نتناول في هذا البحث حديثا عن الشرك محوره الايتين : {الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون } و {ان الشرك لظلم عظيم}
وسنتناول بشكل أساسي الاحاديث التي وردت في صحيح البخاري ثم نستأنس بالاحاديث الواردة في كتب الصحاح والسنن الاخرى ...
عرض:
اذا دققنا النظر في الاحاديث الواردة في صحيح البخاري حول هذا الموضوع وهي 8 احاديث, نرى انه بالامكان ان نقسم الاحاديث الى 3 مجموعات:
1- المجموعة الاولى وتتضمن حديثا واحدا: حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن ابراهمي عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال لما نزلت ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قال أصحابه وأينا لم يظلم فنزلت إن الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب تفسير القرآن باب ولم يلبسوا ايمانهم بظلم)
2- المجموعة الثانية وهي حديثين جاءا عن طريقين :
أ- حدثنا ابو الوليد قال حدثنا شعبة ح قال وحدثني بشر بن خالد أبو محمد العسكري قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب الايمان باب ظلم دون ظلم)
ب- حدثنا أبو الويد حدثنا شعبة عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب احاديث الانبياء باب قول الله تعالى ولقد آيتنا لقمان الحكمة ان اشكر لله)
وهما في الحقيقة قد يرجعان الى طريق واحد غير أنه لا بأس من ذكرهما حتى نأتي على كل الاحاديث التي جاءت في صحيح البخاري
3- المجموعة الثالثة تضم 5 احاديث:
أ- حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الاعمش قال حدثني ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قلنا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا الى قول لقمان لابنه {يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب احاديث الانبياء – باب قول الله تعالى واتخذ الله ابراهيم خليلا)
ب- حدثني اسحاق اخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب احاديث الانبياء باب قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله)
ت- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس بذاك ألا تسمعون الى قول لقمان ان الشرك لظلم عظيم (البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم باب اثم من اشرك بالله وعقوبته في الدنيا والاخرة)
ث- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس بذاك ألا تسمعون الى قول لقمان لابنه ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب تفسير القرآن باب لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم)
ج- حدثنا اسحق بن ابراهيم اخبرنا وكيع ح وحدثنا يحيى حدثنا وكيع عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا اينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتابة استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم – باب ما جاء في المتأولين)
تحليل:
بداية نرى ان المجموعتين الاولى والثانية من الاحاديث تجعل مشقة الصحابة ان تتحمل اعباء تكليف الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} سببا لنزول الاية :{ان الشرك لظلم عظيم}
بينما احاديث المجموعة الثالثة تتحدث ان الرسول صلى الله عليه وسلم نبّه اصحابه على ان المقصود من الظلم في الاية الاولى {ولم يلبسواإيمانهم بظلم} هو الشرك في قوله تعالى: {ان الشرك لظلم عظيم}
وقد يبدو للوهلة الاولى ان هناك تناقضا بين هذه المجموعات من الروايات حيث ان المجموعتين الاولى والثانية ترى ان نزول الاية {ان الشرك لظلم عظيم} جاء بعد نزول قوله تعالى {ولم يلبسوا ايمانهم بظلم}, بينما احاديث المجموعة الثالثة تفيد ان آية {ان الشرك لظلم عظيم} كانت معلومة للصحابة قبل نزول {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ... وقد تنبّه ابن حجر العسقلاني الى هذا التناقض فحاول التوفيق بالقول عن احاديث المجموعة الثالثة :"وظاهر ان الاية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها, ويحتمل ان يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان" (انتهى كلام ابن حجر) ... وهذا التناقض, حقيقة, هو الذي اوقع في النفس شيئا تجاه هذه الاحاديث وصياغتها, غير انه لا يمثّل الا اللبنة الاولى التي سنبني عليها ما نقول, والذي سننهيه مضمّنين عدم الموافقة الى الترجيح الذي ارتآه ابن حجر رحمه الله ..
حقيقة التساؤل هنا: هل هناك رواية واحدة للحديث ام روايتان ام اكثر؟ اي هل تدور الاحاديث كلها حول واقعة واحدة ام ان هناك تعدد في مناسبات هذه الاحاديث بحيث نحمل احاديث المجموعة الاولى والثانية على مناسبة معينة, ونحمل احاديث المجموعة الثالثة على مناسبة اخرى؟
ان محاولة التوفيق التي حاول ابن حجر القيام بها توحي انه كان يرى ان جميع الروايات تعود الى مناسبة واحدة ... وهذا الرأي يؤنسنا في ان نقول ان هناك رواية واحدة وليس روايتان. وعلى الاقل لا توجد هناك فرضية اكثر من واقعة لهذه ا لاحاديث ..
ان دراسة سند الحديث تشير الى ان جميع الاحاديث الواردة في البخاري على شاكلة الحديثين اعلاه, وبالعموم جميع الاحاديث التي ذكرت في البخاري وغيره, يجتمع سندها بطريق واحد وهو: سليمان بن مهران (الاعمش) عن ابراهيم بن يزيد بن قيس عن علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة عن عبد الله بن مسعود... وهذا يرجح ان تكون الاحاديث محمولة على مناسبة واحدة ... قد يقول البعض ان هذا لا يستلزم ذلك ... نقول: قد لا يستلزم ذلك الى انه يرجح وعلى اي فان الجواب لا يعتمد بشكل كلي على السند, لذا قليل من الصبر ...
لنأخذ الان نصوص المجموعة الاولى من الاحاديث:" "عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم}."
نتساءل هنا بداية: اصحاب من الذين تساءلوا وقالوا: أينا لم يظلم؟ هل اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ام اصحاب عبد الله بن مسعود؟
اذا اعتمدنا هذا النص كنصّ وحيد, على سبيل الافتراض, نرى انه بالامكان ان نرجع الهاء في كلمة "اصحابه" الى عبد الله بن مسعود, ويمكن تبرير ذلك بتداخل رواية الرواة: اي ان عبد الله بن مسعود قد قال الجزء الاول: :"لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ثم تصرّف راو آخر آخذا الكلام عن ابن مسعود فقال: "قال اصحابه" اي اصحاب ابن مسعود .. ومما آنسني في هذا الرأي اني لم اجد في النسخة التي بين يدي من صحيح البخاري الصلاة والتسليم بعد كلمة "اصحابه" الواردة في الحديث
وقد يقول قائل ان اصحابه هنا تعود الى الرسول صلى الله عليه وسلم ...
ونقول: اذا كان ذلك بدلالة نص هذا الحديث فهو احتمال نعتقده اوهى من الاحتمال الذي فصّلناه اعلاه ..
واما اذا كان بدلالة الاحاديث الاخرى, فاننا نقول: من يدري؟ فلعلّ رواة الاحاديث الاخرى قد تصرفوا بنص الحديث بناء على هذا النص فاضافوا كلمة رسول الله الى أصحابه من باب اجتهاد شخصي ..
وعلى أيّ ....
ان نصوص المجموعتين الاولى والثانية يمكن ان يحمل على انه يمثّل وجهة نظر الراوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى, فهو يقول انه شقّ على الصحابة الاية الاولى فأنزل الله تعالى الاية الثانية, وهو – اي الراوي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه – لم يتعرّض في هذا الحديث لقول للرسول صلى الله عليه وسلم فيكون الامر عندها ترتيبا من قبل الراوي لا يلزم احدا بشيء بتاتا .. واننا نرجح ان يكون هذا هوالنص الاساسي للحديث اي انه رأي ارتآه ابن مسعود ولا يشكّل تصريحا بأنه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ... اي ان الموضوع لا يعدو ان يكون تفسيرا من ابن مسعود لنص قرآني ..
اذا كان هذا الكلام صحيحا, فما بال الاحاديث في المجموعة الثالثة؟
ان روايات المجموعة الثالثة - على الارجح - قد نقلت بالمعنى تأسيسا على ما قاله ابن مسعود ... نعتقد ان روايات المجموعة الثالثة قد تأسست على أساس نقلها بشكل تفسيري للمجموعة الاولى, وقد تم ادخال الرسول كجزء من بنية الحديث حيث حاول رواة هذه المجموعة نقل الحديث بالمعنى ... ونعتقد ان الذي ادى الى ذلك هو وجود عناصر ايحاء قوية مثل كلمة "رسول" مضافة الى كلمة "اصحاب" حيث توهم وكأن هؤلاء الاصحاب قد سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام, اضافة الى ذلك ورود كلمة الظلم في الايتين مما يدعو الذهن الى الربط السريع فيصبح الاستنتاج العقلي وهو ان المقصود بالشرك هو الظلم من البداهة بمكان ان يجعل الراوي لا يجد حرجا في ان ينقل ما سمع بشكل تفسيري يضيف الى الايات فهمه بكل عفوي ... بكلام آخر, لقد ظن رواة المجموعة الثالثة رأي ابن مسعود انه حديث للرسول صلى الله عليه وسلم, فقاموا بنقل رواية ابن مسعود بناء على ذلك وضمنوا البنية الاساسية خطابا وتحاورا بين الرسول واصحابه حتى يصبح النص اكثر وضوحا في اذهان السامعين ... ولست اقصد هنا انهم قاموا بذلك افتراء على الرسول, وانما فعلوا ذلك لغلبة ظنهم ان ما سمعوه هو حديث عن الرسول فلم يجدوا حرجا في ان ينقلوه بالمعنى ...
والذي يرجح ما ذهبنا اليه هو ان روايات المجموعة الثالثة جاءت بصيغ مختلفة, الامر الذي يرجح ما ذهبنا اليه من ان هذه المجموعة نقلت بالمعنى تأسيسا على المجموعة الاولى...
والآن, كل ما ذكرناه الى الان قد لا يعد استدلالا, وانما أردنا ان نستعين به لنرسم صورة معينة توضح ان التناقض الموجود في الحديث هو ليس بالسهولة التي ذهب اليها ابن حجر في محاولاته التوفيقية ...
والآن نترك الاسئلة التالية برسم قرائنا الاعزاء حتى نخلص بحكم اخير على هذا الحديث, والذي أعدّه رأيا لابن مسعود وليس حديثا الى ان يتضح خلاف ذلك :
1- ان الايتين هما آيات مكية بالاتفاق .. مما يعني ان الصحابة عندما وجهوا سؤالهم للرسول, فعلوا ذلك وهم بمكة, وهنا نتساءل: من وجّه هذا السؤال؟ هو وجّهه عمار – الذي مات والديه امام ناظريه – ام بلال -وهو يقول أحد أحد مفترشا رمالا ملتهبة وملتحفا بصخرة – ام سلمان ام غيرهم من المؤمنين الذين كان يمارس عليهم مختلف صنوف الاذى والعذاب والظلم والذين عانوا من الحصار في الشعب والذين مر عليهم ثلاث سنين لا يجدون ما يتقوتونه؟ ان جميع اصناف الظلم كانت تلحق بالمسلمين, فهل يعقل ان يشق عليهم ان تنزل آية فيها وعيد للظلم بأي شكل من أشكاله؟؟ ان المسلمين في مكة كانوا في دائرة الاستضعاف بكل معنى الكلمة الامر الذي يبعد عن الذهن ان يكون مثل هذا التساؤل قد صدر عن مستضعفي مكة.. ثم ان مؤمني مكة كانوا مكلّفين بقضية اساسية وهو الايمان مضافا اليها شيئا يسيرا من التكاليف ذات العناوين العريضة كعدم الزنى وغيره ... فأين دائرة الظلم الذي يمكن ان يمارسوه في واقعهم؟
2- لنمعن في الروايات التالية:
- جاء في المستدرك على الصحيحين ج2 ص 346: عن زياد بن حرملة قال سمعت علي بن ابي طالب يقرأ هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم} قال هذه في ابراهيم واصحابه ليست في هذه الامة .. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه
- جاء في تفسير الطبري ج7 ص 257: عن مهران ان عمر بن الخطاب كان اذا دخل بيته نشر المصحف فقرأه فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون} فاشتغل واخذ رداءه ثم أتى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر فتلا هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} وقد ترى انا نظلم ونفعل ونفعل فقال: يا امير المؤمنين ان هذا ليس بذاك .. يقول الله تعالى: {ان الشرك لظلم عظيم} انما ذلك الشرك ..
وواضح من هاتين الروايتين ان علي رضي الله عنه وعمر بن الخطاب لم يسمعا حديث الرسول الذي نحن بصدد دراسته , فهم اذا لم يكونوا من القوم الذين وجهوا سؤالهم الى الرسول! ونضيف هذا الى التساؤل رقم 1.
وواضح ايضا ان عمر بن الخطاب حين اورد هذا التساؤل كان اميرا للمؤمنين, وقد قال: وقد ترى انا نظلم ونفعل ونفعل ... فهل اجابة أبي بن كعب تتلاءم مع موقع السائل (خليفة للمسلمين)؟ هل برّر أبي بن كعب ظلم عمر بن الخطاب كخليفة للمسلمين ام ظلمه على الصعيد الشخصي؟ ثم ان الافتاء لعمر بن الخطاب بهذا أليس هو افتاء لكل الخلفاء من بعده ان يظلموا؟ ثم ان صحّ الحديث, الا تدلّ هذه الواقعة على ان هذا الحديث ينبغي, في الحدّ الادنى, ان يخصّص ولا يجوز تعميمه؟
3- هل شقّ على الصحابة ظلمهم لأنفسهم وظلمهم للآخرين فخفّف الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن بشّرهم ان لا بأس بظلم النفس والاخرين ما لم يرتكب الانسان الظلم الاعظم وهو الشرك بالله؟ ألا يأخذ هذا الحديث موقفا مع ظالمي انفسهم وظالمي غيرهم؟ وهل يتناسب هذا مع القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام الجامعة؟
قال تعالى: {ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (النساء/10) ... ألا تدخل هذه الاية في قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون}؟؟ وهل المؤمنين الذين يأكلون اموال ا ليتامى ظلما سيتحقق لهم الامن يوم القيامة؟
جاء في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار (البخاري كتاب المساقاة باب فضل سقي الماء) وجاء ايضا: "من ظلم من الارض شيئا طوقه من سبع أرضين" (البخاري كتاب المظالم باب اثم من ظلم شيئا من الارض) يضاف الى ذلك كمّ كبير من سيرته والتي كان يحرّض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على العدل ويحذّر من عواقب الظلم ..
4- ثم ان في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الظلم والوعيد للظالمين, فلم لم يشقّ على المسلمين الا هذه الاية؟؟
في حقيقة الامر ان هذه الاية تتميّز عن غيرها من الايات بأنها ربطت موضوع الايمان بالظلم .. ولا يخفى على اي قارىء للعقائد الاسلامية ومعتقدات الفرق الاسلامية ما دار من صراع حول موضوع الايمان والعمل الصالح وهل هما شيء واحد ام متغايران .. فهذه الاية تشكّل سندا واضحا للذين يقولون ان الايمان والعمل الصالح هما وحدة لا انفصام لها ويأتي الحديث ليؤكد وجهة النظر المقابلة ...
وأسأل الله الهداية ...
وسنتناول بشكل أساسي الاحاديث التي وردت في صحيح البخاري ثم نستأنس بالاحاديث الواردة في كتب الصحاح والسنن الاخرى ...
عرض:
اذا دققنا النظر في الاحاديث الواردة في صحيح البخاري حول هذا الموضوع وهي 8 احاديث, نرى انه بالامكان ان نقسم الاحاديث الى 3 مجموعات:
1- المجموعة الاولى وتتضمن حديثا واحدا: حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن ابراهمي عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال لما نزلت ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قال أصحابه وأينا لم يظلم فنزلت إن الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب تفسير القرآن باب ولم يلبسوا ايمانهم بظلم)
2- المجموعة الثانية وهي حديثين جاءا عن طريقين :
أ- حدثنا ابو الوليد قال حدثنا شعبة ح قال وحدثني بشر بن خالد أبو محمد العسكري قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب الايمان باب ظلم دون ظلم)
ب- حدثنا أبو الويد حدثنا شعبة عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب احاديث الانبياء باب قول الله تعالى ولقد آيتنا لقمان الحكمة ان اشكر لله)
وهما في الحقيقة قد يرجعان الى طريق واحد غير أنه لا بأس من ذكرهما حتى نأتي على كل الاحاديث التي جاءت في صحيح البخاري
3- المجموعة الثالثة تضم 5 احاديث:
أ- حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الاعمش قال حدثني ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قلنا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا الى قول لقمان لابنه {يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم} (البخاري كتاب احاديث الانبياء – باب قول الله تعالى واتخذ الله ابراهيم خليلا)
ب- حدثني اسحاق اخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب احاديث الانبياء باب قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله)
ت- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس بذاك ألا تسمعون الى قول لقمان ان الشرك لظلم عظيم (البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم باب اثم من اشرك بالله وعقوبته في الدنيا والاخرة)
ث- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس بذاك ألا تسمعون الى قول لقمان لابنه ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتاب تفسير القرآن باب لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم)
ج- حدثنا اسحق بن ابراهيم اخبرنا وكيع ح وحدثنا يحيى حدثنا وكيع عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا اينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم (البخاري كتابة استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم – باب ما جاء في المتأولين)
تحليل:
بداية نرى ان المجموعتين الاولى والثانية من الاحاديث تجعل مشقة الصحابة ان تتحمل اعباء تكليف الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} سببا لنزول الاية :{ان الشرك لظلم عظيم}
بينما احاديث المجموعة الثالثة تتحدث ان الرسول صلى الله عليه وسلم نبّه اصحابه على ان المقصود من الظلم في الاية الاولى {ولم يلبسواإيمانهم بظلم} هو الشرك في قوله تعالى: {ان الشرك لظلم عظيم}
وقد يبدو للوهلة الاولى ان هناك تناقضا بين هذه المجموعات من الروايات حيث ان المجموعتين الاولى والثانية ترى ان نزول الاية {ان الشرك لظلم عظيم} جاء بعد نزول قوله تعالى {ولم يلبسوا ايمانهم بظلم}, بينما احاديث المجموعة الثالثة تفيد ان آية {ان الشرك لظلم عظيم} كانت معلومة للصحابة قبل نزول {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ... وقد تنبّه ابن حجر العسقلاني الى هذا التناقض فحاول التوفيق بالقول عن احاديث المجموعة الثالثة :"وظاهر ان الاية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها, ويحتمل ان يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان" (انتهى كلام ابن حجر) ... وهذا التناقض, حقيقة, هو الذي اوقع في النفس شيئا تجاه هذه الاحاديث وصياغتها, غير انه لا يمثّل الا اللبنة الاولى التي سنبني عليها ما نقول, والذي سننهيه مضمّنين عدم الموافقة الى الترجيح الذي ارتآه ابن حجر رحمه الله ..
حقيقة التساؤل هنا: هل هناك رواية واحدة للحديث ام روايتان ام اكثر؟ اي هل تدور الاحاديث كلها حول واقعة واحدة ام ان هناك تعدد في مناسبات هذه الاحاديث بحيث نحمل احاديث المجموعة الاولى والثانية على مناسبة معينة, ونحمل احاديث المجموعة الثالثة على مناسبة اخرى؟
ان محاولة التوفيق التي حاول ابن حجر القيام بها توحي انه كان يرى ان جميع الروايات تعود الى مناسبة واحدة ... وهذا الرأي يؤنسنا في ان نقول ان هناك رواية واحدة وليس روايتان. وعلى الاقل لا توجد هناك فرضية اكثر من واقعة لهذه ا لاحاديث ..
ان دراسة سند الحديث تشير الى ان جميع الاحاديث الواردة في البخاري على شاكلة الحديثين اعلاه, وبالعموم جميع الاحاديث التي ذكرت في البخاري وغيره, يجتمع سندها بطريق واحد وهو: سليمان بن مهران (الاعمش) عن ابراهيم بن يزيد بن قيس عن علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة عن عبد الله بن مسعود... وهذا يرجح ان تكون الاحاديث محمولة على مناسبة واحدة ... قد يقول البعض ان هذا لا يستلزم ذلك ... نقول: قد لا يستلزم ذلك الى انه يرجح وعلى اي فان الجواب لا يعتمد بشكل كلي على السند, لذا قليل من الصبر ...
لنأخذ الان نصوص المجموعة الاولى من الاحاديث:" "عن عبد الله (بن مسعود) لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل {ان الشرك لظلم عظيم}."
نتساءل هنا بداية: اصحاب من الذين تساءلوا وقالوا: أينا لم يظلم؟ هل اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ام اصحاب عبد الله بن مسعود؟
اذا اعتمدنا هذا النص كنصّ وحيد, على سبيل الافتراض, نرى انه بالامكان ان نرجع الهاء في كلمة "اصحابه" الى عبد الله بن مسعود, ويمكن تبرير ذلك بتداخل رواية الرواة: اي ان عبد الله بن مسعود قد قال الجزء الاول: :"لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ثم تصرّف راو آخر آخذا الكلام عن ابن مسعود فقال: "قال اصحابه" اي اصحاب ابن مسعود .. ومما آنسني في هذا الرأي اني لم اجد في النسخة التي بين يدي من صحيح البخاري الصلاة والتسليم بعد كلمة "اصحابه" الواردة في الحديث
وقد يقول قائل ان اصحابه هنا تعود الى الرسول صلى الله عليه وسلم ...
ونقول: اذا كان ذلك بدلالة نص هذا الحديث فهو احتمال نعتقده اوهى من الاحتمال الذي فصّلناه اعلاه ..
واما اذا كان بدلالة الاحاديث الاخرى, فاننا نقول: من يدري؟ فلعلّ رواة الاحاديث الاخرى قد تصرفوا بنص الحديث بناء على هذا النص فاضافوا كلمة رسول الله الى أصحابه من باب اجتهاد شخصي ..
وعلى أيّ ....
ان نصوص المجموعتين الاولى والثانية يمكن ان يحمل على انه يمثّل وجهة نظر الراوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى, فهو يقول انه شقّ على الصحابة الاية الاولى فأنزل الله تعالى الاية الثانية, وهو – اي الراوي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه – لم يتعرّض في هذا الحديث لقول للرسول صلى الله عليه وسلم فيكون الامر عندها ترتيبا من قبل الراوي لا يلزم احدا بشيء بتاتا .. واننا نرجح ان يكون هذا هوالنص الاساسي للحديث اي انه رأي ارتآه ابن مسعود ولا يشكّل تصريحا بأنه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ... اي ان الموضوع لا يعدو ان يكون تفسيرا من ابن مسعود لنص قرآني ..
اذا كان هذا الكلام صحيحا, فما بال الاحاديث في المجموعة الثالثة؟
ان روايات المجموعة الثالثة - على الارجح - قد نقلت بالمعنى تأسيسا على ما قاله ابن مسعود ... نعتقد ان روايات المجموعة الثالثة قد تأسست على أساس نقلها بشكل تفسيري للمجموعة الاولى, وقد تم ادخال الرسول كجزء من بنية الحديث حيث حاول رواة هذه المجموعة نقل الحديث بالمعنى ... ونعتقد ان الذي ادى الى ذلك هو وجود عناصر ايحاء قوية مثل كلمة "رسول" مضافة الى كلمة "اصحاب" حيث توهم وكأن هؤلاء الاصحاب قد سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام, اضافة الى ذلك ورود كلمة الظلم في الايتين مما يدعو الذهن الى الربط السريع فيصبح الاستنتاج العقلي وهو ان المقصود بالشرك هو الظلم من البداهة بمكان ان يجعل الراوي لا يجد حرجا في ان ينقل ما سمع بشكل تفسيري يضيف الى الايات فهمه بكل عفوي ... بكلام آخر, لقد ظن رواة المجموعة الثالثة رأي ابن مسعود انه حديث للرسول صلى الله عليه وسلم, فقاموا بنقل رواية ابن مسعود بناء على ذلك وضمنوا البنية الاساسية خطابا وتحاورا بين الرسول واصحابه حتى يصبح النص اكثر وضوحا في اذهان السامعين ... ولست اقصد هنا انهم قاموا بذلك افتراء على الرسول, وانما فعلوا ذلك لغلبة ظنهم ان ما سمعوه هو حديث عن الرسول فلم يجدوا حرجا في ان ينقلوه بالمعنى ...
والذي يرجح ما ذهبنا اليه هو ان روايات المجموعة الثالثة جاءت بصيغ مختلفة, الامر الذي يرجح ما ذهبنا اليه من ان هذه المجموعة نقلت بالمعنى تأسيسا على المجموعة الاولى...
والآن, كل ما ذكرناه الى الان قد لا يعد استدلالا, وانما أردنا ان نستعين به لنرسم صورة معينة توضح ان التناقض الموجود في الحديث هو ليس بالسهولة التي ذهب اليها ابن حجر في محاولاته التوفيقية ...
والآن نترك الاسئلة التالية برسم قرائنا الاعزاء حتى نخلص بحكم اخير على هذا الحديث, والذي أعدّه رأيا لابن مسعود وليس حديثا الى ان يتضح خلاف ذلك :
1- ان الايتين هما آيات مكية بالاتفاق .. مما يعني ان الصحابة عندما وجهوا سؤالهم للرسول, فعلوا ذلك وهم بمكة, وهنا نتساءل: من وجّه هذا السؤال؟ هو وجّهه عمار – الذي مات والديه امام ناظريه – ام بلال -وهو يقول أحد أحد مفترشا رمالا ملتهبة وملتحفا بصخرة – ام سلمان ام غيرهم من المؤمنين الذين كان يمارس عليهم مختلف صنوف الاذى والعذاب والظلم والذين عانوا من الحصار في الشعب والذين مر عليهم ثلاث سنين لا يجدون ما يتقوتونه؟ ان جميع اصناف الظلم كانت تلحق بالمسلمين, فهل يعقل ان يشق عليهم ان تنزل آية فيها وعيد للظلم بأي شكل من أشكاله؟؟ ان المسلمين في مكة كانوا في دائرة الاستضعاف بكل معنى الكلمة الامر الذي يبعد عن الذهن ان يكون مثل هذا التساؤل قد صدر عن مستضعفي مكة.. ثم ان مؤمني مكة كانوا مكلّفين بقضية اساسية وهو الايمان مضافا اليها شيئا يسيرا من التكاليف ذات العناوين العريضة كعدم الزنى وغيره ... فأين دائرة الظلم الذي يمكن ان يمارسوه في واقعهم؟
2- لنمعن في الروايات التالية:
- جاء في المستدرك على الصحيحين ج2 ص 346: عن زياد بن حرملة قال سمعت علي بن ابي طالب يقرأ هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم} قال هذه في ابراهيم واصحابه ليست في هذه الامة .. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه
- جاء في تفسير الطبري ج7 ص 257: عن مهران ان عمر بن الخطاب كان اذا دخل بيته نشر المصحف فقرأه فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون} فاشتغل واخذ رداءه ثم أتى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر فتلا هذه الاية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} وقد ترى انا نظلم ونفعل ونفعل فقال: يا امير المؤمنين ان هذا ليس بذاك .. يقول الله تعالى: {ان الشرك لظلم عظيم} انما ذلك الشرك ..
وواضح من هاتين الروايتين ان علي رضي الله عنه وعمر بن الخطاب لم يسمعا حديث الرسول الذي نحن بصدد دراسته , فهم اذا لم يكونوا من القوم الذين وجهوا سؤالهم الى الرسول! ونضيف هذا الى التساؤل رقم 1.
وواضح ايضا ان عمر بن الخطاب حين اورد هذا التساؤل كان اميرا للمؤمنين, وقد قال: وقد ترى انا نظلم ونفعل ونفعل ... فهل اجابة أبي بن كعب تتلاءم مع موقع السائل (خليفة للمسلمين)؟ هل برّر أبي بن كعب ظلم عمر بن الخطاب كخليفة للمسلمين ام ظلمه على الصعيد الشخصي؟ ثم ان الافتاء لعمر بن الخطاب بهذا أليس هو افتاء لكل الخلفاء من بعده ان يظلموا؟ ثم ان صحّ الحديث, الا تدلّ هذه الواقعة على ان هذا الحديث ينبغي, في الحدّ الادنى, ان يخصّص ولا يجوز تعميمه؟
3- هل شقّ على الصحابة ظلمهم لأنفسهم وظلمهم للآخرين فخفّف الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن بشّرهم ان لا بأس بظلم النفس والاخرين ما لم يرتكب الانسان الظلم الاعظم وهو الشرك بالله؟ ألا يأخذ هذا الحديث موقفا مع ظالمي انفسهم وظالمي غيرهم؟ وهل يتناسب هذا مع القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام الجامعة؟
قال تعالى: {ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (النساء/10) ... ألا تدخل هذه الاية في قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون}؟؟ وهل المؤمنين الذين يأكلون اموال ا ليتامى ظلما سيتحقق لهم الامن يوم القيامة؟
جاء في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار (البخاري كتاب المساقاة باب فضل سقي الماء) وجاء ايضا: "من ظلم من الارض شيئا طوقه من سبع أرضين" (البخاري كتاب المظالم باب اثم من ظلم شيئا من الارض) يضاف الى ذلك كمّ كبير من سيرته والتي كان يحرّض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على العدل ويحذّر من عواقب الظلم ..
4- ثم ان في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الظلم والوعيد للظالمين, فلم لم يشقّ على المسلمين الا هذه الاية؟؟
في حقيقة الامر ان هذه الاية تتميّز عن غيرها من الايات بأنها ربطت موضوع الايمان بالظلم .. ولا يخفى على اي قارىء للعقائد الاسلامية ومعتقدات الفرق الاسلامية ما دار من صراع حول موضوع الايمان والعمل الصالح وهل هما شيء واحد ام متغايران .. فهذه الاية تشكّل سندا واضحا للذين يقولون ان الايمان والعمل الصالح هما وحدة لا انفصام لها ويأتي الحديث ليؤكد وجهة النظر المقابلة ...
وأسأل الله الهداية ...