وجه الاستدلال بخلو القرآن الكريم عن التناقض على إلهية مصدره

إنضم
14 مايو 2012
المشاركات
1,111
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الأردن
صدق الله العظيم إذ يقول: " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا " [النساء: 82]. " أي تفاوتاً وتناقضاً كثيراً.. أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا ـ بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر ـ أنه كلام الله تعالى؛ لأن ما لا يكون من عند الله، لا يخلو عن تناقض واختلاف ".[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP]
والتناقض يمنع صحة الدعوى.. وعند إمكانية التوفيق، ينتفي التناقض. وعدمُها يُثبِتُهُ.[2]
فتحقق التناقض في مذهب أو ملة ما، دليل بطلانه، كما يقول المنطق.[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP]

إنَّ خلو القرآن الكريم من التناقض لهو من أدلة إعجازه " أفلا يتدبر المبيِّتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتابَ الله، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك ؟ وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم؛ لاتساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضاً بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق. فإن ذلك لو كان من عند غير الله، لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض ".[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]

فمهما كان الإنسانُ متمكناً من علمه " يُبعَد على من يَعلم الأشياء بعلمه، ويحتاج فيما يأتيه من تأليف كتابٍ وغيره إلى استحضار العلوم، أن ينتقي من كلامه الطويل، وتأليفه الكثير: المُناقضة، حتى يستمر في طريق الصحة.. وزوال الاختلاف والتناقض عن القرآن لو كان مِن عند غيرِ اللهِ بعيدٌ؛ لأن العادة لم تجرِ بمثل ذلك في كلام العباد ".[5]

--------------


[1] معالم التنزيل، البغوي 1 /69.

[2] الكليات، الكفوي، ص 306.

[3] انظر بيان ذلك بالأدلة العقلية في كتاب: الكافية في الجدل، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق: د. فوقية حسين، ص172.

[4] جامع البيان، الطبري 8 /179.

[5] المغني في أبواب العدل والتوحيد، القاضي عبد الجبار 16 /329. وأتبعَه بردِّ بعض شبهات ابن الراوندي.
 
نعم بارك الله فيكم {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
وقد ذكر الزرقاني رحمه الله هذا الاستدلال حين حديثه عن حكم تنجيم القرآن، فقال :
الحكمة الرابعة: الإرشاد إلى مصدر القرآن وأنه كلام الله وحده، وأنه لا يمكن أن يكون كلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولا كلام مخلوق سواه.
وبيان ذلك أن القرآن الكريم تقرؤه من أوله إلى آخره؛ فإذا هو محكم السرد دقيق السبك متين الأسلوب، قوي الاتصال آخذ بعضه برقاب بعض في سورة وآياته وجمله، يجري دم الإعجاز فيه كله من ألفه إلى يائه، كأنه سبيكة واحدة. ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ولا تخاذل؛ كأنه حلقة مفرغة، أو كأنه سمط وحيد وعقد فريد، يأخذ بالأبصار. نظمت حروفه وكلماته ونسقت جمله وآياته، وجاء آخره مساوقا لأوله وبدا أوله مواتيا لآخره.
وهنا نتساءل: كيف اتسق للقرآن هذا التأليف المعجز وكيف استقام له هذا التناسق المدهش؟ على حين أنه لم يتنزل جملة واحدة؛ بل تنزل آحادا مفرقة تفرق الوقائع والحوادث في أكثر من عشرين عاما.
الجواب: أننا نلمح هنا سرا جديدا من أسرار الإعجاز ونشهد سمة فذة من سمات الربوبية، ونقرأ دليلا ساطعا على مصدر القرآن وأنه كلام الواحد الديان {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} .
وإلا فحدثني بربك كيف تستطيع أنت؟ أم كيف يستطيع الخلق جميعا أن يأتوا بكتاب محكم الاتصال والترابط، متين النسج والسرد متآلف البدايات والنهايات، مع خضوعه في التأليف لعوامل خارجة عن مقدور البشر، وهي وقائع الزمن وأحداثه التي يجيء كل جزء من أجزاء هذا الكتاب تبعا لها ومتحدثا عنها: سببا بعد سبب، وداعية إثر داعية مع اختلاف ما بين هذه الدواعي وتغاير ما بين تلك الأسباب ومع تراخي زمان هذا التأليف وتطاول آماد هذه النجوم إلى أكثر من عشرين عاما.
لا ريب أن هذا الانفصال الزماني وذاك الاختلاف الملحوظ بين هاتيك الدواعي يستلزمان في مجرى العادة التفكك والانحلال، ولا يدعان مجالا للارتباط والاتصال بين نجوم هذا الكلام.
أما القرآن الكريم فقد خرق العادة في هذه الناحية أيضا نزل مفرقا منجما ولكنه تم مترابطا محكما.
وتفرقت نجومه تفرق الأسباب ولكن اجتمع نظمه اجتماع شمل الأحباب.
ولم يتكامل نزوله إلا بعد عشرين عاما، ولكن تكامل انسجامه بداية وختاما.
أليس ذلك برهانا ساطعا على أنه كلام خالق القوى والقدر ومالك الأسباب والمسببات ومدبر الخلق والكائنات وقيوم الأرض والسموات العليم بما كان وما سيكون الخبير بالزمان وما يحدث فيه من شؤون؟؟. مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 60-61)
 
عودة
أعلى