وصايا نفيسه لمعلم القرآن للإمام النووي

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,565
مستوى التفاعل
12
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
وَصَايَا نفيسه لِمُعَلمِ القُرءان، وطالبِ العِلمِ للإمام النووي - رحمه الله - من كتاب التبيان

1- التخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها
قَالَ الإِمَامُ النَّووي رَحِمَهُ اللهُ: " ينبغي للمعلِّم أن يتخلَّق بالمحاسن التي وردَ الشرع بها، والخِلال الحميدة، والشِّيمِ المَرْضيَّة التي أرشدَ الله إليها من الزَّهادة في الدنيا والتقلل منها، وعدَم المُبَالاة بها وبأهلها(2)، والسَّخَاء والجُّود(3)ومَكَارم الأخلاق(4)، وطلاقَةِ الوجه مِن غير خُرُوج إلى حدِّ الخلاعةِ، والحِلْم والصبرِ، والتنزه عَن دنيء المكاسب، وملازمةِ الورعِ والخشوعِ والسَّكينة والوَقَار(5)، والتواضُع والخُضُوع(6)، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية، كالتنظُّف بإزالة الأوساخ، والشعور التي ورد الشرع بإزالتها، كقصِّ الشارب، وتقليم الأظفار، وتسريح اللحية، وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة. وليَحْذَر كُلّ الحذَرِ من الحَسَدِ والرِّياءِ، والعُجْبِ، واحتِقار غيره، وإن كان دُونَه .وينبغي أن يستعملَ الأحاديثَ الواردة في التسبيح والتهليلِ ونحوهِمَا من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سرِّه وعلانيته، ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويلُهُ في جميع أموره على الله تعالى .
2- أن يرفُقَ بمَن يقرأ عليه وقال رَحِمَهُ اللهُ: "وينبغي له أن يرفُق بمن يقرأ عليه، و يرحب به ويُحسِن إليه، فقد رَوَيْنَا عن أبي هارون العبْدِي قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنهما ، فيقولُ: مَرْحَبًا بوصية رسول الله  إن النبي  قال: " إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنَّ رِجَالاً يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا "رواه الترمذي/2650 .

3- أن يبذل لهم النصيحة
قال رَحِمَهُ اللهُ: "وينبغي أن يبذل لهم النصيحة فإنَّ رسولَ الله  قَالَ: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"رواه مسلم/55.
ومن النَّصيحةِ لله تعالى ولكتابه إكرام قارئه وطالبه، وإرشادُهُ إلى مصلحته، والُّرفق به(
1)، ومساعدته على طلبه بما أمكنه، وتألُّف قلب الطالب، وأن يكونَ سمْحًا بتعليمِه(2)في رِفْقٍ، مُتلطفًا بِه(3)، ومُحرِّضًا له على التعلُّم، وينبغي أن يُذَكِّرَهُ فضيلة ذلك ليكون سببًا في نشاطه، وزيادة في رغبته، ويزهده في الدنيا، ويصرفه عن الرّكون إليها، والاغترارِ بها، ويُذكِّره أن الاشتغال بالقرءان، وسائر العلوم الشرعية، هو طريقة الحازمين العارفين، وعباد الله الصالحين،وأن ذلك رتبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم(4) .

4- أن يحنو على الطالب، ويعتني بمصالحه

وقال رَحِمَهُ اللهُ: وينبغي على المُعَلِّم أن يَعتنيَ بمصالح الطالب كاعتنائه بمصالح نفسه ومصالحِ ولده، ويُجرِيَ المُتَعَلِّم مَجرَى ولَدِه في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبرِ على جَفائه، وسوءِ أدبه(1)ويُعذِرَهُ في قِلَّة أدَبِه في بعض الأحيان؛ فإنَّ الإنسانَ مُعرَّض للنقائصِ، لا سيَّما إنْ كان صغيرَ السنِّ(2).

5- أن يُحبَّ له ما يحبُّ لنفسه من الخير

وقال رَحِمَهُ اللهُ: وينبغي أن يُحِبَّ له ما يحبُّ لنفسه من الخير، وأن يَكره له ما يكره لنفسه من النقائص مُطلقًا، فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال:
" لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" متفق عليه، البخاري/13، مسلم/ 45 .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أكرم الناس عليَّ جليسي الَّذِي يتخطى الناس حتى يجلس إليَّ، لو استطعت أن لا يقعَ الذُّباب على وجهه لفعلتُ، وفي رواية : "إنَّ الذُّبابَ ليقعُ عليه فيؤذيني" .

6- أن يؤدب المُعَلِّم المُتَعَلِّم على التدريج بالآداب السُّنيَّة

وقال رَحِمَهُ اللهُ: وينبغي أن يؤدب المُعَلِّم المتعلِّمَ على التدريج بالآداب السُّنية، والشيم المَرضيَّة، ورياضةِ نفسِه بالدقائق الخَفِيَّة، ويعوِّدَهُ الصيانةَ في جميعِ أموره الباطنةِ والجلية .

وعليه أن يُحرِّضَه بأقواله وأفعاله المتكرِّراتِ على الإخلاص والصِّدقِ، وحسنِ
النيات، ومراقبةِ الله تعالى في جميع اللحظات، ويعرِّفه أنَّ بذلك تنفتحُ عليه أبوابُ المعارف، وينشرحُ صدرُه، وتتَفجَّرُ من قلبه ينابيعُ الحِكم واللطائف، ويباركُ الله له في علمه وحالِه، ويوفَّقُه في أفعاله وأقواله ".

7- أن يكونَ حريصًا على تعليمهم

قال رَحِمَهُ اللهُ: " ويستحب للمعلِّم أن يكونَ حريصًا على تعليمهم، مؤثرًا لذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية، وأنْ يُفرِّغَ قلبَّه - في حال جلوسه لإقرائهم - من الأسباب الشاغلة كلها، وهي كثيرةٌ معروفة، وأن يكونَ حريصًا على تفهيمهم، وأن يعطيَ كلَّ إنسان منهم ما يليقُ به، فلا يُكثرُ على من لا يحتمل الإكثار، ولا يُقصر لمن يحتمل الزيادة، ويأمُرهم بإعادة محفوظاتهم، ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنةً بإعجاب أو غيره، ومن قصَّرعنَّفه تعنيفًا لطيفًا ما لم يخشَ تنفيرَه .
ولا يَحسُد أحدًا منهم لبراعةٍ تظهَرُ منه، ولا يستكثر فيه ما أنعم الله تعالى به عليه، فإنَّ الحسدَ للأجانبِ حرامٌ شديد التحريم، فكيف للمتعلِّم الَّذِي هو بمنزلة الولد،ويَعُود من فضيلتِه إلى معلِّمه في الآخرة الثوابُ الجزيل، وفي الدنيا الثناءُ الجميل"
8- أن لا يمتنعَ مِن تعلِيمِ أحدٍ لكونه غيرَ صحيحِ النية
قال رَحِمَهُ اللهُ: " ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غيرَ صحيح النية، فقد قال سفيانُ وغيرُه: طلَبْنَا العلمَ لغير الله تعالى فأبَى أنْ يكون إلا لله، أي صار لله تعالى .
9- أن يوافقَ علمُه عمَلَه
وقال رَحِمَهُ اللهُ: عن علي بنِ أبي طالب  قال: يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علْمُه عمَلَه، وسيكونُ أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقِيَهُم(1)، يخالف عَمَلُهم عِلمَهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يَجلسون حِلقًا يُباهي بعضهم بعضًا، حتى إن الرجل ليغضبُ على جَلِيسه أن يجلسَ إلى غَيرِه ويدعه، أولئك لا تصعَد أعمالُهم في مجالسِهم تلك إلى الله تعالى .

10- أن يحْذرَ منَ التكبُّرِ بكثرة المشتغلين عليه

قال رَحِمَهُ اللهُ: " ولْيَحْذَرْ كُلَّ الحذر مَن قَصْدُه التكبُّرُ بكثرة المشتغلين عليه(2)، والمختلفين إليه، ولْيَحْذَرْ مِنْ كراهَتِهُ قراءة أصحابِه على غيره مِمَن يُنتفعُ به، وهذه مصيبة يُبْتَلى بها بعض المُعَلِّمين الجاهلين، وهي دلالة بَيِّنَة مِن صَاحبها على سُوء نيتِه وفسادِ طويَّته(3)" .
ملخصة / من كتاب زاد المقرئين
 
فضيلة الدكتور / عبد الفتاح خضر - حفظه الله - ، ونفع به الإسلام والمسلمين ، بورك فيك ، ودمتم نافعا مباركا في كل وقت وحين .
 
جزاكم الله خيرا شيخنا أسال الله لي ولكم جميعا العلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا أخلاق أهل القرآن ويحسن خاتمتنا
 
كلام نفيس للعلامة ابن باز رحمه الله :
يقول : لا يخفى على كل ذي مسكة من علم أن العلماء هم خلفاء الأنبياء ؛ لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم , والعلم هو ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام , قالت : « كان خلقه القرآن » فهذه الكلمة العظيمة من عائشة
رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن , وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي , وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن , وعاب أهله وهي كلمة جامعة مختصرة عظيمة , فجدير بأهل العلم من الدعاة والمدرسين والطلبة , جدير بهم أن يعنوا بكتاب الله وأن يقبلوا عليه حتى يأخذوا منه الأخلاق التي يحبها الله عز وجل , وحتى يستقيموا عليها , وحتى تكون لهم خلقا ومنهجا يسيرون عليه أينما كانوا .
يقول عز وجل : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (1) فهو الهادي إلى الطريقة التي هي أقوم الطرق وأهدى السبل , وهل هناك هدف للمؤمن أعظم من أن يكون على أهدى السبل وأقومها وأصلحها ولا شك أن هذا هو أرفع الأهداف وأهمها وأزكاها وهو الخلق العظيم الذي مدح الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في سورة القلم حيث قال سبحانه وتعالى : { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } (2) { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } (3) { وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ } (4) { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (5)
فعلى جميع أهل العلم وطلبته أن يعنوا بهذا الخلق , وأن يقبلوا على كتاب الله قراءة وتدبرا وتعقلا وعملا , يقول سبحانه وتعالى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (1) وهم أصحاب العقول الصحيحة الذين وهبهم الله التمييز بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال , ومن أراد هذا الخلق العظيم فعليه بالإقبال على كتاب الله عز وجل والعناية به تلاوة وتدبرا وتعقلا ومذاكرة بينه وبين زملائه وسؤالا لأهل العلم عما أشكل عليه مع الاستفادة من كتب التفسير المعتمدة , ومع العناية بالسنة النبوية لأنها تفسر القرآن وتدل عليه , حتى يسر على هذا النهج القويم وحتى يكون من أهل كتاب الله قراءة وتدبرا وعملا .
فاليهود عندهم كتاب الله والنصارى عندهم كتاب الله وعلماء السوء من هذه الأمة عندهم كتاب الله , فماذا صار هؤلاء؟
صاروا من أشر الناس لما خالفوا كتاب الله , وغضب الله عليهم وهكذا أتباعهم من كل من خالف كتاب الله على علم وسار على نهج الغاوين من اليهود والنصارى وغيرهم , حكمه حكمهم والمقصود أن نعمل بكتاب الله وأن يكون خلقا لنا كما كان خلقا للذين آمنوا قبلنا وهدى وشفاء وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (1) وهذا أيضا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام , ومن أخلاق أهل العلم جميعا , أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان أهل العلم والتقوى، أما أهل العلم من غير تقوى وإيمان فليس لهم حظ في ذلك ؛ لأن أهل العلم من أخلاقهم الدعوة إلى الله على بصيرة مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية قولا وعملا وعقيدة , فهم دعاة الخلق وهداتهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام , لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا , بل يبلغون الناس دين الله , ويرشدونهم إلى الحق الذي بعث الله به نبيه عليه الصلاة والسلام , ويصبرون على الأذى في جميع الأحوال , وبهذا يعلم أن من دعا على جهالة فليس على خلق النبي صلى الله عليه وسلم , وليس على خلق أهل العلم بل هو مجرم; لأن الله سبحانه جعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك، لما يترتب عليها من الفساد العظيم , قال تعالى في كتابه المبين : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (1) اهـ مجموع فتاوى ابن بازر رحمه الله / أخلاق أهل العلم 270 .
__________
(1) سورة يوسف الآية 108
__________
(1) سورة ص الآية 29
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة القلم الآية 1
(3) سورة القلم الآية 2
(4) سورة القلم الآية 3
(5) سورة القلم الآية 4
 
عودة
أعلى