بسم الله الرحمن الرحيم
يفهم القرآن من ترجمته الإنكليزية قول لايصح
إخواني الإعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إن من يدَعِي أن من أراد فهم القرآن فعليه بالترجمة الإنكلنزية وطرح كتب التفسير جانبا، أقول من يدَعِي بهذا الإدعاء فإني أجزم جزما قاطعا أنه قاصرالعلم والفهم معا، في العربية والإنكلنزية! وذلك لأسباب عديدة! أختصر بعضا منها في الآتي:
أولا. يصعب جدا أن تجد في جميع (أي بلا استثاء) "ترجمات" القرآن في اللغة الإنكلنزية المتداول جملة واحدة من كلمتين أوأكثرفي أي منها فعلا تطابق النص القرآني المجيد!
ثانيا. اللغة الإنكلنزية كالحجارة الصماء، أي غير قابلة للتصريف (إلا لحفنة صغيرة من المفردات والضمائرالمحدودة جدا) وقاصرة قصورا شديدا بالنسـبة لمفردات القرآن الدّقيقـة ولنصوصه ولصيغه البيانية والبليغة! ونتج عن ذلك أمور خطيرة جدا، منها المذكور في ثالثا!
ثالثا. الذين ترجموا القرآن لم يترجموه بدقة لنصوصه ولصيغه! صعب عليهم ذلك، ففسروه بزيادات كثيرة وإنقاصات كثيرة وتحويرات أكثروأكثر، بل أدهى وأمـرقالوا بنقيض ما يقوله القرآن، عن غير قصد!
رابعا. الذين "ترجموا" القرآن لم يترجموه، أي لم ينقلوه من العربية إلى الإنكلنزية بدقة وأمانة لنصوصه وصييه! فـ "ترجماتهم" هي أقرب ما تكون إلى التفاسيرالشخصية القاصرة! لذلك سموا عملهم "ترجمة معاني القرآن"! والذي بين دفتي كتاب هكذا ترجمتة هو ليس لواحد لمعاني القرآن! ذلك إن معاني القرآن تكاد لا تحصى في أي زمن، حيث هي تتراكم وتتزايد باستمرار في كل لحظة، علم ذلك من علمه وجهله من جهل، على مر العصور وتطور العلوم! وهذه الحقيقة هي من الإعجاز العلمي للقرآن في العصور الحديثة، لمن يتابعها.ويقرها!
خامسا. لو كان المدعي ملما ولو الماما متوسطا بالعربية والإنكلنزية لتبين له كل ما ذكر أعلاه من أول وهلة، ولما قال ما قال!
سادسا. النص والصيغة في القرآن المجيد في منتهى الدقة والبيان من حيث نقل الصـورة بالنص والصيغة لما يراد من المعنى والمرمى! والإنكلنزية،بل كل اللغات، لا توجد بها المفردات المقابلة لتلكم الأغراض! فلا بد من تسوية تلكم النقوص في تلكم اللغات كي تحاكي مفردات القرآن! و المترجمو، جميعهم، لم يفعلوا شيئا من ذلك! لذا جاءت "ترجماتهم" مفعمة بالأخطاء الشنيعة والقاتلة! فهي لا تصلح للتعبير عن نصوصه وصيغه!
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حيا الله الدكتور المبارك على صفحات الملتقى المبارك لمدارسة الكتاب المبارك
أبدأ من النقطة السادسة
هل أفهم من كلامك أن الترجمة النصية غير ممكنة ؟
إذا كان الأمر كذلك ، هل هو تراجع عن ما نقل عنكم على الرابط التالي:
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=17255
من الدعوة إلى الترجمة النصية ؟
ثانيا قضية الحكم على أن دعوى فهم القرآن من خلال الترجمة غير صحيحة
أقول قضية الفهم أمر نسبي
فإن كان المراد الفهم التام الذي لا يحتاج مع النص إلى شيء آخر فلا شك أن هذا لا يمكن أن يدعيه حتى أهل اللسان العربي الذي نزل بلغتهم القرآن.
وإن كان المراد الفهم النسبي الذي تقوم به الحجة على الإنسان فهذا ممكن ، والقول بعدمه إبطال لحجية القرآن على غير المتكلمين بلسانه ، والله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعا:
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف(158)
والكتاب الذي أنزل عليه حجة على من بلغه :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) الأنعام (19)
ولا يمكن تبليغ هذا القرآن إلا من خلال الترجمة النصية لهذا الكتاب
وهذا ما يصدقه الواقع
فالتراجم كلها متجهة إلى النص
وأثر هذه التراجم على من ترجم الكتاب إلى لغاتهم لا يخفى
وهذه بعض الأمثلة:
يقول (وليم بيرشل بيكارد):
"ابتعت نسخة من ترجمة سافاري (Savary) الفرنسية لمعاني القرآن الكريم، وهي أغلى ما أملك، فلقيت من مطالعتها أعظم متعة وابتهجت بها كثيراً حتى غدوت وكأن شعاع الحقيقة الخالد قد أشرق عليَّ بنوره المبارك"([1]) .
وتقول(ديبورابوتر):
"عندما أكملت القرآن الكريم غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها. وأنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية، أمَّا القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع، وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة" ([2]) .
ويقول (عامر علي داود) الذي كان برهمياً، ثم نصرانياً، ثم مسلماً حنيفاً: " تناولت نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية؛ لأنني عرفت أن هذا هو الكتاب المقدّس عند المسلمين، فشرعت في قراءته، وتدبر معانيه، لقد استقطب جُلَّ اهتمامي، وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن سؤالي المحير: (الهدف من الخلق) في الصفحات الأولى من القرآن الكريم.. لقد قرأت الآيات [30-39] من سورة البقرة.. وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس منصف، إن هذه الآيات تخبرنا بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة عن قصة الخلق" ([3]) .
ويقول كانت ستيفنز ـ المغني البريطاني ـ الذي أسلم بعد ذلك، وتسمى باسم يوسف إسلام:
"في تلك الفترة من حياتي بدا لي وكأنني فعلت كل شيء، وحققت لنفسي النجاح والشهرة والمال والنساءوكل شيء، ولكن كنت مثل القرد أقفز من شجرة إلى أخرى([4])، ولم أكن قانعاً أبداً، ولكن كانت قراءة القرآن بمثابة توكيد لكل شيء بداخلي كنت أراه حقاً، وكان الوضع مثل مواجهة شخصيتي الحقيقية"([5]).
ويضيف يوسف إسلام قائلاً: "وفي عام 1975م حدثت المعجزة، بعد أن قدم لي شقيقي الكبير نسخة من القرآن الكريم هدية، وبقيت هذه النسخة معي حتى زرت القدس في فلسطين، ومن تلك الزيارة بدأت أهتم بذلك الكتاب الذي أهدانيه أخي، والذي لا أعرف ما بداخله، وماذا يتحدث عنه.. ".
إلى أن يقول: "القرآن هو الذي دعاني للإسلام فأجبت دعوته، أما الكنيسة التي حطمتني، وجلبت لي التعاسة والعناء، فهي التي أرسلتني إلى هذا القرآن عندما عجزت عن الإجابة عن تساؤلات النفس والروح".
ويختم يوسف إسلام كلامه قائلاً: "لقد أجاب القرآن عن تساؤلاتي، وبذلك شعرت بالسعادة، سعادة العثور على الحقيقة.. وبعد قراءة القرآن الكريم كله خلال عام كامل، بدأت أطبق الأفكار التي قرأت فيه، فشعرت في ذلك الوقت أنني المسلم الوحيد في العالم، ثم فكرت كيف أكون مسلماً حقيقياً؟ فاتجهت إلى مسجد لندن، وأشهرت إسلامي، وقلت: " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله" حين ذاك أيقنت أن الإسلام الذي اعتنقته رسالة ثقيلة، وليس عملاً ينتهي بالنطق بالشهادتين"([6]) .
ونتيجة لما تعيشه المجتمعات غير الإسلامية ـ وبخاصة في الغرب ـ من تيه وظلام وجهل بالدين الحقيقي، وتراكمات من البعد عن الله تعالى، فقد توقع كثير من عقلاء الغرب ومنصفيه أن الإسلام هو الدين المنتظر، وأن الناس هنالك ابتدؤوا في التعرف على الدين الإسلامي الحنيف واعتناقه وبخاصة بعد قراءة ترجمات معاني القرآن الكريم.
يقول الفيلسوف برناردشو مؤكداً ذلك: "سيجيء يوم يعتنق فيه الغرب الإسلام، فإنه مضت قرون كاملة كان للغرب فيها كتب وجرائد مملوءة من الافتراءات على دين الإسلام ونبيِّهr، أمَّا اليوم فقد ترجمت معاني القرآن وبعض كتب الإسلام إلى لغات بلاد أوروبا ولا سيَّما بالإنجليزية، ففهمرجال الغرب أن الإسلام الحقيقي ليس الذي كانوا يقرؤونه في الجرائد والكتب السابقة"([7]) .
([1]) قالوا عن الإسلام د. عماد الدين خليل ص57.
([2]) المرجع السابق ص55.
([3]) المرجع السابق ص59.
([4]) وهذا مصداق لقوله تعالى: ]إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
[ [
الفرقان 44].
([5]) قالوا عن الإسلام، د.عماد الدين خليل ص68.
([6]) دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله، لعبده بوريما ص73-75.
([7]) المرجع السابق ص73.
مصدر هذه النقول
بحث للدكتور
عبد الرحيم بن محمد المغذوي
تحت عنوان
دور ترجمات
معاني القرآن الكريم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام