فهد الوهبي
Member
[align=justify]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فقد سبق إجراء اللقاء الأول مع فضيلة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ حفظه الله مع شبكة تفسير على الرابط الآتي:
وقد وفق الله سبحانه لإجراء اللقاء الثاني مع فضيلته وفقه الله والذي تم تخصيصه للحديث عن تاريخ المصحف في العصر الحديث، ونترككم الآن مع اللقاء:
1- شبكة تفسير : شيخنا ما أشهر الطبعات التي كانت متداولة قبل طباعة مصحف المدينة النبوية ؟
د / عبد العزيز القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد : المسلمون والحمد لله منذ العصر الأول عنايتهم بكتابة المصاحف ثم بطباعتها لما بدأت المطبعة معروفة ومشهورة وهناك آلاف النسخ الخطية في مكتبات العالم تدل على عظم عناية المسلمين حتى قبل وجود المطبعة بكتابة المصحف ومعروف لدى أهل العلم الكتبة الأولى والكتبة الثانية والكتبة الثالثة للمصحف الشريف .
الكتبة الأولى في العهد النبوي على مختلف الوسائل التي لا يمكن جمعها بين دفتين من العظام واللخاف والرقاع ونحو ذلك .
والكتبة الثانية هي التي تمت في عهد الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
ثم الكتبة الثالثة التي تمت في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه .
وبعد ذلك كتبت آلاف المصاحف نقلاً عن هذه المصاحف مصحف أبي بكر ومصحف عثمان .
وأول ما بدأت المطبعة كانت حجرية يعني ينحتون الحروف على ألواح من الحجر معدة لذلك ثم يجري السحب على الورق من هذه الألواح، وهذه طبعاً طريقة بدائية، لكنها كانت بداية الطباعة، وعندي مصحف مطبوع في الهند طبعة حجرية كالتي وصفتُ، وعندي كتب أيضاً مطبوعة طبعة حجرية سواء في الهند أو حتى في مصر.
ولكن أشهر مصحف طبع في العصر الحديث واعتمدنا عليه في مصحف المدينة النبوية هو ما يسمونه بمصحف الملك فؤاد والذي تمت طباعته تحت إشراف شيخ المقارئ المصرية في ذلك الزمان، الشيخ محمد خلف الحسيني، وهذا المصحف من أصح المصاحف المطبوعة قبل مصحف المدينة النبوية، ورأينا كثيراً من المصاحف المطبوعة التي تفنن أصحابها في طباعتها من حيث الزخارف وجمال الخط ونحو ذلك ولكن بدون دقة علمية في المراجعة والإشراف ومثل هذه المصاحف مصاحف متحفيه لا يصح الاعتماد عليها وغالبها كتب بالإملاء الحديث فأهمل طابعوها بذلك أهم شرط في هذا المجال وهو موافقة الرسم رسم الصحابة .
2- شبكة تفسير: فضيلة الشيخ هناك طبعة باكستانية وتركية للمصحف الشريف هل تحدثنا عنها ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعات علماء الأتراك في عهد الدولة العثمانية وبعد ذلك، أفتوا أنفسهم بعدم الالتزام برسم الصحابة وذلك في زعمهم لتسهيل قراءة القرآن على الناس ـ قراءته من المصحف ـ وقد ناقشتُ أحدَ كبار المقرئين في اسطنبول وكنت أدركته وهو في الثمانين من عمره وهو إمام جامع بايزيد في اسطنبول الشيخ عبد الرحمن جرساس رحمه الله، ناقشتُه في هذا الموضوع وقلتُ له: لو غيرتم منهجكم هذا المخالف لرسم الصحابة والتزمتم بالرسم فكرر نفس التعليل وهو أنهم إنما أرادوا التيسير على الناس الذين يقرؤون القرآن من المصحف، وأنا احتججت عليه بأن القرآن أصلاً لا يؤخذ من المصاحف ومن يريد أن يقرأه سواء حفظاً أو نظراً من المصحف يجب أن يتلقاه من أفواه المشايخ فلا فرق عندئذ كُتِبَ برسم الصحابة أو كتب بالرسم الحديث، فكتابته برسم الصحابة رضي الله عنهم فيه التزام بشرط ذكره العلماء واتفق عليه جمهورهم، ولكنهم أي علماء الأتراك متمسكون بمنهجهم هذا المخالف لمرسوم السلف .
وهكذا المصاحف الباكستانية لأن المصاحف الباكستانية تزيد علة أخرى وهي أنها كتبت بخط (معفرت) لا أعده خطاً عربياً بل هو خط هندي لا هو بالنسخ ولا هو بالرقعة ولا هو بالثلث، فأفسدوا الخط مع إفساد الرسم وأوضحُ مثالٍ لهذا، المصاحف التي طبعت في تاج كمبني كما يقولون وتفننوا في تجليدها وفي فخامتها ولكن خربوا الخط وخربوا الرسم، وأنا لا أنصح الحفاظ إذا احتاجوا إلى المراجعة أن يراجعوا في أي من هذه المصاحف .
3- شبكة تفسير: شيخنا هناك مصحف يسمى مصحف الشيخ رضوان المخللاتي ماذا تعرفون عنه وما سبب عدم الشهرة ؟
د / عبد العزيز القارئ : مصحف الشيخ رضوان المخللاتي،هذا الشيخ كان من علماء القراءات في مصر وكان خطاطاً ذا خط جميل فكتب مصحفاً بخط يده وطبع في المطبعة البهية سنة 1306 هـ، وعندي هذه الطبعة وكتب لها مقدمةً في قواعد الرسم وكان مقصود الشيخ هو التنبيه إلى الالتزام بمرسوم الصحابة عند طباعة المصاحف فقدم هذا الأنموذج للطابعين وهو يعد مرجعاً علمياً حتى في فن الرسم والضبط .
4- شبكة تفسير: وهو الآن لم يطبع ؟
د / عبد العزيز القارئ : ما طبع ، لأن طباعته في ذلك التاريخ القديم طبعاً طباعة حجرية لم تكن طباعة واضحة فلذلك لم يكرر أحد تلك الطبعة وإنما اتخذوها مرجعاً فقط .
5- شبكة تفسير: شيخنا الكريم سمعنا أن لديكم نسخة هندية للمصحف الشريف وأن لها قصة فما هي هذه القصة ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعة هندية مشهورة عند الحفاظ في الهند حتى في غير الهند تسمى مصحف عبد الملك وبعضهم يقول مصحف عبد المجيد الذي هو اسم صاحب الطبعة أو المطبعة، هذا الرجل كما حدثني والدي ـ رحمه الله ـ لما أراد أن يطبع المصحف بدأ بطبع نسخٍ قليلة كما أذكر خمسمائة نسخة أو ألف نسخة، وأعلن أن كل من يكتشف غلطاً في هذا المصحف له على كل خطأ يكتشفه رُبِّيَّة، فتسابق الحُفَّاظُ إلى تصحيح هذا المصحف والحصول على هذه الربيات، طبعاً هذا جعل التنافس في مراجعة المصحف وتصحيحه واضحاً.
بعدما تحقق له ذلك طبع طبعة جديدة وأعلن أن كل من يعثر على خطأ في هذه الطبعة الجديدة له عشر ربيات عن كل خطأ يكتشفه، فتضافر الحفاظ أيضاً على تصحيحه وجاءته عشرات الملاحظات .
وطبع الطبعة الثالثة وأعلن أن كل من يكتشف غلطة فله ألف ربيه عن كل غلطة، ومضى زمن دون أن يأتيه أحد وبعد فترة لما انقطع أمله من وجود أي ملاحظة جاءه أحد الحفاظ بغلطة واحدة عثر عليها وأخذ الألف ربيه فهذا من ذكائه إذا كان هذا قد حصل فعلاً، لأن والدي لم يحضر في ذلك التاريخ المتقدم وإنما سمع هذه القصة من بعض حفاظ الهند هذا من ذكائه جعل الحفاظ في الهند جميعهم أو جلهم يقومون بمراجعة مصحفه وتصحيحه وهذا المصحف عندي نسخة الوالد مطبوعة سنة 1270 هـ .
6- شبكة تفسير: شيخنا طباعة المصحف في المدينة النبوية كيف بدأت فكرة الطباعة هل كان بقرار أوهو اقتراح من أحد العلماء ؟
د / عبد العزيز القارئ : نحن أول عهدنا بهذا الموضوع عندما اتصلت بنا وزارة الأوقاف في عهد الملك فهد وفي عهد الوزير المعروف عبد الوهاب عبد الواسع وكنت وقتها عميد كلية القرآن الكريم، فجاءنا وكيل الوزير فحدثنا عن اقتراح الشيخ ابن باز على الوزير أن تتولى كلية القرآن الكريم ـ باعتبارها جهة علمية متخصصة بهذا الشأن ـ مراجعةَ المصحف الذي أمر الملك فهد بطباعته ولم تكن لنا يد في أصل اقتراح هذا الموضوع ولا في أصل اختيار النسخة التي طبع عليها المصحف، وإنما طلب منا مراجعة شيء قد بُتَّ فيه، ففي البداية شعرت أن الوزير ووكيله يتوهمون أنه يمكن أن نراجع النسخة في خلال أيام ثم نعيدها إليهم، وقلت للوكيل نحن سنجري تجربة أولية أحضر لي ست نسخ.
فأحضر لي ست نسخ ووزعتها على ستة من علماء القراءات في الكلية: الشيخ عبد الفتاح المرصفي والشيخ محمود سيبويه البدوي وآخرين، وطلبتُ من كل واحد منهم أن يراجع سدساً، فبعد ثلاثة أيام جاؤوني بالنتيجة أكثر من مائة وأربعين غلطاً منها حوالي ثلاثين غلطاً في النص، مابين حروف مختلة، أو حركات إعراب مختلة، فأعطيت هذه القائمة للوكيل وقلت له: هذا يدل على أن النسخة تحتاج إلى جهد كبير لتصحيحها، فنحن لا يمكن أن نقوم بهذه المهمة إلا إذا شكلت لجنة علمية على أعلى مستوى.
والشيء الثاني ألا يحدد لنا سقف زمني متى ما انتهينا من مراجعة المصحف نعطيكم النسخة.
وقبلوا بذلك، وشكلت لجنة لا أظن أن مصحفاً مطبوعاً في العالم الإسلامي توافرت له لجنة على هذا المستوى اجتمع فيها من علماء القرآن وعلماء اللغة وعلماء التفسير أعلام يشار إليهم بالبنان وهذه مزية عظيمة لأن قيمة أي طبعة بمستوى اللجنة التي تشرف عليها وتراجعها لا بالأشكال والزخارف وجمال الخط فقط .
7- شبكة تفسير: فضيلة الشيخ من هي اللجنة التي أشرفت على الطباعة ؟
د / عبد العزيز القارئ : تتشكل بشكل أساسي من علماء القراءات في كلية القرآن والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في ذلك الوقت، وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح المرصفي، والدكتور محمود سيبويه البدوي، ومنهم الشيخ عبد الرافع رضوان علي، والشيخ محمود جادو، وآخرون نسيت أسمائهم الآن، وكنت اقترحت الشيخ عامر ابن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية في وقته لعظم مكانته العلمية في هذا المجال وهو مرجع نادر وحجة في القراءات وتمت الموافقة على ذلك وجاء إلى المدينة وشارك في مراجعة هذا المصحف، وكان أعضاء اللجنة إذا اختلفوا في بعض مسائل الرسم و الضبط أو الوقف نرجع إليه فيحسم الخلاف وكنت أتعجب لا من علمه فحسب، بل من هذا العلم الذي عليه نور لمجرد ما ينطق يأتي بما لم يأتِ به أحد من المتنازعين فيحسم المسألة وطبعاً كانت اللجنة برئاستي باعتباري وقتها عميد كلية القرآن وهذه رئاسة أعتز بها كثيراً لأني ترأست قوماً كلهم أفضل مني ولكن بحكم المنصب في ذاك الوقت ـ المنصب الإداري ـ عيينت رئيساً للجنة، وكان وكيل الكلية في ذلك الوقت الشيخ علي الحذيفي فصار وكيل أو نائب رئيس اللجنة.
وفي هذه اللجنة من علماء اللغة الدكتور عبد العظيم الشناوي وهو عالم مشهور في النحو والصرف واللغويات رحم الله الجميع فإن معظمهم قد رحل لم يبقى من أعضاء اللجنة إلا أفراد قلائل منهم الشيخ عبد الرافع أمده الله بالصحة والعافية وغيره .
8- شبكة تفسير: شيخنا هل أنتم من اختار اللجنة؟
د / عبد العزيز القارئ : نعم أنا الذي رشحت هذه الأسماء وصممت على أن تتكون اللجنة منهم لمكانتهم العلمية ولم التفت إلى أي اعتبار آخر .
9- شبكة تفسير: هل هناك منهج كتبتموه أو التزمتم به في كتابة المصحف أو التزمتم بكتب معينة في الضبط وغيره ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعاً، وشرحنا هذا المنهج في التقرير العلمي، وأن الرسم والضبط فيه خلاف وفيه مذاهب وفيه اختلاف في كثير من المسائل بين أهل المشرق وأهل المغرب وبينته في التقرير العلمي، تقرير علمي أنا الذي حررته وقرئ على أعضاء اللجنة وأضافوا إليه بعض الملاحظات وحذفوا بعض الأشياء، وبينت في التقرير هذا المنهج بالتفصيل وماهي الكتب التي اعتمدت والأسلوب الذي اعتمد، ربما كان هو من أسباب نجاح تلك اللجنة في عملها، يعني كانت أي ملزمة تأتي أثناء الطباعة تأتي منها نسخ بعدد الأعضاء فالجميع يقرأ نفس الملزمة وتمت بهذه الطريقة قراءة المصحف أكثر من مائة مرة ، مائة ختمة أو مائة وأكثر.
وفي المرة الثامنة بعد المائة وقد أيقنا أن المصحف أصبح صحيحاً مائة بالمائة، اكتشف أحد الأعضاء خطأ في النص (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ) سقطت " اللام " صارت ( وإنه حسرة على الكافرين ) فمرض الدكتور محمود سيبويه البدوي واعتكف في بيته أسبوعاً من الفزع الذي أصابه، أنه بعد كل هذه الجهود نكتشف خطأ في النص، وجاء يعتذر لي يريد أن يستعفي من عضوية اللجنة، فقال لي: هذا شيء فوق طاقة البشر، طبعاً رفضت استقالته، وقلت: له لا تيأس نحن نبذل الجهد حسب طاقتنا البشرية والله عز وجل هو المتكفل بحفظ كتابه ولكن بعد هذا الخطأ المفزع وقد دفعنا إلى زيادة الجهود، أظن خَتَمْنَا بعده المصحف أيضاً أكثر من عشر ختمات لم نعثر على أي خطأ والحمد لله إلى اليوم لم يعثر أحد في طبعتنا تلك على أي خطأ لا في النص ولا في الرسم ولا في الضبط .
10- شبكة تفسير: شيخنا هل كانت هناك اجتماعات دائمة ودورية لكم في اللجنة أو أنها كانت بحسب ما يأتي من ملاحظات ؟
د / عبد العزيز القارئ : لا طبعاً كانت هناك اجتماعات دورية خاصة إذا كانت هناك مسائل تحتاج إلى نقاش، وأتذكر جلسة استمرت أكثر من ساعتين لمناقشة مسألة في الوقوف وهي ( كلا ) في القرآن الكريم على حسب اختلاف مواقعها من الآيات ماذا نضع عليها من علامات الوقوف وطبعاً هذا ينبني على المعنى من جهة والتفسير وعلى الإعراب من جهة أخرى.
فطلبت من الشيخ الدكتور عبد العظيم الشناوي أن يكتب لنا بحثاً عن هذا الموضوع، وبعد أسبوع جاءنا ببحث من أنفس ماقرأنا في هذا الموضوع، ووزع على أعضاء اللجنة ثم اجتمعوا لمناقشته وإقراره، وقد تم إقراره ونفذ في المصحف.
وكثير من المناقشات التي كانت تجري لاجتماعات اللجنة تمنيت لو أنني سجلتها لمستواها العلمي الرفيع لمناقشة المسائل سواء في القراءات أحياناً وفي التفسير أحياناً وفي الرسم والضبط وفي الوقوف.
النقاش الذي جرى حول الوقف في قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) أن سائر المصاحف تثبت هنا علامة الوقف اللازم " م " وجرى نقاش نفيس حول هذا الموضوع، وقرر أعضاء اللجنة بالإجماع بعد ذلك على أنه لا يصح هذا الرمز ليس هذا وقفاً لازماً واستعضنا عن الميم كما أذكر برمز " قلي " يعني يجوز الوقف ويجوز الوصل والوقف أولى وهذا كان من الأشياء القليلة التي انفرد بها مصحف المدينة النبوية .
11- شبكة تفسير: هل هناك عقبات واجهتكم في كتابة المصحف غير الملحوظات العلمية ؟
د / عبد العزيز القارئ : نعم أبرز عقبة واجهتنا أن المطبعة لم تكن مناسبة لطباعة مصحف لا المكائن ولا من يدير المكائن ولا الشركة التي تملك تلك المطبعة فإنهم قوم لأول مرة يطبعون مصحفاً.
ومن طرائف ماحصل ويدل على هذا الجهل بهذا الشأن، أنهم أتوني بالنسخ الأولى التجارب الأولى لصفحة الفاتحة وفيها صور غزلان وطيور في الإطار الذي حول الفاتحة، وقلت لمدير المطبعة وكان من أقرباء رفيق الحريري قلت له ألا تفرق بين طباعة ألف ليلة وليلة وبين طباعة المصحف، فلم يفهم، قلت له: وضع هذه الصور في المصحف فضيحة كبرى ماكان عندهم أي خبرة وهذا أتعبنا كثيراً عند طباعة التجارب وحتى أتذكر أن بعض التجارب أعيدت عشرات المرات وكنت أصر على إتلاف الملزمة كلها وإحراقها تحت نظري أقف في المحرقة حتى يتم إحراقها خشية من أن تتسرب في بعض النسخ.
وتم إتلاف آلاف النسخ حتى الكاملة حتى بعد اكتمال النسخة المصحف تتم المراجعة فنكتشف بعض الأخطاء الطباعية مثل التطبيش في الحبر تقديم ورقة على أخرى، وأحياناً نقطة تقع على حرف مهمل فتفسده، لأن المكائن التي كانوا يستخدمونها لطباعة المصحف ويسمونها رولد مكائن ضخمة هائلة تطبع في خلال الساعة الواحدة آلاف النسخ ولاتصلح لطباعة مصحف إطلاقاً وهذا كنت كتبته في تقرير من واقع التجربة الميدانية ورفعته إلى الملك نفسه الملك فهد أن هذه المكائن كان خطأ جسيماً تخصيصها لطباعة مصحف فإن طباعة المصحف مثل تنظيم عقد من الجواهر حبة حبة وهذه المكائن لانستطيع أن نلاحقها لأنها في الساعة الواحدة تقذف آلاف النسخ وكنت طلبت إلغائها.
وكان هذا الطلب فاجعة عليهم طبعاً هم عندما اشتروا هذه المكائن لم ينظروا إلى هذه الاعتبارات لأن للذي اشتراها ولا الوسيط ولا غيرهم سبق لهم أن طبعوا مصحفاً فطلبت إلغائها أو إيجاد حل لهذه الأخطاء التي تقع بسبب المكينة واقترحت إدخال برنامج كمبيوتر كان في ذلك الوقت يستخدم في وزارة الدفاع، فذعروا وقال لي الوزير أنت تحلم هذا لا يمكن أن تسمح لك وزارة الدفاع استخدامه. ممكن أن يكتشف أي خطأ لو كان نقطةً أصغر من رأس الدبوس فقلت له: إذن تخترع برنامجاً بشرياً يقوم بنفس المهمة ووضعت له قاعدة وكانت نتيجة هذه القاعدة أنه يحتاج إلى تجنيد ستة آلاف مصحح ينزلون إلى الميدان دفعة واحدة لأن المكينة تدفع بآلاف النسخ في ساعات قليلة ـ من يراجع هذه النسخ؟! ـ واضطروا إلى تحقيق هذا الطلب الأخير.
وفعلاً حشدوا مايقارب من ثلاثة آلاف مصحح وأظنهم انكمشوا الآن إلى خمسمائة مصحح وربما أقل ولكن في البداية كان أكثر من ثلاثة آلاف مصحح في الميدان يقومون بالمراجعة ومع ذلك ما استطاعوا أن يعوضوا ذلك البرنامج الذي طلبته وإنما سددوا وقاربوا ظهر أثر هذا الحشد الكبير في قلة النسخ التالفة وأما الآن فكل هذا قد تلاشى للأسف لا يوجد، ولا حتى خمسمائة مراجع، المكائن تدفع بكميات هائلة مطبوعة والمراجعة ضئيلة وهذا يفقد الثقة في هذه النسخة المطبوعة.
وهنا نقطة أحب أن أنبه لها وهي أن الذي تجري طباعته الآن ليست النسخة التي تمت مراجعتها على يد تلك اللجنة العلمية التي أشرت إليها، وإنما هي نسخة جديدة كتبت بخط جديد ولجنة جديدة غير لجنتنا، هي التي تتولى المراجعة فلا أتحدث أنا عن هذا ولكن أتحدث عن نسختنا التي راجعتها تلك اللجنة من العلماء والأئمة الأعلام، ثم بعد ذلك ألغيت بجرت قلم من إداري هو نفسه لا يفقه في طباعة المصاحف شيئاً .
12- شبكة تفسير: كم استمرت فترة المراجعة من حين ما جاءكم المصحف الأول إلى أن وافقتم عليه ؟
د/ عبد العزيز القارئ : المراجعة انقسمت إلى قسمين مراجعة الأصل وهذه كانت هي المراجعة الأساسية، ثم مراجعة التجارب لما بدؤا يطبعون هذا الأصل، اشترطنا أن نطلع على التجارب حتى يستوي العمل ونطمئن إلى أنه يسير على الوجه المطلوب وكلتا المرحلتين استغرقتا أكثر من سنة، بعد سنة وشهرين تم إنتاج أول نسخة مصححة .
13- شبكة تفسير: هل تذكرون التاريخ؟
د / عبد العزيز القارئ : نحن بدأنا في أوال سنة 1405 هـ تقريباً .
14- شبكة تفسير: شيخنا ما رأيكم في بعض الدول الآن تريد إعادة طباعة المصحف الشريف مرة أخرى ؟
د / عبد العزيز القارئ : هنا أفضي لك بسر وهو على أهميته هو سر لم نعلنه وهو أن الخطط التي وضعناها كنا نطمع من ورائها أن يصبح مصحف المدينة النبوية هو المصحف المتداول على مستوى العالم الإسلامي على الأقل أو ربما العالم كله.
وكنت اقترحت أن نوحد الشكل واللون والخط ولجأنا في هذا الصدد إلى عدم الإسراف في الألوان وفي الزخارف لأسباب كثيرة تتعلق بالنظر في المصحف، يجب أن لا ينشغل الناظر في المصحف بهذه الأشكال والألوان والزخارف التي تحفل بها المصاحف المطبوعة وإنما يركز النظر على النص حتى الخط الذي كتبه عثمان طه الذي كتب النسخة الأولى التي اعتمدت وهي نسخة كتبها عثمان طه قبلنا للرئيس السوري حافظ الأسد وهو عثمان طه نفسه كان عسكرياً جندياً عند حافظ الأسد وهذا تاريخ النسخة أول ما كتبت للرئيس حافظ الأسد فَطَبَعَ منها نسخة جوامعية كبيرة ووضع صورته على أول صفحة وكانت هذه النسخة عندي ثم أخذها مني الشيخ إبراهيم الأخضر وما أعادها مع أنه ليس مالكياً المالكية هم الذين يستبيحون اغتصاب الكتب فهي عنده إلى اليوم.
فخطه عثمان طه في عرف الخطاطين لاقيمة له خالف قواعدهم وفنهم ولكن يتميز بالوضوح يعني خط مدرسي وهذا أيضاً ساعد على فكرتنا وهي تيسير نسخة للعالم الإسلامي لا تكون معقدة ومتشابكة في خطها أو في زخارفها أو في ألوانها وكنا نطمع في تعميم هذه النسخة وخاصة إذا نجحنا في جعلها أصح نسخة في العالم الإسلامي ولكن القواعد التي وضعناها لتحقيق هذا الهدف أخلوا بها فغيروا الألوان وغيروا الزخارف ودخلوا فيما دخل فيه غيرهم، وبدأت النسخة تفقد كثيراً من خصائصها ولكن مع ذلك بقيت أصح نسخة مطبوعة في العالم الإسلامي.
ثم هذا كله ألغي من أوله إلى آخره وطبعاً الآن النسخة الموجودة لا تستحق أن تعمم على العالم الإسلامي إطلاقاً هي كغيرها من المصاحف وبقي التنافس في العالم الإسلامي بل في العالم كله على طباعة المصحف لا أحد يستطيع أن يوقف هذا التنافس كل يبذل جهده في طباعة المصحف ويدلي بدلوه من يستطيع أن يمنع هذا لا أحد يستطيع ولا يستحب محاولة ذلك .
15- شبكة تفسير: هل كنتم تنوون في المجمع أن تطبعوا المصحف على أكثر من رواية أو فقط رواية حفص ؟
د / عبد العزيز القارئ : لا كان في البال الروايات، لأن العالم الإسلامي ليس موحداً حول رواية حفص في كثير من مناطق أفريقيا وشمال أفريقيا لا يقرؤون برواية حفص.
ولذلك لما أرسل مصحف الملك فيصل قبل مصحفنا هذا كان طبع مصحفاً باسم مكة المكرمة فأرسلت منه نسخ إلى موريتانيا والمغرب فكتبوا إلى السفارة السعودية أن هذا المصحف فيه أخطاء شنيعة وهي ليست أخطاء ولكن خالفت الرواية التي يعتمدونها رواية قالون عند العلماء ورواية ورش عند العامة.
ولم يفهموا أن هذا المصحف المطبوع ليس بهذه الروايات فعندئذٍ الملك فيصل رحمه الله استشار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب " أضواء البيان " وطبعوا نسخة برواية ورش راجعها الشيخ الأمين الشنقيطي وكانت وقعت نسخة من هذا المصحف في يد شيخ الأزهر أو أهديت له لذلك الوقت الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله فأرسلها إلى الشيخ عامر ابن السيد عثمان كان هو أبرز من في الميدان في مصر في مجال القرآن فعكف عليها الشيخ عامر وفلاها حرفاً حرفاً واستدرك على تلك الطبعة خمسة وعشرين ملاحظة غلط فيها الشيخ الأمين الشنقيطي في الرسم والضبط على مذهب المغاربة وأرسلت هذه الملاحظات إلى الملك فيصل.
الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وقتها أرسلها إلى الملك فيصل رأساً. الملكُ فيصلُ مِنْ أَدَبِه لم يحولها إلى الشيخ الأمين رأساً، ويعرف مكانة الشيخ، فأرسلها إلى الشيخ ابن باز رحمه الله ـ كان رئيس الجامعة وقتها ـ الشيخ الأمين مدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لعرضها على فضيلته، هكذا كانت عبارته، والشيخ حول الملاحظات على الشيخ الأمين الشنقيطي.
اجتمع الشيخ الأمين رحمه الله مع أركان علمية له هيئة أركان كانت تتكون من ستة علماء أو سبعة أو أكثر أو أقل لا أحفظ كان منهم الدكتور محمد عمر حوية ومنهم محمد سيدي الحبيب الشنقيطي ومنهم عدد آخرون من العلماء الفحول، وفحصوا هذه الملاحظات طوال شهر كامل وأجابوا على أكثرها، أجاب الشيخ على أكثرها مغلطاً الشيخ عامر عثمان ما عدا ملاحظة واحدة صوبه فيها وسمعته يقول هذا المصري عالم وقد أتعبنا.
وأنا ماصلتي بهذه الهيئة الشنقيطية العليا أنهم احتاجوا في مسألة في عد الآي إلى كتاب الداني " البيان في عد آي القرآن " وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: هذا الكتاب نسمع عنه في كتب الرسم والضبط ولا أظن أنه يوجد عند أحد مخطوطاً ولا مطبوعاً .
فقال له أحد أولئك العلماء: إن كان مثل هذا الكتاب يمكن أن يوجد في هذا العصر فهو عند عبد العزيز القارئ لأن عنده مجموعة كبيرة من كتب الرسم والضبط مخطوطة ومطبوعة وكتب العد.
فأرسله إلي: أن تعالى وأحمل معك كل ماعندك في الرسم والضبط وعد الآي، وحدد لي ساعة في الصباح الباكر، فحملت ماعندي في كرتونين، ودخلت عليه مع الحمالين.
فلما رأى الكرتونين الشيخ ذهل، وقال: ماهذا؟ قلت له: كل ماعندي في الرسم والضبط وعد الآي وضحك حتى بدت أنيابه وهو يقول: ماكنت أظن أن كل هذا عند مخلوق في هذا العصر.
ثم لما عثر على النسخة التي يريدها " البيان في عد آي القرآن " كنت صورتها من المكتبة الأزهرية فرح فرحاً عجيباً وقال: سبحان الله ماكنت أظن أني أرى هذا الكتاب قبل أن أرحل من هذه الدنيا.
فحضرتُ تلك الجلسة وكانوا يستكملون مناقشة ملاحظات الشيخ عامر، وإنها لهيئة عجيبة سار فيها الشيخ الأمين الشنقيطي على منهج الأئمة الكبار كل إمام من الأئمة الكبار يصطفي عدداً من طلابه يكونون هيئة علمية حوله يستشيرهم.
الإمام أبو حنيفة كانت له مثل هذه الهيئة يطرح عليهم المسألة فيتداولونها بالنقاش وهو معهم حتى يتفقوا على رأي فعندئذ يفتي به بهذا الرأي .
وطبعاً من أبرز هؤلاء كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل وغيرهم، فإذا بالشيخ الأمين الشنقيطي يسير على نفس المنهج له هيئة علمية من كبار أهل العلم ويستشيرهم، حتى " أضواء البيان " كانت مسائله تطرح على هؤلاء وفي النهاية إذا اتفقوا على شيء الشيخ يصوغ العبارة، هذا أنموذج رفيع من أسلوب الشورى في العلم، وليس كما يحصل اليوم من بعض المساكين يجلس في خلوة بين جدران أربعة، ومايخطر على باله يطرحه بين الناس لايشاور أحداً فلذلك نفاجأ بغرائب الآراء والمذاهب والأفهام وأكثرها غلط .
[/align]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فقد سبق إجراء اللقاء الأول مع فضيلة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ حفظه الله مع شبكة تفسير على الرابط الآتي:
وقد وفق الله سبحانه لإجراء اللقاء الثاني مع فضيلته وفقه الله والذي تم تخصيصه للحديث عن تاريخ المصحف في العصر الحديث، ونترككم الآن مع اللقاء:
1- شبكة تفسير : شيخنا ما أشهر الطبعات التي كانت متداولة قبل طباعة مصحف المدينة النبوية ؟
د / عبد العزيز القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد : المسلمون والحمد لله منذ العصر الأول عنايتهم بكتابة المصاحف ثم بطباعتها لما بدأت المطبعة معروفة ومشهورة وهناك آلاف النسخ الخطية في مكتبات العالم تدل على عظم عناية المسلمين حتى قبل وجود المطبعة بكتابة المصحف ومعروف لدى أهل العلم الكتبة الأولى والكتبة الثانية والكتبة الثالثة للمصحف الشريف .
الكتبة الأولى في العهد النبوي على مختلف الوسائل التي لا يمكن جمعها بين دفتين من العظام واللخاف والرقاع ونحو ذلك .
والكتبة الثانية هي التي تمت في عهد الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
ثم الكتبة الثالثة التي تمت في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه .
وبعد ذلك كتبت آلاف المصاحف نقلاً عن هذه المصاحف مصحف أبي بكر ومصحف عثمان .
وأول ما بدأت المطبعة كانت حجرية يعني ينحتون الحروف على ألواح من الحجر معدة لذلك ثم يجري السحب على الورق من هذه الألواح، وهذه طبعاً طريقة بدائية، لكنها كانت بداية الطباعة، وعندي مصحف مطبوع في الهند طبعة حجرية كالتي وصفتُ، وعندي كتب أيضاً مطبوعة طبعة حجرية سواء في الهند أو حتى في مصر.
ولكن أشهر مصحف طبع في العصر الحديث واعتمدنا عليه في مصحف المدينة النبوية هو ما يسمونه بمصحف الملك فؤاد والذي تمت طباعته تحت إشراف شيخ المقارئ المصرية في ذلك الزمان، الشيخ محمد خلف الحسيني، وهذا المصحف من أصح المصاحف المطبوعة قبل مصحف المدينة النبوية، ورأينا كثيراً من المصاحف المطبوعة التي تفنن أصحابها في طباعتها من حيث الزخارف وجمال الخط ونحو ذلك ولكن بدون دقة علمية في المراجعة والإشراف ومثل هذه المصاحف مصاحف متحفيه لا يصح الاعتماد عليها وغالبها كتب بالإملاء الحديث فأهمل طابعوها بذلك أهم شرط في هذا المجال وهو موافقة الرسم رسم الصحابة .
2- شبكة تفسير: فضيلة الشيخ هناك طبعة باكستانية وتركية للمصحف الشريف هل تحدثنا عنها ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعات علماء الأتراك في عهد الدولة العثمانية وبعد ذلك، أفتوا أنفسهم بعدم الالتزام برسم الصحابة وذلك في زعمهم لتسهيل قراءة القرآن على الناس ـ قراءته من المصحف ـ وقد ناقشتُ أحدَ كبار المقرئين في اسطنبول وكنت أدركته وهو في الثمانين من عمره وهو إمام جامع بايزيد في اسطنبول الشيخ عبد الرحمن جرساس رحمه الله، ناقشتُه في هذا الموضوع وقلتُ له: لو غيرتم منهجكم هذا المخالف لرسم الصحابة والتزمتم بالرسم فكرر نفس التعليل وهو أنهم إنما أرادوا التيسير على الناس الذين يقرؤون القرآن من المصحف، وأنا احتججت عليه بأن القرآن أصلاً لا يؤخذ من المصاحف ومن يريد أن يقرأه سواء حفظاً أو نظراً من المصحف يجب أن يتلقاه من أفواه المشايخ فلا فرق عندئذ كُتِبَ برسم الصحابة أو كتب بالرسم الحديث، فكتابته برسم الصحابة رضي الله عنهم فيه التزام بشرط ذكره العلماء واتفق عليه جمهورهم، ولكنهم أي علماء الأتراك متمسكون بمنهجهم هذا المخالف لمرسوم السلف .
وهكذا المصاحف الباكستانية لأن المصاحف الباكستانية تزيد علة أخرى وهي أنها كتبت بخط (معفرت) لا أعده خطاً عربياً بل هو خط هندي لا هو بالنسخ ولا هو بالرقعة ولا هو بالثلث، فأفسدوا الخط مع إفساد الرسم وأوضحُ مثالٍ لهذا، المصاحف التي طبعت في تاج كمبني كما يقولون وتفننوا في تجليدها وفي فخامتها ولكن خربوا الخط وخربوا الرسم، وأنا لا أنصح الحفاظ إذا احتاجوا إلى المراجعة أن يراجعوا في أي من هذه المصاحف .
3- شبكة تفسير: شيخنا هناك مصحف يسمى مصحف الشيخ رضوان المخللاتي ماذا تعرفون عنه وما سبب عدم الشهرة ؟
د / عبد العزيز القارئ : مصحف الشيخ رضوان المخللاتي،هذا الشيخ كان من علماء القراءات في مصر وكان خطاطاً ذا خط جميل فكتب مصحفاً بخط يده وطبع في المطبعة البهية سنة 1306 هـ، وعندي هذه الطبعة وكتب لها مقدمةً في قواعد الرسم وكان مقصود الشيخ هو التنبيه إلى الالتزام بمرسوم الصحابة عند طباعة المصاحف فقدم هذا الأنموذج للطابعين وهو يعد مرجعاً علمياً حتى في فن الرسم والضبط .
4- شبكة تفسير: وهو الآن لم يطبع ؟
د / عبد العزيز القارئ : ما طبع ، لأن طباعته في ذلك التاريخ القديم طبعاً طباعة حجرية لم تكن طباعة واضحة فلذلك لم يكرر أحد تلك الطبعة وإنما اتخذوها مرجعاً فقط .
5- شبكة تفسير: شيخنا الكريم سمعنا أن لديكم نسخة هندية للمصحف الشريف وأن لها قصة فما هي هذه القصة ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعة هندية مشهورة عند الحفاظ في الهند حتى في غير الهند تسمى مصحف عبد الملك وبعضهم يقول مصحف عبد المجيد الذي هو اسم صاحب الطبعة أو المطبعة، هذا الرجل كما حدثني والدي ـ رحمه الله ـ لما أراد أن يطبع المصحف بدأ بطبع نسخٍ قليلة كما أذكر خمسمائة نسخة أو ألف نسخة، وأعلن أن كل من يكتشف غلطاً في هذا المصحف له على كل خطأ يكتشفه رُبِّيَّة، فتسابق الحُفَّاظُ إلى تصحيح هذا المصحف والحصول على هذه الربيات، طبعاً هذا جعل التنافس في مراجعة المصحف وتصحيحه واضحاً.
بعدما تحقق له ذلك طبع طبعة جديدة وأعلن أن كل من يعثر على خطأ في هذه الطبعة الجديدة له عشر ربيات عن كل خطأ يكتشفه، فتضافر الحفاظ أيضاً على تصحيحه وجاءته عشرات الملاحظات .
وطبع الطبعة الثالثة وأعلن أن كل من يكتشف غلطة فله ألف ربيه عن كل غلطة، ومضى زمن دون أن يأتيه أحد وبعد فترة لما انقطع أمله من وجود أي ملاحظة جاءه أحد الحفاظ بغلطة واحدة عثر عليها وأخذ الألف ربيه فهذا من ذكائه إذا كان هذا قد حصل فعلاً، لأن والدي لم يحضر في ذلك التاريخ المتقدم وإنما سمع هذه القصة من بعض حفاظ الهند هذا من ذكائه جعل الحفاظ في الهند جميعهم أو جلهم يقومون بمراجعة مصحفه وتصحيحه وهذا المصحف عندي نسخة الوالد مطبوعة سنة 1270 هـ .
6- شبكة تفسير: شيخنا طباعة المصحف في المدينة النبوية كيف بدأت فكرة الطباعة هل كان بقرار أوهو اقتراح من أحد العلماء ؟
د / عبد العزيز القارئ : نحن أول عهدنا بهذا الموضوع عندما اتصلت بنا وزارة الأوقاف في عهد الملك فهد وفي عهد الوزير المعروف عبد الوهاب عبد الواسع وكنت وقتها عميد كلية القرآن الكريم، فجاءنا وكيل الوزير فحدثنا عن اقتراح الشيخ ابن باز على الوزير أن تتولى كلية القرآن الكريم ـ باعتبارها جهة علمية متخصصة بهذا الشأن ـ مراجعةَ المصحف الذي أمر الملك فهد بطباعته ولم تكن لنا يد في أصل اقتراح هذا الموضوع ولا في أصل اختيار النسخة التي طبع عليها المصحف، وإنما طلب منا مراجعة شيء قد بُتَّ فيه، ففي البداية شعرت أن الوزير ووكيله يتوهمون أنه يمكن أن نراجع النسخة في خلال أيام ثم نعيدها إليهم، وقلت للوكيل نحن سنجري تجربة أولية أحضر لي ست نسخ.
فأحضر لي ست نسخ ووزعتها على ستة من علماء القراءات في الكلية: الشيخ عبد الفتاح المرصفي والشيخ محمود سيبويه البدوي وآخرين، وطلبتُ من كل واحد منهم أن يراجع سدساً، فبعد ثلاثة أيام جاؤوني بالنتيجة أكثر من مائة وأربعين غلطاً منها حوالي ثلاثين غلطاً في النص، مابين حروف مختلة، أو حركات إعراب مختلة، فأعطيت هذه القائمة للوكيل وقلت له: هذا يدل على أن النسخة تحتاج إلى جهد كبير لتصحيحها، فنحن لا يمكن أن نقوم بهذه المهمة إلا إذا شكلت لجنة علمية على أعلى مستوى.
والشيء الثاني ألا يحدد لنا سقف زمني متى ما انتهينا من مراجعة المصحف نعطيكم النسخة.
وقبلوا بذلك، وشكلت لجنة لا أظن أن مصحفاً مطبوعاً في العالم الإسلامي توافرت له لجنة على هذا المستوى اجتمع فيها من علماء القرآن وعلماء اللغة وعلماء التفسير أعلام يشار إليهم بالبنان وهذه مزية عظيمة لأن قيمة أي طبعة بمستوى اللجنة التي تشرف عليها وتراجعها لا بالأشكال والزخارف وجمال الخط فقط .
7- شبكة تفسير: فضيلة الشيخ من هي اللجنة التي أشرفت على الطباعة ؟
د / عبد العزيز القارئ : تتشكل بشكل أساسي من علماء القراءات في كلية القرآن والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في ذلك الوقت، وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح المرصفي، والدكتور محمود سيبويه البدوي، ومنهم الشيخ عبد الرافع رضوان علي، والشيخ محمود جادو، وآخرون نسيت أسمائهم الآن، وكنت اقترحت الشيخ عامر ابن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية في وقته لعظم مكانته العلمية في هذا المجال وهو مرجع نادر وحجة في القراءات وتمت الموافقة على ذلك وجاء إلى المدينة وشارك في مراجعة هذا المصحف، وكان أعضاء اللجنة إذا اختلفوا في بعض مسائل الرسم و الضبط أو الوقف نرجع إليه فيحسم الخلاف وكنت أتعجب لا من علمه فحسب، بل من هذا العلم الذي عليه نور لمجرد ما ينطق يأتي بما لم يأتِ به أحد من المتنازعين فيحسم المسألة وطبعاً كانت اللجنة برئاستي باعتباري وقتها عميد كلية القرآن وهذه رئاسة أعتز بها كثيراً لأني ترأست قوماً كلهم أفضل مني ولكن بحكم المنصب في ذاك الوقت ـ المنصب الإداري ـ عيينت رئيساً للجنة، وكان وكيل الكلية في ذلك الوقت الشيخ علي الحذيفي فصار وكيل أو نائب رئيس اللجنة.
وفي هذه اللجنة من علماء اللغة الدكتور عبد العظيم الشناوي وهو عالم مشهور في النحو والصرف واللغويات رحم الله الجميع فإن معظمهم قد رحل لم يبقى من أعضاء اللجنة إلا أفراد قلائل منهم الشيخ عبد الرافع أمده الله بالصحة والعافية وغيره .
8- شبكة تفسير: شيخنا هل أنتم من اختار اللجنة؟
د / عبد العزيز القارئ : نعم أنا الذي رشحت هذه الأسماء وصممت على أن تتكون اللجنة منهم لمكانتهم العلمية ولم التفت إلى أي اعتبار آخر .
9- شبكة تفسير: هل هناك منهج كتبتموه أو التزمتم به في كتابة المصحف أو التزمتم بكتب معينة في الضبط وغيره ؟
د / عبد العزيز القارئ : طبعاً، وشرحنا هذا المنهج في التقرير العلمي، وأن الرسم والضبط فيه خلاف وفيه مذاهب وفيه اختلاف في كثير من المسائل بين أهل المشرق وأهل المغرب وبينته في التقرير العلمي، تقرير علمي أنا الذي حررته وقرئ على أعضاء اللجنة وأضافوا إليه بعض الملاحظات وحذفوا بعض الأشياء، وبينت في التقرير هذا المنهج بالتفصيل وماهي الكتب التي اعتمدت والأسلوب الذي اعتمد، ربما كان هو من أسباب نجاح تلك اللجنة في عملها، يعني كانت أي ملزمة تأتي أثناء الطباعة تأتي منها نسخ بعدد الأعضاء فالجميع يقرأ نفس الملزمة وتمت بهذه الطريقة قراءة المصحف أكثر من مائة مرة ، مائة ختمة أو مائة وأكثر.
وفي المرة الثامنة بعد المائة وقد أيقنا أن المصحف أصبح صحيحاً مائة بالمائة، اكتشف أحد الأعضاء خطأ في النص (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ) سقطت " اللام " صارت ( وإنه حسرة على الكافرين ) فمرض الدكتور محمود سيبويه البدوي واعتكف في بيته أسبوعاً من الفزع الذي أصابه، أنه بعد كل هذه الجهود نكتشف خطأ في النص، وجاء يعتذر لي يريد أن يستعفي من عضوية اللجنة، فقال لي: هذا شيء فوق طاقة البشر، طبعاً رفضت استقالته، وقلت: له لا تيأس نحن نبذل الجهد حسب طاقتنا البشرية والله عز وجل هو المتكفل بحفظ كتابه ولكن بعد هذا الخطأ المفزع وقد دفعنا إلى زيادة الجهود، أظن خَتَمْنَا بعده المصحف أيضاً أكثر من عشر ختمات لم نعثر على أي خطأ والحمد لله إلى اليوم لم يعثر أحد في طبعتنا تلك على أي خطأ لا في النص ولا في الرسم ولا في الضبط .
10- شبكة تفسير: شيخنا هل كانت هناك اجتماعات دائمة ودورية لكم في اللجنة أو أنها كانت بحسب ما يأتي من ملاحظات ؟
د / عبد العزيز القارئ : لا طبعاً كانت هناك اجتماعات دورية خاصة إذا كانت هناك مسائل تحتاج إلى نقاش، وأتذكر جلسة استمرت أكثر من ساعتين لمناقشة مسألة في الوقوف وهي ( كلا ) في القرآن الكريم على حسب اختلاف مواقعها من الآيات ماذا نضع عليها من علامات الوقوف وطبعاً هذا ينبني على المعنى من جهة والتفسير وعلى الإعراب من جهة أخرى.
فطلبت من الشيخ الدكتور عبد العظيم الشناوي أن يكتب لنا بحثاً عن هذا الموضوع، وبعد أسبوع جاءنا ببحث من أنفس ماقرأنا في هذا الموضوع، ووزع على أعضاء اللجنة ثم اجتمعوا لمناقشته وإقراره، وقد تم إقراره ونفذ في المصحف.
وكثير من المناقشات التي كانت تجري لاجتماعات اللجنة تمنيت لو أنني سجلتها لمستواها العلمي الرفيع لمناقشة المسائل سواء في القراءات أحياناً وفي التفسير أحياناً وفي الرسم والضبط وفي الوقوف.
النقاش الذي جرى حول الوقف في قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) أن سائر المصاحف تثبت هنا علامة الوقف اللازم " م " وجرى نقاش نفيس حول هذا الموضوع، وقرر أعضاء اللجنة بالإجماع بعد ذلك على أنه لا يصح هذا الرمز ليس هذا وقفاً لازماً واستعضنا عن الميم كما أذكر برمز " قلي " يعني يجوز الوقف ويجوز الوصل والوقف أولى وهذا كان من الأشياء القليلة التي انفرد بها مصحف المدينة النبوية .
11- شبكة تفسير: هل هناك عقبات واجهتكم في كتابة المصحف غير الملحوظات العلمية ؟
د / عبد العزيز القارئ : نعم أبرز عقبة واجهتنا أن المطبعة لم تكن مناسبة لطباعة مصحف لا المكائن ولا من يدير المكائن ولا الشركة التي تملك تلك المطبعة فإنهم قوم لأول مرة يطبعون مصحفاً.
ومن طرائف ماحصل ويدل على هذا الجهل بهذا الشأن، أنهم أتوني بالنسخ الأولى التجارب الأولى لصفحة الفاتحة وفيها صور غزلان وطيور في الإطار الذي حول الفاتحة، وقلت لمدير المطبعة وكان من أقرباء رفيق الحريري قلت له ألا تفرق بين طباعة ألف ليلة وليلة وبين طباعة المصحف، فلم يفهم، قلت له: وضع هذه الصور في المصحف فضيحة كبرى ماكان عندهم أي خبرة وهذا أتعبنا كثيراً عند طباعة التجارب وحتى أتذكر أن بعض التجارب أعيدت عشرات المرات وكنت أصر على إتلاف الملزمة كلها وإحراقها تحت نظري أقف في المحرقة حتى يتم إحراقها خشية من أن تتسرب في بعض النسخ.
وتم إتلاف آلاف النسخ حتى الكاملة حتى بعد اكتمال النسخة المصحف تتم المراجعة فنكتشف بعض الأخطاء الطباعية مثل التطبيش في الحبر تقديم ورقة على أخرى، وأحياناً نقطة تقع على حرف مهمل فتفسده، لأن المكائن التي كانوا يستخدمونها لطباعة المصحف ويسمونها رولد مكائن ضخمة هائلة تطبع في خلال الساعة الواحدة آلاف النسخ ولاتصلح لطباعة مصحف إطلاقاً وهذا كنت كتبته في تقرير من واقع التجربة الميدانية ورفعته إلى الملك نفسه الملك فهد أن هذه المكائن كان خطأ جسيماً تخصيصها لطباعة مصحف فإن طباعة المصحف مثل تنظيم عقد من الجواهر حبة حبة وهذه المكائن لانستطيع أن نلاحقها لأنها في الساعة الواحدة تقذف آلاف النسخ وكنت طلبت إلغائها.
وكان هذا الطلب فاجعة عليهم طبعاً هم عندما اشتروا هذه المكائن لم ينظروا إلى هذه الاعتبارات لأن للذي اشتراها ولا الوسيط ولا غيرهم سبق لهم أن طبعوا مصحفاً فطلبت إلغائها أو إيجاد حل لهذه الأخطاء التي تقع بسبب المكينة واقترحت إدخال برنامج كمبيوتر كان في ذلك الوقت يستخدم في وزارة الدفاع، فذعروا وقال لي الوزير أنت تحلم هذا لا يمكن أن تسمح لك وزارة الدفاع استخدامه. ممكن أن يكتشف أي خطأ لو كان نقطةً أصغر من رأس الدبوس فقلت له: إذن تخترع برنامجاً بشرياً يقوم بنفس المهمة ووضعت له قاعدة وكانت نتيجة هذه القاعدة أنه يحتاج إلى تجنيد ستة آلاف مصحح ينزلون إلى الميدان دفعة واحدة لأن المكينة تدفع بآلاف النسخ في ساعات قليلة ـ من يراجع هذه النسخ؟! ـ واضطروا إلى تحقيق هذا الطلب الأخير.
وفعلاً حشدوا مايقارب من ثلاثة آلاف مصحح وأظنهم انكمشوا الآن إلى خمسمائة مصحح وربما أقل ولكن في البداية كان أكثر من ثلاثة آلاف مصحح في الميدان يقومون بالمراجعة ومع ذلك ما استطاعوا أن يعوضوا ذلك البرنامج الذي طلبته وإنما سددوا وقاربوا ظهر أثر هذا الحشد الكبير في قلة النسخ التالفة وأما الآن فكل هذا قد تلاشى للأسف لا يوجد، ولا حتى خمسمائة مراجع، المكائن تدفع بكميات هائلة مطبوعة والمراجعة ضئيلة وهذا يفقد الثقة في هذه النسخة المطبوعة.
وهنا نقطة أحب أن أنبه لها وهي أن الذي تجري طباعته الآن ليست النسخة التي تمت مراجعتها على يد تلك اللجنة العلمية التي أشرت إليها، وإنما هي نسخة جديدة كتبت بخط جديد ولجنة جديدة غير لجنتنا، هي التي تتولى المراجعة فلا أتحدث أنا عن هذا ولكن أتحدث عن نسختنا التي راجعتها تلك اللجنة من العلماء والأئمة الأعلام، ثم بعد ذلك ألغيت بجرت قلم من إداري هو نفسه لا يفقه في طباعة المصاحف شيئاً .
12- شبكة تفسير: كم استمرت فترة المراجعة من حين ما جاءكم المصحف الأول إلى أن وافقتم عليه ؟
د/ عبد العزيز القارئ : المراجعة انقسمت إلى قسمين مراجعة الأصل وهذه كانت هي المراجعة الأساسية، ثم مراجعة التجارب لما بدؤا يطبعون هذا الأصل، اشترطنا أن نطلع على التجارب حتى يستوي العمل ونطمئن إلى أنه يسير على الوجه المطلوب وكلتا المرحلتين استغرقتا أكثر من سنة، بعد سنة وشهرين تم إنتاج أول نسخة مصححة .
13- شبكة تفسير: هل تذكرون التاريخ؟
د / عبد العزيز القارئ : نحن بدأنا في أوال سنة 1405 هـ تقريباً .
14- شبكة تفسير: شيخنا ما رأيكم في بعض الدول الآن تريد إعادة طباعة المصحف الشريف مرة أخرى ؟
د / عبد العزيز القارئ : هنا أفضي لك بسر وهو على أهميته هو سر لم نعلنه وهو أن الخطط التي وضعناها كنا نطمع من ورائها أن يصبح مصحف المدينة النبوية هو المصحف المتداول على مستوى العالم الإسلامي على الأقل أو ربما العالم كله.
وكنت اقترحت أن نوحد الشكل واللون والخط ولجأنا في هذا الصدد إلى عدم الإسراف في الألوان وفي الزخارف لأسباب كثيرة تتعلق بالنظر في المصحف، يجب أن لا ينشغل الناظر في المصحف بهذه الأشكال والألوان والزخارف التي تحفل بها المصاحف المطبوعة وإنما يركز النظر على النص حتى الخط الذي كتبه عثمان طه الذي كتب النسخة الأولى التي اعتمدت وهي نسخة كتبها عثمان طه قبلنا للرئيس السوري حافظ الأسد وهو عثمان طه نفسه كان عسكرياً جندياً عند حافظ الأسد وهذا تاريخ النسخة أول ما كتبت للرئيس حافظ الأسد فَطَبَعَ منها نسخة جوامعية كبيرة ووضع صورته على أول صفحة وكانت هذه النسخة عندي ثم أخذها مني الشيخ إبراهيم الأخضر وما أعادها مع أنه ليس مالكياً المالكية هم الذين يستبيحون اغتصاب الكتب فهي عنده إلى اليوم.
فخطه عثمان طه في عرف الخطاطين لاقيمة له خالف قواعدهم وفنهم ولكن يتميز بالوضوح يعني خط مدرسي وهذا أيضاً ساعد على فكرتنا وهي تيسير نسخة للعالم الإسلامي لا تكون معقدة ومتشابكة في خطها أو في زخارفها أو في ألوانها وكنا نطمع في تعميم هذه النسخة وخاصة إذا نجحنا في جعلها أصح نسخة في العالم الإسلامي ولكن القواعد التي وضعناها لتحقيق هذا الهدف أخلوا بها فغيروا الألوان وغيروا الزخارف ودخلوا فيما دخل فيه غيرهم، وبدأت النسخة تفقد كثيراً من خصائصها ولكن مع ذلك بقيت أصح نسخة مطبوعة في العالم الإسلامي.
ثم هذا كله ألغي من أوله إلى آخره وطبعاً الآن النسخة الموجودة لا تستحق أن تعمم على العالم الإسلامي إطلاقاً هي كغيرها من المصاحف وبقي التنافس في العالم الإسلامي بل في العالم كله على طباعة المصحف لا أحد يستطيع أن يوقف هذا التنافس كل يبذل جهده في طباعة المصحف ويدلي بدلوه من يستطيع أن يمنع هذا لا أحد يستطيع ولا يستحب محاولة ذلك .
15- شبكة تفسير: هل كنتم تنوون في المجمع أن تطبعوا المصحف على أكثر من رواية أو فقط رواية حفص ؟
د / عبد العزيز القارئ : لا كان في البال الروايات، لأن العالم الإسلامي ليس موحداً حول رواية حفص في كثير من مناطق أفريقيا وشمال أفريقيا لا يقرؤون برواية حفص.
ولذلك لما أرسل مصحف الملك فيصل قبل مصحفنا هذا كان طبع مصحفاً باسم مكة المكرمة فأرسلت منه نسخ إلى موريتانيا والمغرب فكتبوا إلى السفارة السعودية أن هذا المصحف فيه أخطاء شنيعة وهي ليست أخطاء ولكن خالفت الرواية التي يعتمدونها رواية قالون عند العلماء ورواية ورش عند العامة.
ولم يفهموا أن هذا المصحف المطبوع ليس بهذه الروايات فعندئذٍ الملك فيصل رحمه الله استشار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب " أضواء البيان " وطبعوا نسخة برواية ورش راجعها الشيخ الأمين الشنقيطي وكانت وقعت نسخة من هذا المصحف في يد شيخ الأزهر أو أهديت له لذلك الوقت الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله فأرسلها إلى الشيخ عامر ابن السيد عثمان كان هو أبرز من في الميدان في مصر في مجال القرآن فعكف عليها الشيخ عامر وفلاها حرفاً حرفاً واستدرك على تلك الطبعة خمسة وعشرين ملاحظة غلط فيها الشيخ الأمين الشنقيطي في الرسم والضبط على مذهب المغاربة وأرسلت هذه الملاحظات إلى الملك فيصل.
الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وقتها أرسلها إلى الملك فيصل رأساً. الملكُ فيصلُ مِنْ أَدَبِه لم يحولها إلى الشيخ الأمين رأساً، ويعرف مكانة الشيخ، فأرسلها إلى الشيخ ابن باز رحمه الله ـ كان رئيس الجامعة وقتها ـ الشيخ الأمين مدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لعرضها على فضيلته، هكذا كانت عبارته، والشيخ حول الملاحظات على الشيخ الأمين الشنقيطي.
اجتمع الشيخ الأمين رحمه الله مع أركان علمية له هيئة أركان كانت تتكون من ستة علماء أو سبعة أو أكثر أو أقل لا أحفظ كان منهم الدكتور محمد عمر حوية ومنهم محمد سيدي الحبيب الشنقيطي ومنهم عدد آخرون من العلماء الفحول، وفحصوا هذه الملاحظات طوال شهر كامل وأجابوا على أكثرها، أجاب الشيخ على أكثرها مغلطاً الشيخ عامر عثمان ما عدا ملاحظة واحدة صوبه فيها وسمعته يقول هذا المصري عالم وقد أتعبنا.
وأنا ماصلتي بهذه الهيئة الشنقيطية العليا أنهم احتاجوا في مسألة في عد الآي إلى كتاب الداني " البيان في عد آي القرآن " وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: هذا الكتاب نسمع عنه في كتب الرسم والضبط ولا أظن أنه يوجد عند أحد مخطوطاً ولا مطبوعاً .
فقال له أحد أولئك العلماء: إن كان مثل هذا الكتاب يمكن أن يوجد في هذا العصر فهو عند عبد العزيز القارئ لأن عنده مجموعة كبيرة من كتب الرسم والضبط مخطوطة ومطبوعة وكتب العد.
فأرسله إلي: أن تعالى وأحمل معك كل ماعندك في الرسم والضبط وعد الآي، وحدد لي ساعة في الصباح الباكر، فحملت ماعندي في كرتونين، ودخلت عليه مع الحمالين.
فلما رأى الكرتونين الشيخ ذهل، وقال: ماهذا؟ قلت له: كل ماعندي في الرسم والضبط وعد الآي وضحك حتى بدت أنيابه وهو يقول: ماكنت أظن أن كل هذا عند مخلوق في هذا العصر.
ثم لما عثر على النسخة التي يريدها " البيان في عد آي القرآن " كنت صورتها من المكتبة الأزهرية فرح فرحاً عجيباً وقال: سبحان الله ماكنت أظن أني أرى هذا الكتاب قبل أن أرحل من هذه الدنيا.
فحضرتُ تلك الجلسة وكانوا يستكملون مناقشة ملاحظات الشيخ عامر، وإنها لهيئة عجيبة سار فيها الشيخ الأمين الشنقيطي على منهج الأئمة الكبار كل إمام من الأئمة الكبار يصطفي عدداً من طلابه يكونون هيئة علمية حوله يستشيرهم.
الإمام أبو حنيفة كانت له مثل هذه الهيئة يطرح عليهم المسألة فيتداولونها بالنقاش وهو معهم حتى يتفقوا على رأي فعندئذ يفتي به بهذا الرأي .
وطبعاً من أبرز هؤلاء كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل وغيرهم، فإذا بالشيخ الأمين الشنقيطي يسير على نفس المنهج له هيئة علمية من كبار أهل العلم ويستشيرهم، حتى " أضواء البيان " كانت مسائله تطرح على هؤلاء وفي النهاية إذا اتفقوا على شيء الشيخ يصوغ العبارة، هذا أنموذج رفيع من أسلوب الشورى في العلم، وليس كما يحصل اليوم من بعض المساكين يجلس في خلوة بين جدران أربعة، ومايخطر على باله يطرحه بين الناس لايشاور أحداً فلذلك نفاجأ بغرائب الآراء والمذاهب والأفهام وأكثرها غلط .
[/align]
تم اللقاء بتاريخ
29 / 8 / 1431هـ
29 / 8 / 1431هـ