ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا

أحمد طاهري

Well-known member
إنضم
05/04/2021
المشاركات
390
مستوى التفاعل
60
النقاط
28
العمر
39
الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)) سورة النحل
الكثير من المفسرين يقولون بأن هذه الآية الكريمة تشبه حال من ينقض عهده بعد توكيده بحال امرأة تغزل خيوطًا قوية ومتينة، ثم تعود فتنقضها وتحولها إلى خيوط ضعيفة ومفككة. وهذا العمل عبثي ولا طائل منه ويدل على نقص في العقل والحكمة ولكن الحقيقة أن المعنى المقصود أعمق من هذا بكثير.
ذلك لأن الآية الكريمة تحمل تحذيرًا شديد اللهجة من مغبة الاستهانة بقيمة الأيمان والعهود. فهي ليست مجرد كلمات تقال، بل هي التزامات ومواثيق تربط بين الأفراد وتقوم عليها العلاقات. ونقض هذه الأيمان ليس فقط خيانة للطرف الآخر، بل هو أيضًا خيانة للثقة التي هي أساس التماسك الاجتماعي.
وهكذا فإن وجه الشبه هنا ليس لسخافة عقل المرأة التي نقضت غزلها بل لخطورة تمزيق الروابط التي يجب الحفاظ عليها .
إن تماسك أي مجتمع، مهما بلغت قوته أو اتساعه، يقوم على أساس متين من الثقة المتبادلة بين أفراده. هذه الثقة هي بمثابة خيوط دقيقة تتشابك معاً لتشكل نسيجًا قويًا ومتينًا، يحمي المجتمع من التصدع والانقسام. وعندما تهتز هذه الثقة، أو تتعرض للتمزق بفعل الخيانة ونقض العهود، يبدأ هذا النسيج في التحلل، وتضعف الروابط التي تجمع بين أفراده، مما يهدد كيان المجتمع بأكمله ،
إن نقض الأيمان المؤكدة يهدد بتمزيق خيوط النسيج الاجتماعي. فهو يضعف الروابط بين أفراد المجتمع ويجعله عرضة للتفكك والانحلال. عندما تنعدم الثقة، يصبح من الصعب بناء علاقات سليمة ، ويتعطل التعاون في مختلف مجالات الحياة.
والدول الإسلامية لن تربطها روابط متينة وتصبح أمة واحدة ما لم يكن هناك أساس متين من الثقة بينهم قائم على الإلتزام بالعهود والمواثيق .

 
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (النحل: 91).
في قوله تعالى: "وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا"، إشارة واضحة إلى أن اليمين هي جعل الله سبحانه وتعالى ضامنًا وشاهدًا على هذا العهد. وأي شهادة أعظم وأجل من شهادة الله عز وجل؟
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (الأنعام: 19). هذه الآية تؤكد بشكل قاطع أنه لا توجد شهادة أكبر وأعظم من شهادة الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فإن جعل الله كفيلاً على العهد هو توكيد عظيم لهذه المسؤولية.
إن الوفاء بالعهد ارتبط في القرآن الكريم بصفات الرجولة والصدق في الإيمان. قال تعالى في سورة الأحزاب في معرض الثناء على المؤمنين الصادقين: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23). هذه الآية تربط بشكل مباشر بين صدق الإيمان والوفاء بالعهد مع الله، وتصف هؤلاء المؤمنين بأنهم "رجال"، مما يدل على أن الوفاء بالعهد من شيم الرجال الصادقين الذين يلتزمون بوعودهم ومواثيقهم.
الجهاد في سبيل الله هو الإمتحان الحقيقي للوفاء بالعهد مع الله سبحانه وتعالى :
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا 22 مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً 23 } (الأحزاب)
 
عودة
أعلى