والد أسامة بن منقذ يؤلِّف كتابًا في علوم القرآن من خلال كتابة المصحف الشريف

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
كم هو لطيف أن تحصل على فائدة في تخصصك في غير مظنتها ، ومن هذه الفوائد ما حكاه أسامة بن منقذ ( ت : 584 ) رحمه الله تعالى عن أبيه ( ت : 531 ) رحمه الله تعالى ، قال : (وكان يكتب خطاً مليحاً، فما غيرت تلك الطعنة من خطه، وكان لا ينسخ سوى القرآن، فسألته يوماً فقلت : يا مولاي كم كتبت ختمه؟قال : الساعة تعلمون.
فلما حضرته الوفاة قال : في ذلك الصندوق مساطر كتبت على كل مسطرة ختمة ضعوها ـ يعني المساطر ـ تحت خدي في القبر ، فعددناها ، فكانت ثلاثاً وأربعين مسطرة.فكانت كتبٌ بِعِدَّتِها ختمات ؛ منها ختمه كبيره ختمها بالذهب ، وكتب فيها علوم القرآن ـ : قراءاته ، وغريبة ، وعربيته ، وناسخه ومنسوخة ، وتفسيره ، وسبب نزوله ، وفقهه ـ بالحبر والحمرة والزرقة، وترجمه بـ(التفسير الكبير ) .
وكتب ختمه أخرى بالذهب مجردة من التفسير.
وباقي الخاتمات بالحبر مُذَهَّبَة الأعشار والأخماس والآيات ورؤوس السور ورؤوس الأجزاء .
وما يقتضي الكتاب ذكر هذا ، وإنما ذكرته لأستدعي له الرحمة ممن وقف عليه ) . كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ ، تحقيق الدكتور عبد الكريم الأشتر ( ص : 119 ) .
وفي هذا النص فوائد :
الأولى : استخدام أسامة بن منقذ لمصطلح علوم القرآن كما هو معروف اليوم ( كفنٍّ مدون ) ، وهذا مما يحرص طالب علم القرآن على تلقُّفه وحفظه .
الثانية : إدخال العلوم المتعلقة بالقرآن في المصحف ، وهذا يدل على تقدم هذا الصنيع على ما هو موجود من صنع المتأخرين من جعلهم بعض العلوم المتعلقة بالقرآن في حاشية المصحف ، ومن أعمال المعاصرين :
1 ـ جعل غريب ألفاظ القرآن في حاشية المصحف .
2 ـ جعل القراءات السبع أو العشر في حاشية المصحف .
3 ـ جعل التفسير في حاشية المصحف .
الثالثة : الحرص على جعل هذه العلوم بألوان مغايرة لرسم المصحف الذي يكون بالأسود .
الرابعة : حرص أبي أسامة على كتابة المصحف وكتابة العلم ، ولم يشغله عن هذا ما كان فيه من جهاد الإفرنج ، وكتاب أسامة هذا فيه ذكر لكرِّ وفرِّ والده في قتال الإفرنج الصليبيين .
وفي هذا لمحة تحت هذه السطور أهتبلها لأبين عن أمر مهم جدًا في حياة المسلمين العامة ، وهي :
إن الله تعالى قد منَّ علينا ـ نحن المسلمين ـ بتنوع العبادات ، وفي باب تنوع العبادات فقهٌ كثيرٌ يحتاج إلى بيان ، لكني أكتفي بما يتعلق بهذا المقام ، فأقول :
إن هذا العَلَمَ المغمورَ ـ أبا أسامة ـ قد كتب ما كتب ، ومضى بها النسيان ، فضاعت فيما ضاع من تراث المسلمين ، لكنه يلقى جزاء صنيعه ـ رحمه الله ـ عند من لا يُضيعُ أجر المحسنين ، وليس ذلك مقصودي ، وإنما مقصودي أن هذا العَلَمَ ـ رحمه الله ـ لم يشغله الجهاد عن العِلْم ، ولا العِلْم عن الجهاد ، وهذا مثالٌ لمن أخذ من هذا التنوع في العبادات بحظٍ متعدد ، غير أنه قد يقع من بعض العلماء الانشغال بالعِلْم عن الجهاد ، ومنهم من ينشغل بالجهاد عن العِلْم ، وفي كل خيرٌ ، وإنما الشرَّ الذي قد يقع في مثل هذا أن يطعن الجهادي في العالم أو يطعن العالم في الجهادي ، فيكون بينهم نفرة ، مع أن الأولى أن يُكمِّل بعضهم بعضًا ، وقس على هذا كل من سلك بابًا مكن أبواب هذا الدين وبرع فيه ، فإنه إن كمُل في باب ، فليس عليه أن ينتقد من لم يسر على خطاه ، بل عليه أن يعرف أنه يكمُّل غيره ، ويُكمِّله غيره .
الخامسة : بِرُّ أسامة بأبيه ، حيث ذكر ما فعل أبوه من كتابة العلم ، واستسمح القارئ ـ وهذا من أدبه واحترامه لقارئ كتابه ـ في هذا الاستطراد ، فطلب لأبيه دعاء قارئ كتابه ، فأقول : اللهم اغفر لنا ولأسامة ولأبيه ، واجمعنا بهم في جنات النعيم ، والحمد لله رب العالمين .
 
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل الكريم
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
وأحسن إليك
ورحم الله أسامة بن منقذ ، ووالده مرشدا
فقد كانا من الفرسان العلماء العاملين المجاهدين
وهو الذي يقول:
(( لا يظنن ظان أن الموت يقدمه ركوب الخطر, أو يؤخره شدة الحذر,ففي بقائي أوضح معتبر,
فكم لاقيت الفرسان وقتلت الأسود وضربت بالسيوف وطعنت بالرماح وجرحت بالسهام ,
وأنا من الأجل في حصن حصين إلى أن بلغت تمام التسعين )) .
 
بارك الله فيكم فضيلة الدكتور مساعد الطيار على هذه الفوائد الجليلة ..
ومن فوائد هذا النقل أنهم كانوا يعدون فقه النص من علوم القرآن حيث قال : ( وفقهه )..
ولا شك أن ما يشتمل عليه النص من أحكام إن كان بمنطوقها فهو من مهمة المفسر والتفسير داخل في علوم القرآن ، وإن كان بغيره فهو محل بحث عند المتأخرين ..
 
فهد بن مبارك بن عبد الله الوهبي
كلية المعلمين في المدينة المنورة ـ قسم الدراسات القرآنية"
أهلاً بك معنا أخي فهد الوهبي ،فالكلية ازدانت وازدادت بكم .
 
بارك الله فيكم فضيلة الدكتور السالم الجكني على هذا الترحيب ونحن نبارك لأنفسنا بصحبتكم وصحبة الأخيار في طيبة الطيبة ..
 
الحمد لله ، وبعد..
جزاك الله خيرا أيها الشيخ المقناص للفوائد .

وما يستفاد من النص :

الأولى : قوله : ( ضعوها تحت خدي في القبر )
وهنا مسألة : هل يشرع مثل هذا العمل ؛ كأن يوضع مع الميت شيءٌ سواء من عمله أو قطيفة أو غير ذلك ؟

فيقال : هذا غير وارد عن السلف رضوان الله عليهم ، وعليه فالأصل أن لا يشرع ، لأن الدليل عدم الدليل على مثل هذا العمل .

فإن قال قائل : قد ثبت أن بعض الصحابة فعله ومنهم صاحب الشملة الذي أخذها من النبي صلى الله عليه وسلم ووضعها في قبره ؟
وكذا ثبت عن عبد الله بن انيس رضي الله عنه أن النبي أعطاه عصا مكافأة له لقتله ابن سفيان الهذلي ( اوردها المقريزي في إمتاع الأسماع وهي قصة عجيبة _ لا تملك الدمعة _ فلما قتله وقال للنبي انه قتله .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : صدقت ، واعطاه العصا ، فقال له الناس : أفلا ترجع فتسأله .
قال : فرجعت فسألته : لم أعطيتنيها يا رسول الله؟
قال: آية بيني وبينك يوم القيامة . ادخلك بها الجنة !
فكان أن قرنها في سيفه وأوصى أهله إن مات ان تُدفن معه في قبره .
فقالوا : هذا دليل على الجواز .

فيقال :
ما ذكر لا يَسْلَم من مناقشة ؛ فأما صاحب الشملة فالصحيح أنها كانت كفناً له ولم تكن زائدة عن الكفن .
وأما قصة ابن أنيس رضي الله عنه ؛ فهي خاصة لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ، سيما لم يتخذ باقي أصحابه لأنفسهم مثله .
وعليه فيبقى الحكم على المنع .

فإن قلتَ : جاء في مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( جُعلَ في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء ) ؟ وهذا دليل على الجواز ؟

فيقال أجاب عن هذا شيخنا العلامة الراحل محمد الصالح العثمين رحمه الله تعالى حين سئل عن ذلك :
فأجاب رحمه الله
ذكر أهل العلم أنه لا بأس أن يجعل فيه قطيفة، ولكني أرى في هذا نظراً، لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك، ولعل هذا كان من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنه لو فتح هذا الباب لتنافس الناس في ذلك، وصار كل إنسان يحب أن يجعل تحت ميته قطيفة أحسن من الآخر، وهكذا، حتى تكون القبور موضع المباهاة بين الناس، والذرائع ينبغي أن تسد إذا كانت تفضي إلى أمر محذور. أهـ

والله أعلم

الثانية : قوله : ( وكتب فيها علوم القرآن ... بالحبر ، والحمرة ، والزرقة )

فيها فائدة يستحب لطالب العلم في الكتابة _ ولها آداب _ ان يلوِّن الكتابة للتميز ، وهذه عادة المحدثين ؛ فقد قال الحافظ عن نفسه حين صنف الإصابة في أربعين سنة قال : ( وكتبت بالحُمْرة ، والصُفْرة ثم جمعتُ بينهما )
ففيه إشارة إلى عادة أهل العلم في زمانهم وطريقة كتابتهم للتميز بين الفوائد .
وهذه طريقة جيدة
فعلى طالب العلم ان يكتب في كناشة بالألوان لجملة من الأمور :

اولأ : لتميز بين المهم عن غيره . ( وليكن بالأزرق )
ثانياً : لبيان ما يحفظ دون غيره . ( وليكن بالأخضر )
ثالثاً : لبيان ما هو بحاجة لمزيد مراجعة ووطول بحث . ( وليكن بالأحمر )
رابعاً : لروعة الإخراج الحسن ، والمنظر الجميل .

والفوائد تطول ، وقد تكلم عن مثل هذا الشيء شيخنا العلامة الدكتور عبد الكريم الخضير حفظه الله في كيف يبني طالب العلم مكتبته ؛ ففيها نفائس يحسن الرجوع إليها .


والله أعلم
 
أرجو أن لا أكون ضيفًا ثقيلاً ، لكن من هو أسامة بن منقذ ؟
وهل بالفعل لم يُذكر أبوه في المصنفين في علوم القرآن أو التفسير ؟
 

وإنما الشرَّ الذي قد يقع في مثل هذا أن يطعن الجهادي في العالم أو يطعن العالم في الجهادي ، فيكون بينهم نفرة ، مع أن الأولى أن يُكمِّل بعضهم بعضًا ، وقس على هذا كل من سلك بابًا مكن أبواب هذا الدين وبرع فيه ، فإنه إن كمُل في باب ، فليس عليه أن ينتقد من لم يسر على خطاه ، بل عليه أن يعرف أنه يكمُّل غيره ، ويُكمِّله غيره .


بورك فيكم أبا عبدالملك ،وأذكر أن أحد إخواننا ،وهو الشيخ د.فهد اليحيى كتب قبل أربع سنوات ورقة قيمة حول هذا الموضوع ،بعنوان :

[align=center]بين أهل العلم و أهل الجهاد[/align]

أجاد فيه وأفاد ،وتحدث عما أجملتموه بتفصيل ،فبارك الله فيكما .
 
أساتذتي الأفاضل...
رضي ربي عنكم و أرضاكم!
فما أجمل واحات العلم التي أتحفتمونا بها!!!
رفع الرحمن قدركم!
 
عودة
أعلى