بسم1
يقول المولى عزوجل ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون )[الأنبياء: 33].فالآية هنا تشير إشارة دقيقة لطيفة إلى حركة الأرض ودورانها في النص القرآني المعجز بنور العلم والبصيرة، واليل والنهار لغوياً ظرفاً زمان ولا بد لهما من مكان، كما تعلمنا في الفيزياء النسبية بأنه لا زمان بدون مكان، والمكان الذي يظهر فيه الليل والنهار هو بالتأكيد الأرض، وتشرق الشمس وتغرب ظاهرياً نتيجة الحركة الحقيقية المغزلية للأرض فيتولد الليل والنهار، ولولا دوران الأرض لما ظهر أو تعاقب ليل ولا نهار، فكأنه تعالى يقول لنا في الآية:
( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون )، أي: أن كل من الأرض والشمس والقمر يسبح في هذا الفضاء الشاسع في فلك مستقل به ، ولكن ما يهمني هنا هو الفعل ( يسبحون ) أي: يدورون، كما قال الحافظ ابن كثير.
قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة.
وقال مجاهد: لا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر.
وإنني ألاحظ هنا أنهم جميعاً لم يذكروا الأرض ضمن هذا الدوران المغزلي، لأنهم لم يدركوا كما ندرك الآن عمق المعنى، فالفعل ( يسبحون ) جاء هنا بصيغة الجمع ولو كان للشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالمثنى ( يسبحان )، ولكنه أراد بذلك الأرض والشمس والقمر كمجموعة متكاملة، ولهذا عبر بالفعل ( يسبح ) عن الأرض بدلالة الليل والنهار بالمجاز المرسل، بل وأطلق عليها لفظة الخلق ( خلق الليل والنهار )، والخلق لغوياً لا يكون إلا للشيء الحسي، لا للظرف الزماني، فسبحان من أنزل القرآن بدقائق الأخبار، وبدائع الأسرار تذكرة لأولي الأبصار.
وإطلاق الظرف وإرادة المحل والمكان معروف في اللغة، ومشهور في الآيات الغير كونية أيضاً كقوله سبحانه عن أهل الجنة: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)[آل عمران: 107]. الرحمة هنا صفة لا يمكن أن يحل بها الإنسان، ولما كانت الجنة هي مكان تنزل رحمة الله، كما يقول فضيلة الشيخ الصابوني، معناه: إطلاق الصفة ويراد بها الموصوف، أو الظرف ويراد به المظروف، وقد يقول قائل: لماذا لم يصرح القرآن الكريم بأن للأرض فلك وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس، كما صرح بذكر فلكي الشمس والقمر، والجواب: أن القرآن حكيم كما قال سبحانه: ( آلم تلك آيات الكتاب الحكيم )،هو حكيم في تعبيره، كما هو حكيم في تشريعه، وقد أمرنا أن نخاطب الناس بقدر عقولهم، كما قال الإمام علي رضي الله عنه: ( خاطبوا الناس بقدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )، فهل من الحكمة عزيزي القارىء أن يكشف القرآن وقت نزوله عن أمور لا تتحملها عقول البشر، وأن يخاطبهم بما يسارعون إلى إنكاره أو تكذيبه؟ ولهذا هيأ الأسلوب القرآني الرائع القلوب والأذهان لاستقبال ما سيتمخض عنه الزمان بلا جحود ولا تحجر ولا تكذيب ولا استهزاء وذلك مع روائع حكمة القرآن، فهل أدركت عزيزي القارىء في عصر الفضاء معنى قوله تعالى: (كل في فلك يسبحون)؟
https://quran-m.com/حركات-الأرض-بين-العلم-والقرآن/