موضوع بقلم : بسام جرار
" جاء في الآية 31 من سورة يوسف:"فلمّا سمعت بمكرهنّ أرسلت إليهنّ وأعتدت لهنّ مُتكأً وآتت كلّ واحدةٍ منهنّ سكِّيناً وقالت اخرج عليهنّ، فلما رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهنّ، وقلن حاشَ لله ما هذا بشراً إنْ هذا إلا مَلكٌ كريم". اللافت في الآية الكريمة أنّ امرأة العزيز أعطت كل واحدة من النساء سكِّيناً، وهذا يعني أنّ النساء يعرفن الهدف من توزيع السكاكين عليهنّ كلهنّ. أمّا القول بأنها قدّمت لهن فاكهة فهو غير مقبول من وجوه:
أ- لم تُذكر الفاكهة في الآيات الكريمة، وليس المقام هنا مقام تكريم للنساء اللاتي أسأن لسمعة زوجة العزيز واغتبنها.
ب- لو كان المقصود الفاكهة والإكرام لذكر القرآن الكريم ذلك بإشارة أوضح. وذِِكْرُ السكّين، التي هي أداةٌ تُقشّر بها الفاكهة وتستخدم في أغراض متنوّعة، ورد في سياق الحديث عن تجريح الأيدي ولم يرد في سياق الحديث عن كَرَم الضيافة، فَلِمَ التّزيُّد؟!
ج- العادة أن يتم وضع الفاكهة ومستلزماتها أمام الضيف، وليس هناك من عادة ولا مسوّغ لتوزيع السكاكين، وليس هناك من داع لتوزيع السكاكين على كل واحدة، بل يترك الأمر في العادة لتقدير الضيف وحاجته.
د- كانت النتيجة أن جَرّحت النساء أيديهنّ، وهذا يدلّ على أنّ توزيع السكاكين كان من أجل تحقيق مثل هذه النتيجة، وليس من أجل تقشير الفاكهة، فليس المقام مقام إكرام. أمّا القول بأنّ تجريح الأيدي كان نتيجة الدهشة والذهول، وذلك عندما رأت النساء يوسف، عليه السلام، فهو مردود من وجوه:
1. لو كانت النساء منشغلات بأكل الفاكهة لكان ذهولهنّ واندهاشهنّ لجمال يوسف، عليه السلام، صارفاً لهنّ عن الاستمرار في الأكل والتقشير، فهذه طبيعة الإنسان؛ أنّه إذا انشدّ إلى شيء ذَهَل عن الأشياء الأخرى.
2. لو كانت النساء تأكل على إيقاعٍ موسيقيّ يقوده (مايسترو) لأمكن تصوّر أن يتم جرح أيدي النساء كلهنّ في وقت واحد، أمّا أن تُجرح كل يد بأكثر من جرحٍ في آنٍ واحد فغير مُتصوّر.
3. يفترض عند أوّل جرح أن يتم التنبّه، أمّا أن يكون هناك أكثر من جرح ثمّ لا يتم التنبّه، فهذا أمر غير متصوّر، بغض النظر عن درجة الاندهاش. ومعلوم أنّ الاندهاش لا يكون عند النساء بدرجة واحدة. أمّا الدليل على حصول أكثر من جرح في كل يدٍ فقوله تعالى:"وقطّعن"، فهذه صيغة مبالغة وتكثير للفعل.
4. وجود السكّين مسبقاً دليل على أنّ التجريح مقصود ومتعمّد، وليس نتيجة ذهول واندهاش.
5. يقول يوسف، عليه السلام، لرسول الملك:"ارجع إلى ربك فاسأله ما بالُ النسوةِ اللاتي قطّعن أيديهن؟"،فهذا يدل على أنّ يوسف، عليه السلام، يريد أن يرسل إلى الملك برسالة مختصرة تجعله يدرك حقيقة ما حصل قبل سنوات؛ فتجريح الأيدي لا بدّ أن تكون له دلالة يفهمها الملك، لذا نجد أنّ الملك، وبعد وصول الرسالة، يقول للنساء:"ما خطبكنّ إذ راودتن يوسف عن نفسه"،وهذا يشير إلى أنّ تقطيع الأيدي له دلالة عُرفيّة شائعة في ذلك الزمان. ولم يكن مجرد صدفة عجيبة. فما سرّ تقطيع (تجريح) الأيدي؟! لا نستطيع هنا أن نقدّم التصور الحقيقي للدافع الكامن وراء تجريح الأيدي، ولكن سنحاول أن نقدّم تفسيراً نراه أقرب إلى النص القرآني، وأقرب إلى العقل والواقع. ترجع قصة يوسف، عليه السلام، إلى زمنٍ مغرق في القِدم، أي ما يقارب (3600) سنة، على أقل تقدير. وهذا يعني احتمال وجود عادات وتقاليد هي اليوم مندثرة، وعلى وجه الخصوص عندما نعلم أنّ الحكّام في عهد يوسف، عليه السلام، هم الملوك الرعاة الهكسوس، الذين هم من ملوك البدو. بل إنّ يوسف وإخوته قد عاشوا في مجتمعات بدويّة، بدليل قوله تعالى، على لسان يوسف، عليه السلام، مخاطباً أهله:"وقد أحسنَ بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو". وهذا يعني أنّ احتمال وجود العادات الغريبة، المجافية للتحضّر، هي أكبر. العزيز صاحب أعلى منصب بعد الملك، ومجموعة من النساء تذكر زوجته بسوء، وهُنّ مقتنعات بأنّ هذه الزوجة ضالّة، وضلالها بيّن:"إنا لنراها في ضلال مبين". تقوم زوجة العزيز صاحبة النفوذ والسلطان باستدعاء النساء الطاعنات بها، وبسلوكها، لتقدّم لهنّ العذر المستدعي للاعتذار. ولا أدلَّ على عذرها ذلك من ردّة فعلهنّ عند رؤية يوسف، عليه السلام. النساء يعرفن عادات المجتمع وتقاليده، ويعرفن واجبهنّ تجاه المنصب الرفيع؛ فكلامهنّ في غيبتها جرحٌ معنوي لمقام رفيع، وهذه جُرأة لا بد من الاعتذار عنها بما يليق؛ فالجرح المعنوي لهذا المقام لا يغفره إلا جرح حسيّ. والاعتذار يكون في العادة أشدّ عندما تظهر البراءة. من هنا لم تكتف النساء بجرح واحد، بل كررن ذلك، لمزيد من الاعتراف والأسف. وعندما رأت زوجة العزيز ذلك سارعت إلى القول:"فذلِكُنّ الذي لُمتُنني فيه" . إضافة إلى الاعتذار الحسيّ عن الجرح المعنوي يمكن أن يكون مثل هذا السلوك، عند تكراره، يدل أيضاً على رغبة في المشاركة. ومما يُعزّز مثل هذا الاحتمال: 1. قوله تعالى على لسان الملِك:"ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف". 2. قوله تعالى على لسان يوسف:"ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عنّي كيدهنّ...". فالمراودة لم تعد مقتصرة على زوجة العزيز، بل حصل نوع من التواطؤ بين النسوة، وكأنه الحلف. وقد رأينا في بعض عادات البدو اليوم أنهم إذا أراد شخص أن يعاهد شخصاً على التعاون والوفاء يقوم كلّ منهما بجرح أصبعه، ثم يجعلان الدمّ على الدمّ، ليتم اختلاط الدماء، كرمز لقوة التحالف بين الشخصين. فإذا كان ذلك يحصل إلى اليوم، فكيف بنا لو رجعنا إلى ما قبل ستة وثلاثين قرناً؟! وخلاصة الأمر أنّ الاحتمال الأقوى عندنا أن تكون النساء قد قدّمن الاعتذار بجرح الأيدي وإشهار ذلك أمام زوجة العزيز، ثم كرّرن الجرح ليُعلِنّ عن التعاطف والمشاركة. وإذا كان الإنسان المتحضّر اليوم يقبل بالاعتذار اللفظي عن الجرح المعنوي، فإن الإنسان القديم لم يكن ليرضى بأقل من الممارسة السلوكية المعبّرة عن الأسف الحقيقي. ولا ننسى أنّ المقامات العليا في نُظم الحُكم القديمة كانت تتلبّس بلباس القداسة، ولها منزلة مستمدّة من الدين، وهذا يجعل الاعتذار ممارسة فيها مثل هذه القساوة "
موضوع متكامل وموضوعي وجزاك الله خيرا وارجو أن تقبل إضافتي وتصوبها من الخطأ .
أنا معك فيما ذهبت إليه من أن تقطيع الأيدي لم يكن بسبب الدهشة والإنفعال ويؤده أنه قال: وقطعن أيديهن بحرف عطف وهو الواو ولو قال: فقطعن أيديهن بالفاء لكان بالإمكان أن يكون التقطيع بسبب الدهشة والله أعلم .
اللهم اجعلنا في أحسن ماجئتنا به من الحق بإذنك . . . آمين .
[FONT="]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT]
[FONT="]شكر الله لكم شيخنا على هذا النقل ، والأستاذ بسام جرار له نظرات وجيهة في كثير من القضايا ، ولكن برأيي ان تحليل السياق بصورة أعمق والنظر في كل القصة يساعد في استجلاء ما حدث واتفق مع جزء مما أورده الأستاذ بسام وقد اختلف مع البعض الآخر وسأجمل التعليق في الآتي:[/FONT]
[FONT="]1- نتفق على أن الفاكهة ليست مذكورة ولم يرد نص صحيح يثبت ذلك.[/FONT] [FONT="]2- مجتمع يوسف في مصر لم يكن مجتمعاً بدويا بل مجتمعاً متحضراً متطوراً بصورة ملحوظة واقتصرت البداوة في السورة على قوم يوسف وأهله في موطنهم والدليل قوله تعالى "وقد أحسنَ بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو" فمجيئهم من البدو أي أنهم أتوا لمكان غير مكان البدو وهذا يدل على أنهم أتوا إلى حاضرة وليس إلى بادية ، كما أن اشتغالهم بالزراعة والحصاد يدل على عدم انتمائهم لمجتمع البادية الذي يشتغل بالرعي وتربية الإبل والغنم وما يحيط بحياة البادية من مخاطر الوحوش المفترسة كالذئاب ومواطن سكناهم المتنقلة.[/FONT] [FONT="]3- كما اعتدنا عليه في السياق القرآني فإن النص يتجاوز تفاصيل كثيرة ويركز على جزئيات معينة توضح الصورة ، والتي يتجاوزها كتاب الله ليست بذات أهمية مقارنة مع ما ذكر في الآيات ولكن من باب التدبر والتمعن والإبحار في القصص القرآني ونستغفر الله ان نجزم بأمر ليس على وجهه الصحيح، وعلى سبيل المثال فلم يرد موضع مراودة النسوة ليوسف واقتصرت السورة على تفاصيل مراودة امرأة العزيز وكيف حدثت.[/FONT]
[FONT="]سرد تحليلي للقصة على ضوء السياق القرآني[/FONT]
[FONT="]في هذه القصة نجد دلالات عظيمة فالله يقول (فلما سمعت بمكرهن) فحديثهن في عرض امرأة العزيز كان مكراً يهدف لإيقاع السوء والمكروه بها فيصل الحديث لمسامع العزيز فينكل بها وهذا من مكر النساء إن أردن السوء بمن هنّ فوقهن سلطة وجمالا وثروة بالوقوع فيه ونشر أسراره وإثارة الناس والمجتمع عليه حتى يصبح عرضه تلوكه الألسن فيؤدي ذلك لما يراد من سوء ، ما يبدو من خلال الآيات الكريمة أن ما حدث كان أن أدركت امرأة العزيز هذا المكر فأرادت أن تمكر بهن بأشد مما أردن هن بها فعقدت تحدٍّ بينها وبين النسوة بأنهن إن رأين أن امرأة العزيز معذورة في مراودتها لفتاها فينبغي أن يقطعن أيديهن بالسكين ، وهي ترمي من فعلها أن تقيم عليهن الدليل المادي لإدانتهن وبالتالي وضعهن في ما هو أسوأ مما كانت هي فيه فتصمت ألسنتهن عن الخوض في قصتها مع يوسف ، فلما دخل يوسف صار بيِّناً لهنَّ أن امرأة العزيز معذورة فيما فعلت فأنفذن ما عاهدنها عليه وقطعن أيديهن بإحداث جروح وقطوع بالسكاكين التي قدمتها لهن وقام عليهن الدليل كما شاءت وعبر القرآن الكريم عن تلك الدهشة بوصف موقفهن حين الرؤية فقال تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) والتعبير بقوله تعالى (أكبرنه) أي رأين أنه يفوق ويكبر عما كنَّ يعتقدن ويتصورن، والقول بقطع اليد بتراً قول فاسد ولا يستقيم فلا يقدر احد على بتر عضو من أعضاءه ولا يستقيم ذك عقلا ولا عرفاً ولا يوجد سابق حدث ان تتمكن امرأة او حتى رجل من بتر كامل اليد بشرايينها وأوردتها وأعصابها وعظامها وبماذا ؟ بسكين!.[/FONT] [FONT="]ولكن ماذا يثبت هذا العقد بين النسوة وامرأة العزيز ؟ ، قول امرأة العزيز هو ما يثبت ذلك حيث قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)[/FONT] [FONT="]وهنا يتبين لنا تشفيها في النسوة بل وأنها عندما حققت ما أرادت وحدث تقطيع الأيدي أصبحن في محل الإدانة فأشركتهن في المؤامرة بأن صرحت بما كانت تخفيه لأنها لم تعد تخاف من الفضيحة فقد استجلبتهن للوقوع في الخطيئة بالدليل فاعترفت بمحاولتها ومراودتها ليوسف وصرحت أنها لن تتوقف عن هذا وستواصل المراودة واستعانت بهن لعل إحداهن تستطيع ان تغويه ولعله يهيم حباً بإحداهن فيفعل معها الفاحشة وعندها تستطيع إجباره أن يرتكب معها الفاحشة ، ولكن ما دليل ذلك ؟ دليل تعدي فعل النسوة من تقطيع الأيدي لممارسة المراودة هو قوله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (33)[/FONT] [FONT="]فلما تكاثر الكيد على يوسف وأصبح لا يطيق هذا الفجور جأر إلى الله أن يصرف عنه كيدهن الذي افتتحته امرأة العزيز بمجلس السكاكين فأجابه الله لما استحبه فصرف عنه الكيد وجعله في السجن وسلمه من الوقوع في المعصية وهنا يجدر بنا أن نعرف الكيد الذي هو :[/FONT] [FONT="]كل تَدْبِيرٍ لِفِعْلٍ خَفِيِّ أو ظَاهر يريدُ مِنهُ الكاَئِد دَفعُ المكيدِ أنْ يرتكبَ عملا ًسيئا ًأو جرماً وذنباً بإرادتهِ بدونِ جَبرٍ او إرغام.[/FONT] [FONT="]فكان تدبير ظاهر وخفي لإيقاع يوسف في الفاحشة فلما استعصم من ذلك كله تحول الكيد إلى الفعل المباشر بسجنه ليستجيب لامرأة العزيز وللنسوة في ان يمارس معهن الفاحشة.[/FONT] [FONT="]وعندما عبر رؤيا الملك طلب من ساقيه ان يسأل الملك عن سبب تآمر النسوة - وحددهن باللائي قطعن أيديهن دون غيرهن - ثم قال ( إن ربي بكيدهن عليم) أي إن كان فعلهن ومراودتهن خفيت وغابت عن الملك فإن الله جلت قدرته عليم بما فعلن وبمراودتهن فيقول تعالى :[/FONT] [FONT="](وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)[/FONT] [FONT="]وهنا لفت يوسف أنظار الملك إلى قضيته عندما أعرب عن احتجاجه على ما أصابه من كرب وسجن برفض المثول أمام الملك حتى يستعلم عن وقوع الكيد عليه من جماعة من النساء فأحضرهن بسمتهن التي وسمن بها أنفسهن وهو قطع الأيدي الذي دبرته امرأة العزيز ولو لم تعترف بإرادتها لما قام عليها دليل على فعلها ولكن النسوة أقمن على أنفسهن الدليل بتقطيع أيديهن فسهل على الملك إحضارهن ولكن امرأة العزيز اعترفت عندما استيقظ الضمير في داخلها فأنصفت يوسف[/FONT] [FONT="]قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ[/FONT][FONT="] (51)[/FONT] [FONT="]وتبين للملك مدى استقامته وأمانته وتقواه وحفظه لنفسه من الوقوع في الفاحشة ولو ادى ذلك لسجنه والتنكيل به فكان ذلك سبباً وجيهاً أن يتسنم هرم الوزارة ويمضي أمر الله[/FONT] [FONT="]هذه رؤية على عجل لموضع تقطيع النسوة لأيديهن ودلالات ذلك ودوره في القصة وكيف يمكننا أن نستجلي من سياق الآيات ما يحيط بهذا الحدث من وقائع في قصة يوسف وكيف استخدم وصفهن باللائي قطعن أيديهن في تحديد هويتهن وتعريف الملك بهن فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد[/FONT]
سامحك الله ، أنت ما تحبني رميت بي بذلك الرابط إلى هذا الموضوع وإلى هؤلاء الأساتذة الكبار ! . إذن لابد مما ليس منه بد .
الإخوة الأعزاء الأجلاء . . . المحترمون. .
إسمحوا لي أحشر نفسي في هذا الموضوع فقد تجدون في النهر مالم تجدوا البحر وسأبدأ من معنى كلمة ( وقطعن أيديهن ) و ( اقطعوا أيديهم ) فكلنا يعلم أن اللغة العربية ثرية المعاني غزيرة الألفاظ فتجد الكلمة الواحدة ولها أكثر من معنى ويحكم معناها سياق الجملة وهذا موجود حتى في اللغة الإنجليزية وقد اختلف معنى هذه الكلمة ( قطع ) فهي هنا بمعنى جرح وهناك بمعنى بتر وقد حكم السياق وما تعارف عليه الناس معاني الكلمتين فخذ مثلا كلمة ( ضرب ) في لغتنا ومعانيها المتعددة فسنجد الآتي:
ضرب الأمثال .
ضرب الكرة .
ضرب في الأرض .
ضرب الولد .
ضرب النقود .
وعندنا في القرآن الكريم بعض الكلمات التي وردت بأكثر من معنى مثل:
الإيمان .
الدين .
الأمر ( أمر ) .
جعل .
فتى .
ولن أتعرض للمعاني المختلفة لهذه الكلمات لأنكم تعرفون ذلك .
وكل المعاني المختلفة لهذه الكلمات يحكمها سياق اللغة أو ما تعارف عليه الناس بلغتهم مثل ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) أي إلزموا أنفسكم .
خذ مثلا أكثر وضوحا ( فقست قلوبهم ) ونحن نعرف أن الفقس يكون للبيض فهل نقول إن معنى هذه الآية أن قلوبهم فقست كما تفقس البيض .
أما بالنسبة ل( وقطعن أيديهن ) فمعناه جرحن أيديهن جرحا استطعن بعده الكلام وقلن ( حاشا لله ما هذا بشرا ) .
أما كيف ولماذا فقد لا نصل إلى حل قاطع فمن قائل: أنهن قطعن أيديهن ذهولا وشرودا ومن قائل أنهن قطعن أيديهن اعتذارا لإمرأة العزيز وآخر يقول بأن جرح الأيدي في ذلك الزمان كان عقابا للغيبة .
وأنا اقول:
الأكيد أن امرأة العزيز لم ترسل للنسوة لتكرمهن بالأكل ولكنها أرسلت لهن لتنتقم وتشمت فيهن هذا أولا .
ثانيا: والأكيد أيضا بأنها أعطت كل واحدة سكينا إلى يدها وليس على طبق فاكهة لأنها كانت تريد حدثا مضمونا يقع منهن كلهن عند رؤية يوسف وهي تعرف أي امرأة العزيز هذا الحدث الذي سيحدث والذي ستقيم به عليهن الحجة ؛ كانت تريد حدثا مضمون الحدوث وليس مضنونا ان يحدث أو لا يحدث وهذا يتفق مع كيدهن العظيم . وعليه فعندي إن تقطيع الأيدي في ذلك الزمان كان كناية عن طلب شيء من المرأة للرجل عندما تعجب به لأنه لا يعقل أن يقطعن أيديهن كلهن في وقت واحد عند الذهول وكيف ظبطت امرأة العزيز خروجه عليهن وهن كلهن على وضع واحد بالعقل لا يتوافق ذلك .ويخيل إلي أنهن تسابقن على تقطيع أيديهن وإظهار ذلك ليوسف لأنه كما قلت سابقا بأن تقطيع الأيدي في ذلك الزمان كان كناية عن طلب جنسي من المرأة للرجل ويؤيد ذلك بأن يوسف قال ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) مما يدل بأن تقطيع المرأة ليدها أمام الرجل له دلالة ومعنى في ذلك الزمن وهناك عادات مشابهة ما زالت عند بعض القبائل .
ولو نظرنا للآيات بتمعن لوجدنا ما يلي: ( وغلقت الأبواب ) يقابله ( فأرسلت لهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا ) والآية ( وقالت هيت لك ) يقابلها ( وقطعن أيديهن ) .
وهذا يتفق مع رفض يوسف الخروج من السجن ويوسف عليه السلام طلب شهادة النسوة اللاتي قطعن أيديهن ولم يطلب شهادة امرأة العزيز لأن امرأة العزيز لم تقطع يدها وفي هذا دلالةعلى أن تقطيع الأيدي لهذا الغرض الدنيء كان معروفا وعليه فالنبي يوسف طلب تبرأته من شبهة أن يكون لبى لهن طلبهن من الفاحشة لأن الناس عرفوا أن مجموعة من النسوة قطعن أيديهن ليوسف ولكنهم لم يعرفوا إن كان يوسف لبى لهن طلبهن أم لا وعليه فسمعته ما زالت محل شبهة لذلك طلب الشهادة وأعتقد بأنهن كن سبب سجنه والله أعلم .
أكاد أنظر لإمرأة العزيز وهي تتشفى من هؤلاء النسوة وتقول لهن: من أول نظرة قطعتن أيديكن ليوسف . وهذه الجملة مخزية لأنها كناية عن شيء مخزي أردنه منه . وااله أعلم .
اللهم اجعلنا في أحسن ما جئتنا به الحق بإذنك . . . آمين .
وبعد: فعلا الفعل فقس لا يوجد في القرآن الكريم وإنما وجدت حروفه في الفعل ( فقست قلوبهم ) في سورة الحديد آية ١٦ وضربت أنا هذا المثل لأبين كيف يمكن أن تختلط المعاني على البعض .
ما زال رأسي محشورا في هذا الموضوع منذ المشاركة الثانية وعليه أرجو أن تسمعوا قولي فلا أظنه يخلوا من فائدة .
أما أمر المراودة من نسوة يوسف ليوسف إن جاز التعبير فأمر مشكوك فيه بل ومستبعد . . . لماذا? .
أقلتم لماذا? حسن أنا أجيبكم بإذن الله .
أولا: لأن يوسف طلب شهادة النسوة ولم يطلب شهادة امرأة العزيز أيضا لماذا? لأنه يعلم بأنها امرأة فاسقة وقد أعلنت فسقها علانية وجهارا نهارا بل ودخلت معه في تحدي حين قالت ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) فكيف يأمن على نفسه من شهادتها فقد تقول فيه ما ليس فيه .
ثانيا: يوسف أوتي تأويل الأحاديث والحديث لفظ عام وليس خاصا بتأويل الأحلام فقط وقصة يوسف قائمة على تأويل أبيه يعقوب حين قال له ( ... ويعلمك من تأويل الأحاديث ) والنبي يعقوب قال له هذا الكلام تأويالا من رؤيا يوسف وعليه فقول النسوة أمامه ( حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) أوحى ليوسف بشئ ما يدل بأن أخلاق هؤلاء النسوة ليست كأخلاق امرأة العزيز وقولهن السابق يدل على إنهن ما رأين فيه فحلا كما تراه امرأت العزيز بل أكبرنه أي عظمنه ورأينه شيئا لا يمكن أن يمتلك .
ثالثا: لا يمكن لهؤلاء النسوة أن يراودنه أمام امرأة العزيز لأنها لن تقبل ذلك بل وستغضب لأنها صرحت بأنه لها وحدها حين قالت: ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) فهي أرادته لها عشيقا لأنها عشقته .
رابعا: عندما طلبهن الملك للشهادة قال لهن: ( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) كان المفروض أن يقلن راودناه فاستعصم كما قالت لهن امرأة العزيز سابقا وقلن بدلا عن ذلك ( حاشا لله ما علمنا عليه من سوء ) . أعرف ستقولون: وقعت يا هتاري فكيف عرفن بأنه ما عليه من سوء وهن لم يراودنه? .
أقول لكم: بسيطة عرفن ذلك من قول امرأة العزيز لهن التي شهدت له سابقا بقولها: ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) .
الآن يبرز سؤال مهم: إذن ما هو الكيد الذي أشار له يوسف بقوله: ( إن ربي بكيدهن عليم ) .
والجواب والله أعلم بالجواب السابق واللاحق قد يكون تقطيع الأيدي وما يحمل من معنى أو ربما هددنه بالفضيحة وطلبن منه أن يطيع أمر سيدته ويلبي لها ما تريد منه .
الخلاصة: في رأيي أن هؤلاء النسوة بريئات من مراودة يوسف وإغراءه للوقوع معهن بالفاحشة وإلا لما طلب يوسف شهادتهن لو علم أنهن فاسقات ولو كان الأمر كذلك فمعناه أن نبيا طلب شهادت الفاسقات لتبرأته وحاشاه أن يفعل ذلك وقد قال تعالى: ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) فكيف يطلب نبي الله شهادة الفاسقات? بالعقل ما تركب .
وقد جاءت شهادة امرأة العزيز تؤيد ما ذهبت اليه حين قالت: ( أنا راودته عن نفسه ) بمعنى أن وحدي الملومة . وااله أعلم بمراده .
أخي الفاضل علي عبد الصمد
كل ما قيل يعتبر مقاربات تفسيرية لهذه القصة القرآنية العظيمة ، وهي محاولات معاصرة تريد أن تقترب من النص ما أمكن لأن هناك لغزا محيرا في موقف النسوة لم يتبين بعد ، وسيبقى كذلك إلى حين أجله : {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ }[ص:88]
أما ما توصلتَ إليه من كون مرادوة النساء ليوسف عليه السلام غير واردة ، فهذا أمر مردود بآيات القرآن الكريم .
يقول تعالى عن المراودة : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }[يوسف:33] ، استعملن كيدهن لدعوته إلى ماذا ؟
ثم الآية القرآنية : {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ }[يوسف:51]
فالمراودة وقعت ، ويوسف عليه السلام بريء . وتبقى لماذا قطعن أيديهن لغزا محيرا ، والله أعلم وأحكم
ولو تأملنا كلام النسوة وكلام امرأة العزيز وقارنا بينهما لوجدنا عجبا فكلام النسوة كله تنزيه لله وتزكية ليوسف ( حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) وفي الثانية قلن: ( حاشا لله ما علمنا عليه من سوء ) بينما كلام امرأة العزيز كله جنس ابتداء من قولها ( هيت لك ) ومرورا ب ( ولئن لم يفعل ما آمره ) وانتهاء باعترافها ( أنا راودته عن نفسه ) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نسبة الحياء بين النسوة وامرأة العزيز . والله أعلم .
قد تكون مشكلة تقطيع الأيدي مشكلة عويصة ولكن أنا عندي مشكلة في القصة أكبر من مشكلة تقطيع اللأيدي وهي جمال يوسف
فهل كان النبي يوسف ملثما بحيث لم ير جماله إلا امرأة العزيز والنسوة , ولما دخل معه السجن فتيان قالا له إنا نراك من المحسنين ولم يقولا له إنا نراك أحسن الأحسنين ؟!.
وصحيح أن القصة لم تتعرض لجمال يوسف وإنما ذكر عرضا ولكن وبحسب الأحاديث فقد كان جماله لا يوصف والله أعلم .
ودمتم .
الكهرباء عندنا دائمة الإنقطاع فاعذرني للإختصار وشكرا