وفاة الشيخ حسن بيومي

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع كامل
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

كامل

New member
إنضم
02/03/2008
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
.
لك الحمد ربَّنا حكمت فعدلتَ ، وما شئت أنفذتَ ، لا رادَّ لقضائك ، ولا ملجأ من ورائك ، بيدك عقد كل شيء وحلُّه ، وإليك يرجع الأمر كلُّه . أما بعد : فأيها السادة القراء :

بينما أنا جالسٌ في بيتي ، أقلِّب صفحاتِ بعضِ الكتب ، وإذا بالهاتف المحمول يرنُّ وإذا بي أنظر إلى الشاشة لأرى رقمًا من أرض مصر التي إلى أحبابي فيها أحنُّ . وإذا بالرجل المتصل ( وهو أحد الشيوخ والعلماء الأفاضل ) صوتُه حزينٌ ، ونبراته ترتعد ، وعباراته تذهب وتجيء بالعبرات ، ليخبرني بوفاء أحد الشيوخ الفضلاء ، والأساتذة النجباء ، الذي صحبته سبع سنين . كنت فيها له تلميذا وخادما وأخا وصديقا ، وما تمالكت نفسي إلا بالاسترجاع والدعاء له بالرحمة تفيض بالعبرات والدموع ، وإذا بالخبر ينتشر في بيتنا لأجد إخوتي يبكون وكأن الفقيد واحد منا ، نعم لقد عرفوا الشيخ الفقيد منذ سنوات ، يزورنا ويجلس مع إخوتي ويلاطفهم ويعلمهم ويشجعهم ويوجههم كلماتٍ ، سطرتها الأحزان ، قبل أن يسطرها البنان ، وينمقها اللسان ، ولمسة وفاء مني لشيخي الفاضل أبت إلا أن تكتب شيئا عن سيرته وتحيط القرَّاء غيضًا من مسيرته لتنشر رائحتها العابقة في نفوسٍ هي بحبها للفقيد صادقة .

_ شيخُنا اللبيب ، وأستاذنا الأريب ، هو الشيخ الأستاذ حسن بن علي بن حسن بن علي بن خليل بيومي ، المصري وطنا ، والقليوبي مولدا ، والحنفي مذهبا ... ولد رحمه الله في محافظة القليوبية من ضواحي القاهرة المحروسة سنة 1959م في أسرة ريفية محافظة ، وله عشرةٌ من الإخوة وشيخُنا هو الرابع بينهم . تلقى - رحمه الله - تعليمه في مراحله الثلاث في قرية القليوبية وكان متفوقا دراسيًا ثم انتقل إلى القاهرة لإكمال الدراسة الجامعة في جامعة (عين شمس ) العريقة في كلية الآداب ، تخصص ( لغة تركية ) وهو من التخصصات الصعبة النادرة ، وتخرج وكان من الأوائل على دفعته ! وذلك عام 1984 م ، ثم التحق بالخدمة العسكرية الإجبارية لمدة سنتين ثم في عام 1986م سافر إلى العراق للعمل هناك وتدريس القران الكريم ، وقد استغل وجوده في أرض الرافدين لتعزيز معارفه وتنمية مداركه والاستفادة من جميع المجالات المتاحة العلمية وعمل بالتدريس ومكاتب التحقيق وإخراج التراث الأصيل . ( وقد ذكر لي رحمه الله أسماء العلماء والأدباء الذين جالسهم واستفاد منهم ) . وكان مقيما وقتها في بغداد الرشيد .

_ رجع رحمه الله إلى بلده بعد عامين ، أي في عام 1988 م ثم التحق بمعهد القراءات في محافظته لتخرج من مرحلة التخصص عام 1999م وكان متشوقا ومجدا يعمل ويدرس كما حدثني بذلك صنوه وقرينه ورفيقه الشيخ قاسم مصطفى محمد نفع الله به وأطال عمره في طاعته

_ وقد تلقى القراءاتِ السبع عن الشيخ أحمد ياسين قنصوه ( من أقران الشيخ عبدالرافع رضون والشيخ محمد سيبويه البدوي ) عن الشيخ محمد شاهين العنوسي ، والقراءاتِ العشر عن الشيخ عبدالرازق البكري شيخ مقرأة السيدة زينب رضي الله عنها وهو من مشاهير المقرئين في القاهرة في وقته . وقد تزوج الفقيد - رحمه الله - وهو فوق الخمس والثلاثين ، وولد له ( فاطمة ) توفيت وعمرها ثلاث سنوات جعلها الله شافعة له ، ثم ولد له ( مريم ) أصلحها الله ولها من العمر ثمان سنوات وكان الشيخ مولعا بها جدا . تعاقد الشيخ للعمل في المملكة عام 2000 م 1419 هـ مدرسا في محافظة الأحساء ، ثم نقل إلى كلية المعلمين بالأحساء لَمَّا لُمس منه الجد والقوة العلمية ثم نقل الشيخ إلى كلية المعلمين بالرياض مدرسا في قسم ( مسار القراءات ) لتبدأ منه معرفتي بالفقيد . ولينهل الطلبة من علمه الفياض ، وخلقه النبيل ، وتواضعه الجم ، وليقرأ ويتقلى عنه طلاب العلم علم القراءاتِ وغيره . شيخنا رحمه الله متميز في تخصص ( اللغات والترجمة ) وفي علم القراءات فهو يحفظ الشاطبية والدرّة عن ظهر قلب ومتون الرسم وعد الآي ، ويحفظ ألفية ابن مالك وملحة الاعراب ويستظهر متن الزبد في القفه الشافعي لأنه حرص على تعلمه . كان يذهب للكلية وبيتُه ليس بالقريب منها مشيًا والألفيةُ بين يديه وأمام ناظريه مراجعا ، وأذكر أن أخي سليمان بن سعود سمعا عنده كاملة في مجلس واحد !

كنت أذهب للشيخ فجر كل خميس لأقرأ عليه ثم ننطلق بين المكتبات وكان رحمه الله حريصا على معرفة الجديد والمطالعة في شتى الفنون حتى أنه يقرأ في كتب الطب والجغرافيا ناهيك عن تعلقه بالبلاغة والأدب والشعر . كان يسمع بيت الشعر فينسبه إلى بحره بكل ثقة وإجادة . صاحبته وجالسته لا يمل حديثه ، فوائد وفرائد ، وطرف وابتسامة ، وكان في جيبه دفتر صغير كلما سمع فائدة دونها وحرص على فهمها وحفظها ، كان يسافر إلى أهله في العطلة الصيفية ليجلب لي النوادر من الكتب والمخطوطات فيرفض أخذ ثمنها . حتى أنه مرة سافر إلى الاسكندرية ليأتي لي بكتاب ذكرت له أني محتاج إليه !

_ يأتي إلى بيته في حي الربوة وإذا بالجميع يسلم عليه .. الجيران والعمال والصغار والكبار ...


تلقى على يديه الكثير من طلاب العلم أنواع المعرفة ( القراءات ، اللغة والعروض والبلاغة ) أذكر جملة منهم خصوصا من أخذ عنه علم القراءات :
1- الشيخ محمد صالح إمام مسجد في وزارة الاوقاف المصرية تلقى عنه الشيخ القراءات العشر في القاهرة .
2- الشيخ شريف أبو العلا العدوي من علماء الحديث وباحث في شركة أفق للبرمجيات ، وقد شرفت بمعرفته عن طريق الشيخ رحمه الله بلقى عن الفقيد وعلوم الآلة وكان لصيقا بالشيخ في القاهرة وكان شيخنا يحبه جدا لا يفتر عن الثناء عليه والاعجاب به .
3- كامل بن سعود العنزي وخادم الفقيد تلقى عنه القراءات العشر واستدفتُ منه كيثرا في عدة فنون .
4- الشيخ عبدالله بن حواس الحواس التقى بالشيخ في الأحساء التي يعمل مشرفا تربويا فيها وهو من العلماء الأفاضل والقراء المشاهير تلقى عن الشيخ القراءات العشر واستفاد من الشيخ في علوم اللغة وكان شيخنا يثني على علمه وخلقه وهمته .
5- الشيخ عماد بن حواس الحواس آخر من قرأ على الفقيد وأجازه برواية حفص عن عاصم وهو شقيق الشيخ عبدالله الحواس .
6- الشيخ يحيى الفيفي المحاضر في قسم القران وعلومه بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية تلقى عن الشيخ وراية قالون وقراءة ابن كثر وكان الشيخ رحمه الله ثني على جمال صوته .
7- فهد بن صعر الهمال تلقى عن الشيخ قراءة ابن عامر .
8- محمد العواضي تلقى عنه القراءات السبع وهو من الإخوة الكرام المجدين في طلب العلم وهو حاليا في بلده اليمن .
9- أحمد بن محمد ومريم بنت محمد ( ولا اذكر الاسم كاملا ) والدهما مهندس فاضل يسكن جارا للشيخ في حي الربوة والمذكور له طفلان حفظا على الشيخ القرآن كاملا في عدة سنين ثم جاوراه ثم اجازهما الشيخ ثم حفظا على الشيخ متون التجويد وأجازهما بأسانيده فيها . وكان الشيخ يذكر لي أنهما له مشروع حياة ، ويرجو بعمله هذا القربة من الله . وأحمد طالب في الصف السادس وأخته قريبة منه دراسيا ( فاللهم اجعلهما لشيخنا شافيعن )

_ انتقل الشيخ ( أبو مريم حسن بيومي ) من هذه الحياة وله من العمر 49 عاما بعد أن خلد ذكره فيها بعلمه وتعليمه .

_ ومن مؤلفات الشيخ : 1- جذور الحركة الاسلامية في تركيا 2- تحقيق بعض الكتب التراثية 3- التقريظ لبعض مؤلفات التجويد . وهذا وإن فارق الدنيا إلا أنه حي بطلابه وقريب من أحبابه وفي قلوب أصحابه فإلى رحمة الله .. إلى رحمة الله .. إلى رحمة الله . اللهم توله بمغفرتك واسكب عليه شآبيب رحمتك واخلفه في أهله خيرا . وإنا لله وإنا إليه راجعون . وما قدر من البلاء لا بد أن يكون .

كتبه / خادم الفقيد كامل بن سعود العنزي .
 
رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته...

وأذكر أني سمعته في إذاعة القرآن الكريم في برنامج (في رحاب القرآن) معلقاً على تلاوة أحد طلاب كلية المعلمين.. وكان البرنامج حينئذ من إعداد أحمد الشدي.. ويظهر أنه رحمه الله كان متمكناً في القراءات السبع..

رحمه الله وغفر له وعفا عنه..
 
عودة
أعلى