أخلاق المصلحين في القرآن الكريم .. وقفة تأمل واقتداء ...

إنضم
24/04/2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
6
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، وبعد..

فإن الدعاة والمصلحين هم الأولى باتباع منهج القرآن الكريم ولقد كان الغرض الأكبر للقرآن العظيم هو إصلاح الأمة بأسرها. فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان ونبذ العبادة الضالة واتباع الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طريق النجاح وتزكية نفوسهم(1).

ولقد سجل القرآن العظيم في ذلك أعظم المناهج وأعدلها ، وأصلحها لكل زمان ومكان، فقد انتهج نهجاً ربانياً في إصلاحه ، وسلك سياسة حكيمة وصل بها من مكان قريب إلى ما أراد من هداية الخلق، واتخذ جميع الوسائل المؤدية إلى نجاة هذا الإصلاح الوافي بكل ما يحتاج إليه البشر(2).

والإصلاح هو دعوة الرسل وجميعهم بُعثوا بالإصلاح والصلاح ، ونهوا عن الشرور والفساد، فكل صلاح وإصلاح ديني ودنيوي فهو من دين الأنبياء قال شعيب عليه الصلاة والسلام : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه ينيب ) [هود: ٨٨](3).

قال ابن سعدي : " وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو بتحصيل ما يقدر عليه منها وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة، وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية ،... فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليه "(4).

وهذا المنهج القرآني في الإصلاح معجزٌ من جهات كثيرة لا يمكن إحصائها: معجزٌ في خصائصه، ومعجزٌ في الجوانب التي اعتنى بها ، ومعجزٌ في أولويات هذا الإصلاح، ومعجزٌ في تنوع الأساليب التي اتبعها، ومعجزٌ في صفات المصلحين الذين حملوا هذا المنهج ، وكل واحد مما سبق باب عظيم للتأمل والتدبر والإقرار بعظمة هذا الكتاب المبارك .
وسوف أذكر نتفاً في أخلاق وصفات المصلحين في القرآن ليكون ذلك قدوة لكل مصلح ومعلم ومربي ، اسأل الله التيسير والسداد ..

لقد أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المصلحين باتباع منهجهم فقال تعالى: ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين ) [الأنعام: ٩٠] وقال تعالى: ( قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ) [الفرقان: ٥٧] وقال: ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) [ ص: ٨٦ ] وقال: ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترب حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور ) [الشورى: ٢٣].

وإن المتأمل في صفات من قاموا بمنهج الإصلاح القرآني وسيرتهم وأخلاقهم ؛ يعلم يقيناً ذلك الإعجاز الذي صاحب تطبيق هذا المنهج على أيدي المصلحين من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن تجتمع تلك الصفات في أصحاب منهج أرضي أو بشري ، مما يدل دلالة يقينية على إلهية ذلك المنهج وربانيته:

بعدهم عن التعلق بالدنيا وعن المن على المدعوين :

لم يكن رسل الله عليهم الصلاة والسلام طُلاَّب دنيا ، ولا أهل منٍّ أو استكبار حاشاهم ، لقد ردَّدَ كثير من الأنبياء عليهم السلام قوله: ( وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) [الشعراء: ١٠٩، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠] ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله ) [هود: ٢٩] وقال تعالى: ( يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) [هود: ٥١].

وهذه نغمة نسمعها من جميع الرسل ، وهي جديرة بالعناية ، ومقياس صدق الداعي، وبرهان أن دعوته تتصل بالقلب والوجدان ، وحسبك أن الله يقول : ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) [ يس : 20ـ21 ].

وهذه الآيات العظيمة تبين عظمة أولئك المصلحين عليهم الصلاة والسلام فلم يكونوا باحثين عن مناصب أو مراكز دنيوية كما هو الشأن في كثير من دعاة الإصلاح الأرضي، ولذا كان هذا المنهج الذي قاموا به منهجاً ربانياً جاء ليحقق مصالح العباد في الدنيا والآخرة ، لا كما يريد أصحاب الغرائز الدنيوية ممن يدعي الإصلاح فيريد أن يرتقي بدعوته إلى أغراضه ومآربه الدنيوية.

كما لم يكونوا ممن إذا علم غيره استكبر عليه أو استعبده بل كانوا يرون ذلك انحرافاً عن المقصد الأصلي للإصلاح والتربية والدعوة وهو طلب الأجر من الله تعالى .
وعلى هذا لا يجوز للدعاة والمربين أن يمنوا على الله أو على أحد من الناس بما يقومون به من نشر الدعوة إلى الله ، أو يستكثروا جهادهم في الدعوة فمهما يقدموا فهو في جنب الله قليل قليل(5).

حلمهم عليهم الصلاة والسلام:

قال تعالى : ( لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ) [ الأعراف : 59 ـ 61 ].
وهنا نتأمل في حال نوح عليه الصلاة والسلام كيف يستمع إلى قومه وهم يصفونه بما جاء ليخرجهم منه ، وكيف لو كان هذا النعت موجهاً لأحد مدعي الإصلاح الأرضي، كيف سيكون الحال ، ولكن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يزد أن دافع عن نفسه ولم يوغر هذا الكلام صدره بل ما زاد إلا نصحاً لهم وحرصاً على هدايتهم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ...
وعند نقل الصورة لحال من قد ينتسب للدعوة اليوم أو العلم ؛ نجد الفرق الكبير بين ذلك الخلق العظيم وبين أخلاق هؤلاء ، أصبح الحديث مع البعض فضلاً عن النقد والحوار أحد الشروخات لتلك الشخصية الرفيعة! .

موافقة العمل للقول :

وهذا يتبين جلياً عند النظر في صفات الرسل المصلحين في القرآن العظيم.
يقول شعيب عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) .
وإن الناظر في سير الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام يتعجب من تلك السيرة الأخاذة التي ـ لولا عنت المعاندين ـ تكفي في تصديق دعوتهم ورسالتهم واتباعهم ، لقد كان من خصائصهم الصدق والرحمة والصبر والتواضع والحوار والإنصاف والأدب ومخالطة الناس ، كل ذلك كان سجية لا تكلفاً .
وعندما نرجع إلى حالنا نرد الطرف وهو حسير ، كيف أصبح المنهج الذين ندعو إليه في الغالب عبارات تردد بلا واقع نراه في أحوالنا .

إن المحزن أن نجد أن النخبة التي تُعلق بها الآمال بعد الله تعالى أصبحت لا تلتزم بمنهج الأنبياء في الأخلاق والسيرة ..
كل ذلك الحديث السابق لم يقصد به التعميم ، بل المقصود مجرد الإشارة ..
والله الهادي إلى سواء السبيل ..

ــــــــــــــــ
حواشي :
(1) التحرير والتنوير : ( 1 / 81 ).
(2) مناهل العرفان: ( 2 / 731 ).
(3) تيسير اللطيف المنان : ( 1 / 390 ).
(4) تيسير الكريم الرحمن : ( 1 / 387 ). وانظر : القواعد الحسان : ( 30 ).
(5) المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة لعبد الكريم زيدان : ( 2 / 17 ).
 
السلام عليكم
مشاركة طيبة مباركة ما شاء الله
عسى أن نستفيد ونطبق ثم نلتزم ونرجو الله الثبات لا أن نتحول عند أول احتكاك ونيأس من أول محاولة ونبرر أخطاءنا وتجاوزاتنا وسوء تعاملنا أحيانا مع أشخاص بأنهم هم من بدأ أو تكلم. فكثيرا ما ننتقد أناسا بما نحن واقعون فيه ونجد لأنفسنا المبررات ونحجرها على غيرنا، ونسمح لأنفسنا بما نمنعه عن غيرنا. فالمصلحون أطباء الأرواح وعليهم مراعاة أحوال المرض والمريض. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
[.جزاكم الله خيرا علي هذه التذكرةالنافعة ان شاء الله
 
المساعدة في اختيار موضوع بحث في الدراسات القرآنية أو التفسير أو العقيدة

المساعدة في اختيار موضوع بحث في الدراسات القرآنية أو التفسير أو العقيدة

السلام عليكم
موضوع الإصلاح والمصلحين من المواضيع التي تشدني جداً
لأنها نواة لإصلاح الأمة
وكنت أتمنى أن أكتب رسالة الدكتوراه تحت هذا المضمون
ولكن لم يتسنى لي لأن المكتوب كثير كما يقولون
فهل ترشدني إلى اختيار بحث آخر لم يكتب من قبل فيه أحد
علماً أنني أميل إلى الدراسات القرآنية أو التفسير أو العقيدة
وجزاكم الله خيراً
 
كلنا دعاة ومصلحون لأنفسنا ولغيرنا وكلٌ يبدأ من نفسه ُثم من حوله , أدعو الله أن يفهم جميعنا هذا ويعلم الجميع أن الواحد منا داعية في ذاته وأن عمله مهما كان بسيطا ومهما ويوما ما سيرى نتيجة جهده ولو أننا لسنا مطالبين بالنتائج.
(إن المحزن أن نجد أن النخبة التي تُعلق بها الآمال بعد الله تعالى أصبحت لا تلتزم بمنهج الأنبياء في الأخلاق والسيرة ) اقتبست هذه الجملة لأني أود أن أقول أننا او معظمنا لا نطبق الإسلام الصحيح على أفكارنا أو في ضمائرنا لكن قد طغى الأسلوب الغربي في التفكير حتى أنننا نفكر مثلهم في أدق تفاصيل حياتنا.
 
جزاكم الله خير دكتور فهد حفظكم الله وأضيف ولذلك من الأخطاء التي يقع بها بعض الدعاة استخدام مصطلحات حديثة بهدف جذب المدعوين مثل رومنسية النبي صلى الله عليه وسلم أو الإيتكيت النبيوي،، وغير ذلك من مصطلحات معاصرة ما أنزل الله بها من سلطان نقول لداعية نعم استخدم عبارات وكلمات جذب ولفت انتباه ومشوقه للمدعوين لكن بشرط مصلحات التشريع لاتقربها ولاتبدلها وتغيرها ولو كانت خير لقالها رسول فحدثوا الناس بما تعرفون لايعني تبديل الحروف وقلب الكلمات لإرضاء المدعوين فقط!! فالداعية عليه أن يجعل كله أقواله وأفعاله مستدة على مصادر التشريع وإلا كان الفشل والضياع..والله المستعان..
 
عودة
أعلى