره

الأول: قرأ حمزة والكسائي السدين بضم السين وسداً بفتحها حيث كان، وقرأ حفص عن عاصم بالفتح فيهما في كل القرآن، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالضم فيهما في كل القرآن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو السدين وسداً ههنا بفتح السين فيهما وضمها في يس في الموضعين قال الكسائي: هما لغتان، وقيل: ما كان من صنعة بني آدم فهو السد بفتح السين، وما كان من صنع الله فهو السد بضم السين والجمع سدد، وهو قول أبي عبيدة وابن الأنباري، قال صاحب الكشاف: السد بالضم فعل بمعنى مفعول أي هو مما فعله الله وخلقه، والسد بالفتح مصدر حدث يحدثه الناس.
 
97:العوج بالفتح والكسر

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً }

قال الشيخ الزمخشري فى تفسيره

{ يَنسِفُهَا } يجعلها كالرمل، ثم يرسل عليها الرياح فتفرّقها كما يذرّى الطعام { فَيَذَرُهَا } أي فيذر مقارّها ومراكزها. أو يجعل الضمير للأرض وإن لم يجر لها ذكر، كقوله تعالى:
{ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ }
[فاطر: 45]. فإن قلت: قد فرّقوا بين العوج والعوج، فقالوا: العوج بالكسر في المعاني. والعوج بالفتح في الأعيان، والأرض عين، فكيف صح فيها المكسور العين؟قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية، لعثر فيها على عوج في غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله عزّ وعلا ذلك العوج الذي دقّ ولطف عن الإدراك، اللهمَّ إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني، فقيل فيه: عوج بالكسر. الأمت النتوّ اليسير، يقال: مدّ حبله حتى ما فيه أمت
 
98:الغِيبة والإفك والبهتان

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

قال القرطبي فى تفسيره

قوله تعالى: { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } نهى عز وجل عن الغِيبة، وهي أن تذكر الرجل بما فيه، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان.

ثبت معناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «أتدرون ما الغِيبة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد ٱغتبته وإن لم يكن فيه فقد بَهَتّه» " يقال: ٱغتابه ٱغتياباً إذا وقع فيه؛ والاسم الغِيبة، وهي ذكر العَيْب بظهر الغَيْب. قال الحسن: الغِيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى: الغِيبة والإفك والبهتان. فأما الغِيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
 
99:الوثن والصنم

{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قال البقاعى فى تفسيره

قال القزاز: قال أبو منصور: الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ما كان له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو ذهب أو جوهر أو غيره ينحت فينصب فيعبد، والصنم الصورة التي بلا جثة، ومنهم من جعل الوثن صنماً - انتهى.

وقال عبد الحق: قال الهروي: قال ابن عرفة: ما كان له صورة من جص أو حجارة أو غير ذلك فهو وثن - انتهى. فقد علم من ذلك أنه لا بد فيه من صورة أو جثة، وعلى كل تقدير فهو ثان لما شابه صورته أو جثته وزائد عليه. وقال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتاب الزينة: الصنم تمثال من حجارة على صورة الإنسان، فإذا كان من خشب فهو وثن، ويتخذ أيضاً من جص، وربما صوروا في الحائط أيضاً صورة إنسان فتسمى تلك الصورة أيضاً وثناً
 
100:الوكز واللكز

{ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }

قال الرازى فى تفسيره
وقرأ ابن مسعود: (فلكزه موسى)، وقال بعضهم: الوكز في الصدر واللكز في الظهر
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله: { فَوَكَزَهُ } أي: دَفَعَه بجميع كَفَّه. والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ: أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل: بالعكسِ. والنَّكْزُ كاللَّكْزِ. قال:
3589ـ يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ
وقرأ ابنُ مسعود " فَلَكَزه " و " فَنَكَزَه " باللام والنونِ.
 
عودة
أعلى