السؤال: لماذا في الآية الأولى: (أخذ)، وفي الثانية: (أخذت)؟
وجدت جواباً في ملاك التأويل، ولكنه لم يشفِ غليلي، قال:
"التأنيث على ضربين: حقيقي وغير حقيقي، فالحقيقي لا تحذف تاء التأنيث من فعله غالباً، إلا أن يقع فصل، نحو: قام اليوم هند، وكلما كثر الفصل حسن الحذف، ومن كلامهم: حضر القاضي اليوم امرأة، والإثبات مع الحقيقي أولى ما لم يكن جمعاً، وأما التأنيث غير الحقيقي، فالحذف فيه مع الفصل حسن، قال تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى)، وهو كثير، فإن كثر الفصل ازداد حسناً، ومنه: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)، فالحذف والإثبات هنا جائزان، والحذف أحسن، فجاء الفعل في الآية الأولى على الأَوْلى، ثم ورد في قصة شعيب، وهي الثانية بإثبات علامة التأنيث على الوجه الثاني، جمعاً بين الوجهين؛ إذ الآيتان في سورة واحدة، وتقدمها الأولى على ما ينبغي، والله أعلم". أ.هـ.
هلا أرشدتموني إلى سبب آخر لمجيء الفعل على صورتين .. أظن أن هناك ما هو أعمق مما ذكره الشيخ ابن الزبير رحمه الله تعالى.
وبارك الله فيكم
[align=justify]الأخت الكريمة روضة
السلام عليكم ورحمة الله
لعلّك تجدين في جواب الخطيب الإسكافي - رحمه الله - ما يشفي غليلك إن شاء الله ..
جاء في كتابه (غرّة التنزيل) :
للسائل أن يسأل عن اختلاف الفعلين في اتصال علامة التأنيث بأحدهما وسقوطها من الآخر مع أن الفاعل في الموضعين شيء واحد وهو "الصيحة" مع أن الحاجز بين الفعل والفاعل في المكانين حاجز واحد وهو "الذين ظلموا" .
الجواب عن هذا الموضع هو أن يُقال : إن الله تعالى أخبر عن العذاب الذي أهلك به قوم شعيب عليه السلام بثلاثة ألفاظ منها الرجفة في سورة الأعراف في قوله : { وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [الآيتان: 90-92] ، وذكر ذلك قبله في مكان آخر . ومنها الصيحة في سورة هود في قوله تعالى : { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } [الآيتان: 94-95] . ومنها الظلّة في سورة الشعراء في قوله تعالى : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الآية: 189] .
وفي التفسير أن هذه الثلاث جُمعت لهم لإهلاكهم واحدة بعد أخرى . لأن الرجفة بدأت بهم فانزعجوا لها عن الكن إلى البراح ، فلما أصحروا نال منهم حرّ الشمس وظهرت لهم ظلّة تبادروا إليها ، وهي سحابة سكنوا إلى روح تحت ظلّها ، فجاءتهم الصيحة فهمدوا لها .
فلما اجتمعت ثلاث أشياء مؤنّثة الألفاظ في العبارة عن العذاب الذي أهلكوا به غلب التأنيث في هذا المكان على المكان الذي لم تتوال فيه هذه المؤنّثات ، فلذلك جاء في قصة شعيب { وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } .[/align]
الأخ الفاضل لؤي،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
شكراً على اهتمامك، ما نقلته عن الخطيب الإسكافي رحمه الله جميل جداً ...ومقنع ..
جزاك الله خيراً كثيراً...
وأبدى الشيخ السهيلي- رحمه الله- لحذف التاء في الآية الأولى، وإثباتها في الآية الثانية معنى حسنًا، فقال:( إنما حذفت منها؛ لأن الصيحة فيها بمعنى العذاب والخزي؛ إذ كانت منتظمة بقوله تعالى:( وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ )(هود/66)، فقوي التذكير، بخلاف قصة شعيب؛ فإنه لم يذكر فيها ذلك ).
توجيه آخر : وهو أنّ التذكير يُستخدم حين الجهل بالفاعل .
ولما كانت الآية الأولى لم يسبقها ذكرٌ للصيحة : ناسب ذلك التذكيرُ ، لأنّ تاء التأنيث إذا وردت فإنّ ذهن السامع ينتقل مباشرة إلى التصوّر .
والآية الكريمة لم يسبقها ما ينقل السامع إلى ذلك التصور .
أما الآية الثانية : فقد مرّ مما قبلها على السامع ذِكرٌ للصيحة .
كما تقول : أتى الجامعةَ الطالبةُ .
فإذا أعدت تقول : أتت الجامعة الطالبة . ولا يحسن أن تعيد التذكير .. لأنّ الطالبة عُرّفت للسامع ،فناسب إظهار تعريفها .
فالإعادة يحسن فيها التأنيث لوروده على المسامع في السابق .
وكذلك يقال في توجيه الفرق بين قوله تعالى : "فريقا هدى و فريقا حق عليهم الضلالة" (الأعراف)
و قوله سبحانه : "فمنهم من هدى الله و منهم من حقت عليه الضلالة" (النحل)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
1.بارك الله فيكم جميعا ، وتحية للأخت الكريمة روضة وأتمنى أن تكون في أحسن حال
يقول الشعراوي في تفسيره : " ويسمي الحق سبحانه هنا العذاب الذي نزل على ثمود " الصيحة " وسمّاه في موضع آخر " الطاغية ":
{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ }[الحاقة: 5].
وسمّاه في موضع آخر " صاعقة " فقال سبحانه:
{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }[فصلت: 13].
وفي سورة الأعراف سمّاه " الرجفة " ، وكل من الصاعقة والصيحة والرجفة تؤدي معنى الحدث الذي يَدْهَمُ، ولا يمكن الفكاك منه.
ولقائل أن يقول: لماذا لم يقل الحق سبحانه هنا: " وأخذت الذين ظلموا الصيحة "؟ لماذا اختفت تاء التأنيث من الفعل، وقال سبحانه:
{ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } [هود: 67].
ونقول: إن الذي يتكلم هنا هو رب العباد سبحانه، ولا يصح أن نفهم الصيحة على أنها جاءت لتعبر عن صيحة واحدة، فتاء التأنيث تعبر عن الصيحة لمرة واحدة، أما إذا تكررت وصارت صياحاً كثيراً تأخذهم كل صيحة من الصياح.
وهنا نلمح أن الصيحة فيها ضعف الأنوثة، أما الصياح ففيه عزيمة وقوة الرجولة، فأراد الحق سبحانه أن يجمع الأمرين، فقال: " أخذ " ولم يقل: " أخذت ".
إذا قارنا بين مشهدي العذاب لكل من ثمود ومدين في سورة هود نجد ما يلي :
عند ذكر عذاب ثمود نجد أن هناك عاملين مهمين تتميز بهما الآيتين 66 و 67 عن الآيتين : 94 و 95 من سورة هود ، وهما : ذكر خزي يومئذ ، وذكر صفة الرب : القوي العزيز
فبذكرهما تكتسب مفردة " الصيحة " حمولة قوية دالة على نوعية العذاب الذي يتميز بالشدة والقوة ، فجاءت " الصيحة" على صيغة المذكر لتدل على ذلك . وهنا يمكن أن نقول كما ورد سابقا في كلام الشعراوي بأنها تختصر أنواع الصيحات التي ذكرها الله تعالى في عذاب ثمود .
بينما في ذكر عذاب مدين في نفس السورة جاء التركيز على نجاة شعيب والذين معه برحمة من الله ، وذكر العذاب ب" الصيحة " الواحدة . وهذه عادة النظم الحكيم في التفصيل والإيجاز ، وذلك حسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى .
للتأمل : ويمكن أن ندرج هذه الملاحظة في القاعدة القرآنية الخاصة بالجمل القرآنية : (الزيادة في المبنى تؤدي إلى الزيادة في المعنى )