{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء} النحل-89

محمد يزيد

Active member
إنضم
24/01/2012
المشاركات
534
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
العمر
44
الإقامة
الجزائر
بسم1​
الحمد لله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
وأصلي وأسلمُ على خاتم الأنبياء وغرة الأصفياء محمد بن عبد الله؛ وعلى آله وأصحابه وآل بيته ومن اتبعه ووالاه.
وبعد..
أعرض هاهنا مستعينا بالله عز وجل تفسير قوله تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89)} نقلا عن أضواء البيان للإمام العلامة محمد الأمين الشنقيطي (1394 هـ) رحمه الله، عسى ينتفع بها الإخوة المتابعون، ولطوله سأقسمه إلى أقسام عديدة.

قالَ رحمه الله:
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ، يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِما أجابُوا بِهِ رَسُولَهم، وأنَّهُ يَأْتِي بِنَبِيِّنا ﷺ شاهِدًا عَلَيْنا. وبَيَّنَ هَذا المَعْنى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ . . . الآيَةَ [النساء: ٤١، ٤٢]، وكَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩]، وكَقَوْلِهِ: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”اقْرَأْ عَلَيَّ“، قالَ: فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أأقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قالَ: ”نَعَمْ؛ إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيْرِي“، فَقَرَأْتُ ”سُورَةَ النِّساءِ“، حَتّى أتَيْتُ إلى هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١]، فَقالَ: ”حَسْبُكَ الآنَ“، فَإذا عَيْناهُ تَذْرِفانِ». اه.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ﴾ [النحل: ٨٩]، مَنصُوبٌ بـِ ”اذْكُرْ“ مُقَدَّرًا. والشَّهِيدُ في هَذِهِ الآيَةِ فَعِيلَ بِمَعْنى فاعِلٍ، أيْ: شاهِدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ.
 
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾. ذَكَرَ -جَلَّ وعَلا- في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ هَذا الكِتابَ العَظِيمَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ. وبَيَّنَ ذَلِكَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُرادَ بِالكِتابِ فِيها القُرْآنُ. أمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ. فَلا بَيانَ بِالآيَةِ. وعَلى كُلِّ حالٍ فَلا شَكَّ أنَّ القُرْآنَ فِيهِ بَيانُ كُلِّ شَيْءٍ. والسُّنَّةُ كُلُّها تَدْخُلُ في آيَةٍ واحِدَةٍ مِنهُ؛ وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] .

وَقالَ السُّيُوطِيُّ في ”الإكْلِيلِ“ في اسْتِنْباطِ التَّنْزِيلِ، قالَ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، وقالَ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وقالَ ﷺ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ ”، قِيلَ: وما المَخْرَجُ مِنها ؟ قالَ:“ كِتابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ ما قَبْلَكم، وخَبَرُ ما بَعْدَكم، وحُكْمُ ما بَيْنَكم»، أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ في سُنَنِهِ: حَدَّثَنا خَدِيجُ بْنُ مُعاوِيَةَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: مَن أرادَ العِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالقُرْآنِ؛ فَإنَّ فِيهِ خَبَرَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ. قالَ البَيْهَقِيُّ: أرادَ بِهِ أُصُولَ العِلْمِ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أنْزَلَ اللَّهُ مِائَةً وأرْبَعَةَ كُتُبٍ، أوْدَعَ عُلُومَها أرْبَعَةً: التَّوْراةَ، والإنْجِيلَ، والزَّبُورَ، والفُرْقانَ. ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ الثَّلاثَةِ الفَرْقانَ، ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ القُرْآنِ: المُفَصَّلَ، ثُمَّ أوْدَعَ عُلُومَ المُفَصَّلِ: فاتِحَةَ الكِتابِ؛ فَمَن عَلِمَ تَفْسِيرَها كانَ كَمَن عَلِمَ تَفْسِيرَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ. أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ.
 
وَقالَ الإمامُ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَمِيعُ ما تَقُولُهُ الأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ، وجَمِيعُ شَرْحِ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ.
وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ما سَمِعْتُ حَدِيثًا إلّا التَمَسْتُ لَهُ آيَةً مِن كِتابِ اللَّهِ.
وَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ما بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى وجْهِهِ إلّا وجَدْتُ مِصْداقَهُ في كِتابِ اللَّهِ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذا حَدَّثْتُكم بِحَدِيثٍ أنْبَأْتُكم بِتَصْدِيقِهِ مِن كِتابِ اللَّهِ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أيْضًا: أُنْزِلَ في القُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ، وبُيِّنَ لَنا فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، ولَكِنَّ عِلْمَنا يَقْصُرُ عَمّا بُيِّنَ لَنا في القُرْآنِ. أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ.
وَأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ لَوْ أغْفَلَ شَيْئًا لَأغْفَلَ الذَّرَّةَ والخَرْدَلَةَ والبَعُوضَةَ».
 
وَقالَ الشّافِعِيُّ أيْضًا: جَمِيعُ ما حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَهو مِمّا فَهِمَهُ مِنَ القُرْآنِ.
قُلْتُ: ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُهُ ﷺ: «إنِّي لا أحِلُّ إلّا ما أحَلَّ اللَّهُ في كِتابِهِ، ولا أُحَرِّمُ إلّا ما حَرَّمَ اللَّهُ في كِتابِهِ»، رَواهُ بِهَذا اللَّفْظِ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ.
وَقالَ الشّافِعِيُّ أيْضًا: لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأحَدٍ في الدِّينِ نازِلَةٌ إلّا في كِتابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلى سَبِيلِ الهُدى فِيها، فَإنْ قِيلَ: مِنَ الأحْكامِ ما ثَبَتَ ابْتِداءً بِالسُّنَّةِ ؟ قُلْنا: ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِن كِتابِ اللَّهِ في الحَقِيقَةِ؛ لِأنَّ كِتابَ اللَّهِ أوْجَبَ عَلَيْنا اتِّباعَ الرَّسُولِ ﷺ، وفَرَضَ عَلَيْنا الأخْذَ بِقَوْلِهِ.
وَقالَ الشّافِعِيُّ مَرَّةً بِمَكَّةَ: سَلُونِي عَمّا شِئْتُمْ، أُخْبِرْكم عَنْهُ مِن كِتابِ اللَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: ما تَقَوُلُ في المُحْرِمِ يَقْتُلُ الزُّنْبُورَ ؟ فَقالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وحَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِ بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «”اقْتَدَوْا بِاللَّذَيْنِ مِن بَعْدِي: أبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ»“، وحَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: أنَّهُ أمَرَ بِقَتْلِ المُحْرِمِ الزُّنْبُورَ.
 
وَرَوى البُخارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّراتِ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَقالَتْ لَهُ امْرَأةٌ في ذَلِكَ. فَقالَ: وما لِي لا ألْعَنُ مِن لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو في كِتابِ اللَّهِ. فَقالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ ما بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَما وجَدْتُ فِيهِ ما تَقُولُ ؟ ! قالَ: لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وجَدْتِيها! أما قَرَأْتِ ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، ؟ قالَتْ: بَلى. قالَ: فَإنَّهُ قَدْ نَهى عَنْهُ.
وَقالَ ابْنُ بُرْجانَ: ما قالَ النَّبِيُّ ﷺ مِن شَيْءٍ فَهو في القُرْآنِ، أوْ فِيهِ أصْلُهُ قَرُبَ أوْ بَعُدَ، فَهِمَهُ مَن فَهِمَ، أوْ عَمِهَ عَنْهُ مَن عَمِهَ، وكَذا كُلُّ ما حَكَمَ أوْ قَضى بِهِ.
وَقالَ غَيْرُهُ: ما مِن شَيْءٍ إلّا يُمْكِنُ اسْتِخْراجُهُ مِنَ القُرْآنِ لِمَن فَهَّمَهُ اللَّهُ تَعالى؛ حَتّى إنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمُرَ النَّبِيِّ ﷺ ثَلاثًا وسِتِّينَ مِن قَوْلِهِ ”في سُورَةِ المُنافِقِينَ“: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذا جاءَ أجَلُها﴾ [المنافقون: ١١]؛ فَإنَّها رَأْسُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سُورَةٍ، وعَقَّبَها ”بِالتَّغابُنِ“، لِيُظْهِرَ التَّغابُنَ في فَقْدِهِ.
 
جَمَعَ القُرْآنُ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ

جَمَعَ القُرْآنُ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ

وَقالَ المُرْسِيُّ: جَمَعَ القُرْآنُ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِها عِلْمًا حَقِيقَةً إلّا المُتَكَلِّمُ بِهِ، ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، خَلا ما اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ سُبْحانَهُ، ثُمَّ ورِثَ عَنْهُ مُعْظَمَ ذَلِكَ ساداتُ الصَّحابَةِ وأعْلامُهم؛ مِثْلُ الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ، ومِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ حَتّى قالَ: لَوْ ضاعَ لِي عِقالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ في كِتابِ اللَّهِ. ثُمَّ ورِثَ عَنْهُمُ التّابِعُونَ لَهم بِإحْسانٍ، ثُمَّ تَقاصَرَتِ الهِمَمُ، وفَتَرَتِ العَزائِمُ، وتَضاءَلَ أهْلُ العِلْمِ، وضَعُفُوا عَنْ حَمْلِ ما حَمَلَهُ الصَّحابَةُ والتّابِعُونَ مِن عُلُومِهِ وسائِرِ فُنُونِهِ؛ فَنَوَّعُوا عُلُومَهُ، وقامَتْ كُلُّ طائِفَةٍ بِفَنٍّ مِن فُنُونِهِ.
 
قَالَ تَعَالَى في سُورَةِ لُقْمَانَ :{ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}

قال في الْمُحَرَّرِ الْوَجِيزِ:
والغرضُ مِنها الإعلامُ بكَثرةِ كلماتِ اللهِ تَعالَى وهي في نَفسِها غيرُ مُتناهيةٍ وإنَّما قرَّبَ الأمرَ على أفهامِ البشرِ بما يَتَنَاهَى، لأنَّه غايةُ ما يَعهدُه البشرُ من الكثرةِ، وأيضا فإنَّ الآيةَ إنَّما تضمنت أنَّ كَلِماتُ اللَّهِ لم تكن لِتنفدَ، وليسَ مُقتضي الآيةِ أنَّها تنفدُ بأكثرَ من هذهِ –الأقلامِ- والبُحورِ .

فهذه الآية رسالة لكل من أراد أن يفهم ......
 
القراءات

القراءات

فاعْتَنى قَوْمٌ بِضَبْطِ لُغاتِهِ، وتَحْرِيرِ كَلِماتِهِ، ومَعْرِفَةِ مَخارِجِ حُرُوفِهِ وعَدَدِها، وعَدِّ كَلِماتِهِ وآياتِهِ، وسُوَرِهِ وأجْزائِهِ، وأنْصافِهِ وأرْباعِهِ، وعَدَدِ سَجَداتِهِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن حَصْرِ الكَلِماتِ المُتَشابِهَةِ، والآياتِ المُتَماثِلَةِ. مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعانِيهِ، ولا تَدَبُّرٍ لِما أُوُدِعَ فِيهِ. فَسُمُّوا القُرّاءَ.
 
النحو

النحو

واعْتَنى النُّحاةُ بِالمُعْرَبِ مِنهُ والمَبْنِيِّ مِنَ الأسْماءِ والأفْعالِ، والحُرُوفِ العامِلَةِ وغَيْرِها. وأوْسَعُوا الكَلامَ في الأسْماءِ وتَوابِعِها، وضُرُوبِ الأفْعالِ، واللّازِمِ والمُتَعَدِّي، ورُسُومِ خَطِّ الكَلِماتِ، وجَمِيعِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ حَتّى إنَّ بَعْضَهم أعْرَبَ مُشْكَلَهُ. وبَعْضُهم أعْرَبَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً.
 
هل نشرت فصل "علم الذرة والفيزياء" من كتاب "استنباط العلوم من كلام الحي القيوم"؟
 
التفسير

التفسير

واعْتَنى المُفَسِّرُونَ بِألْفاظِهِ، فَوَجَدُوا مِنهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلى مَعْنًى واحِدٍ، ولَفْظًا يَدُلُّ عَلى مَعْنَيَيْنِ، ولَفْظًا يَدُلُّ عَلى أكْثَر؛ فَأجْرَوْا الأوَّلَ عَلى حُكْمِهِ، وأوْضَحُوا الخَفِيَّ مِنهُ، وخاضُوا إلى تَرْجِيحِ أحَدِ مُحْتَملاتِ ذِي المَعْنَيَيْنِ أوِ المَعانِي، وأعْمَلَ كُلٌّ مِنهم فِكْرَهُ، وقالَ بِما اقْتَضاهُ نَظَرُهُ.
 
أصول الدين

أصول الدين

واعْتَنى الأُصُولِيُّونَ بِما فِيهِ مِنَ الأدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ، والشَّواهِدِ الأصْلِيَّةِ والنَّظَرِيَّةِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الكَثِيرَةِ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ أدِلَّةً عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ ووُجُودِهِ، وبَقائِهِ وقِدَمِهِ، وقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ، وتَنْزِيهِهِ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ؛ وسَمَّوْا هَذا العِلْمَ بـِ ”أُصُولِ الدِّينِ“.
 
أصول الفقه

أصول الفقه

وَتَأمَّلَتْ طائِفَةٌ مَعانِيَ خِطابِهِ؛ فَرَأتْ مِنها ما يَقْتَضِي العُمُومَ، ومِنها ما يَقْتَضِي الخُصُوصَ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ أحْكامَ اللُّغَةِ مِنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ، وتَكَلَّمُوا في التَّخْصِيصِ والإضْمارِ، والنَّصِّ والظّاهِرِ، والمُجْمَلِ والمُحْكَمِ والمُتَشابِهِ، والأمْرِ والنَّهْيِ والنَّسْخِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الأقْيِسَةِ، واسْتِصْحابِ الحالِ والِاسْتِقَراءِ؛ وسَمَّوْا هَذا الفَنَّ ”أُصُولَ الفِقْهِ“.
 
الفقه

الفقه

وَأحْكَمَتْ طائِفَةٌ صَحِيحَ النَّظَرِ، وصادِقَ الفِكْرِ فِيما فِيهِ مِنَ الحَلالِ والحَرامِ، وسائِرِ الأحْكامِ، فَأسَّسُوا أُصُولَهُ وفُرُوعَهُ، وبَسَطُوا القَوْلَ في ذَلِكَ بَسْطًا حَسَنًا؛ وسَمَّوْهُ بِ ”عِلْمِ الفُرُوعِ“ وبِـ ”الفِقْهِ أيْضًا“.
 
التاريخ والقصص

التاريخ والقصص

وَتَلَمَّحَتْ طائِفَةٌ ما فِيهِ مِن قَصَصِ القُرُونِ السّابِقَةِ، والأُمَمِ الخالِيَةِ، ونَقَلُوا أخْبارَهم، ودَوَّنُوا آثارَهم ووَقائِعَهم. حَتّى ذَكَرُوا بَدْءَ الدُّنْيا، وأوَّلَ الأشْياءِ؛ وسَمَّوْا ذَلِكَ بِــ ”التّارِيخِ والقَصَصِ“.
 
الخطابة والوعظ

الخطابة والوعظ

وَتَنَبَّهَ آخَرُونَ لِما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ والأمْثالِ، والمَواعِظِ الَّتِي تُقَلْقِلُ قُلُوبَ الرِّجالِ، وتَكادُ تُدَكْدِكُ الجِبالَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِمّا فِيهِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ، والتَّحْذِيرِ والتَّبْشِيرِ، وذِكْرِ المَوْتِ والمَعادِ، والنَّشْرِ والحَشْرِ، والحِسابِ والعِقابِ، والجَنَّةِ والنّارِ، فُصُولًا مِنَ المَواعِظِ، وأُصُولًا مِنَ الزَّواجِرِ. فَسُمُّوا بِذَلِكَ ”الخُطَباءَ والوُعّاظَ“.
 
تَعْبِير الرُّؤْيا

تَعْبِير الرُّؤْيا

واسْتَنْبَطَ قَوْمٌ مِمّا فِيهِ مِن أُصُولِ التَّعْبِيرِ؛ مِثْلَ ما ورَدَ في قِصَّةِ يُوسُفَ: مِنَ البَقَراتِ السِّمانِ، وفي مَنامَيْ صاحِبَيِ السِّجْنِ، وفي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجُومِ ساجِداتٍ، وسَمَّوْهُ ”تَعْبِيرَ الرُّؤْيا“؛ واسْتَنْبَطُوا تَفْسِيرَ كُلِّ رُؤْيا مِنَ الكِتابِ، فَإنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ إخْراجُها مِنهُ، فَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي هي شارِحَةُ الكِتابِ، فَإنْ عَسُرَ فَمِنَ الحِكَمِ والأمْثالِ. ثُمَّ نَظَرُوا إلى اصْطِلاحِ العَوامِّ في مُخاطَباتِهِمْ، وعُرْفِ عاداتِهِمُ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ القُرْآنُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩].
 
عِلْم الفَرائِضِ

عِلْم الفَرائِضِ

وَأخَذَ قَوْمٌ مِمّا في آياتِ المَوارِيثِ مِن ذِكْرِ السِّهامِ وأرْبابِها، وغَيْرِ ذَلِكَ ”عِلْمَ الفَرائِضِ“، واسْتَنْبَطُوا مِنها مِن ذِكْرِ النِّصْفِ والثُّلُثِ، والرُّبْعِ والسُّدُسِ والثُّمُنِ ”حِسابَ الفَرائِضِ“، ومَسائِلَ العَوْلِ؛ واسْتَخْرَجُوا مِنهُ أحْكامَ الوَصايا.
 
عِلْم المَواقِيتِ

عِلْم المَواقِيتِ

وَنَظَرَ قَوْمٌ إلى ما فِيهِ الآياتُ الدّالّاتُ عَلى الحِكَمِ الباهِرَةِ في اللَّيْلِ والنَّهارِ، والشَّمْسِ والقَمَرِ ومَنازِلِهِ، والنُّجُومِ والبُرُوجِ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَخْرَجُوا ”عِلْمَ المَواقِيتِ“.
 
عِلْم المَعانِي والبَيانِ والبَدِيعِ

عِلْم المَعانِي والبَيانِ والبَدِيعِ

وَنَظَرَ الكُتّابُ والشُّعَراءُ إلى ما فِيهِ مِن جَزالَةِ اللَّفْظِ وبَدِيعِ النَّظْمِ، وحُسْنِ السِّياقِ والمَبادِئِ، والمَقاطِيعِ والمَخالِصِ والتَّلْوِينِ في الخِطابِ، والإطْنابِ والإيجازِ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَنْبَطُوا مِنهُ ”عِلْمَ المَعانِي والبَيانِ والبَدِيعِ“.
 
عِلْم المَواقِيتِ

وَنَظَرَ قَوْمٌ إلى ما فِيهِ الآياتُ الدّالّاتُ عَلى الحِكَمِ الباهِرَةِ في اللَّيْلِ والنَّهارِ، والشَّمْسِ والقَمَرِ ومَنازِلِهِ، والنُّجُومِ والبُرُوجِ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فاسْتَخْرَجُوا ”عِلْمَ المَواقِيتِ“.

قلتُ (يزيد): وللسلف الصالح مؤلفات أهملت ولم تعتن بها الأمة فضاع خير عظيم.
قال القاضي عياض في تآليف الإمام مالك: "ومنها كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر، وهو كتاب جيد مفيد جدا، قد اعتمد عليه الناس في هذا الباب، وجعلوه أصلا" [1].
فمن وجد لنا طريقا إلى معرفة المزيد عن هذا السفر الثمين فلا يبخلن به علينا.
........
[1] وأنقل هنا قول القاضي عياض بتمامه للفائدة: "اعلموا وفقكم الله أن لمالك رحمه الله، أوضاعا شريفة مروية عنه، أكثرها بأسانيد صحيحة في غير فن من العلم لكنه لم يشتهر عنه منها، ولا واظب على إسماعه ورواياته، غير الموطأ، مع حذفه منه وتلخيصه له شيئا بعد شيء. وسائر تواليفه إنما رواها عنه من كتب بها إليه، أو سأله إياها، أو آحاد من أصحابه، ولم تروها الكافه. فمن أشهرها رسالته إلى ابن وهب في القدر، والرد على القدرية، وهو من خيار الكتب في هذا الباب، الدال على سعة علمه بهذا الشأن رحمه الله.
و منها كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر، وهو كتاب جيد مفيد جدا، قد اعتمد عليه الناس في هذا الباب، وجعلوه أصلا، وعليه اعتمد أبو محمد عبد الله بم مسرور القروي في تأليفه، وقد أدخل جميعه صاحبا كتاب الاستيعاب لأقوال مالك: أبو عبد الله المعيطي، وأبو عمر بن المكوي، وفي جامع كتابهما الكبير. قال سحنون سمعته من ابن نافع وهو مما انفرد بروايته (عن مالك) عبد الله ابن نافع الصائغ.
قال سحنون سمعته من ابن نافع وهو في رواتنا عنه من طريق غير واحد من شيوخنا عن أبي القاسم الطرابلسي عن ابن دنير عن أبيه عن عبد الرحمان عن بعض أصحابه عن محمد بن ميمون عن إبراهيم بن هلال ومطرف بن قيس عن سحنون عن عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وعن غير واحد، عن أبي عبد الله بن عتاب عن أبي القاسم بن يحيى عن أبي جعفر تميم بن محمد عن أبيه عن عبد الجبار بن خالد وأحمد بن أبي سليمان عن سحنون قال أبو القاسم وحدثنا به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خالد عن إبراهيم بن هلال عن سحنون، وهذا أيضاً سند صحيح رواته كلهم ثقات". ترتيب المدارك:1/90-91.
 
واستنبطوا من القرآن عدم دوران السماء والأرض:
قيل لابن مسعود إن كعبا يقول إن السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحى في عمود على منكب ملك، فقال: "كذب كعب، إن الله تعالى يقول: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا. وكفى بها زوالا أن تدور"
 
ومنها كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر، وهو كتاب جيد مفيد جدا، قد اعتمد عليه الناس في هذا الباب، وجعلوه أصلا، وعليه اعتمد أبو محمد عبد الله بم مسرور القروي في تأليفه، وقد أدخل جميعه صاحبا كتاب الاستيعاب لأقوال مالك: أبو عبد الله المعيطي، وأبو عمر بن المكوي، وفي جامع كتابهما الكبير.

ومؤلِّفَا "كتاب الاستيعاب لأقوال مالك" الذي ذكر القاضي عياض أنه يحوي جميع ما في "كتاب الإمام مالك في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر" هما:
أبو عبد الله محمد بن عمر المعيطي، البغدادي، من أهل بغداد، توفي عام 222هـ/837م.
وأبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم الإشبيلي المعروف ابن المكوي، مالكي من أهل الأندلس، توفي سنة 401ه/1010م.

والظاهر أن كتابهما مفقود.
 
الشنقيطي:
"وَقَدِ احْتَوَى عَلَى عُلُومٍ أُخَرَ مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، مِثْلَ: الطِّبِّ، وَالْجَدَلِ، وَالْهَيْئَةِ، وَالْهَنْدَسَةِ وَالْجَبْرِ، وَالْمُقَابَلَةِ وَالنَّجَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
أَمَّا الْهَنْدَسَةُ: فَفِي قَوْلِهِ: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [77 \ 30، 31] ، فَإِنَّ فِيهِ قَاعِدَةً هَنْدَسِيَّةً، وَهُوَ أَنَّ الشَّكْلَ الْمُثَلَّثَ لَا ظِلَّ لَهُ.
وَأَمَّا النَّجَامَةُ: فَفِي قَوْلِهِ: أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ [46 \ 4] ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ
وَفِيهِ مِنْ أُصُولِ الصَّنَائِعِ، وَأَسْمَاءِ الْآلَاتِ الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَيْهَا،
الْخَبْزُ وَالطَّحْنُ:، أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ [12 \ 36] ، وَالطَّبْخُ، بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [11 \ 69] ، وَالْغَسْلُ وَالْقِصَارَةُ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [74 \ 4] ، قَالَ الْحَوَارِيُّونَ [3 \ 52] [5 \ 112] [61 \ 14] ، وَهُمُ الْقَصَّارُونَ، وَالْجِزَارَةُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [5 \ 3] وَالصَّبْغُ، صِبْغَةَ اللَّهِ. . . الْآيَةَ [2 \ 138] ، جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ. . . الْآيَةَ [35 \ 27]"

"أَوْرَدْنَاهُ بِرُمَّتِهِ مَعَ طُولِهِ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِيضَاحِ أَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ أَشْيَاءُ جَدِيرَةٌ بِالِانْتِقَادِ تَرَكْنَا مُنَاقَشَتَهَا خَوْفَ الْإِطَالَةِ الْمُمِلَّةِ"
(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) (2/ 434)
 
لا حول ولا قوة الا بالله ، حسبنا الله ونعم الوكيل.
ظل ذي ثلاث شعب هندسة ؟؟ والشكل المثلث لا ظل له ؟؟
عجيب ، ننظر سبحان الله كيف يقود الفهم المغلوط للآية لنشطح باذهاننا ونحمل كتاب الله مالا يحتمل.
 
وكأنّ الآيات التي تتناول موضوع الظل مفهومة عندك أخي عدنان كل الفهم، وأنّه لم يبق إلا أن تعارض غيرك بالحوقلة والحسبلة!
أدعوك لتقرأ مجمل ما جاء في التفاسير عن آيات الظل في موسوعة التفسير الموضوعي (هنا)، ثم هذه المحاولة الجادة من الدكتور زغلول النجار (هنا) لاستقراء معاني الظل المشار إليها في القرآن وإسقاطاتها الهندسية خاصة والعلمية الكونية عموما.

وأما ما نقله الشنقيطي عن السيوطي من أن الشكل المثلث لا ظل له فلم أفهم مراده مثلك؛ وهذا لا يعني ردّه، ويستأهل الأمر نظرا فاحصا في جميع الأوضاع الممكنة لمثلث معرضٍ إلى مصدر للنور ومقارنة ظلاله بظلال الأشكال التي تليه المربع والمخمس والمسدس وغيره.
ولعل السيوطي ناقل كذلك، وقلت أنه ربما ناقلٌ لأمرين:
الأول: اعتراف السيوطي نفسه في موضع آخر أن علم الحساب كان من أعسر العلوم عليه فلا عجب أن تكون الهندسة أعسر.

الثاني: أنه يبعد أن يكون كلامه ناجما من فراغ، ونحن نجلُّ عمله الجامع في كتابه الإتقان ونربأ به عن العبث وقول الجهَّال كما أنه لا عصمة له.
وقد دأَب أهل العلم على التدبر في كتاب الله والتأمّل في خلق الله ليجتمع عندهم فهم المراد من كلامه؛ والظلالُ جاء ذكرها في سورة النحل التي حوت في موضع منها آية الإيحاء إلى النحل في تشييد البيوت، وفيها قال أبو حامدٍ الغزالي:
"والعنكبوت تنسج من البيوت أشكالاً غريبة يتحير المهندس في استدارتها وتوازي أضلاعها وتناسب ترتيبها وبالضرورة تعلم انفكاكها عن العلم بما تعجز المهندسون عن معرفته، والنحل تشكل بيوتها على شكل التسديس فلا يكون فيها مربع ولا مدور ولا مسبع ولا شكل آخر وذلك لتميز شكل المسدس بخاصية دلت عليها البراهين الهندسية لا توجد في غيرها، وهو مبني على أصولٍ أحدُها، أن أحوى الأشكال وأوسعها الشكل المستدير المنفك عن الزوايا الخارجة عن الاستقامة، والثاني، أن الأشكال المستديرة إذا وضعت متراصة بقيت بينها فرج معطلة لا محالة، والثالث، أن أقرب الأشكال القليلة الأضلاع إلى المستديرة في الاحتواء هو شكل المسدس، والرابع أن كل الأشكال القريبة من المستديرة كالمسبع والمثمن والمخمس إذا وضعت جملة متراصة متجاورة بقيت بينها فرج معطلة ولم تكن متلاصقة، وأما المربعة فإنها متلاصقة ولكنها بعيدة عن احتواء الدوائر لتباعد زواياها عن أوساطها، ولما كان النحل محتاجاً إلى شكل قريب من الدوائر ليكون حاوياً لشخصه فإنه قريب من الاستدارة، وكان محتاجاً لضيق مكانه وكثرة عدده إلى أن لا يضيع موضعاً بفرج تتخلل بين البيوت ولا تتسع لأشخاصها ولم يكن في الأشكال مع خروجها عن النهاية شكل يقرب من الاستدارة وله هذه الخاصية وهو التراص والخلو عن بقاء الفرج بين أعدادها إلا المسدس، فسخرها الله تعالى لاختيار الشكل المسدس في صناعة بيتها؛ فليت شعري أعرف النحل هذه الدقائق التي يقصر عن دركها أكثر عقلاء الإنس أم سخره لنيل ما هو مضطر إليه الخالق المنفرد بالجبروت وهو في الوسط مجري فتقدير الله تعالى يجري عليه وفيه، وهو لا يدريه ولا قدرة له على الامتناع عنه، وإن في صناعات الحيوانات من هذا الجنس عجائب لو أوردت منها طرفاً لامتلأت الصدور من عظمة الله تعالى وجلاله، فتعساً للزائغين عن سبيل الله المغترين بقدرتهم القاصرة ومكنتهم الضعيفة الظانين أنهم مساهمون الله تعالى في الخلق والاختراع وإبداع مثل هذه العجائب والآيات". انتهى كلامه رحمــه الله.

فانظر إلى سعة أنظار بحور العلم هؤلاء وإلى جمال استنباطاتهم وسعة آفاقهم في التدبّر.
 
ومؤلِّفَا "كتاب الاستيعاب لأقوال مالك" الذي ذكر القاضي عياض أنه يحوي جميع ما في "كتاب الإمام مالك في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر" هما:
أبو عبد الله محمد بن عمر المعيطي، البغدادي، من أهل بغداد، توفي عام 222هـ/837م.
وأبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم الإشبيلي المعروف ابن المكوي، مالكي من أهل الأندلس، توفي سنة 401ه/1010م.

والظاهر أن كتابهما مفقود.

كنت قد أخطأت.
المعيطي المقصود ليس البغدادي بل:
محمد بن عبيد الله بن الوليد بن محمد القرشي المعيطي من أهل قرطبة (ت 367هـ/977م).
 
عودة
أعلى