طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,331
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
تحليل كتاب" المقدمات التاريخية للعلم الحديث"
في محاولة لإضاءة الرؤية الفلسفية الخلفية لكتاب (المقدمات التاريخية للعلم الحديث) ل"توماس جولدشتاين" (الكتاب طبعة(2004م) مكتبة الأسرة برعاية سوزان مبارك، تقديم إيزاك أسيموف، ترجمة أحمد حسان عبد الواحد)،كان لابد لنا من أن نتطرق إلى موقع تلك البحوث التاريخية من الفلسفة المادية الغربية الحديثة التي تلون التاريخ بلونها وتحاكمه بقيمها وموازينها المادية، وهي تصنع "صورة" للموضوع المفترض، في أغلب الأحيان ، او الحقيقي لكن المشوه ،لاصورة الحقيقة بكل مقدماتها ومقوماتها وتجلياتها..،وقد تكلم ادوارد سعيد في كتابه الإستشراق عن الصور المختلفة التي اخترعها الغرب عن الشرق، وعدد بعضها(انظر الإستشراق، لإدوار سعيد، المقدمة، ترجمة محمد عناني،ص 72،دار رؤية،2006م)
ومع ان كتابنا هذا الذي نقوم بعرضه والتعقيب على اهم مافيه، قدم إنصافا كبيرا للحضارة الإسلامية وأظهر فضلها على العلم في العصر الحديث الا أن هناك مايستحق الحديث عنه في موضوع الكتاب مما غفل عنه المؤلف ومقدم كتابه، وكلاهما عالمان غربيان، مؤلف الكتاب"توماس جولدشتاين" ومقدم الكتاب "إيزاك أسيموف".
وقبل أن نخوض في الخطأ الأكبر الذي وقع فيه مؤلف الكتاب والفلسفة التي قدمت بين يدي الكتاب، من "إيزاك أسيموف" نود أن نثمن عمل المؤلف في تعريفه بمنجزات الحضارة الإسلامية، خصوصا وقد قدم للفصل المخصص للإسلام بمقدمة رائقة تليق بمقام تلك الحضارة العريقة، فقد وضع المؤلف في مدخل الفصل (الرابع)المخصص لإنجازات الحضارة الإسلامية عنوان موحي وهو (هبة الإسلام) ،وبين يدي الفصل نحت قوله تعالى من سورة النحل(11،10)"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" للإشارة على الدعوة القرآنية للبحث والتأمل.
اهتمام بحديقة أم مسؤولية خلافة وتسخير مسؤول...وراءها عقيدة شاملة ورؤية متكاملة للكون
على الرغم من الحقائق الإيجابية التي أظهرها المؤلف (جولدشتاين) من تلمذة اوروبا على ايدي المسلمين في العصر الوسيط وترجمتها انتاج المسلمين العلمي وانتفاعها به بصورة إحيائية،وسرده لكثير من صور ذلك الإنتاج وتنوعه، وهو الشيء الذي تم حجبه عن الناس لزمن طويل حتى انه لم يكن التفكير فيه لزمن طويل ممكنا ، خصوصا في ظل زحمة ووجود الأساطير البديلة، التي أُطلقت على النبي والقرآن، والأحقاد التي تتنفس فيها ،والتي نشرتها اوروبا خوفا من الإسلام وإعاقة تقدمه الظافر، علميا وانسانيا، ومع ان مؤلف الكتاب لم يخفي قناعته عن تأثير القرآن على المسلمين في بناء حضارتهم الا ان تلك القناعة قيلت في لمحة خاطفة من الكتاب لاتتعدى سطورا معدودة، فقال منصفا ل(القرآن) بأنه كان من العناصر الثلاثة التي رفعت العرب من :" مستوى البداوة الى مستوى الورثة اللامعين للثقافات القديمة... وقد قدرت لهم دورهم الثقافي اللامع ثلاثة عناصر رئيسية... العنصر الثاني هو القرآن ، فقد استلهم التاريخ والثقافة الاسلاميين (بما في ذلك العلم الاسلامي بصورة حاسمة) تعاليم هذا الكتاب المقدس..."( المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص113-114)(لاحظ انه يتكلم هنا عن ورثة للثقافات، وكأن لم تصنعهم فوقية ربانية بعلوم امتليء بها القرآن جعلت لهم الهيمنة على الثقافات وتصحيح اخطاءها) كما ان لذلك الإعتراف مفهوم خاص عند المؤلف ، فما يلفت النظر بالنسبة لمضمون فلسفة الكتاب او الفكرة الكامنة من وراء تأليفه، وخصوصا في نظرته إلى ماهية الإسلام هو زعم جولدشتاين أن الإسلام لم يشارك بفلسفة كلية في العلم (رؤية شاملة تقود الإنتاج العلمي) انما قدم المسلمون تفاصيل مدهشة وانتاج عظيم وتنويعات دراسية للطبيعة، وهو يُرجع ذلك إلى ان العرب نظروا للأرض كأنها"حديقة"، قال:" كان العلم الإسلامي يستمد إلهامه من الملاحظة الممتعة لتنوع الطبيعة واستخدامات سخائها في تجميل الحياة، ولم يهتم كثيرا بتأسيس سيطرة العقل على الطبيعة من خلال أنساق فلسفية محكمة، أو بإثبات سلطة الإنسان من خلال التحويل التكنولوجي الذي لايلين للبيئة الطبيعية"(المقدمات التاريخية،ص 116،115) ثم قال إن ثقافة الإسلام الدينية نظرت للأرض باعتبارها حديقة ، وليس بإعتبارها ساحة تجريب لسلطة الجنس البشري". أما الغرب فمن الإغريق حتى الغرب الأوروبي الحديث فقد قدم ،في قديمه وحديثه، فلسفة علمية متطورة وإن تخللتها فترات ضعف او همجية تخلفت فيها اوروبا عن العلم..ثم عاودته.
وهذا اجحاف ليس لحضارة الإسلام فقط ، ينزع التصور الكلي العلمي عن رسالته ، وهو التصور الذي قادها لكافة التحولات المعرفية في كافة مجالات البحث العلمي والإنتاج الحضاري والقيمي مما قدمته للعالم في كافة مجالات العلوم، وإنما ايضا اجحاف للقرآن الذي اعترف المؤلف انه كان من العوامل الثلاثة التي اطلقت الأمة للإنتاج الحضاري والمادي.. فبكلية مفاهيمه وعقائده وشرائعه "المرتكزات الاساسية للحضارة الاسلامية"، التي شكلت ،عند المسلمين عموما،(رؤية للعالم والظواهر والاشياء ) بدأت تتنزل، من بداية الوحي حتى اكتماله ، تلك الرؤية او العقيدة الشاملة للحياة والكون والإنسان،والرؤية العلمية ، العقلية، التحليلية، من وراء الظواهر هي الفلسفة التي يمنحها المؤلف للغرب ويعزلها عن الشرق الإسلامي وحضارة الإسلام، الحضارة التي مالبث وحيها منذ النداء الأول يوجه الأنظار والأبصار إلى رؤية جديدة للعالم ،هكذا كانت:" نداءات القرآن المنبثقة من فعل القراءة والتفكير، والتعقل والتفكر والتدبر..إلى آخره..منبثة في نسيج كتاب الله..لم تخفت نبرتها أبدا...وعبر المدى الزمني لتنزل القرآن ، ينهمر السيل ويتعالى النداء المرة تلو المرة:إقرأ، تفكر،اعقل، تدبر، تفقه، انظر، تبصر..إلى آخره..ويجد العقل المسلم نفسه ملزما، بمنطق الإيمان نفسه، بأن يتحول، لكي يتلائم مع التوجه(المعرفي) الذي أراده هذا الدين...إن نسيج القرآن نفسه، ومعطياته المعجزة، من بدئها حتى منتهاها، في مجال العقيدة، والتشريع والسلوك، والحقائق "العلمية" ثمثل نسقا من المعطيات المعرفية كانت كفيلة، بمجرد التعامل المخلص الذكي المتبصر معها،أن تهز عقل الإنسان وأن تفجر ينابيعه وطاقاته وأن تخلق في تركيبه خاصية التشوق المعرفي لكل مايحيط به من مظاهر ووقائع وأشياء"(مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل، الطبعة الأولى2005م، المركز الثقافي العربي،ص23،22) اما النقلة المنهجية التي تمثل دورا خطيرا في حركة الإنسان الفكرية فقد أتيح للعقل المسلم أن يتحقق بها-كما قال الدكتور عماد الدين خليل" أن يتشكل وفق مقولاتها ومعطياتها..امتادت باتجاهات ثلاثة: السببية، القانون التاريخي، منهج البحث الحسي(التجريبي)...ولقد تمكن القرآن الكريم بطرقه المستمر على العقلية التبسيطية أن يعيد تشكيلها من جديد بالصيغة التي ارادها لها:عقلية تركيبية،تملك القدرة على الرؤية الاستشرافية التي تطل من فوق على حشود الظواهر بحثا عن العلائق والارتباطات ، ووصولا إلى الحقيقة المرجوة...لقد انتهى عهد التفكك ، والعزلة، والتبسيط...أن القرآن يطرح على العقل البشري-إذا- ولأول مرة، مسألة "السنن" و"النواميس" التي تسير حركة التاريخ وفق منعطفها الذي لايخطيء...أكد القرآن على الإسلوب الذي يعتمد"البرهان" و"الحجة" و"الجدال" للوصول إلى النتائج الصحيحة، القائمة على الإستقراء والمقارنة، والموازنة والتمحيص استنادا إلى المعطيات الحسية المتفق عليها، والقدرات العقلية التي تعرف كيف تتعامل مع هذه المعطيات...إننا بإزاء آيات عديدة تضع الجماعة البشرية المؤمنة في قلب العالم والطبيعة، وتدفعها إلى أن تبذل جهدها من أجل التنقيب عن السنن والنواميس في أعماق التربة، وفي صميم العلاقات المادية بين الجزئيات والذرات..إننا بإزاء حركة حضارية شاملة تربط بين مسألة الإيمان ومسألة الإبداع والكشف، بين التلقي عن الله والتوغل قدما في مسالك الطبيعة ومنحنياتها وغوامضها... بين تحقيق مستوى روحي عال للإنسان على الأرض وبين تسخير طاقات العالم لتحقيق الدرجة نفسها من التقدم على المستوى المادي..ولم يفصل الإسلام-يوما- بين هذا وذاك" مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل ، ص 35-24) وعلى ذلك انطلقت الحضارة تشيد بناءها العلمي والقيمي والأخلاقي الخاص، وإن شارك في البناء كل من عاش في ظل هذه الحضارة العريقة، من يهود ونصارى ومجوس ومتفلسفة وغير ذلك فقد كانت علومهم تنطلق لا من عقائدهم الخاصة ولكن من القيم العامة لتلك الحضارة السابغة التي وضعت الأمة كلها في "قلب العالم" –كما قال الدكتور عماد-دراسة لقوانينه وسننه، وفحصا عمليا للإكتشافات والمناهج المستخلصة.وقبل أن نخوض في الخطأ الأكبر الذي وقع فيه مؤلف الكتاب والفلسفة التي قدمت بين يدي الكتاب، من "إيزاك أسيموف" نود أن نثمن عمل المؤلف في تعريفه بمنجزات الحضارة الإسلامية، خصوصا وقد قدم للفصل المخصص للإسلام بمقدمة رائقة تليق بمقام تلك الحضارة العريقة، فقد وضع المؤلف في مدخل الفصل (الرابع)المخصص لإنجازات الحضارة الإسلامية عنوان موحي وهو (هبة الإسلام) ،وبين يدي الفصل نحت قوله تعالى من سورة النحل(11،10)"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" للإشارة على الدعوة القرآنية للبحث والتأمل.
اهتمام بحديقة أم مسؤولية خلافة وتسخير مسؤول...وراءها عقيدة شاملة ورؤية متكاملة للكون
على الرغم من الحقائق الإيجابية التي أظهرها المؤلف (جولدشتاين) من تلمذة اوروبا على ايدي المسلمين في العصر الوسيط وترجمتها انتاج المسلمين العلمي وانتفاعها به بصورة إحيائية،وسرده لكثير من صور ذلك الإنتاج وتنوعه، وهو الشيء الذي تم حجبه عن الناس لزمن طويل حتى انه لم يكن التفكير فيه لزمن طويل ممكنا ، خصوصا في ظل زحمة ووجود الأساطير البديلة، التي أُطلقت على النبي والقرآن، والأحقاد التي تتنفس فيها ،والتي نشرتها اوروبا خوفا من الإسلام وإعاقة تقدمه الظافر، علميا وانسانيا، ومع ان مؤلف الكتاب لم يخفي قناعته عن تأثير القرآن على المسلمين في بناء حضارتهم الا ان تلك القناعة قيلت في لمحة خاطفة من الكتاب لاتتعدى سطورا معدودة، فقال منصفا ل(القرآن) بأنه كان من العناصر الثلاثة التي رفعت العرب من :" مستوى البداوة الى مستوى الورثة اللامعين للثقافات القديمة... وقد قدرت لهم دورهم الثقافي اللامع ثلاثة عناصر رئيسية... العنصر الثاني هو القرآن ، فقد استلهم التاريخ والثقافة الاسلاميين (بما في ذلك العلم الاسلامي بصورة حاسمة) تعاليم هذا الكتاب المقدس..."( المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص113-114)(لاحظ انه يتكلم هنا عن ورثة للثقافات، وكأن لم تصنعهم فوقية ربانية بعلوم امتليء بها القرآن جعلت لهم الهيمنة على الثقافات وتصحيح اخطاءها) كما ان لذلك الإعتراف مفهوم خاص عند المؤلف ، فما يلفت النظر بالنسبة لمضمون فلسفة الكتاب او الفكرة الكامنة من وراء تأليفه، وخصوصا في نظرته إلى ماهية الإسلام هو زعم جولدشتاين أن الإسلام لم يشارك بفلسفة كلية في العلم (رؤية شاملة تقود الإنتاج العلمي) انما قدم المسلمون تفاصيل مدهشة وانتاج عظيم وتنويعات دراسية للطبيعة، وهو يُرجع ذلك إلى ان العرب نظروا للأرض كأنها"حديقة"، قال:" كان العلم الإسلامي يستمد إلهامه من الملاحظة الممتعة لتنوع الطبيعة واستخدامات سخائها في تجميل الحياة، ولم يهتم كثيرا بتأسيس سيطرة العقل على الطبيعة من خلال أنساق فلسفية محكمة، أو بإثبات سلطة الإنسان من خلال التحويل التكنولوجي الذي لايلين للبيئة الطبيعية"(المقدمات التاريخية،ص 116،115) ثم قال إن ثقافة الإسلام الدينية نظرت للأرض باعتبارها حديقة ، وليس بإعتبارها ساحة تجريب لسلطة الجنس البشري". أما الغرب فمن الإغريق حتى الغرب الأوروبي الحديث فقد قدم ،في قديمه وحديثه، فلسفة علمية متطورة وإن تخللتها فترات ضعف او همجية تخلفت فيها اوروبا عن العلم..ثم عاودته.
تدور الرؤية المعرفية للبحث في مجال الطبيعة حول الذات والموضوع كما تعبر الفلسفة الجديثة فالذات مُنحت الخلافة في الأرض، والموضوع هو الأرض وآفاقها، والسموات ،قوانينها وسننها، دُعي الإنسان في حضارتنا المسلمة إلى أن يقوم بدور حضاري فعال بما يتلائم مع مهمته الأساسية لخلافة الإنسان في العالم وتسخير الطبيعة كما أمر الله عز وجل.:"إن العالم والطبيعة،وفق المنظور الإسلامي ، قد سخرا للإنسان تسخيرا، وإن الله سبحانه قد حدد أبعادهما وقوانينهما ونظمهما واحجامهما بما يتلائم والمهمة الأساسية لخلافة الإنسان في العالم وقدرته على التعامل معه تعاملا إيجابين فاعلا.وهناك آيات ومقاطع قرآنية عديدة تحدثنا عن هذا التسخير، وتمنحنا التصور الإيجابي لدور الإنسان الحضاري، ينأى عن التصورات السلبية للعديد من الفلسفات والمذاهب الوضعية التي جردت الإنسان من كثير من قدراته الفاعلة وحريته في حواره مع كتلة العالم"( مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل،ص39) فموقف الإسلام الكلي الشمولي للعلاقة بين الإنسان والعالم، بعد أن بين له مسؤوليته العظمى فيه، هو موقف التوازن، موقف رسم خطا واضحا:"خطا يقوم على الوئام والإنسجام ، والتكامل والوفاق، والتجانس والإلتحام بين الإنسان والطبيعة، بين الجماعة المؤمنة والعالم"
هذه بإجمال الرؤية الشاملة التي تحرك من خلال تصوراتها الإنسان المسلم ولذلك أنتج حضارة علمية شاملة لمناحي الحياة لم تسبقها حضارة على منوالها ولا خرجت إلى التاريخ خضارة تماثلها في خصائصها ومقوماتها، توازنها وقيمها.والعلم في تعريفنا ليس نتاج التجربة فقط، وإنما نتاج مقوماته التي تسببت فيه، ولايليق بالعلم أو المنهج المعرفي أن يتنازل عن أخلاق قيمية صحيحة، تكون من صميم تلك الرؤية الشاملة، ذلك أن التنازل عن هذه القيم لصالح مايطلق عليه اليوم في الغرب(العلم) الصرف، يؤدي إلى مااشتكى المؤلف منه من التدمير الذي لحق حياة الإنسان الغربي، ولذلك فمازال قولنا المعبر عن رؤية حضارتنا الشاملة للإنسان والعمران، يعني للإنسان الشيء الكثير، لأنه يعبر عن حضارة حافظت على الإنسان وهي تقوم بإقامة توازن عاقل لحياته وذاته.
أما قول المؤلف التالي فيدخل في المركزية الغربية وهيمنتها المعاصرة على العلم والفلسفة والإنتاج التنظيري في مجالات المجتمع والإنسان وغير ذلك، يقول المؤلف:"في المنظور التاريخي، يبرز عصرنا بصورة باهرة بوصفه أول حضارة في التاريخ تتمركز حول العلم. وعلى الرغم أن العلم لعب دورا بارزا في كل الثقافات السابقة تقريبا، بما في ذلك ثقافى ماقبل التاريخ،فإن ثقافتنا –"الغربية الحديثة"، بالتأكيد، لكن بميلها الدينامي إلى التوسع العالمي-هي أول ثقافة احتل فيها العلم المكان المركزي بصفته المنبع والمعيار النهائي للقيم الثقافية،بدلا من الدين، والتفاني في الصالح العام ا, العاهل، أو، أكثر من الورع الديني، الاستغراق في التأمل الأخروي، ويبدو أن تفردنا يجعل من حضارتنا تجربة تاريخية إلى حد كبير، نتائجها غير مؤكدة بشكل حاسم"(المقدمات التاريخية،ص 249)
ويبدو، على الرغم من ذلك، أن المؤلف مع تبني النظرة الغربية المركزية والشعور بتفوقها، يتألم من آثار هذا العلم وسياساته في قلب عالمه، فتجده يقول عن العلم في مقدمة الكتاب:" بالنسبة إلى روحي، الرومانسية من الناحية الجوهرية، بدا العلم وكأنه المدمر لجمال المناظر والحياة الرشيقة المنتمية إلى ماض أقل توجها نحو المنفعة ولتعبيراتها المعمارية والتزينية. ولنفس السبب كان توجهي متضارب المشاعر على نحو مميز...وإذا كانت خبرتنا خلال القرن العشرين قد فتحت أعيننا على تأثيرات العلم المدمرة والمنافية للشخصية، فمازلنا نقر-ونرحب في أي ظرف طارئ- بمنافع التكنولوجيا الطبية الحديثة ، أو بقدرة العلم الهائلة على إحداث التحرر الإجتماعي ، سواء بتحرير النساء من مشقة الأعمال المنزلية التي تبدد الجهد والوقت، أو بإتاحة سبل أفضل أمام الدول النامية للوصول إلى الرفاهية الاقتصادية والصحة العامة...هذا هو التضارب الداخلي للمشاعر"!(المقدمات الأولية للعلم الحديث، ص12،11)
نحن لانبخس أمثال تلك الكتب الحديثة التي تشيد بحضارتنا بل نثمنها ونشكر المجهود الذي بذل فيها، غير أننا لانغفل عن النطاق الذي تتحدد فيه(المقاربة التاريخية،انظر ص13) والرؤية المادية خصوصا-التي تلف صياغتها وتلوناتها.
فمقدمة الكتاب –التي كتبها "إيزاك أسيموف" تزرع فينا النظرة المادية للعالم مع رؤية شاعرية عند المؤلف نفسه،كما بدا على الأقل، في الجملة الشاعرية المتقدمة من كلامه عن جمال المناظر وتدمير الحضارة، منطلقا من النزعة المركزية للفكر الأوروبي، وهي نزعة تجعل العقل الفلسفي والرؤية الفلسفية(بمعنى النظرة الكلية للعالم) موجودة في هذا الفكر وحده من الإغريق واليونان حتى العصر الحديث، بصرف النظر عن طبيعة تلك الفلسفة!
هي على كل، "نظرة مركزية"، تجعل عند العرب، التفاصيل المتناثرة،المتنوعة الزهور كحديقة، كسحر الشرق الذي فُتن به الغرب قديما!، وتجعل عند الغرب(العقل) المتطور، و(الفلسفة الكلية)، الغرب يملك (العقل الكوني) او( الفلسفة الكلية المنتجة للعلم) اما الشرق الإسلامي فنصيبه (المشاركة العلمية والعملية، من (نقل وانتاح)بفضل الإطلاع على علوم الآخرين!، لكن من غير أن يتفرد بفلسفة حاكمة للتفاصيل...ووراء الفلسفة العقل!
وهذا يصب،في المحصلة النهائية، في دائرة "المركزية الغربية"، وهو -اي المؤلف-وإن إعترف بفضل النقل والإنتاج ، وهي عملية باهظة التكاليف والإنتاج ،الا أنه لم يتعدى ذلك إلى الإعتراف بوجود تصور كلي شامل من وراء عملية الدفع الحضاري والإنتاج الغزير مع ان المرء اذا تجرد من الهوى قد يمكنه رؤية الفلسفة الشاملة الكلية من وراء ذلك العمل التاريخي الحضاري الضخم.
وهذه النظرة المركزية(الحديثة) التي تنطلق من تفوق الغرب قديما وحديثا، وعقلانيته، تشبه، من ناحية، نظرة نظرة الغرب في القرن التاسع عشر للعرب وعقلهم، كموقف رينان وغيره، ومن ناحية أخرى ، هي "سلب" أو "حجب"، للمصدر الرئيس-ونزع تصور كلي شمولي عنه وتصوره او رسمه على غير الصورة التي هو عليه- وهو الذي صنع (العقل والنظرة الشاملة فيه" وهو "المؤسس"، والدافع "الأصلي" والخالق(الفعلي) لماهية العلم الإسلامي ومناهجه التجريبية(والمختبرية) التي انتجها ، وهذا المصدر هو (القرآن العظيم)
طريقة جديدة للسرد التاريخي يصب في النهر الغربي
لم تُفلح كل الأساطير التي اطلقها الغرب قديما، تجاه الإسلام لخطفه عن الأفئدة والأنظار، فحتى في أوج الإنتاج الحضاري الإسلامي كان الغرب يطلق أساطيره عن الإسلام والمسلمين والرسول محمد، واليوم وجد الغرب أن مرحلة تجهيل الناس بهذه الصورة المرَضية عفى عليها الزمان، فنتيجة التطورات المعرفية والتقنية العظمى في العالم وجد الغرب ان الاشاعات القديمة لاتنفع في عصر توفرت فيه المعلومات ووسائل البحث الألكترونية، فكان الإعتراف من بعض المؤرخين والعلماء بفضل الإسلام على الحضارة الغربية ولكنه اعتراف خافت، لاتصل اضواؤه إلى العالم كله، خصوصا أن وسائل الإعلام لايروقها مثل هذه التراجعات والإعلانات وهي التي مازالت تعرض على الناس صور منحرفة عن الإسلام والمسلمين.
امر آخر أكثر أهمية، وهو أن الحضارة الحديثة قطعت مع الدين وطردته في القرن التاسع عشر من المجتمع واليوم تمن عليه بتواجد يتيم في اماكن العبادة وبعض المدارس، وهذا يعني ان مجال اتاحة الفرصة للدين ان يعلن دوره التاريخي ومصدره الحقيقي، واتكلم هنا عن الإسلام خصوصا، هو منال بعيد،في ظل هذه الأجواء المسيطرة، حتى على الإنتاج العلمي الجاد، ذلك أن السيادة العليا في العالم المهيمن هو للفكر المادي ومايدور في دائرته من افكار روحية لاتخرج عن نطاق الخيال الرطب كما يقولون!
ولذلك فإن أمثال هذه الكتابات العلمية والتاريخية لاتذكر الحقيقة كاملة، بل تنفي أهم رؤية وراء تلك الأعمال العظيمة. كما انها تضع التطور التاريخي في شرنقة التصور المادي للتاريخ، وغالبا مايقع ذلك كله في مصيدة النظريات العلمية الخاطئة مثل نظرية دارون التي وضع مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" سياق التطور المعرفي في سلتها الحيوانية المتطورة، ومن هنا مكمن الخطر في كتاب يطرح عليك حقائق تاريخية عن الإنتاج العلمي في الإسلام، لكن يدمجه في سياق التطور الدارويني او غيره من شباك الأوهام العلمية المادية الغربية المعاصرة. مثل تلك المؤلفات الحديثة، تختلط فيها، تصورات النظرة الفلسفية الغربية الجديدة عن التاريخ والحياة والإنسان، بالموضوع المدروس، وفي حالتنا، الحضارة الإسلامية وإنتاجها العلمي، وإن كان ذلك، يتم-عند المؤلف- داخل سياق تطور العلم، عند الإنسان منذ قديم الزمان إلى اليوم،فالكل قدم علم ومعلومات، وخصوصا عند الإغريق حتى العصر الغربي الحديث!
ومن نتائج مقاربة المؤلف المنهجية نرى تدخل بعض النظريات التاريخية المعاصرة في الأحكام التي يتبناها الكتاب، تلونه بلونها، وتدفع مسار الكتاب إلى أحكامها دفعا، وتتدخل كذلك الرؤية المركزية الغربية في صميم حركة الفكر عند المؤلف، كما تتدخل بعض النظريات العلمية التي انتهت إلى نتيجة قاصرة عن طبيعة الإنسان ،فتُرجع الأمر كله إلى فعل ارضي متطور دوما بدءا من حالة بدائية كمونية للعقل ، إلى حالة حديثة يحظى بها"العقل الغربي" و مقدم الكتاب(الغربي) تبنى النظرة الداروينية في تلوين التاريخ العلمي للبشر!، وهذا كله مضاد للحقيقة التاريخية والبيولوجية والعقلية للإنسان، فالإنسان كما وصفه الله لم يكن بدائي العقل والبنيان، ولم يتطور من شبه قرد(كما زعم مقدم الكتاب(إيزاك الغربي) إلى انسان دارويني!، وإنما هو انسان فريد ،خلقه الله لا من تطور دارويني، ولا من تسلسل حيواني ، ميزه الله بخصائص روحية وإنسانية وعقلية، ليؤدي دوره العمراني على الأرض ، كخليفة جعله الله هكذا لتطوير حركة الحياة على الأرض بقيم التوازن الإيماني والعقلي التمييزي والتجريبي المنضبط بأصول ربانية ، منها شرائع سنها الله للعقل البشري، كان على الوحي أن يعلنها تباعا، لرسل من البشر، ليقوموا بمهمة عظيمة في التوجيه والتشريع، فالكائن الإنساني عاقل منذ البداية، قائما على رجلين منذ اللحظة الأولى من خلقه المستقل،مختارا، فريدا في خلقته، مكرما منذ البداية ومفضلا على كثير مما خلق الله تفضيلا، ومعطى أمانة الإستخلاف على الأرض "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" لكن الكتاب يقذفنا من البداية في اتون الحضارة المادية ونظرتها الى التاريخ والعقل والحياة.
يقول مقدم الكتاب(إيزاك أسيموف) :" وراء حتى أقدم الحضارات كان ثمة كائنات بشرية ابتكرت الأدوات الحجرية منذ فترة مليوني عام مضت، ووراءها كانت ثمة مخلوقات أشد بدائية ربما ذكرتنا بالقردة ، بإستثناء أنها كانت تقف منتصبة"(المقدمات التاريخية ص10)
فمقدم الكتاب يدفعنا دفعا لقبول تصوراته عن(تلك الكائنات البدائية) التي طورت-بزعمه- الحركة على القدمين، وحررت أيديها للقيام بمهام أفضل... وكانت بكماء صماء إلا من اشارات غامضة.
يقول عن الكتاب:" لايعود كتاب جولدشتاين إلى الوراء إلى هذا الحد، لكنه يحررنا من تبسيط الإعتقاد بأن في مقدورنا أن نرجع بداية إلى رجل أو اثنين، وإلى حدث أو اثنين من عصور حديثة نسبيا بينما تمتد وراء تلك "البداية" قرون لاحصر لها من الإنجاز الفكري ، والبيولوجي، والمادي"(نهاية المقدمة)
وهكذا في المقدمة فقط يمكن ملاحظة محاولة مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" لدفعنا لقبول خليط من النظريات والإيحاءات أولها تبدأ بإرجاع أصل الإنتاج العربي الإسلامي إلى مصادر إغريقية ثم إرجاع أصل العقل الإنساني إلى حالة بدائية لكائنات انتصبت فيما بعد، بعد ان كانت أشبه بالقرود ..وهكذا بدأ العلم يتطور مع تطور الإنسان البدائي.
فهذه هي بدايته التحليلية للتاريخ،قال:"إنها لمهمة صعبة أن نتتبع بداية أي شيء مهم، إذ لايمكن عمل ذلك من دون إثارة سؤال : ماذا نعني بكلمة بداية؟"
وقد تم إغفال البداية الحقيقة، بشأن الإنسان، وبشأن عملية الخلق، وبشأن بداية الوحي القرآني والمهمة الكبرى التي جاء بها، وبشأن الرؤية الكلية المتنزل بها وحي كامل في عقيدة وطريق ومنهج، وهي التي حكمت حركة حضارتنا الإسلامية بصورة عامة، والتي استفاد الغرب منها التقنية والمناهح العلمية والبحثية، العقلية والتجريبية،، الرفاهية والصحة العامة، التطور لحياة أحسن مع دفع عملية التحرير من عوائق ارهقت حركة الإنسان فكانت المختبرات والصيدليات، الآلات والأدوات والمحركات.
هكذا قدم "إيزاك أسيموف" لكتاب (المقدمات التاريخية للعلم الحديث من الإغريق القدماء حتى عصر النهضة)
المحصلةهذه بإجمال الرؤية الشاملة التي تحرك من خلال تصوراتها الإنسان المسلم ولذلك أنتج حضارة علمية شاملة لمناحي الحياة لم تسبقها حضارة على منوالها ولا خرجت إلى التاريخ خضارة تماثلها في خصائصها ومقوماتها، توازنها وقيمها.والعلم في تعريفنا ليس نتاج التجربة فقط، وإنما نتاج مقوماته التي تسببت فيه، ولايليق بالعلم أو المنهج المعرفي أن يتنازل عن أخلاق قيمية صحيحة، تكون من صميم تلك الرؤية الشاملة، ذلك أن التنازل عن هذه القيم لصالح مايطلق عليه اليوم في الغرب(العلم) الصرف، يؤدي إلى مااشتكى المؤلف منه من التدمير الذي لحق حياة الإنسان الغربي، ولذلك فمازال قولنا المعبر عن رؤية حضارتنا الشاملة للإنسان والعمران، يعني للإنسان الشيء الكثير، لأنه يعبر عن حضارة حافظت على الإنسان وهي تقوم بإقامة توازن عاقل لحياته وذاته.
أما قول المؤلف التالي فيدخل في المركزية الغربية وهيمنتها المعاصرة على العلم والفلسفة والإنتاج التنظيري في مجالات المجتمع والإنسان وغير ذلك، يقول المؤلف:"في المنظور التاريخي، يبرز عصرنا بصورة باهرة بوصفه أول حضارة في التاريخ تتمركز حول العلم. وعلى الرغم أن العلم لعب دورا بارزا في كل الثقافات السابقة تقريبا، بما في ذلك ثقافى ماقبل التاريخ،فإن ثقافتنا –"الغربية الحديثة"، بالتأكيد، لكن بميلها الدينامي إلى التوسع العالمي-هي أول ثقافة احتل فيها العلم المكان المركزي بصفته المنبع والمعيار النهائي للقيم الثقافية،بدلا من الدين، والتفاني في الصالح العام ا, العاهل، أو، أكثر من الورع الديني، الاستغراق في التأمل الأخروي، ويبدو أن تفردنا يجعل من حضارتنا تجربة تاريخية إلى حد كبير، نتائجها غير مؤكدة بشكل حاسم"(المقدمات التاريخية،ص 249)
ويبدو، على الرغم من ذلك، أن المؤلف مع تبني النظرة الغربية المركزية والشعور بتفوقها، يتألم من آثار هذا العلم وسياساته في قلب عالمه، فتجده يقول عن العلم في مقدمة الكتاب:" بالنسبة إلى روحي، الرومانسية من الناحية الجوهرية، بدا العلم وكأنه المدمر لجمال المناظر والحياة الرشيقة المنتمية إلى ماض أقل توجها نحو المنفعة ولتعبيراتها المعمارية والتزينية. ولنفس السبب كان توجهي متضارب المشاعر على نحو مميز...وإذا كانت خبرتنا خلال القرن العشرين قد فتحت أعيننا على تأثيرات العلم المدمرة والمنافية للشخصية، فمازلنا نقر-ونرحب في أي ظرف طارئ- بمنافع التكنولوجيا الطبية الحديثة ، أو بقدرة العلم الهائلة على إحداث التحرر الإجتماعي ، سواء بتحرير النساء من مشقة الأعمال المنزلية التي تبدد الجهد والوقت، أو بإتاحة سبل أفضل أمام الدول النامية للوصول إلى الرفاهية الاقتصادية والصحة العامة...هذا هو التضارب الداخلي للمشاعر"!(المقدمات الأولية للعلم الحديث، ص12،11)
نحن لانبخس أمثال تلك الكتب الحديثة التي تشيد بحضارتنا بل نثمنها ونشكر المجهود الذي بذل فيها، غير أننا لانغفل عن النطاق الذي تتحدد فيه(المقاربة التاريخية،انظر ص13) والرؤية المادية خصوصا-التي تلف صياغتها وتلوناتها.
فمقدمة الكتاب –التي كتبها "إيزاك أسيموف" تزرع فينا النظرة المادية للعالم مع رؤية شاعرية عند المؤلف نفسه،كما بدا على الأقل، في الجملة الشاعرية المتقدمة من كلامه عن جمال المناظر وتدمير الحضارة، منطلقا من النزعة المركزية للفكر الأوروبي، وهي نزعة تجعل العقل الفلسفي والرؤية الفلسفية(بمعنى النظرة الكلية للعالم) موجودة في هذا الفكر وحده من الإغريق واليونان حتى العصر الحديث، بصرف النظر عن طبيعة تلك الفلسفة!
هي على كل، "نظرة مركزية"، تجعل عند العرب، التفاصيل المتناثرة،المتنوعة الزهور كحديقة، كسحر الشرق الذي فُتن به الغرب قديما!، وتجعل عند الغرب(العقل) المتطور، و(الفلسفة الكلية)، الغرب يملك (العقل الكوني) او( الفلسفة الكلية المنتجة للعلم) اما الشرق الإسلامي فنصيبه (المشاركة العلمية والعملية، من (نقل وانتاح)بفضل الإطلاع على علوم الآخرين!، لكن من غير أن يتفرد بفلسفة حاكمة للتفاصيل...ووراء الفلسفة العقل!
وهذا يصب،في المحصلة النهائية، في دائرة "المركزية الغربية"، وهو -اي المؤلف-وإن إعترف بفضل النقل والإنتاج ، وهي عملية باهظة التكاليف والإنتاج ،الا أنه لم يتعدى ذلك إلى الإعتراف بوجود تصور كلي شامل من وراء عملية الدفع الحضاري والإنتاج الغزير مع ان المرء اذا تجرد من الهوى قد يمكنه رؤية الفلسفة الشاملة الكلية من وراء ذلك العمل التاريخي الحضاري الضخم.
وهذه النظرة المركزية(الحديثة) التي تنطلق من تفوق الغرب قديما وحديثا، وعقلانيته، تشبه، من ناحية، نظرة نظرة الغرب في القرن التاسع عشر للعرب وعقلهم، كموقف رينان وغيره، ومن ناحية أخرى ، هي "سلب" أو "حجب"، للمصدر الرئيس-ونزع تصور كلي شمولي عنه وتصوره او رسمه على غير الصورة التي هو عليه- وهو الذي صنع (العقل والنظرة الشاملة فيه" وهو "المؤسس"، والدافع "الأصلي" والخالق(الفعلي) لماهية العلم الإسلامي ومناهجه التجريبية(والمختبرية) التي انتجها ، وهذا المصدر هو (القرآن العظيم)
طريقة جديدة للسرد التاريخي يصب في النهر الغربي
لم تُفلح كل الأساطير التي اطلقها الغرب قديما، تجاه الإسلام لخطفه عن الأفئدة والأنظار، فحتى في أوج الإنتاج الحضاري الإسلامي كان الغرب يطلق أساطيره عن الإسلام والمسلمين والرسول محمد، واليوم وجد الغرب أن مرحلة تجهيل الناس بهذه الصورة المرَضية عفى عليها الزمان، فنتيجة التطورات المعرفية والتقنية العظمى في العالم وجد الغرب ان الاشاعات القديمة لاتنفع في عصر توفرت فيه المعلومات ووسائل البحث الألكترونية، فكان الإعتراف من بعض المؤرخين والعلماء بفضل الإسلام على الحضارة الغربية ولكنه اعتراف خافت، لاتصل اضواؤه إلى العالم كله، خصوصا أن وسائل الإعلام لايروقها مثل هذه التراجعات والإعلانات وهي التي مازالت تعرض على الناس صور منحرفة عن الإسلام والمسلمين.
امر آخر أكثر أهمية، وهو أن الحضارة الحديثة قطعت مع الدين وطردته في القرن التاسع عشر من المجتمع واليوم تمن عليه بتواجد يتيم في اماكن العبادة وبعض المدارس، وهذا يعني ان مجال اتاحة الفرصة للدين ان يعلن دوره التاريخي ومصدره الحقيقي، واتكلم هنا عن الإسلام خصوصا، هو منال بعيد،في ظل هذه الأجواء المسيطرة، حتى على الإنتاج العلمي الجاد، ذلك أن السيادة العليا في العالم المهيمن هو للفكر المادي ومايدور في دائرته من افكار روحية لاتخرج عن نطاق الخيال الرطب كما يقولون!
ولذلك فإن أمثال هذه الكتابات العلمية والتاريخية لاتذكر الحقيقة كاملة، بل تنفي أهم رؤية وراء تلك الأعمال العظيمة. كما انها تضع التطور التاريخي في شرنقة التصور المادي للتاريخ، وغالبا مايقع ذلك كله في مصيدة النظريات العلمية الخاطئة مثل نظرية دارون التي وضع مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" سياق التطور المعرفي في سلتها الحيوانية المتطورة، ومن هنا مكمن الخطر في كتاب يطرح عليك حقائق تاريخية عن الإنتاج العلمي في الإسلام، لكن يدمجه في سياق التطور الدارويني او غيره من شباك الأوهام العلمية المادية الغربية المعاصرة. مثل تلك المؤلفات الحديثة، تختلط فيها، تصورات النظرة الفلسفية الغربية الجديدة عن التاريخ والحياة والإنسان، بالموضوع المدروس، وفي حالتنا، الحضارة الإسلامية وإنتاجها العلمي، وإن كان ذلك، يتم-عند المؤلف- داخل سياق تطور العلم، عند الإنسان منذ قديم الزمان إلى اليوم،فالكل قدم علم ومعلومات، وخصوصا عند الإغريق حتى العصر الغربي الحديث!
ومن نتائج مقاربة المؤلف المنهجية نرى تدخل بعض النظريات التاريخية المعاصرة في الأحكام التي يتبناها الكتاب، تلونه بلونها، وتدفع مسار الكتاب إلى أحكامها دفعا، وتتدخل كذلك الرؤية المركزية الغربية في صميم حركة الفكر عند المؤلف، كما تتدخل بعض النظريات العلمية التي انتهت إلى نتيجة قاصرة عن طبيعة الإنسان ،فتُرجع الأمر كله إلى فعل ارضي متطور دوما بدءا من حالة بدائية كمونية للعقل ، إلى حالة حديثة يحظى بها"العقل الغربي" و مقدم الكتاب(الغربي) تبنى النظرة الداروينية في تلوين التاريخ العلمي للبشر!، وهذا كله مضاد للحقيقة التاريخية والبيولوجية والعقلية للإنسان، فالإنسان كما وصفه الله لم يكن بدائي العقل والبنيان، ولم يتطور من شبه قرد(كما زعم مقدم الكتاب(إيزاك الغربي) إلى انسان دارويني!، وإنما هو انسان فريد ،خلقه الله لا من تطور دارويني، ولا من تسلسل حيواني ، ميزه الله بخصائص روحية وإنسانية وعقلية، ليؤدي دوره العمراني على الأرض ، كخليفة جعله الله هكذا لتطوير حركة الحياة على الأرض بقيم التوازن الإيماني والعقلي التمييزي والتجريبي المنضبط بأصول ربانية ، منها شرائع سنها الله للعقل البشري، كان على الوحي أن يعلنها تباعا، لرسل من البشر، ليقوموا بمهمة عظيمة في التوجيه والتشريع، فالكائن الإنساني عاقل منذ البداية، قائما على رجلين منذ اللحظة الأولى من خلقه المستقل،مختارا، فريدا في خلقته، مكرما منذ البداية ومفضلا على كثير مما خلق الله تفضيلا، ومعطى أمانة الإستخلاف على الأرض "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" لكن الكتاب يقذفنا من البداية في اتون الحضارة المادية ونظرتها الى التاريخ والعقل والحياة.
يقول مقدم الكتاب(إيزاك أسيموف) :" وراء حتى أقدم الحضارات كان ثمة كائنات بشرية ابتكرت الأدوات الحجرية منذ فترة مليوني عام مضت، ووراءها كانت ثمة مخلوقات أشد بدائية ربما ذكرتنا بالقردة ، بإستثناء أنها كانت تقف منتصبة"(المقدمات التاريخية ص10)
فمقدم الكتاب يدفعنا دفعا لقبول تصوراته عن(تلك الكائنات البدائية) التي طورت-بزعمه- الحركة على القدمين، وحررت أيديها للقيام بمهام أفضل... وكانت بكماء صماء إلا من اشارات غامضة.
يقول عن الكتاب:" لايعود كتاب جولدشتاين إلى الوراء إلى هذا الحد، لكنه يحررنا من تبسيط الإعتقاد بأن في مقدورنا أن نرجع بداية إلى رجل أو اثنين، وإلى حدث أو اثنين من عصور حديثة نسبيا بينما تمتد وراء تلك "البداية" قرون لاحصر لها من الإنجاز الفكري ، والبيولوجي، والمادي"(نهاية المقدمة)
وهكذا في المقدمة فقط يمكن ملاحظة محاولة مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" لدفعنا لقبول خليط من النظريات والإيحاءات أولها تبدأ بإرجاع أصل الإنتاج العربي الإسلامي إلى مصادر إغريقية ثم إرجاع أصل العقل الإنساني إلى حالة بدائية لكائنات انتصبت فيما بعد، بعد ان كانت أشبه بالقرود ..وهكذا بدأ العلم يتطور مع تطور الإنسان البدائي.
فهذه هي بدايته التحليلية للتاريخ،قال:"إنها لمهمة صعبة أن نتتبع بداية أي شيء مهم، إذ لايمكن عمل ذلك من دون إثارة سؤال : ماذا نعني بكلمة بداية؟"
وقد تم إغفال البداية الحقيقة، بشأن الإنسان، وبشأن عملية الخلق، وبشأن بداية الوحي القرآني والمهمة الكبرى التي جاء بها، وبشأن الرؤية الكلية المتنزل بها وحي كامل في عقيدة وطريق ومنهج، وهي التي حكمت حركة حضارتنا الإسلامية بصورة عامة، والتي استفاد الغرب منها التقنية والمناهح العلمية والبحثية، العقلية والتجريبية،، الرفاهية والصحة العامة، التطور لحياة أحسن مع دفع عملية التحرير من عوائق ارهقت حركة الإنسان فكانت المختبرات والصيدليات، الآلات والأدوات والمحركات.
هكذا قدم "إيزاك أسيموف" لكتاب (المقدمات التاريخية للعلم الحديث من الإغريق القدماء حتى عصر النهضة)
من خلال نقدنا هذا لنظرة العلم المادي الغربي ، ولتبني الكتاب ومقدم الكتاب لها، ننتصر للقرآن وللإنسان، ونرد الحقوق إلى أصحابها، ونصحح الأخطاء المعرفية المغطاة بغطاء علمي ،كما انه لايمنعنا نقد الفكرة من وراء الكتاب والكاتب، أن نشيد بموقفه الجديد من الحضارة الإسلامية، وماقاله في السياق، عن القرآن العظيم.
ذلك أن موقفنا العلمي والموضوعي يؤكد ان حقائق الإسلام:" استهدفت تغيير الموقف البشري من العالم والكون والحياة والأشياء، أي تشكيل نسق فكري يكتسب خصوصياته من العقيدة التي شكلته، وهو في صميمه فعل حضاري أكثر أهمية من الحلقات " التنفيذية" التالية في مجالات الحياة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية"(من بحث بعنوان" في الفقه الحضاري، حول منهج جديد لدراسة حضارة الإسلام، للدكتور عماد الدين خليل،ص153، وهو موجود في مكتبة الوقفية، على شبكة الإنترنت)
إن هدف بحثي هذا هو كشف المخفي وإعلان المكتوم ورفع المستور ، وإخراج الخبيء من رحم الأبحاث شبه المنصفة، فبحث المقدمات التاريخية بحث عميق فيه الكثير من الحقائق بيد أن حقيقة الحقائق التي أخرجت العرب وأصول علومهم إلى الوجود العالمي والعلمي ، لم تظهر في هذه الكتابات العلمية بصورة واضحة، وهناك أسباب ايديولوجية وفلسفية، وأخرى تاريخية وإجتماعية واستشراقية، وأخرى(مركزية-عرقية) جعلت الكتاب الغربيون-حتى الأكثر إنصافا منهم، يعرضون عن إظهار الحقيقة كاملة، أما فيما أظهروه من تفاصيل عن علوم العرب وتفوقهم فنقدم لهم الشكر على ابرازه فلسنا ممن لايشكر الناس، على أن إظهار الحقيقة كاملة لايضر البحث العلمي بتاتا بل يجعله متينا وانسانيا اكثر، بل ويجعل بسبب اشاعته حياة البشر اكثر تسامحا وترابطا، وارجاع الحق لأصحابه لن يضر أي إنسان، بل يصير الحق وإظهاره طريقا إلى فهم المعتقدات وأصولها، ويفتح باب التعارف والتقارب، وهذه وحدها تنفي العصبيات وتعزل العنصرية والتحيزات، فيصل الحق ونوره، وتعرف الأمم حقيقته ويومن به منها من يشاء الهداية ويقدر الله له الخير.
لكن في الكتاب معلومات مهمة نود عرضها هنا إن هدف بحثي هذا هو كشف المخفي وإعلان المكتوم ورفع المستور ، وإخراج الخبيء من رحم الأبحاث شبه المنصفة، فبحث المقدمات التاريخية بحث عميق فيه الكثير من الحقائق بيد أن حقيقة الحقائق التي أخرجت العرب وأصول علومهم إلى الوجود العالمي والعلمي ، لم تظهر في هذه الكتابات العلمية بصورة واضحة، وهناك أسباب ايديولوجية وفلسفية، وأخرى تاريخية وإجتماعية واستشراقية، وأخرى(مركزية-عرقية) جعلت الكتاب الغربيون-حتى الأكثر إنصافا منهم، يعرضون عن إظهار الحقيقة كاملة، أما فيما أظهروه من تفاصيل عن علوم العرب وتفوقهم فنقدم لهم الشكر على ابرازه فلسنا ممن لايشكر الناس، على أن إظهار الحقيقة كاملة لايضر البحث العلمي بتاتا بل يجعله متينا وانسانيا اكثر، بل ويجعل بسبب اشاعته حياة البشر اكثر تسامحا وترابطا، وارجاع الحق لأصحابه لن يضر أي إنسان، بل يصير الحق وإظهاره طريقا إلى فهم المعتقدات وأصولها، ويفتح باب التعارف والتقارب، وهذه وحدها تنفي العصبيات وتعزل العنصرية والتحيزات، فيصل الحق ونوره، وتعرف الأمم حقيقته ويومن به منها من يشاء الهداية ويقدر الله له الخير.
تم وضع بقية المقال هنا أسفل في ست مجموعات مرقمة