(1)تعريف بكتاب: المقدمات التاريخية للعلم الحديث تأليف توماس جولدشتاين، وموقفه من القرآن.

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
تحليل كتاب" المقدمات التاريخية للعلم الحديث"


في محاولة لإضاءة الرؤية الفلسفية الخلفية لكتاب (المقدمات التاريخية للعلم الحديث) ل"توماس جولدشتاين" (الكتاب طبعة(2004م) مكتبة الأسرة برعاية سوزان مبارك، تقديم إيزاك أسيموف، ترجمة أحمد حسان عبد الواحد)،كان لابد لنا من أن نتطرق إلى موقع تلك البحوث التاريخية من الفلسفة المادية الغربية الحديثة التي تلون التاريخ بلونها وتحاكمه بقيمها وموازينها المادية، وهي تصنع "صورة" للموضوع المفترض، في أغلب الأحيان ، او الحقيقي لكن المشوه ،لاصورة الحقيقة بكل مقدماتها ومقوماتها وتجلياتها..،وقد تكلم ادوارد سعيد في كتابه الإستشراق عن الصور المختلفة التي اخترعها الغرب عن الشرق، وعدد بعضها(انظر الإستشراق، لإدوار سعيد، المقدمة، ترجمة محمد عناني،ص 72،دار رؤية،2006م)

ومع ان كتابنا هذا الذي نقوم بعرضه والتعقيب على اهم مافيه، قدم إنصافا كبيرا للحضارة الإسلامية وأظهر فضلها على العلم في العصر الحديث الا أن هناك مايستحق الحديث عنه في موضوع الكتاب مما غفل عنه المؤلف ومقدم كتابه، وكلاهما عالمان غربيان، مؤلف الكتاب"توماس جولدشتاين" ومقدم الكتاب "إيزاك أسيموف".
وقبل أن نخوض في الخطأ الأكبر الذي وقع فيه مؤلف الكتاب والفلسفة التي قدمت بين يدي الكتاب، من "إيزاك أسيموف" نود أن نثمن عمل المؤلف في تعريفه بمنجزات الحضارة الإسلامية، خصوصا وقد قدم للفصل المخصص للإسلام بمقدمة رائقة تليق بمقام تلك الحضارة العريقة، فقد وضع المؤلف في مدخل الفصل (الرابع)المخصص لإنجازات الحضارة الإسلامية عنوان موحي وهو (هبة الإسلام) ،وبين يدي الفصل نحت قوله تعالى من سورة النحل(11،10)"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" للإشارة على الدعوة القرآنية للبحث والتأمل.
اهتمام بحديقة أم مسؤولية خلافة وتسخير مسؤول...وراءها عقيدة شاملة ورؤية متكاملة للكون
على الرغم من الحقائق الإيجابية التي أظهرها المؤلف (جولدشتاين) من تلمذة اوروبا على ايدي المسلمين في العصر الوسيط وترجمتها انتاج المسلمين العلمي وانتفاعها به بصورة إحيائية،وسرده لكثير من صور ذلك الإنتاج وتنوعه، وهو الشيء الذي تم حجبه عن الناس لزمن طويل حتى انه لم يكن التفكير فيه لزمن طويل ممكنا ، خصوصا في ظل زحمة ووجود الأساطير البديلة، التي أُطلقت على النبي والقرآن، والأحقاد التي تتنفس فيها ،والتي نشرتها اوروبا خوفا من الإسلام وإعاقة تقدمه الظافر، علميا وانسانيا، ومع ان مؤلف الكتاب لم يخفي قناعته عن تأثير القرآن على المسلمين في بناء حضارتهم الا ان تلك القناعة قيلت في لمحة خاطفة من الكتاب لاتتعدى سطورا معدودة، فقال منصفا ل(القرآن) بأنه كان من العناصر الثلاثة التي رفعت العرب من :" مستوى البداوة الى مستوى الورثة اللامعين للثقافات القديمة... وقد قدرت لهم دورهم الثقافي اللامع ثلاثة عناصر رئيسية... العنصر الثاني هو القرآن ، فقد استلهم التاريخ والثقافة الاسلاميين (بما في ذلك العلم الاسلامي بصورة حاسمة) تعاليم هذا الكتاب المقدس..."( المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص113-114)(لاحظ انه يتكلم هنا عن ورثة للثقافات، وكأن لم تصنعهم فوقية ربانية بعلوم امتليء بها القرآن جعلت لهم الهيمنة على الثقافات وتصحيح اخطاءها) كما ان لذلك الإعتراف مفهوم خاص عند المؤلف ، فما يلفت النظر بالنسبة لمضمون فلسفة الكتاب او الفكرة الكامنة من وراء تأليفه، وخصوصا في نظرته إلى ماهية الإسلام هو زعم جولدشتاين أن الإسلام لم يشارك بفلسفة كلية في العلم (رؤية شاملة تقود الإنتاج العلمي) انما قدم المسلمون تفاصيل مدهشة وانتاج عظيم وتنويعات دراسية للطبيعة، وهو يُرجع ذلك إلى ان العرب نظروا للأرض كأنها"حديقة"، قال:" كان العلم الإسلامي يستمد إلهامه من الملاحظة الممتعة لتنوع الطبيعة واستخدامات سخائها في تجميل الحياة، ولم يهتم كثيرا بتأسيس سيطرة العقل على الطبيعة من خلال أنساق فلسفية محكمة، أو بإثبات سلطة الإنسان من خلال التحويل التكنولوجي الذي لايلين للبيئة الطبيعية"(المقدمات التاريخية،ص 116،115) ثم قال إن ثقافة الإسلام الدينية نظرت للأرض باعتبارها حديقة ، وليس بإعتبارها ساحة تجريب لسلطة الجنس البشري". أما الغرب فمن الإغريق حتى الغرب الأوروبي الحديث فقد قدم ،في قديمه وحديثه، فلسفة علمية متطورة وإن تخللتها فترات ضعف او همجية تخلفت فيها اوروبا عن العلم..ثم عاودته.
وهذا اجحاف ليس لحضارة الإسلام فقط ، ينزع التصور الكلي العلمي عن رسالته ، وهو التصور الذي قادها لكافة التحولات المعرفية في كافة مجالات البحث العلمي والإنتاج الحضاري والقيمي مما قدمته للعالم في كافة مجالات العلوم، وإنما ايضا اجحاف للقرآن الذي اعترف المؤلف انه كان من العوامل الثلاثة التي اطلقت الأمة للإنتاج الحضاري والمادي.. فبكلية مفاهيمه وعقائده وشرائعه "المرتكزات الاساسية للحضارة الاسلامية"، التي شكلت ،عند المسلمين عموما،(رؤية للعالم والظواهر والاشياء ) بدأت تتنزل، من بداية الوحي حتى اكتماله ، تلك الرؤية او العقيدة الشاملة للحياة والكون والإنسان،والرؤية العلمية ، العقلية، التحليلية، من وراء الظواهر هي الفلسفة التي يمنحها المؤلف للغرب ويعزلها عن الشرق الإسلامي وحضارة الإسلام، الحضارة التي مالبث وحيها منذ النداء الأول يوجه الأنظار والأبصار إلى رؤية جديدة للعالم ،هكذا كانت:" نداءات القرآن المنبثقة من فعل القراءة والتفكير، والتعقل والتفكر والتدبر..إلى آخره..منبثة في نسيج كتاب الله..لم تخفت نبرتها أبدا...وعبر المدى الزمني لتنزل القرآن ، ينهمر السيل ويتعالى النداء المرة تلو المرة:إقرأ، تفكر،اعقل، تدبر، تفقه، انظر، تبصر..إلى آخره..ويجد العقل المسلم نفسه ملزما، بمنطق الإيمان نفسه، بأن يتحول، لكي يتلائم مع التوجه(المعرفي) الذي أراده هذا الدين...إن نسيج القرآن نفسه، ومعطياته المعجزة، من بدئها حتى منتهاها، في مجال العقيدة، والتشريع والسلوك، والحقائق "العلمية" ثمثل نسقا من المعطيات المعرفية كانت كفيلة، بمجرد التعامل المخلص الذكي المتبصر معها،أن تهز عقل الإنسان وأن تفجر ينابيعه وطاقاته وأن تخلق في تركيبه خاصية التشوق المعرفي لكل مايحيط به من مظاهر ووقائع وأشياء"(مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل، الطبعة الأولى2005م، المركز الثقافي العربي،ص23،22) اما النقلة المنهجية التي تمثل دورا خطيرا في حركة الإنسان الفكرية فقد أتيح للعقل المسلم أن يتحقق بها-كما قال الدكتور عماد الدين خليل" أن يتشكل وفق مقولاتها ومعطياتها..امتادت باتجاهات ثلاثة: السببية، القانون التاريخي، منهج البحث الحسي(التجريبي)...ولقد تمكن القرآن الكريم بطرقه المستمر على العقلية التبسيطية أن يعيد تشكيلها من جديد بالصيغة التي ارادها لها:عقلية تركيبية،تملك القدرة على الرؤية الاستشرافية التي تطل من فوق على حشود الظواهر بحثا عن العلائق والارتباطات ، ووصولا إلى الحقيقة المرجوة...لقد انتهى عهد التفكك ، والعزلة، والتبسيط...أن القرآن يطرح على العقل البشري-إذا- ولأول مرة، مسألة "السنن" و"النواميس" التي تسير حركة التاريخ وفق منعطفها الذي لايخطيء...أكد القرآن على الإسلوب الذي يعتمد"البرهان" و"الحجة" و"الجدال" للوصول إلى النتائج الصحيحة، القائمة على الإستقراء والمقارنة، والموازنة والتمحيص استنادا إلى المعطيات الحسية المتفق عليها، والقدرات العقلية التي تعرف كيف تتعامل مع هذه المعطيات...إننا بإزاء آيات عديدة تضع الجماعة البشرية المؤمنة في قلب العالم والطبيعة، وتدفعها إلى أن تبذل جهدها من أجل التنقيب عن السنن والنواميس في أعماق التربة، وفي صميم العلاقات المادية بين الجزئيات والذرات..إننا بإزاء حركة حضارية شاملة تربط بين مسألة الإيمان ومسألة الإبداع والكشف، بين التلقي عن الله والتوغل قدما في مسالك الطبيعة ومنحنياتها وغوامضها... بين تحقيق مستوى روحي عال للإنسان على الأرض وبين تسخير طاقات العالم لتحقيق الدرجة نفسها من التقدم على المستوى المادي..ولم يفصل الإسلام-يوما- بين هذا وذاك" مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل ، ص 35-24) وعلى ذلك انطلقت الحضارة تشيد بناءها العلمي والقيمي والأخلاقي الخاص، وإن شارك في البناء كل من عاش في ظل هذه الحضارة العريقة، من يهود ونصارى ومجوس ومتفلسفة وغير ذلك فقد كانت علومهم تنطلق لا من عقائدهم الخاصة ولكن من القيم العامة لتلك الحضارة السابغة التي وضعت الأمة كلها في "قلب العالم" –كما قال الدكتور عماد-دراسة لقوانينه وسننه، وفحصا عمليا للإكتشافات والمناهج المستخلصة.
تدور الرؤية المعرفية للبحث في مجال الطبيعة حول الذات والموضوع كما تعبر الفلسفة الجديثة فالذات مُنحت الخلافة في الأرض، والموضوع هو الأرض وآفاقها، والسموات ،قوانينها وسننها، دُعي الإنسان في حضارتنا المسلمة إلى أن يقوم بدور حضاري فعال بما يتلائم مع مهمته الأساسية لخلافة الإنسان في العالم وتسخير الطبيعة كما أمر الله عز وجل.:"إن العالم والطبيعة،وفق المنظور الإسلامي ، قد سخرا للإنسان تسخيرا، وإن الله سبحانه قد حدد أبعادهما وقوانينهما ونظمهما واحجامهما بما يتلائم والمهمة الأساسية لخلافة الإنسان في العالم وقدرته على التعامل معه تعاملا إيجابين فاعلا.وهناك آيات ومقاطع قرآنية عديدة تحدثنا عن هذا التسخير، وتمنحنا التصور الإيجابي لدور الإنسان الحضاري، ينأى عن التصورات السلبية للعديد من الفلسفات والمذاهب الوضعية التي جردت الإنسان من كثير من قدراته الفاعلة وحريته في حواره مع كتلة العالم"( مدخل إلى الحضارة الإسلامية للدكتور عماد الدين خليل،ص39) فموقف الإسلام الكلي الشمولي للعلاقة بين الإنسان والعالم، بعد أن بين له مسؤوليته العظمى فيه، هو موقف التوازن، موقف رسم خطا واضحا:"خطا يقوم على الوئام والإنسجام ، والتكامل والوفاق، والتجانس والإلتحام بين الإنسان والطبيعة، بين الجماعة المؤمنة والعالم"
هذه بإجمال الرؤية الشاملة التي تحرك من خلال تصوراتها الإنسان المسلم ولذلك أنتج حضارة علمية شاملة لمناحي الحياة لم تسبقها حضارة على منوالها ولا خرجت إلى التاريخ خضارة تماثلها في خصائصها ومقوماتها، توازنها وقيمها.والعلم في تعريفنا ليس نتاج التجربة فقط، وإنما نتاج مقوماته التي تسببت فيه، ولايليق بالعلم أو المنهج المعرفي أن يتنازل عن أخلاق قيمية صحيحة، تكون من صميم تلك الرؤية الشاملة، ذلك أن التنازل عن هذه القيم لصالح مايطلق عليه اليوم في الغرب(العلم) الصرف، يؤدي إلى مااشتكى المؤلف منه من التدمير الذي لحق حياة الإنسان الغربي، ولذلك فمازال قولنا المعبر عن رؤية حضارتنا الشاملة للإنسان والعمران، يعني للإنسان الشيء الكثير، لأنه يعبر عن حضارة حافظت على الإنسان وهي تقوم بإقامة توازن عاقل لحياته وذاته.
أما قول المؤلف التالي فيدخل في المركزية الغربية وهيمنتها المعاصرة على العلم والفلسفة والإنتاج التنظيري في مجالات المجتمع والإنسان وغير ذلك، يقول المؤلف:"في المنظور التاريخي، يبرز عصرنا بصورة باهرة بوصفه أول حضارة في التاريخ تتمركز حول العلم. وعلى الرغم أن العلم لعب دورا بارزا في كل الثقافات السابقة تقريبا، بما في ذلك ثقافى ماقبل التاريخ،فإن ثقافتنا –"الغربية الحديثة"، بالتأكيد، لكن بميلها الدينامي إلى التوسع العالمي-هي أول ثقافة احتل فيها العلم المكان المركزي بصفته المنبع والمعيار النهائي للقيم الثقافية،بدلا من الدين، والتفاني في الصالح العام ا, العاهل، أو، أكثر من الورع الديني، الاستغراق في التأمل الأخروي، ويبدو أن تفردنا يجعل من حضارتنا تجربة تاريخية إلى حد كبير، نتائجها غير مؤكدة بشكل حاسم"(المقدمات التاريخية،ص 249)
ويبدو، على الرغم من ذلك، أن المؤلف مع تبني النظرة الغربية المركزية والشعور بتفوقها، يتألم من آثار هذا العلم وسياساته في قلب عالمه، فتجده يقول عن العلم في مقدمة الكتاب:" بالنسبة إلى روحي، الرومانسية من الناحية الجوهرية، بدا العلم وكأنه المدمر لجمال المناظر والحياة الرشيقة المنتمية إلى ماض أقل توجها نحو المنفعة ولتعبيراتها المعمارية والتزينية. ولنفس السبب كان توجهي متضارب المشاعر على نحو مميز...وإذا كانت خبرتنا خلال القرن العشرين قد فتحت أعيننا على تأثيرات العلم المدمرة والمنافية للشخصية، فمازلنا نقر-ونرحب في أي ظرف طارئ- بمنافع التكنولوجيا الطبية الحديثة ، أو بقدرة العلم الهائلة على إحداث التحرر الإجتماعي ، سواء بتحرير النساء من مشقة الأعمال المنزلية التي تبدد الجهد والوقت، أو بإتاحة سبل أفضل أمام الدول النامية للوصول إلى الرفاهية الاقتصادية والصحة العامة...هذا هو التضارب الداخلي للمشاعر"!(المقدمات الأولية للعلم الحديث، ص12،11)
نحن لانبخس أمثال تلك الكتب الحديثة التي تشيد بحضارتنا بل نثمنها ونشكر المجهود الذي بذل فيها، غير أننا لانغفل عن النطاق الذي تتحدد فيه(المقاربة التاريخية،انظر ص13) والرؤية المادية خصوصا-التي تلف صياغتها وتلوناتها.
فمقدمة الكتاب –التي كتبها "إيزاك أسيموف" تزرع فينا النظرة المادية للعالم مع رؤية شاعرية عند المؤلف نفسه،كما بدا على الأقل، في الجملة الشاعرية المتقدمة من كلامه عن جمال المناظر وتدمير الحضارة، منطلقا من النزعة المركزية للفكر الأوروبي، وهي نزعة تجعل العقل الفلسفي والرؤية الفلسفية(بمعنى النظرة الكلية للعالم) موجودة في هذا الفكر وحده من الإغريق واليونان حتى العصر الحديث، بصرف النظر عن طبيعة تلك الفلسفة!
هي على كل، "نظرة مركزية"، تجعل عند العرب، التفاصيل المتناثرة،المتنوعة الزهور كحديقة، كسحر الشرق الذي فُتن به الغرب قديما!، وتجعل عند الغرب(العقل) المتطور، و(الفلسفة الكلية)، الغرب يملك (العقل الكوني) او( الفلسفة الكلية المنتجة للعلم) اما الشرق الإسلامي فنصيبه (المشاركة العلمية والعملية، من (نقل وانتاح)بفضل الإطلاع على علوم الآخرين!، لكن من غير أن يتفرد بفلسفة حاكمة للتفاصيل...ووراء الفلسفة العقل!
وهذا يصب،في المحصلة النهائية، في دائرة "المركزية الغربية"، وهو -اي المؤلف-وإن إعترف بفضل النقل والإنتاج ، وهي عملية باهظة التكاليف والإنتاج ،الا أنه لم يتعدى ذلك إلى الإعتراف بوجود تصور كلي شامل من وراء عملية الدفع الحضاري والإنتاج الغزير مع ان المرء اذا تجرد من الهوى قد يمكنه رؤية الفلسفة الشاملة الكلية من وراء ذلك العمل التاريخي الحضاري الضخم.
وهذه النظرة المركزية(الحديثة) التي تنطلق من تفوق الغرب قديما وحديثا، وعقلانيته، تشبه، من ناحية، نظرة نظرة الغرب في القرن التاسع عشر للعرب وعقلهم، كموقف رينان وغيره، ومن ناحية أخرى ، هي "سلب" أو "حجب"، للمصدر الرئيس-ونزع تصور كلي شمولي عنه وتصوره او رسمه على غير الصورة التي هو عليه- وهو الذي صنع (العقل والنظرة الشاملة فيه" وهو "المؤسس"، والدافع "الأصلي" والخالق(الفعلي) لماهية العلم الإسلامي ومناهجه التجريبية(والمختبرية) التي انتجها ، وهذا المصدر هو (القرآن العظيم)
طريقة جديدة للسرد التاريخي يصب في النهر الغربي
لم تُفلح كل الأساطير التي اطلقها الغرب قديما، تجاه الإسلام لخطفه عن الأفئدة والأنظار، فحتى في أوج الإنتاج الحضاري الإسلامي كان الغرب يطلق أساطيره عن الإسلام والمسلمين والرسول محمد، واليوم وجد الغرب أن مرحلة تجهيل الناس بهذه الصورة المرَضية عفى عليها الزمان، فنتيجة التطورات المعرفية والتقنية العظمى في العالم وجد الغرب ان الاشاعات القديمة لاتنفع في عصر توفرت فيه المعلومات ووسائل البحث الألكترونية، فكان الإعتراف من بعض المؤرخين والعلماء بفضل الإسلام على الحضارة الغربية ولكنه اعتراف خافت، لاتصل اضواؤه إلى العالم كله، خصوصا أن وسائل الإعلام لايروقها مثل هذه التراجعات والإعلانات وهي التي مازالت تعرض على الناس صور منحرفة عن الإسلام والمسلمين.
امر آخر أكثر أهمية، وهو أن الحضارة الحديثة قطعت مع الدين وطردته في القرن التاسع عشر من المجتمع واليوم تمن عليه بتواجد يتيم في اماكن العبادة وبعض المدارس، وهذا يعني ان مجال اتاحة الفرصة للدين ان يعلن دوره التاريخي ومصدره الحقيقي، واتكلم هنا عن الإسلام خصوصا، هو منال بعيد،في ظل هذه الأجواء المسيطرة، حتى على الإنتاج العلمي الجاد، ذلك أن السيادة العليا في العالم المهيمن هو للفكر المادي ومايدور في دائرته من افكار روحية لاتخرج عن نطاق الخيال الرطب كما يقولون!
ولذلك فإن أمثال هذه الكتابات العلمية والتاريخية لاتذكر الحقيقة كاملة، بل تنفي أهم رؤية وراء تلك الأعمال العظيمة. كما انها تضع التطور التاريخي في شرنقة التصور المادي للتاريخ، وغالبا مايقع ذلك كله في مصيدة النظريات العلمية الخاطئة مثل نظرية دارون التي وضع مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" سياق التطور المعرفي في سلتها الحيوانية المتطورة، ومن هنا مكمن الخطر في كتاب يطرح عليك حقائق تاريخية عن الإنتاج العلمي في الإسلام، لكن يدمجه في سياق التطور الدارويني او غيره من شباك الأوهام العلمية المادية الغربية المعاصرة. مثل تلك المؤلفات الحديثة، تختلط فيها، تصورات النظرة الفلسفية الغربية الجديدة عن التاريخ والحياة والإنسان، بالموضوع المدروس، وفي حالتنا، الحضارة الإسلامية وإنتاجها العلمي، وإن كان ذلك، يتم-عند المؤلف- داخل سياق تطور العلم، عند الإنسان منذ قديم الزمان إلى اليوم،فالكل قدم علم ومعلومات، وخصوصا عند الإغريق حتى العصر الغربي الحديث!
ومن نتائج مقاربة المؤلف المنهجية نرى تدخل بعض النظريات التاريخية المعاصرة في الأحكام التي يتبناها الكتاب، تلونه بلونها، وتدفع مسار الكتاب إلى أحكامها دفعا، وتتدخل كذلك الرؤية المركزية الغربية في صميم حركة الفكر عند المؤلف، كما تتدخل بعض النظريات العلمية التي انتهت إلى نتيجة قاصرة عن طبيعة الإنسان ،فتُرجع الأمر كله إلى فعل ارضي متطور دوما بدءا من حالة بدائية كمونية للعقل ، إلى حالة حديثة يحظى بها"العقل الغربي" و مقدم الكتاب(الغربي) تبنى النظرة الداروينية في تلوين التاريخ العلمي للبشر!، وهذا كله مضاد للحقيقة التاريخية والبيولوجية والعقلية للإنسان، فالإنسان كما وصفه الله لم يكن بدائي العقل والبنيان، ولم يتطور من شبه قرد(كما زعم مقدم الكتاب(إيزاك الغربي) إلى انسان دارويني!، وإنما هو انسان فريد ،خلقه الله لا من تطور دارويني، ولا من تسلسل حيواني ، ميزه الله بخصائص روحية وإنسانية وعقلية، ليؤدي دوره العمراني على الأرض ، كخليفة جعله الله هكذا لتطوير حركة الحياة على الأرض بقيم التوازن الإيماني والعقلي التمييزي والتجريبي المنضبط بأصول ربانية ، منها شرائع سنها الله للعقل البشري، كان على الوحي أن يعلنها تباعا، لرسل من البشر، ليقوموا بمهمة عظيمة في التوجيه والتشريع، فالكائن الإنساني عاقل منذ البداية، قائما على رجلين منذ اللحظة الأولى من خلقه المستقل،مختارا، فريدا في خلقته، مكرما منذ البداية ومفضلا على كثير مما خلق الله تفضيلا، ومعطى أمانة الإستخلاف على الأرض "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" لكن الكتاب يقذفنا من البداية في اتون الحضارة المادية ونظرتها الى التاريخ والعقل والحياة.
يقول مقدم الكتاب(إيزاك أسيموف) :" وراء حتى أقدم الحضارات كان ثمة كائنات بشرية ابتكرت الأدوات الحجرية منذ فترة مليوني عام مضت، ووراءها كانت ثمة مخلوقات أشد بدائية ربما ذكرتنا بالقردة ، بإستثناء أنها كانت تقف منتصبة"(المقدمات التاريخية ص10)
فمقدم الكتاب يدفعنا دفعا لقبول تصوراته عن(تلك الكائنات البدائية) التي طورت-بزعمه- الحركة على القدمين، وحررت أيديها للقيام بمهام أفضل... وكانت بكماء صماء إلا من اشارات غامضة.
يقول عن الكتاب:" لايعود كتاب جولدشتاين إلى الوراء إلى هذا الحد، لكنه يحررنا من تبسيط الإعتقاد بأن في مقدورنا أن نرجع بداية إلى رجل أو اثنين، وإلى حدث أو اثنين من عصور حديثة نسبيا بينما تمتد وراء تلك "البداية" قرون لاحصر لها من الإنجاز الفكري ، والبيولوجي، والمادي"(نهاية المقدمة)
وهكذا في المقدمة فقط يمكن ملاحظة محاولة مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" لدفعنا لقبول خليط من النظريات والإيحاءات أولها تبدأ بإرجاع أصل الإنتاج العربي الإسلامي إلى مصادر إغريقية ثم إرجاع أصل العقل الإنساني إلى حالة بدائية لكائنات انتصبت فيما بعد، بعد ان كانت أشبه بالقرود ..وهكذا بدأ العلم يتطور مع تطور الإنسان البدائي.
فهذه هي بدايته التحليلية للتاريخ،قال:"إنها لمهمة صعبة أن نتتبع بداية أي شيء مهم، إذ لايمكن عمل ذلك من دون إثارة سؤال : ماذا نعني بكلمة بداية؟"
وقد تم إغفال البداية الحقيقة، بشأن الإنسان، وبشأن عملية الخلق، وبشأن بداية الوحي القرآني والمهمة الكبرى التي جاء بها، وبشأن الرؤية الكلية المتنزل بها وحي كامل في عقيدة وطريق ومنهج، وهي التي حكمت حركة حضارتنا الإسلامية بصورة عامة، والتي استفاد الغرب منها التقنية والمناهح العلمية والبحثية، العقلية والتجريبية،، الرفاهية والصحة العامة، التطور لحياة أحسن مع دفع عملية التحرير من عوائق ارهقت حركة الإنسان فكانت المختبرات والصيدليات، الآلات والأدوات والمحركات.
هكذا قدم "إيزاك أسيموف" لكتاب (المقدمات التاريخية للعلم الحديث من الإغريق القدماء حتى عصر النهضة)
المحصلة
من خلال نقدنا هذا لنظرة العلم المادي الغربي ، ولتبني الكتاب ومقدم الكتاب لها، ننتصر للقرآن وللإنسان، ونرد الحقوق إلى أصحابها، ونصحح الأخطاء المعرفية المغطاة بغطاء علمي ،كما انه لايمنعنا نقد الفكرة من وراء الكتاب والكاتب، أن نشيد بموقفه الجديد من الحضارة الإسلامية، وماقاله في السياق، عن القرآن العظيم.

ذلك أن موقفنا العلمي والموضوعي يؤكد ان حقائق الإسلام:" استهدفت تغيير الموقف البشري من العالم والكون والحياة والأشياء، أي تشكيل نسق فكري يكتسب خصوصياته من العقيدة التي شكلته، وهو في صميمه فعل حضاري أكثر أهمية من الحلقات " التنفيذية" التالية في مجالات الحياة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية"(من بحث بعنوان" في الفقه الحضاري، حول منهج جديد لدراسة حضارة الإسلام، للدكتور عماد الدين خليل،ص153، وهو موجود في مكتبة الوقفية، على شبكة الإنترنت)
إن هدف بحثي هذا هو كشف المخفي وإعلان المكتوم ورفع المستور ، وإخراج الخبيء من رحم الأبحاث شبه المنصفة، فبحث المقدمات التاريخية بحث عميق فيه الكثير من الحقائق بيد أن حقيقة الحقائق التي أخرجت العرب وأصول علومهم إلى الوجود العالمي والعلمي ، لم تظهر في هذه الكتابات العلمية بصورة واضحة، وهناك أسباب ايديولوجية وفلسفية، وأخرى تاريخية وإجتماعية واستشراقية، وأخرى(مركزية-عرقية) جعلت الكتاب الغربيون-حتى الأكثر إنصافا منهم، يعرضون عن إظهار الحقيقة كاملة، أما فيما أظهروه من تفاصيل عن علوم العرب وتفوقهم فنقدم لهم الشكر على ابرازه فلسنا ممن لايشكر الناس، على أن إظهار الحقيقة كاملة لايضر البحث العلمي بتاتا بل يجعله متينا وانسانيا اكثر، بل ويجعل بسبب اشاعته حياة البشر اكثر تسامحا وترابطا، وارجاع الحق لأصحابه لن يضر أي إنسان، بل يصير الحق وإظهاره طريقا إلى فهم المعتقدات وأصولها، ويفتح باب التعارف والتقارب، وهذه وحدها تنفي العصبيات وتعزل العنصرية والتحيزات، فيصل الحق ونوره، وتعرف الأمم حقيقته ويومن به منها من يشاء الهداية ويقدر الله له الخير.
لكن في الكتاب معلومات مهمة نود عرضها هنا
تم وضع بقية المقال هنا أسفل في ست مجموعات مرقمة
 
أخي الأستاذ طارق, يا لها من متعة عقلية أن يقرأ الإنسان مثل هذا المقال الذي يمكن اعتباره جولة في نفسية المفكر الغربي الذي لم تفلح الحداثة وثورة المعلومات في إزالة الغشاوة عن عينيه حين ينظر إلى الإسلام منهجا وحضارة وتاريخا. والإسلام عموما لا ينظر إلى العالم والطبيعة نظرة الغربي إليها, فالمسلم يعتقد أن الكون مسخر له لتحقيق رسالته العظمى على الأرض, والغربي يرى نفسه ابن الطبيعة الذي تفوق عليها ولا يفتأ يسعى ليقهرها وليذللها, فهل كان المؤلف يرمي أيضا إلى هذا المعنى حين ذكر عدم اهتمام العقل المسلم بتأسيس سيطرته على الطبيعة؟
أما الفقرة المقتبسة أدناه فقد أعجبتني إذ تضمنت ردا قرآنيا مختصرا على التصور الدارويني للإنسان:

...و مقدم الكتاب(الغربي) تبنى النظرة الداروينية في تلوين التاريخ العلمي للبشر!، وهذا كله مضاد للحقيقة التاريخية والبيولوجية والعقلية للإنسان، فالإنسان كما وصفه الله لم يكن بدائي العقل والبنيان، ولم يتطور من شبه قرد(كما زعم مقدم الكتاب(الغربي) إلى انسان دوارويني!، وإنما هو انسان فريد ،خلقه الله لا من تطور دارويني، ولا من تسلسل حيواني ، ميزه الله بخصائص روحية وإنسانية وعقلية، ليؤدي دوره العمراني على الأرض ، كخليفة جعله الله هكذا لتطوير حركة الحياة على الأرض بقيم التوازن الإيماني والعقلي التمييزي والتجريبي المنضبط بأصول ربانية ، منها شرائع سنها الله للعقل البشري، كان على الوحي أن يعلنها تباعا، لرسل من البشر، ليقوموا بمهمة عظيمة في التوجيه والتشريع، فالكائن الإنساني عاقل منذ البداية، قائما على رجلين منذ اللحظة الأولى من خلقه المستقل،مختارا، فريدا في خلقته، مكرما منذ البداية ومفضلا على كثير مما خلق الله تفضيلا، ومعطى أمانة الإستخلاف على الأرض "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"
 
والغربي يرى نفسه ابن الطبيعة الذي تفوق عليها ولا يفتأ يسعى ليقهرها وليذللها, فهل كان المؤلف يرمي أيضا إلى هذا المعنى حين ذكر عدم اهتمام العقل المسلم بتأسيس سيطرته على الطبيعة؟
انت يااستاذ هشام لخصت (التأليف الغربي الحديث) لا موقف جولدشتاين ومقدمه فقط،في كلمات معدودة، هذه العبارة -من كلامك-هي خلاصة المسألة الكونية ، التي يخوض غمارها العلمانيون،بصرف النظر عن قهر الطبيعة
والمؤلف اراد ان ينبه إلى أن السيطرة على الطبيعة بفلسفة شاملة عقلية وتجريبية هي خاصية غربية كما سيأتي من كلام في عرضنا لموقف المؤلف من الحضارة الإسلامية.
وتعجب إذ يطلق العلمانيون العرب تبعا للمذاهب الحديثة، علينا أننا منغلقون، في حين ان اولئك الغربيون انغلقوا على الفكرة المادية-مهما تلبست بالمذاهب المتعارضة او المتضاربة، وإن دار في فلكها الخيال الرطب، والروح البشري، والإنساني، والروح، والعقل، فكله مرده عندهم إلى المادة ولاشيء غيرها، ومن هنا، وانت وضعت يدك، من خبرتك الطويلة مع التعامل مع الملاحدة ومن وراء أفكارهم، فكل الأبحاث الغربية في علوم الإنسان والمجتمع والتاريخ والاركيولوجيا المعرفية والإناسة وكلها اسماء لموضوعات حدبثة مهما بلغت، كما قال أخي حاتم، في موضوعكم الأول في الملتقى، مهما بلغت من الناحية البحثية والتنظيرية(وأُخالها إطار يمكن لأي عاقل استعماله إذا أجاده) بلوغ الإتقان فإن المادة العلمية أو(الموضوع) تغوص مع المؤلف الغربي(المؤمن بسيادة فلسفة مادية)في عملية تلفيقية تتخللها الفجوات الواسعة والسقطات الفارغة والروابط المصنوعة من زبد بحر علماني يغرق فيه اولئك السابحون والملفقون ويصيرون ضلالا بالمهنة والعقل، والفكرة والخيال، والوسيلة والغاية.
ولاشك ان اقرب الناس الى العدل (في قضايا البشر)من ينصف وقائعك الزاهرة في التاريخ وينسب لك رؤيتك كما هي،أكفر بها ، أم آمن(ومثل هذا زيغريد هونكه، ونظمي لوقا)
ومؤلفنا قال كلاما عن العلم العظيم في حضارة الإسلام، لكنه نفي عنها فلسفة حاكمة ومنشئة، محركة وجامعة، ضامة وموجهة.
 
سنحاول بإذن الله أن نضيف غدا الجزء المتبقى من التعليق على الكتاب حتى تكتمل الرؤية خصوصا أن المعلومات المهمة والشيقة هي في الجزء المتبقى من التعليق خصوصا كلام المؤلف كلامه عن حركة العلم في الغرب في مجموعات علمية داخل كاتدرائيات وغيرها مما أشعر الكنيسة بأن العلم الإسلامي يتسرب داخل حتى اماكن سيطرتها.. ومن هنا بدأت الحرب العلنية ، غالبا، على العلم المنقول ، وصلته بعالم الأندلس وغيره من عوالم الإسلام الفوارة يومذاك.
 
-2-
انفتاح لا إعاقة..قرآن يفتحك على الطبيعة والكون والسنن والآيات
لقد خصعت التكنولوجيا التي انتجتها الحضارة الإسلامية ،لتوجيه شريعة علمية كلية، مصدرها القرآن،ولقد حرضت هذه الشريعة الفريدة الإنسان على اكتشاف الطبيعة ودراسة الكون،وخلافا لديانات وفلسفات الشرق والغرب كان القرآن نفسه هو الذي فتح طاقة الإنسان المعرفية على ابعاد الكون المخلوق كله، فلم يقم بأية اعاقة لظهور فلسفة طبيعية مكتملة عن الكون والطبيعة كما فعلت تلك التفسيرات الدينية التي رفضها القرآن،والتي تكلم عنها جولدشتاين في كتابه(المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص64) بل هو الذي وضع الخطوط العريضة لنظرة علمية متكاملة-يتدين بها المسلم تعبدا وشكرا-انطلق بها المسلم مقتفيا علاماتها ومشاعلها الدالة وآياتها وانوارها المضيئة، في دراسة جدية للكون والحياة والإنسان، والإجتماع والتاريخ، فصارت اعتقادا وتدبرا ، تلك الرؤية الكلية التي ارسى الوحي مقوماتها،ورتب علاقة بعضها ببعض، وأشار الى قوانينها وارتباطاتها وتأثيراتها وحدودها وصلاتها، وقد بنى المسلمون عليها منهاجهم العلمي وتجريبيتهم الحسية الفريدة...ومن ذلك كله استفادت اوروبا وتعلمت طريق ومنهاج التكنولوجيا وادواته العلمية والتجريبية..فإنتفع المجتمع الأوروبي ومايزال!، يقول المؤلف(جولدشتاين)،:" وبشكل يفوق ويتجاوز كل تحديد نوعي، كان ماتعلمته العصور الوسطى من الإسلام هو هذا الابتهاج بتنوع تفاصيل الطبيعة واستخداماتها من أجل المجتمع"(المقدمات التاريخية ص 116)
العلم ظاهرة انسانية وتاريخية..ولكن...
لم ينكر الإسلام ولا اهل العلم في ديننا وحضارتنا، الظاهرة الإنسانية والتاريخية وما انتجته الإنسانية من قبل، في عصورها السابقة على الإسلام، فهذه الظاهرة الإنسانية بدأت بخلق الإنسان واستخلافه على الأرض، فطاقة المعرفة هي من صميم الفطرة الإنسانية، وهي من التفضيل والتكريم الذي كرم الله به الإنسان،الا أن الإنسان الوثني، الذي خرح من رحم المخالفة والهوى، خلط بحوثه العلمية بخرافاته وأساطيره عن الكون، كما أن انتاجه في العلم غالبا مايزول او يختفي كلما أوغل في الوثنية والسحر، والكهانة وديانات الأسرار، وعالم الأساطير والحكايات الخرافية.
ولذلك قام المسلمون بفحص التراث العلمي الإنساني العريض وتقييمه، وتهذيبه،وتحقيقه والحكم العلمي عليه، وتطهيره من الخرافات والمعارف الخاطئة، وأضافوا اليه من الإنتاج العلمي والقواعد الكلية والنظرة التجريبية المتكاملة العامة –المُشاعة-التي لم تصل اليها اية حضارة من قبل، ومعلوم أن القرآن عرض من تاريخ تلك الحضارات ماهو عبرة ودلالة على وجوب السنن الربانية في القوم المفسدين، بالإضافة إلى اشاراته المتكرره إلى ماكانت عليه تلك الحضارات من بنيان وقوة.
ومن هنا لسنا نخالف ماقاله المؤلف من انه لامانع من ان ننسب انجازات علمية محترمة إلى مااطلق عليه "ثقافات ماقبل التاريخ" الا اننا لانقسم التاريخ البشري هذا التقسيم العلماني المادي المرتبط بنظرته القاصرة إلى البشرية الأولى ودرونتها على الصورة الإسطورية التي اخترعها مخيال دارون(انظر المقدمات ،ص63)،نعم نوافق المؤلف على قوله:" يعلمنا التاريخ بشكل قاطع أن الذكاء الإبداعي كان موجودا دوما كطاقة بشرية، حتى في الحضارات التي يحلو لنا أن نعتقد أنها بدائية، وحجم المعرفة هو الذي تغير واتسع"(المقدمات التاريخية، ص63) وسؤالنا للماديين: أيمكن ان تكون تلك الإنجازات العلمية –ولو كانت بسيطة-خارجة للتو من انسان انتصبت قامته أخيرا عند لحظة تحوله المزعوم من القردية إلى الإنسانية،وان هذا الإنسان المتخيل-علمانيا!- ومع تلك البداية المزعومة كان لايحسن الكلام و لا يتكلم الا برموز واشارات كما اشار كاتب المقدمة هو إيزاك أسيموف"؟ اليس ذلك يخالف حقيقة فرادة الإنسان وخلقه بصورة فريدة ومَكرَمَة ب"مُعطَى" الخلافة ؟
الظواهر العلمية في الثقافات
لايخفى على عالم التاريخ، الدارس للظواهر الإنسانية والإجتماعية والعلمية ،أن هناك فرق عظيم بين الإنتاج الذي انتجته تلك الحضارات الوثنية ،التي سرعان ماذهب علمها مع اسرار الكهانة وعالم السر والسحر،مع عزل الشعوب عن تلك الأعمال والأسرار، وإخضاعها بصورة مهينة لقوة غاشمة تحتقر الناس وتعتبرهم عبيدا وخدما لها،فرق بين هذا وماكان حتى يسمى بديمقراطية اثينا وبين الإسلام الذي انفتح على العالم برحمته الواسعة ورسوله الذي كما أخبر أنه أُرسل صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين،" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " فالإسلام قدم مايمكن أن يسمى بفلسفة كلية وقانون شامل للتعامل مع الكون والإسباب والإنسان،انها شريعة النظر في الكون وتسخيره، والتعارف بين الناس ومعاملتهم بالعدل،وهذا مالم نجده في فلسفة قديمة متكاملة ومحكمة البناء والنظرة،وفيما يخص دراسة الطبيعة ،يقول المؤلف(جولدشتاين):" وعلى المستوى التجريبي لجمع الحقائق والملاحظة المباشرة ، ازدهرت العلوم في المناخ النابض للثقافات الأولى.كان صعود الحضارة في الشرق القديم مؤديا بقوة إلى فكر علمي وتكنولوجيا أساسية، رغم التفسير الديني لطريقة عمل الكون كان يميل إلى إعاقة ظهور فلسفة طبيعية مكتملة"(المقدمات التاريخية ص 64) بيد ان ذلك الإزدهار كان ضعيفا وقليلا وبطيئا وفائدته لم تكن عامة للناس جميعا ولا حتى لأهالي تلك الحضارات القديمة.
فالطبيعة كانت مؤلهة عند اولئك القدماء وهذا كان يبعد الهدف من دراستها والتعامل معها كأسباب نافعة للناس،على الرغم مما قاله المؤلف من انه:" كان الإنبهار بالطبيعة والسعي إلى السيطرة عليها نظريا وعمليا والجاذبية الفكرية أو الجمالية للبحث العلمي ، جزء لايتجزأ من كل الثقافات السابقة تقريبا"(مقدمة المؤلف ص13) ويقول:" فعبر اختلاف الثقافات وحدود الزمن ، كان نفس العقل الإنساني يصارع لكي يلتقط قوانين الطبيعة ويتمتع بتحديها المزدوج للعقل والحواس"(مقدمة المؤلف ص16) فالوثنيات اعاقت المحاولات والفلسفات حلقت في أوهام وخيالات ، وتم غالبا نسيان الأرض والإنسان، ولذلك يمكن تمحيص كلام المؤلف التالي لبيان درجة صحته القوية، رغم ان فيه بعض حقيقة وليس كل الحقيقة :" بدا أن قوى تاريخية نابعة من الماضي البعيد هي التي ولدت التفوق العلمي والتكنولوجي للغرب الحديث"(مقدمة المؤلف ص17)
اسطورة العقل الإغريقي
ومع ان العقل الإغريقي كان غارقا في الأساطير والأحلام الصبيانية، مع وجود بعض الأفكار العلمية هنا وهناك، غير مقطوعة الصلة بالنظرة الإسطورية للكون وخلقه، إلا أن جولدشتاين يميل الى رفعة العقل الاوروبي من البداية،مع انه يعترف بوجود اساطير،وعدم شيوع العلم التجريبي فيه،وقلة الإنتاج العلمي والتجريبي، وانهيار العلم في مراحل اغريقية مظلمة!،فيقول:" هذه القفزة من الثقافات الأسطورية للشرق القديم إلى الثقافة الإغريقية ذات العقل الدنيوي رفعت العلم من مستوى الملاحظات التجريبية المبعثرة إلى مرتبة فلسفة طبيعية متسقة، موضوعها الرئيسي هو علم الكون. كان العقل الإغريقي هو أول عقل يستبدل رؤية أسطورية ،أو دينية، للكون بتفسيرات عقلانية؛ وبذلك يكون أول عقل يوسع مجال العلم ليشمل أبعاد الكون...فحتى لو كانت البدايات المحترمة رغم أنها متفرقة قد سبقت الأغريق بنحو ثلاثة آلاف عام، فلنا أن نعتبر العلم الإغريقي أول محاولة لتفسير مجمل الكون الطبيعي"(المقدمات التاريخية ص 65) وقد حاول المؤلف ان يتغاضى عن تأثير الأساطير الإغريقية على الإنسان القديم، وحاول تأويل وثنياتهم كما يحاول المسيحي الليبرالي ،اليوم، تأويل الأساطير المسيحية بحيث تصير مقبولة للعقل، مع عزلها عن حرفيتها!!، ويبدو انها حرفة مابعد جداثية، أن يؤول التاريخ المظلم والخرافي والمعيق ليصير تاريخا تنويريا عريقا!
يرجع جولدشتاين نشأة الحضارة الإغريقية من مزيج تراثين ثقافيين، يتميز بعناصر قوية-يقول- من الحرية العلمانية!،يتكلم المؤلف وكأن القبائل الوثنية الإغريقية كانت منذ نشأتها على هذا المنوال وهو الأمر المخالف للحقيقة :"إذ بكون الإغريق من نسل القبائل الهندو-أوروبية التي اقتحمت شبه جزيرة البلقان وعالم جزر بحر إيجه،فإنهم ورثوا عن أجدادهم البدو حماسا طبيعيا واستقلالا عقليا، وقد استقر أسلافهم في وديان الجبال الوعرة في بلاد اليونان،أو عبر آلاف الجزر في بحر إيجه..."(المقدمات التاريخية ص 65)
فالمؤلف يتكلم عن عقل اوروبي ، طبيعته الحرية في التعامل مع الأشياء، (ولاأعرف اين يجد الإنسان ذلك في كم الأساطير الإغريقية واليونانية التي عملت-من قبل- ان عملت المسيحية في العقل الغربي، ولايقدح في هذا بعض حقائق ونظريات انتجها العقل اليوناني او الإغريقي القديم.
انهيار العقل الإغريقي!
قام المؤلف بعرض فكرته عن الأحوال العلمية والإجتماعية في العالم اليوناني القديم والعالم الإغريقي ،
كانت الحضارة الإغريقية قد انهارت تماما وانفك عقد الهليستينية ، وسقطت ومضات العلم التي كان الإغريقيون قد قدحوها وسط اجواء الغزو والنوائب التاريخية والفكر الأسطوري ، فإنهارت تلك الحضارة القديمة بذبول رؤية الكون المبسطة والتي يمكن ملاحظة أخطاء علمية فيها، إلا أن مابقي منها كما قال جولدشتاين طفولي لاغناء فيه(ص73)
يقول المؤلف:" ألحق انهيار الحضارة القديمة(يقصد حضارته كأوروبي!) دمارا وحشيا بالمخيلة الكونية للإنسان الغربي. والسبب المباشر في ذبول رؤية الكون الملهمة لدى الإغريق إلى هذه الصورة الطفولية هو أن ملاحظة الطبيعة قد أعيقت عمدا في العالم الغربي، تحت تأثير انهيار روما...بدأ العقل ينفي خبرة الحواس.أخذ الغرب يدير ظهره للإدراك الحسي، للأرض ، لملاحظة العالم الطبيعي، للعلم الإغريقي والهيلينستي.."
المنقذ الغربي وحالته العلمية
ظهرت المسيحية كمنقذ بعد أن كان هناك- بحسب لفظ المؤلف- مايمكن أن يصير يأسا جماعيا!(ص73)
ماطبيعة هذا المنقذ؟
لقد تضمنت المسيحية -بحسب قول المؤلف- "عناصر معينة تنكر العالم"،كيف؟يشرح المؤلف،:"طالبت المسيحية "الغربية" الجديدة بالإنكار التام لعالم الحواس ، مؤكدة أن الحياة في هذا العالم لاهي ذات مغزى أولي ، ولاهي، بالمعنى الفلسفي، "واقعة" فعلا...وتبدوا لنا العقلية الغربية التي نشأت من هذا البنية الدينية وكأن كل خبرة أولية(يقصد خبرة العقل الإغريقي) لم يجر إنكارها فحسب، بل جرى عكسها عن عمد.لكنها ربما كانت الإيديولوجيا الوحيدة التي يمكن للغرب أن يأمل عن طريقها في البقاء على قيد الحياة...لم يكن ثمة متسع للملاحظة العلمية داخل رؤية العالم الوسيطة"(المقدمات التاريخية ص 74) ولأن المؤلف يتألم من ذوبان الروح الغربي في يومنا هذا فإنه يمدح هذا العالم المسيحي من ناحية أنه ، على الرغم من ذلك، عاش حياة جوانية ،بسمة روحية، هادئة!، الأشياء المادية ليست مهمة في حين:" أن العالم الحديث يفتقده بصورة مؤلمة(ص74) ومع ذلك فالعلم عند الرجل أمر من الأهمية بمكان:" إلا أن كل هذه النظرة وأسلوب الحياة الشاعريين كان فيهما القضاء المبرم على أي مسعى علمي(ص75) ولقد كان الممثل الأول لروح ذلك العصر هو القديس أوغسطين ، يقول جولدشتاين:" كان القديس أوغسطين، المهندس الأكبر للفكر الوسيط، قد خص الطبيعة بمكان بالغ التدني في السياق الأخروي العظيم (ص95) مضيفا:" حين يُطرح سؤال: ماذا يجب أن نعتقد بشأن الدين؟(كتب القديس أوغسطين) ، فليس من الضروري أن نتقصى في طبيعة الأشياء، كما فعل من يدعوهم الإغريق بإسم Physici الطبيعيين ؛ كما يجب ألا ننزعج خشية أن يكون المسيحي جاهلا بقوة وعدد العناصر ، حركة ونظام وكسوفات الأجرام السماوية، شكل السماوات، أنواع وطبيعة الحيوانات، والنباتات، والصخور، والينابيع، والأنهار، والجبال ؛ جاهلا بعلم الزمن والمسافات، بعلامات العواصف القادمة، وبألف شيء آخر..يكفي المسيحي أن يؤمن بأن السبب الأوحد لكل الأشياء المخلوقة... سماوية أم أرضية... هو طيبة الخالق، الإله الواحد الحق". بجرة قلم واحدة-يقول جولدشتاين- قوية، حظر القديس العظيم سجلا كاملا من العلوم القديمة- الفيزياء، الكوزمولوجيا والفلك، علم الحيوان، علم النبات، الجيولوجيا، الهيدرولوجيا والهيدرو غرافيا، التاريخ، الجغرافيا، الأرصاد الدوية.أخبر معاصريه ، وهو يرسلهم إلى مغامرة حضارة العصر الوسيط ، أن يرفعوا أبصارهم إلى السماء، وأن ينسوا ، بأوضح مايكون، أشياء هذه الأرض"(المقدمات التاريخية ص75)
هذا التحديد لعمل العقل واهتماماته وعلاقاته أغلقت على الإنسان المسيحي الإبواب دون السماء الحقيقية، فالله عز وجل ليس هو الإله المتجسد، على الأرض، والسموات ليست بمعزل عن حياة الإنسان، بل هي أصل أصيل في عالمه ، يستمد منه مقوماته الحياتية، ولذلك كانت تعاليم الإسلام ليست إعراضا عن السماء وإيغالا في عالم الآخرة (وعلى وجه منحرف ومتطرف كما في المسيحية واليهودية، يسميها المؤلف ب"العقلية الأخروية التي تنكر عالم الحواس"، انظر ص 92)، وإنما تنشيء النشاط الحيوي على الأرض في مختلف مجالات الحياة البشرية، ولقد تنزلت تعاليم القرآن أول ماتنزلت تنبه على اهمية ماعلم الله من البيان والقلم، ولاشك ان تتابع الوحي كان يفتح كافة مجالات العلم الطبيعي والكوني على مصراعيها مما يشير الى مجال عمل الإنسام المسلم ومايجب أن يتسع له عقله ويمتد اليه نظره ويقوم بدراسته فكان التنبيه على قضية التسخير تسخير كل ماسخره الله للإنسان، من أسباب السموات والأرض، مع رسم صورة جليلة ملفتة وحاثة على المشاهدة والملاحظة وتقصي حقائق الكون، تقصي حركة الأفلاك السماوية ودورانها وتأثير ذلك على الأرض والحياة والإنسان، معتبرة مسؤولية الإنسان كخليفة في الأرض هو تعميرها وتسخير منافعها في عبادة تامة لله عز وجل، جاء التغيير من السماء وانهى على فلسفات وخيالات الرهبان والفلاسفة والكهان المعزولين بمخيالهم وأوثانهم عن العالم.

يقول المؤلف بعد أن بين أن العقل المسيحي تحدد وإنغلق قبل الإسلام بفكر القديس أوغسطين:" وفور أن تحدد للعقل هذا التوجه، لم يعد ممكنا ببساطة استئناف العلم من جديد، دون حدوث تحولات أساسية في الإطار الثقافي، إذ إن القيام بأي ملاحظات للطبيعة بطريقة مباشرة كان ينطوي على تحول جذري في وجهة النظر المقبولة للعالم. وكذلك على ثورة كاملة في العادات الذهنية ، في الطرق التي تتم بها في العادة مقاربة مشكلى معطاة"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص 75) وهو يعترف او يُفسر، ان سطوة مسيحية العصر الوسيط ربما أجبرت العلم عند العقل الأوروبي إلى الانطلاق كنسق فكري(....) متسق، ومن دون هذا التحدي الدائم(يقصد من العلماء للكنيسة)، ربما ولد العلم من جديد باعتباره لايتجاوز مجموعا ثريا لكنه غير منهجي من الملاحظات المنفذة على أسس وضعية ممتعة، مثل العلم الإسلامي"(المقدمات،ص 80) وأسأل أولا :من الذي أحدث ذلك التحول الثقافي في النظرة إلى الكون والتعامل معه غير المسلمين؟ ومن الذي أدخل النظرة الطبيعية للكون ، ووضع أسس نظرة جديدة تتمثل بالعلمية بعد ان كان الغرب المسيحي غارقا في خيال أُخروي جامح واسطوري في كثير من نظراته ونظرياته(هناك نظريات في الفدية والخلاص وطبيعة المسيح مختلفة وعديدة )،يقول جولدشتاين :" طوال مايقرب من ألف عام ظل الخيال البشري منغمسا في تأمل مداريات أخروية. ومع قدوم القرن الثاني عشر حل التغيير بفجائية منعشة..."(المقدمات التاريخية للعلم الحديث ،ص 31) ومعلوم بإعتراف جولدشتاين وكثير من أفاضل الغربيين أن الذي أحدث المفاجأة هو العلم الإسلامي عن العقل والطبيعة والكون وعلاقة الدنيا بالآخرة، وعدم أهمال الأولى لصالح الثانية؟
كان ذلك والحضارة الإسلامية في أُوج علميتها وانتصاراتها، ثم حتى بعد انهيار مدائن الإسلام في الغرب، كان الإنغماس في هذا العلم التحريري قائما على قدم وساق، يقول جولدشتاين:"بدأت خطى الدارسين المسيحيين ترن في قاعات المكتبات الإسبانية ومدارس الكاتدرائيات ، التي كان الكثير منها أماكن علم إسلامية سابقة.بحماس متعصب، انغمست حفنة من الدارسين في دراسة العربية، بمساعدة اليهود الإسبان الذين كانوا يتقنون لغة الإسلام(وعلومه في الأغلب) .وفي برشلونه... وطرسونة... وشقوبية... وبمبلونة... وليون...في الشمال والشمال الشرقي الإسبانيين-وفي طليطلة ذاتها في المقام الأول، شرعوا في ترجمة الكتابات العلمية التي خلفها العرب وراءهم على الأرفف. وخلال أٌقل قليلا من جيل، تُرجم لُب العلم الإسلامي إلى اللاتينية"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص 112)​

يتبع الليلة ان شاء الله
 
-3-
العلم الإسلامي يُشرق أعلى قمة الكاتدرائيات
و توسكانيللي يضع العمامة العربية على رأسه.
بدأ جولدشتاين الفصل الثاني بجملة ملفتة اذ قال تحت عنوان(الجذور القديمة):" من الطبيعي لحضارة مثل حضارتنا، الفريدة، في خضوعها لسطوة العلم والتكنولوجا، أن يتملكها الفضول لمعرفة كيف جرت مجريات العلم وسلطته على ثقافتنا. وفي الواقع فإن تاريخ العلم هو تخصص نشأ في العصر الحديث. من المرجح لأي مكتبة تحترم نفسها هذه الأيام أن تعرض رفا مكتظا بكتب تاريخ العلم ذات الغلاف الورقي...لكنها جميعا، يبدو أنها تعاني عيبا واحدا بعينه:أنها تخفق في ربط السيرورة التاريخية الشاملة"(المقدمات التاريخية ص 61)
عند المؤلف، على الرغم من أنه رأى التوجه الإسلامي وسيرورة تحويله لوجهة العلم برؤية علمية خلقت مناخ اسلامي واضح ، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراسخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو سمة حضارية اسلامية انبثقت من القرآن، وهو توجه ديني اسلامي قرآني رسولي رسالي ، وليس كما يقول المؤلف عنه في الحالة الغربية،انه لابد ان يكون توجه علماني كما في النص التالي ، الذي اقتبسنا منه لغته وأكدنا بها أنه توجه ديني اسلامي على الحقيقة.
ان الجهود العلمية عندنا تتغذى على التوجه القرآني وتنمو به ومعه!
ذلك ان المؤلف أغفل أن هذا الفضول إزاء الطبيعة، فضلا عن الرؤية المتكاملة في النظر العلمي إليها لم يجد جذوره في الإسلام في مناخ ثقافي علماني، وهذه الحقيقة التاريخية يحاول اليوم اخفاؤها (انظر الكلام عن المناخ العلماني،ص 62)،ذلك أن الإسلام لم يحتقر الأرض ولا الأسباب، بل دعا لدراستها والإهتمام بها وبمافوق الأرض مما سخره الله من السموات والأرض. وهذا يعني ان الإسلام لم يتسبب في كوارث أفول العلم الطبيعي بل دفعت ثقافته اليه دفعا وجرمت إغفال النظر في آيات الكون وسنن الحياة وأسباب السموات والأرض، بيد ان الجهود العلمية، عند المؤلف،:" تتغذى على مايمكن أن نسميه التوجه"العلماني" ، وهو فضول إزاء الطبيعة يجد جذوره في مناخ ثقافي علماني، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراسخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو بالتحديد ماتم التخلي عنه خلال العصور الوسطى المبكرة وماكانت أوروبا تعود إليه بعد طول انتظار(....) –تدريجيا وبصعوبة وبإحجام شديد عميق عادة-خلال عملية العلمنةSCularization الطويلة فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر"(المقدمات التاريخية ص 62) فمايعتبره جونتشتاين علمانيا هو جوهر مانعتبره نحن في اسلامنا "دينيا، اسلاميا"،(هذه إشكالية يحجبها العلمانيون وهم يتهمون الإسلام بأنه منغلق يعيق تقدم العلم والعالم!!) فديننا هو الذي وضع في الأرض هذا المنهج العلمي وهو مايثبت ان جوهر ديننا يختلف عن تلك الأديان الكبرى ، المسيحية واليهودية، مما كان منتشرا ايام النبي محمد وحتى يومنا هذا،وهذا الدين هو الذي فتن علماء الغرب، فتنهم بعلومه وانتاج اهله العلمي والتكنولوجي، فهذا واحد-يقدمه لنا جولدشتاين نفسه في كتاب المقدمات-من علماء عصره هذا الرجل العجوز، أشهر علماء عصره، المولود في فلورانسيا الإيطالية، وهو توسكانيللي(1397-1482) الذي كان يلقى احترام معاصريه كطبيب وفلكي وجغرافي –كما قال توماس جولد شتاين، كان يضع العمامة العربية فوق رأسه،جالسا في كاتدرائية مسيحية، بقوة فكر مدقق، متوقد،جلس عاكفا على علوم العرب، في قمة كاتدرائية فلورنسيا كان اشهر علماء عصره يقوم بملاحظاته عن مسار الشمس ، كان:" حول رأسه تلتف عمامة ضخمة –كان يجب أن يتكلفها- اعترافا بفضل الإسهام العربي في العلم"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص 23) ،لم يمنعه فتح المسلمين للقسطنطينية من رفع شارتهم العلمية مع انهم "ازاحوا المسيحية الشرقية عن عاصمتها التقليدية" كما يقول المؤلف( ص49) تسببت ملاحظاته عن مسار الشمس فيما بعد ـ وتحديدا بعد نصف قرن من منتصف القرن الخامس عشر، في التأثير على توجهات كوبرنيكس عن الكون المتمركز حول الشمس(أنظر المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص22)
 
-4-
كاتدرائيات تخالف تعاليم الكنيسة وتدرس العلم الإسلامي
يكفينا الآن من كلام المؤلف في الفصل الرابع الذي وضع له عنوانا أثيرا وهو(هبة الإسلام) قوله:"الإسلام واحدا من أشد الظواهر إدهاشا في التاريخ الثقافي"(المقدمات التاريخية ص 112) نعم والأمر كما قال فلقد أشرقت الأرض على فلورنسيا وظهرت الأرض أمام توسكانيللي وأصدقائه بتفصيل علمي أخذ لحمته من علوم الأرض عند المسلمين!، من أعلى قمم الكاتدرائيات ومكتبات أقبية الأديرة التي امتلأت بعلوم الإسلام والمسلمين(انظر المقدمات التاريخية،ص32،42) ولاشك ان لمدلول وضع العمامة العربية على رأس هذا العالم العجوز ،الذي كان يدرس العلم العربي من أعلى قمة كاتدرائية غربية، مغزى يمكن فك اشاراته ورمزيته ودلالاته الخطيرة ، فالعلم العربي والإسلامي في مجال الطبيعة والإنسان فتح نطاق الإستبصارات أمام هذا العالم وغيره، في ايطاليا-فلورنسيا،(ويمكن اضافة: مدن أخرة: البندقية، وروما ، وجنوا ) وفي كافة دول ومدن الغرب، في البيوت والكنائس والكاتدرائيات، ثم في المعامل والمختبرات، ناقلة الخبرات البشرية وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها،إلى الغرب والشرق، حتى كأن الوحي صهر الخبرة البشرية المحترمة في عملية غربلة تاريخية من أعظم انتاج البشر في التاريخ العلمي قاطبة،وكانت لأسئلة هذا العالم الغربي وهو (توسكانيللي) كما قال جولتدشتاين :" أن تؤدي إلى مراجعة شاملة لمجمل نظام الكون ، بنظرية كوبرنيكوس عن الكون المتمركز حول الشمس"(الفصل الأول،ص22) ومع ان كوبرنيكوس اخذ كثير من نتائج علوم المسلمين(وقد فعل غيره الكثير من هذا، وليس هذا مقصد بحثنا) الا ان لنا أن نسأل: من اين استقى (توسكانيللي) نظرته للكون ،اليس من القوم الذين وضع رمزهم فوق مركز تفكيره؟ وقد توصل (توسكانيللي)-بحسب المؤلف-:" إلى مفهوم مقنع للأرض يكون فيه المحيط بأسره في متناول الناس وسفنهم، وتكون فيه أجزاء الأرض الصلبة للأرض كلها قابلة للسكنى، شرقا وغربا، في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي"(ومن خلال مناقشاته مع جيل كامل، خلال الجزء الأكبر من حياته-يقول جولدتشاين- في وقت ما فيما بين عام1410 أو 1415 وعام 1440، كان هذا العالم منخرطا في مناقشات مكثفة حول المشكلات الجغرافية مع جماعة من الفلورنسيين:" ولابد أن توسكانيللي وأصدقاءه، وهم مجتمعون تحت الأقبية المنعشة لمكتبة أحد الأديرة ، ينظرون إلى الليل التوسكاني في الخارج، قد شعروا أن الأرض آخذة في التمدد، وسرعان ماسيتسع أفقهم على نحو أشد روعة"(المقدمات التاريخية ص42) في شارتر يقول المؤلف ، وخلال القرن الثاني عشر جرى لأول مرة منح دراسة للعلم أولية حاسمة على تدريس الفنون العقلية...ودعا الأساتذة إلى إصلاحات جسورة للتعليم العالي ككل، ممحورين المنهج الدراسي حول العلوم الطبيعية...هنا كان على أنصار رؤية العالم الجديدة، العلمية، أن يواجهوا الاستنكارات الساخطة لزملائهم الأكثر محافظة في مدارس الكاتدرائيات الكبرى في أورليان، وسان فيكتور، باريس، ولاوون.في شارتر جمعت بشكل منهجي كتابات العلماء الأقدمين لتشكل أول مكتبة للعلم في العالم الغربي...كان سخط المحافظين الدينين، الذي جلبه شارتر على أنفسهم، راجعا إلى أسباب مفهومة.فطوال سبعمائة عام بأكملها ، جرى تقديم الطبيعة على أنها موضوع سلبي لخلق الرب"(المقدمات التاريخية ص 85)
ومرة أخرى فليسأل الأوروبيون أنفسهم، بل ليسأل العلمانيون العرب أنفسهم –وهم عبيد من عبيد الغرب-من الذي علم واضع العمامة العربية فوق رأسه وكل مجموعة شارتر ،الرؤية الفذة عن الطبيعة وحرك نفوسهم إليه؟، يقول جولتدشتاين:"أن التفكير في شارتر لم يكن يدور بأي حال من الأحوال حول البناءات المجردة.فما الهم هؤلاء الرجال كان رؤية عينية للطبيعة، نظرة طازجة وحيوية للكون الطبيعي...تاركين للمستقبل أن يملأ هذه الخطوط العريضة الكونية بالتفاصيل المناظرة الفلكية، والفيزيائية، والرياضية، والطبية، والبيولوجية، والكيميائية، والجيولوجية، والجغرافيا"(المقدمات التاريخية،ص92) وذلك بعد ان انغمسوا في ترجمة لب العلم الإسلامي(انظر ص112)
فالمسلمون قدموا هذه النظرة الطازجة للعالم،يذكر جولتشتاين نفسه بعد صفحة واحدة من هذا النص أن للترجمات العربية فضل في تنشيط العلم في(شارتر):" اتخذت شارتر مكان الصدارة في إعادة بناء المعرفة العلمية للعالم القديم، ومن ثم أرست أساسا راسخا للتطور القادم للعلم الغربي... مع مبادرة نشطة باتجاه ترجمة النصوص العلمية من العربية واستخدامها في الدراسة والتدريس-وهذا اسهام ضخم في ظهور العلم الحديث"(المقدمات التاريخية،ص 93) ومع ذلك، ومع رفض هؤلاء العلماء الذين نسجوا على منوال العلم العربي واستفادوا منه أيما إفادة،مع رفضهم لتلك النظرة الأوغسطينية الإحتقارية للعالم، ومع رفضهم النظرة المسيحية في الإعراض عن السنن والأسباب ، والأهتمام بالأرض كما دعا أوغسطين، الا انهم احتفظوا بماكانوا عليه مما يقال عنه ،في الغرب،اليوم(المقدس المسيحي!) لكنهم في نفس الوقت أخذوا الجانب الذي افتتحه القرآن وحض عليه ووجه النظرة اليه، يقول جولدشتاين:"أساتذة شارتر...في رؤيتهم الثاقبة ضمنوا كل العلم الطبيعي داخل المقدس.بينما رفضوا تجاهل أوغسطين لعالم الحواس"(ص108) ففي القرآن نشأت حقيقة الإقبال على الحياة، السنن، الكون، العلم، القلم، التدبر وعقل العالم والتفكير فيه تفكيرا علميا ، حتى أن كثير من آياته تعرض الطبيعة وسننها بصورة معجزة وباهرة وعلمية..
وتوالت المناقشات والإطلاعات على الخبرات العربية ودمج العلوم ، الرياضيات والتقنيات المنقولة..بدأت تنتشر وتفتح الأذهان والعقول ،في حلقة ذلك العالم المعمم بالعمامة العربية ، وغيرها من الحلقات التي استفادت من كافة العلوم العربية النظرية والتجريبية،يقول جولتشتاين ":ولم يكن هذا النوع من العمل الجماعي غير الرسمي غريبا على أوجه تقدم العلم خلال عصر النهضة. فقد جرى التوصل إلى قوانين المنظور والتشريح بدرجة كبيرة..وتطور اختراع الطباعة بالحروف المتحركة من خلال تجارب...واستغرق كل واجد من الاكتشافات بضعة عقود حتى ينضج"(المقدمات الأوليةص 39)
هنا نضع نص مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" لوضعه في سياق البدايات والمقدمات والمقومات التي جعلت علماء الغرب يظهرون إلى الوجود بهذا الشكل الذي تغرب عن علم الكنيسة وانتمى للعلم الإسلامي، ولو في العلم الطبيعي والكوني،يقول إيزاك:" إذا أردنا ،إذن دراسة مسألة بدايات العلم الحديث ، فلن يمكننا أن نبدأ بكوبرنيكوس وفيساليوس باعتبارهما سخصين بالغين لديهما أفكار مكتملة.فسوف يكون ذلك بمثابة تتبع شجرة حتى جذورها وصرف النظر عن التربة والماء المحيطين بتلك الجذور.لابد أن نتذكر طائفة الدارسين، والأفكار،والتقنيات التي جعلت عمل كوبرنيكوس وفيساليوس ممكنا"(المقدمات التاريخية، المقدمة،ص9)
لاشك أن الإسلام، في أُوج نشاطه العلمي والعقلي، والمعرفي والتجريبي، كانت يضغط علميا على نواحي اوروبا المختلفة، فكان هو التربة والجذور بل أصل الشجرة وماؤها المحيي من الموات.
كان الإسلام يضغط للتحرير ، لتحقيق الهدف الأكبر" تحرير الإنسان" والأخذ عن الوحي الرباني(القرآني) كل مايتعلق بالدنيا والآخرة معا، حتى ظهر الإفتتان بهذا النشاط بصورة مدهشة دعت الكهنوت المسيحي أن يتخذ ضد كل من تأثر بعلوم المسلمين العقلية والعلمية اشد صنوف العذاب والإرهاب، من سجن وتشريد، وجبس وتقييد، وحرق وتقتيل.، وعن ذلك التأثير يقول جولدشتاين نفسه:" كانت إسبانيا ، بالنسبة إلى إنتليجنسيا العصور الوسطى المتأخرة-للمعلمين والطلاب أو ال vagantes، الدارسين الجوالين –تمثل المغامرة. وكان الانبهار بثقافة العدو التي سادت شبه جزيرة إيبيريا قد انتشر سرا وببطء منذ القرن العاشر على الأقل. وبحلول القرن الثاني عشر كان هذا الإنبهار قد اكتسب أبعاد عقيدة"!!(المقدمات التاريخية ،ص 111،110)، لاشك أنها جملة من الخطورة بمكان، خصوصا لو تم تفسيرها من المؤلف نفسه، فتراه يضيف:" كانت إسبانيا تعني بهاء الشرق الإسلامي، الإنبهار بنوع جديد من التعلم، ومن بعض النواحي خبايا المعرفة المحظورة. كانت تعني ثقافة تتناقض بأكمل مايمكن مع العالم الوسيط الذي مازال قاحلا ومتقشفا، على الرغم الازدهار الحديث العهد لمدنه. وكان الإسلام قد خلف آثاره في الشوارع والحدائق والمساجد، في الديكور الخزفي للواجهات الملونة، في الجدران التي بتعث فيها الحياة الأقواس على هيئة حدوة الحصان، وفي النقوش الرقيقة على النافورات-التي مازالت تطرطش منها المياه رغم رحيل بُناتها المسلمين- في مكتبات وأقبية أماكن العلم الإسلامية السابقة. بالنسبة إلى الغرب الوسيط ، كانت إسبانيا مثل نافذة انفتحت فجأة على الحياة الغرائبية لعالم مختلف بالنسبة إلى ثقافة اعتادت أن تحيا داخل نطاق حدودها الخاصة الضيقة.كان اختراق حرب الاستعادة... يرقى إلى مرتبة اختراق العالم الخارجي الفسيح ذاته.كانت الحروب الصليبية (وبعض العمليات العسكرية ) قد أنتجت اتصالات متفرقة مع الإسلام في الشرق الأدنى ، وفي صقلية وجنوب إيطاليا، وفي شمال إفريقيا، وفتحت النجاحات العسكرية أبواب التجارة،لكن رد القوات المسلمة على أعقابها في إسبانيا كشف عن بلد أوروبي غربي بأكمله متجذر في هذه الحضارة الأجنبية والمثيرة. وكانت النتيجة حفزا فكريا منقطع النظير، فقد تأثرت بعمق – كل وجوه الحياة الأوروبية تقريبا، من الدين والفلسفة إلى المؤسسات الحكومية إلى العمارة إلى العادات الشخصية ، والشعر الرومانسي، وبالنسبة إلى العلم الوسيط كانت إسبانيا تعني الفرصة للتقدم بخطوة واحدة عملاقة من تجريدات الفكر الفلسفي إلى الخبرة الملموسة، وأتاحت ثروة المعطيات التي قدمها الإسلام للغرب أن تملأ الخطوط العريضة للكون الفلسفي بتفاصيل لانهاية لها للعلوم المتخصصة المتطورة فعلا، التي يجسد كل منها مخزونا ثريا من الخبرة في ملاحظة الطبيعة. وكان العلم الإسلامي يعني أكثر من ذلك ، فثراؤه في المعلومات العينية ، التي ألهمها حب الثقافة الإسلامية لتفاصيل الطبيعة ، بدا بمثابة الطبيعة القائمة على وحدة الوجود التي ألهمت منظري شارتر، جسد الإسلام نمط العلم الذي حلم به شارتر"(المقدمات التاريخية،ص 112-110) ومن ذلك فرنسا التي كانت غارقة في الظلام، ومع مرور الوقت والتغييرات المستمرة في الذهنية والبنية الإجتماعية والإقتصادية والثقافية بدأ التعليم العالي في الغرب يأخذ منحى مختلفا عن ذي قبل.
 
-5-
نموذج حاضرة شارتر الفرنسية تتأثر بعلوم الطبيعة الإسلامية
ففي حاضرة شارتر، من فرنسا -يقول المؤلف:" خلال القرن الثاني عشر جرى لأول مرة منح دراسة العلم أولوية حاسمة على تدريس الفنون العقلية... ودعا الاساتذة إلى إصلاحات جسورة للتعليم العالي ككل، ممحورين المنهج الدراسي حول العلوم الطبيعية والهندسة، والفلك...هنا كان على أنصار رؤية العالم الجديدة، العلمية، أن يواجهوا الاستنكارات الساخطة...فطوال سبعمائة عام بأكملها ، جرى تقديم الطبيعة على أنها موضوع سلبي لخلق الرب...بدا كأن حجابا كانت الطبيعة تتمدد تحته نائمة طوال سبعمائة عام قد تمزق فجأة. والمرعب أكثر، هو أن الجنس البشري قد أصبح على اتصال مباشر مع الطبيعة...وبديهي أن هذه الخلافات المبكرة تضمنت بذور الحرب التاريخية بين اللاهوت والعلم، التي سيبتلى بها نمو العلم الغربي منذ العصور الوسطى المتأخرة حتى الثورة العلمية، منذ محاكمة جاليليوGalileo وحتى أيامنا...لم يخطر ببال أساتذة شارتر أن يفصلوا الكون الطبيعي عن عالم الرب...لم يكن عالم هؤلاء التقليديين واسعا بما يكفي لكي يشمل كلا من العلم والإيمان، كلا من الطبيعة والإله الرحيم.كان اللاهوتيون المحافظون من باريس، وأورليان، ولاوون، بتحفيز من سان برنار، محافظ العصر الوسيط ذاك الموجود في كل مكان يلاحقون أساتذة شارتر، مستدعين إياهم للمثول أمام المحاكم ، وشاجبين علمهم باعتباره هرطقة، وملصقين بمعلمي العلم وصمة التمرد، ومن تلك اللحظة، بدأ النزاع " (المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص88-85) ولاتنسى الضيف الخفي المتستر في تلك الحاضرة الفرنسية:" انغمس الدارسون الأوروبيون في التراث الإسلامي بكل حماسهم"(المقدمات التاريخية ص110)وذلك بعد ان غاب العلم قرونا عن الغرب الأوروبي بأكثر مما ذكر المؤلف:" فطوال سبعمائة عام أنعم فكر العصور الوسطى في الأرجاء اللانهائية للماوراء، ناظرا من عل على الأرض باعتبارها مجالا قليل المغزى...العالم الطبيعي بدا مجرد إقليم ظلال بعيد"(المقدمات التاريخية،ص95)
من المعلوم أنه في تلك الفترة الزمنية كان العلم نشطا في بلاد الإسلام، وفي كافة مناحي الحياة، وكان العلماء يلقون قبولا لانظير له في تاريخ الأمم، وكان علماء اليهود والنصارى،في العلم الطبيعي، يلقون ترحيبا عند العامة والخاصة والملوك والوزراء والعلماء، ذلك أنهم على كل حال تأثروا بمنهجية الإسلام ومنهجه العلمي وبنوا على أساسه،وكان لهم كامل الحرية في الدراسة والمشارة العلمية والحضارية،يبنون داخل نطاق الحضارة العريقة الزاهية، والتي كان يتطلع إليها كثير من الغربيين بشيء من الأمل في مستقبل لهم زاهر وشبيه.
فلم يكن علماء الغرب يستجيبون فقط للظروف الاجتماعية لرفاهية الرأسمالية المبكرة الجديدة كما قال المؤلف(ص93) وإنما ايضا كانوا يستجيبون للتحولات العلمية والعقلية التي جلبها الإسلام لأوروبا، ومكث يضع ثمراته كلها العلمية العظيمة طوال ثمانية قرون، يطرق فيها أبواب الغرب، بالعلم والدواء، والقلم والكتاب، والعقل والعقل ، والمختبرات والمعامل، والتنظيم والتعليم. ولاشك ان رفض العلماء في الغرب-في شارتر وغيرها- لتجاهل القديس أوغسطين لعالم الحواس لم يكن إلا إقبالا على اهتمام محمد بهذا العالم تبعا للقرآن المنزل، ذلك أن أولئك العلماء الغربيون تتلمذوا على ماأُلقي على لسان محمد وفي قلبه، وهو الذي فتح الفتوحات على العالم،في العلم والرفاهية، للرجل والمرأة على السواء، فكان التحرير من كل الوجوه الممكنة!
الا يستحق رسول الإسلام الإسم الذي اطلقه اهله عليه(محمدا) والإسم الذي أطلقه قومه عليه وهو(الأمين)؟! والإسم الذي أعطاه الله له"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " وكان رحمة للعالمين
والمؤلف نفسه أشار أن وجود إسبانيا المسلمة بجوار فرنسا كان من حسن الطالع!:" والأسعد طالعا ، أن هذا المخزن اتضح أنه مجاور للمراكز الفكرية الفرنسية، عبر جبال البرانس ، بين مشاهد الطبيعة الواعرة والداكنة لإسبانيا"(ألمقدمات التاريخية،ص 109) وهو يتكلم هنا عن " مخزون من المعرفة بالعلم الطبيعي" الموجود في الحضارة الباذجة لعالم الإسلام. فحظ أوروبا المظلمة لم يكن حظا –على غير اتفاق أو خبط باب أوروبا خبط عشواء، ولكنها الرحمة المُقدرة التي أخذت منها أوروبا الماديات وعلومها، وتركت الحظ الأوفر وهو ماجاء مع حظ الماديات الذي قال عنها المؤلف وهو يتكلم عن مجاورة المراكز الفكرية للعلم الإسلامي، قال" احيانا يصنع الحظ التاريخ"(ص109)
وعلى الرغم من الحرب مع إسبانيا المسلمة ، واحتلال الفرسان المسيحيون الكثير من المراكز الإسلامية المتألقة للثقافة الإسلامية" الا أنه أثناء ذلك " كان السلام قد عاد بما يكفي ليتيح الدراسة الهادئة للتراث الثقافي العظيم للإسلام"(المقدمات التاريخية، ص 110)
ويمكن تقديم مئات الأدلة على أن المحرض على العلم والمنتج الرئيس لها في زمن حلقة شارتر ، وكل حلقات العلم في الغرب، كان هو العلم الذي انتجته حضارة الإسلام، والتحدي الذي قدمه، وفي حضور هذه المؤثرات،والمترجمات،والابتكارات والإكتشافات العلمية الإسلامية الفوارة، يقول جولدشتاين بعد كلامه عن الصراع الذي بدأ بين اللاهوت المسيحي والعلم، أن التحول تجاه الطبيعة والإستفادة من الماضي أن توجه :"في مبادرة نشطة باتجاه ترجمة النصوص العلمية من العربية واستخدامها في الدراسة والتدريس،- وهذا اسهام ضخم في ظهور العلم الحديث"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص93) ومن الملفت للنظر كما بين المؤلف أن شارتر كانت كاتدرائية!:" فشارتر ذاتها كان من الواضح أنها مدرسة كاتدرائية ترعاها الكنيسة وكان المعلمون أعضاء في سلك الكهنة يرتدون العباءة والمسوح، وتطورت المبادرة الجديدة لدراسة العلم تحت حماية واحدة من أكثر الأسقفيات ومجالس الكاتدرائيات احتراما في فرنسا في العصر الوسيط"(ص 93،هامش) وعلى كل حال ،فإن العلم الإسلامي، المخترع في مدائن المسلمين وصل إلى أعرق الكاتدرائيات وأثر عليها وانتج تغييرا في ذهنية رجالاتها ، وأحدث صراعا مريرا في الداخل ، وتغيير ميزان القوى في العالم الوسيط، وتعديل النظرة العلمية في الكون، وتغيير الحالة الكئيبة التي استحوذت في الغرب على المشهد المظلم كله، وبقى على الغرب أن يطور نفسه اقتصاديا ، تطوير العلوم من خلال قاعدة اقتصادية متزايدة ومطردة كما فعل الإسلام تماما.
وكات لتأثير المدارس وبعضها على بعض في داخل اوروبا مجالا خصبا لتطور العلم في الغرب ، وكل تلك المدارس تأثرت بمصدر هذا العلم العربي والإسلامي، فمثلا يحكي المؤلف أن تأثير مدرسة شارتر على النهضة الإيطالية كان تأثيرا عظيما في اتجاه البحث العلمي الأصيل :" وتحت الأقبية القوطية لكاتدرائية شارتر بدأت العملية الطويلة للعودة إلى الطبيعة"(المقدمات التاريخية،ص 94) واقول بدوري أنه تحت هذه الأقبية نفسها تم دراسة وتدريس العلوم المنقولة عن الحضارة الإسلامية والإستفادة العظيمة منها، وهنا يظهر فضل العرب واهل حضارة الإسلام على الغرب كله.
اما تييري (الشارتري)، نسبة ألى حلقة(شارتر)(وهو بحسب جولدشتاين، واحد من المؤسسين الحقيقيين للعلم الغربي) فقد حفز البحث عن المخطوطات العلمية العتيقة والعربية في إسبانيا -يقول جولدشتاين-. والنتيجة أن بعض الأفكار الأرسطية والإسلامية اللافتة تظهر بشكل متفرق، لكنه لايقبل الخطأ في فكر شارتر"(ص97) وكان تييري قد قام بتفسير ليبرالي للتعاليم المسيحية، مع خليط من فكرة أفلاطون عن الكون كما قال جولدشتاين(نفس الصفحة)
لم تكن هذه الحلقة وأمثالها في القرن الثاني عشر الميلادي ومابعده من قرون، تُعلن الحادها ودهريتها بل كانوا يحاولون تقديم تأويلات عقلانية ،للكتب المقدسة(وأنى لهم ذلك؟!) حتى لايتصادموا مع المسيحية الغربية، حريصين على عدم خسارة كل شيء، يؤمنون بالله كرب للعالم، وإن كانوا يؤمنون مع ذلك بخرافات الكنيسة عن الخلاص والفدية ،فالرجل الثاني ، الأعظم، بحسب قول جولدشتاين، بين علماء شارتر الطبيعيين، يقول، أمام من اتهموه بالكفر،:" أنا لا أنتزع شيئا من الرب،؛ فهو خالق كل شيء، بإستثناء الشر. لكن الطبيعة التي أنعم بها على مخلوقاته تحقق مخططا كاملا من العمليات، وهذه بدورها تعود إلى مجده حيث أنه هو الذي خلق هذه الطبيعة ذاتها"(المقدمات التاريخية، ص 99) يُعلق المؤلف على قول ويليام الكونشي هذا، بقوله: ياله من صوت فخور! ويالها من رؤية تقف فيها الطبيعة الآن مستقلة بذاتها تماما، تحقق " مخططا كاملا من العمليات"، لكنها تضاف إلى المجد الأعظم للرب!... ولاعجب إن خص المحافظون وليام الكونشي بأعنف هجماتهم وشجبوه باعتباره زنديقا"(الصفحة نفسها)، ويضيف المؤلف بأن رؤية الكونشي عن الكون كانت لاتزال يحجبها ضباب الزمن!(ص101)
فواجهت الكنيسة الإسلام في شخوص هؤلاء مع اختلاف المدى الذي تأثروا به من علومه.
 
-6-
أمور لافتة ملفتة
مايلفت نظري في كثير من كتابات المؤرخين الغربيين الذين يتحدثون عن انتقال العلم الإسلامي إلى الغرب محدثا تغييرا عميقا في "البنية" والذهنية" و " الواقع المادي" هو رنين الألفاظ الموحية بتسلل هذا العلم ، وببطء، ومعاناة، إلى هذا العالم، متسببا في عملية تحريره من معيقات عقلية ونفسية وعملية ودينية وكهنوتية، ولننظر في جرس الكلمات، على على الأقل من كتابنا هذا، ومنها":"ببطء، تغلغل النسق العربي في الإستخدامات التجارية والرياضية "(المقدمات التاريخية لتوماس جولدشتاين ، كتاب عالم المعرفة،ص 143) وبحسب المؤلف :" لم تستقبل اوروبا العلم العربي من أجل رصانته وحدها بأي حال،بل استقبلته بدرجة كبيرة كجزء من حركة ثقافية كانت اوروبا مستعدة لها، وكل طاقاتها موجهة تجاهها،ثمة وميض، وتألق وتوهج، وبهاء زاه ينبعث من البلدان الإسلامية عبر اوروبا خلال القرون الوسيطة الأخيرة، له علاقة أكبر يتحرير الحواس مما له بمجرد الدراسة المجتهدة للبصريات أو الحساب، لكن بالنسبة لقلة من العقول التي لاتزال منعزلة"وقال (ص32):"وإذا كان التوافق الذهني لايعدو أن يكون تدريجيا و"عودة" العقل "إلى الأرض بطيئة ونافرة في مجملها، فقد اكتسب عصر النهضة دلالته الكاملة من الإكتمال السعيد لإكتشاف الأرض""وقال:" فعل الخوارزمي اكثر من ادراك المبدأ فقد منح الفكر الغربي الأمثلة الأولى ..."(المرجع نفسه ص140) ومنها :" الأداة الحسابية الرائعة التي استطاع بواسطتها الغرب القيام بخطواته الرياضية العملاقة"(ص136) يقول:"الكوابيس لمجموعة من الناس ، والإثارة لآخرين ، اعتمادا على الكيفية التي يشعر بها المرء إزاء الأفكار الحديثة واثرها المقلق على الأساليب الفكرية الثابتة، وفي الحقيقة فحتى الأعداد العربية والرياضيات الجديدة التي ولدتها لم تسجل دخولها الظافر إلى الساحة الأوروبية...ولم تتغلغل الرياضيات العربية إلا على نحو متقطع وببطء مدهش، مستغرقة بضعة قرون حتى تستقر"( المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص 142) ومعلوم ، كما قال مؤلف أن:" أي إنجاز هندسي –على سبيل المثال- لابد من ترجمته إلى لغة الرياضيات قبل أن يمكن التعامل معه بنجاح.الرياضيات هي المعجم الذي يدرك بواسطته العقل الإنساني النظام الكامن في الطبيعة ، ويتواصل معها، ويسيطر على قوانينها، وإذا لم تكن هي ماهية هذا النظام ذاته،فإنها على الأقل واحدة من أكثر وظائفه أو دوانبه دوهرية"(المقدمات العلمية للعلم الحديث ص71)​
عند المؤلف، على الرغم من أنه رأي التوجه الإسلامي في تطوير العلوم، ان الجهود العلمية الأشد اتساق وخضوبة:" تتغذى على مايمكن أن نسميه التوجه"العلماني" ، وهو فضول إزاء الطبيعة يجد جذوره في مناخ ثقافي علماني، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراشخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو بالتحديد ماتم التخلي عنه خلال العصور الوسطى المبكرة وماكانت أوروبا تعود إليه بعد طول انتظار(....) –تدريجياوبصعوبة وبإحجام شديد عميق عادة-خلال عملية العلمنةSCularization الطويلة فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر"(المقدمات التاريخية ص 62)
لقد انتجت حضارة الإسلام في علوم المادة والطبيعة بدون أن تتخذ خطوة مدمرة للروح معلمنة للفطرة والعلم، بيد أن أوروبا بعد ان قطعت مع الكنيسة ولم تأخذ من الإسلام الا مااخذت وهو عظيم لاشك، راحت ترجع لوثنيتها القديمة ودهريتها الأسطورية وبنت عليها من جديد ، في العصر الحديث، نظرية علمانية معلمنة، يشتكي منها حتى مؤلف الكتاب كما عرضنا في مقدمة هذا البحث.
-يبقى جزء قليل من البحث ان شاء الله نقوم به قريبا
 
عودة
أعلى