الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين...
فقد سبق إيضاح مشروع : (كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل)،وسنبدأ إن شاء الله بسورة الفاتحة حتى مغرب أول أيام شهر رمضان المبارك لهذا العام 1432هـ، أرجو من الإخوة الكرام والأخوات الكريمات، المشاركة بما لديهم من فوائد ولطائف واستنباطات، نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل مباركاً ...
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) : سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لأنه يفتتح بها القرآن العظيم, وتسمى المثاني; لأنها تقرأ في كل ركعة, ولها أسماء أخر. أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به, (الله) علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه, وهو أخص أسماء الله تعالى, ولا يسمى به غيره سبحانه. (الرحمن) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق, (الرحيم ) بالمؤمنين, وهما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2): (الحمد لله رب العالمين) الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال, وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه, فهو المستحق له وحده, وهو سبحانه المنشئ للخلق, القائم بأمورهم, المربي لجميع خلقه بنعمه, ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3): (الرحمن) الذي وسعت رحمته جميع الخلق, (الرحيم), بالمؤمنين, وهما اسمان من أسماء الله تعالى. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4): وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة, وهو يوم الجزاء على الأعمال. وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر, وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح, والكف عن المعاصي والسيئات. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5): إنا نخصك وحدك بالعبادة, ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا, فالأمر كله بيدك, لا يملك منه أحد مثقال ذرة. وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده, وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير اله, ومن أمراض الرياء والعجب, والكبرياء. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6): دُلَّنا, وأرشدنا, ووفقنا إلى الطريق المستقيم, وثبتنا عليه حتى نلقاك, وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته, الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد r فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7): طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين, فهم أهل الهداية والاستقامة, ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم, الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به, وهم اليهود, ومن كان على شاكلتهم, والضالين, وهم الذين لم يهتدوا, فضلوا الطريق, وهم النصارى, ومن اتبع سنتهم. وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال, ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام, فمن كان أعرف للحق وأتبع له, كان أولى بالصراط المستقيم, ولا ريب أن أصحاب رسول الله r هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام, فدلت الآية على فضلهم, وعظيم منـزلتهم, رضي الله عنهم. ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: (آمين), ومعناها: اللهم استجب, وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.
[line]-[/line]
وسوف يكون الحديث حول سورة الفاتحة بإذن الله تعالى في المحاور الآتية: 1- بيان معاني الآيات، ويدخل فيها بيان مشكل الآي. 2-بيان فضائل الآيات. 3- بيان الأوامر والنواهي (وقد تم إفرادها لأهميتها). 4- بيان الدلالات الظاهرة كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين للآيات. 5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات. 6- بيان الهدايات التربوية والآداب السلوكية من الآيات. 7- بيان موضوع الآيات (الوحدة الموضوعية). 8- عروض تقنية ومشجرات للآيات.
وختاماً .. أدعو جميع الإخوة والأخوات للتفضل بإتحافنا بما لديهم حول هذه السورة العظيمة، فاتحة الكتاب العظيم، خاصة في هذا الشهر المبارك، وعسى أن تكون مشاركة أو فائدة تضاف فينفع الله بها نفعاً عظيماً...
لا أدري كيف نبدأ يا دكتور فهد، لكن لعلي أبدأ من الفقرة (4) ، فأقول :
1 ـ لفظ العالمين عامٌ ، يراد به ما سوى الله، كما قال الأمير الملهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وتأتي هذه اللفظة عامةً يراد بها الخصوص في مثل قوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام: 90)، فالمراد بالعالمين هنا: المكلفون من الجن والإنس ، فخرج اللفظ مخرج العموم، والمراد به الخصوص ؛ إذ لا يدخل في الخطاب من سواهم من المخلوقين، والله أعلم.
2 ـ دلَّ الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ) = على أن الحمد ليس مجرَّد الثناء ، وإنما تكرار المحامد هو الثناء.
أما الحمد فهو ذكر المحمود بصفات الكمال، فإذا كرَّر هذه الصفات كان ثناءً ؛ لأن الثناء من الثَّنيِ ، وهو ثني الصفة على الصفة ، فكأنه إذا كرَّر الصفات كان كمن يثني آخر شيء على أولَّه، والله أعلم.
3ـ من آداب الدعاء التي أرشدت إليها الفاتحة أن يبدأ بالحمد والثناء على الله، ثم يظهر ضعف حاله ، كما هو في إخباره بعبادته واستعانته بربه، ثم يطلب بعدها ، كما في طلب الهداية.
وهذه الأحوال هي أحوال الأنبياء في الدعاء ،و هي أكمل الأحوال ، وانظر كيف أرشد لله نبيه موسى عليه الصلاة والسلام قبل نبوته في دعائه له إلى إظهار فقره ، فقال : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)، فهو إخبار يتضمن الطلب من الله تعالى، فجاءه من الخير ما لم يكن بحسبانه: ( القرب من الصالحين ، والعمل الطيب ، والكسب الطيب ، والزوجة الصالحة، ثم جاءته النبوة التي لا يعلوها شرف).
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات قال ابن عاشور رحمه الله
فإن قلت
: إن الربوبية تقتضي الرحمة لأن إبلاغ الشيء إلى كماله شيًئا فشيًئا،
وذلك يجمع النعم كلها؛ فلماذا احتيج إلى ذكر كونه رحمانا؟ قلت
لأن الرحمة
تتضمن أن ذلك الإبلاغ إلى الكمال لم يكن على وجه الإعنات، بل كان برعاية ما
يناسب كل نوع وفرد، ويلائم طوقه واستعداده، فكانت الربوبية نعمة، والنعمة قد تحصل بضرب من الشدة والأذى، فأتبع ذلك بوصفه بالرحمن تنبيها على أن تلك النعم الجليلة وصلت إلينا بطريق الرفق واليسر ونفي الحرج، حتى في أحكام التكاليف والمناهي والزواجر فإنها مرفوقة باليسر بقدر ما لا يبطل المقصود منها، فمعظم تدبيره
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات قال أبو حيان رحمه الله
((ولما اتصف تعالى بالرحمة، انبسط العبد وغلب عليه الرجاء، فنبه بصفة المَلِكِ أو المَالِكِ ليكون من عمله على وجل، وأن لعمله يوما تظهر له فيه ثمرته من خير وشر))
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات.
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات.
مما يستنبط من آيات سورة الفاتحة :
1- الإرشاد إلى تقديم الخضوع والتذلل على طلب الحاجة (1).
2- الإشارة إلى الاقتداء بالسلف الصالح (2)، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ( صراط الذين أنعمت عليهم ).
3- الإشارة إلى أن طريق المُنْعَم عليهم واحدٌ، منذ أرسل الله الرسل، إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: (فبهداهم اقتده) [ الأنعام : 90]، وأن طريق غيرهم متشعب متعدد كما قال تعالى: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [الأنعام: 153](3)، وهذا المعنى مأخوذ من إفراد كلمة (صراط).
ــــــــــــــ (1) الإكليل للسيوطي: ( 1 / 291 ). (2) الإكليل للسيوطي: ( 1 / 292 ). (3) جواهر الأفكار لابن بدران: ( 46 ).
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات قال الرازي عفا الله عنه
((لو قال إياك أعبد لكان ذلك تكبراً ومعناه أني أنا العابد، أما لما قال إياك نعبد كان معناه أني واحد من عبيدك، فالأول تكبر، والثاني تواضع،( ومن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله).))
1- بيان معاني الآيات، ويدخل فيها بيان مشكل الآي قال القرطبي رحمه الله ((فإن قيل: إن عبد الله بن مسعود لم يثبتها في مصحفه, فلو كانت من القرآن فلماذا لم يثبتها في مصحفه؟ وجواب ذلك ما ذكره أبوبكر بن الانباري قال: "قيل لعبد الله بن مسعود: لمَ لمْ تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك؟ قال: لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة" قال ابن الانباري: أن ابن مسعود يعنى بذلك أن كل ركعة سبيلها أن تفتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها. وهذا يعني تأكيد ابن مسعود على أنها من القرآن لأنها تتقدم كل سورة من سوره, وكل قراءة تتلى)) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 1/114.
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
قال ابن القيم رحمة الله
(( كثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية – قدّس الله روحه – يقول : " إياك نعبد " تدفع الرياء , وإياك نستعين " تدفع الكبرياء )). بدائع التفسير 1طبعة دار ابن الجوزي
8- عروض تقنية ومشجرات للآيات قراءة بصوت ندي لسورة الفاتحة للشيخ محمد رفعت رحمة الله عليه ملحوظة : التسجيل قديم
[M]http://www.youtube.com/watch?v=irxrGHerOMw[/M]
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
وفيه أيضا ً: تعليم العبادِ الأدب مع الله؛ وذلك بتقديم اسمه تعالى (إياك ) على فعلهم (نعبدونستعين).
من بلاغة القرآن الكريم-د.محمد علوان ود. نعمان علوان- ص 88
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
قال الرازي عفا الله عنه
لم يقل
:(اهدنا الطريق أو السبيل ) وإنما قال الصراط؛ وذلك للتذكير بصراط الآخرة وهو.( الصراط الممدود على متن جهنم )، ليظلَّ الإنسان على خوفٍ وخشيةٍ من الله تعالى
تقرأ هذه السورة في كل ركعة من الصلاة، ولعل هذا يشعر بأهمية استحضار القلب للمعاني العظيمة التي فيها، لكن هذا التكرار للسورة في كل ركعة قد يسبب اعتيادا يجعل تأثير السورة على القلب ضعيفاً، خاصة إذا كثرت الركعات -كالتراويح-، ولم يراع الإمام التأني في القراءة، ولعل استحضار فضائل السورة، وخاصة منجاة الله للعبد عند قراءتها مما يخفف من هذا الاعتياد ويعيد النشاط للإقبال على أعظم سورة في القرآن.
1 ـ اتفق العلماء على أن عدد آيات الفاتحة سبعٌ ، واختلفوا في السابعة:
فالأولون عدُّوا البسملة آية، ولم يعدوا ( صراط الذين أنعمت عليهم ) آية.
والآخرون لم يعدوا البسملة آية ، وعدُّوا ( صراط الذين أنعمت عليهم آية).
ويبنى على هذا مسائل فقهية، منها:
أ ـ أن من عدَّها آية ، فإنها لا تصح قراءة الفاتحة إلا بها.
ب ـ أن من لم يعدها آية ، فإن قراءته بـ( الحمد لله...) تكون تامة.
ج ـ أن من عدَّها آية يجهر بها في الصلاة الجهرية ؛ لأنها من الفاتحة.
د ـ أن من لم يعدها آية ، فإنه لا يجهر بها ، وإن جهر بالبسملة فليس على آنها آية من الفاتحة ، وإنما لأنها آية مستقلة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كان يجهر بها أحيانًا.
وهذا يشير إلى أهمية معرفة ترابط العلوم الإسلامية بعضها ببعض، فعلم عدِّ آي القرآن له علاقة ببعض الأحكام الفقهية ، كما هو هنا، وله ارتباط بغيره من العلوم الأخرى.
ومن ذلك : أن من عدَّ البسملة آية ، فإنه يبحث عن سرِّ تكرار ( الله، الرحمن ، الرحيم ) ، وهذا مبحث بلاغي.
بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
قال ابن قيم الجوزية :
قال :(غير المغضوب عليهم ) ولم يقل (لا المغضوب عليهم )... وذلك؛ لأن المجيء بلفظ (غير)، وهي صفة لما قبلها أفاد وصف المؤمنين بصفتين :
أحدها: أنهم مُنْعَمٌ عليهم، وثانيها: أنهم غير مغضوب عليهم، فأفادت (غير) هنا ما أفادته العطف ب (لا)، مع زيادة الثناء على المؤمنين ومدحهم .
وسبب آخر : وهو أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى زعموا أنهم هم المنعم عليهم دون المؤمنين، وذلك عندما قالو ا: ﴿ نَحن أبناءُ الّلهِ وأَحباؤُه... ﴾
فكأنه قيل لهم : المنعم عليهم غيركم لا أنتم، وقيل للمؤمنين : المغضوب عليهم غيركم لا أنتم، فالإتيان ( بلفظ (غير) هنا أحسن وأدلّ على إثبات المغايرة المطلوبة
بدائع الفوائد-لابن قيم الجوزية-ج 1-ص 24 بتصرف
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
بُني(المغضوب عليهم ) للمجهول؛ وذلك " ليعمَّ الغضبعليهم : غضب الله، وغضب الغاضبين لله، ولا يتخصص بغاضب معين ,فعمَّ مغضوب عليهم من كل الجهات، بل إن هؤلاءسيغضب عليهم أخلص أصدقائهم، وأقرب المقربين إليهم، يوم القيامة
كما قال تعالى : ﴿[FONT=SimplifiedArabic,Bold][FONT=SimplifiedArabic,Bold]ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين[/FONT][/FONT]﴾ فيغضب بعضهم على بعض ويتبرأ بعضهم من بعض.. فهم مغضوب عليهم من كلّ شيء، ومن كلّ أحد لمسات بيانية في نصوص من التنزيل – د .فاضل السامرائي-ص 61
بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
قال الرازي عفا الله عنه :(ذكِر قوله [ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ] بعد قوله [ أنعمت عليهم ] وذ لك لأن الإيمان إنما يكمل ويزيد بالرجاء، والخوف من الله تعالى فقوله [ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ] يوجب الرجاء الكامل بالله تعالى، وقوله [ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ] يوجب الخوف الكامل من الله تعالى، وحينئذٍ يقوى الإيمان بركنيه وطرفيه، وينتهي إلى حد الكمال)
التفسير الكبير - للرازي - م 1ج 1 ص
مما أستوحيه من معاني هذه السورة العظيمة في قوله تعالى :(اهدنا الصراط المستقيم)
حمل (أل) في الصراط على (العهد الذهني) فهذا الصراط واضح لايخفى على طالب الهداية والساعي إليها , فهم يدعون ربهم الهداية إلى الصراط المستقيم وهم يعرفون أنه واحد لايلتبس وإن كثرت من حوله سبل الشيطان .
والله أعلم.
اختلف العلماء في جملة (الحمد لله رب العالمين) هل هي خبر محض ، أو خبر يتضمن الإنشاء ، أي : احمدوا الله رب العالمين؟
وعلى كلا القولين فإن الأمر بالحمد مما تشير إليه الآية ، فإن كانت خبرية، فإن من لوازم هذا الخبر أن يحمد العبد ربه ، وإن كانت خبرية تتضمن الإنشاء ( أي : طلب الحمد )، فهي نص في ذلك، والله أعلم
وفائدة كون الجمل خبرية الثبوت والدوام ، وحمده سبحانه وتعالى حاصل له الثبوت والدوام.
وفائدة كونها إنشائية طلب تجدد الحمد من العباد مرة بعد مرة، وفيه معنى الاستمرار؛ إذ حمد العباد له متجدد لا ينقطع.
من لطائف القرآن أن ظهور الرب لعباده أولاً بالربوبية ، ثم بالإلوهية ، فإذا عرفوه بربوبيته ، عرَّفهم بألوهيته سبحانه، فالربوبية سابقة على الألوهية، ولعل هذا أحد أسرار ابتداء الوحي باسم الرب في قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) ،و قال في نبوة موسى في سورة طه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَفَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) = فابتدأ باسم الربوبية ، ثم ثنى باسم الألوهية، لما ابتدأ بذكر التكليف، والله أعلم. أما في سورة الفاتحة ، فإن مقام الربوبية قد عُلِم ، فكان الابتداء باسم الألوهية مقدَّمًا؛ لأنه الاسم الأشرف لله، وهو العلم الذي تتبعه كل الأسماء، والله أعلم
أنقل لكم من كتاب التفسير الميسر للقرآن الكريم (مختصر مبسط من أوثق كتب التفاسير) إعداد عبد المنعم الهاشمي - الجزء الأول - صفحة 11
ما تهدي إليه سورة الفاتحة:
1- تدعونا سورة الفاتحة إلى البدء بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل أمر وعند الإقدام على أي فعل أو قول.
2- أن رحمة الله العظيمة وسعت كل شيء وعمت كل حيّ فلا يجوز للمسلم أن ييأس من رحمة الله عز وجل وإذا يئس فإنه يكون قد كفر والعياذ بالله.
3- يقدّم المسلم السائل بين يدي دعائه حمد الله والثناء عليه وتمجيده وزادت السُنة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصلٍّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدُع بعد بما شاء" ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب
4- الطاعات تزيد النعم ومن الطاعات شكر الله عز وجل
5- أن الله تعالى يحب الحمد فلاذ حمِد تعالى نفسه وأمر عباده به
6- الله تعالى هو مالك كل شيء مالك لجميع خلقه في الدنيا والآخرة وهو المتصرف في ملكه لا شريك له
7- الترغيب في دعاء الله والتضرع إليه بأن نطلب من الله تعالى دائماً الهداية والتوفيق إلى طريق الحقّ وهو الطريق المستقيم
8- الاعتراف بالنعمة وطلب حسن القدوة وذلك بطريق الذين أنعم الله عليهم ونحن نقتدي بهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء. وفي النهاية يستحب أن نقول آمين ليستجيب الله لدعائنا.
(انتهى النقل من المصدر)
*****************************
واسمحوا لي أن أركز على جانب عملي من هذه الفوائد وهو النقطة الأولى حيث نعود أنفسنا على قول بسم الله الرحمن الرحيم في كل أمر مهما صغر فمع أننا نسمي عند بعض الأمور إلا أننا لا بد أن ننسى التسمية عند كل أمر. فلنذكر أنفسنا ومن حولنا بالتسمية عند كل أمر حتى تصير لنا عادة إن شاء الله تعالى.
عدد آيات سورة الفاتحة 7 آية وعدد كلماتها 29 كلمة وعدد أحرفها 139 حرفا
وهذه الأعداد الثلاثة أعداد أولية لا تقبل القسمة إلا على 1
وهذا لم يكن من قبيل المصادفة فالله لا يرضى أن يعبد غيره وأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك
فهذه المعلومة البسيطة يجب أن يدركها كل مسلم
ولو وضعنا الأعداد بالتلاصق لبقي العدد أوليا لا يقبل إلا رب واحد
139297 عدد أولي
729139 عدد أولي أيضا
فهذه السورة عنوانها التوحيد
وقد جاءت البسملة تتكون من 19 حرفا لأن (واحد)=19
قال ابن جزي رحمه الله: وفيها - في سورة أم القرآن - عشرون فائدة .. [منها]
[*] الحمد أعم من الشكر لأن الشكر لا يكون إلا جزاء على نعمه والحمد يكون جزاء كالشكر ويكون ثناء ابتداء كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد لأن الحمد باللسان والشكر باللسان والقلب والجوارح فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك الحمد لله يقتضي الثناء عليه لما هو من الجلال والعظمة والوحدانية والعزة والإفضال والعلم والمقدرة والحكمة وغير ذلك من الصفات ويتضمن معاني اسمائه الحسنى التسعة والتسعين ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة أعطى ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة والأولى فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات واتفق دون عدة عقول الخلائق ويكفيك أن الله جعلها أول كتابه وآخر دعوى أهل الجنة.
[*] إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده وإنما قدم ليفيد الحصر فإن تقديم المعمولات يقتضي الحصر فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له واقتضى قوله وإياك نستعين اعترافا بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلا بالله وحده.
[*] اهدنا دعاء بالهدى فإن قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم فالجواب أن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت أو الزيادة منه فإن الارتقاء في المقامات لا نهاية له.
[*] قدم الحمد والثناء على الدعاء لأن تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح وذلك أقرب للإجابة وكذلك قدم الرحمن على ملك يوم الدين لأن رحمة الله سبقت غضبه وكذلك قدم إياك نعبد على إياك نستعين لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة الفائدة.
[*] الصراط في اللغة الطريق المحسوس الذي يمشي ثم استعير للطريق الذي يكون الإنسان عليها من الخير والشر ومعنى المستقيم القويم الذي لا عوج فيه فالصراط المستقيم الإسلام وقيل القرآن والمعنيان متقاربان لأن القرآن يضمن شرائع الإسلام وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ الصراط بالصاد والسين وبين الصاد والزاي وقد قيل إنه قرئ بزاي خالصة والأصل فيه السين وإنما أبدلوا منها صادا لموافقة الطاء في الاستعلاء والإطباق وأما الزاي فلموافقة الطاء في الجهر الفائدة السادسة عشرة الذين أنعمت عليهم قال ابن عباس هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وقيل المؤمنون وقيل الصحابة وقيل قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا والأول أرجح لعمومه ولقوله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
[*] إعراب غير المغضوب بدل ويبعد النعت لأن إضافته غير مخصوصة وهو قد جرى عن معرفة وقريء بالنصب على الإستثناء أو الحال الفائدة
[*] إسناد نعمة عليهم إلي الله والغضب لما لم يسم فاعله على وجه التأدب كقوله وإذا مرضت فهو يشفين وعليهم أول في موضع نصب والثاني في موضع رفع.
[* ] المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذلك عام في كل مغضوب عليه وكل ضال والأول أرجح لأربعة أوجه روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وجلالة قائله وذكر ولا في قوله ولا الضالين دليل على تغاير الطائفتين وأن الغضب صفة اليهود في مواضع من القرآن كقوله فباؤوا بغضب والضلال صفة النصارى لاختلاف أقوالهم الفاسدة في عيسى ابن مريم عليه السلام ولقول الله فيه قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.
[*] هذه السورة جمعت معاني القرآن العظيم كله فكأنها نسخة مختصرة منه فتأملها بعد تحصيل الباب السادس من المقدمة الأولى تعلم ذلك في الألوهية حاصلا في قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والدار الآخرة في قوله مالك يوم الدين والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في قوله إياك نعبد والشريعة كلها في قوله الصراط المستقيم والأنبياء وغيرهم في قوله الذين أنعمت عليهم وذكر طوائف الكفار في قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين خاتمة أمر بالتأمين عند خاتمة الفاتحة للدعاء الذي فيها وقولك آمين اسم فعل معناه اللهم استجب وقيل هو من أسماء الله ويجوز فيه مد الهمزة وقصرها أو لا يجوز تشديد الميم وليؤمن في الصلاة المأموم والفذ والإمام إذا أسر واختلفوا إذا جهر.
من الآداب التي أرشدت إليها الفاتحة : أدب الخطاب مع رب الأرباب، فإذا كانت النِّعم؛ نُسبت إليه، وإن كان ما سواها لم يًنسب إليه ، وهذا من باب التأدب في عدم نسب الشر إليه، مع أن الخير والشر بتقديره سبحانه.
ففي النعم أسند الداعون من المؤمنين النعمة إليه ( أنعمت عليهم) ، وفي الغضب جاء على صيغة اسم المفعول ( المغضوب عليهم)الذي أصله الفعل المبني للمفعول، فلم يذكر فاعله تأدُّبًا مع الله، وفي القرآن من هذا الأدب قول إبراهيم عليه السلام : (... والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين ...) فلما جاء المرض، وهو علَّة وآفة = لم ينسبه إبراهيم إلى ربه تأدبًا، وأما النعم الأخرى فقد أسندها إليه تعالى.
ومثله قول نفر الجن : (وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا).
شكر نعم الله (الحمد لله)،
والاخلاص لله (إياك نعبد واياك نستعين)،
الصحبة الصالحة (صراط الذين أنعمت عليهم)،
وتذكر أسماء الله الحسنى وصفاته (الرحمن، الرحيم)،
الاستقامة (إهدنا الصراط المستقيم)،
الآخرة (مالك يوم الدين) ويوم الدين هو يوم الحساب.
أهمية الدعاء،
وحدة الأمة (نعبد، نستعين) ورد الدعاء بصيغة الجمع مما يدل على الوحدة ولم يرد بصيغة الافراد.
وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله فأولها ثناء على الله تعالى (الحمد لله رب العالمين) وآخرها دعاء لله بالهداية (إهدنا الصراط المستقيم) ولو قسمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أن نصف عدد حروفها ثناء (63 حرف من الحمد لله الى اياك نستعين) ونصف عدد حروفها دعاء (63 حرف من اهدنا الصراط الى ولا الضآلين) وكأنها اثبات للحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كل شيء. وقد سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لماذا يقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة فأجاب لأستمتع برد ربي.
إذن سورة الفاتحة تسلسل مبادئ القرآن (عقيدة، عبادة، منهج حياة) وهي تثني على الله تعالى وتدعوه لذا فهي اشتملت على كل اساسيات الدين.
- آخر سورة الفاتحة قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) وجاءت سورة البقرة بعدها تتحدث عن المغضوب عليهم (بني إسرائيل) وكيف عصوا ربهم ورسولهم وجاءت سورة آل عمران لتتحدث عن الضآلين (النصارى)
- وآخر كلمات سورة الفاتحة الدعاء جاءت مرتبطة ببداية سورة البقرة (هدى للمتقين) فكأن (اهدنا الصراط المستقيم) في الفاتحة هو الهدى الذي ورد في سورة البقرة.
- بداية السورة (الحمد لله رب العالمين) وهذه أول كلمات المصحف، يقابلها آخر كلمات سورة الناس (من الجنة والناس) ابتدأ تعالى بالعالمين وختم بالجنة والناس بمعنى أن هذا الكتاب فيه الهداية للعالمين وكل مخلوقات الله تعالى من الجنة والناس وليس للبشر وحدهم او للمسلمين فقط دون سواهم.
- أحكام التجويد في سورة الفاتحة جاءت ميسرة وليس فيها أياً من الأحكام الصعبة وهذا والعلم عند الله لتيسير تلاوتها وحفظها من كل الناس عرباً كانوا او عجما.
من حلقات برنامج التفسير المباشر في رمضان الماضي أقتطف هذا المقطع
ذكر الدكتور محمد عبد الله دراز في سورة الفاتحة أنها بمثابة الاستدعاء الذي يقدم بين يدي الكتاب وأن سائر القرآن الكريم هو إجابة عن هذا الإستدعاء فلو سقطت سورة الفاتحة من القرآن الكريم لما كان له مبرر ولذلك يقول قوله سبحانه وتعالى (إهدنا الصراط المستقيم) كأنه هو الاستدعاء فجاء القرآن من أوله (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) إلى آخر سورة الناس، ذكر كلاماً جميلاً ويحتاج إلى تمحيص ويقول سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي يتوجه الخطاب فيها من العبد إلى الرب في حين أن بقية القرآن الكريم من البقرة إلى الناس الخطاب متوجه من الربّ إلى العبد ولعل هذا يكون من أسرار تكرارها في كل ركعة وأنه لا تصح ركعة من الركوعات وحتى صلاة الجنازة إلا بقراءتها. هذا أمر يلفت النظر أولاً وجود الخطاب المباشر فيها وقد توجد في سور أخرى خطابات من البشر لربهم سبحانه وتعالى خاصة في سور النداء أو الدعاء لكن الخطاب هنا مختلف فهو على قصر السورة فيها خطاب من البشر إلى ربهم سبحانه وتعالى وجاء بصورة الجمع (إياك نعبد وإياك نستعين) مع أن سياق السورة كان بضمير الغائب المتمثل في القسم الظاهر (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) السياق الذي تمشي عليه السورة هو الغائب ولم يقل إياه نعبد وإياه نستعين.
سؤال للاستفهام حول كون البسملة آية من الفاتحة أليس الحديث القدسي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) يجزم بأنها ليست من الفاتحة لأنه إذا كانت من الفاتحة كان يلزم أن يبدأ الحديث القدسي: - فإذا قال عبدي بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى كذا - ولكنه بدأ (فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي) ؟
من برنامج التفسير المباشر العام الماضي هذا المقطع أيضاً
النعم في سورة الفاتحة التي تقتضي الحمد
إذا كنا نقول أن الحمد يدل على النعم فما هي النعم الموجودة في الفاتحة؟
- أول ملمح (رب العالمين) الربوبية رب العالمين ولله المثل الأعلى لما نقول رب البيت يعني يهتم بأمره ويقوم به ويعتني به ويدافع عنه، والله ربنا نستشعر أنه خالقنا ومدبرنا ونستشعر أن هذه نعمة للعالمين وليست فقط للبشر، والعالم كل ما سوى الله.
- الأمر الثاني أنه قال (الرحمن الرحيم) نعمة أن يصف الله تعالى نفسه بهاتين الصفتين (رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) هذه سعة في كلمة الرحمن.
- الأمر الثالث في (مالك يوم الدين) المُلك قد يكون فيها تخويف
- ثم بعدها (إياك نعبد وإياك نستعين) المطلوب عبادة الله والبعض يظن أن في العبودية مشقة إلا أنها في الحقيقة نعمة لأنك تخرج من عبودية غير الله كالشيطان والنفس والهوى والمال إلى عبادة الله تعالى فلأن تعبد العظيم أفضل لك.
- الاستعانة أنت محتاج إلى الله في كل وقت وحين.
- الهداية وهذه هي المهمة لأن الإنسان لما يعيش في هذه الحياة أمر فطري فيه ولو أعطي المال من يعبد؟ يشعر أن هناك نقص في هذا الجانب ولذلك تجدهم يعبدون الشيطان ويعبدون البقر، لهم عقول لكن هذا شيء في فطرة الإنسان لا بد أن يلبيه. فكونك ما هُديت لهذا فهذا من أعظم المحن وكونك تهدى له هذا من أعظم المنح (إهدنا الصراط المستقيم)
- ثم قال (صراط الذين أنعمت) فذكر النعمة، وهذه أعظم أنواع النعم، وليست نعمة البيت والسيارة والمال هي النعمة الأفضل وإنما نعمة الهداية هي المهمة.
إذا تتبعنا جوانب النعم التي يُحمد الله تعالى عليها في هذه السورة نجدها كثيرة جداً.
- في قوله (إهدنا الصراط المستقيم) ذكر ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين) كان يتحدث عن هذه الآية في سورة الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين) الآية المحورية في سورة الفاتحة هي (إهدنا الصراط المستقيم) وإن كانت (إياك نعبد وإياك نستعين) هي مقتضية لها، كيف تعبد الله سبحانه وتعالى إلا إذا كان هداك. (إهدنا) هذا الطلب الذين نسعى إليه نحن كبشر، ويأتي القرآن مباشرة في أول سورة البقرة (هدى) أن تطلب الهداية وهذه أول سورة تعطيك الهداية إلى آخر سورة. (إياك نعبد) تتحدث عن الجانب العبادي الذي يبحث عنه الإنسان ليعبد ربه سبحانه وتعالى (وإياك نستعين) جزء منها في العبادة وجزء منها من حاجيات الإنسان. والله عز وجل لما أعطى الإنسان في صورة أبينا آدم الخلافة في الأرض هذه عبادة، كيف يقوم بهذه العبادة العظمى في مهمة الخلاف في الأرض إلا بالهداية وبإعانة الله، ولذلك قالوا تبدأ العبادة في سورة الفاتحة والاستعانة تتفصل في سورة البقرة في القصص الكثيرة. لا يستطيع الإنسان أن يفعل شيئاً إذا لم يعينه الله سبحانه وتعالى.
من إرشادات هذه السورة الكريمة أن المسلم يطلب الهداية إلى الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فهي ، وهذا ما ينبغي له أن يكونه في كل أمر من أمور دينه ودنياه.
والنقص في الهداية للصراط المستقيم تأتي من جانبين:
الأول : الهوى ، وهو الذي يكون عن علم ، لكنه يترك ما آتاه الله من العلم ، ويرتكب المخالفة، ويأخذ بالطرق المعوجَّه ، وهذا هو حال اليهود ، كما فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللفظة، ثم يقاس على تفسيره كل من آتاه الله العلم ، ولم يعمل به ، بل خالفه ، وتركه وراءه ظهريًا.
وهذه الحالة لا تكون إلا من العبد ، فالله هو المتفضل بالعلم على عباده، لكن خروجهم عن هذا العلم وما يقتضيه إنما هو من ذاتهم ، فإذا ضلوا بأنفسهم أضلهم الله، ومصداق ذلك قوله تعالى :(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) = فهذا العبد جاءه العلم من الله تفضلاً ( آتيناه) لكنه قابل هذا التفضُّل بالإعراض والنكوص ( فانسخ منها ) ، ولم يُقَل : ( فسلخناه منها) ليتبين لنا أن العبد هو الذي يبتدئ بالضلالة، فإذا لم يتب عاقبه الله بجنس فعله ( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض ...). الثاني: الجهل، وهو نقص في العلم قد يلحق من يتصف بالعلم أيضًا ، ولك أن ترى بعض الانحرافات الصوفية فيمن آتاه الله العلم بالأحكام الشرعية، فتتعجب من تقيده بالشريعة والعقل في الاستدلال للأحكام، وفي إلغائه للعقل في بعض شطحات المتصوفة. وهذا من نقص العلم بلا ريب ، وفيه شبه بالنصارى الذين عبدوا الله في بعض أمورهم على جهل، ومن عبد الله بما يظنه من شرع الله، وهو ليس كذلك ، ففيه شبه من النصارى. فائدة: إذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للفظة ما ، والأحوال أو السياق يشعر بدخول غير ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم في معنى اللفظة، فإن أول ما يجب أن يُحكى تفسير صلى الله عليه وسلم ، ثم يبيَّن وجه دخول غيره في المعنى الذي فسر به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو في معنى الآية، وهذا لا يتأتي في كل تفسيراته ، وإنما في بعضها، والله أعلم.
من الفوائد التربوية والسلوكية من سورة الفاتحة : 1- إيجاز المقدمات للمتحدثين والخطباء، حتى لا تملَّ النفوس، وهذا مستفاد من أسلوب القرآن الكريم، حيث قدم بهذه السورة العظيمة على قصرها قبل السور الطوال، وفي هذا يقول ابن عاشور ـ رحمه الله ـ : "إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسَبوا إلى العِي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض ، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة"(1). 2- تعويد النفس على كثرة الحمد لله تعالى، وهذا ملاحظ في إيجاب قراءة الفاتحة سبع عشرة مرة في كل ركعة من الصلوات الخمس، حيث يتعود الإنسان على حمد الله وشكره، مما يدعوه إلى التأمل في موجبات الحمد ودواعيه مما أنعم الله سبحانه عليه من النعم التي لا تعد ولا تحصى، كما أخبر الله سبحانه بقوله: ( وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها ). 3- ضرورة بيان المنهج الصحيح للمتربي، والتحذير من المناهج المنحرفة عن المنهج الصحيح، حيث بينت سورة الفاتحة المنهج الواجب الاتباع، كما في قوله : (صراط الذين أنعمت عليهم)، ثم بينت المناهج المنحرفة عنه كما في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين). 4- افتتاح الكلام بحمد لله تعالى والثناء عليه، اقتداء بالقرآن الكريم، حيث افتتح بالحمد لله رب العالمين، وفي هذا يقول ابن عاشور ـ رحمه الله ـ " فكان افتتاح الكلام بالتحميد سنة الكتاب المجيد لكل بليغ مُجيد ، فلم يزل المسلمون من يومئذٍ يُلقِّبُون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر ... وقد لُقبت خطبة زياد ابن أبي سفيان التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد ، وكانت سورة الفاتحة لذلك منزَّلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة ، ولذلك شأن مهم في صناعة الإنشاء فإن تقديم المقدمة بين يدي المقصود أعود للأَفهام وأدعى لوعيها "(2).
ــــ (1) التحرير والتنوير: ( 1 / 153 ). (2) السابق: ( 1 / 154 ).
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات. قال الشيخ الشعرواي رحمة الله عليه : {الحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ من رحمته تعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما(الحمد لله ). والعجيب أن الإنسان حين يشكر إنساناً آخر على جميل ومعروف فعله له، يظل
هذا الإنسان ساعات وساعات يعدد كلمات الشكر والثناء والمدح، ويحذف ويضيف ويأخذ رأي
الناس، حتى يصل إلى قصيدة أو خطاب مليء بالثناء والشكر والمدح ... ولكن الله -تعالى - جلَّت قدرته وعظمته، نعمه لا تعد و لاتحصى علَّمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما:(الحمدلله)
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات. قال الرازي عفا الله عنه لقد اشتهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته ، قال : "[FONT=SimplifiedArabic,Bold][FONT=SimplifiedArabic,Bold]ربِّ اغفر لقومي [/FONT][/FONT][FONT=SimplifiedArabic,Bold][FONT=SimplifiedArabic,Bold]فإنهم لا يعلمون [/FONT][/FONT]" فظهر أنه يوم القيامة يقول :أمتي، أمتي ، فهذا كرم عظيم منه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وإنما حصل فيه هذا الكرم، وهذا الإحسان ، لكونه رحمة كما قال تعالى : ﴿ [FONT=SimplifiedArabic,Bold][FONT=SimplifiedArabic,Bold]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[/FONT][/FONT]} فإذا كان أثر الرحمة الواحدة هذاالمبلغ، فكيف كرم من هو رحمن رحيم ؟!" التفسير الكبير – للرازي – م 1 – ج 1 – ص 191
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات
{الحمد لله رب العالمين}
الحمد: ال : للاستغراق أي كل أنواع الحمد ( القولي و الفعلي و القلبي) نصرفهالله جل وعلا
لله : من اسم الله عز وجل ، و الله اسم علم لا يصرف إلا لله تبارك وتعالى وهو إله العالمين... و من اللطيف أن يأتي بعد (لله) كلمة ( رب )فهو سبحانه و تعالى إله معبود خالق متصرف و مع ذلك فهو (رب) و رب الشيء هو القائم عليه ، الحريص عليه ، المعتني به، و ( رب العالمين ) القائم على جميع مخلوقاته، الحريص ، المنعم ، الكريمجل وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا
الجامع في تفسير سورة الفاتحة
تجدونه على الرابط التالي : http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=8124
وتفضلوا أيها الإخوة الأعزاء بقبول فائق تحياتي وتقديري
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
(الحَمْدُللهِ رَبِّ العَالَمِينَ ) أي: جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هي له وحده دون من سواه؛ إذ هو رب كل شىء وخالقه ومدبره. و"العالمون" جمعُ "عالَم" وهم كلما سوى الله تعالى. الحمد: الاتصاف بالكمال المطلق، وهذا لا يكون إلا لله ولهذا اختص تعالى بالحمد المطلق والملك المطلق، كما في الحديث " له الملك وله الحمد". وحمد الله تعالى هو أن تقول: " الحمد لله " كما في الحديث:"فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قَالَ اللَّهُتَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي". ولهذا يمكن القول : إن قول العبد " الحمد لله" هو إقرار منه بالكمال المطلق لله على وجه الإجمال كما علمه الله، ولهذا جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرا مستقلا كما في الحديث : " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ".
وردت هذه الجملة "الحمد لله رب العالمين" في ستة مواضع من كتاب الله: الأول : في سورة الفاتحة آية مستقلة :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الثاني : في سورة الأنعام : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام (45) الثالث : في سورة يونس : (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يونس(10) الرابع : في سورة الزمر : (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الزمر (75) الخامس : في سورة غافر : (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) غافر (65) السادس : في سورة الصافات (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182))
****
خمس سور من القرآن افتتحت بـ"الحمد لله". هذا إذا تجاوزنا مسألة الخلاف في البسملة في سورة الفاتحه. الأولى : سورة الفاتحة ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الفاتحة(2) الثانية : سورة الأنعام: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)الأنعام (1) الثالثة : سورة الكهف : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) الكهف (1) الرابعة : سورة سبأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) سبأ (1) الخامسة : سورة فاطر (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فاطر(1)
والملاحظ على هذه السور أنها تشترك في افتتاحيتها في الإشارة إلى صفات الكمال التي اتصف بها الله تبارك وتعالى وآثار هذه الصفات على خلقه وهي النعم التي يفيضها الله تعالى على خلقه. ففي الفاتحة ذكر الله تعالى نفسه بالصفة الجامعة لصفات كماله تبارك وتعالى وهي كونه "رب العالمين" في سورة الأنعام إشارة إلى صفة الخلق والإيجاد. في سورة الكهف إشارة إلى صفة الهداية ونعمة الهداية. في سورة سبأ الإشارة إلى صفة الملك وآثارها في الدنيا والآخرة. في سورة فاطر الإشارة إلى صفة الخلق والتدبير وما يترتب عليها من نعمة الهداية والرزق.
ولما كانت النعم في الدنيا والآخرة هي آثار اتصاف الحق تبارك وتعالى بالحمد ، كان ذكره في الحياة الدين يبدأ بالحمد لله رب العالمين ، وينتهي في الآخرة بعد القضاء بين الخلق بالحمد لله رب العالمين. ولما كان "الحمد لله رب العالمين" هو دعاء المخلصين لله الدين المقرين بنعم الله في الحياة الدنيا ، كان دعاؤهم عند تمام النعمة في الآخرة هو " الحمد لله رب العالمين" (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس (10)
وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين
والحمد لله رب العالمين
أمْتعنا المشايخ والإخوة باستنباطاتهم ونقولاتهم وفوائدهم
وقد حاولت أن أسهم في النقطة الثالثة التي أفردت لأهميتها بأن استل مما كتبه الفضلاء مجموعة من الأوامر والنواهي التي تدعونا إليها السورة الكريمة
ولأن هذه الزاوية يومية فليسعى كل واحد منا في تطبيق هذه الأوامر في يوم هذا المقطع وإن زاد فخير على خير أما النواهي فهي على المداوة والاستمرار .
1) ادع الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم عند إفطارك وفي سجودك
2) احمد الله تعالى وأثن عليه بما يفتح الله عليك من المحامد.
3) تأمل آثار رحمة الله تعالى في نفسك وبين أهلك ومن تراهم, ودونها في جوالك أو كراستك
4) كن صادقا في أقوالك وأفعالك , مع الله ومع الخلق ومع النفس.
5) ادع الله تعالى أن يرزقك الشهادة وأن يحشرك في زمرة الشهداء.
6) ابتعد عن أسباب الضلال.
7) تجنب ما يغضب ربك .
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات.
5- بيان الاستنباطات والفوائد العامة واللوازم من الآيات.
قال الرب تبارك وتعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 . قال أبو جعفر : و في أمر الله جل ثناؤه عباده أن يقولوا : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 . بمعنى مسألتهم إياه المعونة على العبادة - أدلُّ الدليل على فساد قول القائلين بالتفويض من أهل القَدَر الذين أحالوا أن يَأْمُرَ الله أحداً من عباده بأمر أو يكلفه فرض عمل ، إلا بعد إعطائه المعونة والقدرة على فعله و على تركه . ولو كان الذي قالوا من ذلك كما قالوا ، لبطلت الرغبة إلى الله في المعونة على طاعته ، إذ كان على قولهم ، مع وجود الأمر والنهي والتكليف - حقا واجبا على الله للعبد إعطاؤه المعونة عليه ، سأله ذلك عبده أو ترك مسألته ذلك ، بل ترك إعطائه ذلك عندهم منه جَوْرٌ . ولو كان الأمر في ذلك على ما قالوا ، لكان القائل : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } إنما يسأل ربه أن لا يجورَ . وفي إجماع أهل الإسلام جميعا على تصويب قول القائل : اللهم إنا نستعينك . وتخطئتهم قول القائل : اللهم لا تَجُرْ علينا - دليل واضح على خطأ ما قال الذين وصفت قولهم ، إذ كان تأويل قول القائل عندهم : اللهم إنا نستعينك : اللهم لا تترك معونتنا التي تركُكها جور منك .
المصدر : تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري . تحقيق : الدكتور / عبد الله بن عبد المحسن التركي .( 1 / 161 ) .
نشكر جميع الإخوة والأخوات على ما تفضلوا به من فوائد قيمة، نسأل الله تعالى أن يبارك فيها وينفع بها، وقد تم فتح الملف الثاني للآيات العشر الأولى من سورة البقرة على الرابط الآتي: