وقفات مهمة حول قراءة القرآن ( بمناسبة شهر رمضان )

إنضم
04/04/2003
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة القرآن ، وما فيه من العلوم والمواعظ ماتستقيم به حياتنا ، وتطمئن به قلوبنا ، والصلاة والسلام على رسول الله الذي كان خلقه القرآن ، وعلى أصحابه الذين كان أحدهم قرآنا يدب على الأرض أما بعد

فهذه وقفات دعا إليها حق التذكرة ، ومناسبة الزمان بقرب شهر رمضان بلغنا الله إياه ، وهي تتعلق بقراءة القرآن ، أشير في طليعتها إلى أمرين :
1.أن القصد من هذه الوقفات ما خفي العلم به ، أو قل العمل به ، فخرج بهذا ماكان معلوما معمولا به عند الأكثر .
2.أنني لم أراع ترتيبا معينا في سردها بل كيفما اتفق ، والجامع هو الفائدة – إن شاء الله - في إطار هذا الموضوع .

الوقفة الأولى : السواك وتطهير الفم .
وهذه – أيها الإخوة - نغفل عنها قبل القراءة ، وقد جاء عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالسواك وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه ، فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك ، فطهروا أفواهكم للقرآن "
قال المنذري في الترغيب والترهيب 1/102: رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به ، وروى ابن ماجه بعضه موقوفا ولعله أشبه . والحديث جوّد إسناده الألباني في الصحيحة 3/215 .
وقال قتادة رحمه الله :" ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن " .
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكون بين يديه تور فيه ماء إذا تنخع تمضمض ثم أخذ في الذكر ، وكان كلما تنخع تمضمض . ( القرطبي 1/27 )
قال الآجري :" أحب لمن أراد قراءة القرآن من ليل أو نهار أن يتطهر وأن يستاك ، وذلك تعظيم للقرآن ، لأنه يتلو كلام الرب عز وجل " ( أخلاق حملة القرآن ص73 ) .

الوقفة الثانية : الانشغال عن قراءة القرآن .
كان السلف رحمهم الله يعتنون بالحزب أو الورد اليومي من القرآن عناية عظيمة ، ولهم في ذلك أخبار عجيبة .
أما اليوم فما أقل من قطع على نفسه حزبا يوميا ، وما أقل – من هذا القليل – من يحافظ على حزبه محافظته على الفريضة لايخل به ، بل الواقع أنه يقع الإخلال به لأدنى شغل .
جاء في ( البداية والنهاية ) 9/162 :" قال إبراهيم بن أبي عبلة : قال لي الوليد بن عبد الملك – الخليفة الأموي - يوما : في كم تختم القرآن ؟ قلت : في كذا وكذا ، فقال : أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث - وقيل في كل سبع قال - وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة " .

وقال أبو العالية : كنا عبيدا مملوكين ، منا من يؤدي الضرائب ومنا من يخدم أهله ، فكنا نختم كل ليلة مرة ، فشق ذلك علينا فجعلنا نختم كل ليلتين مرة ، فشق علينا فجعلنا نختم كل ثلاث ليال مرة ، فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض ، فلقينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمونا أن نختم كل جمعة أو قال كل سبع ، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا . ( طبقات ابن سعد 7/113 )
ومما يدل على مواظبتهم ما جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :" ما تركت حزب سورة من القرآن من ليلتها منذ قرأت القرآن "

وكان عروة يقرأ ربع القرآن في كل يوم نظرا في المصحف ، ويقوم به بالليل فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ثم عاوده من الليلة المقبلة . شعب الإيمان 2/410
ويحكي إبراهيم النخعي عن حالهم فيقول : كان أحدهم إذا بقي عليه من حزبه شيء فنشط قرأه بالنهار أو قرأه من ليلة أخرى ، قال : وربما زاد أحدهم .

ولهذا شرع قضاؤه إذا فات ، كما روى عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل " رواه مسلم .
بل كان أحدهم يتأثر غاية التأثر إذا فاته حزبه ، كما روى أبوداود الجفري قال دخلت على كرز بن وبرة بيته فاذا هو يبكي فقلت له ما يبكيك قال ان بابي مغلق وان ستري لمسبل ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة وما هو إلا من ذنب أحدثته . حلية الأولياء 5/79 .

ولهذا أقترح - أيها الأحبة - أن يهيأ أحدنا نفسه من الآن استعدادا للشهر ، ويقضي أشغاله من الحاجات وملابس العيد وغير ذلك ، وأن يتخفف من الانترنت أو يتركه – أو يتركها إن كانت مؤنثا – في رمضان .
أقف عند هذا القدر وللحديث بقية – إن شاء الله - ، كما أرجو من الإخوة أن يتحفوا هذا الموضوع ، لتجتمع لدينا حصيلة طيبة قبل رمضان ، فالمسائل كثيرة ، والوقت قصير ، والله المستعان .
والسلام عليكم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم


شكر الله لك يا أخي الكريم _ أبا عبد العزيز _ وجعلني الله وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته .

وهذه مشاركة مني حول آداب مهمة مع القرآن الكريم ، وهي مستنبطة من القرآن [منقولة بشيء من التصرف]:

القرآن يعلّمنا آداب تلاوته وتدبره

إخواني الكرام ..لا أحد يجهل أن الله قد بعث إلينا كتابه نورا وهدى وشفاء ورحمة، وتعبدنا بتلاوته وحفظه والعمل به والدعوة إليه، كل حسب قدرته واجتهاده، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
والحق أنه لا يتم هذا التنافس إلا بتعهّد القرآن الكريم بالقراءة الصحيحة والتدبّر السليم، هذه بعض آداب التلاوة الصحيحة التدبُّرية التي يرشدنا إليها القرآن نفسه، فهل من مطبـِّـق؟
01- التمثل لأمر الله بـالاستعاذة قبل كل تلاوة، لأن بها يطرد الشيطان ويستجمع العقل والقلب لاستقبال كلام الله الذي هو نوره:) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( (النحل98).
02- حسن أداء الآيات وتجويد القراءة، وذلك بإخراج الحروف حسب الصفة التي جاء بها التنزيل وتحقيق الوقوف بما يساعد على التدبر والفهم؛ ولا يتم ذلك إلاّ بالاجتهاد في تعلّم أحكام التلاوة والقصد إليها بالعمل والتطبيق: ) وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً( (الإسراء110). )وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ا( (المزمل4).
03- حسن الاستماع والإنصات، عندما لا يكون المرء هو القارئ : )وإذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( (الأعراف204).
04- الحرص على التطبيق والعمل بمقتضى ما فـُهم مما تـمت تلاوته و/أو حفظه: )وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( (الأنعام155).
05- الاجتهاد من أجل تعاهد القرآن وعدم هجرانه والغفلة عنه: )فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (الزخرف،43) .
06- الاقتصاد في القراءة وعدم السرعة،لأن العبرة بالفهم لا بقدر ما يقرأ أو الزمن المستغرق: ) لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ( (القيامة 16/ 117/18)
07- الخشوع ، إذ به يحصل التدبر ) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (. (السجدة109).
08- معرفة قواعد اللغة الأساسية، لأن القرآن الكريم نزل بلغة العرب: )فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ( (الدخان،58) .
09- اختيار الوقت والمكان ، إذ لا يعقل أن يتأتى الفهم والتدبر حين غلبة النعاس، وأمام التلفاز أو في السوق: )وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ( (الإسراء،79).
10- تجنب مبطلات التدبر والعمل (عكس هذه الآداب)، ومنه الجدل: )وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ( (الكهف،54). لأن من ألهـتهم الأماني، وأخذهم الغرور بأنهم يقرءونه ولكن دون أن يلتزموا بآدابه،لم ينفعهم قرآنهم: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ( (محمد،33).
وبعد هذه الآداب والقواعد لا يسع المنصت أو القارئ سوى العمل والاجتهاد فبالتدبر لآي الله يستطيع الإنسان أن يفعِّل القرآن الكريم في نفسه أولا ثم في غيره بالدعوة والشرح والتبليغ، فما علاقتنا بهذا الكتاب إلا أن نقوم بحقه ، وحقه أن يطبّق ويبلّغ إلى الناس أجمعين، ومن يطبِّق تلكم الآداب لن يشعر بالعجز أمام هذه المهمة رغم أنـها ثقيلة؛ وقد أعذر الله إذ قال: ) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ( (القمر،17).
والحمد لله من قبل ومن بعد
 
جزاكما الله خيراً على هذه الوقفات والإشارات. وننتظر بعض النصائح من الإخوان والتجارب عن كيفية التدبر والتأمل في القرآن الكريم مع قدوم شهر رمضان المبارك إن شاء الله.
وفق الله جميع المسلمين لما يحب ويرضى.
 
قاعدة جليلة : شروط الانتفاع بالقرآن الكريم

قاعدة جليلة : شروط الانتفاع بالقرآن الكريم

قاعدة جليلة : شروط الانتفاع بالقرآن الكريم
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك وأحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله ، قال تعالى " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " وذلك أن تمام التأثير كان موقوفاً على مؤثر مقتض . ومحل قابل . وشرط لحصول الأثر . وانتفاء المانع الذي يمنع منه ، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد ، فقوله " إن في ذلك لذكرى " إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى ههنا وهذا هو المؤثر . وقوله " لمن كان له قلب " فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى " إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا " أي حي القلب . وقوله " أو ألقى السمع " أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له . وهذا شرط التأثر بالكلام .
وقوله " وهو شهيد " أي شاهد القلب حاضر غير غائب .
قال ابن قتيبة : استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه ، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير ، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله ، فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر ، حصل الاثر وهو الانتفاع والتذكر .
( فإن قيل ) إذا كان التأثير انما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة ( أو ) في قوله " أو ألقى السمع " والموضع موضع واو الجمع لا موضع ( أو ) التي هي لأحد الشيئين . قيل هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال : خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو ، فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة ، فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق ، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن ، فكان ورود القرآن على قلبه نوراً على نور الفطرة . وهذا وصف الذين قيل فيهم " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق " وقال في حقهم " الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء " فهذا نور الفطرة على نور الوحي . وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي .
قال ابن القيم : وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب .
ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج الى شاهد يميز له بين الحق والباطل . ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي ، فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معانيه ، فيعلم حينئذ أنه الحق .
فالأول حال من رأى بعينيه ما دعي إليه وأخبر به . والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال : يكفيني خبره فهو في مقام الايمان ، والأول في مقام الإحسان . هذا قد وصل الى علم اليقين وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين . وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الاسلام . فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا ونوع في الآخرة ، فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد إلى العين . وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار ، وفي الدنيا بالبصائر ، فهو عين يقين في المرتبتين .
من كتاب الفوائد لابن القيم
 
وهذه بعض الفوائد اللطيفة من حديث مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل عليه السلام في رمضان ذكرها الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله

السؤال :
هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبرائيل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن ؟

الجواب :
يستفاد منها المدارسة، وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- دارس جبرائيل للاستفادة ؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله -جل وعلا- وهو السفير بين الله والرسل ، فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي -صلى الله عليه وسلم- أشياء من جهة الله -عز وجل- ، من جهة إقامة حروف القرآن ،ومن جهة معانيه التي أرادها الله ، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ، ومن يعينه على إقامة ألفاظه ، فهذا مطلوب كما دارس النبي -صلى الله عليه وسلم- جبرائيل ، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي -عليه الصلاة والسلام- ، ولكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما أمره الله به من جهة القرآن ، ومن جهة ألفاظه ، ومن جهة معانيه ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية ، لا أن جبرائيل أفضل منه -عليه الصلاة والسلام-، بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة -عليه الصلاة والسلام- ، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللأمة ؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله، وليستفيد مما يأتي به من عند الله -عز وجل- .
وفيه فائدة أخرى، وهي : أن المدارسة في الليل أفضل من النهار ؛ لأن هذه المدارسة كانت في الليل ، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً.
وفيه أيضاً من الفوائد : شرعية المدارسة، وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان ؛ لأن فيه فائدة لكل منهما ، ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس أن يستفيد كل منهم من أخيه، ويشجعه على القراءة ، وينشطه فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده ، لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له ، مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم ، كل ذلك فيه خير كثير .
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة ؛ لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن ، ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله -يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن ، وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله ، ولكن ليس هذا موجباً لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته ، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة ، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة .
مجموع فتاوى الشيخ/ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- ، الجزء الخامس عشر ، ص (324) فتوى رقم (114) .
 
قواعد مهمة لتدبر القرآن

قواعد مهمة لتدبر القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في محكم قرآنه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}(ص:29)
وتدبر القرآن مقصد أساس من مقاصد نزول القرآن الكريم، فهو السبيل لفهم أحكامه، وهو الطريق لبيان غاياته ومقاصده؛ فلا يُفهم القرآن حق الفهم، ولا تُعرف مقاصده وغاياته حق المعرفة، إلا بالوقوف عند آياته وتدبرها حق التدبر، لكشف ما وراءها من حكم ومعانٍ.

ومع أننا - والحمد لله - لا نزال نرى كثيراً من المسلمين يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار - وهذا أمر طيب على كل حال - إلا أن الكثير منهم لا يزال يقرأ القرآن من غير تدبر ولا فهم، الأمر الذي أدى إلى تفويت المقصد الأساس الذي أنزل القرآن لأجله، ألا وهو العمل بأحكامه، واتباع أوامره واجتناب نواهيه .

وعملاً بقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(الذاريات:55) - أذكر نفسي وإخواني ببعض القواعد المهمة، التي تساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم .


القاعدة الأولى
معرفة لغة العرب وأساليبهم البيانية، فلا يخفي أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب وبلسانهم، وهو لا يُفهم إلا بفهم ما به نزل، ولذلك وجدنا أهل العلم كافة يهتمون بمعرفة لغة العرب، ويوصون طلبة العلم بذلك؛ وبيان ذلك أن من لا يعرف أساليب العرب في البيان لا يستطيع - مثلاً - أن يفهم قوله تعالى: {واسأل القرية}(يوسف:82) ولا يمكنه كذلك أن يفرِّق بين قوله تعالى: {إياك نعبد} و(نعبدك) أو (نعبد إياك) ونحو ذلك من الأساليب العربية .

ولا بد أن نشير هنا إلى أنه لا يُطلب من كل قارئ للقرآن الكريم أن يكون نحويًا، كسيبويه ومن كان على شاكلته، بل المطلوب أن يحصل قارئ القرآن على الحد الذي يُمكَّنه من فهم كتاب الله وتدبره .


القاعدة الثانية

من القواعد المهمة والمساعدة على تدبر القرآن، دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالمعروف أنه صلى الله عليه وسلم كان الترجمان الحقيقي للقرآن، وأنه كان خُلُقُه القرآن، وأنه كان قرآنًا يمشي، فهو المبين لمجمله، والموضح لمشكله، وإذا كان الأمر كذلك، فإن تدبر القرآن وفهمه لا يتأتَّى إلا بالرجوع إلى ما ثبت من سيرته صلى الله عليه وسلم وما صح من سنته.

القاعدة الثالثة
معرفة أسباب النزول تُعدُّ من القواعد المهمة في تدبر القرآن؛ لأن كثيراً من الآيات ارتبط نزولها بمناسبات ووقائع معينة، ولا يمكن أن تُفهم إلا بمعرفة المناسبات والوقائع التي نزلت لمعالجتها، فالقارئ لكتاب الله - مثلاً - قد لا يدرك المقصود من قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}(آل عمران:139-140) إلا بمعرفة أسباب نزولها .

القاعدة الرابعة
ومن الأمور المساعدة على تدبر كتاب الله، الرجوع إلى كتب التفاسير المعتمدة، والنظر في أقوال أهل العلم فيها، فقد حوت تلك الكتب كثيراً من تفاسير السلف، كتفاسير الصحابة، وتفاسير التابعين وتابعيهم، كتفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وغيرها كثير، فبالرجوع إلى هذه التفاسير وأمثالها عون لقارئ كتاب الله على تدبر آياته وفهمه الفهم السليم .

القاعدة الخامسة
ومما يصبُّ فيما نحن بصدد الحديث عنه، العكوف على قراءة القرآن مع التأمل والنظر والتفكر في آياته، وهذا ما حثَّ عليه القرآن نفسه؛ يرشد لهذا العديد من الآيات الداعية إلى التفكر والتدبر في آيات الله، من ذلك - مثلاً - قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}(سـبأ:46) فالتفكر والتدبر والنظر والتأمل يفتح لقارئ كتاب الله كثيراً من المعاني، التي لا يمكن أن يكتسبها قارئ كتاب الله إلا من خلال ذلك .

القاعدة السادسة

ومن أهم القواعد المهمة في تدبر القرآن الكريم، قاعدة إنزال القرآن على الواقع، وتعني هذه القاعدة باختصار أن القرآن الكريم لم ينزل لزمان معين ولا لمكان معين، وإنما نزل صالحاً للعمل والتطبيق في كل زمان وفي كل مكان، وهو لا يفهم حيًا غضًا طريًا، إلا بإنزاله على واقع الأمة وقضاياها، فلكل زمان كُفَّاره ومنافقوه، ولكل مكان فراعنته وظالموه. لذا كان من الخطأ والزلل إنزال القرآن على غير منازله، فمن أنزل آيات المؤمنين في الكافرين أو العكس، أو جعل المؤمنين الصالحين هم المنافقون الكافرون، فقد ضل سواء السبيل .

وأختم هذا المقال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)رواه مسلم وواضح أن الحديث قَرَنَ بين التلاوة والمدارسة، ورتب عليهما السكينة والرحمة وحفظ الملائكة وذكر الله لقارئي كتابه .

ولعل واقع المسلمين اليوم وما هم عليه من وضع لا يحسدون عليه، ما يُشير إلى أن غياب تدبر القرآن وفهمه الفهم الصحيح، ومن ثَمَّ العمل به، أقول: لعل في ذلك سببًا وراء ما هم عليه، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين .

منقول بتصرف من :http://www.islamweb.net/web/misc.Article?vArticle=17482&thelang=A
 
أشكر إدارة المنتدى على تثبيت الموضوع في هذه الأيام الشريفة ، كما أشكر من شارك في إثرائه إنشاءا أو نقلا ، ثم أتابع مابدأته فأقول – وبالله التوفيق - :

الوقفة الثالثة : الإخلال بالترتيل .
أمر الله تعالى بترتيل القرآن وأكده بالمصدر في قوله عز وجل : ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(المزمل: من الآية4) ، ومحل الإخلال الملحوظ في هذا : حينما يقرأ المرء بمفرده ، بخلاف القراءة الجماعية على طريقة الإدارة بالقرآن . فتقع العجلة والهذرمة ، وعدم توضيح الحروف ، وإعراب الكلمات ، وحسن الوقوف على الجمل .
عن حفصة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام ، فكان يصلي في سبحته قاعدا ، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها . أخرجه مسلم – والشاهد آخره –
وعن يعلي بن مملك أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته ، قالت : مالكم وصلاته ، ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا .أخرجه أحمد والترمذي والنسائي بسند صحيح
وجاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني سريع القراءة وإني أقرأه في ثلاث ، فقال : لأن أقرأ البقرة فى ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلى من أن أقرأ كما تقول . أخرجه البيهقي وغيره
وقال رجل له : أني رجل سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين ، فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلى من أن أفعل مثل الذي تفعل ، فإن كنت فاعلا لا بد ، فاقرأه قراءة تسمع أذنيك ويعيه قلبك . أخرجه البيهقي
وعن الشعبي قال : إذا قرأت القرآن فاقرأه قراءة تسمع أذنيك ويفقه قلبك ، فان الأذن عدل بين اللسان والقلب . أخرجه ابن المبارك في ( الزهد )

الوقفة الرابعة : الخشوع حال القراءة .
إلى الله المشتكى من قسوة القلوب التي لاتوجل، وقحط العيون التي لاتدمع حال قراءة القرآن ، ورحم الله القائل :
ولو أن عينا ساعدت لتوكفت
سحائبها بالدمع ديما وهطلا
ولكنها عن قسوة القلب قحطها
فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا

قال تعالى ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)
وقال ربنا سبحانه : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16)
وقال عز وجل : ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (الاسراء: 106- 109 )
فحسبنا هذه الآيات السالفات ، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن مسعود في قراءته سورة النساء مشهور عند الجميع .
وهكذا كان سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم كما جاء عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : قلت لجدتي أسماء رضي الله عنها : كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأوا القرآن ؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله تعالى ؛ تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم . قلت : فإن ناسا ههنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية ، فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وغيرهما

الوقفة الخامسة : التفاعل مع القراءة .
وهذا من أسباب التدبر ، وحضور القلب حال القراءة .
ومن صور ذلك : السؤال والتعوذ والتسبيح في مواضعها ، كما في قصة صلاة حذيفة مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ " رواه مسلم

وعن ابن عباس أنه قال : " إذا قرأ أحدكم ( سبح اسم ربك الأعلى ) فليقل : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) فليقل : اللهم بلى ، أو : اللهم سبحان ربي بلى " أخرجه البيهقي في الشعب .
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا قرأت ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) قالت : اللهم من علي ، وقني عذاب السموم . أخرجه البيهقي في الشعب
والأمثلة في هذا كثيرة

ومن صور التفاعل : أن تتصور توجه الخطاب لك مباشرة ، كما نقله الشيخ أبو مجاهد عن ابن القيم رحمه الله .

ومن صور التفاعل : تكرار الآية ، وإمرارها على القلب ، كما كرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118) .
والله أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

تعليقاً على ما ذكر الشيخ خالد الباتلي وفقه الله بقوله : ( ومحل الإخلال الملحوظ في هذا : حينما يقرأ المرء بمفرده ، بخلاف القراءة الجماعية على طريقة الإدارة بالقرآن . فتقع العجلة والهذرمة ، وعدم توضيح الحروف ، وإعراب الكلمات ، وحسن الوقوف على الجمل .)

أقول : إن هذا تنبيه مهم جداً ، وقد كنت - ولا زلت - أتعجب من حالنا عندما نقرأ القرآن أمام الناس ، أو أمام معلم القرآن بتجويد وتحسين صوت ، فإذا قرأناه فرادى اختلفت القراءة كثيراً ، وصرنا نهذه كهذ الشعر .

وقد قرأت في كتاب تجويد الفاتحة للشيخ حسني شيخ عثمان كلاماً جيداً حول هذه المسألة ، أحببت أن أنقله هنا للفائدة

قال في الكتاب المشار إليه ص21-22 : ( كما ينبغي العلم بأن كل أخذ عن معلم ، أو دراسة لكتاب تجويد ، أو أداء حسب إرشادات شيخ متقن = إنما هو تعلم وتدرب على الأداء الصحيح أمام الله تعالى الذي يجب أن يقرأ القرآن كما أنزل ،
فمن عكس القضية ، وقلب المسألة ، فتكلف حسن الأداء أمام معلم أو شيخ ممتحن أو أمام الناس ، ثم ترك تطبيق الأحكام ، وأساء الأداء وهو بين يدي ربه عز وجل ؛ فهو امرؤ : إما جاهل وإما آثم ....
وهذا مثل الذي يجود قراءته عندما يسمعه الناس من المخلوقين ، ويترك التجويد عندما يقوم للصلاة الجهرية أو السرية بين يدي رب العالمين !!. ) انتهى
 
كيف نجد في القلب رقة عند تلاوة القرآن ؟

كيف نجد في القلب رقة عند تلاوة القرآن ؟

القرآن الكريم كتاب أنزله الله هدى للعالمين ، ورحمة للأمم أجمعين وسبيلا لعلاج قلوب الغافلين، فقوَّم به بعد الاعوجاج ، وهدي من بعد الضلال.
ولقد جعل الله لقراءته منزلة عظيمة ، وبين نبينا صلى الله عليه وسلم فضل ذلك في أحاديثه الكريمة، أحاول أن أقطف منها زهرة افتتاحا لمقالتي :
فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر ) متفق عليه
وحسبي أن قارئ هذه الأسطر من النوع الأول قد حقق أصل الإيمان ، وما قصد بقراءته إلا وجه الرحيم الرحمن .
ولكن كم من سائل قد سأل : إني أقرأ القرآن ولا أجد له حلاوة ، ولا زلت أجد في القلب قسوة وبداوة ، ويعلوه ظلمة وتحيطه غشاوة.
أقول : أخي -رحمني الله وإياك- هذه شكوى كثير من الإخوان ، والعلاج يسير بتوفيق المنان ، ومعا نبدأ الخطوة الأولى نحو العلاج فأقول مستعينا بالله :
إن أردت أن تجد في القلب -عند تلاوة القرآن- رقة فحاول أن تخيم عليه بالحزن والخوف من الله ، ولا يستخفنك حسن الصوت ، واستحضر معاني الآيات في قلبك وابك عند تلاوتها .
فيا من تشكو قسوة : ابك عند قراءة كلام ربك ، فإن في كلماته رقة وتأثيرا عظيماً ، فكم من آية تتحدث عن العذاب ، وكم من آية تتوعد العصاة بشديد العقاب.
كم من آية تتحدث عن جلال الله ، كم من آية سبحت بك في ملكوت السماوات والأرض ، وبينت أن ربك وسع كرسيُّه السماوات والأرض.
استحضر بقلبك مصيرك ، وتدبر ما في الآيات من عبرة ؛ لتسيل من عينيك العبرة ، فتحطم صخورا قد علت فوق قلبك ، فحجبت عنه نور ربك ، ولنا في سلفنا أسوة ، فانظر إليهم بعين الاقتداء :
فعن أبي صالح قال: قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون . فقال أبو بكر : هكذا كنا حتى قست القلوب.
وهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صلى بالناس ذات ليلة فقرأ سورة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) (الليل:1) فلما بلغ (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى) (الليل:14) خنقته العبرة ، فلم يستطع أن ينفذها ، فرجع حتى إذا بلغها خنقته العبرة فلم يستطع أن ينفذها فقرأ سورة غيرها .
وكن -يا صاحب الشكوى- مع الآيات متفاعلا ، فمع آيات العذاب خوفا ، ومع آيات الرحمة طلبا ورجاء
فعن حذيفة بن اليمان : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بآية رحمة سأل ، وإذا مر بآية فيها عذاب تعوذ ) هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف بنا نحن .
واعلم أن البكاء من شيم الأنبياء والصالحين ولا سيما عند تلاوة كلام رب العالمين قال تعالى:
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً) (الاسراء:107)
وقال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58)
فعلاج قلبك أن تتدبر الآيات تدبرا حكيما حتى تبكي فيرق قلبك .
ولقائل أن يقول : إنني أقرأ ولا أستطيع بكاءا ، وأجد من ذلك عناءا ، فأقول -رحمني الله وإياك- :
إن كل طريق يحتاج إلى مجاهدة حتى تصل إلى ماتريد ولقد قال العزيز الحميد:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)
فإن كنت لاتستطيع بكاءا فتباكى ، أي حاول ولا تيأس ، بصدق نية وحسن توكل على الله ، ولا تفهم من قولي أن تتصنع ما ليس فيك فتقع في شر وخيم من رياء وحب محمدة ، فهذا قطعا غير مقصود ، وإنما أن تدرب نفسك في خلواتك على استحضار المعاني والبكاء عليها ، وأبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم)
فهذه المحاولات الصادقة في خشوعك أثناء القراءة ستؤتي ثمارها ولو بعد حين .
أما أدوات المحاولة الصادقة :
أن تُشرك القلب والعقل مع اللسان عند التلاوة ، بعدها ستجد للقرآن حلاوة.
قال الغزالي في الإحياء:
( وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه العقل واللسان والقلب .
فحظ اللسان : تصحيح الأخطاء بالترتيل. وحظ العقل : تفسير المعاني .
وحظ القلب: الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار ، فاللسان يرتل ، والعقل يترجم ، والقلب يتعظ .)
هذه خطوة على طريق علاج قلبك بالقرآن ، وإنني أسأل الله الرحيم الرحمن أن يوجد في قلبي وقلوبكم رقة وخشية ، وأن يجعلنا من أهله وخاصته إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


منقول من موقع طريق القرآن http://www.quranway.net/
 
خطوات التأثر بالقرآن والتلذذ به كما ذكرها الغزالي في الإحياء

خطوات التأثر بالقرآن والتلذذ به كما ذكرها الغزالي في الإحياء

هذه عشر خطوات تساعد على تدبر القرآن ، وتجعل القارئ يتأثر به ، ويتفاعل مع قراءته وتلاوته له
اختصرتها من كلام الغزالي في الإحياء ، وفيها تنبيهات مهمة ورائعة :


تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن :

اعلم أن هذه اللذة لن تحصل إلا بتوافر عشرة آداب عند تلاوة القرآن الكريم هي: (فهم أصل الكلام. ثم التعظيم، ثم حضور القلب. ثم التدبر. ثم التفهم، ثم التخلي عن موانع الفهم، ثم التخصيص، ثم التأثر، ثم الترقي، ثم التبري).
فالأول: فهم عظمة الكلام وعلوه .
الثاني: التعظيم للمتكلم: فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر ، فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم ، ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر بباله العرش واستواء ربه عليه، والكرسي الذي وسع السموات والأرض، واستحضر مشهد السموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعَلِمَ أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته وبين نِقمته وسَطوته، إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعدله، وأنه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمة والتعالي، فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام.

الثالث: حضور القلب وترك حديث النفس: قيل في تفسير: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} أي بجد واجتهاد، وأخذه بالجد أن يكون متجردًا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تحدّثُ نفسك بشيء؟ فقال: أو شيء أحبُّ إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي! وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية. وهذه الصفة تتولد عما قبلها من التعظيم، فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه .

الرابع: التدبر: وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره والمقصود من القراءة التدبر، ولذلك سُنَّ الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن، قال علي t: لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها.
وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئًا مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قراها أمامُه فهذا وسواس. فقد روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوساس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟ فقال: لأن تختلف في الأسِنَّة أحب إليّ من ذلك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي عز وجل، وإني كيف أنصرف، فعدّ ذلك وسواسًا وهو كذلك، فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهمِّ ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.
وعن أبي ذر قال: قام رسول الله r بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم..} الآية وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات…} الآية، وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} وقال بعضهم: إني لأفتح السورة فيوقفني بعضُ ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر، وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعدّ لها ثوابًا، وحُكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جوزتها إلى غيرها، وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها، ولا يفرغ من التدبر فيها، وقال بعضهم: لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد، وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه، وكان هذا أيضًا يقول: أقمت نفسي مقام الأجراء فأنا أعمل مياومةً ومجامعةً ومشاهرةً ومسانهةً .[أي بأجر كل يوم وكل جمعة وكل شهر وكل سنة، يشير إلى ختماته في تلك الأزمنة.]

الخامس: التفهم: وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل، وذكر أفعاله، وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار.
أما صفات الله عز وجل فكقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وكقوله تعالى: {الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر} فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معان مدفونة لا تنكشف إلا للمُوفَّقين: وإليه أشار علي t بقوله لما سئل: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن؟ فقال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه، وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله عز وجل وجلاله إذ الفعل يدل على الفاعل فتدل على عظمته، وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام، فإذا سمع منها كيف كُذّبوا وضُربوا وقُتل بعضهم. فليفهم منه صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيء، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق، وأما أحوال المكذبين، كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أُمهل فربما تدركُه النقمة وتنفُذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه، {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا}.
فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.

السادس: التخلي عن موانع الفهم، فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحُجُب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، وحُجُب الفهم ثلاثة:
أولها: أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان ممن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.
ثانيها: أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيَّده معتقدُه عن أن يتجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفًا على مسموعه، فإن لمع برق على بُعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك، فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويتحرز عن مثله، ومثله من يقرأ قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وما يحتويه معنى الآية من علو الله عز وجل على كل مخلوقاته وهيمنته وتصرفه في كل الموجودات فيجيئه تقليد المعتقدات الموروثة في وجوب تنزيه الله عن الجهة فيُحرم من تجليات تأمل صفة العلو والاستواء وهي من الصفات التي تكررت في القرآن بغرض التنبيه على جلال الله وعظمته وحقيقة علوه على خلقه.
ثالثها: أن يكون مصرًا على ذنب أو متصفًا بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرآة وهو أعظم حجابٍ للقلب وبه حُجب الأكثرون.
وكلما كانت الشهوات أشد تراكمًا كانت معاني الكلام أشد احتجابًا وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرُبَ تجلي المعنى فيه. فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدأ ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة. والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة، وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} وقال عز وجل: {وما يتذكر إلا من ينيب} وقال تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب} فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب.

السابع: التخصيص وهو أن يقدّر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدّر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السَّمَرَ غير مقصود، وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي r وأمته. ولذلك قال تعالى: {ما نثبت به فؤادك} فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما صه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى.
وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله r لرسول الله خاصة بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؟ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} وقال عز وجل: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}، {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزلنا إليهم}، {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}، {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}، {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}، {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}، وإذا قُصد بالخطاب جميعُ الناس فقد قصد الآحاد، فهذا القارئ الواحد مقصود، فماله ولسائر الناس، فليقدر أنه المقصود، قال الله تعالى: {وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} قال محمد بن كعب القُرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه، ولذلك قال بعض العلماء: هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهود نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات، وكان مالك ابن دينار يقول: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقال قتادة: لم يجالس أحد القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، قال تعالى: {هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.

الثامن: التأثر: وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حالٌ ووجدٌ يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره، ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه، فإن التضييق غالب على آيات القرآن، فلا يُرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونًا بشروط يقصُرُ العارف عن نيلها كقوله عز ولج: {وإني لغفار} ثم أتبع ذلك بأربعة شروط: {لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} وقوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ذكر أربعة شروط، وحيث اقتصر ذكر شرطًا جامعًا، فقال تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} فالإحسان يجمع الكل، وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن.
ولذلك قال الحسن، والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكثر نصبه وشغلُه وقلت راحته وبطالته، وقال وهيب بن الورد: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئًا أرق للقلوب ولا أشد استجلابًا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره، فتأثر العبد بالتلاوة أن يصبر بصفة الآية المتلوة.
فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح.
وعند ذكر الله صفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله واستشعارًا لعظمته.
وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولدًا وصاحبة يغّضُّ الصوت وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم. وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها، ولما قال رسول الله r لابن مسعود: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا" رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي: "حسبك الآن" رواه البخاري، وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية، ولقد كان من الخائفين من خرّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات، فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه. فإذا قال: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} ولم يكن خائفًا كان حاكيًا، وإذا قال: {عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيًا، وإذا قال: {ولنصبرن على ما آذيتمونا} فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة. فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وفي قوله تعالى: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وفي قوله عز وجل: {وهم في غفلة معرضون} وفي قوله: {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا} وفي قوله تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} إلى غير ذلك من الآيات، وكان داخلاً في معنى قوله عز وجل: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} يعني التلاوة المجردة، وقوله عز وجل: {وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض، ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضًا عنها، ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفًا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى: مالك وكلامي وأنت معرض عني، دع كلامي إن لم تتب إلي. ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثلا من يكرر كتاب الملك كل يوم مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه، فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت، ولذلك قال يوسف ابن أسباط: إني لأهمُّ بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار.
والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون} ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه- وفي بعض الروايات- فإذا اختلفتم فقوموا عنه" متفق عليه، قال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون}، وفي الحديث : "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى" وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال: جعلت القرآن عليّ عملاً اذهب فاقرأ على الله عز وجل، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.
فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى، بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} وبقوله عز وجل: {كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها فإن المقصر في الأمر يقال إنه نسي الأمر، وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ.

التاسع: الترقي: وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه، فدرجات القرآن ثلاث، أدناها: أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير: السؤال والتملق والتضرع والابتهال، الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم، الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره . وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين.

العاشر: التبري: وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعيد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصّرين شهد على نفسه هناك، وقدّر أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "اللهم إني استغفرك لظلمي وكفري، فقيل له: هذا الظلم فما بال الكفر، فتلا قوله عز وجل: {إن الإنسان لظلوم كفار} وقيل ليوسف ابن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟ فقال: استغفر الله عز وجل من تقصيري سبعين مرة، فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كان رؤيته سبب قربه، فإن من شهد العبد في القرب لُطف به في الخوف حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن شهد القرب في البعد مُكِر به في الأمن الذي يفضه إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه.
ومهما كان مشاهدًا نفسه يعين الرضا صار محجوبًا بنفسه عن الله . وكان الشافعي يقول:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة
وكان يقول أيضًا رحمه الله:
فعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ كما أن عين السخط تبدي المساويا
 
عودة
أعلى