وضع الظاهر موضع الضمير أسلوب من أساليب العموم في القرآن

إنضم
15 أبريل 2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
إن من مقتضى الاختصار في الكلام أن يعود الضمير على ظاهر قبله ، لكن إذا وُضِع الظاهر موضع الضمير ، فإن هذا ـ عندي ـ نوع من الإطناب ؛ جيء به لفائدة مهمة ، فكل سياق يحمل من الفوائد ما لا يحمله السياق الآخر ، وإن كانت هناك بعض الفوائد التي تُعدُّ أصلاً لا يكاد يختلف في هذا الأسلوب البلاغي ، ومن ألطف الفوائد التي قد تمرُّ في أمثلة وضع الظاهر موضع المضمر = ( تعميم الوصف ) .
انظر ـ مثلاً ـ قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران : 146 ـ 148) .
وُضع الظاهر موضع المضمر هنا في موضعين :
الأول : قوله : ( الصابرين ) ، ولو عاد الضمير إليهم لكان نظم الجملة : ( والله يحبهم ) ، فعُدِل عن الضمير إلى الظاهر ( الصابرين ) ، ليفيد تعميم محبة الله للصابرين ، سواء أكان صبرهم على هذه الطاعة أم كان على طاعات غيرها .
الثاني : قوله ( المحسنين ) ، ولو عاد إليهم ضميرًا لقال : ( والله يحبهم ) ، وفي إظهار الضمير باسم ( المحسنين ) فائدة ، وهي تعميم محبة الله للمحسنين سواءٌ أكان المحسن أحسن في جنس عمل المذكورين أم كان أحسن في عمل آخر من أعمال البرِّ والطاعة ، وهذا لا يصلح أخذه من الضمير إلا من طريق القياس ـ إن صح ـ أما في الحال هذه فإنه يؤخذ من عموم اللفظ ، وهو أقوى في الدلالة من القياس .
وقد يقول قائل : إن في ذكر الضمير تفويتًا لمحاسن الفاصلة ، وهي من مقاصد الكلام البليغ .
والجواب عن هذا أن يقال : إن هذا صحيح بلا ريب ، لكن اختيار لفظ (الصبر والإحسان ) دون غيره مقصود من المتكلم سبحانه ؛ لأنه يمكن أن يغني عنه في هذا المقام ( المجاهدين ، المقاتلين ) ؛ لأن السياق يتكلم عنهم ، فلما عُدِل إلى ( الصابرين ، المحسنين ) دلَّ على أن ذلك اللفظ بما يحتويه من معنى مقصود من المتكلم به سبحانه .
وبهذا اللفظ المختار لإتمام الفاصلة يكون قد تحقق الأمران : المعنى ، وهو الأصل ، ثم تتبعه الفاصلة ، وهي فرع عن تمام المعنى . وهذه هي قاعدة علاقة المعنى بالفاصلة في القرآن الكريم ، فلا تأتي الفاصلة نشازًا عن المعنى ، أو تأتي فيما لا حاجة له بها ، وهذا من بلاغة القرآن التي امتاز بها عن سائر الكلام .
 
جزى الله أخانا د مساعد خير الجزاء على لفت الانتباه إلى هذا الموضوع ، وقد تناولت هذا الموضوع بتفصيل مع تتبع الدلالات المختلفة له في مواضعه المختلفة في السياقات القرآنية ،وأفردت لذلك مبحثا خاصا في كتابي "الإعجاز البياني في العدول النحوي السياقي في القرآن الكريم".
 
أشكر الإخوة على هذه التعقيبات ، وإن شاء الله نستفيد من كتابتكم في هذا المجال يادكتور عبد الله ، فالموضوع كما تعلمون طريف ولطيف ، وفيه نفائس ، لكن عندي سؤال : هل يمكن أن يكون بحثًا لمرحلة الماجستير ؟
هذا إن لم يكن استقرئ الموضوع وبحث بحثًا وافيًا .
 
الموضوع هذا كما تفضلتم قيم جدا ويصلح أن يكون أطروحة ماجستير وسيجد فيه الباحث متعة البحث وسيصل من خلاله إلى دلالات رائعة وسيجد الباحث فيه مراجع كثيرة .
 
[align=center]الأخ الحبيب شيخنا الفاضل الدكتور مساعد...حقا سررت بيانك و كذلك بتعقيبات الأفاضل ولكن ألا ترى معي سيدي أن في ذلك بيانا وإجلاءً لحقيقة الصبر، وتبصرة بجوانبه المتعددة، وأنه لفظ يعم جميع مقتضياته التي ذكرت في هذا السياق في الآية وغيرها من الآيات الأخر اللواتي تكشف كل واحدة منهن اللثام عن جانب من جوانبه، أو عن درجة من درجاته وفق مقتضى السياق أواللحاق وفي الحقيقة هنا في الآية شعرت كأني بحاجة إلى تفهم دلالة كل من المتعاطفات ..( فما وهنوا لما أصابهم ... ) ..(.وما ضعفوا..) (وما استكانوا..) حتى أدرك جوانب هامة ودقيقة من مكونات أو مشتملات الصبر التي ينبغي البحث عنها_ حيث أن العطف يقتضي المغايرة لا المماثلة_ وعن مسالك التحلي بها ومواجهة المواقف المتنوعة التي ينبغي للمسلم أن يتحقق بها لبلوغ مقام الصبر
وكذلك في الكشف عن العلاقة بين الدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتحقق بمقام الصبر و بلوغ مقام الإحسان حيث توج بصورته الجامعة هنا وهو (الثبات) ، بل الإحسان في جميع مسالك العبودية وبلوغ الغاية فيها ....وذلك هو الإحسان وهو غاية وكمالِ مقامات العبودية وتاجها الأسمى وفي الانتقال بين موجبي محبة الله تعالى والترتيب بينهما معان أخر وفوائد جمة تذكرني بأواخر سورة النحل
وأسأل الله أن يتقبل خالص دعائي لكم
تلميذكم طارق
[/align]
 
أخي طارق
أشكركم على تعقيبكم الجميل ، وكما قيل : ( النكت لا تتزاحم ) ، وكم هو جميل ما ذكرتموه من تحليل ، أسأل الله لي ولكم التوفيق .
 
نعم يستحق وقد دُرس كثيرا

نعم يستحق وقد دُرس كثيرا

السلام عليكم

شكرا للدكتور الفاضل على طرح مثل هذا الموضوع، أما عن سؤالك عن إمكانية أن يكون موضوعا لرسالة ماجستير

فأقول نعم، والإظهار في موضع الإضمار، ومثله الإضمار في موضع الإظهار من الموضوعات البلاغية المبحوثة والمبثوثة

في الكتب البلاغية، تحت مسمى ( خروج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر) ويدخل فيه عدة موضوعات، كالالتفات

وأسلوب الحكيم، والمغايرة بين صيغ الأفعال، وهو موضوع ثر وله شواهده المتعددة، وفي طياته كثير من الأسرار

البلاغية.
 
نعم النكت لا تتزاحم...يرحمك الله

نعم النكت لا تتزاحم...يرحمك الله

[align=center]الحمد لله

شيحنا الفاضل

شكر الله لكم فتح هذا الباب القيم

ذكر الشيخ خالد السبت عند كلامه على الاظهار و الاضمار نكتا بديعة
لوضع الظاهر موضع المضمر وضرب لكل واحدة مثالا لها

وهي

أولا التعظيم
واتقوا الله و يعلمكم الله و الله بكل شيء عليم

ثانيا الاهانة و التحقير
أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون

ثالثا الاستلذاذ بذكر المظهر
من كان يريد العزة فلله العزة جميعا

رابعا الزيادة في التقرير
يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب

خامسالإزالة اللبس
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا
حيث أنه لو قال إنه كان مشهودا لأوهم عود الضمير الى الفجر

سادسا تربية المهابة و ادخال الروعة في قلب السامع
وقال الذين في النار لخزنة جهنم

سابعا تقوية داعي المأمور بالتوكل بامتثال الامر
فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين

ثامنا تعظيم الامر.. وقد سبق ما هو قريب منه


تاسعا للتوصل بإعادة ذكر الظاهر الى ذكر الصفات
فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي....الى قوله فآمنوا بالله ورسوله
ولم يقل فآمنوا بالله و بي للتوصل الى ذكر صفات اخرى للنبي

عاشرا للتعميم
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء
ولم يقل انها لأن الاول يدل على التعميم

حادي عشر تنبيها على علة الحكم
فأنزلنا على الذين ظلموا
وقد تكررلفظ الذين ظلموا في البقرة في نفس الموضع

ثاني عشر للدلالة على الخصوص
ان وهبت نفسها للنبي إن اراد النبي
ولم يقل لك اذ لو اتى بالضمير لأخذ جوازه لغيره كما في قوله تعالى
وبنات عمك

*****

ومن ذلك ايضا وضع المضمر مكان الظاهر للتعظيم
مثل
من كان عدوا لجبريل فإنه
إنا أنزلنه

ونظمها احدهم فقال





لنكتة أتى ظهور مُضْمَــــــــــرِ
لمثلها أتى ضمور مُظهَــــــــــرِ

أولها تعظيم أو إهانـــــــــــهْ
زيادة التقرير او إزالــــــــــــهْ

لـلـَّـبْس أو تـَــلذُّذٌ بذكــــــره
تـــقــوية الداعي لفعل أمــــره

وللتوصل الى الصفـــــــــــات
كذا و للتفصيل في العِـــــــلاّت

ولابتغــا التخصيص و التعمــيـم
أو هـَـــــيْبــةٍ و الثان للتفخيـم
[/align]
 
إنزال الأمر المعنوي منزلة المحسوس في ظهوره وبروزه:

إنزال الأمر المعنوي منزلة المحسوس في ظهوره وبروزه:

ومن المعاني التي لم يقف عندها الكثير من العلماء هي إنزال الأمر المعنوي منزلة المحسوس في ظهوره وبروزه:
وتبرز هذه الدلالة حين يوضع اسم الإشارة موضع الضمير، لأن اسم الإشارة "بأصل وضعه اللغوي يشير إلى شيء محسوس خارجي، والضمير يعود إلى مرجع معنوي أو محسوس، وقد تعمد الصياغة إلى إبراز دلالة التجسيم والتشخيص في الأشياء المعنوية لا عن طريق المجاز والتخييل، ولكن بواسطة التشكيل اللغوي، عن طريق التبادل بين الضمير واسم الإشارة، واستغلال ثنائية الحضور والغياب في دلالة كل منهما"( ).
وهذا وارد في البيان العربي، من ذلك قول عبد الله بن دمينة( ):
قِفِي قَبْلَ وَشْكِ البَيْنِ يا ابنَةَ مَالِكِ

وَلا تَحْرِميني نَظْرَةً مِنْ جَمَالِك


تَعَاَللْتِ كَي أشْجَى وَمَا بِكِ عِلَّةٌ
تُرِيْدِيْنَ قَتِلْي قَدْ ظَفِرِتِ بِذَلِك

"فكان مقتضى الظاهر أن يقول: قد ظفرت به؛ لأنه ليس بمحسوس، فعدل إلى (ذلك) إشارة إلى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس"( ).
ومن ذلك في التنزيل قوله تعالى: مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد: 35].
وقولـه تعالى: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 22-23].
فقد كان الأصل الإتيان بالضمير، فيكون في الآية الأولى (هي عقبى …) وفي الآية الثانية (هو ظنكم الذي ظننتم …) لكنه "عبر باسم الإشارة: (تلك) و(ذلكم) في موضع الضمير للدلالة على كمال النعيم وتمام ظهوره، فقد بلغ الغاية في الظهور والبيان حتى صار مدركاً بالحواس، وكذا القول في الآية الثانية، فقد بلغ ظنهم الغاية في الظهور والبيان حتى صار كأنه مدرك بالحواس"( ).
 
رفع الحرج النفسي عن المخاطب بتغييبه بدلاً من مخاطبته

رفع الحرج النفسي عن المخاطب بتغييبه بدلاً من مخاطبته

ولأن النكت لا تتزاحم فيمكن تحليل آية الأحزاب تحليلا آخر ومعرفة سر مجيىء اسم النبي دون الضمير وذلك ليس لدلالة الاختصاص فقط وإنما لرفع الحرج النفسي عن المخاطب بتغييبه بدلاً من مخاطبته:
ففي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب: 50].
بدأ السياق القرآني بالخطاب للنبي  بقوله: (أحللنا لك) ثم عدل عن ذلك إلى الاسم الظاهر النبي، بقولـه: (إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي) ثم عدل مرة أخرى عن الاسم الظاهر إلى الخطاب فقال: (خالصة لك).
ولم يجر السياق على نمط واحد من الضمائر فيكون (إنا أحللنا لك أزواجك… وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك إن أردت أن تستنكحها خالصة لك…)؟
ويرى الباحث أن العدول إلى الاسم الظاهر في هذا السياق فيه دلالة نفسية، وهي رفع الحرج عن النبي ؛ لأن هذه الخصوصية فيها حرج لنفس الرسول أن يكون هذا خاصاً له دون المسلمين، بل هي أشد من خصوصيته بما زاد عن الأربع زوجات، لأنه زواج بمقابل وهو المهر خلافاً لزواج الهبة الذي هو دون مقابل، فالتحرج منه أشد، لذا ترفق المولى -عزوجل- إذ لم يخاطبه بهذا الحكم مباشرة، فغيبه في الخطاب إذ الاسم الظاهر من قبيل الغيبة فقال (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها) فجعل اختصاصه بهذا الأمر بمقتضى مقام النبوة فهو مقام له خصوصيته فلا يكون في صدره أدنى حرج من ذلك( ). وأكد بذلك بقوله: (لكي لا يكون عليك حرج).
 
د. مساعد: بارك الله فيك ، ونفع بك
د. عبدالله : زدنا زادك الله علما وبصيرة
 
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل وجزاكم خيرا على هذه الفائدة.

لدي سؤال: ألا يكون هذا النمط من الأسلوب من باب (الزيادة في الوصف) وليس مجرد (إظهار المضمر)؟ بمعنى أن الآية لم تقتصر على بيان أن الله يحب هؤلاء المجاهدين ويحب كل محسن صابر، بل أثبتت الآية أيضا أن هذا النبي الكريم ومن معه من المجاهدين موصوفون كذلك بالصبر والإحسان الذين هما مناط محبة الله تعالى لهم؟
 
عودة
أعلى