يقول قائل: من أقلّ الدروس طرحاً هو التفسير..

إنضم
10/04/2011
المشاركات
129
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول قائل : من أقلّ الدروس التي تُطرح نصيباً هو التفسير .. حتى في الدورات العلمية , وذلك أحدث تهاوناً في علوم القرآن .. فما هو السبب؟؟
أجاب الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
نعم , إذا نظرنا إلى الجداول الحافلة التي تنشرها وزارة الشؤون الإسلامية , وجدنا في بعض البلدان في الأسبوع أكثر من مئة درس, في الأسبوع الواحد ,, لكن كم نسبة دروس التفسير ؟!
نعم تجد دروس الحديث حاضرة , دروس الفقه موجودة , دروس العقيدة أيضاً موجودة وبكثرة , لكن مع الأسف الشديد أنّ ما يُتناول به كتاب الله جلّ وعلا نصيبه قليل..
والسبب: السبب أنّنا درجنا في هذه البلاد على طريقةٍ في تعليم التفسير جدواها ضعيفة ,
تجِد العالِم يجلس بين الأذان والإقامة لصلاة العشاء يُقرَأ عليه في تفسير ابن كثير , أو في درس مع كتب أخرى , يُقرأ عليه في تفسير ابن كثير ورقة ورقتين ثلاث في نصف ساعة أو ساعة ..
كيف يُعلّق الشيخ على ثلاث ورقات في ساعة ؟!
تجده إمّا يُصحّح خطأ لحن ,أو يُبيّن كلمة غامضة ويمشي ,,
هذا ليس تفسيراً ! هذه قراءة وليست تفسيراً , لكن لو وُجد تفسير بمعناه الصحيح كما كان شيخ الإسلام يُفسّر , كما كان ابن كثير يُفسّر , ليس معه إلّا المصحَف , يقــــــــرأ الآية ويُفسّــــــــــــر الآية , هذا التفسير,,
لكن هذا يحتاج إلى تمكّن في جميع العلوم .. يعني سهل أنه يقرأ عليك في التفسير وتصحّح لحن أو تُعلّق على كلمة ..
نحن جرّبنا أطول تفسير وأقصر تفسير , جرّبنا القرطبي , ولنا معه الآن سبعة عشر عاماً أكملناها , يقرأ القارئ ويُعلّق عليه بما يفتح الله جلّ وعلا , وفيه مطالب مُتعدّدة وفنون كثيرة .. فيه مجال للكلام , أكثر من المجال في تفسير ابن كثير , لكن يحتاج إلى عُمُر !!
جرّبنا أيضاً تفسير الجلالين , يعني تجعله بيدك , وتفسّر الآية , وتقول قد راجعتُ عليها الحواشي وكُتُب التفسير الأخرى ..
مع ماعندك من رصيد في العلوم الأخرى , هذا يستفيد منه طالب العلم ,,
أمّا أن تأتي بتفسير ابن كثير , وتجعل أحداّ يقرأ ورقتين ثلاث , ثمّ تُعلّق مجموع تعليقك ما يبلغ ربع ساعة , ما يُسمّى هذا تفسيراً.
وهذا الذي جعل الناس يزهدون في التفسير لقلّة الفائدة..
تفسير ابن كثير كل إنسان عنده نُسخة , وكلّ إنسان يقرأ من طُلّاب العلم,, لكن لو وُجِد مُفسّــــــــــــر بالفعل , لاجتمع عليه الناس من الآفاق , وهذا المأمول في أهل العلم وطُلّابه , أن يعتنوا بكتاب الله جلّ وعلا , وأن يُولُوهُ العناية التامّة وأن يُعطوه حقَّه لأنّه كلام الله , وهو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنّما خاطب الرحمن بالكلم, أنت تخاطب الله جلّ وعلا , بينما كُتُبك الأخرى تُخاطب المُؤلفين ....اهـ
المرجع : شريط معالم منهجية في طلب العلم
للشيخ الدكتور/ عبد الكريم الخضير
 
جزاكِ الله كل الخير على هذه الإفادات القيمة ..
وأذكر هنا تجربة لأحد مدرسي التفسير بالجامعة الإسلامية ، وقد أخبرني بها، إذ يقول فيها حفظه الله :
وكنت قد جربت -مع حداثة خبرتي في التدريس- عدة طرق في تدريس هذه المادة لطلاب إحدى الجهات التعليمية ..
منها طريقة التعليق على تفسير ابن كثيررحمه الله إذ هو الكتاب المقرر ..
وكنت أجد من الطلاب مللاً وفتوراً كبيرين ، ويزيد الطين بلةً ، أن عددهم يزيد كل يوم ، حتى تجاوزوا المائة في كل قاعة أدرس بها !!
ومنها طريقة الحوار والمناقشة لما يذكره ابن كثير رحمه الله ، وهي نافعة ، ولكنها تؤدي إلى التأخر في إنجاز المقرر المطلوب ..
ومنها طريقة الإلقاء - وهي الطريقة التي اعتمدتها منذ الأسبوع الثاني من أيام الدراسة - وتعتمد على :
استيعاب ما في تفسير ابن كثير للمقرر المطلوب -وهو سورة المائدة - .
تحضير المادة بعد ذلك من كتب التفسير المتوفرة لدي وهي :
تفسير الطبري - ابن عطية أحياناً - القرطبي - النسفي أحياناً - البحر المحيط وهو أساسي عندي - الألوسي - فتح القدير أحياناً - السعدي أحياناً - ابن عاشور - أضواء البيان أحياناً - التفسير الموضوعي لسور القرآن أحياناً .
ولا يلزم أن أذكر كل ما قالوه بقدر أن أخرج بالخلاصة مما ذكروه .
واستدعت هذه الطريقة تحسين مهارات الإلقاء والخطابة في نفس الوقت ..
والحمد لله رب العالمين، حيث أنني أكملت المقرر قبل نهاية الفصل الدراسي ، بل وراجعته مع الطلاب بطريقة التفسير الموضوعي في محاضرتين ولله الحمد .
وعندما وضعت لهم استبياناً حول ما درسوه ، وجدت أنهم يذكرون تأثرهم عند وعظهم بالقرآن وآياته . وأنهم يندمجون عند ربط الآيات بالواقع الذي يشاهدونه . وأن القصص التي تحكى في ثنايا الدروس تدفعهم إلى الحرص على الحضور لاستملاحهم إياها . وأن هذه هي المرّة الأولى التي يأخذون فيها هذا الكم من المقرر الدراسي ، وأن حسن التعامل يدفعهم إلى قبول ما يلقيه المدرس ..
ولا أصطحب عند دخولي قاعة الدرس غير ورقة الحضور والغياب أ.هـ

وتجربته كما يتضح ، تصدق على ما قاله شيخنا العلامة عبد الكريم الخضير حفظه الله .
 
وإن كان سؤالكم موجّه للمشايخ المعروفين بالتفسير في هذا المنتدى -شيخ علي- إلّا أنّي سأُجيبُ عنه حسب تجربتي...
قدتُ الحلقة القرآنية وقد كان عُمُري عشرين عاماً ....
شعرتُ بالعبرة تخنُقني وأنــــــا أشرح لطالبات المرحلة المتوسّطة ! كتاب المولى جلّ في عُلاه بين يدي هذه الفقيرة في العلم , علماً بأنّي كُنتُ مجبَرةً على القيادة بأمرٍ شورى بين مُعلّماتٍ حفظهنّ الله , والدورة مكثّفة -حفظ عشرة أجزاء-, وكانت في الإجازة الصيفية , ولا تسلْ عن بنات المتوسط..
لكنّي أُجبِرت.. دخلتُ هذا المضمار بكل ثقة بالله وحده ,, قرّرتُ أن أجعلها حلقة حوار وحل مشكلات -طبعاً بعد الهدف الأسمى وهو الحفظ- فأصبحتُ إذا قرأت التفسير من ابن كثير أتخيّل أن ألقيه للطالبات فأقول : وهل سيفهمن ؟؟
فألجأ مباشرة إلى استنباط ((سواليف على قولتنا )) لأحكي لهنّ أي شيء متعلّق بالآية سواء قصة أو موقف أو سؤال مُحيّر أو حركة غريبة تؤثر في الحلقة ...
مضت الأيام على هذا المنوال ,, على قلّة العلم إلا أنه لا غياب ,, لا ضجر ,, لا ملل ,, سوى تفسير مع حزم مع ((استهبال)) وقت الراحة لأنّ الوقت من السابعة إلى الثانية عشر والنصف.. المهم أنّي لم أكن أعرف التدبّر جيداً لكنّي بفتح من الله كنتُ أحب المجازفة في العطاء .. رغم ما وجدتُ من الإهانات من الطالبات .. لكن والله ما نفعهنّ إلا الصبر عليهنّ ,, فأراهنّ يكبرن أمامي حتى بُشّرتُ بختم إحداهنّ للقرآن الكريم بفضل الله تعالى , وهي التي تناديني بأمي الثانية ..وبعد ..
أقول هذا دليل على وجوب استيعاب العلم ثم بثّه بعد ذلك حسب الفئة التي أمامك .. فطلبة العلم لا أتوقّع أنهم سيملّون من المعلومات القرآنية فأمْلِ عليهم ما شئت فالقلبُ يطير فرحاً بالعلم .. وهذا يقلّ عند بعض الناس , وينعدم عند البعض الآخر ....
فعلاً مُحتاجين لطريقة شيخ الإسلام وابن كثير وأمثالهم كما قال الشيخ الخضير وفقه الله
لكن لا يعني انعدامه , فهناك شروح من أروع الشروح
وفق الله الجميع لما يُحبّ ويرضى
 
أظن أن القصور الواضح في عدم إعطاء التفسير حقه في الدورات العلمية يرجع إلى أمور منها:
- أن المبدعين في تعليم التفسير وتدريسه قلة قليلة بالنسبة لغيرهم .
- توجه المنظمين للدورات لما يطلبه المشاركون - شيوخاً وتلاميذ -.
- عدم تبنّي دورات تؤصل لمنهجية دراسة التفسير ..
إلى غيرها من الأسباب التي تحتاج إلى تأمل وإعادة نظر ...
 
لعلّ من أهم الأسباب، عدم وجودِ متنٍ يُدرَّسُ في التفسير؛ يكون مناسباً للتعليق والتأسيس والحفظ والانطلاق منه.
ولي تجربةٌ في هذا المجال، استفدْتُ منها كثيراً:
قد أتمَمْتُ التفسيرَ ثلاث مرات في مسجدي. وسلكْتُ مسلكين؛ وجدْتُ الفائدة العُظمى في الثانية:
الأولى: كنْتُ أقرأُ من المصحفِ وأفسِّرُ بعد مراجعة كتب التفاسير، واعتمدْتُ على ستّة كتب، آتي بخلاصتها وباختصار شديد على المبيّن والموضّح: (الطبري، والقرطبي، والمنير للزحيلي، والنكت للماوردي، وأبي السعود، وأيسر التفاسير)، مع قراءةٍ لأخرى، ولكنَّ العمدة على الستّة.
- فالطبري لمعرفة أقوال السلف.
- والقرطبي: للمسائل الفقهية.
- والزحيلي: للتلخيص والترتيب.
- والنكت: للفوائد.
- وأبي السعود: للوقوف على بعض اللطائف البلاغية.
- وأيسر التفاسير: للفوائد التربويّة.
وكانت النتيجة: إقبال العوامّ، وإدبار طلبة العلم، وخفّة المجلس.

في الختمة الثانية: جعلْتُ كتاب (تهذيب الجلالين) للصباغ هو المتن، وذلك لخلوّه من عيوب الأصل وسهولته.
وانطلقْتُ بالتعليقات عليه على المنوال السابق، فامتلأ المجلس بالطلبة، وحفّزني ذلك على قراءة ما يزيد على ثلاثة عشر تفسيراً في كل مجلس وتلخيصها...واستفدْتُ فائدةً عظيمة، وصار هذا المتن صاحبي في حلّي وترحالي، وكثرتْ التعليقات عليه، واستفاد الحاضرون كثيراً.
واستمرّيتُ على هذا المنوال...فهذا خلاصة ما وصلْتُ إليه من تجربتي، والله الموفق.
 
عودة
أعلى