"وَأَسَرُّواْ النجوى "

إنضم
22/04/2010
المشاركات
63
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
"وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ هَلْ هذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ "3الأنبياء

"فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى"62طه


المتأمل في الآيتين الكريمتين يلحظ في الآية الأولى :

"وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ هَلْ هذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ....."

الإظهار بعد الإضمار " وأسروا " أضمر الفاعل وهو" الواو " ثم أظهره " الذين ظلموا " وهو بدل من الفاعل " الواو "
" النجوى " أضمر هذه النجوى ثم أظهرها " هل هذا إلا بشر مثلكم ............ "وهذه الجملة بدل من النجوى أي : ما تناجوا فيه " هل هذا إلا بشر مثلكم ..... ....بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر..."
فما سر التعبير بالإضمار ثم الإظهار في هذه الآية؟

تصف هذه الآية موقف كفار قريش من القران الكريم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم- -
فناسب ذلك الإظهار بعد الإضمار للفاعل "الواو" و"النجوى" وصف حال كفار قريش وموقفهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإشعارا بظلمهم و لك أن تتصور زعماء قريش عندما اجتمعوا في دار الندوة وخططوا ثم خرجوا للناس وأعلنوا ما تناجوا فيه .
" هل هذا إلا بشر مثلكم ..... ....بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر..."




أما في الآية الثانية : " فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى"
أضمر ولم يظهر " وأسروا النجوى " ولم يقل: " وأسروا النجوى السحرة "ففي هذه الآية أضمر الفاعل الواو " ولم يظهره في هذه القصة في سورة طه في مرحلة التحدي بين موسى- عليه السلام –
"فلناتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى"58" قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "59" فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى"


وكذلك" النجوى" : فلم يظهر ما تناجوا فيه وأما قولهم:".. قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما..."
فإنه ليس بدلا من النجوى :أي ليس ما تناجوا فيه هذا الأمر وموقع الجملة :"قالوا إن هذان السحران ...." في محل نصب حال والتقدير: :وأسروا النجوى قائلين إن هذان السحران...... "
والذي يدفع ان تكون جملة " قالوا ان هذا لساحران......" بدلا من النجوى أي: أن يكون ما تناجوا فيه هذا الأمر
أولا: لو كانت بدلا لم تصدر الجملة ب" قالوا " كما في آية التي في سورة الأنبياء "وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ هَلْ هذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ"
لأن هذا القول محد ث وملفق بعد تنازعهم وليس هو الأمر الذي تناجوا فيه
وجملة " إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما "هي في محل نصب مفعول به للقول .

ثانيا: سياق الآية يتحدث عن التنازع بين السحرة " فتنازعوا أمرهم بينهم " والتنازع يكون بين نقيضين فهم تنازعوا أمرا بينهم وهو صدق موسى –عليه السلام- وصدق ما جاء به بعد ما قال لهم موسى –عليه السلام- قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فيسحتكم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" لكنهم اسروا هذه النجوى ويشعر لفظ " بينهم " ان الأمر بقي مكتوما بينهم ولكنهم لفقوا قولا ليقولوه في موسى-عليه السلام –"ان هذان لساحران..." حتى لا يظهر اختلافهم في ذلك " فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا " وهذا يشعر بالاختلاف الذي بينهم أي : لا تختلفوا وقولوا قولا وأجمعوا عليه ثم اخرجوا للناس يوم الزينة متفقين على ذلك" إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما "
ثالثا: " بعد أن القي السحرة سجدا قالوا "إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر" هذا يشعر أنهم مكرهون على ذلك و المكره يعمل خلاف ما يعتقد مكرهاً على ذلك فهم كانوا يعلمون حقيقة موسى- عليه السلام- أنه صادق فيما يقول لكن من السحرة من أراد الدنيا" قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين" ومنهم من خاف سطوة فرعون وجبروته
رابعا:" قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات" لفظ "البينات" يشعر أنهم عرفوا تلك البينات التي جاء بها موسى عليه السلام من قبل ذلك فالعصا بينة من تلك البينات
فناسب الإضمار للفاعل " الواو" و"النجوى" وصف حال السحرة عندما تنازعوا الأمر بينهم فهم أسروا حقيقة ما اختلفوا فيه وهو صدق موسى –عليه السلام- ولفقوا قولا ليضلوا الناس به
 
أشكرك أخي مخلد على ما تقدمت به حول هاتين الآيتين، وكلامك يتميز بالدقة النحوية التي تُعنى بالمعاني، وهذا شيء أجد فيه متعةً كبيرةً، وهاتان الآيتان في ذهني منذ زمن، وقد شاع هذا الإعراب الذي ذكرته، وتوجيهك للإضمار والإظهار وجيهٌ، وإن كان لي توجيه آخر لعلك تجد فيه وجاهة تقنعك وتقنع القراء.
قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}، أما أن الذين ظلموا بدل من الواو في فعل أسروا فصحيح، وأما أن قوله تعالى: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} بدل من النجوى فوجه مرجوح، وإن جنح له معظم المعربين، والراجح أنه مفعول به لفعل القول المحذوف، ودليل ذلك:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}، فهو من جهة الفعل إسرار، ومن جهة الحدث نجوى، فالفعل معناه خفاء، والحدث معناه خفاء، وهذا أبلغ ما يكون في التعبير عن قولٍ أراد الظالمون إخفاءه، فكيف يكون قوله تعالى: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} الظاهر هو المقصود من نجواهم السرية؟؟!!
ثانياً: قوله تعالى في لحاق الآية: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، معناه إن كنتم قد أخفيتم ما تناجيتم به، وأصررتم على إسراره فإن الله يعلم القول سراً وجهراً في السماء قبل الأرض فهو السميع العليم.
ثالثاً: ليس من منهج القرآن الحرص على إظهار نجوى الكافرين؛ لأن القرآن يريد أن يربي المؤمنين على حسن التوكل من جهة، وتفويض الأمور إلى بارئها من جهة ثانية، وهو معنى عظيم لمن أُلقي في قلبه التوكل على الله؛ لأن الله مع المحسنين.
وأما عن سبب ذكر الذين ظلموا فهذا أمر مرتبط بالسياق، حيث إن الآية لم يأت قبلها ما يبين المقصود من الذين قاموا بفعل الإسرار، فجاء البيان عن طريق البدل، فالله يريد أن يخبر أن الظالمين هم من قام بفعل إسرار النجوى، بخلاف آية طه، فإن السياق بسباقه ولحاقه قد بين أن المقصود بذلك السحرة.
وعليه تكون النجوى عند المشركين - وقبلهم السحرة - مخفية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك تفويض الأمور إلى بارئها سبحانه والتوكل عليه، ويكون عدم ذكر السحرة لأنهم مذكورون معروفون من سياق الكلام، بخلاف الظالمين الذين لم يجر لهم ذكر سابق، لا إظهاراً ولا إضماراً.
 
بارك الله فيك يا د.المثنى على ما تفضلت به و جزاك خيرا
 
عودة
أعلى