((ومنهم من ينظر إليك)) هل المقصود النظر إلى شخص الرسول أم إلى معجزاته..؟

لطيفة

New member
إنضم
15 يوليو 2007
المشاركات
471
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
هل المقصود النظر إلى شخص الرسول عليه السلام.. أم إلى معجزاته
فالنظر إلى معجزاته عليه السلام هو ما يحقق الهداية، غير أن الآية خصصت بـ(ينظر إليك)، فلو كان المقصود المعجزات لذكر ذلك، أو لم يخصص النظر بــ"إليك"..؟
فما رأيكم..؟
 
الأخت الفاضلة لطيفة .. لم يُعطَى الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا القران كاية دليلا على صدق رسالته، وأما ما ورد في الكتب عن ما يسمى ب " معجزات " الرسول فهذا يتعارض مع عديد من ايات القران، فلقد ذكر القران في العديد من الايات مطالبات قريش التي لم تتوقف عن إنزال اية، فمن مطالبهم باستنزال كنز أو تفجير نبع أو استدرار نهر أو استحداث جنة من عنب ونخيل فلم تتم تلبية طلباتهم بشئ وقوبل كل ذلك بالرفض، وبقي ويبقى القران هو الاية الوحيدة الشاهدة على نبوة ورسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-
وهذه بعض الشواهد من القران وغيرها كثير...

وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (البقرة 118)

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
(الأنعام 37)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد7)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (الرعد 27)

وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى (طه 133)

وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
(العنكبوت 50)
 
الأخت الفاضلة لطيفة .. لم يُعطَى الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا القران كاية دليلا على صدق رسالته، وأما ما ورد في الكتب عن ما يسمى ب " معجزات " الرسول فهذا يتعارض مع عديد من ايات القران، فلقد ذكر القران في العديد من الايات مطالبات قريش التي لم تتوقف عن إنزال اية، فمن مطالبهم باستنزال كنز أو تفجير نبع أو استدرار نهر أو استحداث جنة من عنب ونخيل فلم تتم تلبية طلباتهم بشئ وقوبل كل ذلك بالرفض، وبقي ويبقى القران هو الاية الوحيدة الشاهدة على نبوة ورسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-
وهذه بعض الشواهد من القران وغيرها كثير...

وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (البقرة 118)

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
(الأنعام 37)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد7)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (الرعد 27)

وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى (طه 133)

وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
(العنكبوت 50)

هذا الكَلامُ الذي كتَبَـهُ الأخ نضال الغطيس كلامٌ خاطئٌ وخطيرٌ في الجُملة والتَّفصيلِ , ولا حُجَّةَ عليه ولا بُرهَـانَ , وهو مخالفٌ لما تقرَّرَ عند المسلمينَ من وجُود معجزاتٍ كثيرةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم معلومةٍ من الدِّين ضرورةً تنضافُ إلى القرآنِ , ولعلَّ أخانا أُتيَ من قبَل نسيانه أو عدَم علمه بأنَّ المُعجزَة عند بعض السَّلف من الصحابة والتابعين كانت تُسَمَّى الآيةَ , وسمَّاها بالآية ربُّنا سبحانه وتعالى في قوله {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} , وأهل السنَّة والجَماعَة يعتقدُون حصولَ هذه المُعجِزَات ويؤمنونَ بها على سبيل اليقين الجَازم , ويعُدُّونَ إنكَارَها انحرافاً ومُرُوقاً من حَوزة النَّجَاة , ولا ينبغي التهوين من هذه المسألة الاعتقادية ووصفها بأنها تردُ في الكُتُب فحسبُ , وكأنها روايات تأريخية و سياسية , بل هي واردةٌ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وكتب العقائد والأحكام والسيرة والتأريخ , وإنكارُها مذهبُ سوءٍ تولَّى كبرهُ النظَّامُ , ومَبنَى مسألة إنكارها عائدٌ إلى أمور من أشهرها:

* جعل العقلِ أصلاً في مسألة الاعتقاد فما قبلَه العقلُ فهو الحقُّ وما أباهُ فالباطلُ.
* الخلل في فهم قوله صلى الله عليه وسلم { مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ }.

والحقيقة أنَّ معنى قوله صلى الله عليه وسلم أنَّ القرآنَ هو الذي يكونُ حجَّةً على العالمين في صدق نبوته ووجوب الإيمان به كما قال الله تعالى عنه { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } فكل من بلغه القرآن فقد بلغته حجة الله ووجب عليه الإيمان واستحق الخلود في النار إن لم يؤمن , خلافاً لمن بلغته المعجزاتُ المجردةُ أو لم يعلمْ بها ويُعاينْها , ولذلك انبَنى رجاؤهُ كثرة التَّابع على كون معجزته الكبرى (القرآن) باقيةً على مر الأزمان تستكثر المؤمنين به والتابعين لشريعته.

وعليه: فكلام الأخت الفاضلة لطيفة
فالنظر إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم هو ما يحقق الهداية
هو الصحيح , وإن كانت معجزاته صلى الله عليه وسلم بعضُ ما تتحقَّق به الهداية مع توفيق الله تعالى.

ومن الشُّهُود العُدُول على وجود هذه المُعجزَات صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر:
- ما جاء فِي الصَّحِيحَينِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بن مَالِك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا }.
- ما رواهُ أنس رضي الله عنه من {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّئُونَ، فَحَزرَ المتوضئين منه بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ, وقَالَ: { فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ}
- ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قائلاً {كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ}
- ما رواه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قَالَ { رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَتَهُ، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ كَانَ أَحَبَّ مَا تَبَرَّزَ فِيهِ هَدَفٌ يَسْتَتِرُ بِهِ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ، فَسَكَنَ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ } فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ }
 
شكر الله لك أخي محمود على هذه الإفادة الجليلة
 
هل المقصود النظر إلى شخص الرسول .. أم إلى معجزاته

المقصود النظر إلى شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ولا مانع أبدًا من الجمع .
فإن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم تشمل أشياء كثيرة منها :
1- القرآن الكريم .
2- إخباره صلى الله عليه وسلم بأمور غيبية .
3- معجزات حسية .
4- حماية الله له ونصرته .
5- شهادات الكتب السابقة .
6- سمته وخلقه صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جِئْتُ فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني .

والمشركون كذبوا كل ذلك .

قال ابن عاشور رحمه الله في تفسير هذه الآية :
كَمَا أَنَّ التَّوَسُّمَ فِي سَمْتِهِ الشريف وَدَلَائِل نبوءته الْوَاضِحَةِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ كَافٍ فِي إِقْبَالِ النَّفْسِ عَلَيْهِ بِشَرَاشِرِهَا .

وقال أيضًا رحمه الله :
وَأَمَّا مَعْنَى: لَا يُبْصِرُونَ فَإِنَّهُمْ لَا بَصِيرَةَ لَهُمْ يَتَبَصَّرُونَ بِهَا. وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ «الْكَشَّافُ» وَهُوَ الْوَجْهُ، إِذْ بِدُونِهِ يَكُونُ مَعْنَى: لَا يُبْصِرُونَ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْعَمَى فَلَا تَقَعُ الْمُبَالَغَةُ بِ (لَوِ) الْوَصْلِيَّةِ مَوْقِعَهَا، إِذْ يَصِيرُ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا عُمْيًا .

وأما عن قول الأخ نضال الغطيس - غفر الله لي وله - .
وأما ما ورد في الكتب عن ما يسمى ب " معجزات " الرسول فهذا يتعارض مع عديد من ايات القران

فهذا كلام عظيم خطير جدًا لا ينبغي أن يصدر من مثله - وهذا ظني فيه - , وإلا فلازم هذا الكلام تكذيب النصوص المتواترة التي أثبتت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت عليها الأمة - ولا أدري لماذا نلقي بأنفسنا في هذه المزالق الخطيرة بغير تبصر - ولكن أحسبه أنه إما غافل عنها أو متأول , وقد أجاب الدكتور محمود الشنقيطي جزاه الله خيرًا فأحسن الجواب مما أغنى عن الإعادة , ولكني كتبت هذه الكلمات بيانًا لخطورة الأمر وحرصًا على أخي في الله ونصيحة له , ومن باب النصيحة أيضًا أقول أن الأحرى بالأخت الفاضلة لطيفة ألا ترد بالشكر فقط على مشاركة الأخ الكريم دون نصيحة لأخيها بإنكارها عليه هذا المنكر العظيم , وذلك من باب النصيحة للمؤمنين .

وجزاكم الله جميعًا خير الجزاء .
 
{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ }[يونس:43]
جاء في تفسير الطبري : " يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المشركين ، مشركي قومك ، من ينظر إليك يا محمد ويرى أعلامك وحججك على نبوّتك ، ولكن الله قد سلبه التوفيق فلا يهتدي ، ولا تقدر أن تهديه ، كما لا تقدر أن تحدث للأعمى بصرا يهتدي به . { أفأنْتَ تَهْدِي العُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ } يقول : أفأنت يا محمد تحدث لهؤلاء الذين ينظرون إليك وإلى أدلتك وحججك فلا يوفقون للتصديق بك أبصاراً لو كانوا عمياً يهتدون بها ويبصرون ؟ فكما أنك لا تطيق ذلك ولا تقدر عليه ولا غيرك ، ولا يقدر عليه أحد سواي، فكذلك لا تقدر على أن تبصرهم سبيل الرشاد ، أنت ولا أحد غيري ، لأن ذلك بيدي وإليّ . وهذا من الله تعالى ذكره تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم عن جماعة ممن كفر به من قومه وأدبر عنه فكذّب ، وتعزية له عنهم ، وأمر برفع طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله ."
ملاحظة : الحجج على النبوة كثيرة ومتعددة ، أعظمها القرآن الكريم ، وكذا الآيات المتعددة والمتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها رسول الله نفسه ، الذي قال عنه الحق سبحانه : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[الأحزاب:21]
والله أعلم وأحكم
 
أخي الكريم أحمد عبدالله الحليمي
جزاك الله خيرا على الرد ..


لقد إمتنعت عن الرد على بعض الإخوة في هذا الموضوع وفي غيره، لما رأيت الفظاظة في الردود والتجريح في الإتهامات من بعض المشاركين، فنأيت بنفسي وبالمشاركين الكرام أن ندخل في جدال فظ عقيم، يركز فيه على المفكر بدلا من الفكرة. وما أنا بأصبر على فظاظة بعض المشاركين من صبر الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان فظا معهم.


يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا الرسول ومنبها له، قائلا:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (ال عمران 159)


ولكن بما أنك علقت على مشاركتي،


فأقول أخي الكريم إبتداءا:


أين في كتاب الله أو ما صح من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم ورد لفظ المعجزة كإسم أو صفة لكلمة اية؟ أليس من الأولى والأبرك والأجدر أن نستخدم اللفظة القرانية "أية أو برهان أو بينة أو نور " بدلا من أن نعدل عنها للفظة أخرى لم ترد لا في القران ولا في حديث الرسول (حسب علمي) كإسم أو صفة لكلمة اية؟!


والنقطة الأهم..


فإني أسألك لماذا أخي الكريم أنت والأخ محمود الشنقيطي من قبلك تجاهلتما أو لم تنتبها الى الايات التي أوردتها في ردي كحجة على ما بنيت عليه رأيي، من أنه بالرغم من مطالبات المشركين المتكررة بإنزال اية كما حدث مع الأمم السابقة إلا أن الله سبحانة وتعالى يكرر الرفض، ولا يوجد (على حد علمي) أي إستجابة لهذه المطالب ؟ وهناك العديد من الايات تدور حول نفس الفكرة..


وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد 7)


وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى (طه 133)


أين نذهب بكل الايات التي جاءت في القران تنفي إنزال الايات كإستجابة لمطالبات المشركين؟ هل نتجاهلها؟!


وكيف تعتبرني أخي الكريم (ملقيا بنفسي في المزالق الخطرة بغير تبصر)؟ وأنا كل إستشهاداتي من كتاب الله؟


قد يورد البعض حادثة الإسراء، وإنشقاق القمر، وتثبيت الملائكة للمؤمنين والضرب فوق الأعناق.


فأنا لا أتحدث عن هذا، فهذا موضوع مختلف سوف أتناوله لاحقا.. وإنما عن هل هناك أي دليل من كتاب الله بأن الله سبحانه وتعالى لبى مطالب المشركين بإنزال أية؟ ولو اية واحدة؟ على الرغم من أهمية وخطورة الموضوع!

ننتظر الرد

وتقبل التحية
 
أين نذهب بكل الايات التي جاءت في القران تنفي إنزال الايات كإستجابة لمطالبات المشركين؟ هل نتجاهلها؟!
لانتجاهلُها , بل نسعى لفهم معانيها ونذهَبُ بها إلى اهل التفسير والعلم بكتاب الله تعالى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم , ونصفُّها مع نظائرها وسياقاتها وننتهي عن بترها وإخلائها من سوابقها ولواحقها لندرك معانيها على وجه الحقيقة ونجعل بناء تصوراتنا وقناعاتنا على أسس متينة قائمة دائمةٍ , لا عَلَى شفا جُرُفٍ لئلاَّ ننحرف.

لقد إمتنعت عن الرد على بعض الإخوة في هذا الموضوع وفي غيره، لما رأيت الفظاظة في الردود والتجريح في الإتهامات من بعض المشاركين، فنأيت بنفسي وبالمشاركين الكرام أن ندخل في جدال فظ عقيم، يركز فيه على المفكر بدلا من الفكرة. وما أنا بأصبر على فظاظة بعض المشاركين من صبر الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان فظا معهم.
إنَّ من الجنَفِ العظيم حُسبَـانَ عدمِ التَّسليم بالبَاطل وإيضَاح الحقِّ نيلاً من المُعلن المنادي به , ولا قولَ – عندنا - يجبُ التسليمُ بأوَّله وآخره وكُلِّ لوازمه على وجه المباشَرة إلا الوحيُ فحسبُ.!

فأنا لا أتحدث عن هذا، فهذا موضوع مختلف سوف أتناوله لاحقا.. وإنما عن هل هناك أي دليل من كتاب الله بأن الله سبحانه وتعالى لبى مطالب المشركين بإنزال أية؟ ولو اية واحدة؟ على الرغم من أهمية وخطورة الموضوع!

الإشكَالُ الأعظمُ هو أن البعضَ يريد التنصيص على كل شيءٍ من خلال القرآن - وهذا مذهبُ ضلالٍ معلومٌ بالضَّرورة فسادُه - وأنَّنا لا نُفَرِّقُ بين أدلَّـة القرآن وأدلَّـة السُّنَّـة وهما عندنا صِـنْوَانِ , ولا نُسَلِّـمُ للزَّاعم بأنَّ ما ثبتَ في السُّـنَّـة يُعتبَرُ قضيَّـةً أخرى ونُرجئُ نقاشَها بعد حينٍ , ولا نُسلِّم أو نستجيزُ لأنفُسِنا وللنَّـاس طلَبَ الأدلَّـة على مسألةٍ مَّا من مسائل الدِّين من القرآن فقطْ , لأنَّ هذا نبذٌ للقرآن قبل السُّنَّـة.

فإني أسألك لماذا أخي الكريم أنت والأخ محمود الشنقيطي من قبلك تجاهلتما أو لم تنتبها الى الايات التي أوردتها في ردي كحجة على ما بنيت عليه رأيي، من أنه بالرغم من مطالبات المشركين المتكررة بإنزال اية كما حدث مع الأمم السابقة إلا أن الله سبحانة وتعالى يكرر الرفض، ولا يوجد (على حد علمي) أي إستجابة لهذه المطالب ؟ وهناك العديد من الايات تدور حول نفس الفكرة..

الآياتُ المُستَهَـد بها أعلاهُ ليست - كما يُـزعَم – دالَّـةً على ( أن الله سبحانه وتعالى يكرِّر الرَّفضَ) من غير إدراك سبَب هذا الرَّفضِ وحكمَته , وجعلُ سبِبِه هو أنَّ القرآن أوحدُ معجزاته صلى الله عليه وسلم ادِّعاءٌ وتحكُّمٌ بلا دليلٍ ولا تعليلٍ , بل السَّبَب كما تدلُّ عليه ظواهرُ القرآن والسُّنَّـة هو أنَّ طلبَ هذه الآيات = المعجزات كان مراداً به التعنُّتُ والاستهزاء والجًحود , والله تعالى إنَّما يُبيِّـن الآيات للمسترشدين الجادِّين ليكونوا ضمن من قال عنهم { قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُون } وهذا ما يجعلُنا نجدُ طلَب الأمم السَّابقة لأمَّتنا يُجابُ أحياناً إذا كان طلبَ استرشادٍ واستهداء ويُرفَضُ إذا كان طلب جُحود وتعنُّـت ودليلُ أنَّ هذا هو سببُ عدَم حصول ما طلبوه قول ربنا سبحانه وتعالى { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } وهذا التعليل للرَّفض جاء عقب قولهم { لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ } , ولذلك كان الله تعالى يريهم آياتٍ ومعجزَاتٍ دالَّةً على صدقه صلى الله عليه وسلم فيعرضون عنها ويستكبرون ويجحدون حتى نالوا استحقاق الوصف بجملة { أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُون } , ومن المعجزات التي كان الله يريهم إياها بجانب معجزَة القرآن بين حين وآخرَ قوله تعالى { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَار } فهل يستطيع أحدٌ أو آحادٌ أن ينكروا أنَّ هذه معجزَةٌ ظاهرةٌ باهرةٌ ألجأ الله بها العُقلاء إلى ضرورة التَّسليم بصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وهل يمكن لأحد أن يحمل معنى الآية في هذه الآية على غير المعجزة.؟

وليسَ صحيحاً زعمُ الزَّاعم - الخطيرُ جداً - أنَّ أمر المعجِزَات في السنَّـة النَّبويَّة الصَّحيحَة (يتعارضُ مع عديدٍ من آياتِ القران).

وسنأتي على الآيات المُستَشهَد بها آيةً آيةً . أما قوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فهُو دليلٌ على الزَّاعم لا لهُ , لأنَّ اصطفاء الله للأنبياء وتأييد صدق نبُوَّاتهم قائمٌ على شقَّـينِ وهما (الوَحيُ = لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ , والمعجزاتُ = أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ ) والاستدلال بهذه الآية على أنَّ المُراد بها آياتٌ تؤيِّدُ صدق النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليْسَ الأوْلى في التفسير , لأنَّ المراد منها أن يوحَى إليهم كما أوحي إليه , ويؤيَّدوا بالمعجِزات = الآيات كما أيَّده الله بها , وهذا تسليمٌ من المشركين = الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ بحصول هذه الآيات ووجودها , وإلا لما طلبوا مثلَها لأنفسهم , وهذا المطلب تكرَّر منهم بشكل أصرحَ وأوضحَ , كما قال الله عنهم { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ } وهذا الـ(مِثْلُ) هو الوحيُ أو المعجِزاتُ , ولا محملَ ثالثاً يمكن حملهُ عليه , ومن ادَّعاهُ فليبيِّـنهُ.

أما آية الأنعام { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فهي في سياق تبيين تبِعَات إجابة طلبهم - لو أنزل الله ما طلبوا من آياتٍ ولم يؤمنوا - من العذاب المستأصلِ لهم , ولذلك ذيَّل الآية بقوله {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون تبِعات حصول ما طلبوه لو لم يؤمنوا ويُسلمُوا بعده على وجه الفَور إذْ لا إمهالَ حينئذٍ , وليس إلاَّالإيمانُ أو المعاجلةُ بالعقوبة , قال الله تعالى { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُون } أي فأهلكناهم , وفي الحديث الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن ترجمان القرآن ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنها قال مبيناً سبب نزول هذه الآية ومعناها {سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْدَرِعُوا ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنْ شِئْتَ آتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوا ، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ نَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّنَا نَنْتِجُ مِنْهُمْ فَقَالَ : بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً }.
ولذلك حذَّر الله كفار قريش من هذه المصائر فقال بعد وعظهم بإهلاك السابقين { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّه } أي: إنما كان إهلاكي لهم بسبب مجيئ أنبيائهم بالمعجزات والخوارق والآيات وعدم تسليمهم وإيمانهم بعد كل ذلك.

أمَّا آيةُ الرَّعد { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } فهو في سياق إنكار استعجالهم العذابَ {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} فهذه الآية التي يطلبُونها هي آية إنزال العذاب كقولهم {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فالسيئة في الآية هي العذابُ الذي استعجلوه , والحسنة هي الإيمان وكلمة التوحيد , وقد قضى الله أن لا يهلك هذه الأمة بعذاب عاجل وإنما يؤخره عنهم ليوم القيامة إكراماً للنبي الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم الذي دعى لبرِّهم وفاجرهم بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح { سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَنَا ، فَأَعْطَانِيهَا } فهذا الطَّلَبُ وإجابتُه هي المانعُ من إجابة الله لتعنُّت المشركين واستكبارهم واستعجالهم العذابَ , وليس لأنَّ المعجزةَ الوحيدةَ هي القرآنُ دون غيره.

وأمَّا آيةُ الرعد الثانيةُ { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } فهي من جنس ما سبَقَها , خُصوصا إذا استُأنِسَ بما قيل في سبب نزولها.

وأما آية طه { وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى } فقد جاءتهم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى وهذه البينة هي أنَّ الله أجاب طلبَهم في التحدي وإظهار الخوارق فلما كفروا بها أخذهم بذنوبهم وعتُوِّهم فكانوا من المُهلَكينَ , وإحالةُ الله أولئك الطالبين للمعجزات إلى ما سبق تلاوته عليهم من بيناتِ ما في التوراة والإنجيل توكيدٌ للمعنى المُشار إليه سابقاً في قوله تعالى { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون تبِعات حصول ما يطلبون فيرجعوا لبينة ما في الصحف الأولى ليعلموا أنهم لو أجيبوا لطلبهم ثم لم يؤمنوا ويُسلمُوا بعده على وجه الفَور فلا إمهالَ حينئذٍ , وليس إلاَّالإيمانُ أو المعاجلةُ بالعقوبة.

وأما آيةُ العنكبوت { وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ففيها الإحالةُ على معجزة النبي صلى الله عليه وسلم العُظمَى وهي القرآن , وتأكيدٌ على أنَّهم لو كانوا طُلاَّب هداية وحـقٍّ لكفَاهم من الآيات هذا الكتاب العظيم الذي فيه خبر الغابرين والآخِرين , وفيه فضحُ أحوالهم ومؤامراتهم الآنية , وفيه من بلاغة كلامهم وفصاحتهم ما عجزوا عن الإتيان بمثله وهم في العرب أساطين البلاغة ومراجع الفصاحة.
لكنَّ هذه الآية مع كل ذلك لا تعني: أنْ لا معجزةَ غير القرآن بل هي دليلٌ على أنَّ من كان طالبَ حقٍّ فالقرآنُ وما اشتمل عليه من المعجزات كافيه دليلاً وحُجَّـةً على صدق الديانة والرسول صلى الله عليه وسلم , وأنَّ كفاية هذا القرآن إعجازاً دليلٌ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكُ إجابة ما يطلبونه على سبيل التعنُّـت فمردُّ ذلك إلى الله أما هو صلى الله عليه وسلم فإليه أمرُ النَّذارة بهذا القرآن , وما زاد على ما فيه من الآيات مردودٌ أمره إلى الله جل وعلا فإن شاء أجابهم إليه وإن شاء منعهم , وإن شاء حجَّهم , وإن شاء بيَّن لهم وخيم عاقبة عدم الإيمان بما طلبوه , وإن شاء كشف لهم علمه بأنه لو أجابهم إلى طلبهم وأكثرَ منهُ لمَا ازدادوا إلا كفراً وجحُوداً وعناداً وتواصياً بالباطل كما قال سبحانه { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُون } , وكما قال { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } وكما قال {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون}.

ختاماً: ليسَ من الضَّرورة أن نجدَ نفسَ اللفظِ المتباحَث حولَه في القرآن والسُّنَّـة وعندنا ما يُوازيه ويُقابلُهُ , ولو تَخِذْنا ذلك نهجاً لضاعَ من ديننا الكثير من المسائل والمباحث العظَام.
 
أحسنت أخي محمود الشنقيطي... وجزيت خيرا...

إضافات طيبة وقيمة، تثير وتثري الحوار، لي عودة بإذن الله مساءا بالتعليق على مشاركتك
 
هل يجوز إستخدام كلمة "معجزة" بدلا لكلمة اية؟

هل يجوز إستخدام كلمة "معجزة" بدلا لكلمة اية؟

سوف يكون مدار مشاركاتي حول أربعة محاور رئيسة، أحاول أن أبين فيها بما إستطيع كل النقاط المثارة من قبل الإخوة، وهي كالتالي:


1- هل يجوز إستخدام كلمة "معجزة" بدلا لكلمة اية؟
2- ما هو الدليل من القران على عدم إعطاء ايات حسية غير القران للرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ ولماذا لم يعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الايات الحسية أو البصرية؟
3- ماذا عن ما ورد في القران من مثل إنشقاق القمر، و حادثة الإسراء، وبعض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أحداث الغيب؟
4- لماذا ظهر وتضخم بما يسمى ب"معجزات" الرسول؟

المحور الأول: هل يجوز إستخدام كلمة "معجزة" بدلا لكلمة اية؟

لقد بدأت بهذا المحور لأنه و بالإتفاق عليه سوف يفتح الباب للمحاور الأخرى.. حتى نعلم إذا كنا نتكلم عن نفس الموضوع أم في أمر مختلف.

عن أي شيء نتحدث؟
ما هو تعريف المعجزة؟


لو جئنا نبحث عن هذه الكلمة لن نجد لها أصلا ولا فصلا، لا في كتاب الله، ولا حديث نبيه كما هو شائع بيننا.


فتعريف المعجزة: "بأنها أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة موافقاً لدعواه".
فهذا التعريف المشهور لكلمة المعجزة في كتب علوم القران


ولقد قسموها الى قسمين (حسية وعقلية)

القسم الأول المعجزات الحسية:
مثل: معجزة الإسراء والمعراج ، وإنشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، وتكثير الطعام القليل…

القسم الثاني: المعجزات العقلية:
مثل الإخبار عن المغيَّبات، والقرآن الكريم.


فإذا كان هذا هو التعريف لهذه المفردة الشائعة المتداولة، فاننظر في ضوء هذا التعريف هل ينطبق هذا على ما جاء به القران؟

فأقول إبتداء بقول الله عز وجل

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" )سورة النساء - سورة 4 - آية 59)


لقد أمرنا الله تعالى قائلا:


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" )سورة الأحزاب - سورة 33 - آية 70-71)


فلا يكون القول سديدا حتى يسدد قائله الحق تسديدا، لا ميل فيه ولا انحراف، وحتى ينطبق الاسم على المسمى انطباقا، كما يسدد الرامي في رميته ومقصده، فإن لم يصب طاش غير سديد [1]


فهذه الكلمة ليست مما جاء في كتاب الله ولا سنة نبيه، وإنما هي مُحدثة مبتدعة من بعد عهود من وفاته صلى الله عليه وسلم، ثم سرت دخيلة، في الكتب حتى تقبلها الناس وألفوها. وتغير الاسم من تغيير المسمى. فإذا تتبعت جذرها في كتاب الله لوجدت جرسها ولحنها وجذرها سالب نكد مقيت.


أنظر الى الأمثلة التالية حيث ورد هذا الجذر


"فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ " (سورة المائدة - سورة 5 - آية 31)

إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ سورة الأنعام - سورة 6 - آية 134

وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ سورة الأنفال- سورة 8 - آية 59

إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ سورة الشعراء - سورة 26 - آية 171

فهي من العجز والعجوز والعجيزة...! وكلها كلمات سلبية نكدة.

وما أرسلت ايات الله للمعاجزة ولا حتى للتحدي، فمن هم الكفار حتى يتحداهم الله؟!، وهم بعض خلقه سبحانه وتعالى، وإنما جاءت الايات مطالبتا إياهم بأن يأتوا بمثل القران او بعشر سور من مثله أو بسورة، ليس تحديا وإنما ردا على طلباتهم المتكررة بإنزال الايات الحسية، فالكفار بدأوا بالسؤال، وهو يخبرهم سبحانه بالإلتفات والنظر في القران واياته، وفي الكون وعظمته، فلن يستطيعوا أن يأتوا بمثله لأن "القران" نفسه الاية، فلماذ يطالبون بالايات وهي حاضرة أمامهم.


فكل اية من ايات الله سبحانه، هي اية في العظمة سواء على مستوى البيان أو في العلم أو في التشريع والقوانين..


ولقد أعلمنا الله سبحانه لماذا يبين الايات:


"...كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (سورة البقرة - سورة 2 - آية 187)
"... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (سورة البقرة - سورة 2 - آية 219)
"... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "سورة المائدة - سورة 5 - آية 89
"... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " (سورة آل عمران - سورة 3 - آية 103)
"... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون "(سورة النور - سورة 24 - آية 61)


إذا هذه الايات ليست للإعجاز، فلم يقل تعالى "لعلكم تَعجَزون" أو "لعلكم تُعجَّزون" ، وإنما توجيه للإنسان أن يعمل عقله وفكره فيهتدي ويتقي ويشكر، فإذا هي عملية عقلية بالدرجة الأولى، ومن خلالها يتحقق الإيمان وثمراته. فلم نسمع بأن أحد إهتدى لأنه أحس بالعجز والقهر والقصور وفشل في التحدي! بل ما نعلم من أسباب هداية من اهتدوا بأنهم احسوا ولمسوا عظمة هذا الكتاب وهيمنته وسلطانه وجماله ورحمته..


فالأصل أن نتوقف عند كلمة الله وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: أية كما قال الله، فهي" اية" وايات" وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ (سورة الحج - سورة 22 - آية 16)


والقران "بينة"


أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ سورة الأنعام- سورة 6 - آية 157

والقران "برهان" "ونور"


يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا سورة النساء- سورة 4 - آية 174


والقران "بصائر"


قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍسورة الأنعام - سورة 6 - آية 104
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ سورة الأعراف- سورة 7 - آية 203


فهل نترك كلمات الله التي جاءت في كتابه! ونستبدلها بكلمات محدثة من صنع بشر، ينسون ويخطئون ويجهلون؟! كلمة لقيطة لا أصل لها ولا سند! وعندنا ما يكفي وما يغني!


كتاب الله ورسوله، جاء للهداية والإصلاح والعلم والتزكية، لا "للتحدي" ولا "للتعجيز"!


إذا لماذا أنزل الله اياته؟ الجواب حاضر في القران...


فالاية هي العلامة الدالة، ولا غاية لها في "التعجيز" ولا "التخريق".


عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" [2]
فهل نقبل قول من قال بأن "الاية = المعجزة"! وساوى بينهما!، ونستبدلها فنقول "معجزات" المنافق ثلاث؟!


وماذا عن آية زكريا!


"قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا" سورة مريم- سورة 19 - آية 8
"قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا" سورة مريم- سورة 19 - آية 10


هل "تحدى" الله زكريا بهذه "الاية" فأعجزه!


ولكن قد يسأل سائل هل يوجب هذا ترك كل كلمة لم ترد في الكتاب أو الحديث؟ فلا يزال عندنا "مصطلحات" صالحة اللفظ والمعنى، وليست من الوحي؟


فالجواب، لا، ولكن نقول كل ما نزل من الكتاب وجاء ثابتا في الحديث، فلا يجوز تبديله، فهو ثبتٌ وقفٌ، لا ينبغي لأحد أن يغيره أو يبدله أو يصطلح معه شيئا. فكل كلمة ليست بديلا لثابت من الوحي، ولا تخالف أصل وظاهر الوحي المنزل، ولا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تزاحمه ولا تدافعه، فلا بأس بها، وما خالف الوحي فباطل مردود، ولو ملأ الكتب.


فقد يتذرع البعض بالقاعدة الفقهية التي تقول " لا مشاحة في الاصطلاح"، بل نقول المشاحة كلها، و الأولى و والأصح أن نُفَّعِل هنا القاعدة الأخرى "أن لا اجتهاد في مورد النص".. وكلمة المعجزة اجتهاد لا يصح، بل إفتئات على النص، والأصل البقاء على الكلمة القرانية، فهي الصحيحة والأبرك والأَولى من كلمة أضاعت المعنى، وحرفت فهم الكتاب.


إن أي محاول لإعطاء تعريف محدد للكلمة القرانية "اية" في ظني سوف تبوؤ بالفشل، أو ربما لن تطابق الصواب، لأنها محاولة لحصر معنى الكلمة القرانية لما هو في أذهاننا، ولما فهمناه نحن، مثل هذه المحاولات مثل محاولة من يترجم القران الى لغة أخرى، فهي محاولات تدور حول تقريب المعنى، ولكن مهما كان علم المترجم باللسانين، اللسان العربي واللسان المترجم له، وله خبرة في الترجمة، فلن يوفي المفردة القرانية حقها، ليس فقط بسبب الإختلاف الثقافي والزماني والمكاني، ولكن ايضا بسبب خصوصية القران وهيمنة القران وتفرده، فحتى العرب على فصاحتهم لم يستطيعوا ان يأتوا بمثله، فعطاءات القران مستمرة الى قيام الساعة، فكل ايه هي اية في العظمة والبلاغة والجمال، فما يغيب عنا الان قد يستحضره اخرون لاحقا، فبذلك يتضح معنا إضافيا للاية

" لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "(سورة يونس- سورة 10 - آية 64)

فلا يجوز تبديل كلمة بدل كلمة ولا حتى حرف بحرف.


وبهذا نستدل على عدم جواز القول بالمعجزة، فلا تكون بديلا عما اختاره الله سبحانه تعالى إسما لكلماته. فالتشويش والتعمية والخلل بدأ بتبديل كلمات الله، ومنطلق التصحيح هو بالعودة الى هذه الكلمات كما جاءت من الله؟


"فمن خصائص الكلمات القرانية بأنها تتسم بدقة متناهية في التعبير والعطاء والبيان، فألفاظه منتقاة خير انتقاء ومقدرة فيه أصح تقدير، ومعبرة عما يريد أبلع تعبير، متميزة بدقة في الاداء وخصوبة في العطاء ووضوح في الدلالة، محكمة بميزان دقيق، متسقة أجمل اتساق، مؤتلفة أفضل ائتلاف، مختارة أدق اختيار"[3]


يتبع إن شاء الله المحور الثاني..

_______________________________

[1]أبو عرفة، صلاح الدين، رسائل أهل القران، http://www.ahlulquran.net

[2]أخرجه البخاري (33) باب علامة المنافق، وأخرجه مسلم (58) باب بيان خصال المنافق
[3]هياجنة، محمود، 2001، الإيضاح في الترادف، دار الكتاب، الأردن، ص66، نقلا عن إعجاز القران الكريم لفضل حسن عباس، ص 170
 
المحور الثاني: ما هو الدليل من القران على عدم إعطاء آيَات حسية غير القران للرسول -صلى -

المحور الثاني: ما هو الدليل من القران على عدم إعطاء آيَات حسية غير القران للرسول -صلى -

المحور الثاني: ما هو الدليل من القران على عدم إعطاء آيَات حسية غير القران للرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ ولماذا لم يُعطَى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيَات الحسية أو البصرية؟

لأن القران ينفيها نفيا قاطعا وباتا..

يواجِه من يقول بوجود الآيَات "المعجزات" الحسية بمشكلة عدم ورود أي آيَة تخبر بأن الله أعطى "معجزات" حسية للرسول صلى الله عليه وسلم (كما عرّفها العلماء في كتب علوم القران)، وليس هذا فقط بل المشكلة الأكبر بأن ما ورد في القران يعارض ما جاء في الكتب بخصوص ما نسب الى الرسول صلى الله عليه وسلم من مثل هذه الآيَات. إلا إذا أخذنا برأي من يقول بأن السنة/الحديث تنسخ آيَات القران!! وهذا باب خطير جدا إذا فتح.

فإذا كان القران قد مارس دور التصديق والهيمنة على الكتب السماوية السابقة أليس من باب أولى أن يمارس هذا الدور ويمتد الى بقية الكتب الأخرى ومنها كتب الحديث! فالقران يدعونا بأدواته المعرفية الى الاسترجاع النقدي للموروث، فهو لا يقوم فقط "بالتصديق" ولكن أيضا ب "الهيمنة" على ما عاداه ..

"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (سورة المائدة - سورة 5 - آيَة 48)

فمن خصائص الهيمنة القرانية "المراجعات النقدية" للموروث الديني بهدف "التقويم" و "التصحيح" ثم إحداث النسخ.[1] لا أن أن ننادي بتهميش النص القراني، بل وننسخه مقابل روايَات لأحاديث جاءت في ظرورف محددة، قد تصح أو لا تصح وقد تثبت أو لا تثبت، وفقا لمناهج المحدثين وشروطهم في التحقق من السند دون إعتبار المتن!

جاءت الآيَات العديدة في رفض المطالبات بإرسال الآيَات الحسية "معجزات" جريا على عادة الأنبياء السابقين، وكان التعليل بعدم إرسال الآيَات الحسية للرسول -صلى الله عليه وسلم- مما نستخلصه من كتاب الله بما يلي:

1- التعليل بالتكذيب:[2]

أن أقوام الأنبياء السابقين كذبوا رسولهم،

"وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُون" )سورة البقرة - سورة 2 - آيَة 92 )
"وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِفَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ" سورة العنكبوت - سورة 29 - آيَة 39

وقد أحصت سورة الشعراء خمسة من الأنبياء الذين كذبهم قومهم، ولم ينفع معهم الإنذار المبين. وأصبحوا لمن بعدهم آيَة، ثم يأتي بعد هذه القصص الخمسة، الحديث عن الْقُرْآن وأنه عربي مبين، وأنه للإنذار، وأنه آيَة يعلمه علماء بني إسرائيل.. لتكون قصص السابقين لنا آيَة، ونذارة.

قوم نوح

"كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ" 105
"إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ" 121

قوم عاد

"كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ" 123
"فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ" 139

قوم هود

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ141
مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَة إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ145
فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ 158

قوم لوط

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ160
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ174

قوم شعيب

كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ 176
وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ186
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ187
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ190

فبرغم الايات التي جاءت لهؤلاء الأقوام الا أنهم كذبوا، فجاءهم العذاب.

وبعد أن تأتي الآيَات في سورة المؤمنين متحدثة في مطلعها عن خلق الانسان، والحديث عن السماء وإنزال الماء وسكونه في الارض ,والجنات من نخيل وعنب والفلك وغيرها، يأتي الإخبار بأن :

"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ"(سورة المؤمنون - سورة 23 - آيَة 30)

فيأتي التنبيه الى أنه " ... كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ..." (سورة المؤمنون - سورة 23 - آيَة 44)

وينَبَه الرسول -صلى الله عليه وسلم الى موقف الأمم السابقة من رسلهم، بأنهم كذبوا

"وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" (سورة الحج - سورة 22 - آيَة 42 )

ويأتي التعليل بعدم إرسال الآيَات المضنون بها على الرسول -صلى الله عليه وسلم- واضحا في سورة الإسراء بأنه التكذيب.

"وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَات إِلاَّ تَخْوِيفًا" (سورة الإسراء - سورة 17 - آيَة 59)

فلو أنزلت عليهم أكبر الآيَات الحسية للرسول فلن يؤمنواك

"وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ" (سورة الأنعام - سورة 6 - آيَة 111)

2- التعليل بالتأويل السحري:

مع كل الآيَات التي جاءت مع موسى - عليه الصلاة والسلام - إلا أن قومه إتهموه بالسحر المبين
"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" (سورة النمل - سورة 27 - آيَة 13)
"وَإِذَا رَأَوْا آيَة يَسْتَسْخِرُونَ، وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ" (سورة الصافات" - سورة 37 - آيَة 14-15)

حتى آيَات الْقُرْآن وصفها الذين كفروا بأنها السحر المبين

"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ"(سورة الأحقاف - سورة 46 - آيَة 7)

3- التعليل بالتعذيب:

يحذرنا الله من أن نبدل أو نتفرق من بعد مجيء البينات حتى لا نُعذَب

"سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَة بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (سورة البقرة - سورة 2 - آيَة 211)
"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْمِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (سورة آل عمران - سورة 3 - آيَة 105)
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" (سورة النساء - سورة 4 - آيَة 56)
"قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ" (سورة المائدة - سورة 5 - آيَة 115)
"أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَات اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ" (سورة الأنعام - سورة 6 - آيَة 157)
"وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا، ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" (سورة الإسراء - سورة 17 - آيَة 97-98)

4- التعليل بالآيَات الكونية:

إن سورة بكاملها من الْقُرْآن تستعرض الآيَات الكونية وهي سورة الرحمن، وتطالبنا بالنظر فيها، مكررة السؤال

"فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" (سورة الرحمن - سورة 55)

من ثوابت الخطاب القراني في الرد على الُمعاجِزين الذين يطالبون بآيَات فوق العادة، أن الآيَات الحقيقية هي في نظام العادات وليس في "خرقه"، وطالبهم بالنظر

"قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَات وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ" (سورة يونس - سورة 10 - آيَة 101)

فَنَعلَم طبيعة الرسالة و نتبين أنها الحق بمطابقتها لما تدعيه لنفسها, ببحث الانسان في صحة النبوة, بمقارنتها بالرسالة وشروط صحتها. فمن يعلم أن القران رسالة كونية وخاتمة لا يمكنه أن يحتاج إلى آيَات حسية تثبت أن النبي مُبَلِغ،[3] فالرَسَول لم يأتِ ليثبت صحة القران "بالمعجزات" ,بل القران جاء ليثبت صحة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالآيات.

5- مراحل الخطاب الإلهي المتدرج للبشرية و الوعي بدلالات انتهاء نزول الوحي وختام الرسالات:

الرَّسول لم يُعطَ آيَات حسية بل أعطي الْقُرْآن كما تدل أية 203 من سورة الأعراف ، و طُوِلبَ الناس بالإستماع والإنصات للقران كما جاء في الاية اللاحقة مباشرة

"وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَة قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (سورة الأعراف - سورة 7 - آيَة 203-204)

ظن البعض بأن خلو الرسالة المحمدية من الآيَات الحسية إنما هو إنتقاص أو تقليل من مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء مرتبته بين الرسل السابقين الذين أوتوا هذه "الخوارق"[4]، وما أدرك هؤلاء بأنهم بقولهم هذا هم يقللون من شأن الرسول ومن الكتاب الذي ارسل معه، ولو من غير قصد منهم، كما لو كان القران ليس بكاف!

فالفارق بين الرسالة المحمدية عن الرسالات السابقة، أنها تطالبنا بوعي كوني، نستدرجه بقوى الوعي الثلاثي، سمعا وبصرا وفؤادا، فندرك بإستجابتنا عمق وسعة هذا القران من خلال إتصالنا بهذا الكون، ناسخا لما اعتادت عليه أغلب الأمم السابقة من مطالبات حسية غير عادية "خارقة".[5]

"إنطلاقا من الصفة العالمية للقران بوصفه كتابا للبشرية جمعاء فإنه يختزن بين دفتيه وعيا معادلا للوجود الكوني وحركته، فبقدر ما يكون تخلّفنا عن وعي هذا الكتاب نحرم أنفسنا والبشرية من مُتاحات حل إشكاليات المعرفة". [6]

فكل نبي من الأنبياء وكل مرسل من المرسلين أضاف إضافة نوعية الى البشرية بدرجة أو بأخرى، ومنهم من قفز بالبشرية الى مراحل متقدمة من الوعي الكوني، مما أحدث تراكما معرفيا عبر العصور وبين أجيال البشر، الى أن جاءت الرسالة الخاتمة التي أُريد لها أن تستوعب وتوجه وتقود البشرية الى عطاءات لا تنفذ من خلال التفاعل الواعي مع الكون المنظور والقران ككون مسطور.

مرت البشرية عبر تاريخها منذ أدم مرورا بنوح وإنتهاءا بمحمد عليهم الصلاة والسلام والى قيام الساعة بمراحل متعددة، نستطيع أن نصفها بأنها تشكل نوع من التطور البشري في علاقة البشر مع الخالق.

فمرحلة أدم الى نوح هي المرحلة العائلية، ومرحلة نوح الى محمد هي المرحلة القَبَلِيَة، ومرحلة محمد صلى الله عليه وسلم الى قيام الساعة هي المرحلة العالمية.[7]

فلكل نبوة دلالات مختلفة وإن إشتركت في هدف عبودية الله، فحين الاسترجاع التاريخي الصحيح لهذه النبوات خارج مخيلات الإضافة الأسطورية والتزييف،تتكشف كل نبوة عن مفهوم محوري في العلاقة مع الله ومع الكون. فلنبوة ادم خصائصها وكذلك نبوة موسى وكذلك نبوة عيسى عليهم السلام. وهي في جميعها تفصح عن تعدد أشكال ومضامين العلاقة بالله وبالكون، ومن هنا تكمن أهمية الاسترجاع القراني لهذا التراث الروحي نقدا وتقويما.[8]

فالقران باسترجاعه لقصص الماضي إنما يكشف في الواقع عن عيوب المنظومات الفكرية والثقافية أو عن الأشكال الأيدولوجية الماضوية التي قدمت بعقليتها الإحيائية الظاهرات الطبيعية وتعاملت معها في صور فردانية ولبست النبوات تفسيرات خرافية - أسطورية فألهت الطبيعة والبشر مما أعجزها عن التعاطي العقلي والموضوعي مع الوجود الكوني بأسره.[9]

فجاءت البعثة المحمدية ختاما لظواهر تلك المرحلة المتقدمة, ليغلق عليها الباب ولتبدأ البشرية بمرحلة جديدة حتى مع تواصل الكائنات الغير مرئية بالسماء، كما جاء التصوير في آيَات سورة الجن

"وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا، وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا،وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا" (سورة الجن - سورة 72 - آيَة 8-10)

أصبح كل شيء من بعد هذه المرحلة (مرحلة اختتام النبوة) يخلد للأرض- للحركة المادية في واقعها الموضوعي وللسببية والسننية التي تدعو الإنسان للنظر فيها وإكتشافها.

إن القران ليس مهيمنا فقط على ما مضى ,وإنما مهيمن على المستقبل أيضا بما يتكشف عنه من منهجية معرفية مطلقة، وكذلك يهيمن على السنة النبوية حين نسترجعها (نقديا) في الحاضر من خلال منهجية القران، فنحن نسترجع السنة النبوية قرانيا ولا نبطلها.[10]

إن من يفهم حكمة انقضاء مرحلة النبوات سيفهم تماما أن الله قد جعل إرادته سبحانه في إعادة اكتشاف القران وفهمه ضمن كل مرحلة من مراحل التطور البشري بما ينسجم مع الخصائص الفكرية لشخصية المرحلة الحضارية. وقد تضمن القران وحي كل مرحلة كنور تتضح به حكمة المنهج الإلهي وتطبيقاته الكونية.[11]

كانت العقلية السائدة لدى العرب كما هي سابقاتها من الأمم أن قدرة الله يجب أن تتجلى بصورة أو أخرى بشكل حسي مباشر، كما كان معروفا لديهم من الأمم السابقة، من مثل ( إنزال المن والسلوى، إنفلاق البحر، إحياء الموتى ...)، بل إن بني إسرائيل قد طلبوا رؤية الله نفسه

"يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا" (سورة النساء - سورة 4 - آيَة 153)

بل إنهم كادوا أن يطلبوا من الرسول مثما طلب بني إسرائيل

"أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" (سورة البقرة - سورة 2 - آيَة 108)

فالرسالة المحمدية هي مقدمة البشرية لتعرف طريقها إلى الله عبر التعامل مع السنن الموضوعية وأن تكتشف قدرة الله في المادة ومن خلال السنن التي يسير عليها الكون. وافتتحت هذه المرحلة ب "اقرأ" والتي لا تخفى دلالتها.

فالعقل هو المفتاح، ويكاد يكون المفتاح الوحيد للولوج الى عالم "الكتاب"، ومن دون هذا العقل يسقط التكليف

"سَنُرِيهِمْ آيَاتنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (سورة فصلت - سورة 41 - آيَة 53)

والدليل على التدرج والتراكم المعرفي بين أجيال البشر، أنه لم يُعرف كتاب أو صحف من ادم الى نوح إنما هي وصايا، وأما إبراهيم ومن جاء بعده فهناك صحف ورسائل مكتوبة، وقد كانت آيَات هؤلاء الرسل منفصله عن المنهج المرسل لهم من جهة الآيات، أم في البعثة المحمدية فإن المنهج هو الآيَات، والآيَات هي المنهج فلا فكاك بينهما. وهي مستمرة الى قيام الساعة، لكل متدبر، سواء عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم أم جاء بعده بمئات السنين.[12]

"فإن مرحلة انتهاء نزول الوحي تعد مرحلة مفصلية وفارقة على صعيد السنن الإلهية الحاكمة للعالم الدنيوي ، فقبل انتهاء نزول الوحي وختم النبوات كانت الإمكانات والقدرات البشرية محدودة ومتواضعة ، ولذلك فقد كان يتم التعويض عن ذلك بتكثيف وتعميق إعمال القوانين القدرية ذات الصلة المباشرة بعالم الغيب ( إرسال الرسل والأنبياء، إنزال الكتب، إعطاء مساحة واسعة للآيَات المحسوسة "المعجزات" للأنبياء وغيرها من الوسائل الغيبية )، أما بعد انتهاء نزول الوحي وختم النبوات فقد أصبحت الذخيرة المعرفية الغيبية المقدر وصولها للبشر ( الوحي ) بين أيديهم، ومن ثم فقد انتقل التكثيف والتعميق إلى القوانين القدرية ذات الصلة المباشرة بعالم الشهادة أو العالم الدنيوي .

منذ انقطاع الوحي أصبحت تطورات الحياة مرتبطة بصورة متسعة ومتعاظمة بأدوار العلماء وسنن عالم الأنفس والآفاق، إما عبر إعادة فهم الوحي النهائي أو عبر تحسين الوعي الدنيوي والفاعلية الدنيوية من خلال اكتشاف واستخدام أو تسخير القوانين والسنن القدرية الحاكمة للعالم الدنيوي ( قوانين عالم الأنفس والآفاق ).هذه هي أهم قضية معرفية كان يمكن الانطلاق منها باتجاه تجديد فهم موضوع القضاء والقدر والكثير من موضوعات الثقافة الإسلامية. وفي ضوء ذلك فإن الحديث عن إنزال الكتب وإرسال الرسل وتأييدهم "بالمعجزات" المادية وكثرة إعمـال القوانين الغيبية كان حديثاً عن سنن ما قبل انقطاع الوحي وختم النبـوات. أما بعد ذلك فهنالك علم وعلماء على مستوى العلاقة بالوحي ، وهنالك تقلص للوسائل الغيبية كلما تطورت واتسعت القدرات والإمكانات البشرية. والوسائل غير الغيبية هي أيضـاً وسائل قدرية. هنالك سنن للنفس البشرية وللمجتمعات، وسنن للنباتات والحيوانات والجمادات، وسنن للاستبداد والشورى، وسنن للتقدم وأخـرى للجمود والانحدار.

إن الفارق الجوهري بين القوانين القدرية ذات العلاقة المباشرة بعالم الغيب وبين القوانين القدرية ذات الصلة المباشرة بالعالم الدنيوي هو أن الأولى لا يمكن تكوين علم تام ومكتمل حولها كما أنها مؤقتة ومتقطعة ومتقلصة وغير قابلة للتحكم أو التسخير، بينما الثانية يمكن تكوين علم بشري تام ومكتمل حولها كما أنها مستقرة ومنضبطة وذات دور متعاظم، وهي تقبل التدخـل البشري والاستخدام أو التسخير بصور متفاوتة. ذلك أن مضامينها التفصيلية تتمثل في السنن والخصائص والطبائع المنضبطة والمستقرة المبثوثة في الكون والحياة . [13]

فإن ختم النبوة واكتمال الوحي أديا إلى حدوث تطور جوهري على مستوى القوانين القدرية الحاكمة للعالم الدنيوي، حيث اكتمل الوحي وحلت محله فرص التجديد وانتهى إرسال الرسل والأنبياء وحلت محله أدوار العلماء. وكأن ختم النبوة واكتمال الوحي هما بمثابة إعلان عن حدوث نقلة كبرى على مستوى القوانين القدرية المتعلقة بالوحي وبمتطلباته، وذلك بتوفير هذه القوانين بين أيدي الناس، سواء من خلال توفير إمكانات التجديد أو من خلال أدوار العلماء .

هذا التطور من الاتصال المباشر بعالم الغيب ( إرسال الرسل والأنبياء ، إنزال الكتب ) إلى الاتصال المباشر بالعالم الدنيوي ( توفير إمكانات التجديد، جعل العلم هو الوسيلة الوحيدة لتطوير وتجديد الفهم ) يعني إناطة فهم الوحي بالجهد البشـري والمعرفة البشرية من غير رسل أو أنبياء أو كتب جديدة. وهذا الانتقال من الوسائل الغيبية إلى الوسائل غير الغيبية سينعكس ويسري على كل ما يرتبط به من قوانين ووسائل، فإرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب كان يرافقه تعدد وتتابع وتنوع المعجزات ومختلف الوسائل الغيبية، وهو أمر يناسب الحاجة إلى تأييد رسالات الرسل والأنبياء ويتناسب مع ضعف العلم البشري ومحدودية الإمكانات والقدرات البشرية. وبانتهاء إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب انتهت الحاجة إلى إجراء الايات الحسية "المعجزات" لهذا الغرض، وذلك باعتبار أن العلاقة بالوحي أصبحت مقصورة على الجهد البشري والمعرفة البشرية، ومن ثم فإن المحفزات والاختراقات والتطورات سترتبط كلها بالميدان المعبر عن هذه العلاقة، أي الميدان العلمي وأدوار العلماء. وهذا الميدان تحديداً سيؤدي إلى تطور واتساع الإمكانات والقدرات البشرية، ومن ثم ستتقلص الحاجة إلى الوسائل الغيبية كلما تطورت واتسعت إمكانات وقدرات البشر وزالت الحاجة إلى التعويض عن ضعفها ومحدوديتها. وكما هو واضح فإن هذا الميدان ينتمي إلى دائرة " المشترك الدنيوي " التي توجد عندها قضايا النهوض والتطوير ."[14]


يتبع المحور الثالث إن شاء الله..


________________________________________
[1]حاج حمد، محمد أبو القاسم، 2004، الأزمة الفكرية والحضارية في الواقع العربي الراهن، دار الهادي، بيروت
[2]أنظر الى التفصيل لدى: طرابيشي، جورج، 2011، ط 2، المعجزة أو سبات العقل في الإسلام، دار الساقي، بيروت
[3]المرزوقي، أبو يعرب، 2010، الجلي في التفسير- استراتيجية القران التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية، الكتاب الأول، مقومات الاستراتيجية والسياسة المحمدية، الدار المتوسطية للنشر، تونس
[4]إستخدام كلمة "خارقة" فيه تجاوز، وهو مما جرت عليه الألسن، فلا يصح نسبة الخرق الى الايات، فالخرق شيء مذموم
[5]أنظر: حاج حمد، محمد أبو القاسم، 2011، القران والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية، دار الساقي، بيروت، ص 112 و ص120
[6]أنظر: حاج حمد، محمد أبو القاسم، 2011، القران والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية، دار الساقي، بيروت، ص 52
[7]لقد فصل محمد أبو القاسم حاج حمد هذه المراحل في كتابه، العالمية الإسلامية الثانية- جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، إصدارات دار ابن حزم، بيروت، 1996، ص 120
[8]مرجع سابق، ص 105
[9]مرجع سابق، ص 105
[10]مرجع سابق، ص 106
[11]مرجع سابق، ص 148
[12]الرفاعي، عدنان، المعجزة الكبرى، www.thekr.net
[13]الخليفة إبراهيم، تجديد فهم الوحي، من موقع "تجديد فهم الوحي"
[14]الخليفة، إبراهيم، 2009، تجديد فهم الوحي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت
 
جزاكم الله خير السؤال والجواب والاجتهاد


نسأل الله ان يفقهنا في دينه ، ونسأله من فضله

اللهم آمين​
 
المحور الثالث: حادثة إنشقاق القمر

المحور الثالث: حادثة إنشقاق القمر

في ضوء ما تم عرضه كيف نفهم بعض ما جاء في القران الكريم من إخبار عن الأحداث مثل : إنشقاق القمر، حادثة الاسراء, أنباء الغيب التي وردت في القران أو أخبرنا بها الرسول –صلى الله عليه وسلم-،..وغيره

إحتج البعض بحدوث الايات "المعجزات" الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم من خلال بعض الايات التي وردت في القران, التي تخبر عن أحداث حدثت فوق العادة وعَدُّوهَا من "الخوارق".


فلننظر في بعض هذه الأحداث لنحكم هل هي فعلا "معجزات" كما تم تعريف المعجزة في كتب علوم القران من أنها :" أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة موافقاً لدعواه"؟ وقسموها الى (حسية وعقلية).

وهنا لا أعرض ما أعرضه من باب الجزم والتقرير، ولكن من باب التدبر والمدارسة.

حادثة إنشقاق القمر:

إنشقاق القمر هو اية في كتاب الله, ووصفُها باية جاء من الله سبحانه وتعالى. فهل نستطيع ان نستدل من القران بأنها حدثت فعلا؟ أم قد يكون هناك فهم اخر؟

أولا: الحديث عن المستقبل بصيغة الماضي وارد في القران، فهذا من أساليب القران، فلم يأت على ما سار عليه العرب في طرائق التعبير المتعارف عليها، وإن جاء بنفس الحروف التي تركب منها كلام العرب. وليس الهدف هنا دراسة هذا الموضوع بالذات ولكن جئنا بالأدلة على وروده في القران، فلماذا لا يكون ما جاء في سورة القمر من هذا القبيل!

ومن الأمثلة على هذا الأسلوب، الايات التالية:

"وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ" (سورة الشعراء - سورة 26 - آية 90-94)

انظروا معي إلى عذه الكلمات (وَأُزْلِفَتِ، وَبُرِّزَتِ، وَقِيلَ، فَكُبْكِبُوا) جميعهاجاءت بصيغة الماضي.

"أَزِفَتِ الآزِفَةُ" (سورة النجم - سورة 53 - آية 57)
"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" (سورة الكهف - سورة 18 - آية 49)
"وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا" (سورة الكهف - سورة 18 - آية 99)
"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (سورة الأعراف - سورة 7 - آية 44)

والذي يعزز هذا الرأي أن يوم القيامة الذي جاء الحديث عنه في سورة القيامة، تناول موضوع خسف القمر وجمعه مع الشمس كعلامة لاخر الزمان، وورد أيضا بصيغة الماضي..

"وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" ( سورة القيامة - سورة 75 - آية 8-9)

ثانيا: الى جانب هذا.. ما هو الإنشقاق؟

وما الفرق بين:

اِنْفَلَقَ ، اِنْشَرَمَ ، اِنْصَدَعَ ، اِنْثَلَمَ، اِنْفَلَعَ، اِنخَرَقَ، اِنْفَتَقَ، تَمَزَّقَ، اِنْفَتَحَ..


وغيرها من الكلمات التي قد يُظَنّ بأنها مترادفات لنفس المعنى، وهذا يستحيل في حق القران، فلا ترادف بين كلماته، وإن استخدمتها العرب كمترادفات، فبعض هذه الكلمات أو من جذورها، ما هو وارد في القران، لغرض مخصوص ولحكمة.

"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (سورة البقرة - سورة 2 - آية 74)
"يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ" (سورة ق - سورة 50 - آية 44)
ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (سورة عبس - سورة 80 - آية 26)

فاستخدمت كلمة الإنشقاق في القران وأيضا استخدمت كلمة الإنفلاق، ومن هنا يستحيل أن يكون المعنى متطابق.
"إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ "(سورة الأنعام - سورة 6 - آية 95)
"فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" (سورة الشعراء - سورة 26 - آية 63)

فهل إنشقاق القمر هو إنفلاقه كفلقتين؟!

ثالثا: هل نستطيع أن نقول بأن الإنشقاق قد يكون معنويا وليس حسيا؟ ربما ولكن هذا يحتاج الى دليل.

ولقد انتبهت خلال كتابتي لهذا الجزء من المشاركة الى موضوع للأخ أبو مسلم العرابلي، في منتدى اخر، تناول فيه كثيرا من النقاط التي أوردتها حول هذا الموضوع، يشرح ويحاول أن يثبت فيه كيفية إنشقاق القمر كما جاء في الحديث، ولكنه يعزو الإنشقاق الى مرور مذنب "هالي"! وأن القمر لم ينشق بذاته بل هُيّء للناظر كما لو كان القمر إنشق، ولقد فصّل الأخ العرابلي موضوعه بشكل مطول تحت عنوان " حقيقة انشقاق القمر .... هدية للباحث الفلكي الشيخ سلمان جبر آل ثاني"، وقد يكون كلامه مقنعا، ولكن تصبح الاية تعبيرا مجازيا، وليس إنشقاقا فعليا حقيقيا، وهذا ينفي حدوث أمر "خارق" للعادة. ويبقى ما حدث اية كما سماها الله سبحانه وتعالى، ونحن نسلم بهذا، ولكنها ليست "معجزة" كما تم تعريف المعجزات.

قد يشير البعض الى قوله تعالى في الايات اللاحقة في سورة القمر، بأنها دليل على أنها "معجزة"..

"وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ" (سورة القمر - سورة 54 - آية 2-3(

أولا: جاء التعبير باية وليس معجزة،
ثانيا: التعبير هنا عام ولم يخبر عن حال الكفار في تلك الحادثة المحددة على فرض أنها حدثت، والتعبير في "يروا" بالمضارع، فهذه هي حالهم مع الايات، كلما جاءت اية فإنه يعرضوا.
ثالثا: الاية جاءت مستقلة عن ما قبلها من اية، فهذا يعني أنها تفيد معنا قائما بذاته. فهي حالة عامة، بأن هؤلاء الكفار حالهم هو الإعراض، سواء مع اية انشقاق القمر أو مع غيرها من الايات.

وأخيرا.. هل من الممكن أن يكون الإنشقاق الذي يخبرنا عنه الله سبحانه وتعالى هو ما حدث بعد أكثر من 1300 من نزول القران ، ألا وهو عندما نزل رواد الفضاء على سطح القمر وأخذوا منه بعض الحجارة وجلبوها الى الأرض؟ فهنا حدث الإنشقاق الفعلي!

...ربما... والله أعلم ..
 
This is a thought-provoking analysis of the incident of the splitting of the moon as mentioned in the Qur’an. It's fascinating to delve into the various interpretations and understandings of such events. In connection to this discussion, Surah Al-Waqiah also provides profound insights into the signs and wonders of creation, urging reflection and contemplation. Truly, the Qur'an is a rich source of guidance and wisdom for those who seek it.
 
عودة
أعلى