أسرار الأستثناء فی كتاب الله

إنضم
31/10/2015
المشاركات
2,088
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم

من الاساليب البديعة فى اللغة العربية اسلوب الأستثناء

والمتعمق فى هذا الاسلوب فى كتاب الله يجد و يستنبط الكثير من الفوائد والدرر

ولا اعلم احدا تناول بالبحث هذا الأسلوب فی كتاب الله من أوله الي أخره علي حسب علمی القاصر

وان شاء الله سوف اقوم برحلة مع هذا الاسلوب فى كتاب الله.

وسوف ألتزم بترتيب السور اى البداية بسورة الفاتحة ثم البقرة ثم ال عمران و...

اللهم اجعله فى ميزان حسناتى على أرض المحشر


سورة الفاتحة

الجوهرة الاولى


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


قال الامام ابن عطية فى المحرر الوجيز

اختلف القراء في الراء من غير، فقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بخفض الراء، وقرأ بن كثير بالنصب، وروي عنه الخفض.

قال أبو علي: " الخفض على ضربين: على البدل، من { الذين } ، أو على الصفة للنكرة، كما تقول مررت برجل غيرك، وإنما وقع هنا صفة لـ { الذين } لأن { الذين } هنا ليس بمقصود قصدهم، فالكلام بمنزلة قولك إني لأمر بالرجل مثلك فأكرمه ".


قال: " والنصب في الراء على ضربين: على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوباً عليهم، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم، ويجوز النصب على أعني ". وحكي نحو هذا عن الخليل.


وقال الحافظ ابن كثير فى تفسيره


قال الزمخشري: وقرىء بالنصب على الحال، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير. وذو الحال الضمير في عليهم. والعامل أنعمت. والمعنى: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره، غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق، وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحق. وأكد الكلام بلا؛ ليدل على أن ثَمّ مسلكين فاسدين، وهما طريقة اليهود والنصارى،

وقد زعم بعض النحاة أن غير ههنا استثنائية، فيكون على هذا منقطعاً؛ لاستثنائهم من المنعم عليهم، وليسوا منهم،

وما أوردناه أولى

سورة البقرة

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }


اعلم اخى الحبيب ان اختلاف العلماء فى كون ابليس من الملائكة ام لا راجع الى الاختلاف فى نوع الاستثناء فى هذة الاية


فمن ذهب الى ان الاستثناء فى الاية متصل يقول ان ابليس كان من الملائكة

ومن ذهب الي ان الاستثناء قى الاية منقطع وهو الذی اقول به يقول ان ابليس لم يكن من الملائكة بل من الجن بنص كتاب الله ولكنه لما كان على درجة كبيرة فى العبادة وصل الى مقام الملائكة فى القرب وشمله الامر بالسجود وان لم يكن منهم فى الحقيقة

قال القرطبي فى تفسيره:

الخامسة: قوله: { إِلاَّ إِبْلِيسَ } نصب على الاستثناء المتصل؛ لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور: ٱبن عباس وٱبن مسعود وٱبن جُريج وٱبن المسيّب وقَتادة وغيرهم؛ وهو ٱختيار الشيخ أبي الحسن، ورجّحه الطبري؛ وهو ظاهر الآية...

وقال شَهْر بن حَوْشَب وبعض الأصوليين: كان من الجنّ الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبَوْه صغيراً وتعبّد مع الملائكة وخُوطب؛ وحكاه الطبري عن ٱبن مسعود. والاستثناء على هذا منقطع،

وقال الطبري:

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: أما العرب فـيقولون: ما الـجنّ إلا كلّ من اجتنّ فلـم يرى. وأما قوله:
{ إلاَّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ }
أي كان من الـملائكة، وذلك أن الـملائكة اجتنّوا فلـم يروا، وقد قال الله جل ثناؤه:
{ وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ الـجِنةِ نَسَبـاً وَلَقدْ علـمتِ الـجنَّةُ أنهم لَـمُـحْضَرُونَ }
وذلك لقول قريش: إن الـملائكة بنات الله. فـيقول الله: إن تكن الـملائكة بناتـي فإبلـيس منها، وقد جعلوا بـينـي وبـين إبلـيس وذرّيته نسبـا......

قال أبو جعفر: وهذه علل تنبىء عن ضعف معرفة أهلها. وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خـلق أصناف ملائكته من أصناف من خـلقه شتـى، فخـلق بعضاً من نور، وبعضاً من نار، وبعضاً مـما شاء من غير ذلك. ولـيس فـيما نزل الله جل ثناؤه الـخبر عما خـلق منه ملائكته وإخبـاره عما خـلق منه إبلـيس ما يوجب أن يكون إبلـيس خارجاً عن معناهم، إذ كان جائزاً أن يكون خـلق صنفـاً من ملائكته من نار كان منهم إبلـيس، وأن يكون أفرد إبلـيس بأن خـلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غير مخرجه أن يكون كان من الـملائكة بأن كان له نسل وذرية لـما ركب فـيه من الشهوة واللذّة التـي نزعت من سائر الـملائكة لـما أراد الله به من الـمعصية.

وأما خبر الله عن أنه من الـجن، فغير مدفوع أن يسمى ما اجتنّ من الأشياء عن الأبصار كلها جِنّاً، كما قد ذكرنا قبلُ فـي شعر الأعشى، فـيكون إبلـيس والـملائكة منهم لاجتنانهم عن أبصار بنـي آدم
 
الجوهرة الثانية

{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّأَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }


اعلم اخى الحبيب لو كان معنى الامانى الاكاذيب يكون الاستثناء فى الاية منقطع اى لا يعلمون الكتاب لكن اكاذيب اخذوها من احبارهم


ولو كان معنى الامانى القراءة قديكون الاستثناء فى الاية متصل اى لايعلمون الكتاب الا علم القراءة والتلاوة مع عدم الفهم


قال القرطبي فى تفسيره:

قوله تعالى: { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } «إلاّ» ها هنا بمعنى لكن، فهو استثناء منقطع؛ كقوله تعالى: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ }

وقال النابغة:
حلفتُ يميناً غير ذي مَثْنَوِيةٍ
ولا عِلْمَ إلاَّ حُسْنَ ظنٍ بصاحِب

وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج «إلاّ أمانِيَ» خفيفة الياء؛ حَذفوا إحدى الياءين ٱستخفافاً. قال أبو حاتم: كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدّد، فلك فيه التشديد والتخفيف؛ مثل أثافي وأغاني وأماني، ونحوه. وقال الأخفش: هذا كما يقال في جمع مفتاح: مفاتيح ومفاتح، وهي ياء الجمع. قال النحاس: الحذف في المعتل أكثر؛ كما قال الشاعر:
وهل يَرجع التسليمَ أو يكشفُ العَمَى
ثلاثُ الأثفي والرّسومُ البلاقع

والأماني جمع أمنِيّة وهي التلاوة؛ وأصلها أمْنُويَة على وزن أُفعولة، فأدغمت الواو في الياء فانكسرت النون من أجل الياء فصارت أُمنية؛ ومنه قوله تعالى:
{ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ }
[الحج:52] أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته. وقال كعب بن مالك:

تمنَّى كتابَ الله أوّلَ ليلهِ
وآخِرَه لاقَى حِمَامَ المقادر
وقال آخر:
تمنَّى كتابَ الله آخِر لَيْلِه
تَمَنّى داودَ الزّبُورَ على رِسْلِ

والأماني أيضاً الأكاذيب؛ ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما تمنّيت منذ أسلمت؛ أي ما كذبت. وقول بعض العرب لابن دَأْب وهو يحدّث: أهذا شيء رَوَيْتَه أم شيء تمنّيته؟ أي ٱفتعلَته. وبهذا المعنى فسّر ٱبن عباس ومجاهد «أمانيّ» في الآية. ولأمانيّ أيضاً ما يتمنّاه الإنسان ويشتهيه. قال قتادة: «إلا أمانيّ» يعني أنهم يَتَمَنَّوْن على الله ما ليس لهم. وقيل: الأماني التقدير؛ يقال: مَنَى له أي قدّر؛ قاله الجوهري، وحكاه ٱبن بحر، وأنشد قول الشاعر:
لا تأمنَنّ وإن أمسيتَ في حَرَمٍ
حتى تُلاقِي ما يَمْنِي لك المانِي
أي يقدّر لك المقدّر.

وقال الالوسي فى تفسيره:

{ إِلاَّ أَمَانِىَّ } جمع ـ أمنية ـ وأصلها ـ أمنوية، أفعولة وهو في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من ـ منى ـ إذا قدر، ولذلك تطلق على الكذب وعلى ما يتمنى وما يقرأ، والمروي عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم أن ـ الأماني ـ هنا ـ الأكاذيب ـ أي إلا أكاذيب أخذوها تقليداً من شياطينهم المحرفين، وقيل: إلا ما هم عليه من أمانيهم أن الله تعالى يعفو عنهم ويرحمهم، ولا يؤاخذهم بخطاياهم/ وأن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم، وقيل إلا مواعيد مجردة سمعوها من أحبارهم من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً، وأن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة ـ واختاره أبو مسلم ـ والاستثناء على ذلك منقطع

لأن ما هم عليه من الأباطيل، أو سمعوه من الأكاذيب ليس من الكتاب، وقيل: إلا ما يقرؤن قراءة عادية عن معرفة المعنى وتدبره، فالاستثناء حينئذٍ متصل بحسب الظاهر، وقيل: منقطع أيضاً إذ ليس ما يتلى من جنس علم الكتاب

وقال ابن كثير:

وقوله تعالى: { إِلاَّ أَمَانِىَّ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أماني الأحاديث، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: { إِلاَّ أَمَانِىَّ } يقول: إلا قولاً يقولونه بأفواههم كذباً. وقال مجاهد: إلا كذباً. وقال سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ أَمَانِىَّ } قال: أناس من اليهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب، أماني يتمنونها، وعن الحسن البصري نحوه، وقال أبو العالية والربيع وقتادة: إلا أماني: يتمنون على الله ما ليس لهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إلا أماني، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب، وليسوا منهم، قال ابن جرير: والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس، وقال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئاً، ولكنهم يتخرصون الكذب، ويتخرصون الأباطيل كذباً وزوراً، والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه، ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت، يعني ما تخرصت الباطل، ولا اختلقت الكذب،

وقيل: المراد بقوله: إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضاً: أي: إلا تلاوة، فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ }
[الحج: 52] - أي: تلا -
{ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ }
[الحج: 52] الآية،

وقال السمين الحلبي فی الدر المصون:

قوله: { إِلاَّ أَمَانِيَّ } هذا استثناءٌ منقطعُ، لأن الأمانيَّ ليست من جنسِ الكتابِ، ولا مندرجةٌ تحتَ مدلولِه، وهذا هو المنقطعُ، ولكنَّ شرطه أن يُتَوَهَّمَ دخولُه بوجهٍ ما كقولِه:
{ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ }
[النساء: 157]/ وقولِ النابغة:
556ـ حَلَفْتُ يميناً غيرَ ذي مَثْنَوِيَّةٍ ولا عِلْمَ إلا حُسْنُ ظنٍّ بصاحبِ
لأنَّ بِذِكْرِ العلم استُحْضِرَ الظنُّ، ولهذا لا يَجُوز: صَهَلَت الخيلُ إلا حماراً.

واعلمْ أنَّ المنقطعَ على ضَرْبَيْن: ضربٍ يَصِحُّ تَوَجُّهُ العاملِ عليه نحو: " جاء القومُ إلا حماراً " وضربٍ لا يتوجَّهُ نحو ما مَثَّل به النحويون: " ما زاد إلا ما نَقَصَ، وما نَفَعَ إلا ما ضَرَّ " فالأول فيه لغتان: لغةُ الحجازِ وجوبُ نصبهِ ولغةُ تميمٍ أنه كالمتصل، فيجوزُ فيه بعد النفي وشِبْهِهِ النصبُ والإِتباعُ، والآيةُ الكريمة من الضَرْب الأول، فيَحْتملُ نصبُها وجهين، أَحَدُهُما: على الاستثناء المنقطع، والثاني: أنه بدلٌ من الكتاب، و " إلا " في المنقطع تُقَدَّر عند البصريين بـ " لكن " وعند الكوفيين بـ " بل ". وظاهرُ كلام أبي البقاء أن نَصْبَه على المصدرِ بفعلِ محذوفٍ، فإنَّه قال: { إِلاَّ أَمَانِيَّ } استثناء منقطع، لأنَّ الأمانيَّ ليس من جنسِ العلم، وتقديرُ " إلاَّ " في مثلِ هذا بـ " لكنْ " ، أي: لكنْ يتَمنَّونه أمانيَّ، فيكونُ عندَه من بابِ الاستثناء المفَرَّغِ المنقطعِ، فيصيرُ نظيرَ: " ما علمتُ إلا ظناً " وفيه نظرٌ.

وقال ابن الجوزی فی زاد مسيره

قوله تعالى: { إِلا أمانيَّ } جمهور القراء على تشديد الياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر، بتخفيف الياء، وكذلك:
{ تلك أمانيهم }
[البقرة:111 ] و
{ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب }
[النساء:123]
{ في أمنيته }
[الحج: 52]
{ وغرتكم الأماني }
[الحديد: 14] كله بتخفيف الياء وكسر الهاء من «أمانيهم». ولا خلاف في فتح ياء «الأماني».

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها الأكاذيب. قال ابن عباس: إلا أمانيَّ: يريد إلا قولاً يقولونه بأفواههم كذباً. وهذا قول مجاهد واختيار الفراء. وذكر الفراء أن بعض العرب قال لابن دأب وهو يحدث: أهذا شيء رويته، أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته؟.

والثاني: أن الأماني: التلاوة، فمعناه: لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم. قال الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة تمنيَ داود الزبور على رسل
وهذا قول الكسائي والزجاج.

والثالث: أنها أمانيهم على الله، قاله قتادة.
 
أشكرك أختی الفاضلة علي مرورك الكريم

الجوهرة الثالثة

{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قال الامام الرازى فى تفسيره

المسألة الخامسة: ههنا سؤال،
وهو أن شبهة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ليست بحجة، فكيف يجوز استثناؤها عن الحجة

وقد اختلف الناس فيه على أقوال.

الأول
: أنه استثناء متصل ثم على هذا القول يمكن دفع السؤال من وجوه:


الوجه الأول: أن الحجة كما أنها قد تكون صحيحة، قد تكون أيضاً باطلة، قال الله تعالى

{ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ }

[الشورى: 16] وقال تعالى:

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ }

[آل عمران: 61] والمحاجة هي أن يورد كل واحد منهم على صاحبه حجة وهذا يقتضي أن يكون الذي يورد المبطل يسمى بالحجة ولأن الحجة اشتقاقها من حجة إذا علا عليه فكل كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجة، وقال بعضهم: إنها مأخوذة من محجة الطريق، فكل كلام يتخذه الإنسان مسلكاً لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجة، وإذا ثبت أن الشبهة قد تسمى حجة كان الاستثناء متصلاً.


الوجه الثاني: في تقرير أنه استثناء متصل: أن المراد بالناس أهل الكتاب فإنهم وجدوه في كتابهم أنه عليه الصلاة والسلام يحول القبلة فلما حولت، بطلت حجتهم إلا الذين ظلموا بسبب أنهم كتموا ما عرفوا عن أبي روق.


الوجه الثالث: أنهم لما أوردوا تلك الشبهة على اعتقاد أنها حجة سماها الله. (حجة) بناء على معتقدهم أو لعله تعالى سماها (حجة) تهكماً بهم.


الوجه الرابع: أراد بالحجة المحاجة والمجادلة فقال: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } فإنهم يحاجونكم بالباطل.

القول الثاني
:
أنه استثناء منقطع،
ومعناه لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويضعونها موضع الحجة، وهو كقوله تعالى:

{ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاع الظَّنّ }.انتهى


واحب ان انقل ايضا ما قاله السمين الحلبى فى الدر المصون قال:


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ } قرأ الجمهور " إلاَّ " بكسرِ الهمزةِ وتشديدِ اللام، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد بفتحِها وتخفيفِ اللامِ على أنها للاستفتاح.


فأما قراءة الجمهور فاختلف النحويون/ في تأويلها على أربعةِ أقوال أظهرُها
: - وهو اختيارُ الطبري، وبدأ به ابن عطية، ولم يذكر الزمخشري غيرَه - أنه استثناء متصلٌ، قال الزمخشري: " ومعناه لئلا يكونَ حجةٌ لأحدٍ من اليهودِ إلا للمعانِدِين منهم القائلينَ: ما ترك قبلتنا إلى الكعبةِ إلا مَيْلاً لدين قومه وحُبَّاً لهم، وأَطلْق على قولِهم " حجة " لأنهم ساقُوه مَساقَ الحُجّة. وقال ابن عطية: " المعنى أنه لا حجة لأحدٍ عليكم إلا الحجةُ الداحضةُ للذين ظلموا من اليهود وغيرِهم الذين تكلَّموا في النازلة، وسمَّاها حُجَّة، وحكم بفسادها حين كانت من ظالم ".


الثاني: انه استثناءٌ منقطعٌ فيُقَدَّر بـ " لكن " عند البصريين وببل عند الكوفيين لأنه استثناءٌ مِنْ غيرِ الأولِ والتقديرُ: لكنَّ الذين ظلموا فإنَّهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبْهَة يَضَعونَها موضعَ الحُجَّةِ.
ومثارُ الخلافِ هو: هل الحُجَّةُ هو الدليلُ الصحيحُ أو الاحتجاجُ صحيحاً كان أو فاسداً؟ فعلى الأولِ يكونُ منقطعاً وعلى الثاني يكون متصلاً
.


الثالث: - وهو قولُ أبي عبيدة - أن " إلاَّ " بمعنى الواو العاطفةِ،


وجَعَلَ من ذلك قولَه:ـ وكلُّ أخٍ مُفَارِقُه أَخوه لَعَمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدان

وقولِ الآخر: ـ ما بالمدينةِ دارٌ غيرُ واحدةٍ دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا


تقديرُ ذلك عنده: " ولا الذين ظلموا - والفرقدان - ودار مروان " وقد خَطَّأه النحاةُ في ذلك كالزجاج وغيره.



الرابع: أنَّ " إلا " بمعنى بَعْدَ، أي: بعد الذين ظلموا، وجعل منه قولَ الله تعالى:

{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ }

[الدخان: 56]، وقولَه تعالى:

{ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }

[النساء: 22] تقديرُه: بعد الموتةِ وبعدَ ما قد سَلَف، وهذا من أفسدِ الأقوالِ وأنْكَرِها وإنما ذكرْتُه لغرضِ التنبيه على ضَعْفِه انتهي

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} * {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}


قال السمين الحلبى فى الدر المصون:


قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ }: فيه وجهان،


أحدُهما: أَنْ يكونَ استثناءً متصلاً، والمستثنى منه هو الضميرُ في " يلعنهم ".


والثاني: أن يكونَ استثناءً منقطعاً لأنَّ الذين كَتَمُوا لُعِنوا قبل أن يتوبوا، وإنما جاء الاستثناءُ لبيان قَبولِ التوبة، لأنَّ قوماً من الكاتمين لم يُلْعَنوا، ذكر ذلك أبو البقاء وليس بشيء.
 
الجوهرة الرابعة

{ الطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاًإِلاَّ أَن يَخَافَآأَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ }

قال الامام الرازى فى تفسيره:
المسألة الثانية: اختفلوا في أن قوله تعالى: { إلا أن يخافا }هو استثناء متصل أو منقطع،

وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة فقهية،وهي أن أكثر المجتهدين قالوا: يجوز الخلع في غير حالة الخوف والغضب، وقال الأزهري والنخعي وداود: لا يباح الخلع إلا عند الغضب، والخوف من أن لا يقيما حدود الله، فإن وقع الخلع في غير هذه الحالة فالخلع فاسد وحجتهم أن هذه الآية صريحة في أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من المرأة عند طلاقها شيئاً، ثم استثنى الله حالة مخصوصة فقال: { إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } فكانت الآية صريحة في أنه لا يجوز الأخذ في غير حالة الخوف،

وأما جمهور المجتهدين فقالوا: الخلع جائز في حالة الخوف وفي غير حالة الخوف والدليل عليه قوله تعالى:
{ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }
[النساء: 4] فإذا جاز لها أن تهب مهرها من غير أن تحصل لنفسها شيئاً بإزاء ما بذل كان ذلك في الخلع الذي تصير بسببه مالكة لنفسها أولى، وأما كلمة { إِلا } فهي محمولة على الاستثناء المنقطع كما في قوله تعالى:
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خطئاً }
[النساء: 92] أي لكن إن كان خطأ
{ فتحريرُ رَقبةٍ مؤمنةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ }
[النساء: 92]. انتهي


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ
سِرّاًإِلاَّأَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواعُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا في أنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ واعْلَمُوۤاْ أَن اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }


قال السمين الحلبى فى الدرالمصون


قوله: { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ } في هذا الاستثناءِ قولان، أحدُهما:
أنه استثناءٌ منقطعٌ
لأنه لا يندرجُ تحت " سِرّ " على أيِّ تفسيرٍ فَسَّرْتَه، به، كأنه [قال]: لكنْ قولوا قولاً معروفاً.

والثاني:
أنه متصلٌ
وفيه تأويلان ذكَرهما الزمخشري فإنه قال: " فإنْ قلتَ بِمَ يَتَعَلَّقُ حرفُ الاستثناءِ؟ قلت: بـ " لا تواعِدُوهُنَّ " ، أي: لا تواعِدُوهُنَّ مواعَدةً قط إلا مواعدةً معروفة غيرَ مُنْكَرةٍ، أو لا تواعِدُوهُنَّ إلا بِأَنْ تقولوا، أي: لا تواعدوهُنَّ إلاَّ بالتعريض، ولا يكونُ استثناءً منقطعاً من " سراً " لأدائِهِ إلى قولِكَ: لا تواعِدوهُنَّ إلا التعريضَ " انتهى.


فَجَعَلَهُ استثناءً متصلاً مفرغاً على أحدِ تأويلين،
الأولُ: أنه مستثنى من المصدرِ، ولذلك قَدَّره: لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً قط إلاَّ مواعدةً معروفةً. والثاني: أنه من مجرورٍ محذوفٍ، ولذلك قَدَّره بـ " إلاَّ بأَنْ تقولوا " ، لأنَّ التقديرَ عنده: لا تواعِدُوهُنَّ بشيء إلا بِأَنْ تقولوا
انتهى

وما اجمل ما نقله الحافظ بن كثير فى تفسيره

وقال محمد بن سيرين: قلت لعبيدة: ما معنى قوله: { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا }؟ قال: يقول لوليها: لا تسبقني بها، يعني: لا تزوجها حتى تعلمني، رواه ابن أبي حاتم.
 
الجوهرة الخامسة

{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّأَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إَلاَّ أَن يَعْفُونَ } في هذا الاستثناءِ وجهان،

أحدُهما: أن يكونَ استثناءً منقطعاً قال ابن عطية وغيرُه: " لأنَّ عفوهُنَّ عن النصف ليس من جنسِ أَخْذِهِنَّ ".

والثاني:
أنه متصلٌ لكنه من الأحوال، لأنَّ قولَه: { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } معناه: فالواجبُ عليكم نصفُ ما فَرَضْتُم في كلِّ حال إلا في حالِ عَفْوِهِنَّ، فإنه لا يَجِبُ، وإليه نحا أبو البقاء، وهذا ظاهرٌ، ونظيرُه:
{ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ }
 
الجوهرة السادسة

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْه فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قال الامام ابو حيان فى تفسيره

{ إلا من اغترف غرفة بيده } هذا استثناء من الجملة الأولى، وهي قوله: { فمن شرب منه فليس مني } والمعنى: أن من اغترف غرفة بيده دون الكروع فهو مني، والاستثناء إذا اعتقب جملتين، أو جملاً، يمكن عوده إلى كل واحدة منها، فإنه يتعلق بالأخيرة

،وهذا على خلاف في هذه المسألة مذكور في علم أصول الفقه،

فإن دل دليل على تعلقها ببعض الجمل كان الاستثناء منه، وهنا دل الدليل على تعلقها بالجملة الأولى، وإنما قدمت الجملة الثانية على الاستثناء من الأولى لأن الجملة الثانية تدل عليها الأولى بالمفهوم، لأنه حين ذكر أن الله يبتليهم بنهر، وأن من شرب منه فليس منه، فهم من ذلك أن من لم يشرب منه فإنه منه، فصارت الجملة الثانية كلاًّ فصل بين الأولى والاستثناء منها إذا دلت عليها الأولى، حتى إنها لو لم يكن مصرحاً بها لفهمت من الجملة الأولى....

وانقل لك اخى الحبيب ما قاله السمين الحلبى تلميذ الامام ابى حيان فى الدر المصون:

قوله: { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ } منصوبٌ على الاستثناء، وفي المستثنى منه وجهان،

الصحيحُ أنه الجملة الأولى وهي: " فَمَنْ شَرِبَ منه فليس مني " ، والجملة الثانيةُ معترِضَةٌ بين المستثنى والمستثنَى منه، وأصلُها التأخيرُ، وإنَّما قُدِّمَتْ لأنها تَدُلُّ عليها الأولى بطريقِ المفهومِ، فإنَّه لَمَّا قال تعالى: { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } فُهِمَ منه أنَّ مَنْ لم يَشربْ فإنَّه منه، فلمَّا كانَتْ مدلولاً عليها بالمفهومِ صارَ الفصلُ بها كَلا فصل. وقال الزمخشري: " والجملةُ الثانية في حكم المتأخرةِ، إلاَّ أنها قُدِّمَتْ للعنايةِ، كما قُدِّمَ " والصابئون " في قولِهِ:
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ }
[المائدة: 69].

والثاني: أنه مستثنى من الجملةِ الثانيةِ، وإليه ذهب أبو البقاء. وهذا غيرُ سديدٍ لأنه يؤدِّي إلى أن المعنى: ومَنْ لم يَطْعَمْه فإنه مني إلاَّ مَنِ اغتَرَف بيدِهِ فإنه ليس مني، لأنَّ الاستثناءَ من النفي إثباتٌ، ومن الإِثباتِ نفيٌ، كما هو الصحيحُ، ولكن هذا فاسدٌ في المعنى لأنهم مفسوحٌ لهم في الاغترافِ غَرفةً واحدةً.
 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين أما بعد.. الاخ الفاضل اسامة ..ارجو ان تكتب الاستثناء في القرآن وتبحث في محرك البحث.. فإنه من المواضيع التي كتبوا فيها كثيرا وللامام القرافي كتابا بإسم(الاستغناء في الاستثناء)..والله تعالى أعلم.
 
اخی الحبيب البهيجی اعلم كتاب الامام الكبير القرافي وهو لم يتناول الاستثناء فی كتاب الله بالتفصيل من اوله الي اخره مثل ما افعل هنا

وكتاب الله مليء بالجواهر والدرر التی لاتتفذ

وان شاء الله ستكون لنا بحوث اخری غير الاستثناء

وعلي الله التكلان
 
الجوهرة السابعة

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآإِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون


{ إِلاَّ خَآئِفِينَ } حالٌ من فاعل " يَدْخُلوها " ، وهذا استثناءٌ مفرغٌ من الأحوالِ، لأن التقديرَ: ما كان لهم الدخولُ في جميع الأحوال إلا في حالةِ الخوف


{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { مِن بَعْدِ } فيه وجهانِ، أحدُهما: وهو الصحيحُ، أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديرُهُ: اختلفوا فيه مِنْ بَعْد. والثاني: أنه متعلِّقٌ بـ " اختلف " الملفوظِ به، قال أبو البقاء: ولا تَمْنَعُ " إلاَّ " من ذلك، كما تقول: " ما قام إلا زيدٌ يومَ الجمعة ".

وهذا الذي أجازه أبو البقاء للنحاةِ فيه كلامٌ كثيرٌ. وملخَّصُه أن " إلا " لا يُسْتَثْنَى بها شيئان دونَ عطفٍ أو بدليةٍ،
وذلك أنَّ " إلاَّ " مُعَدِّيَةٌ للفعلِ، ولذلك جازَ تَعَلُّقُ ما بعدها بما قبلَها، فهي كواوِ مع وهمزة التعدية، فكما أن واو " مع " وهمزة التعدية لا يُعَدِّيان الفعلَ لأكثرَ من واحدٍ، إلاَّ مع العطفِ، أو البدليةِ كذلك " إلا ". وهذا هو الصحيحُ، وإنْ كان بعضُهم خالَفَ. فإن وَرَدَ من لسانِهم ما يُوهم جوازَ ذلك يُؤَوَّل. فمنه قولُه:
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ }
[النحل: 43-44] ثم قال: " بالبينات " ، فظاهر هذا أن " بالبينات " متعلقٌ بأرسلنا، فقد استُثْنِيَ بـ " إلا " شيئان، أحدُهما " رجالاً " والآخرُ " بالبينات ".

وتأويلُه أنَّ " بالبينات " متعلِّقٌ بمحذوفٍ لئلا يلزَمَ منه ذلك المحذورُ. وقد منع أبو الحسن وأبو علي: " ما أخذ أحدٌ إلا زيدٌ درهماً " و " ما ضربَ القومُ إلا بعضُهم بعضا ". واختلفا في تصحيحِها فقال أبو الحسن: " طريقُ تصحيحِها بأَنْ تُقَدِّم المرفوعَ الذي بعد " إلاَّ " عليها، فيقال: ما أخذَ أحدٌ زيدٌ إلا درهماً، فيكونُ " زيدٌ " بدلاً من " أحد " و " درهماً " مستثنى مفرغٌ من ذلك المحذوف، تقديرُهُ: ما أخذ أحدٌ زيدٌ شيئاً إلا درهماً ". وقال أبو علي: " طريقُ ذلك زيادةُ منصوبٍ في اللفظ فَيَظْهَرُ ذلك المقدَّرُ المستثنى منه، فيقال: " ما أخذ أحدٌ شيئاً إلا زيدٌ درهماً " فيكونُ المرفوعُ بدلاً من المرفوعِ، والمنصوبُ بدلاً من المنصوب وكذلك: ما ضَرَبَ القومُ أحداً إلا بعضُهم بعضاً. وقال أبو بكر بن السراج: تقول: " أعطيت الناسَ درهماً إلا عُمَراً " جائز. ولو قلت: " أعطيتُ الناسَ درهماً إلا عمراً الدنانيرَ " لم يَجُزْ، لأنَّ الحرفَ لا يُسْتَثْنَى به إلا واحدٌ. فإنْ قُلْتَ: " ما أَعْطَيْتُ الناسَ درهماً إلا عَمْراً دانقاً " على الاستثناءِ لم يَجُزْ، أو على البدلِ [جاز] فَتُبْدِلُ " عمراً " من الناس، و " دانقاً " من " درهماً ". كأنك قلتَ: " ما أعطيت إلا عمراً دانقاً " يعني أنَّ الحصرَ واقعٌ في المفعولين.

قال بعض المحققين: " وما أجازَه ابن السراج من البدل في هذه المسألة ضعيفٌ، وذلك أنَّ البدلَ في الاستثناء لا بُدَّ من مُقارَنَتِهِ بـ " إلاَّ " ، فَأَشْبَهَ العطفَ، فكما أنه لا يَقَعُ بعدَ حرفِ العطفِ معطوفان لا يَقَعُ بعدَ " إلاَّ " بدلان ".

فإذا عُرِفَ هذا الأصلُ وما قال الناسُ فيه كان إعرابُ أبي البقاء في هذه الآيةِ الكريمةِ من هذا البابِ، وذلك أنه استثناءٌ مفرَّغٌ،
وقد وَقَعَ بعدَ " إلاَّ " الفاعلُ وهو " الذين " ، والجارُّ والمجرورُ وهو " مِنْ بعد " ، والمفعولُ من أجلِهِ وهو " بغياً " فيكونُ كلٌّ منهما محصوراً.
والمعنى: وما اختلفَ فيه إلا الذين أُوتوه إلاَّ من بعدِ ما جَاءَتْهُم البيناتُ إلا بغياً. وإذا كان التقدير كذلك فقد اسْتُثْنِيَ بـ " إلاَّ " شيئان دونَ الأولِ الذي هو فاعلٌ من غيرِ عطفِ ولا بدليةٍ. وإنما استوفيتُ الكلام في هذه المسألة لكثرةِ دُوْرِها

انتهى
 
الجوهرة الثامنة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب
بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ
فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً
فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ
يكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ اشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ
إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا
بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ
يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً } في هذا الاستثناءِ قولان، أحدُهما:


أنه متصلٌ قال أبو البقاء: " والجملةُ المستثناةُ في موضعِ نصبٍ لأنه استثناءٌ من الجنس لأنه أمرٌ بالاستشهادِ في كلِّ معاملةٍ، واستثنى منها التجارة الحاضرةَ، والتقديرُ: إلا في حالِ حضورِ التجارةِ ".


والثاني: انه منقطعٌ، قال مكي ابن أبي طالب: " و " أَنْ " في موضعِ نصبٍ على الاستثناءِ المنقطعِ " قلت: وهذا هو الظاهرُ، كأنه قيل: لكنّ التجارةَ الحاضرةَ فإنه يجوزُ عدمُ الاستشهادِ والكَتْبِ فيها.
 
الحمد لله.
جهد مشكور ومثمن أخى الحبيب أسامة.
وأقل ما يكفيك لم الشتات تحت سقف واحد.
واصل بارك الله فيك ولا تلتفت فالمبحث جد نفيس.
وتحياتي.
 
أشكرك اخی الحبيب سعيد علي مرورك العطر

سورة ال عمران
الجوهرة التاسعة

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }


الاختلاف فى معنى هذا الاسثناء مشهور بين اهل العلم وهو هل نقف عند الله ثم نقل والراسخون اى لا يعلم التاويل الا الله.

ام الراسخون عطف على الله اى يعلمون التاويل

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

وهل يعلم الراسخون تأويله أم لا؟ فيه قولان.

أحدهما: أنهم لا يعلمونه، وأنهم مستأنفون، وقد روى طاووس عن ابن عباس أنه قرأ { ويقول الراسخون في العلم آمنّا به } وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وابن عباس، وعروة، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، والفراء، وأبو عبيدة، وثعلب، وابن الأنباري، والجمهور. قال ابن الأنباري: في قراءة عبد الله { إِن تأويله، إِلا عند الله والراسخون في العلم } وفي قراءة أُبيّ، وابن عباس { ويقول الراسخون } وقد أنزل الله تعالى في كتابه أشياء، استأثر بعلمها، كقوله تعالى:
{ قل إنما علمها عند الله }
[الأعراف: 187] وقوله تعالى:
{ وقروناً بين ذلك كثيراً }
[الفرقان: 38] فأنزل الله تعالى المجمل، ليؤمن به المؤمن، فيسعد، ويكفر به الكافر، فيشقى.

والثاني: أنهم يعلمون، فهم داخلون في الاستثناء. وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله، وهذا قول مجاهد، والربيع، واختاره ابن قتيبة، وأبو سليمان الدمشقي. قال ابن الأنباري: الذي روى هذا القول عن مجاهد ابن أبي نجيح، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد.
 
الجوهرة العاشرة

{ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْتُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ اللَّهِ الْمَصِيرُ }


قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ } هذا استثناءٌ مفرغٌ من المفعول [من أجله، والعامل فيه: لا يَتَّخِذُ أي]: لا يَتَّخِذُ المؤمنُ الكافر وليّاً لشيءٍ من الأشياء إلا للتَقِيَّة ظاهراً، أي يكونُ مُواليَه في الظاهر ومعادِيَه في الباطن،
 
الجوهرة الحادية عشر

{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍإِلاَّ رَمْزاًوَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { إِلاَّ رَمْزاً } فيه وجهان، أحدُهما:
أنه استثناءٌ منقطع
لأنَّ الرمزَ ليس من جنسِ الكلام، إذ الرمز: الإِشارةُ بعينٍ أو حاجبٍ، أو نحوهما، ولم يَذْكُر أبو البقاء غيرَه، واختارَه ابنُ عطية بادِئاً به فإنه قال: " والكلامُ المرادُ في الآية إنما هو النطقُ باللسان لا الإِعلامُ بما في النفسِ، فحقيقةُ هذا الاستثناءِ أنه استثناءٌ منقطعٌ " ثم قال:
" وذهب الفقهاءُ إلى أنَّ الإِشارةَ ونحوَها في حكمِ الكلامِ في الأَيْمان ونحوِها، فعلى هذا يَجِيءُ الاستثناءُ متصلاً ".

والوجه الثاني:
أنه متصلٌ؛
لأنَّ الكلامَ لغةً يُطلقُ بإزاء معانٍ، الرمزُ والإِشارةُ من جملتها، وأنشدوا على ذلك:1271ـ إذا كَلَّمَتْني بالعيونِ الفواترِ رَدَدْتُ عليها بالدموعِ البوادِرِ
وقال آخر:1272ـ أرادَتْ كلاماً فاتَّقَتْ من رقيبها فلم يَكُ إلا وَمْؤُها بالحواجبِ
وقد استعمل الناسُ ذلك فقال حبيب:1273ـ كَلَّمْتُه بجفونٍ غيرِ ناطقة فكانَ مِنْ رَدِّهِ ما قالَ حاجِبُهْ
وبهذا الوجه بدأ الزمخشري مختاراً له قال: " لمَّا أُدِّي مُؤَدَّى الكلام وفُهِم منه ما يُفْهَمُ منه سُمِّي كلاماً، ويجوز أَنْ يكونَ استثناء منقطعاً ".

والرَّمْزُ: الإِشارةُ والإِيماءُ بعينٍ أو حاجبٍ أو يَدٍ، ومنه قيلَ للفاجِرَةِ: الرامِزَة والرَّمَّازة،
 
بسم الله الرحمن الرحيم الاستاذ أسامة المحترم أرجو ان لا أثقل عليك بمداخلاتي..أخي الكريم أنصحك ان تقوم بالترجيح بين أقوال المفسرين مع ذكر أسباب الترجيح فعند ذلك يكون لعملك وزنا وقدرا..أما مجرد نقل أقوالهم ففائدة قليلة زادنا الله تعالى واياكم علما وفهما.
 
ان شاء الله يكون عملي عظيم الفائدة اخی الحبيب

ويكثر نفعه فی الامة ان شاء الله وبفضله وان لم اذكر الترجيح فيكفینی ان اعطی الثمرة حتی تقدح فی الذهن

واشكرك علي مداخلاتك اخی الحبيب البهيجی واقتراحك وان لم تنتفع بالموضوع من مجرد نقلي لكتب المفسرين سينتفع به غيرك ان شاء الله دمت فی حفظ الله ورعايته


الجوهرة الثانية عشر

{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرائيل إلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ
عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

اعلم اخى الحبيب اختلف المفسرون هل ما حرم اسرائيل على نفسه حرم ايضا على بنى اسرائيل فى التوراة؟؟؟

والاختلاف راجع الى نوع الاستثناء فى الاية هل هو منقطع ام متصل

قال الامام الطبرى فى تفسيره

ثم اختلف أهل التأويـل فـي تـحريـم ذلك علـيهم،
هل نزل فـي التوراة أم لا؟ فقال بعضهم: لـما أنزل الله عزّ وجلّ التوراة، حرّم علـيهم من ذلك ما كانوا يحرّمونه قبل نزولها
. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ قوله: { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لّبَنِى

إِسْرٰءيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرٰءيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بالتَّوْرَٰةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَٰدِقِيِنَ } قالت الـيهود: إنـما نـحرّم ما حرّم إسرائيـل علـى نفسه، وإنـما حرّم إسرائيـل العروق، كان يأخذه
عرق النَّسا،
كان يأخذه بـاللـيـل ويتركه بـالنهار، فحلف لئن الله عافـاه منه لا يأكل عِرْقاً أبداً، فحرّمه الله علـيهم ثم قال: { قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَٰةِ فَاتلُوهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }: ما حرّم هذا علـيكم غيري ببغيكم، فذلك قوله:
{ فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }


فتأويـل الآية علـى هذا القول: كل الطعام كان حلاًّ لبنـي إسرائيـل، إلا ما حرّم إسرائيـل علـى نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فإن الله حرّم علـيهم من ذلك ما كان إسرائيـل حرّمه علـى نفسه فـي التوراة، ببغيهم علـى أنفسهم، وظلـمهم لها. قل يا مـحمد: فأتوا أيها الـيهود إن أنكرتـم ذلك بـالتوراة، فـاتلوها إن كنتـم صادقـين أن الله لـم يحرم ذلك علـيكم فـي التوارة، وأنكم إنـما تـحرّمونه لتـحريـم إسرائيـل إياه علـى نفسه.

وقال آخرون: ما كان شيء من ذلك علـيهم حراماً، ولا حرّمه الله علـيهم فـي التوراة،
وإنـما هو شيء حرّموه علـى أنفسهم اتبـاعاً لأبـيهم، ثم أضافوا تـحريـمه إلـى الله. فكذبهم الله عز وجل فـي إضافتهم ذلك إلـيه، فقال الله عزّ وجلّ لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا مـحمد: إن كنتـم صادقـين، فأتوا بـالتوراة فـاتلوها، حتـى ننظر هل ذلك فـيها، أم لا؟ لـيتبـين كذبهم لـمن يجهل أمرهم. ذكر من قال ذلك:

حدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرٰءِيلَ عَلَىٰ نَفْسِهِ } إسرائيـل: هو يعقوب، أخذه عرق النسا، فكان لا يثبت اللـيـل من وجعه، وكان لا يؤذيه بـالنهار.


فحلف لئن شفـاه الله لا يأكل عِرْقا أبداً، وذلك قبل نزول التوراة علـى موسى. فسأل نبـي الله صلى الله عليه وسلم الـيهود ما هذا الذي حرّم إسرائيـل علـى نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتـحريـم الذي حرّم إسرائيـل فقال الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: { قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }... إلـى قوله:
{ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ }
وكذبوا وافتروا، لـم تنزل التوراة بذلك.

وتأويـل الآية علـى هذا القول: كل الطعام كان حِلاًّ لبنـي إسرائيـل من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها، إلا ما حرّم إسرائيـل علـى نفسه من قبل أن تنزل التوراة، بـمعنى: لكن إسرائيـل حرّم علـى نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك

وكأن الضحاك وجه قوله: { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرٰءيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ }
إلـى الاستثناء الذي يُسمّيه النـحويون: الاستثناء الـمنقطع.


ويقول السمين الحلبى فى الدر المصون

وفي هذا الاستثناءِ قولان، أحدُهما:
أنه متصل،
والتقدير: إلا ما حَرَّم إسرائيلُ على نفسه، فَحُرِّم عليهم في التوراة، فليس فيها ما زادوه من محرمات وادعوا صِحَّة ذلك. والثاني:
أنه منقطع،
والتقدير: لكنْ حَرَّم إسرائيلُ على نفسِه خاصةً ولم يُحَرِّمْه عليهم، والأول هو الصحيح

قوله: { مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ } فيه وجهان، أحدُهما: أن يتعلقَ بحَرّم أي: إلا ما حَرَّم مِنْ قبلِ، قاله أبو البقاء. قال الشيخ: " ويَبْعُد ذلك، إذ هو من الإِخبار بالواضح، لأنه معلومٌ أنَّ ما حَرَّم إسرائيل على نفسه هو مِنْ قبل إنزال التوراةِ ضرورةَ لتباعدِ ما بين وجود إسرائيل وإنزالِ التوراة ". والثاني: أنها تتعلَّقُ بقوله: كان حِلاً " قال الشيخ: " ويظهر أنه متعلّقٌ بقولِه { كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي: مِنْ قبلَ أَنْ تُنَزَّل التوراة،
 
الجوهرة الثالثة عشر

{ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تَّقُواْا للَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

والاستثناءُ مفرغٌ من الأحوالِ العامة أي: لا تموتُنَّ على حالةٍ من سائر الأحوال إلا على هذه الحال الحسنة،

{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

{ إِلاَّ أَذًى }: فيه وجهان، أحدُهما: أنه متصلٌ، وهو استثناءٌ مفرغٌ من المصدر العام، كأنه قيل: لن يَضُرُّوكم ضرراً البتة إلا ضرَر أذى لا يُبَالى به من كلمةِ سوءٍ ونحوِها.


والثاني: أنه منقطع أي: لن يَضُرُّوكم بقتالٍ وغَلَبة، ولكن بكلمةِ أذى ونحوِها.
 
الجوهرة الرابعة عشر

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُو اإِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِوَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

قال ابو حيان فى البحر المحيط:


{ إلا بحبل من الله وحبل من الناس }
هذا استثناء ظاهره الانقطاع، وهو قول: الفراء، والزجاج. واختيار ابن عطية، لأن الذلة لا تفارقهم
. وقدره الفراء: إلا أن يعتصموا بحبل من الله، فحذف ما يتعلق به الجار كما قال: حميد بن ثور الهلالي:رأتنـي بحبليهـا فصـدت مخـافـة

ونظر ابن عطية بقوله تعالى:
{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ }
[النساء: 92] قال: لأن بادىء الرأي يعطى أن له أن يقتل خطأ. وأن الحبل من الله ومن الناس يزيل ضرب الذلة، وليس الأمر كذلك. وإنما في الكلام محذوف يدركه فهم السامع الناظر في الأمر وتقديره: في أمتنا، فلا نجاة من الموت إلا بحبل. انتهى كلامه. وعلى ما قدره لا يكون استثناء منقطعاً، لأنه مستثنى من جملة مقدّرة وهي قوله: فلا نجاة من الموت، وهو متصل على هذا التقدير فلا يكون استثناء منقطعاً من الأول ضرورة أن الاستثناء الواحد لا يكون منقطعاً متصلاً.

والاستثناء المنقطع كما قرر في علم النحو على قسمين منه: ما يمكن أن يتسلط عليه العامل، ومنه ما لا يمكن فيه ذلك، ومنه هذه الآية.على تقدير الانقطاع، إذ التقدير: لكن اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس ينجيهم من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال أموالهم. ويدل على أنه منقطع الأخبار بذلك في قوله تعالى في سورة البقرة:
{ وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءُو بغضب من الله }
[البقرة: 61] فلم يستثن هناك


وذهب الزمخشري وغيره إلى أنه استثناء متصل
قال: وهو استثناء من أعم عام الأحوال، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس، يعني: ذمة الله وذمة المسلمين. أي لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية انتهى كلامه
 
الجوهرة الخامسة عشر

{ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰلَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله تعالى: { إِلاَّ بُشْرَىٰ }: فيه ثلاثة أوجه،


أحدها: أنه مفعول من أجله وهو استثناء مفرغ، إذ التقدير: وما جعله لشيء من الأشياء إلا للبشرى، وشروطُ نصبِه موجودةٌ وهي اتحاد الفاعل والزمان وكونُه مصدراً سيق للعلة.


والثاني: أنه مفعولٌ ثان لجَعَل على أنها تصييريةٌ.

والثالث: أنها بدلٌ من الهاءِ في " جَعَله " قاله الحوفي، وجعل الهاءَ عائدةً على الوعدِ بالمَدَدِ. والبُشْرى مصدرٌ على فُعْلى كالرُّجْعَى
 
سورة النساء

الجوهرة السادسة عشر

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ } في هذا الاستثناء قولان، أحدهما: أنه منقطعٌ، فيكونُ " أن يأتينَ " في محلِّ نصب,

والثاني: أنه متصلٌ، وفيه حينئذ ثلاثة أوجه،

أحدُها: أنه مستثنى من ظرف زمان عام تقديره: " ولا تعضُلوهنَّ في وقتٍ من الأوقات إلا وقتَ إتيانهنَّ بفاحشة.

الثاني: أنه مستثنى من الأحوال العامة تقديره: لا تَعْضُلوهن في حال من الأحوال إلا في حالِ إتيانهن بفاحشة.

الثالث: أنه مستثنى من العلة العامة تقديره: لا تعضُلوهن لعلةٍ من العلل إلا لإتيانهن بفاحشة.

وقال الامام الرازى فى تفسيره

قوله: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ } استثناء من ماذا؟

فيه وجوه: الأول: انه استثناء من أخذ الأموال، يعني لا يحل له أن يحبسها ضراراً حتى تفتدي منه إلا إذا زنت، والقائلون بهذا منهم من قال: بقي هذا الحكم وما نسخ، ومنهم من قال: انه منسوخ بآية الجلد.

الثاني: أنه استثناء من الحبس والامساك الذي تقدم ذكره في قوله:
{ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ }
[النساء: 15] وهو قول أبي مسلم وزعم أنه غير منسوخ.

الثالث: يمكن أن يكون ذلك استثناء من قوله: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } لأن العضل هو الحبس فدخل فيه الحبس في البيت، فالأولياء والأزواج نهوا عن حبسهن في البيوت إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فعند ذلك يحل للأولياء والأزواج حبسهن في البيوت
 
الجوهرة السابعة عشر

{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِإِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } في هذا الاستثناء قولان،

أحدهما: أنه منقطعٌ، إذ الماضي لا يُجامع الاستقبال،/ والمعنى: أنه لَمَّا حَرَّم عليهم نكاحَ ما نكح آباؤهم تطرَّق الوهمُ إلى ما مضى في الجاهلية ما حكمُه؟ فقيل: إلا ما قد سَلَفَ أي:
لكن ما سلف فلا إثمَ فيه
. وقال ابن زيد في معنى ذلك أيضاً: "
إن المراد بالنكاح العقدُ الصحيح
" وحَمَل { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } على ما كا ن يتعاطاه بعضُهم من الزنا فقال: " إلا ما قد سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنساء فذلك جائزٌ لكم زواجُهم في الإِسلام، وكأنه قيل: ولا تَعْقِدوا على مَنْ عَقَد عليه آباؤُكم إلا ما قد سلف مِنْ زِناهم، فإنه يجوزُ لكم أن تتزوَّجُوهم فهو استثناءٌ منقطع أيضاً.

والثاني:
أنه
استثناءٌ متصل
وفيه معنيان،

أحدهما: أن يُحْمل النِّكاحُ على الوطء،
والمعنى: أنه نهى أن يَطَأ الرجلُ امرأةً وَطِئها أبوه إلا ما قد سلف من الأب في الجاهلية من الزنا بالمرأة فإنه يجوز للابن تزويجها
. نُقِل هذا المعنى عن ابن زيد أيضاً،

إلا أنه لا بد من التخصيص في شيئين: أحدُهما قولُه: { وَلاَ تَنكِحُواْ } أي ولا تَطَؤوا وَطْئاً مباحاً بالتزويج. والثاني: التخصيص في قوله: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } بوطء الزنا، وإلا فالوطء فيما قد سلف قد يكون وَطْئاً غيرَ زنا، وقد يكون زنا، فيصير التقدير: ولا تَطَؤوا ما وطِىء آباؤكم وطئاً مباحاً بالتزويج إلا مَنْ كان وَطْؤُها فيما مضى وطءَ زنا. ويجوز على هذا المعنىٰ الذي ذهب إليه ابن زيد أن يُراد بالنكاحِ الأولِ العقدُ، وبالثاني الوطءُ، اي: ولا تتزوجوا مَنْ وَطِئها آباؤكم إلا من كان وطؤها وطءَ زنا.

والمعنى الثاني
: " ولا تَنْكِحوا مثلَ نكاحِ آبائكم في الجاهلية إلا ما تقدَّم منكم مِنْ تلك العقودِ الفاسدةِ فمباحٌ لكم الإِقامةُ عليها في الإِسلام إذا كان مما يقِّرُ الإِسلامُ عليه " وهذا على رأي مَنْ يَجْعَلُ " ما " مصدريةً وقد تقدَّم
 
الجوهرة الثامنة عشر

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ الَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }


قال الامام القرطبى فى تفسيره


قوله تعالىٰ: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يحتمل أن يكون معناه معنى قوله: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } في قوله: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }.
ويحتمل معنى زائداً وهو جواز ما سلف، وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحاً، وإذا جرى في الإسلام خُيِّر بين الأُختين؛ على ما قاله مالك والشافعيّ،
من غير إجراء عقود الكفار على مُوجَب الإسلام ومقتضى الشرع؛ وسواء عقد عليهما عقداً واحداً جَمَع به بينهما أو جَمَع بينهما في عقدين. وأبو حنيفة يُبِطل نكاحهما إن جُمِع في عقد واحد. وروى هشام بن عبد الله عن محمد بن الحسن أنه قال:
كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرَّماتِ كلَّها التي ذكرت في هذه الآية إلاَّ ٱثنتين؛ إحداهما نكاح ٱمرأة الأب، والثانية الجمع بين الأُختين؛ ألا ترى أنه قال: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }. { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ولم يذكر في سائر المحرّمات «إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ». والله أعلم.


وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


قولُه: { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } استثناءٌ منطقع، فهو منصوبٌ المحل كما تقدَّم في نظيره أي: لكن ما مضى في الجاهلية فإن الله يَغْفِره. وقيل: المعنى إلا ما عَقَد عليه قبل الإِسلام، فإنه بعد الإِسلام يبقى النكاح على صحته، ولكن يَخْتار واحدةً منهما ويفارق الأخرى، وكان قد تقدَّمَ قريبٌ من هذا المعنى في { مَا قَدْ سَلَفَ } الأولِ ويكون الاستثناء عليه متصلاً، وهنا لا يتأتَّى الاتصال البتة لفساد المعنى.انتهى

ملحوظة


اعلم اخى الحبيب انه لايجوز ان يكون الاستثناء هنا متصلا لان الاسثناء هنا من عدم جواز الجمع بين الاختين والجمع بين الاختين لا يجوز فى اى حال من الاحوال.اما فى الاية السابقة جاز ان يكون متصلا لانه استثنى من عدم جواز نكاج زوجة الاب فيجوزفى حالة معينة كما مر فى الجوهرة السابقة
والله اعلم
 
الجوهرة التاسعة عشر

{ وَالْمُحْصَنَٰتُ مِنَ النِّسَآءِإِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ

عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِالفرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قال الامام ابن الجوزى الحنبلى فى زاد المسير


وفي المراد بالمحصنات هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: ذوات الأزواج، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وابن جبير، والنخعي، وابن زيد، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.

والثاني: العفائف: فإنهن حرام على الرجال إلا بعقد نكاح، أو ملك يمين. وهذا قول عمر بن الخطاب، وأبي العالية، وعطاء، وعبيدة، والسدي.

والثالث: الحرائر، فالمعنى: أنهن حرام بعد الأربع اللواتي ذُكِرْنَ في أول السورة، روي عن ابن عباس، وعبيدة.

فعلى القول الأول في معنى قوله { إلا ما ملكت أيمانكم } قولان.


أحدهما: أن معناه: إِلاَّ ما ملكت أيمانكم من السبايا في الحروب، وعلى هذا تأوَّلَ الآية عليٌ، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وابن عباس، و كان هؤلاء لا يرون بيع الأمة طلاقاً.

والثاني: إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء ذوات الأزواج، بسبي أو غير سبي، وعلى هذا تأوَّلَ الآية ابنُ مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وجابر، وأنس، وكان هؤلاء يرون بيع الأمة طلاقاً. وقد ذكر ابن جرير، عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن: أنهم قالوا بيع الأمة طلاقها، والأول أصح.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم خيّر بريرة إِذ أعتقتها عائشة، بين المقام مع زوجها الذي زوَّجها منه سادتُها في حال رقّها، وبين فراقه، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتق عائشة إِيّاها طلاقاً، ولو كان طلاقاً لم يكن لتخييره إِياها معنى. ويدل على صحة القول الأول ما ذكرناه من سبب نزول الآية.

وعلى القول الثاني:
العفائف حرام إِلا بملك، والملك يكون عقداً، ويكون ملك يمين.

وعلى القول الثالث:
الحرائِر حرام بعد الأربع إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، فانهن لم يُحصَرن بعدد.

وقال الامام ابن عطية فى المحررالوجيز

وأسند الطبري عن عروة أنه قال في تأويل قوله تعالى: { والمحصنات }: هن الحرائر، ويكون { إلا ما ملكت أيمانكم } معناه بنكاح، هذا على اتصال الاستثناء، وإن أريد الإماء فيكون الاستثناء منقطعاً،



وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


والإِحصانُ في القرآن وَرَد، ويُراد به أحدُ أربعة معان: التزوج والعفة والحرية والإِسلام،وهذا تنفعك معرفته في الاستثناء الواقع بعده: فإن أُريد به هنا التزوُّجُ كان المعنى: وحُرِّمت عليكم المحصنات أي: المزوجات إلا النوعَ الذي ملكته أيمانكم: إما بالسَّبْي أو بمِلْكٍ مِنْ شَرْي وهبة وإرثٍ، وهو قولُ بعضِ أهل العلم، ويدلُ على الأول قولُ الفرزدق:1571ـ وذاتِ حَليلٍ أَنْكَحَتْها رماحُنا حَلالٌ لِمَنْ يَبْني بها لم تُطَلَّقِ
يعني: أنَّ مجردَ سبائِها أحلَّهَا بعد الاستبراءِ.

وإنْ أُريد به الإِسلام أو العفةُ فالمعنى أنَّ المسلماتِ أو العفيفاتِ حرامٌ كلهن، يعني فلا يُزْنى بهن إلا ما مُلِك منهن بتزويجٍ أو مِلْك يمين، فيكون المرادُ بـ { مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } التسلُّطَ عليهن وهو قَدْرٌ مشترك، وعلى هذه الأوجه الثلاثة يكونُ الاستثناء متصلاً.

وإنْ أريد به الحرائرُ فالمرادُ إلا ما مُلِكت بمِلْكِ اليمينِ، وعلى هذا فالاستثناءُ منقطع.
 
الجوهرة العشرون

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَٰطِلِ إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً
عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

قال الامام الرازى:

قوله: { إِلا } فيه وجهان:
الأول: أنه استثناء منقطع،
لأن التجارة عن تراض ليس من جنس أكل المال بالباطل، فكان «إلا» ههنا بمعنى «بل» والمعنى: لكن يحل أكله بالتجارة عن تراض.

الثاني: ان من الناس من قال: الاستثناء متصل وأضمر شيئاً، فقال التقدير: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وإن تراضيتم كالربا وغيره، إلا أن تكون تجارة عن تراض.


وقال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ }: في هذا الاستثناء قولان،

أحدهما: ـ وهو الأصح ـ أنه استثناء منقطع لوجهين،
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها، سواء فَسَّرت الباطل بغير عوض أو بغير طريق شرعي. والثاني: أن المستثنى كون، والكونُ ليس مالاً من الأموالِ.

والثاني: أنه متصلٌ،
واعتلَّ صاحب هذا القول بأن المعنى: لا تأكلوها بسببٍ إلاَّ أَنْ تكونَ تجارةً.
قال أبو البقاء: " وهو ضعيف، لأنه قال: " بالباطل " ، والتجارةُ ليست من جنس الباطل،
وفي الكلام حذفُ مضاف تقديره: إلا في حال كونِها تجارةً أو في وقت كونِها تجارةً ". انتهى.
 
الجوهرة العشرون

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَٰطِلِ إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً
عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

قال الامام الرازى:

قوله: { إِلا } فيه وجهان:
الأول: أنه استثناء منقطع،
لأن التجارة عن تراض ليس من جنس أكل المال بالباطل، فكان «إلا» ههنا بمعنى «بل» والمعنى: لكن يحل أكله بالتجارة عن تراض.

الثاني: ان من الناس من قال: الاستثناء متصل وأضمر شيئاً، فقال التقدير: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وإن تراضيتم كالربا وغيره، إلا أن تكون تجارة عن تراض.


وقال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ }: في هذا الاستثناء قولان،

أحدهما: ـ وهو الأصح ـ أنه استثناء منقطع لوجهين،
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها، سواء فَسَّرت الباطل بغير عوض أو بغير طريق شرعي. والثاني: أن المستثنى كون، والكونُ ليس مالاً من الأموالِ.

والثاني: أنه متصلٌ،
واعتلَّ صاحب هذا القول بأن المعنى: لا تأكلوها بسببٍ إلاَّ أَنْ تكونَ تجارةً.
قال أبو البقاء: " وهو ضعيف، لأنه قال: " بالباطل " ، والتجارةُ ليست من جنس الباطل،
وفي الكلام حذفُ مضاف تقديره: إلا في حال كونِها تجارةً أو في وقت كونِها تجارةً ". انتهى.
 
الجوهرة الواحدة والعشرون

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً
إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }


اعلم اخى الحبيب ان من قال ان فى الاية حذف مضاف تقديره لا تقربوا مواضع الصلاة اى المساجد مثل الامام الشافعى قالوا ان قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل يقتضي جواز العبور الجنب في المسجد لا الصلاة فيه.اما من ذهب الى انه لا يوجد حذف وان المراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة مثل الامام ابى حنيفة حملوا قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل على المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلى



قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { إِلاَّ عَابِرِي } فيه وجهان، أحدهما: أنه منصوب على الحال،
فهو استثناء مفرغ، والعامل فيها فعل النهي، والتقدير: لا تقربوا الصلاةَ في حال الجنابة، إلا في حال السفر أو عبور المسجد، على حَسَب القولين.
وقال الزمخشري: { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } استثناءٌ من عامة أحوالِ المخاطبين، وانتصابُه على الحالِ. فإنْ قلت: كيف جَمَع بين هذه الحالِ والحالِ التي قبلها؟ قلت: كأنه قيل: لا تقربوا الصلاةَ في حالِ الجنابة إلا ومعكم حالٌ أخرى تُعْذَرُون فيها وهي حال السفر، وعبُور السبيلِ عبارةٌ عنه ".


والثاني: أنه منصوب على أنه صفةٌ لقوله: " جُنُباً " وصفَة بـ " إلا " بمعنى " غير " فظهر الإِعرابُ فيما بعدها، وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ عند قولِه تعالى:
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }
[الأنبياء: 22] كأنه قيل: لا تَقْرَبوها جُنُباً غيرَ عابري سبيل أي: جُنُباً مُقِيمين غيرَ مَعْذُورين، وهذا معنى واضح على تفسيرِ العبورِ بالسفر. وأمَّا مَنْ قَدَّر مواضع الصلاة فالمعنى عنده: لاتقْربوا المساجدَ جُنُباً إلا مجتازين لكونهِ لا ممرَّ سواه، أو غيرِ ذلك بحَسَبِ الخلاف.انتهى

اعلم اخى الحبيب بالنسبة لقوله تعالى فى سورة الانبياء

{ أَمِ ٱتَّخَذُوۤا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }

قال الامام الرازى فى تفسيره:

أما قوله تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: قال أهل النحو إلا ههنا بمعنى غير أي لو كان يتولاهما ويدير أمورهما شيء غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا،

ولا يجوز أن يكون بمعنى الاستثناء لأنا لو حملناه على الإستثناء لكان المعنى لو كان فيهما آلهة ليس معهم الله لفسدتا وهذا يوجب بطريق المفهوم أنه لو كان فيهما آلهة معهم الله أن لا يحصل الفساد، وذلك باطل لأنه لو كان فيهما آلهة فسواء لم يكن الله معهم أو كان فالفساد لازم. ولما بطل حمله على الاستثناء ثبت أن المراد ما ذكرناه....

وقال السمين الحلبي فی الدر المصون


ومنع أبو البقاء النصبَ على الاستثناء لوجهين، أحدُهما: أنه فاسدٌ في المعنىٰ، وذلك أنك إذا قلتَ: " لو جاءني القومُ إلاَّ زيداً لقتلتُهم " كان معناه: أنَّ القَتْلَ امتنع لكونِ زيدٍ مع القوم. فلو نُصِبَتْ في الآية لكان المعنىٰ: إنَّ فسادَ السماواتِ والأرض امتنع لوجود الله تعالى مع الآلهة. وفي ذلك إثباتُ إلهٍ مع الله. وإذا رُفِعَتْ على الوصفِ لا يلزمُ مثلُ ذلك؛ لأنَّ المعنىٰ: لو كان فيهما غيرُ اللهِ لفسدتا. والوجهُ الثاني: أنَّ آلهة هنا نكرةٌ، والجمعُ إذا كان نكرةً لم يُسْتثنَ منه عند جماعةٍ من المحققين؛ إذ لا عمومَ له بحيث يدخلُ فيه المستثنىٰ لولا الاستثناءُ ".
 
الجوهرة الثانية والعشرون

{ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا واسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}


قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

{ فلا يؤمنون إلا قليلاً }
استثناء من ضمير المفعول في لعنهم أي: إلا قليلاً لم يلعنهم فآمنوا،


أو استثناء من الفاعل في: فلا يؤمنون، أي: إلا قليلاً فآمنوا كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما.


أو هو راجع إلى المصدر المفهوم من قوله: فلا يؤمنون أي: إلا إيماناً قليلاً قلله إذ آمنوا بالتوحيد، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشرائعه
. وقال الزمخشري: إلا إيماناً قليلاً أي: ضعيفاً ركيكاً لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره. وأراد بالقلة العدم كقوله: قليل التشكي للهموم تصيبه. أي عديم التشكي.
انتهى

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاستَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْاللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قال السمين الحلبى فى الدرالمصون

قوله تعالى: { لِيُطَاعَ } هذه لام كي، والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " وهذا استثناءٌ مفرغ من المفعول له، والتقدير: وما أرسلنا من رسولٍ لشيءٍ من الأشياء إلا للطاعة.
 
الجوهرة الثالثة والعشرون



{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى

الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { إِلاَّ قَلِيلاً } فيه عشرةُ أوجه،

أحدها:
أنه مستثنى من فاعل " اتَّبعتم " أي: لاتبعتم الشيطانَ إلا قليلاً منكم، فإنه لم يَتَّبع الشيطان، على تقديرِ كونِ فَضْل الله لم يأتِه، ويكونُ أراد بالفضل إرسالَ محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك القليلُ كقِسِّ بن ساعدة الإيادي وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل، مِمَّن كان على دين المسيح قبل بعثة الرسول. وقيل: المرادُ مَنْ لم يبلغ التكليفَ، وعلى هذا التأويل قيل:
فالاستثناء منقطع
؛ لأن المستثنى لم يدخل تحت الخطاب،
وفيه نظر يظهر في الوجه العاشر.

الثاني: أنه مستثنى من فاعل " أذاعوا " أي: أظهروا أمرَ الأمن او الخوف إلا قليلاً.

الثالث: أنه مستثنى من فاعل " عَلِمه " أي: لعلمه المستنبطون منهم إلا قليلاً.

الرابع: أنه مستثنى من فاعل " لوجدوا " أي لوجدوا فيما هو من غير الله التناقضَ إلا قليلاً منهم، وهو مَنْ لم يُمْعِنِ النظرَ، فيظنَّ الباطلَ حقاً والمتناقضَ موافقاً.

الخامس: أنه مستثنى من الضمير المجرور في " عليكم " وتأويلُه كتأويل الوجه الأول.

السادس: أنه مستنثى من فاعل " يستنبطونه " وتأويله كتأويل الوجه الثالث.

السابع: أنه مستثنى من المصدر الدالِّ عليه الفعلُ، والتقدير: لاتَبَعْتُمْ الشيطانَ إلا اتباعاً قليلاً، ذكر ذلك الزمخشري.

الثامن: أنه مستثنى من المتَّبع فيه، والتقدير: لاتبعتم الشيطان كلَّكم إلا قليلاً من الأمور كنتم لا تتبعون الشيطان فيها، فالمعنى: لاتبعتم الشيطان في كل شيء إلا في قليلٍ من الأمور، فإنكم كنتم لا تتبعونه فيها، وعلى هذا فهو استثناء مفرغ، ذكر ذلك ابن عطية، إلا أنَّ في كلامِه مناقشةً وهو أنه قال " أي: لاتبعتم الشيطان كلَّكم إلا قليلاً من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها " فجعله هنا مستثنى من المتَّبعِ فيه المحذوف على ما تقدم تقريره، وكان قد تقدَّم أنه مستثنى من الإتِّباع، فتقديرُه يؤدي إلى استثنائِه من المتَّبع فيه، وادعاؤه أنه استثناء من الاتباع، وهما غَيْران.

التاسع: أن المراد بالقلة العدمُ، يريد: لاتبعتم الشيطان كلكم وعدم تخلُّفِ أحدٍ منكم، نقله ابن عطية عن جماعة وعن الطبري، ورَدَّه بأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي دخولَها، قال: " وهذا كلامٌ قلق ولا يشبه ما حكى سيبويه من قولهم: " هذه أرضٌ قَلَّ ما تنبت كذا " أي لا تنبت شيئاً. وهذا الذي قاله صحيح، إلا أنه كان تقدم له في البقرة في قوله تعالى
{ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }
[النساء: 46] أن التقليل هنا بمعنى العدم، وتقدَّم الردُّ عليه هناك فَتَنَبَّهَ لهذا المعنى هنا ولم يتنبهْ له هناك.

العاشر: أن المخاطبَ بقوله " لاتبعتم " جميعُ الناس على العموم، والمرادُ بالقليلِ أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وأيَّد صاحبُ هذا القولِ قولَه بقولِه عليه السلام " ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالرَّقْمة البيضاء في الثور الأسود ".

وقال الامام الالوسى فى تفسيره

{ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } خطاب للطائفة المذكورة آنفاً بناءاً على أنهم ضعفة المؤمنين على طريقة الالتفات، والمراد من الفضل والرحمة شيء واحد أي لولا فضله سبحانه عليكم ورحمته بإرشادكم إلى سبيل الرشاد الذي هو الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ } وعملتم بآرائكم الضعيفة، أو أخذتم بآراء المنافقين فيما تأتون وتذرون ولم تهتدوا إلى (صوب) الصواب { إِلاَّ قَلِيلاً } وهم أولو الأمر المستنيرة عقولهم بأنوار الإيمان الراسخ، الواقفون على الأسرار الراسخون في معرفة الأحكام بواسطة الاقتباس من مشكاة النبوة، فالاستثناء منقطع.........
 
الجوهرة الرابعة والعشرون

{ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌأَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ }: فيه قولان، أظهرُهما: أنه استثناءٌ متصلٌ، والمستثنى منه قولُه { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } والمُسْتَثْنَوْن على هذا قومٌ كفارٌ،
ومعنى الوَصْلةِ هنا الوَصْلَةُ بالمعاهَدَةِ والمهادَنَةِ، وقال أبو عبيد: " هو اتصالُ النسب " وغَلَّطة النحاس بأن النسبَ كان ثابتاً بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم والصحابة وبين المشركين، ومع ذلك لم يَمْنَعْهم ذلك من قتالهم.

والثاني: أنه منقطعٌ - وهو قول أبي مسلم الأصفهاني، واختيار الراغب - قال أبو مسلم: " لَمَّا أوجبَ اللَّهُ الهجرةَ على كلِّ مَنْ أسلمَ استثنى مَنْ له عذرٌ فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } وهم قوم قصدوا الهجرة إلى الرسول ونصرتَه، وكان بينهم وبين المسلمين عَهْدٌ فأقاموا عندهم إلى أن يمكِّنهم الخلاصُ، واستثنى بعد ذلك مَنْ صار إلى الرسول وإلى أصحابِه لأنه يَخافُ اللَّهَ فيه، ولا يقاتِلُ الكفارَ أيضاً لأنهم أقاربُه، أو لأنه يخاف على أولاده الذين هم في أيديهم " فعلى هذا القولِ يكون استثناءً منقطعاً، لأن هؤلاء المستثنين لم يدخُلوا تحت قولِه: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }
والمستثَنْون على هذا مؤمنون
 
الجوهرة الخامسة والعشرون

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناًإِلاَّ خَطَئاًوَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ
مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ

أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قال الامام الرازى فى تفسيره:


المسألة الثالثة: قوله: { إِلا خطأ } فيه قولان: الأول: أنه استثناء متصل، والذاهبون إلى هذا القول ذكروا وجوها

: الأول: أن هذا الاستثناء ورد على طريق المعنى، لأن قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خطأ } معناه أنه يؤاخذ الانسان على القتل إلا اذا كان القتل قتل خطأ فإنه لا يؤاخذ به.

الثاني: أن الاستثناء صحيح أيضا على ظاهر اللفظ، والمعنى أنه ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتة إلا عند الخطأ.
وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفار، أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا، فههنا يجوز قتله، ولا شك أن هذا خطأ،
فانه ظن أنه كافر مع أنه ما كان كافرا.

الثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، والتقدير: وما كان مؤمن ليقتل مؤمناً إلا خطأ، ومثله قوله تعالى:
{ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ }
[مريم: 35] تأويله: ما كان الله ليتخذ من ولد، لأنه تعالى لا يحرم عليه شيء، إنما ينفي عنه ما لا يليق به، وأيضا قال تعالى:
{ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا }
[النمل: 60] معناه ما كنتم لتنبتوا، لأنه تعالى لم يحرم عليهم أن ينبتوا الشجر، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها، فانه تعالى هو القادر على إنبات الشجر.

الرابع: أن وجه الاشكال في حمل هذا الاستثناء على الاستثناء المتصل، وهو أن يقال: الاستثناء من النفي إثبات، وهذا يقتضي الاطلاق في قتل المؤمن في بعض الأحوال، وذلك محال، إلا أن هذا الاشكال إنما يلزم اذا سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات، وذلك مختلف فيه بين الأصوليين،
والصحيح أنه لا يقتضيه لأن الاستثناء يقتضي صرف الحكم عن المستثنى لا صرف المحكوم به عنه، واذا كان تأثير الاستثناء في صرف الحكم فقط بقي المستثنى غير محكوم عليه لا بالنفي ولا بالاثبات، وحينئذ يندفع الاشكال. ومما يدل على أن الاستثناء من النفي ليس باثبات قوله عليه الصلاة والسلام: " لا صلاة الا بطهور ولا نكاح الا بولي " ويقال: لا ملك الا بالرجال ولا رجال الا بالمال، والاستثناء في جملة هذه الصور لا يفيد أن يكون الحكم المستثنى من النفي إثباتا والله أعلم.

الخامس: قال أبو هاشم وهو أحد رؤساء المعتزلة: تقدير الآية: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيبقى مؤمنا، الا أن يقتله خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا، قال: والمراد أن قتل المؤمن للمؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا، الا أن يكون خطأ فإنه لا يخرجه عن كونه مؤمنا. واعلم أن هذا الكلام بناء على أن الفاسق ليس بمؤمن، وهو أصل باطل، والله أعلم.


القول الثاني:
أن هذا الاستثناء منقطع بمعنى لكن، ونظيره في القرآن كثير. قال تعالى:
{ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً }
[النساء: 29] وقال:
{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ وَٱلْفَوٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ }
[النجم: 53] وقال:
{ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً }
[الواقعة: 25، 26] والله أعلم.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون:


" إلا خَطَأً " فيه أربعة أوجه،

أحدُها:
أنه استثناء منقطع ـ وهو قولُ الجمهور ـ إنْ أُريد بالنفي معناه، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ متصلاً إذ يصير المعنى: إلا خطأ فله قتلُه
.

والثاني: أنه متصلٌ إنْ أريد بالنفي التحريمُ، ويصير المعنى: إلا خطأ بأن عَرَفَه كافراً فقتله ثم كَشَف الغيبُ أنه كان مؤمناً.


الثالث: أنه استثناء مفرغ،
ثم في نصبهِ ثلاثة احتمالات،

الأول: أنه مفعولٌ له أي: ما ينبغي له أن يقتلَه لعلة من العلل إلا لخطأِ وحدَه،

الثاني: أنه حال أي: ما ينبغي له أن يقتلَه في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ.

الثالث: أنه نعتُ مصدرٍ محذوف أي: إلا قَتْلاً خطأ، ذكر هذه الاحتمالاتِ الزمخشري.

الرابع من الأوجه: أن تكونَ " إلا " بمعنى " ولا " والتقدير: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً عمداً ولا خطأ،
ذَكَره بعضُ أهل العلم، حكى أبو عبيدة عن يونس قال: " سألتُ رؤبة بن العجاج عن هذه الآيةِ فقال: " ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأ " فأقام " إلا " مقامَ الواوِ، وهو كقول الشاعر:

1639ـ وكلُّ أخٍ مفارِقُه أخوه لَعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ
إلا أن الفراء ردَّ هذا القولَ بأن مثل ذلك لا يجوزُ، إلا إذا تقدَّمه استثناء آخر فيكونُ الثاني عطفاً عليه كقوله:

1640ـ ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا
وهذا رأي الفراء، وأمَّا غيرُه فيزعم أن " إلا " تكون عاطفة بمعنى الواو من غير شرط، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في قوله:
{ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ }
[البقرة: 150].انتهى

سبحان الله ان الاستثناء فى سورة النساء اخى الحبيب يحتاج الى تدبر كثير

وقال الامام القرطبى فى تفسيره


قوله تعالىٰ: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } هذه آية من أُمّهات الأحكام. والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاَّ خطأ؛
فقوله: { وَمَا كَانَ } ليس على النّفي وإنما هو على التحريم والنهي، كقوله:
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ }
[الأحزاب: 53] ولو كانت على النفي لما وجد مؤمن قتل مؤمناً قط؛ لأن ما نفاه الله فلا يجوز وجوده، كقوله تعالىٰ:
{ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا }
[النمل: 60]. فلا يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبداً.
وقال قتادة: المعنى ما كان له ذلك في عهد الله. وقيل: ما كان له ذلك فيما سلف، كما ليس له الآن ذلك بوجه، ثم استثنى استثناء منقطعاً ليس من الأوّل وهو الذي يكون فيه { إِلاَ } بمعنى { لَكِنِ } والتقدير ما كان له أن يقتله ألَبّتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا؛ هذا قول سيبويه والزجاج رحمهما الله......

ونزلت الآية بسبب قَتلِ عيّاشِ بن أبي ربيعة الحارثَ بن يزيد بن أبي أنيسة العامريّ لحَنّةٍ كانت بينهما، فلما هاجر الحارث مُسْلِماً لَقِيَه عيّاشٌ فقتله ولم يشعر بإسلامه؛ فلما أخبِر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنه قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، ولم أشعر بإسلامه حتى قتلتُه فنزلت الآية.

وقيل: هو ٱستثناء متصل، أي وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً ولا يقتصّ منه إلاَّ أن يكون خطأ؛ فلا يقتص منه، ولكن فيه كذا وكذا.
ووجه آخر وهو أن يقدّر كان بمعنى استقرّ ووُجد؛ كأنه قال: وما وُجد وما تقرّر وما ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاَّ خطأ إذ هو مغلوب فيه أحياناً؛ فيجيء الاستثناء على هذين التأويلين غير منقطع....
 
الجوهرة السادسة والعشرون



{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِإِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ
فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

وهذا الاستثناء قيل: منقطع، وقيل: إنه متصل. قال الزمخشري: (فإن قلت): بم تعلق أن يصدقوا؟ وما محله؟ (قلت): تعلق بعليه، أو بمسلمة. كأن قيل: وتجب عليه الدية أو يسلمها، إلا حين يتصدقون عليه، ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم: اجلس ما دام زيد جالساً، ويجوز أن يكون حالاً من أهله بمعنى: إلا متصدقين انتهى كلامه.

وكلا التخريجين خطأ. أما جعل أن وما بعدها ظرفاً فلا يجوز، نص النحويون على ذلك، وأنه مما انفردت به ما المصدرية ومنعوا أن تقول: أجيئك أن يصيح الديك، يريد وقت صياح الديك. وأما أن ينسبك منها مصدر فيكون في موضع الحال، فنصوا أيضاً على أن ذلك لا يجوز. قال سيبويه في قول العرب: أنت الرجل أن تنازل أو أن تخاصم، في معنى أنت الرجل نزالاً وخصومة، أنَّ انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله، لأن المستقبل لا يكون حالاً،


فعلى هذا الذي قررناه يكون كونه استثناء منقطعاً هو الصواب
 
الجوهرة السابعة والعشرون

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }


قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ }: في هذا الاستثناءِ قولان، أحدهما: أنه متصلٌ، والمستثنى منه قولُه: { فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ }. والضمير يعودُ على المتوفَّيْن ظالمي أنفسِهم، قال هذا القائل: كأنه قيل: فأولئك في جهنم إلا المستضعفين، فعلى هذا يكون استثناء متصلاً.

والثاني - وهو الصحيح - أنه منقطعٌ؛ لأن الضمير في " مَأواهم " عائد على قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ }

وهؤلاء المتوفَّوْن: إمَّا كفارٌ أو عصاة بالتخلف، على ما قال المفسرون، وهم قادرون على الهجرة فلم يندرجْ فيهم المستضعفون فكان منقطعاً.


قال الامام ابو حيان فى بحره المحيط

وهل هؤلاء الذين توفتهم الملائكة مسلمون خرجوا مع المشركين في قتال فقتلوا؟ أو منافقون، أو مشركون؟ ثلاثة أقوال. الثالث قاله الحسن.
قال ابن عطية: قول الملائكة لهم بعد توفي أرواحهم يدل على أنهم مسلمون، ولو كانوا كفاراً لم يقل لهم شيء
من ذلك، وإنما لم يذكروا في الصحابة لشدة ما واقعوه، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان، واحتمال ردته. انتهى ملخصاً. وقال السدّي: يوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر كافراً حتى يهاجر، إلا من لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً انتهى.

وقال القرطبي فى تفسيره:

ثم استثنى تعالىٰ منهم من الضمير الذي هو الهاء والميم في { مَأْوَاهُمُ } من كان مستضعفاً حقيقة من زمني الرجال وضعفة النساء والوِلدان؛ كعيّاش ابن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وغيرهم الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: كنت أنا وأُمي ممن عنَى اللَّهُ بهذه الآية
 
الجوهرة الثامنة والعشرون
{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ }: في هذا الاستثناءِ قولان، أحدهما: أنه متصلٌ، والثاني: أنه منقطعٌ،

وهما مبنيان على أن النجوى يجوز أن يُرادَ بها المصدرُ كالدَّعْوى فتكون بمعنى التناجي، وأَنْ يُرادَ بها القومُ المتناجُون إطلاقاً للمصدرِ على الواقع منه مجازاً نحو: " رجلٌ عَدْل وصَوْم "

فعلى الأول يكون منقطعاً لأنَّ مَنْ أَمَر ليس تناجياً، فكأنه قيل: لكنْ مَنْ أَمَر بصدقةٍ ففي نجواه الخيرُ، والكوفيون يقدِّرون المنقطع بـ " بل " ،
وجَعَلَ بعضُهم الاستثناءَ متصلاً وإنْ أُريد بالنجوى المصدرُ، وذلك على حَذْفِ مضافٍ كأنه قيل: إلا نجوى مَنْ أَمَر،


وإنْ جعلنا النجوى بمعنى المتناجين كان متصلا
 
الجوهرة التاسعة والعشرون




{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِالسُّوۤءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }

قال الامام الرازى فى تفسيره

في قوله { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } قولان، وذلك لأنه إما أن يكون استثناءً منقطعاً أو متصلاً.

القول الأول: أنه استثناء متصل، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان: الأول: قال أبو عبيدة هذا من باب حذف المضاف على تقدير: إلا جهر من ظلم. ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،

الثاني: قال الزجاج: المصدر ههنا أقيم مقام الفاعل، والتقدير: لا يحب الله المجاهر بالسوء إلا من ظلم.

القول الثاني: إن هذا الاستثناء منقطع، والمعنى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، لكن المظلوم له أن يجهر بظلامته.


وقال السمين الحلبى فى الدر المصون

والجمهورُ على " إلاَّ مَنْ ظُلِمَ " مبنياً للمفعول، وقرأ جماعة كثيرة منهم ابن عباس وابن عمر وابن جبير والحسن: " ظَلَم " مبنياً للفاعل، وهو استثناء منقطع، فهو في محل نصب على أصل الاستثناء المنقطع،

واختلفت عبارات العلماء في تقدير هذا الاستثناء، وحاصل ذلك يرجع إلى أحد تقديرات ثلاثة: إمَّا أن يكون راجعاً إلى الجملة الأولى كأنه قيل: لا يحب اللَّهُ الجهرَ بالسوء، لكنَّ الظالمَ يحبه فهو يفعله،

وإما أَنْ يكونَ راجعاً إلى فاعل الجهر أي: لا يحبُّ اللَّهُ أن يَجْهَر أحدٌ بالسوء، لكن الظالم يَجْهر به،

وإمَّا أن يكون راجعاً إلى متعلق الجهر وهو " مَنْ يُجاهَرُ ويُواجَه بالسوء " أي: لا يحب الله أن يُجْهَر بالسوء لأحد لكن الظالم يُجْهَرُ له به، أي: يُذكر ما فيه من المساوئ في وجهه، لعله أن يَرْتدع.
 
الجوهرة الثلاثون

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ

حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْفَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}

قال ابن الجوزى فى زاد المسير

قوله تعالى: { فلا يؤمنون إِلا قليلاً } فيه قولان.

أحدهما: فلا يؤمن منهم إِلا القليل، وهم عبد الله بن سلام، وأصحابه، قاله ابن عباس.

والثاني: المعنى: إِيمانهم قليل، وهو قولهم: ربنا الله، قاله مجاهد.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون

وقوله: " إلا قليلاً " يحتمل النصبَ على نعت مصدر محذوف أي: إلا إيماناً قليلاً: ويحتمل كونَه نعتاً لزمان محذوف أي: زماناً قليلاً،
ولا يجوزُ أن يكونَ منصوباً على الاستثناءِ من فاعل " يؤمنون " أي: قليلاً منهم فإنهم يؤمنون، لأنَّ الضمير في " لا يؤمنون " عائدٌ على المطبوع على قلوبهم، ومن طَبَع على قلبه بالكفر فلا يقع منه الإِيمان.

الجوهرة الواحدة والثلاثون


{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّوَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } في هذا الاستثناء قولان، أحدهما:
وهو الصحيح الذي لم يذكر الجمهورُ غيرَه أنه منقطع؛
لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم، ولم يُقْرأ فيما علمت إلا بنصبِ " اتِّباع " على أصل الاستثناء المنقطع، وهي لغةُ الحجاز، ويجوزُ في تميم الإِبدالُ من " علم " لفظاً فيجرُّ، او على المضع فيُرفَعُ لأنه مرفوعُ المحل كما قَدَّمته لك، و " من " زائدة فيه.

والثاني -
قال ابن عطية-: أنه متصل
قال: " إذ العلم والظن يضمهما جنسُ أنهما من معتقدات اليقين، يقول الظانُّ على طريق التجوُّز: " علمي في هذا الأمر كذا " إنما يريد ظني " انتهى. وهذا غيرُ موافَقِ عليه لأن الظنَّ ما ترجَّح فيه أحد الطرفين، واليقين ما جُزِم فيه بأحدهما، وعلى تقدير التسليم فاتباعُ الظن ليس من جنس العلم، بل هو غيره، فهو منقطع أيضاً أي: ولكنَّ اتباعَ الظن حاصلٌ لهم

الجوهرة الثانية والثلاثون

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } * {إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

وقوله تعالى: { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ }:
فيه قولان،
أحدهما: أنه استثناءٌ متصل

لأنَّ المرادَ بالطريقِ الأولِ العمومُ فالثاني من جنسه،

والثاني:
أنه منقطعٌ إنْأُريد بالطريقِ شيءٌ مخصوصٌ وهو العمل الصالح الذي توصَّلون به إلى الجنة. "
 
سورة المائدة
الجوهرة الثالثة والثلاثون

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ

إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

جاء فى تفسير سيدى القرطبى


وحكى النقاش أن أصحاب الكِندِيّ قالوا له: أيها الحكيم ٱعمل لنا مثل هذا القرآن فقال: نعم! أعمل مثل بعضه؛ فٱحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد؛ إني فتحت المصحف فخرجت سورة «المائدة» فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عامّا،
ثم ٱستثنى ٱستثناء بعد ٱستثناء،
ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد.
......

وٱختلف النّحاة في «إلاَّ مَا يُتْلَى» هل هو ٱستثناء أو لا؟ فقال البصريون: هو ٱستثناء من «بَهِيمَةُ الاٌّنْعَامِ» و «غَيْرَ مُحِلّى الصَّيْدِ» استثناء آخر أيضاً منه؛
فالاستثناءان جميعاً من قوله: «بَهِيمَةُ الاٌّنْعَامِ» وهي المستثنى منها؛
التقدير: إلاّ ما يُتْلَى عليكم إلاَّ الصّيدَ وأنتم مُحرِمون؛ بخلاف قوله:
{ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ }
[الحجر:58]
{ إِلاَّ آلَ لُوطٍ }
[الحجر:59] على ما يأتي.
وقيل: هو مستثنى مما يليه من الاستثناء
؛ فيصير بمنزلة قوله عزّ وجلّ:
{ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ }
[الحجر: 58] ولو كان كذلك لوجب إباحة الصّيد في الإحرام؛ لأنه مستثنى من المحظور إذ كان قوله تعالى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } مستثنى من الإباحة؛ وهذا وجه ساقط؛ فإذاً معناه أحِلّت لكم بهيمة الأنعام غير محلِّي الصيد وأنتم حُرُمٌ إلاَّ ما يُتلى عليكم سِوَى الصّيد.
ويجوز أن يكون معناه أيضاً أوفوا بالعقود غير مُحلِّي الصّيد وأُحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يُتلى عليكم.


وجاء فى الدر المصون للسمين الحلبى


قوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ } هذا مستثنى من بهيمة الأنعام، والمعنى: ما يتلى عليكم تحريمه، وذلك قوله:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ }
[المائدة: 3] إلى قوله:
{ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ }
[المائدة: 3]. [وفيه قولان، أحدهما:
أنه مستثنى متصل
، والثاني:
أنه منقطعٌ
حَسْبَ ما فُسِّر به المتلوُّ عليهم كا سيأتي بيانه، وعلى تقديرِ كونه استثناء متصلاً يجوز في محله وجهان، أظهرهما: أنه منصوبٌ لأنه استثناء متصل من موجب، ويجوز أن يُرْفَع على أنه نعتٌ لـ " بهيمة " على ما قُرَّر في علم النحو. ونَقَل ابن عطية عن الكوفيين وجهين آخرين، أحدهما: أنه يجوزُ رفعه على البدل من " بهيمة " والثاني: أنَّ " إلا " حرف عطف وما بعدها عطف على ما قبلها، ثم قال: " وذلك لا يجوز عند البصريين إلا من نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس نحو: " جاء الرجالُ إلا زيدٌ " كأنك قلت: غيرُ زيد " وقوله: " وذلك " ظاهرُه أنه مشارٌ به إلى وجهي الرفع: البدلِ والعطف. وقوله: " إلا من نكرة " غيرُ ظاهر، لأن البدل لا يجوز البتة من موجب عند أحد من الكوفيين والبصريين. ولا يُشترط في البدل التوافقُ تعريفاً وتنكيراً. وأمَّا العطفُ فذكره بضع الكوفيين، وأما الذي اشترط في البصريون التنكيرَ أو ما قاربه فإنما اشترطوه في النعت بـ " إلا " فيُحتمل أنه اختلط على أبي محمد شرطُ النعت فجعله شرطاً في البدل،
هذا كله إذا أريد بالمتلوِّ عليهم تحريمُه قولُه تعالى:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَة }
[المائدة: 3] إلى آخره،


وإنْ أريد به الأنعامُ والظباء وبقرُ الوحش وحُمُرهُ فيكون منقطعاً
بمعنى " لكن " عند البصريين وبمعنى " بل " عند الكوفيين، وسيأتي بيانُ هذا المنقطع بأكثرَ من هذا عند التعرُّض لنصب " غير " عن قرب.


قوله تعالى: " غيرَ " في نصبه خمسة أوجه...



الوجه الخامس: أنه منصوبٌ على الاستثناء المكرر، يعني أنه هو وقولَه " إلا ما يتلى " مستثنيان من شيء واحد، وهو " بيهمة الأنعام " نَقَل ذلك بعضُهم عن البصريين قال: " والتقديرُ: إلا ما يتلى عليكم إلا الصيدَ وأنتم محرمون، بخلاف قوله تعالى:
{ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ }
[الحجر: 58] على ما يأتي بيانُه، قال هذا القائل: " ولو كان كذلك لوَجَبَ إباحةُ الصيد في الإِحرام لأنه مستثنى من الإِباحة. وهذا وجه ساقط، فإذن معناه: أُحِلَّتْ لكم بهيمةُ الأنعام غيرَ محلّي الصيد وأنتم حُرُمٌ إلا مايُتلى عليكم سوى الصيدِ " انتهى.

وقال الشيخ: " إنما عَرْضُ الإِشكالِ مِنْ جَعْلم " غير محلّي الصيد " حالاً من المأمورين بإيفاء العقود، أو مِن المحلِّل لهم وهو الله تعالى، أو من المتلوِّ عليهم، وغَرَّهم في ذلك كونُه كتب " محلِّي " بالياء، وقدَّروه هم أنه اسم فاعل من " أحلِّ " وأنه مضاف إلى الصيد إضافةَ اسم الفاعلِ المتعدِّي إلى المفعول، وأنه جَمْعٌ حُذِف منه النونُ للإِضافة، وأصلُه: " غيرَ محلين الصيد " إلا في قولِ مَنْ جعله حالاً من الفعل المحذوف فإنه لا يُقَدِّر حذفَ نون، بل حذفَ تنوين. وإنما يزول الإِشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله " مُحِلّي الصيد " من باب قولهم " حسان النساء " ، والمعنى: النساء الحسان فكذلك هذا، أصلُه: غيرَ الصيدِ المُحِلّ، والمُحِلُّ صفة للصيد لا للناس ولا للفاعل المحذوف. ووصفُ الصيد بأنه مُحِلُّ على وجهين، أحدهما: أن يكون معناه دَخَل في الحل، كما تقول: " أَحَلَّ الرجلُ " إذا دخل في الحِلِّ، وأَحْرم إذا دخل في الحرم. الوجه الثاني: أن يكون معناه صار ذا حِلّ، أي: حَلالاً بتحليلِ الله، وذلك أنَّ الصيدَ على قسمين: حلالٌ وحرام، ولا يختصُّ الصيدُ في لغةِ العرب / بالحلال لكنه يختصُّ به شرعاً، وقد تَجَوَّزت العربُ فأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحِلٍّ ولا حُرْمة كقوله:
1684- لَيْثٌ يعَثَّرَ يصطادُ الرجالَ إذا ما الليثُ كَذَّب عن أقرانِه صَدَقَا
وقولِ الآخر:
1685- وقد ذَهَبَتْ سَلْمَى بعقلِك كلِّه فهل غيرُ صيدٍ أَحْرَزَتْهُ حبائِلُهْ
وقولِ امرئ القيس:
1686- وهِرُّ تصيدُ قلوبَ الرجالِ وأَفْلَتَ منها ابنُ عمروٍ حُجُرْ
ومجيءُ " أَفْعَل " على الوجهين المذكورين كثيرٌ في لسان العرب، فمِنْ مجيء افعل لبلوغِ المكان ودخولِه قولُهم: أحرمَ الرجلُ وأَعْرق وأَشْأَم وأَيْمن وأَتْهم وأَنْجد، إذا بلغ هذه الأمكان وحَلَّ بها، ومن مجيء أفعل بمعنى صار ذا كذا قولهم: " أعشبت الأرض، وأبقلت، وأَغَدَّ البعير، وأَلْبنت الشاة وغيرها، وأَجْرت الكلبة، وأَصْرم النخل، وأَتْلَت الناقة، وأَحْصَدَ الزرع، وأَجْرب الرجل، وأنجبت المرأة " وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكون مُحِلاًّ باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بَلَغ أو صار ذا حِلّ اتضح كونُه استثناء ثانياً ولا يكون استثناء من استثناء.إذ لا يمكن ذلك لتناقض الحكمِ، لأنَّ المستثنى من المُحَلَّل مُحَرَّم، والمستثنى من المحرم مُحَلَّل، بل إنْ كن المعنيُّ بقوله " بيهمة الأنعام " الأنعامَ أنفسها فيكونُ استثناء منقطعاً، وإن كان المرادُ الظباءَ وبقرَ الوحش وحمره، فيكون استثناء متصلاً على أحد تفسيري المُحِلّ، استثنى الصيد الذي بلغ الحِلَّ في حال كونهم مُحْرمين. فإن قلت: ما فائدةُ هذا الاستثناءِ بقيدِ بلوغِ الحِلِّ، والصيد الذي في الحرم لا يَحِلُّ أيضاً؟ قلت: الصيدُ الذي في الحَرَم لا يَحِلُّ للمحرم ولا لغير المحرم، وإنما يَحِلُّ لغير المحرم الصيدُ الذي في الحِلّ، فنبَّه بأنه إذا كان الصيد الذي في الحِلِّ على المُحْرِم - وإن كان حلالاً لغيره - فأحرى أن يَحْرُم عليه الصيدُ الذي هو بالحَرَم، وعلى هذا التفسير يكون قوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } إنْ كان المراد به ما جاء بعده من قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ } الآية استثناءً منقطعاً، إذ لا تختص الميتة وما ذُكِر معها بالظباء وبقرِ الوحش وحمره فيصير: " لكن ما يتلى عليكم - أي: تحريمُه - فهو مُحَرَّم " ، وإن كان المرادُ ببهيمة الأنعامِ الأنعامَ والوحوشَ فيكون الاستثناءان راجِعَيْن إلى المجموع على التفصيل فيرجع " ما يتلى عليكم " إلى ثمانية الأزواج، ويرجع " غيرَ مُحِلّي الصيد " إلى الوحوش، إذ لا يمكن أن يكون الثاني استثناء من الاستثناء الأول، وإذا لم يمكن ذلك وأمكن رجوعه إلى الأول بوجهٍ ما رجع إلى الأول، وقد نص النحويون أنه إذا لم يمكن استثناءُ بعضِ المستثنيات من بعض جُعِل الكلُّ مستثنًى من الأول نحو: " قام القومُ إلا زيداً إلا عمرواً إلا بكراً " فإن قلت: ما ذكرته من هذا التخريج وهو كونُ المُحِلِّ من صفة الصيد لا من صفة الناس ولا من صفة الفاعل المحذوف يأباه رسمه في في المصحف " مُحِلّي " بالياء، ولو كان من صفته الصيد دون الناس لكتب " مُحِلّ " من غير ياء، وكونُ القراء وقفوا عليه بالياء أيضاً يأبى ذلك. قلت: لا يعكر ذلك على التخريج، لأنهم قد رسموا في المصحف الكريم أشياءَ تخالف النظق بها ككتابتهم
{ لأَذْبَحَنَّهُ }
[النمل: 21]
{ ولأَوْضَعُواْ }
[التوبة: 47] ألفاً بعد لام الألف، وكتابتم " بأَيْيد " بياءين بعد الهمزة، وكتابتهم " أولئك " بزيادة واو، ونقصِ ألفٍ بعد اللام، وكتابتهم " الصالحات " ونحوه بسقوط الألفين إلى غير ذلك. وأمَّا وقفُهم عليه بالياء فلا يجوزُ، إذ لا يوقف على المضافِ دون المضاف إليه، وإنْ وقف واقف فإنَّما يكون لِقَطْع نَفَسٍ أو اختبار، وعلى أنه يمكن توجيهُ كتابته بالياء والوقف عليه بها وهو أنَّ لغةَ الأزد يقفون فيها على " بزيدٍ " بزيدي، بإبدال التنوين ياءً فكتب " مُحِلِّي " على الوقف على هذه اللغة بالياء، وهذا توجيهُ شذوذٍ رَسْمي، ورسمُ المصحف مما لا يقاس عليه " انتهى.



وقال ابن كثير فى تفسيره

وقوله تعالى: { غَيْرَ مُحِلِّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } قال بعضهم: هذا منصوب على الحال، والمراد بالأنعام: ما يعم الإنسي؛ من الإبل والبقر والغنم، ويعم الوحشي؛ كالظباء والبقر والحمر، فاستثنى من الإنسي ما تقدم، واستثنى من الوحشي الصيد في حال الإحرام. وقيل المراد: أحللنا لكم الأنعام، إلا ما استثني منها لمن التزم تحريم الصيد، وهو حرام؛ لقوله:
{ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
[الأنعام: 145] أي: أبحنا تناول الميتة للمضطر، بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد، وهكذا هنا، أي: كما أحللنا الأنعام في جميع الأحوال، فحرموا الصيد في حال الإحرام، فإن الله قد حكم بهذا، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه، ولهذا قال الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

وجاء فى تفسير الالوسى


والاستثناء متصل من { بَهِيمَةُ } بتقدير مضاف محذوف مما يتلي أي إلا محرم ما يتلى عليكم، وعنى بالمحرم الميتة وما أهل لغير الله به إلى آخر ما ذكر في الآية الثالثة من السورة، أو من فاعل { يُتْلَىٰ } أي إلا ما يتلى عليكم آية تحريمة لتكون { مَا } عبارة عن البهيمة المحرمة لا اللفظ المتلو، وجوز اعتبار التجوز في الإسناد من غير تقدير وليس بالبعيد؛ وأما جعله مفرغاً من الموجب في موقع الحال أي إلا كائنة على الحالات المتلوة فبعيد ـ كما قال الشهاب ـ جداً؛
وذهب بعضم إلى أنه منقطع بناءاً على الظاهر لأن المتلو لفظ، والمستثنى منه ليس من جنسه؛ والأكثرون على الأول، ومحل المستثنى النصب


وجاء فى زاد المسير لابن الجوزى


قوله تعالى: { أُحلت لكم بهيمة الأنعام } في بهيمة الأنعام ثلاثة أقاويل.

أحدها: أنها
أجنّة الأنعام التي توجد ميتة في بطون
أُمهاتها إِذا ذبحت الأُمهات، قاله ابن عمر، وابن عباس.

والثاني: أنها الإِبل، والبقر، والغنم، قاله الحسن، وقتادة، والسدي.

وقال الربيع:
هي الأنعام كلها
. وقال ابن قتيبة: هي الإِبل، والبقر، والغنم، والوحوش كلها.

والثالث: أنها
وحش الأنعام كالظباء، وبقر الوحش،
روي عن ابن عباس، وأبي صالح. وقال الفراء: بهيمة الأنعام بقر الوحش، والظباء، والحمر الوحشيّة
 
الجوهرة الرابعة والثلاثون

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَٱلمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا

ذَكَّيْتُمْوَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ

اليوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ

لَكُمُ الإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال الامام الرازى فى تفسيره


الاستثناء المذكور في قوله { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه أقوال
: الأول:
أنه استثناء من جميع ما تقدم من قوله { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } إلى قوله { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وهو قول علي وابن عباس والحسن وقتادة، فعلى هذا أنك إن أدركت ذكاته بأن وجدت له عيناً تطرف أو ذنباً يتحرك أو رجلاً تركض فاذبح فإنه حلال، فإنه لولا بقاء الحياة فيه لما حصلت هذه الأحوال، فلما وجدتها مع هذه الأحوال دل على أن الحياة بتمامها حاصلة فيه.

والقول الثاني
: أن هذا الاستثناء مختص بقوله { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ }.

والقول الثالث
:
أنه استثناء منقطع
كأنه قيل: لكن ما ذكيتم من غير هذا فهو حلال.

والقول الرابع:
أنه استثناء من التحريم لا من المحرمات، يعني حرم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال. وعلى هذا التقدير يكون الاستثناء منقطعاً أيضاً.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


قوله: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان، أحدهما:
أنه مستثنى متصل،والقائلون بأنه استثناء متصل اختلفوا: فمنهم مَنْ قال: هو مستثنى من قوله: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } إلى قوله: { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وقال أبو البقاء: " والاستثناءُ راجعٌ إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السَّبعُ " وليس إخراجُه المنخنقة منه بجيدٍ. ومنهم مَنْ قال: " هو مستثنى مِنْ " ما أكل السَّبُع " خاصة.
والقول الثاني: أنه منقطعٌأي:ولكن ما ذَكَّيْتم من غيرها فحلال،أو فكلوه، وكأنَّ هذا القائلَ رأى أنها وَصَلَتْ بهذه الأسباب إلى الموت أو إلى حالةٍ قريبة منه فلم تُفِدْ تَذْكِيتُها عندَه شيئاً
 
الجوهرة الخامسة والثلاثون

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْإِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُفَٱعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون



{ إِلاَّ قَلِيلاً } منصوبٌ على الاستثناء، وفي المستنثى منه أربعةُ أقوالٍ،

أظهرُها: أنه لفظ خائنة، وهمُ الأشخاصُ المذكورون في الجملة قبله أي: لا تزالُ تَطَّلع على مَنْ يَخْون منهم إلى القليلَ، فإنه لا يخون فلا تَطَّلِعُ عليه، وهؤلاء هم عبد الله بن سلام وأصحابه. قال أبو البقاء " ولو قرئ بالجر على البدل لكان مسقيماً " يعني على البدل من " خائنة " فإنه في حَيِّز كلام غير موجب.

والثاني: ذكره ابن عطية ـ أنه الفعل أي: لا تزال تطَّلع على فِعْل الخيانة إلا فعلاً قليلاً، وهذا واضح إنْ أُريد بالخيانة أنها صفة للفعلة المقدرة كما تقدَّم، ولكن يُبْعِدُ ما قاله ابنُ عطية قولُه بعدَه " منهم " ، وقد تقدَّم لنا نظيرُ ذلك في قوله
{ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ }
[النساء: 66]، حيث جَوَّز الزمخشري فيه أن يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ.

الثالث: أنه " قلوبهم " في قوله: { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } قال صاحبُ هذا القول: " والمرادُ بهم المؤمنون لأن القسوة زالَتْ عن قلوبهم " وهذا فيه بُعْدٌ كبير، لقوله " لعنَّاهم

الرابع:
أنه الضمير في " منهم " مِنْ قوله تعالى: { عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } قاله مكيّ.


{ إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} * { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك، فظاهر، وأما المحاربون المسلمون، فإذا تابوا قبل القدرة عليهم، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل،

وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة،

وقال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه منصوب على الاستثناء من المحاربين، وللعلماءِ خلافٌ في التائبِ من قطاع الطريق: هل تسقط عنه العقوبات كلها أو عقوبةُ قطعِ الطريق فقط، وأما ما يتعلق بالأموال وقَتْلِ الأنفس فلا تَسْقُطُ، بل حكمُه إلى صاحب المال وولي الدم؟ والظاهر الأول.

الثاني: أنه مرفوع بالابتداء، والخبر قوله: { أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والعائدُ محذوف أي غفور لهم، ذكر هذا الثاني أبو البقاء، وحينئذ يكون استثناء منقطعاً بمعنى: لكن التائب يُغفر له.

ملحوظة

اخی الحبيب سوف يأتی فی جوهرة قادمة بأذن الله فى ما يتعلق هل الاستثناء إذا تعقّب جُمَلاً معطوفة عاد إلى جميعها ام لا؟
 
سورة الأنعام

الجوهرة السادسة والثلاثون


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ

وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } في هذا الاستثناء غموض،

فقال الزمخشري: " وقوله: { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } كالتكرير لقوله: { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } لأن معنى " إلاَّ يعلمها " ومعنى " إلا في كتاب مبين " واحد، والكتاب علم الله أو اللوح " وأبرزه الشيخ في عبارة قريبة من هذه فقال: " وهذا الاستثناء جارٍ مجرى التوكيد لأن قوله: " ولا حبةٍ ولا رطب ولا يابس " معطوف على " مِنْ ورقة " والاستثناءُ الأولُ منسحبٌ عليها كما تقول: " ماجاءني من رجلٍ إلا أكرمته ولا أمرأةٍ " فالمعنى: إلا أكرمتها، ولكنه لَمَّا طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد، وحَسَّنه كونُه فاصلة " انتهى. وجعل صاحب " النظم " الكلامَ تاماً عند قوله: { ولا يابس } ثم استأنف خبراً آخر بقوله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } بمعنى: وهو في كتاب مبين أيضاً. قال: " لأنك لو جَعَلْتَ قوله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } متصلاً بالكلام الأول لفسَدَ المعنى،

وبيان فساده في فصل طويل ذكرناه في سورة يونس في قوله: " ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين " انتهى.

قلت: إنما كان فاسدَ المعنى من حيث اعتقد أنه استثناءٌ آخرُ مستقلٌّ، وسيأتي كيف فسادُه، أمَّا لو جعله استثناء مؤكداً للأول كما قاله أبو القاسم لم يفسد المعنى، وكيف يُتَصَوَّرُ تمام الكلام على قوله تعالى: { وَلاَ يَابِسٍ } ويُبْتَدَأ بـ " إلا " وكيف تقع " إلا " هكذا؟

وقد نحا أبو البقاء لشيءٍ مِمَّا قاله الجرجاني فقال: " إلا في كتاب مبين " أي: إلا هو في كتاب مبين، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه " يَعْلمها "؛ لأنَّ المعنى يصير: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب، فينقلب معناه إلى الإِثبات أي: لا يعلمها في كتاب، وإذا لم يكن إلا في كتاب وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذن يكون الاستثاءُ الثاني بدلاً من الأول أي: وما تسقط من ورقة إلا هي في كتاب وما يَعْلَمُها " انتهى. وجوابه ما تقدم من جَعْلِ الاستثناء تأكيداً، وسيأتي هذا مقرَّراً إن شاء الله في سورة يونس لأنَّ له بحثاً يخصُّه.انتهى

بالنسبه للاية التى ذكرها الامام فى سورة يونس وهی

{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

قال الامام الرازى فى تفسيرها

ثم قال: { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ } وفيه قراءتان قرأ حمزة { وَلاَ أَصْغَرَ وَلا أَكْبَرَ } بالرفع فيهما، والباقون بالنصب.

واعلم أن قوله: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ } تقديره وما يعزب عن ربك مثقال ذرة فلفظ { مِثْقَالَ } عند دخول كلمة { مِنْ } عليه مجرور بحسب الظاهر، ولكنه مرفوع في المعنى، فالمعطوف عليه إن عطف على الظاهر كان مجروراً إلا أن لفظ أصغر وأكبر غير منصرف، فكان مفتوحاً / وإن عطف على المحل، وجب كونه مرفوعاً، ونظيره قوله ما أتاني من أحد عاقل وعاقل، وكذا قوله:
{ مَالَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }
[الأعراف: 59] وغيره وقال الشاعر: فلسنا بالجبال ولا الحديدا
هذا ما ذكره النحويون، قال صاحب «الكشاف»: لو صح هذا العطف لصار تقدير هذه الآية وما يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب: وحينئذ يلزم أن يكون الشيء الذي في الكتاب خارجاً عن علم الله تعالى وأنه باطل.

وأجاب بعض المحققين عنه بوجهين:

الوجه الأول: أنا بينا أن العزوب عبارة عن مطلق البعد.

وإذا ثبت هذا فنقول: الأشياء المخلوقة على قسمين: قسم أوجده الله تعالى ابتداء من غير واسطة كالملائكة والسموات والأرض، وقسم آخر أوجده الله بواسطة القسم الأول، مثل: الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد، ولا شك أن هذا القسم الثاني قد يتباعد في سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود فقوله: { وَمَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين وهو كتاب كتبه الله تعالى وأثبت صور تلك المعلومات فيه، ومتى كان الأمر كذلك فقد كان عالماً بها محيطاً بأحوالها، والغرض منه الرد على من يقول: إنه تعالى غير عالم بالجزئيات، وهو المراد من قوله:
{ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
[الجاثية: 29].

والوجه الثاني: في الجواب أن نجعل كلمة { إِلا } في قوله: { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } استثناء منقطعاًلكن بمعنى هو في كتاب مبين،

وذكر أبو علي الجرجاني صاحب «النظم» عنه جواباً آخر فقال: قوله: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ } ههنا تم الكلام وانقطع ثم وقع الابتداء بكلام آخر، وهو قوله: { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } أي وهو أيضاً في كتاب مبين. قال: والعرب تضع «إلا» موضع «واو النسق» كثيراً على معنى الابتداء، كقوله تعالى:
{ لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ إَلاَّ مَن ظَلَمَ }
[النمل: 10] يعني ومن ظلم. وقوله:
{ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }
[البقرة: 150] يعني والذين ظلموا، وهذا الوجه في غاية التعسف.

وأجاب صاحب «الكشاف»:

بوجه رابع فقال: الإشكال إنما جاء إذا عطفنا قوله: { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ } على قوله: { مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } إما بحسب الظاهر أو بحسب المحل، لكنا لا نقول ذلك، بل نقول: الوجه في القراءة بالنصب في قوله: { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ } الحمل على نفي الجنس وفي القراءة بالرفع الحمل على الابتداء، وخبره قوله: { فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } وهذا الوجه اختيار الزجاج
 
الجوهرة السابعة والثلاثون

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: " إلا أَنْ يشاء " في هذا الاستثناء قَوْلان،

أظهرهما: أنه متصل، والثاني: أنه منقطع،

والقائلون بالاتصال: اختلفوا في المستثنى منه، فجعله الزمخشري زماناً فقال: " إلا وقت مشيئة ربي شيئاً يخاف، فحذف الوقت، يعني: لا أخاف معبوداتِكم في وقتٍ قط؛ لأنها لا تقدر على منفعةٍ ولا مَضَرَّة إلا إذا شاء ربي ". وجَعَلَه أبو البقاء حالاً فقال: تقديره إلا في حال مشيئة ربي أي: لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال.

وممَّن ذهب إلى انقطاعه ابن عطية والحوفي وأبو البقاء في أحد الوجهين، فقال الحوفي: " تقديره: لكن مشيئة الله إياي بضرٍّ أخاف " ، وقال ابن عطية: " استثناء ليس من الأول ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضراً استثنى مشيئة ربه في أن يريده بضر.

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱلله وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

وإلا أن يشاء الله استثناء متصل من محذوف هو علة. وسبب التقدير { ما كانوا ليؤمنوا } لشيء من الأشياء إلا لمشيئة الله. وقدره بعضهم في كل حال إلا في حال مشيئة الله

ومن ذهب إلى أنه استثناء منقطع كالكرماني وأبي البقاء والحوفي. فقوله فيه بعد إذ هو ظاهر الاتصال أو علق إيمانهم بمشيئة الله دليل على ما يذهب إليه أهل السنة من أن إيمان العبد واقع بمشيئة الله،
 
الجوهرة الثامنة والثلاثون

{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ } فيه وجهان أحدهما: أنه استثناء منقطع، قاله ابن عطية والحوفي. والثاني: أنه استثناء متصلقال أبو البقاء: " ما " في موضع نصب على الاستثناء من الجنس من طريق المعنى لأنه وبَّخهم بترك الأكل مما سُمِّي عليه، وذلك يتضمن الإِباحة مطلقاً ". قلت: الأول أوضح والاتصال قلق المعنى انتهى

وقال ابن عاشور فى التحرير والتنوير

وقوله: { إلا ما اضطررتم إليه } استثناء من عائد الموصول، وهو الضّمير المنصوب بـــ { حرّم } ، المحذوف لكثرة الاستعمال، و { ما } موصولة، أي إلاّ الّذي اضطُررتم إليه، فإنّ المحرّمات أنواع استثني منها ما يضطرّ إليه من أفرادها فيصير حلالاً. فهو استثناء متّصل من غير احتياج إلى جعل { ما } في قوله: { ما اضطررتم } مصدريّة
 
الجوهرة التاسعة والثلاثون

{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَاٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآإِلاَّ مَا شَآءَ الله إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } اختلفوا في المستثنى منه:

فقال الجمهور: هو الجملة التي تليها وهي قوله { ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ } وسيأتي بيانه عن قرب.

وقال أبو مسلم: " هو مستثنى من قوله " وبلغْنا أجَلَنا الذي أجَّلْتَ لنا " أي: إلا مَنْ أهلكته واخترمْتَه قبل الأجل الذي سَمَّيْته لكفرِه وضلاله.

وقد ردَّ الناس عنه هذا المذهبَ من حيث الصناعة ومن حيث المعنى: أمَّا الصناعة فَمِنْ وجهين أحدهما: أنه لو كان الأمر كذلك لكان التركيب إلا ما شئت، ليطابق قوله " أجَّلْتَ " ، والثاني: أنه قد فَصَل بين المستثنى والمستثنى منه بقوله " قال النار مثواكم خالدين فيها، ومثل ذلك لا يجوز. وأمَّا المعنى فلأن القول بالأجلين: أجل الاخترام والأجل المسمَّى باطل لدلائل مقررة في غير هذا الموضوع.


ثم اختلفوا في هذا الاستثناء: هل هو متصل أو منقطع؟

على قولين فذهب مكي بن أبي طالب وأبو البقاء في أحد قوليهما إلى أنه منقطع والمعنى: قال النار مثواكم إلا مَنْ آمن منكم في الدنيا كقوله:
{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ }
[الدخان: 56] أي: لكن الموتة الأولى فإنهم قد ذاقوها في الدنيا، كذلك هذا، لكن الذين شاءهم الله أن يؤمنوا منكم في الدنيا. وفيه بُعْدٌ،

وذهب آخرون إلى أنه متصل، ثم اختلفوا في المستثنى منه ما هو؟

فقال قوم: هو ضمير المخاطبين في قوله " مَثْواكم " أي إلا مَنْ آمن في الدنيا بعد أن كان مِنْ هؤلاء الكفرة. و " ما " هنا بمعنى " مَنْ " التي للعقلاء، وساغ وقوعُها هنا لأن المراد بالمستثنى نوعٌ وصنف، و " ما " تقع على أنواع مَنْ يعقل وقد تقدَّم تحقيق هذا في قوله { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }
[النساء: 3].

ولكن قد اسْتُبعِد هذا من حيث إن المستثنى مخالفٌ للمستثنى منه في زمان الحكم عليهما، ولا بد أن يشتركا/ في الزمان لو قلت: " قام القوم إلا زيداً " كان معناه إلا زيداً فإنَّه لم يقم، ولا يَصحُّ أن يكون المعنى: فإنه سيقوم في المستقبل، ولو قلت: " سأضرب القوم إلا زيداً " كان معناه: فإنِّي لا أضربه في المستقبل، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى: فإني ضربته فيما مضى، اللهم إلا أن يُجْعَلَ استثناء منقطعاً كما تقدَّم تفسيره.

وذهب قوم إلى أنَّ المستثنى منه زمان، ثم اختلف القائلون بذلك،

فمنهم من قال: ذلك الزمانُ هو مدةُ إقامتهم في البَرْزَخ أي: القبور.

وقيل: هو المدة التي بين حشرِهم إلى دخولهم النار، وهذا قولُ الطبري قال: " وساغ ذلك من حيث العبارةُ بقوله " النار مَثْواكم " لا يَخُصُّ بها مستقبلَ الزمان دون غيره ".

وقال الزجاج: " هو مجموع الزمانين أي: مدةَ إقامتهم في القبور ومدة حشرهم إلى دخولهم النار ".

وقال الزمخشري: " إلا ما شاء الله أي: يُخَلَّدون في عذاب النار الأبد كله إلا ما شاء الله إلا الأوقات التي يُنقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، فقد رُوِيَ أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يقطع أوصالَهم فيتعاوَوْن ويطلبون الرَّدَّ إلى الجحيم " وقال قوم: " إلا ما شاء الله هم العصاة الذين يدخلون النار من أهل التوحيد، ووقعت " ما " عليهم لأنهم نوع كأنه قيل: إلا النوعَ الذي دخلها من العصاة فإنهم لا يُخَلَّدون فيها. والظاهر أن هذا استثناءٌ حقيقةً، بل يجب أن يكون كذلك. وزعم الزمخشري أنه يكون من باب قول الموتور الذي ظفر بواتره ولم يَزَلْ يُحَرِّق عليه أنيابه وقد طلب أن يُنَفِّسَ عن خناقه: " أهلكني الله إن نَفَّسْتُ عنك إلا إذا شئت " وقد عَلِمَ أنه لا يشاء ذلك إلا التشفِّي منه بأقصى ما يقدر عليه من التشديد والتعنيف، فيكون قوله " إلا إذا شئت " من أشدِّ الوعيد مع تهكم ". قلت: ولا حاجة إلى ادِّعاء ذلك مع ظهور معنى الاستثناء فيه وارتكاب المجاز وإبراز ما لم يقع في صورة الواقع. وقال الحسن البصريُّ: " إلا ما شاء الله أي: مِنْ كونهم في الدنيا بغير عذاب " ، فجعل المستثنى زمن حياتهم وهو أبعدُ ممَّا تقدَّم.

وقال الفراء: ـ وإليه نحا الزجاج ـ " المعنى إلا ما شاء الله من زياةٍ في العذاب ". وقال غيره: إلا ما شاء الله من النَّكال، وكل هذا إنما يتمشَّى على الاستثناء المنقطع.

قال الشيخ: " وهذا راجعٌ إلى الاستثناء من المصدر الذي يدل عليه معنى الكلام؛ إذ المعنى: يُعَذَّبون في النار خالدين فيها إلا ما شاء الله من العذاب الزائد على النار فإنه يُعَذِّبهم به، ويكون إذ ذاك استثناءً منقطعاً إذ العذابُ الزائد على عذاب النار لم يندرجْ تحت عذاب النار ".

وقال ابن عطية: " ويتجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبةً للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وليس مما يُقال يومَ القيامة، والمستثنى هو مَنْ كان مِنَ الكفرة يومئذٍ يؤمن في علم الله، كأنه لمَّا أخبرهم أنه يقال للكفار: النار مثواكم استثنى لهم مَنْ يمكن أن يُؤْمن ممَّن يَرَوْنه يومئذٍ كافراً، وتقع " ما " على صفة مَنْ يعقل، ويؤيد هذا التأويلَ أيضاً قوله { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } أي: بمن يمكن أن يؤمن منهم ". قال الشيخ: " وهو تأويلٌ حسن وكان قد قال قبل ذلك: " والظاهر أن هذا الاستثناء هو مِنْ كلام الله تعالى للمخاطبين وعليه جاءت تفاسيرُ الاستثناء، وقال ابن عطية، " ثم ساقه إلى آخره، فكيف يَسْتَحْسن شيئاً حكم عليه بأنه خلاف الظاهر من غير قرينة قوية مُخْرِجَةٍ للَّفظ عن ظاهره؟انتهى

ملحوظة

اخى الحبيب سياتى مزيد من التوضيح عن هذا الاستثناء فى سورة هود ان شاء الله
 
الجوهرة الأربعون


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا

عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

قال الامام الالوسى فى تفسيره

إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } أي ما علق بظهورهما. والاستثناء منقطع أو متصل من الشحوم. وإلى الانقطاع ذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه فقد نقل عنه لو حلف لا يأكل شحماً يحنث بشحم البطن فقط.

وخالفه في ذلك صاحباه فقالا يحنث بشحم الظهر أيضاً لأنه شحم وفيه خاصية الذوب بالنار. وأيد ذلك بهذا الاستثناء بناء على أن الأصل فيه الاتصال. وللإمام رضي الله تعالى عنه أنه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم ويستعمل كاللحم في اتخاذ الطعام والقلايا ويؤكل كاللحم ولا يفعل ذلك بالشحم ولهذا يحنث بأكله لو حلف لا يأكل لحماً وبائعه يسمى لحاماً لا شحاماً.

والاتصال وإن كان أصلاً في الاستثناء إلا أن هنا ما يدل على الانقطاع وهو قوله تعالى: { أَوِ ٱلْحَوَايَا } فإنه عطف على المستثنى وليس بشحم بل هو بمعنى المباعر كما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أن المرابض وهي نبات اللبن كما روي عن ابن زيد أو المصارين والأمعاء كما قال غير واحد من أهل اللغة. وللقائل بالاتصال أن يقول: العطف على تقدير مضاف أي شحوم الحوايا أو يؤول ذلك بما حمله الحوايا من شحم على أنه يجوز أن يفسر الحوايا بما اشتملت عليه الأمعاء لأنه من حواه بمعنى اشتمل عليه فيطلق على الشحم الملتف / على الأمعاء

قال الامام القرطبى فى تفسيره

{ أَوِ ٱلْحَوَايَآ } في موضع رفع عطف على الظهور أي أو حملت حواياهما، والألف واللام بدل من الإضافة. وعلى هذا تكون الحوايا من جملة ما أحل. { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } «ما» في موضع نصب عطف على «مَا حَمَلَتْ» أيضاً هذا أصح ما قيل فيه. وهو قول الكسائِي والفراء وأحمد بن يحيـى. والنظر يوجب أن يعطف الشيء على ما يليه، إلا ألاَّ يصح معناه أو يدل دليل على غير ذلك.

وقيل: إن الإستثناء في التحليل إنما هو ما حملت الظهور خاصّةً، وقوله: «أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ» معطوف على المحرم. والمعنى: حرمت عليهم شحومها أو الحوايا أو ما ٱختلط بعظم؛ إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم. وقد ٱحتج الشافعيّ بهذه الآية في أن من حلف ألاّ يأكل الشحم حنِث بأكل شحم الظهور؛ لاستثناء الله عز وجل ما على ظهورهما من جملة الشحم.
 
الجوهرة الواحدة والاربعون

سورة الاعراف

{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ أَن يَشَآءَ } في هذا الاستثناء وجهان،

أحدهما: أنه متصل.

والثاني: أنه منقطعٌ.

ثم القائلون بالاتصال مختلفون فمنهم مَنْ قال: هو مستثنى من الأوقات العامة والتقدير: وما يكونُ لنا أن نعود فيها في وقتٍ من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله ذلك، وهذا متصورٌ في حَقِّ مَنْ عدا شعيباً، فإن الأنبياءَ لا يشاء الله ذلك لهم لأنه عَصَمهم.

ومنهم مَنْ قال: هو مستثنى من الأحوال العامة. والتقدير: ما يكونُ لنا أن نعودَ فيها في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى.

وقال ابن عطية: " ويُحتمل أن يريدَ استثناءَ ما يمكن أن يَتَعَبَّد الله به المؤمنين ممَّا تفعلُه الكفرةُ من القُرُبات فلمَّا قال لهم: إنَّا لا نعودُ في مِلَّتكم، ثم خشي أن يُتَعَبَّد الله بشيءٍ من أفعال الكفرة فيعارض ملحدٌ بذلك ويقول: هذه عودةٌ إلى مِلَّتِنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يُتَعَبَّدَ به ".

قال الشيخ: " وهذا الاحتمالُ لا يَصِحُّ لأن قوله: " بعد إذ نجَّانا اللهُ منها " إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البِرِّ ". قلت: قد حكى ابن الأنباري هذا القولَ عن المعتزلة الذين لا يؤمنون بالإِرادة ثم قال: " وهذا القول مُتَنَاوَلُهُ بعيد، لأنَّ فيه تبعيضَ الملة "

وقيل: هذا استثناء على سبيل التسليم والتأدُّب.

قال ابن عطية: " ويقلق هذا التأويلُ من جهةِ استقبالِ الاستثناء، ولو كان الكلام " إلا إنْ شاء " قوي هذا التأويل ". وهذا الذي قاله سهوٌ لأنَّ الماضيَ يتخلَّص للاستقبال بعد " إنْ " الشرطية، كما يتخلَّص المضارع له بأَنْ المصدرية.

وقال الامام القرطبى فى تفسيره

قال أبو إسحاق الزجاج: أي إلا بمشيئة الله عز وجل، قال: وهذا قول أهل السنة؛ أي وما يقع منا العود إلى الكفر إلى أن يشاء الله ذلك. فالاستثناء منقطع. وقيل: الاستثناء هنا على جهة التسليم للَّه عز وجل؛ كما قال:
{ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ }[هود: 88]. والدليل على هذا أن بعده { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا }. وقيل: هو كقولك لا أُكلمك حتى يبيض الغراب، وحتى يلج الجمل في سم الخياط. والغراب لا يبيض أبداً، والجمل لا يلج في سم الخياط.
 
الجوهرة الثانية والاربعون

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } في هذا الاستثناء وجهان، أظهرهما: أنه متصل، أي: إلا تمكيني منه فإني أملكه.

والثاني ـ وبه قال ابن عطية، وسبقه إليه مكيّ ـ: أنه منقطعٌ، ولا حاجةَ تدعو إليه أنه منقطع.
 
الجوهرة الثالثة والاربعون

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قال الامام الرازى فى تفسيره

فإن قيل: المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف يجوز استثناؤهما عن الصلاة؟

قلنا: فيه وجوه:

الأول: أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة، فخرج هذا الاستثناء على حسب معتقدهم.

الثاني: أن هذا كقولك وددت الأمير فجعل جفائي صلتي. أي أقام الجفاء مقام الصلة فكذا ههنا.

الثالث: الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له، كما تقول العرب، ما لفلان عيب إلا السخاء. يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له.
 
الجوهرة الرابعة والاربعون

سورة التوبة


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ
وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } * { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ

يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ }: فيه ثلاثةُ أوجه،

أحدها: أنه استثناءٌ منقطع. والتقدير: لكنِ الذين عاهدتم فَأَتِمُّوا إليهم عهدَهم. وإلى هذا نحا الزمخشريُّ فإنه قال: " فإن قلت: مِمَّ استثنى قولَه { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم؟ } قلت: وجهُه أن يكونَ مستثنى من قوله: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ } لأن الكلامَ خطابٌ للمسلمين، ومعناه: براءةٌ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم: سِيْحوا إلا الذين عاهدْتم منهم ثم لم ينقصوا فأتمُّوا إليهم عهدهم. والاستثناءُ بمعنى الاستدراك، كأنه قيل بعد أن أُمِروا في الناكثين: ولكن الذين لم يَنْكثوا فأتمُّوا إليهم عهدَهم ولا تُجروهم مُجراهم ".

الثاني: أنه استثناءٌ متصلٌ، وقبلهُ جملة محذوفة تقديره: اقتلوا المشركين المعاهَدين إلا الذين عاهَدْتم. وفيه ضعفٌ.

الثالث: أنه مبتدأ والخبرُ قولُه فأتمُّوا إليهم، قاله أبو البقاء. وفيه نظرٌ لأنَّ الفاءَ تزاد في غير موضعها، إذا المبتدأُ لا يُشْبه الشرط لأنه لأُِناسٍ بأعيانهم، وإنما يتمشَّى على رأي الأخفش إذ يُجَوِّز زيادتها مطلقاً. والأَوْلَى أنه منقطعٌ لأنَّا لو جَعَلْناه متصلاً مستثنىٰ من المشركين في أولِ السورة لأدَّى إلى الفَصْلِ بين المستثنى والمستثنى منه بجملٍ كثيرة.

وقال الامام الالوسى فى تفسيره

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } استثناء على ما في «الكشاف» من المقدر في قوله:

{ فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ }
[التوبة: 2] الخ لأن الكلام خطاب مع المسلمين على أن المعنى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم، وهو بمعنى الاستدراك كأنه قيل: فلا تمهلوا الناكثين غير أربعة أشهر ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجرى الناكثين، واعترض بأنه كيف يصح الاستثناء وقد تخلل بين المستثنى والمستثنى منه جملة أجنبية أعني قوله سبحانه:
{ وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ }
[التوبة: 3] فإنه كما قرر عطف على
{ برآءَةٌ }
[التوبة: 1]، وأجيب بأن تلك الجملة ليست أجنبية من كل وجه لأنها في معنى الأمر بالاعلام كأنه قيل: فقولوا لهم سيحوا واعلموا أن الله تعالى بريء منهم لكن الذين عاهدتم الخ،

وجعله بعضهم استدراكاً من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر والمآل واحد،

وقيل: هو استثناء من المشركين الأول وإليه ذهب الفراء، ورد بأن بقاء التعميم في قوله تعالى:
{ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
[التوبة: 3] ينافيه،

وقيل: هو استثناء من المشركين الثاني. ورد بأن بقاء التعميم في الأول ينافيه، والقول بالرجوع إليهما والمستثنى منهما في الجملتين ليستا على نسق واحد لا يحسن، وجعل الثاني معهوداً وهم المشركون المستثنى منهم هؤلاء فقيل مجيء الاستثناء يبعد ارتكابه في النظم المعجز،

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط فى بيان نوع الاستثناء فى قوله تعالى

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قال قوم: هذا استثناء منقطع، التقدير: لكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد أتموا إليهم عهدهم.

وقال قوم منهم الزجاج: هو استثناء متصل من قوله: إلى الذين عاهدتم من المشركين.


وقال الزمخشري: وجهه أنْ يكون مستثنى من قوله: { فسيحوا في الأرض } [التوبة: 2] لأنّ الكلام خطاب للمسلمين ومعناه: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين، فقولوا لهم: سيحوا، إلا الذين عاهدتم منهم، ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم. والاستثناء بمعنى الاستدراك، كأنه قيل بعد أنْ أمروا في الناكثين: ولكنّ الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفيّ كالغادر. وقيل: هو استثناء متصل، وقبله جملة محذوفة تقديرها: اقتلوا المشركين المعاهدين إلا الذين عاهدتم، وهذا قول ضعيف جداً، والأظهر أنْ يكون منقطعاً لطول الفصل بجمل كثيرة بين ما يمكن أن يكون مستثنى منه وبينه
 
الجوهرة الخامسة والاربعون

{ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } فيه وجهان

أحداهما: أنه استثناءٌ منقطع أي: لكن الذين عاهدتم فإنَّ حُكْمَهم كيت وكيت.

والثاني: أنه متصلٌ وفيه حينئذٍ احتمالان،

أحدهما: أنه منصوبٌ على أصل الاستثناء من المشركين.

والثاني: أنه مجرورٌ على البدل منهم، لأنَّ معنى الاستفهامِ المتقدمِ نفيٌ، أي: ليس يكونُ للمشركين عهدٌ إلا للذين لم ينكُثوا. فقياسُ قولِ أبي البقاء فيما تقدَّم أن يكون مرفوعاً بالابتداء، والجملةُ من قوله " فما استقاموا " خبرُه.
 
الجوهرة السادسة والاربعون

وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا

زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

وهذا الاستثناء متصل وهو مفرغ، إذ المفعول الثاني لزاد لم يذكر، وقد كان في هذه الغزوة منافقون كثير، ولهم لا شك خبال، فلو خرج هؤلاء لتألبوا فزاد الخبال. وقال الزمخشري: المستثنى منه غير مذكور، فالاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء، فكان هو استثناء متصلاً لأنّ بعض أعم العام، كأنه قيل: ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً.

وقيل: هو استثناء منقطع، وهذا قول من قال: إنه لم يكن في عسكر الرسول خبال. فالمعنى: ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالاً.

وقال الامام ابن الجوزى فى زاد المسير

فان قيل: كأن الصحابة كان فيها خبال حتى قيل: { ما زادوكم إلا خبالاً }؟ فالجواب: أنه من الاستثناء المنقطع، والمعنى: ما زادوكم قوَّة، لكن أوقعوا بينكم خبالاً.
 
عودة
أعلى